العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

التكييف الشرعي للسحب ببطاقة الصراف الآلي بعملة مغايرة لما في الرصيد

صلاح أحمد عامر

:: متابع ::
إنضم
19 يوليو 2009
المشاركات
15
التخصص
فقه مقارن
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي ومن ثم مقارن
سألني بعض الإخوة عن التكييف الشرعي للسحب من حسابه إن كان في بلد غير بلده ، كأن يكون من أهل الكويت وسافر للسعودية مثلا واحتاج للسحب من رصيده ، عن طريف بطاقة الصراف الآلي، فإن الصراف حينئذ يعطية ريالات بينما رصيده بالدينار ، ويتقاضى المصرف المسحوب منه والمصدر والمنظمة عمولات فهل هذا يجوز ؟؟؟
فكتب ما يلي :
تصوير المسألة
مصرفان وعميل، المصرف الأول للعميل فيه حساب جارٍ ومنه صدرت بطاقة الصراف الآلي، والمصرف الثاني ليس للعميل فيه حساب، قام العميل باستيفاء قرضه من المصرف الأول بعملة مغايرة للعملة المودعة في حسابه، ولكن باستخدام آلة صراف المصرف الثاني الذي ليس للعميل فيه حساب، بعمولة تؤخذ من العميل لصالح المصرف صاحب الآلة، وللمنظمة الراعية، وللمصرف المصدر.
· التمثيل
قيام عميل له حساب في مصرِف بيت التمويل الكويتي بالدينار الكويتي، بسحب مئة ريال بالعملة السعودية[SUP][SUP][1][/SUP][/SUP]عن طريق السحب الآلي، من حسابه السابق في بيت التمويل الكويتي، ولكن عن طرق آلة صرف تابعة لبنك مصرف الراجحي[SUP][SUP][2][/SUP][/SUP]، فتترتب عليه عمولة للبنك صاحب الآلة ـ مصرف الراجحي ـ وعمولة للمصرف المصدرـ بيت التمويل الكويتي ـ جراء الحوالة للخارج، وعمولة للمنظمة الرعية، فيزا ـ مثلاً ـ تؤخذ من حسابه في بيت التمويل.
· محور البحث
يدور محور البحث في مسألتنا حول شرعية ذلك السحب المالي بالعملة المغايرة، وحكم العمولة المقتطعة، أو النسبية المستفادة للمصرف صاحب الآلة المسحوب منها، و المصرف المصدر، والمنظمة الراعية.

التكييف الشرعي
اختلف الباحثون في التكييف الشرعي لهذه المسألة على عدة أقوال نذكر أهمها: التكييف الأول: قرض[SUP][SUP][3][/SUP][/SUP]، وحوالة مقترنة بالصرف[4].
لا يخفى أن هذا السحب المالي من البنك الخارجي هو عبارة عن إذن من المصدر للبطاقة لبنك خاص أو لكل أحد في أن يؤدي قرضًا عليه لمن يحمل بطاقته، فحامل البطاقة يأخذ النقد على ذمة المصدر وهو مأذون في التصرف فيه، ويتملكه الساحب إما بعنوان أداء الدين الذي له على المصدر (استيفاء) فيما إذا كان الساحب صاحب حساب دائن لدى البنك المصدر للبطاقة وهو أمر لا بأس به، أو بعنوان الاقتراض من البنك المصدر أن لم يوجد له حساب دائن لدى البنك المصدر للبطاقة.
فإذا سحب العميل ببطاقته مبالغ نقدية من فروع بعض البنوك الخارجية المرتبطة ببنكه بواسطة منظمة الفيزا مثلًا، مباشرة أو من طريق أجهزة الصرف الآلي ، فإن البنك المصدر يقوم بتسديد الدين الذي أخذه عميله ( صاحب البطاقة )، وعملية التسديد تقتضي أولًا أن يقرض البنك عميله عملة محلية أو أن العملة المحلية موجودة لدى حساب العميل ثم يقوم بتحويلها إلى العملة الخارجية ، فيستحق البنك المصدر الفرق في تحويل هذه العملة وهو ما يسمى بالصرف، فيبيع نقده الذي هو دينار إلى العميل بدولار ثم يسدد دين عميله في الخارج بواسطة الدولار، فيحصل البنك على فائدة الصرف، وعمولة التحويل[5]. كما يكون للمنظمة الراعية نصيب من العمولة وكذا للمصرف المقرض.

