العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ما هي مذاهب الفقهاء في السلام على أهل الذمة؟

بشرى عمر الغوراني

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
29 مارس 2010
المشاركات
2,121
الإقامة
لبنان
الجنس
أنثى
الكنية
أم أنس
التخصص
الفقه المقارن
الدولة
لبنان
المدينة
طرابلس
المذهب الفقهي
حنبلي
في الصفحة الأولى من كتاب بدائع الفوائد للإمام القيّم " ابن القيم" رحمه الله تعالى، قرأت هذا الحديث :"إذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه"، وقد اجتزأه، وهذا نص الحديث بتمامه في صحيح ابن حبان:"لا تبادروا أهل الكتاب بالسلام فإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه"، ولفظ الترمذي :"لا تبدءوا اليهود، والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه" وصحّحه.
وأظن أن الفقهاء اتفقوا على جواز السلام على جماعة من المسلمين فيهم ذميون أو مشركون؛ للحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم "
مرّ في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود..فسلّم عليهم..".
ولكن السؤال: هل يجوز بدء الذميين بالسلام؟
حبّذا لو أفدتموني ببحث أو كتاب جمع أقوال الفقهاء في ذلك وأدلتهم وأوجه استدلالهم.
جزاكم الله خيراً.
 
إنضم
13 سبتمبر 2008
المشاركات
246
التخصص
تجاره
المدينة
القاهره
المذهب الفقهي
الدليل
رد: ما هي مذاهب الفقهاء في السلام على أهل الذمة؟

للامام ابن القيم فى زاد المعاد بحث فى الموضوع ونزاع اهل العلم فى المسئله مابين مجيز ومانع
 
إنضم
6 يوليو 2012
المشاركات
111
الإقامة
الجيزة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو الفضل
التخصص
الحديث الشريف وعلومه
الدولة
جمهورية مصر العربية
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: ما هي مذاهب الفقهاء في السلام على أهل الذمة؟

هذه بعض النقول على عجالة لعلها نفيد إن شاء الله تعالى .
أخرج البخاري (رقم7) ومسلم (رقم 1773) حديث هرقل الطويل عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وفيه : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه فإذا فيه " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد ... الحديث .
قال ابن بطال في شرح صحيح البخارى (9/ 41) : يكتب إلى أهل الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، ويقدم الكاتب اسمه فى كتابه كما يفعل إذا كتب إلى مسلم، وفى هذا الحديث حجة لمن أجاز أن يبدأ أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة تكون إليهم لأن النبى إنما كتب إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام.
وقال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق (8/ 232) : ويرد السلام على الذمي ولا يزده على قوله وعليك؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يزده على ذلك ولا يبدؤه بالسلام؛ لأن فيه تعظيما له فإن كان له إليه حاجة فلا بأس ببداءته .
قال ابن المنير في المتواري على أبواب البخاري (ص: 348) : وهم ابن بطال فاستدل بالكتاب على جواز بداءة أهل الكتاب بالسلام، وليس فيه إلا سلام على من اتبع الهدى. فكأنه سلام معلق على إسلامهم. والمعلق على شرط عدم، عند عدم الشرط. ولو كان كما ظن لقال: سلام عليكم.
وقال الحافظ في فتح الباري (11/ 47) : قال ابن بطال فيه جواز كتابة بسم الله الرحمن الرحيم إلى أهل الكتاب وتقديم اسم الكاتب على المكتوب إليه قال وفيه حجة لمن أجاز مكاتبة أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة قلت في جواز السلام على الإطلاق نظر والذي يدل عليه الحديث السلام المقيد مثل ما في الخبر السلام على من اتبع الهدى أو السلام على من تمسك بالحق أو نحو ذلك . ا ه .
أخرج مسلم (رقم 2167) عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق، فاضطروه إلى أضيقه» .
قال النووي في شرح مسلم (14/ 144) : اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم وعليكم السلام بل يقال عليكم فقط أو وعليكم وقد جاءت الأحاديث التي ذكرها مسلم عليكم ، وعليكم بإثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات بإثباتها ، وعلى هذا في معناه وجهان أحدهما أنه على ظاهره فقالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء وكلنا نموت والثاني أن الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذم وأما حذف الواو فتقديره بل عليكم السام قال القاضي : اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو لئلا يقتضي التشريك وقال غيره بإثباتها كما هو في أكثر الروايات قال وقال بعضهم يقول عليكم السلام بكسر السين أي الحجارة وهذا ضعيف وقال الخطابي : عامة المحدثين يروون هذا الحرف وعليكم بالواو وكان ابن عيينة يرويه بغير واو قال الخطابي وهذا هو الصواب لأنه إذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردودا عليهم خاصة وإذا ثبت الواو اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه . هذا كلام الخطابي والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان كما صحت به الروايات وأن الواو أجود كما هو في أكثر الروايات ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم ولا ضرر في قوله بالواو .
