العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الخشوع في الصلاة عند الشافعية والحنابلة

إنضم
5 مايو 2012
المشاركات
20
الكنية
مارديني
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
دمشق
المذهب الفقهي
الشافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
الخشوع في الصلاة عند الشافعية والحنابلة
قال الشافعية:
يسن الخشوع في الصلاة، فيتصف به ظاهره وباطنه، ويستحضر المصلي أنه واقف بين يدي ملك الملوك يناجيه، وأن صلاته معروضة عليه، ومن الجائز أن يردها عليه ولا يقبلها.
والأصل في ذلك من الكتاب قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} وفسره علي رضي الله تعالى عنه: بلين القلب، وكف الجوارح.
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بوجهه وقلبه إلا وجبت له الجنة». أخرجه مسلم يرقم 234.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في الفتتاحه للهصة ضمن العاء الطويل : «خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظامي وعصبي». أخرجه مسلم برقم 771 والترمذي برقم 3421.
وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعبثُ بلحيته في الصلاة فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه». أخرجه أبو نعيم في الحلية 10/230 وابن أبي شيبة في مصنفه برقم 6787 موقوفاً على ابن المسيب والبيهقي كذلك برقم 3365.
والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة ولذلك قيل: إنه شرط في جزء من الصلاة، فلو سقط رداؤه أو طرف عمامته كره له تسويته إلا لضرورة كما ذكره في الإحياء.
انظر مغني المحتاج للخطيب الشربيني الشافعي 1/169.
وقال الغزالي رحمه الله الشافعي في "إحياء علوم الدين" 1/151:
فضيلة الخشوع:
قال الله تعالى: {وأقم الصلاة لذكري}
وقال تعالى: {ولا تكن من الغافلين}
وقال عز وجل: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} قيل: سكارى من كثرة الهم. وقيل: من حب الدنيا.
وقال وهب رحمه الله: المراد به ظاهره ففيه تنبيه على سكر الدنيا إذ بيَّن سبحانه فيه العلة فقال: {حتى تعلموا ما تقولون} وكم من مُصَلٍّ لم يشرب خمراً وهو لا يعلم ما يقول في صلاته.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى ركعتين لم يحدث نفسه فيهما بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه».
أخرجه البخاري برقم 158 ومسلم برقم 226.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما الصلاة تمسكن وتواضع وتضرع وتأوه وتنادم وتضع يديك فتقول اللهم اللهم فمن لم يفعل فهي خداج». أخرجه الترمذي برقم 385.
وروي عن الله سبحانه في الكتب السالفة أنه قال: «ليس كل مصل أتقبل يصلي إنما أتقبل صلاة من تواضع لعظمتي».
ذكره صاحب كنز العمال برقم 20104 وأبو نعيم في الحلية 4/18.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما الصلاة لقراءة القرآن، وذكر الله عز وجل، فإذا كنت فيها فليكن ذلك شأنك». أخرجه أبو داود برقم 931.
وقال صلى الله عليه وسلم للذي أوصاه: «وإذا صليت فصل صلاة مودع». أخرجه أحمد برقم 23545 وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف. والطبراني في الكبير برقم 3987 وابن أبي شيبة برقم 35591.
أي: مودع لنفسه، مودع لهواه، مودع لعمره، سائرٍ إلى مولاه، كما قال عز وجل: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه}.
وقال تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله}.
وقال تعالى: {واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه}.
وقال صلى الله عليه وسلم: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً» أخرجه الطبراني في الكبير برقم 11025.
والصلاة مناجاة فكيف تكون مع الغفلة.
وقال بكر بن عبد الله: يا ابن آدم إذا شئت أن تدخل على مولاك بغير إذن وتكلمه بلا ترجمان دخلت. قيل: وكيف ذلك؟ قال: تسبغ وضوءك، وتدخل محرابك، فإذا أنت قد دخلت على مولاك بغير إذن، فتكلمه بغير ترجمان.
وكان إبراهيم الخليل إذا قام إلى الصلاة يسمع وجيب قلبه على ميلين.
وكان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته.
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه».
ويروى أن الحسن البصري رحمه الله نظر إلى رجل يعبث بالحصى ويقول: اللهم زوجني الحور العين. فقال: بئس الخاطب أنت تخطب الحور العين وأنت تعبث بالحصى.
وقيل لخلف بن أيوب: ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها؟
قال: لا أعود نفسي شيئاً يفسد عليَّ صلاتي. قيل له: وكيف تصبر على ذلك؟ قال: بلغني أن الفساق يصبرون تحت أسواط السلطان ليقال فلان صبور ويفتخرون بذلك، فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة.
ويروى عن مسلم بن يسار أنه كان إذا أراد الصلاة قال لأهله: تحدثوا أنتم فإني لست أسمعكم.
ويروى عنه أنه كان يصلي يوماً في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد، فاجتمع الناس لذلك فلم يشعر به حتى انصرف من الصلاة.
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه، فقيل له: مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها.
ويروى عن علي بن الحسين أنه كان إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال داود عليه السلام في مناجاته: إلهي من يسكن بيتك، وممن تتقبل الصلاة؟ فأوحى الله إليه يا داود: إنما يسكن بيتي وأقبل الصلاة منه من تواضع لعظمتي، وقطع نهاره بذكري، وكف نفسه عن الشهوات من أجلي، يطعم الجائع، ويؤوى الغريب، ويرحم المصاب، فذلك الذي يضيء نوره في السموات كالشمس، إن دعاني لبيته، وإن سألني أعطيته، أجعل له في الجهل حلماً، وفي الغفلة ذكراً، وفي الظلمة نوراً، وإنما مثله في الناس كالفردوس في أعلى الجنان، لا تيبس أنهارها، ولا تتغير ثمارها.
ويروى عن حاتم الأصم رضي الله عنه أنه سئل عن صلاته فقال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبر تكبيراً بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعاً بتواضع، وأسجد سجوداً بتخشع، وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ظهر قدمها، وأنصب القدم اليمنى على الإبهام، وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساهٍ.

وقال الحنابلة:
يكره العبث كله، وما يشغله عن الصلاة ويذهب بخشوعها، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعبث في الصلاة فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه». ولا نعلم بين أهل العلم في كراهة هذا كله اختلافاً، ومن كرهه الشافعي ونقل كراهة بعضه عن ابن عباس وعائشة ومجاهد والنخعي وأبي مجلز ومالك والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي.
انظر المغني لابن قدامة الحنبلي 1/696.
وقال ابن القيم رحمه الله الحنبلي في كتابه "إعلام الموقعين" 4/203:
فصل: السكينة عند القيام بوظائف العبودية:
ومنها السكينة عند القيام بوظائف العبودية وهي التي تورث الخضوع، والخشوع، وغض الطرف، وجمعية القلب على الله تعالى، بحيث يؤدي عبوديته بقلبه وبدنه، والخشوع نتيجة هذه السكينة وثمرتها، وخشوع الجوارح نتيجة خشوع القلب، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يعبث في الصلاة فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه».
والأسباب المؤدية إلى السكينة: استيلاء مراقبة العبد لربه جل جلاله حتى كأنه يراه، وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت له من الحياء والسكينة والمحبة والخضوع والخشوع والخوف والرجاء ما لا يحصل بدونها، فالمراقبة أساس الأعمال القلبية كلها، وعمودها الذي قيامها به، ولقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أصول أعمال القلب وفروعها كلها في كلمة واحدة في قوله في الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه».
فتأمل كل مقام من مقامات الدين، وكل عمل من أعمال القلوب كيف تجد أن هذا أصله ومنبعه.
 
أعلى