بيان التكييف:
التنزيل الفقهي لهذا التكييف على مسألتنا يتضح من خلال الآتي:
· جهة القرض
المقترض: العميل الساحب
المقرض: المصرف صاحب الآلة
القرض: المبلغ المسحوب من آلة المصرف
· جهة عقد الحوالة
المحيل: العميل الساحب
المحال: المصرف صاحب الآلة
المحال عليه: مصرف العميل المصدر للبطاقة
الحوالة: المبلغ المسحوب من قِبل العميل
· أما تنزيل الصرف والمصارفة فهي كالتالي:
طالب الصرف: العميل الساحب المقرِض للمصرف المصدر
قابل الطلب: مصرف العميل المقترض منه
الصيرفة: استيفاء العميل الدائن ( الساحب) قرضه من المصرف المصدر ، ولكن بنقد آخر، غير النقد الذي في ذمة المقترض ( المصرف المصدر)، وهو الصرف على الذمة.
ويتضح كل ذلك من خلال التوضيح التالي:
أولاً: قيام العميل بالسحب من مصرف آخر خارج بلده يعد اقتراضاً، من ذلك المصرف ، بعد أن يتأكد المصرف من رصيده في المصرف المصدر وملاءته.
ثانياً: يحيل العميل المصرف الذي اقترض منه، على مصرفه الذي له فيه حساب.
ثالثاً: يقبل مصرف العميل حوالة عميله، بعد التأكد من قابلية رصيده.
رابعاً: إن كانت الحوالة بعملة مغايرة لما في رصيد العميل، يقوم المصرف بصرف العملات، بسعر اليوم الذي وصلت له الحوالة، ولكنه يختار الحد الأعلى من أسعار التحويل، فيستفيد من فارق الأسعار شراءً وبيعاً، حيث أنه يسدد المبلغ بقيمة شراء العملة، ويستوفيه من حامل البطاقة بقيمة بيع العملة الأجنبية، فيقوم المصرف بأمرين: الأول: استبدال العملة والثاني: تحويلها إلى الخارج[48]. ومن ثم ينقد المحال بالعملة المطلوبة، بعد اقتطاع أجرة التحويل.
خامساً: يكون العميل قد استوفى قرضه من مصرفه، بنقد آخر يقابله ، وهذا هو الصرف على الذمة.
الحكم الشرعي على هذا التكييف
بناءً على ما سبق من التكييف للمسألة، فقد اختلف الباحثون في الحكم الشرعي على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يقضي بمنع تقاضي العمولة من الساحب لصالح المصرف صاحب الآلة، لأنه مقرض وسيستوفي قرضه بزيادة تتمثل بهذه العمولة، والزيادة هذه هي الربا، ، وقد ذهبت إلى هذا الرأي الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار، (القرار رقم 50 بتاريخ 6/12/1410هـ) وأوجبت على الشركة حين وصول هذه العمولة إلهيا أو جزء منها (حيث تقتسم بين الجهات المشاركة في العملية) بأن تقوم شركة الراجحي بتسجيلها للعميل في حسابه، أي تردها إليه[49].
أدلتهم
يمكن أن يستدل لهذا القول على هذا الكتييف بعدة أدلة أهمها:
أولاً: شبهة الربا
والربا هنا يتمثل بالزيادة ـ العمولة ـ التي يأخذها البنك صاحب الآلة والذي يعد مقرِضاً، يأخذها من الساحب والذي يعد مقترضاً، إذ أن المصرف صاحب الآلة يستوفي دينه من المحال عليه، ـ مصرف الساحب ـ زائداً عليه مبلغاً من المال، أو مشترطاً نسبة معينة لكل عملية اقتراض، بحسب قوانين البنك ولوائحه الداخلية؛ وهذه الزيادة هي عين الربا .
ثانياً: إن كان السحب من آلة بنك ربوي فإن فيه إعانة له على الإثم، لما يأخذه من العمولات من كل ساحب من آلته، والتي تبلغ أرقاماً كبيرة كلما زاد عدد الساحبين، وهذا من التعاون على الإثم الذي نهينا عنه شرعاً، قال تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" المائدة ، 2
القول الثاني: جواز أخذ العمولة سواء كانت مبالغ مقطوعة، أو نسبية بحسب المبلغ المسحوب؛ ويعد ذلك مصاريف وتكاليف القرض، وهذه المصاريف والتكاليف تزيد كلما زادت المبالغ المسحوبة ، وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: ليس هناك من يقول بضرورة تناسب الأجر مع التكلفة، التي يتكبدها البنك في تحويل العملة.
ثانياً: لابد من مراعاة مخاطر تحويل العملة؛ لأن البنك يكون مسؤولاً أكثر في صورة تحويل مليون ـ مثلاُ ـ من كونه مسؤولاً عن تحويل مائة [50].
القول الثالث: جواز أخذ العمولة إن كانت بمقدار مصاريف وتكاليف القرض فقط، وعدم جوازها إن كانت نسبية، وذلك لأنه أخذ للمال بدون مقابل، وفيه إذعان للعميل.
أما ما استدل به المجيزون فيمكن الزد عليهم بما يلي[51]:
أولاً: لابد من تناسب الأجر مع التكلفة الحقيقية؛ لأن البنك يستفيد من مجرد صرف العملة واستخدام الرصيد الدائن، ويأخذ أجرة مقطوعة على خدماته الفعلية، فلا يجوز له شرعاً أن يرفع مصاريف التحويل بحجة زيادة استهلاك الزمن في عد المبالغ الكبيرة وغيرها؛ حتى لا تشوب المعاملة بالربا إذا كان قرضاً، في حالة كون الحساب مكشوفاً، ولا أن تؤكل أموال الناس بالباطل لوكان الحساب دائناً.
ثانياً: لمَّا كانت المقاصة (clearing) بين البنوك المحلية والخارجية تتم في ثوان معدودة، فالعملية أصبحت مجرد حسابات إلكترونية، فأين مخاطر تحويل العملة من أمن الطريق ومشقة الحمل وغيرها ؟