قال : واختلف العلماء في رد السلام على الكفار وابتدائهم به فمذهبنا تحريم ابتدائهم به ووجوب رده عليهم بأن يقول وعليكم أو عليكم فقط ودليلنا في الابتداء قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام " . وفي الرد قوله صلى الله عليه وسلم : فقولوا وعليكم " . وبهذا الذي ذكرناه عن مذهبنا قال أكثر العلماء وعامة السلف وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام روي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن أبي محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردى لكنه قال يقول السلام عليك ولا يقول عليكم بالجمع واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث وبإفشاء السلام وهي حجة باطلة لأنه عام مخصوص بحديث " لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام " . وقال بعض أصحابنا يكره ابتداؤهم بالسلام ولا يحرم وهذا ضعيف أيضا لأن النهي للتحريم فالصواب تحريم ابتدائهم وحكى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة أو سبب وهو قول علقمة والنخعي وعن الأوزاعي أنه قال : إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون . وقالت طائفة من العلماء لا يرد عليهم السلام ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك وقال بعض أصحابنا يجوز أن يقول في الرد عليهم وعليكم السلام ولكن لا يقول ورحمة الله حكاه الماوردي وهو ضعيف مخالف للأحاديث والله أعلم .
وقال في المجموع شرح المهذب (4/ 604) : لا يجوز السلام على الكفار هذا هو المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور وحكى الماوردي في الحاوي فيه وجهين
(أحدهما) هذا .
(والثاني) يجوز ابتداؤهم بالسلام لكن يقول السلام عليك ولا يقل عليكم وهذا شاذ ضعيف وإذا سلم الذمي على مسلم قال في الرد وعليكم ولا يزيد على هذا هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور حكى صاحب الحاوي وجها آخر أنه يقول وعليكم السلام ولكن لا يقول ورحمة الله وهذا شاذ ضعيف ودليل المذهب في المسألتين حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " رواه مسلم وعن أنس رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك " رواه البخاري .
(فرع) لو سلم مسلم على من ظنه مسلما فبان كافرا قال المتولي وغيره يستحب أن يسترد سلامه فيقول له رد علي سلامي أو استرجعت سلامي والمقصود إيحاشه وأنه لا مؤالفة بينهما قال وروى ذلك عن ابن عمر وفى الموطأ عن مالك أنه لا يسترده واختاره ابن العربي المالكي .
(فرع) لومر بمجلس فيه كفار ومسلمون أو مسلم واحد أستحب أن يسلم عليهم ويقصد المسلمون أو المسلم لحديث أسامة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري ومسلم .
(فرع) إذا كتب إلى كافر كتابا فيه سلام أو نحوه فالسنة أن يكتب نحو ما ثبت في الصحيحين في حديث أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل " من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى " .
(فرع) إذا أراد تحية ذمي بغير السلام قال المتولي والرافعي له ذلك بأن يقول هداك الله أو أنعم الله صباحك وهذا لا بأس به إن احتاج إلى تحيته لدفع شره أو نحوه فيقول صبحك الله بالخير أو بالسعادة أو بالعافية أو بالمسرة ونحوه فان لم يحتج فالاختيار ان لا يقول شيئا فإن ذلك بسط وإيناس وإظهار مودة وقد امرنا باالاغلاظ عليهم ونهينا عن ودهم .
وقال العيني في عمدة القاري (14/ 206) : فوائد ذهب عامة السلف وجماعة الفقهاء أن أهل الكتاب لا يبدأون بالسلام، حاشى ابن عباس، وصدي بن عجلان وابن محيريز فإنهم جوزوه ابتداء. وقال النووي: وهو وجه لبعض أصحابنا، حكاه الماوردي، ولكنه قال: يقول: عليك، ولا يقول: عليكم، بالجمع، وحكى أيضا أن بعض أصحابنا جوز أن يقول: وعليكم السلام، فقط ولا يقول: ورحمة الله وبركاته، وهو ضعيف مخالف للأحاديث. وذهب آخرون إلى جواز الابتداء للضرورة أو لحاجة تعن له إليه أو لذمام أو نسب، وروى ذلك عن إبراهيم وعلقمة، وقال الأوزاعي: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون، وتؤول لهم قولهم : لا تبتدؤهم بالسلام، أي: لا تبتدأوهم كصنيعكم بالمسلمين. واختلفوا في رد السلام عليهم فقالت طائفة: رد السلام فريضة على المسلمين والكفار، قالوا: وهذا تأويل قوله تعالى: {فحيوا بأحسن منها وردوها} (النساء: 68) . قال ابن عباس وقتادة في آخرين: هي عامة في الرد على المسلمين والكفار. وقوله: {أو ردوها} (النساء: 68) . يقول للكافر: وعليكم. قال ابن عباس: من سلم عليك من خلق الله تعالى فاردد عليه، وإن كان مجوسيا. وروى ابن عبد البر عن أبي أمامة الباهلي أنه كان لا يمر بمسلم ولا يهودي ولا نصراني إلا بدأه بالسلام. وعن ابن مسعود وأبي الدرداء وفضالة بن عبيد أنهم كانوا يبدأون أهل الكتاب بالسلام، وكتب ابن عباس إلى كتابي: السلام عليك. وقال: لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه، وقيل لمحمد بن كعب: إن عمر بن عبد العزيز يرد عليهم ولا يبدأوهم، فقال ما أرى بإنسان يبدأهم بالسلام، لقول الله تعالى: {فاصفح عنهم وقل سلام} (الزخرف: 98) . وقالت طائفة: لا يرد السلام على الكتابي، والآية مخصوصة بالمسلمين، وهو قول الأكثرين، وعن ابن طاووس، يقول: علاك السلام، واختار بعضهم أن يرد عليهم السلام بكسر السين، أي: الحجارة، وعن مالك: إن بدأت ذميا على أنه مسلم ثم عرفت أنه ذمي فلا نسترد منه السلام، وقال ابن العربي: وكان ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، يسترده منه فيقول: أردد علي سلامي. ا ه .
