العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ظاهرة الاختصار الفقهي وموقف العلماء منها

نور الايمان

:: متخصص ::
إنضم
29 يناير 2010
المشاركات
4
التخصص
الفقه
المدينة
فاس
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته​
لقد عُرِّفَ الاختصار في اللغة بأنه إيجاز الكلام[1]. ونقل الحطاب عن الفراهيدي قوله بأنه : "ما دل قليله على كثيره".

والتهذيب لغة يدل على تنقية الشيء مما يعيبه وإخلاصه وإصلاحه[2].
وعرفه أبو البقاء بأنه : "عبارة عن ترداد النظر في الكلام بعد عمله، والشروع في تنقيحه نظما كان أو نثرا وتغيير ما يجب تغييره، وحذف ما ينبغي حذفه وإصلاح ما يتعين إصلاحه، وكشف ما يشكل من غريبه وإعرابهوتحرير ما يدق من معانيه وإطراح ما تجافى من مضاجع الرقة من غليظ ألفاظه لتشرقشموس الهدى في سماء البلاغة"
[3].
وقد انتشرت ظاهرة الاختصار في الفقه لسببين أساسيين :
أحدهما : ضيق مجال العمل أمام العلماء في عصرالانحطاط حيث أغلق باب الاجتهاد في الفقه، وتجمدت العلوم النقلية والعقلية على ماكانت عليه من قبل فلم يبق لهؤلاء عند التأليف سوى تكرار ما قاله الأول في شروحوذيول أو في تجميع مسائل العلوم ونظمها أو تقليص حجم الكتب المطولة في مختصرات.
وثاني السببين يتمثل في قصور همم المتعلمين في تلك العصوروانصرافهم عن دراسة أمهات الكتب، فراح الشيوخ يلخصونها لهم في مختصرات تحفظ بسهولةنسبية[4].
كما أن المختصرات تجعل تذكرة لرؤوس المسائل، وربما أفادتبعض المبتدئين الأذكياء لسرعة هجومهم على المعاني الدقيقة.ولخص الحجوي أهداف الاختصار في نقطتين :
أولا : تقليل الألفاظ تيسيرا للحفظ على المتعلمين.
ثانيا : جمع ما هو في كتب المذهب من الفروع ليكون أجمع للمسائل
وهما مقصدان استحسنهما الفقهاء ما لم تحصل المغالاة.
وأضاف للقارئ فائدة مهمة جدا وهي : "تعويد المتفقه الدقة في العبارات والاحتراز"[6].

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد اعتراض بعض العلماءعلى ظاهرة الإغراق في الاختصار. وفي مقدمتهم أبو بكر بن العربي الذي أرجع سبب نضوبماء العلم في الإسلام ونقصان ملكة أهله فيه إلى انكباب الناس على تعاطي المختصراتالصعبة الفهم وإعراضهم عن كتب الأقدمين المبسوطة المعاني الواضحة الدلالة التيتحصل لمطالعها الملكة في أقرب مدة[7].
وتبعه على نفس المنهج الفقيه عبد الحق الصقلي الذي انتقد مسلك البراذعي في اختصاره للمدونة
[8].
ورفض هذه الظاهرة أيضا أبو إسحاق الشاطبي، فقد كانمنهاجه في دراسته ألا يأخذ الفقه إلا من كتب الأقدمين ويقول : "وأما ما ذكرتممن عدم اعتمادي على التآليف المتأخرة فليس ذلك مني محض رأي، ولكن اعتمدته بحسب الخبرة عند النظر في كتب المتقدمين مع المتأخرين..."[9] ويقول : "إن كتب المقدمين وكلامهم وسيرهم أنفعلمن أراد الأخذ بالاحتياط في العلم على أي نوع كان وخصوصا على الشريعة الذي هوالعروة الوثقى"[10].

ويشير ابن خلدون إلى الاختصار وبعض عيوبه فيقول : ذهبكثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم يولعون بها ويدونون منهابرنامجا مختصراً في كل علم يشتمل على حصر مسائلها وأدلتها باختصار في ألفاظها وحشوالقليل فيها بمعاني كثيرة من ذلك الفن. وصار ذلك مخلا بالبلاغة وعسيرا عن الفهم"[11].
ويقول محمد الخضر التونسي : "كتب المتقدمين في العلوم الإسلامية مقاصد كانت أو وسائل هي أحكم صنعا وأشد صلة بروح الموضوع من كتب المتأخرين ولاسيما منذ أصبحت سوق الاختصار نافقة"[12].
ويقول الونشريسي عن الاختصار في وقته : "...ثم كانأهل هذه المائة السادسة وصدر السابعة – على حال من قبلهم من حفظ المختصرات وشقالشروح والأصول الكبار فاقتصروا على حفظ ما قل لفظه ونزر حظه، وأفنوا أعمارهم فيحل لغوزه وفهم رموزه ولم يصلوا إلى رد ما فيه إلى أصوله بالتصحيح فضلا عن معرفةالضعيف من ذلك والصحيح، بل هو حل مقفل وفهم أمر مجمل ومطالعة تقييدات زعموا أنهاتستنهض النفوس فإنا لله وإنا إليه راجعون"[13].
[1]- لسان العرب 4/243مادة خصر. الحطاب- مواهب الجليل لشرح مختصر خليل وبهامشه التاج والإكليل لمختصرخليل لأبي القاسم العبدري الشهير بالمواق 1/24 دار الرشاد الحديثة الدار البيضاءط.3 1412هـ - 1992م.
[2]- أحمد زكريا معجممقاييس اللغة 6/45 تح : عبد السلام هارون دار الجيل 1411هـ- 1994م. لسان العرب 1/782 مادة هذب. - الفيروز آبادي – القاموس المحيط1/139 مؤسسة الحلبي للنشر القاهرة.
[3]- أبو البقاء –الكليات ص 308 -309 مقابلة وإعداد عدنان دريوش ط1. 1412هـ - 1992م.
[4]- محمد حجي الحركةالفكرية في المغرب في عهد السعديين I/82-83. مطبعة فضالة 1397هـ1983م – دار المغرب للتأليف والترجمةوالنشر.
[6]- الفكر السامي2/398-399.
[7]-الناصري الاستقصا لدول المغرب الأقصى 8/67 تح : جعفر الناصري ومحمد الناصري دار الكتابالدار البيضاء 1373هـ1954م.
[8]- معالم الايمان 3/186. ترتيب المدارك 7/256.
[9]- نيل الابتهاج بتطريز الديباج ص 50.
[10]- الشاطي –الموافقات 1/62. عليه تعليق محمد التونسي، المطبعة السلفية مصر 1341هـ- 1922م.
[11]- مقدمة ابن خلدون فصل في أن كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوممخلة بالتعليم ص 443.
[12]- تعليق بهامشالموافقات 1/62.
[13]- المعيار المعرب 2/480.
 
أعلى