التكييف الثاني: تكيف[52] هذه المسألة بأنها سفتجة على القول بجوازها[SUP][SUP][53][/SUP][/SUP]، وصرف على ما في الذمة.
والسفتجة تعريب (سفته)[SUP][SUP][54][/SUP][/SUP] بمعنى المحكم وهي إقراضٌ لسقوط خطر الطريق[SUP][SUP][55][/SUP][/SUP]، وهي قرض عند الجمهور[SUP][SUP][56][/SUP][/SUP]، ولم يُرد به الإرفاق، وإن قُصد فللمقرض لاكتسابه أمن الطريق ومخاطره، أو لهما معاً إن كان المقترض محتاجاً للمال؛ فقد تكون إذاً عقد قرض لا إرفاق فيه، وقد يكون الإرفاق للمقرض، وقد يكون لهما معاً، ولم يقل أحدٌ إن تخلف الإرفاق من جهة المقترض يخرجها عن كونها عقد قرض.
وعلى القول بجوازها كما سبق لدى جمهور الفقهاء فإن التنزيل الفقهي لمسألتنا، يمكن تصوره من خلال الآتي:
المقترض: هو مصرف العميل( المصدر) الذي يكتب السفتجة
المقرِض: هو العميل صاحب البطاقة الذي لديه رصيد في مصرفه، ويرغب بتحويله لبلد آخر.
كتاب السفتجة: هي البطاقة التي يحملها العميل.
أوجه الشبه بين السفتجة والحوالات المصرفية الحديثة[57]:
للحوالات المصرفية الحديثة أوجه شبه مع السفتجة والتي هي من العقود القديمة، ونحن ننبه على أهمها[58] من خلال النقاط التالية:
أولاً: في التحويلات المصرفية ، تُخصم من حساب العميل إن كان له حساب لديه ، بقصد تحويلها دون النقل المادي لها ، تجنباً لأخطار حملها ، وتوفيراً للوقت والجهد ، فهو إذن لا يدفع قيمة المبلغ المراد تحويله ، أو يطلب خصمه من حسابه على سبيل الأمانة ، بل على سبيل الضمان ، وذلك بإحالة خطر الطريق على المصرف .
والمعروف أن الأساس الذي بُنيت عليه السفتجة هو تجنب خطر الطريق المتوقع .وعلى ذلك فإن الغرض الذي تؤديه كل من عملية التحويل والسفتجة ، هو تحويل الأموال دون النقل المادي لها ، تجنباً لأخطار الطريق ، وذلك عن طريق تضمين المأمور بالتحويل .
ثانياً: إن المصرف أو البريد لا يسلم إلى المستفيد عين المبلغ الذي دفعه طالب التحويل، أو الذي خُصم من حسابه ، بل إنه يدفع إلى المستفيد بدله ؛ لأن العرف في المصارف جارٍ على أن المصرف يخلط أموال العملاء بأمواله ، وكذلك الأمر في الدوائر البريدية ، والمتتبع لأقوال الفقهاء يجد أنهم ينسبون الأحكام إلى القاعدة المقررة عندهم من أن ( العبرة في العقود للمقاصد والمعاني ، وليست للألفاظ والمباني )، فالمال إذا تُصرف فيه أو اختلط بغيره لا يكون مجال للقول بأنه وديعة ، بل ينقلب إلى قرض ، على اعتبار أن الانتفاع بالمعقود عليه في القرض لا يكون إلا باستهلاكه ، وبالتالي فهو مضمون على المقترض أو المدين.
وعلى ذلك فإن عملية التحويل إما أن تكون بقرض حادث ، كما في حالة أن يأتي طالب التحويل ومعه المال المراد تحويله ، فيدفعه إلى البنك ، وإما أن يكون بدين قديم ، كما لو كان لطالب التحويل حساب جارٍ لدى المصرف ، وطلب منه الخصم من هذا الحساب وتحويله، وقد سبق في السفتجة أنها قد تكون بقرض حادث ، وقد تكون بدين قديم .
ثالثاً: في عملية التحويل قد يكون المستفيد هو الآمر نفسه ، وذلك كما لو دفع شخص مبلغاً من المال إلى بنك في بلده ، أو في مكان معين بغرض الحصول على قيمته في مكان آخر ، وقد يكون المستفيد غير الآمر ، كما لو كان الآمر عميلاً أو مديناً ، وهو الغالب في عملية التحويل .
كذلك الأمر في السفتجة ، فقد يكون المقرض أو الدائن هو الذي يقبض في البلد الآخر، وهو الغالب بعكس التحويل، وقد يكون الوفاء لصديق أو دائن هناك .