أخرج البخاري (رقم 4566) ومسلم (رقم 1798) عن عروة بن الزبير، أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فدكية، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، قال: حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ... الحديث .
قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 343) : ففي هذا الحديث , أن ما كان من تسليم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم , وكان في الوقت الذي أمره الله بالعفو عنهم , والصفح , وترك مجادلتهم إلا بالتي هي أحسن , ثم نسخ الله ذلك وأمره بقتالهم فنسخ مع ذلك , السلام عليهم , وثبت قوله لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام , ومن سلم عليكم منهم , فقولوا: وعليكم , حتى تردوا عليه ما قال ونهوا أن يزيدوهم على ذلك .
ثم قال رحمه الله تعالى : حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا ابن عون، عن حميد بن زادويه، عن أنس بن مالك، قال: " نهينا أن نزيد أهل الكتاب على: وعليكم «فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة , وأبي يوسف , ومحمد , رحمهم الله تعالى .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في أحكام أهل الذمة (1/ 409) : ذكر [معاملتهم] عند اللقاء وكراهة أن يبدءوا بالسلام وكيف يرد عليهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه» "، رواه مسلم في " صحيحه ".
وفي " الصحيحين " عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " «إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليك، فقل: وعليك» " هكذا بالواو. وفي لفظ: " عليك " بلا واو. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم» " رواه أحمد هكذا.
وفي لفظ للإمام أحمد: " فقولوا: عليكم " بلا واو. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل رهط من اليهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السام عليك، ففهمتها فقلت: عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله "، فقلت: يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قد قلت: وعليكم» " متفق عليه واللفظ للبخاري.
وفي لفظ آخر: " قد قلت: عليكم " ولم يذكر مسلم الواو.
وفي لفظ للبخاري: «فقالت عائشة رضي الله عنها: عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم، قال: " مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش "، قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: " أولم تسمعي ما رددت عليهم؟ فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في» ". وعند مسلم قلت: " «بل عليكم السام والذام» ".
وعنده أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «سلم ناس من يهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: السام عليك يا أبا القاسم، قال: عليكم، فقالت عائشة رضي الله عنها وغضبت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: " بلى قد سمعت فرددت: عليكم، إنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا» ".
وعن أبي [بصرة] رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «إنا غادون على يهود فلا تبدءوهم بالسلام، فإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم» " رواه الإمام أحمد. وله أيضا عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدءوهم بالسلام، وإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم» ".
[معنى السلام]
[الوجه الأول:] ولما كان السلام اسما من أسماء الرب تبارك وتعالى، وهو اسم مصدر في الأصل - كالكلام والعطاء – بمعنى السلامة كان الرب تعالى أحق به من كل ما سواه ; لأنه السالم من كل آفة وعيب ونقص وذم، فإن له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وكماله من لوازم ذاته، فلا يكون إلا كذلك، والسلام يتضمن سلامة أفعاله من العبث والظلم وخلاف الحكمة، وسلامة صفاته من مشابهة صفات المخلوقين، وسلامة ذاته من كل نقص وعيب، وسلامة أسمائه من كل ذم، فاسم السلام يتضمن إثبات جميع الكمالات له وسلب جميع النقائص عنه.
وهذا معنى: سبحان الله والحمد لله، ويتضمن إفراده بالألوهية وإفراده بالتعظيم، وهذا معنى: لا إله إلا الله والله أكبر، فانتظم اسم " السلام " الباقيات الصالحات التي يثنى بها على الرب جل جلاله.
ومن بعض تفاصيل ذلك أنه الحي الذي سلمت حياته من الموت والسنة والنوم والتغير، القادر الذي سلمت قدرته من اللغوب والتعب والإعياء والعجز عما يريد، العليم الذي سلم علمه أن يعزب عنه مثقال ذرة أو يغيب عنه معلوم من المعلومات، وكذلك سائر صفاته على هذا.
فرضاه سبحانه سلام أن ينازعه الغضب، وحلمه سلام أن ينازعه الانتقام، وإرادته سلام أن ينازعها الإكراه، وقدرته سلام أن ينازعها العجز ومشيئته سلام أن ينازعها خلاف مقتضاها، وكلامه سلام أن يعرض له كذب أو ظلم، بل تمت كلماته صدقا وعدلا، ووعده سلام أن يلحقه خلف، وهو سلام أن يكون قبله شيء أو بعده شيء أو فوقه شيء أو دونه شيء، بل هو العالي على كل شيء وفوق كل شيء وقبل كل شيء وبعد كل شيء، والمحيط بكل شيء، وعطاؤه ومنعه سلام أن يقع في غير موقعه، ومغفرته سلام أن يبالي بها أو يضيق بذنوب عباده أو تصدر عن عجز عن أخذ حقه كما تكون مغفرة الناس، ورحمته وإحسانه ورأفته وبره وجوده وموالاته لأوليائه وتحببه إليهم وحنانه عليهم وذكره لهم وصلاته عليهم سلام أن يكون لحاجة منه إليهم أو تعزز بهم أو تكثر بهم.