الحكم الشرعي على هذا التكييف
بناء على ما سبق من التكييف وإلحاق المسألة بما عرف قديماً بالسفتجة، وقد تقرر القول بجواز السفتجة عند الجمهور كما سبق بيانه[59]، فإن القول بالجواز يصبح متعيناً، ولكن يبقى شرعية العمولة التي يأخذها المصرف المقترض، ولكن يمكن القول أن تلك العمولة بمقابل أجرة التحويل والتوصيل لأموال العميل من حسابه إلى المناطق التي يستخدم فيها البطاقة.
أما مسألة القبض كونها شرطاً للمصارفة، فقد تكلمنا سابقاً أن ذلك معتبر من باب القبض الحكمي كما قرره مجمع الفقه الإسلامي[60]، وإن كان من ثم تأخر بسيط فإن البنوك الوكيلة لشركة البطاقة تدفع النقود ثم تسترد ما دفعته فوراً، لكي تحقق السرعة بل الفورية المطلوبة في هذه العملية، ليظهر الحسم فوراً على رصيد الساحب.
التكييف الثالث: تكيف المسألة بأنها وكالة وصرف
يمكن تكييف مسألتنا بأنها وكالة مدفوعة الأجر، وصرف يقوم به مصرف العميل، فالعميل مقرض للمصرف المصدر، والمصرف هو المقترض، فإذا أراد العميل استيفاء قرضه وهو في غير بلده، فإنه يوكل مصرفٍ آخر له ارتباط بمصرفه، بقبض ما له من قرض، نظير أجرٍ على هذه الوكالة، فإذا أراد هذا الوكيل استيفاء قرض موكله بنقد غير نقده المودع، قام مصرف العميل بصرف المبلغ بالعملة المطلوبة من عميله، ومن ثم تسليم وكيل عميله المبلغ بالعملة المطلوبة بعد أخذ أجرته على خدماته التي قدمها.
بيان أطراف الوكالة
الموكل : صاحب البطاقة
الوكيل : المصرف صاحب الآلة
الوكالة : استيفاء الدين من مصرف العميل ( المصرف المصدر للبطاقة )
وبيان ذلك كما يلي:
أولاً: قيام العميل بإدخال البطاقة في صراف مصرفٍ غير مصرفه، هو بمثابة توكيل له بالاستيفاء من مصرفه الذي له فيه حساب، بحسب المبلغ المراد سحبه من مصرفه، وهذا من باب الوكالة الخاصة أو المقيدة، زماناً بوجود البطاقة المصرفية في الآلة، وقدراً بحسب المبلغ المحدد المراد سحبه.
ثانياً: يقوم المصرف صاحب الآلة بمخاطبة مصرف موكِّله، والتحقق من وجود رصيد لموكِّله، ومن ثمَّ يقوم مصرف العميل بصرف المبلغ المراد بالعملة المطلوبة ثم تحويلها للوكيل، مع عمولة يأخذها كأجرةٍ على الصرف أو تحويله المبلغ.
ثالثاً: يوافق مصرف الموكِّل على حسم المبلغ لوكيله،ـ المصرف صاحب الآلة ـ كاملاً مع أجرة الوكالة.
رابعاً: يسلم الوكيل ـ المصرف صاحب الآلة ـ المبلغ لموكِّله كاملاً، بعد أن يأخذ أجرته على هذه الوكالة ـ العمولة المصرفية ـ .
خامساً: يستحق الوكيل ـ المصرف صاحب الآلة ـ والشركات المنظمة للعملية الأجرة على عملها قليلة كانت أم كثيرة من الموكِّل، والتي تكون معلومة، ولعمل معلوم.


الحكم الشرعي على هذا التكييف:
يقرر أصحابُ هذا التكييف جواز السحب بالبطاقة بنقد آخر غير المودع في رصيد العميل، وليس في ذلك من محضور شرعي.
أدلة هذا الوجه من التكييف:
يمكن أن يستدل لهذا التكييف بأن صاحب البطاقة إنما يسحب من رصيده في الواقع ومن حسابه ولا يسحب من حساب البنك صاحب الآلة، وليس في ذلك اقتراض من المصرف صاحب الآلة، ومما يدل على هذا هو خصم المبلغ من الحساب لدى الساحب فوراً؛ بحيث لا يعد البنك صاحب الآلة مقرِضاً.
وبيان ذلك يتمثل بأن الصرَّاف يتعامل مع المنظمة العالمية التي تصله بالبنك المصدِر للبطاقة، فإذا تأكَّد من وجود المبلغ المراد سحبه في رصيد العميل، عبر إرسال طلب العميل، ومن ثَم قبوله وإرسال التفويض، اقتطع المصرف المصدر ذلك المبلغ مباشرة اقتطاعاً نهائيّاً لحسابه، فيكون هذا البنك ـ المصرف صاحب الآلة ـ قد قبض المبلغ حكماً من مصدِر البطاقة، وأما الرسوم المأخوذة من العميل، فهي أجور التكاليف والخدمات المقدّمة من البنك صاحب الآلة، والتي كُيِّفت بأنها أجرة على الوكالة، أما الرسوم المأخوذة من قِبل مصرف العميل والمنظمة الراعية، فهي أجرة على الصرف والتحويل.