وبالجملة فهو السلام من كل ما ينافي كلامه المقدس بوجه من الوجوه.
وأخطأ كل الخطأ من زعم أنه من أسماء السلوب، فإن السلب المحض لا يتضمن كمالا، بل اسم السلام متضمن للكمال السالم من كل ما يضاده، وإذا لم تظلم هذا الاسم ووفيته معناه وجدته مستلزما لإرسال الرسل، وإنزال الكتب وشرع الشرائع، وثبوت المعاد وحدوث العالم، وثبوت القضاء والقدر، وعلو الرب تعالى على خلقه ورؤيته لأفعالهم وسمعه لأصواتهم واطلاعه على سرائرهم وعلانياتهم، وتفرده بتدبيرهم وتوحده في كماله المقدس عن شريك بوجه من الوجوه فهو السلام الحق من كل وجه كما هو النزيه البريء عن نقائص البشر من كل وجه.
ولما كان سبحانه موصوفا بأن له يدين لم يكن فيهما شمال بل كلتا يديه يمين مباركة، كذلك أسماؤه كلها حسنى وأفعاله كلها خير، وصفاته كلها كمال وقد جعل سبحانه السلام تحية أوليائه في الدنيا وتحيتهم يوم لقائه، «ولما خلق آدم وكمل خلقه فاستوى قال الله له: اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فاستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك من بعدك» .
وقال تعالى: {لهم دار السلام عند ربهم} [الأنعام: 127] ، وقال: {والله يدعو إلى دار السلام} [يونس: 25] .
وقد اختلف في تسمية الجنة بدار السلام، فقيل: السلام هو الله، والجنة داره، وقيل: السلام هو السلامة، والجنة دار السلامة من كل آفة وعيب ونقص، وقيل: سميت دار السلام ; لأن تحيتهم فيها سلام ولا تنافي بين هذه المعاني كلها.
[الوجه الثاني:] وأما قول المسلم: السلام عليكم، فهو إخبار للمسلم عليه بسلامته من غيلة المسلم وغشه ومكره ومكروه يناله منه، فيرد الراد عليه مثل ذلك أي: فعل الله ذلك بك وأحله عليك.
والفرق بين هذا الوجه وبين الوجه الأول أنه في الأول خبر وفي الثاني طلب.
ووجه ثالث: وهو أن يكون المعنى: اذكر الله الذي عافاك من المكروه وأمنك من المحذور وسلمك مما تخاف وعاملنا من السلامة والأمان بمثل ما عاملك به، فيرد الراد عليه مثل ذلك، ويستحب له أن يزيده كما أن من أهدى لك هدية يستحب لك أن تكافئه بزيادة عليها، ومن دعا لك ينبغي أن تدعو له بأكثر من ذلك.
ووجه رابع: وهو أن يكون معنى سلام المسلم ورد الراد بشارة من الله سبحانه، جعلها على ألسنة المسلمين لبعضهم بعضا بالسلامة من الشر، وحصول الرحمة والبركة، وهي دوام ذلك وثباته، وهذه البشارة أعطوها لدخولهم في دين الإسلام، فأعظمهم أجرا أحسنهم تحية، وأسبقهم في هذه البشارة كما في الحديث " وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام ".
واشتق الله سبحانه لأوليائه من تحية بينهم اسما من أسمائه، واسم دينه الإسلام الذي هو دين أنبيائه ورسله وملائكته.
قال تعالى: {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون} [آل عمران: 83] .
ووجه خامس: وهو أن كل أمة من الأمم لهم تحية بينهم من أقوال وأعمال كالسجود وتقبيل الأيدي وضرب الجوك، وقول بعضهم: انعم صباحا، وقول بعضهم: عش ألف عام ونحو ذلك، فشرع الله تبارك وتعالى لأهل الإسلام " سلام عليكم " وكانت أحسن من جميع تحيات الأمم بينها، لتضمنها السلامة التي لا حياة ولا فلاح إلا بها، فهي الأصل المقدم على كل شيء.
وانتفاع العبد بحياته إنما يحصل بشيئين: بسلامته من الشر وحصول الخير، والسلامة من الشر مقدمة على حصول الخير وهي الأصل، فإن الإنسان، بل وكل حيوان، إنما يهتم بسلامته أولا وغنيمته ثانيا، على أن السلامة المطلقة تتضمن حصول الخير، فإنه لو فاته حصل له الهلاك والعطب أو النقص، ففوات الخير يمنع حصول السلامة المطلقة، فتضمنت السلامة نجاة العبد من الشر، وفوزه بالخير مع اشتقاقها من اسم الله.
والمقصود أن السلام اسمه ووصفه وفعله، والتلفظ به ذكر له كما في " السنن " «أن رجلا سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليه حتى تيمم ورد عليه، وقال: " إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة» ".