استشكال
لقائل أن يقول أين تحقق الشروط المعتبرة في عملية الصرف، والتي اشترطها الفقهاء لتتم صحيحة ؟
ولبيان ذلك يمكن القول تحققت الشروط في مسألتنا على النحو التالي:
أما شرط أن يكون بسعر اليوم فمعلوم، إذ تقوم المصارف بتسجيل تاريخ العملية، ويتم الصرف بنفس اليوم وفوراً وبسعر ذلك الوقت، وإن كانت تأخذ حداً معيناً للأسعار في اليوم ذاته.
وأما اشتراط التقابض فيتحقق على النحو الأتي:
معلوم أن عملية المقاصة بين البنوك تتم في ثوان معدودة، فإذا تقدم حامل البطاقة بطلب سحب النقود من البنك خارج البلاد اتصل البنك المطلوب منه سحب النقود بالبنك المصدر للبطاقة عن طريق المنظمة الرعية للبطاقة، وذلك للحصول على التفويض، وبعد الموافقة من البنك المصدر، يتم إعطاء النقود لحامل البطاقة، فكأن البنك قام بالقبض الحكمي في عملية استبدال العملة والحصول عليها وحامل البطاقة موجود في مجلس العقد ، وحضور المتعاقدين هو المطلوب شرعاً؛ لأن تكون المعاملة صحيحة في نظر الشريعة[61].
وقد اعتبر مجمع الفقه الإسلامي إلى أن القبض بهذه الصورة يعد بمثابة القبض الحكمي ، إذا اقتطع المصرف بأمر من العميل مبلغاً من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى للمصرف نفسه أو غيره لصالح العميل أو لمستفيد آخر، فهو جائز شرعاً[62].
وقد اعتمد المجلس أيضاً التعاقد بالآلات الحديثة ، في مؤتمره السادس المنعقد بجدة في مارس 1990م بما يلي:
قرار رقم ( 54/3/6 ) بشأن حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آذار ( مارس ) 1990م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع : ( إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة ) ونظراً إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات ، وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول ، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس - عدا الوصية والإيصاء والوكالة - وتطابق الإيجاب والقبول ، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد ، والموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف .
قرر ما يلي :
أولاً : إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد ولا يرى أحدهما الآخر معاينة ، ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول) ، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب) ، ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلي الموجه إليه وقبوله .
ثانياً : إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين ، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي ، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين ، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة[63].
الترجيح
بعد إمعان النظر في التكييفات السابقة، وغيرها[64]، نجد أن الأقرب إلى واقع مسألتنا، وأوضحها تنزيلاً هو التكييف الثالث للاعتبارات التالية:
أولاً: لا يمكن القول بالتكييف الأول، لأن المسألة ليس فيها اقتراض من المصرف صاحب الآلة، بدليل التأثير في حساب العميل مباشرة، مع تطور آلات الاتصال الحديثة.
ثانياً: للقول الثاني وجاهته ولكن يُشكِلُ عليه العمولة التي يأخذها المصرف المصدر للبطاقة، إذ أنه مقترض بذلك الاعتبار، والمقترض يؤدي ما اقترضه من غير زيادة، إلا إن اعتبرنا الزيادة ـ العمولة ـ تكاليف أداء القرض وهو محل انتقاد الكثير من الباحثين لا سيما مع استفادته من فارق العمولات أثناء الصرف.
ثالثاً: بذلك يكون التكييف الثالث هو الأسلم من الناحية الشرعية، والأكثر تماشياً مع الواقع في المصارف البنوك والله أعلم.