قال: فحقيق بتحية هذا شأنها أن تصان عن بذلها لغير أهل الإسلام، وألا يحيى بها أعداء القدوس السلام.
ولهذا كانت كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ملوك الكفار «سلام على من اتبع الهدى» ولم يكتب لكافر: " سلام عليكم " أصلا، فلهذا قال في أهل الكتاب: " «ولا تبدءوهم بالسلام» ".
 
إنضم
6 يوليو 2012
المشاركات
111
الإقامة
الجيزة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو الفضل
التخصص
الحديث الشريف وعلومه
الدولة
جمهورية مصر العربية
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: ما هي مذاهب الفقهاء في السلام على أهل الذمة؟

هذه بعض النقول على عجالة لعلها تفيد إن شاء الله تعالى .
أخرج البخاري (رقم7) ومسلم (رقم 1773) حديث هرقل الطويل عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وفيه : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه فإذا فيه " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد ... الحديث .
قال ابن بطال في شرح صحيح البخارى (9/ 41) : يكتب إلى أهل الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، ويقدم الكاتب اسمه فى كتابه كما يفعل إذا كتب إلى مسلم، وفى هذا الحديث حجة لمن أجاز أن يبدأ أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة تكون إليهم لأن النبى إنما كتب إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام.
وقال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق (8/ 232) : ويرد السلام على الذمي ولا يزده على قوله وعليك؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يزده على ذلك ولا يبدؤه بالسلام؛ لأن فيه تعظيما له فإن كان له إليه حاجة فلا بأس ببداءته .
قال ابن المنير في المتواري على أبواب البخاري (ص: 348) : وهم ابن بطال فاستدل بالكتاب على جواز بداءة أهل الكتاب بالسلام، وليس فيه إلا سلام على من اتبع الهدى. فكأنه سلام معلق على إسلامهم. والمعلق على شرط عدم، عند عدم الشرط. ولو كان كما ظن لقال: سلام عليكم.
وقال الحافظ في فتح الباري (11/ 47) : قال ابن بطال فيه جواز كتابة بسم الله الرحمن الرحيم إلى أهل الكتاب وتقديم اسم الكاتب على المكتوب إليه قال وفيه حجة لمن أجاز مكاتبة أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة قلت في جواز السلام على الإطلاق نظر والذي يدل عليه الحديث السلام المقيد مثل ما في الخبر السلام على من اتبع الهدى أو السلام على من تمسك بالحق أو نحو ذلك . ا ه .
أخرج مسلم (رقم 2167) عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق، فاضطروه إلى أضيقه» .
قال النووي في شرح مسلم (14/ 144) : اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم وعليكم السلام بل يقال عليكم فقط أو وعليكم وقد جاءت الأحاديث التي ذكرها مسلم عليكم ، وعليكم بإثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات بإثباتها ، وعلى هذا في معناه وجهان أحدهما أنه على ظاهره فقالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء وكلنا نموت والثاني أن الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذم وأما حذف الواو فتقديره بل عليكم السام قال القاضي : اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو لئلا يقتضي التشريك وقال غيره بإثباتها كما هو في أكثر الروايات قال وقال بعضهم يقول عليكم السلام بكسر السين أي الحجارة وهذا ضعيف وقال الخطابي : عامة المحدثين يروون هذا الحرف وعليكم بالواو وكان ابن عيينة يرويه بغير واو قال الخطابي وهذا هو الصواب لأنه إذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردودا عليهم خاصة وإذا ثبت الواو اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه . هذا كلام الخطابي والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان كما صحت به الروايات وأن الواو أجود كما هو في أكثر الروايات ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم ولا ضرر في قوله بالواو .
قال : واختلف العلماء في رد السلام على الكفار وابتدائهم به فمذهبنا تحريم ابتدائهم به ووجوب رده عليهم بأن يقول وعليكم أو عليكم فقط ودليلنا في الابتداء قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام " . وفي الرد قوله صلى الله عليه وسلم : فقولوا وعليكم " . وبهذا الذي ذكرناه عن مذهبنا قال أكثر العلماء وعامة السلف وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام روي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن أبي محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردى لكنه قال يقول السلام عليك ولا يقول عليكم بالجمع واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث وبإفشاء السلام وهي حجة باطلة لأنه عام مخصوص بحديث " لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام " . وقال بعض أصحابنا يكره ابتداؤهم بالسلام ولا يحرم وهذا ضعيف أيضا لأن النهي للتحريم فالصواب تحريم ابتدائهم وحكى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة أو سبب وهو قول علقمة والنخعي وعن الأوزاعي أنه قال : إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون . وقالت طائفة من العلماء لا يرد عليهم السلام ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك وقال بعض أصحابنا يجوز أن يقول في الرد عليهم وعليكم السلام ولكن لا يقول ورحمة الله حكاه الماوردي وهو ضعيف مخالف للأحاديث والله أعلم .
وقال في المجموع شرح المهذب (4/ 604) : لا يجوز السلام على الكفار هذا هو المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور وحكى الماوردي في الحاوي فيه وجهين
(أحدهما) هذا .
(والثاني) يجوز ابتداؤهم بالسلام لكن يقول السلام عليك ولا يقل عليكم وهذا شاذ ضعيف وإذا سلم الذمي على مسلم قال في الرد وعليكم ولا يزيد على هذا هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور حكى صاحب الحاوي وجها آخر أنه يقول وعليكم السلام ولكن لا يقول ورحمة الله وهذا شاذ ضعيف ودليل المذهب في المسألتين حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " رواه مسلم وعن أنس رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك " رواه البخاري .
(فرع) لو سلم مسلم على من ظنه مسلما فبان كافرا قال المتولي وغيره يستحب أن يسترد سلامه فيقول له رد علي سلامي أو استرجعت سلامي والمقصود إيحاشه وأنه لا مؤالفة بينهما قال وروى ذلك عن ابن عمر وفى الموطأ عن مالك أنه لا يسترده واختاره ابن العربي المالكي .
(فرع) لومر بمجلس فيه كفار ومسلمون أو مسلم واحد أستحب أن يسلم عليهم ويقصد المسلمون أو المسلم لحديث أسامة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري ومسلم .
(فرع) إذا كتب إلى كافر كتابا فيه سلام أو نحوه فالسنة أن يكتب نحو ما ثبت في الصحيحين في حديث أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل " من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى " .
(فرع) إذا أراد تحية ذمي بغير السلام قال المتولي والرافعي له ذلك بأن يقول هداك الله أو أنعم الله صباحك وهذا لا بأس به إن احتاج إلى تحيته لدفع شره أو نحوه فيقول صبحك الله بالخير أو بالسعادة أو بالعافية أو بالمسرة ونحوه فان لم يحتج فالاختيار ان لا يقول شيئا فإن ذلك بسط وإيناس وإظهار مودة وقد امرنا باالاغلاظ عليهم ونهينا عن ودهم .
وقال العيني في عمدة القاري (14/ 206) : فوائد ذهب عامة السلف وجماعة الفقهاء أن أهل الكتاب لا يبدأون بالسلام، حاشى ابن عباس، وصدي بن عجلان وابن محيريز فإنهم جوزوه ابتداء. وقال النووي: وهو وجه لبعض أصحابنا، حكاه الماوردي، ولكنه قال: يقول: عليك، ولا يقول: عليكم، بالجمع، وحكى أيضا أن بعض أصحابنا جوز أن يقول: وعليكم السلام، فقط ولا يقول: ورحمة الله وبركاته، وهو ضعيف مخالف للأحاديث. وذهب آخرون إلى جواز الابتداء للضرورة أو لحاجة تعن له إليه أو لذمام أو نسب، وروى ذلك عن إبراهيم وعلقمة، وقال الأوزاعي: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون، وتؤول لهم قولهم : لا تبتدؤهم بالسلام، أي: لا تبتدأوهم كصنيعكم بالمسلمين. واختلفوا في رد السلام عليهم فقالت طائفة: رد السلام فريضة على المسلمين والكفار، قالوا: وهذا تأويل قوله تعالى: {فحيوا بأحسن منها وردوها} (النساء: 68) . قال ابن عباس وقتادة في آخرين: هي عامة في الرد على المسلمين والكفار. وقوله: {أو ردوها} (النساء: 68) . يقول للكافر: وعليكم. قال ابن عباس: من سلم عليك من خلق الله تعالى فاردد عليه، وإن كان مجوسيا. وروى ابن عبد البر عن أبي أمامة الباهلي أنه كان لا يمر بمسلم ولا يهودي ولا نصراني إلا بدأه بالسلام. وعن ابن مسعود وأبي الدرداء وفضالة بن عبيد أنهم كانوا يبدأون أهل الكتاب بالسلام، وكتب ابن عباس إلى كتابي: السلام عليك. وقال: لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه، وقيل لمحمد بن كعب: إن عمر بن عبد العزيز يرد عليهم ولا يبدأوهم، فقال ما أرى بإنسان يبدأهم بالسلام، لقول الله تعالى: {فاصفح عنهم وقل سلام} (الزخرف: 98) . وقالت طائفة: لا يرد السلام على الكتابي، والآية مخصوصة بالمسلمين، وهو قول الأكثرين، وعن ابن طاووس، يقول: علاك السلام، واختار بعضهم أن يرد عليهم السلام بكسر السين، أي: الحجارة، وعن مالك: إن بدأت ذميا على أنه مسلم ثم عرفت أنه ذمي فلا نسترد منه السلام، وقال ابن العربي: وكان ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، يسترده منه فيقول: أردد علي سلامي. ا ه .
أخرج البخاري (رقم 4566) ومسلم (رقم 1798) عن عروة بن الزبير، أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فدكية، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، قال: حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ... الحديث .
قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 343) : ففي هذا الحديث , أن ما كان من تسليم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم , وكان في الوقت الذي أمره الله بالعفو عنهم , والصفح , وترك مجادلتهم إلا بالتي هي أحسن , ثم نسخ الله ذلك وأمره بقتالهم فنسخ مع ذلك , السلام عليهم , وثبت قوله لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام , ومن سلم عليكم منهم , فقولوا: وعليكم , حتى تردوا عليه ما قال ونهوا أن يزيدوهم على ذلك .