[1] ) كأن يكون العميل مسافراً من الكويت إلى السعودية، وأراد السحب من رصيده في مصرف بيت التمويل الكويتي، فاستخدم آلة مصرف الراجحي للسحب، فإن مصرف الراجحي لن يعطيه الدينار الكويتي ، بل يعطيه الريال السعودي، أو العكس.

[2] ) وهو بنك إسلامي............

[3]) انظر بطاقات الائتمان للشيخ حسن الجواهري ، مجلة مجمع الفقه الإسلامي 2/ 16626، وانظر البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد 219. وانظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، 2/20740، وأيضاَ 2/ 13496.

[4] ) الإحتراف في المعاملات المالية المعاصرة شرح كتاب أبجديات التجارة الإسلامية،605، الدكتور ياسر عجيل النشمي، ط،دار الضياء للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1428هـ ، 2007م.

[5] ) البطاقات الائتمانية للشيخ حسن الجواهري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي 2/ 16626،

[6] ) الدر المختار 5 /257.

[7] ) حاشية الدسوقي 3 /2.

[8] ) مغني المحتاج 2 /25. وانظر شرح منتهى الإرادات 2 /73



[9] ) أخرجه........................................

[10] ) أخرجه .......................................

[11] ) أخرجه .......................................

[12] ) الموسوعة الفقهية الكويتية 26/350، مادة صرف.

[13] ) انظر الاختيار لتعليل المختار 2/41، والتاج الإكليل 4/311، والحاوي الكبير 5/111، والمغني 4/54.

[14] ) أخرجه........................................

[15] ) أخرجه........................................

[16] ) الإجماع 1/92، محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري أبو بكر، ط ، دار النشر : دار الدعوة - الإسكندرية - 1402 ، الطبعة : الثالثة ، تحقيق : د. فؤاد عبد المنعم أحمد.

[17] ) أخرجه.......................................

[18] ) انظر بدائع الصنائع 5/183، ومواهب الجليل 4/345، والحاوي الكبير 5/76، والمغني 4/26.

[19] ) أخرجه........................................

[20] ) أخرجه........................................

[21] ) أخرجه........................................

[22] ) إنما ذكرت المشهور، وما له تعلق ببحثي، وإلا فقد جمعت الموسوعة الفقهية الكويتية أنواعاً كثيرة أوصلتها إلى ستة أنواع وتحت كل نوع عدة صور، راجعها إن شئت، 26/364، مادة صرف.

[23] ) راجع صـــ

[24] ) راجع الأحاديث صـــ

[25] ) راجع صـــ

[26] ) سبق ذكر الحديث صـــــــ

[27] ) انظر الدر المختار 5/256.

[28] ) حاشية ابن عابدين 5/256، والبحر الرائق 6/216.

[29] ) انظر مغني المحتاج 2/25.

[30] ) انظر المغني 4/51.

[31] ) أخرجه ...........................

[32] ) انظر مغني المحتاج 2/25. و المغني 4/51.

[33] ) انظر منح الجليل 4/497.

[34] ) انظر منح الجليل 4/497.

[35] ) انظر بداية المبتدي 1/144.

[36] ) انظر مغني المحتاج 2/70، و الإقناع للشربيني 2/280.

[37] ) انظر المعني 4/51 وما بعدها.

[38] ) انظر المصدر السابق.

[39] ) أخرجه .......................................

[40] ) المغني 4/51 وما بعدها.

[41] ) المغني 4/51.

[42] ) مغني المحتاج 2/70.