ثم قال رحمه الله تعالى : حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا ابن عون، عن حميد بن زادويه، عن أنس بن مالك، قال: " نهينا أن نزيد أهل الكتاب على: وعليكم «فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة , وأبي يوسف , ومحمد , رحمهم الله تعالى .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في أحكام أهل الذمة (1/ 409) : ذكر [معاملتهم] عند اللقاء وكراهة أن يبدءوا بالسلام وكيف يرد عليهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه» "، رواه مسلم في " صحيحه ".
وفي " الصحيحين " عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " «إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليك، فقل: وعليك» " هكذا بالواو. وفي لفظ: " عليك " بلا واو. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم» " رواه أحمد هكذا.
وفي لفظ للإمام أحمد: " فقولوا: عليكم " بلا واو. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل رهط من اليهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السام عليك، ففهمتها فقلت: عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله "، فقلت: يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قد قلت: وعليكم» " متفق عليه واللفظ للبخاري.
وفي لفظ آخر: " قد قلت: عليكم " ولم يذكر مسلم الواو.
وفي لفظ للبخاري: «فقالت عائشة رضي الله عنها: عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم، قال: " مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش "، قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: " أولم تسمعي ما رددت عليهم؟ فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في» ". وعند مسلم قلت: " «بل عليكم السام والذام» ".
وعنده أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «سلم ناس من يهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: السام عليك يا أبا القاسم، قال: عليكم، فقالت عائشة رضي الله عنها وغضبت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: " بلى قد سمعت فرددت: عليكم، إنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا» ".
وعن أبي [بصرة] رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «إنا غادون على يهود فلا تبدءوهم بالسلام، فإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم» " رواه الإمام أحمد. وله أيضا عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدءوهم بالسلام، وإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم» ".
[معنى السلام]
[الوجه الأول:] ولما كان السلام اسما من أسماء الرب تبارك وتعالى، وهو اسم مصدر في الأصل - كالكلام والعطاء – بمعنى السلامة كان الرب تعالى أحق به من كل ما سواه ; لأنه السالم من كل آفة وعيب ونقص وذم، فإن له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وكماله من لوازم ذاته، فلا يكون إلا كذلك، والسلام يتضمن سلامة أفعاله من العبث والظلم وخلاف الحكمة، وسلامة صفاته من مشابهة صفات المخلوقين، وسلامة ذاته من كل نقص وعيب، وسلامة أسمائه من كل ذم، فاسم السلام يتضمن إثبات جميع الكمالات له وسلب جميع النقائص عنه.
وهذا معنى: سبحان الله والحمد لله، ويتضمن إفراده بالألوهية وإفراده بالتعظيم، وهذا معنى: لا إله إلا الله والله أكبر، فانتظم اسم " السلام " الباقيات الصالحات التي يثنى بها على الرب جل جلاله.
ومن بعض تفاصيل ذلك أنه الحي الذي سلمت حياته من الموت والسنة والنوم والتغير، القادر الذي سلمت قدرته من اللغوب والتعب والإعياء والعجز عما يريد، العليم الذي سلم علمه أن يعزب عنه مثقال ذرة أو يغيب عنه معلوم من المعلومات، وكذلك سائر صفاته على هذا.
فرضاه سبحانه سلام أن ينازعه الغضب، وحلمه سلام أن ينازعه الانتقام، وإرادته سلام أن ينازعها الإكراه، وقدرته سلام أن ينازعها العجز ومشيئته سلام أن ينازعها خلاف مقتضاها، وكلامه سلام أن يعرض له كذب أو ظلم، بل تمت كلماته صدقا وعدلا، ووعده سلام أن يلحقه خلف، وهو سلام أن يكون قبله شيء أو بعده شيء أو فوقه شيء أو دونه شيء، بل هو العالي على كل شيء وفوق كل شيء وقبل كل شيء وبعد كل شيء، والمحيط بكل شيء، وعطاؤه ومنعه سلام أن يقع في غير موقعه، ومغفرته سلام أن يبالي بها أو يضيق بذنوب عباده أو تصدر عن عجز عن أخذ حقه كما تكون مغفرة الناس، ورحمته وإحسانه ورأفته وبره وجوده وموالاته لأوليائه وتحببه إليهم وحنانه عليهم وذكره لهم وصلاته عليهم سلام أن يكون لحاجة منه إليهم أو تعزز بهم أو تكثر بهم.
وبالجملة فهو السلام من كل ما ينافي كلامه المقدس بوجه من الوجوه.
وأخطأ كل الخطأ من زعم أنه من أسماء السلوب، فإن السلب المحض لا يتضمن كمالا، بل اسم السلام متضمن للكمال السالم من كل ما يضاده، وإذا لم تظلم هذا الاسم ووفيته معناه وجدته مستلزما لإرسال الرسل، وإنزال الكتب وشرع الشرائع، وثبوت المعاد وحدوث العالم، وثبوت القضاء والقدر، وعلو الرب تعالى على خلقه ورؤيته لأفعالهم وسمعه لأصواتهم واطلاعه على سرائرهم وعلانياتهم، وتفرده بتدبيرهم وتوحده في كماله المقدس عن شريك بوجه من الوجوه فهو السلام الحق من كل وجه كما هو النزيه البريء عن نقائص البشر من كل وجه.
ولما كان سبحانه موصوفا بأن له يدين لم يكن فيهما شمال بل كلتا يديه يمين مباركة، كذلك أسماؤه كلها حسنى وأفعاله كلها خير، وصفاته كلها كمال وقد جعل سبحانه السلام تحية أوليائه في الدنيا وتحيتهم يوم لقائه، «ولما خلق آدم وكمل خلقه فاستوى قال الله له: اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فاستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك من بعدك» .
وقال تعالى: {لهم دار السلام عند ربهم} [الأنعام: 127] ، وقال: {والله يدعو إلى دار السلام} [يونس: 25] .
وقد اختلف في تسمية الجنة بدار السلام، فقيل: السلام هو الله، والجنة داره، وقيل: السلام هو السلامة، والجنة دار السلامة من كل آفة وعيب ونقص، وقيل: سميت دار السلام ; لأن تحيتهم فيها سلام ولا تنافي بين هذه المعاني كلها.
[الوجه الثاني:] وأما قول المسلم: السلام عليكم، فهو إخبار للمسلم عليه بسلامته من غيلة المسلم وغشه ومكره ومكروه يناله منه، فيرد الراد عليه مثل ذلك أي: فعل الله ذلك بك وأحله عليك.
والفرق بين هذا الوجه وبين الوجه الأول أنه في الأول خبر وفي الثاني طلب.
ووجه ثالث: وهو أن يكون المعنى: اذكر الله الذي عافاك من المكروه وأمنك من المحذور وسلمك مما تخاف وعاملنا من السلامة والأمان بمثل ما عاملك به، فيرد الراد عليه مثل ذلك، ويستحب له أن يزيده كما أن من أهدى لك هدية يستحب لك أن تكافئه بزيادة عليها، ومن دعا لك ينبغي أن تدعو له بأكثر من ذلك.
ووجه رابع: وهو أن يكون معنى سلام المسلم ورد الراد بشارة من الله سبحانه، جعلها على ألسنة المسلمين لبعضهم بعضا بالسلامة من الشر، وحصول الرحمة والبركة، وهي دوام ذلك وثباته، وهذه البشارة أعطوها لدخولهم في دين الإسلام، فأعظمهم أجرا أحسنهم تحية، وأسبقهم في هذه البشارة كما في الحديث " وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام ".
واشتق الله سبحانه لأوليائه من تحية بينهم اسما من أسمائه، واسم دينه الإسلام الذي هو دين أنبيائه ورسله وملائكته.
قال تعالى: {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون} [آل عمران: 83] .
ووجه خامس: وهو أن كل أمة من الأمم لهم تحية بينهم من أقوال وأعمال كالسجود وتقبيل الأيدي وضرب الجوك، وقول بعضهم: انعم صباحا، وقول بعضهم: عش ألف عام ونحو ذلك، فشرع الله تبارك وتعالى لأهل الإسلام " سلام عليكم " وكانت أحسن من جميع تحيات الأمم بينها، لتضمنها السلامة التي لا حياة ولا فلاح إلا بها، فهي الأصل المقدم على كل شيء.
وانتفاع العبد بحياته إنما يحصل بشيئين: بسلامته من الشر وحصول الخير، والسلامة من الشر مقدمة على حصول الخير وهي الأصل، فإن الإنسان، بل وكل حيوان، إنما يهتم بسلامته أولا وغنيمته ثانيا، على أن السلامة المطلقة تتضمن حصول الخير، فإنه لو فاته حصل له الهلاك والعطب أو النقص، ففوات الخير يمنع حصول السلامة المطلقة، فتضمنت السلامة نجاة العبد من الشر، وفوزه بالخير مع اشتقاقها من اسم الله.
والمقصود أن السلام اسمه ووصفه وفعله، والتلفظ به ذكر له كما في " السنن " «أن رجلا سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليه حتى تيمم ورد عليه، وقال: " إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة» ".
قال: فحقيق بتحية هذا شأنها أن تصان عن بذلها لغير أهل الإسلام، وألا يحيى بها أعداء القدوس السلام.
ولهذا كانت كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ملوك الكفار «سلام على من اتبع الهدى» ولم يكتب لكافر: " سلام عليكم " أصلا، فلهذا قال في أهل الكتاب: " «ولا تبدءوهم بالسلام» ".
 

بشرى عمر الغوراني

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
29 مارس 2010
المشاركات
2,121
الإقامة
لبنان
الجنس
أنثى
الكنية
أم أنس
التخصص
الفقه المقارن
الدولة
لبنان
المدينة
طرابلس
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ما هي مذاهب الفقهاء في السلام على أهل الذمة؟

الأخوين الفاضلين،
جزاكما الله خيراً.
أما عن بدء النصارى بالسلام، أي بقول "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، فلستُ أسأل عنها؛ لأنهم ليسوا أهلاً لها، ولكني أردتُ أن أسأل عن التحايا الأخرى، كصباح الخير، أو مساء الخير، حين الاضطرار إلى التعامل معهم، وقد جاء الردّ على ذلك في جواب الأخ الفاضل.
فشكراً لكم.
 
أعلى