[43] ) انظر مغني المحتاج 2/70، المغني 4/52.

[44] ) انظر شرح مختصر خليل 6/3، والشرح الكبير 3/228،

[45] ) المغني 4/52.

[46] ) انظر التاج والأكليل بتصرف4/310.

[47] ) انظر بتصرف يسير المغني 4/52، وكشاف القناع 3/270.

[48] ) موقف الشريعة الإسلامية من البطاقات البنكية 133.

[49] ) مجلة مجمع الفقه الإسلامي 2/ 13496.

[50] ) موقف الشريعة الإسلامية من البطاقات البنكية 140. وقد عزاه لهيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل السوداني صـ 45.

[51] ) المصدر السابق 140.

[52] ) انظر موقق الشريعة الإسلامية من البطاقات البنكية 137.

[53] ) وقد قال بجوازها لا سيما مع عدم الاشتراط، الحنفية ولكن مع الكراهة، ورواية في مذهب أحمد مطلقاً لأن النفع حاصل لهما، ولم يجزها الشافعية مع الشرط، وأجازوها بدونه، وهي كذلك عن مالك.
انظر بدائع الصنائع 7/395، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 7/443، حاشية ابن عابدين 5/350،و الكافي في فقه الإمام أحمد 2/125، المغني 4/213، المهذب 1/304، والحاوي الكبير 6/467، التاج والإكليل لمختصر خليل 4/547، اسم المؤلف: محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري أبو عبد الله ، دار النشر : دار الفكر - بيروت - 1398 ، الطبعة : الثانية ، وانظر الفواطه الدواني 2/89.

[54] ) وفي أنيس الفقهاء، 1/125 ما نصه: السفتجة تعريب سفقته وهي شيء محكم أو مجوف سمي هذا القرض بها لأنه لإحكام أمره أو لأنه شبه له بوضع الدراهم في السفاتج أي في الأشياء المجوفة كما تجعل العصا مجوفة ويخبأ فيها الماء.

[55] ) التعريفات ،1/157، اسم المؤلف: علي بن محمد بن علي الجرجاني ، دار النشر : دار الكتاب العربي - بيروت - 1405 ، الطبعة : الأولى ، تحقيق : إبراهيم الأبياري، وانظر بمعناه تحرير ألفاظ التنبيه (لغة الفقه) 1/193، اسم المؤلف: يحيى بن شرف بن مري النووي أبو زكريا ، دار النشر : دار القلم - دمشق - 1408 ، الطبعة : الأولى ، تحقيق : عبد الغني الدقر. وانظر المصباح المنير 1/178. وانظر القاموس المحيط 1/247. وينظر كذلك معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء، 244، تأليف الدكتور نزيه حماد، ط، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى ، تأريخ الطبع1429هـ، 2008م

[56] ) يذكرها الفقهاء في باب القرض، أنظر المصادر في الحاشية قبل السابقة.

[57] ) الحوالة والسفتجة بينَ الدِّراسةِ والتَطبِيق 149 وما بعدها، إعداد: الطالب بَسَّام حَسَن العَف ، إشراف: الدكتور : ماهر أحمد السوسي، قُدِّمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الفقه المقارن من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بغزة، العام الجامعي 1420هـ 1999م.

[58] ) أورد بعض الباحثين أوجه فرق بينهما أيضاً، لكن جلها فروق لا تؤثر في الإلحاق أو جوهر المسألة، راجع المصدر السابق.

[59] ) راجع صــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[60] ) راجع المسألة صــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[61] ) المصدر السابق 135.

[62] ) قرارات مجمع الفقه الإسلامي بجدة في دورته السادسة، قرار رقم (53) (4/6) صـ 113، ط دار القلم.

[63] )انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي 2/ 12372.

[64] ) هناك من يقول بأنها حوالة مصرفية فقط، وهو تكييف وجيه إلا أنه يتجاهل المصرف صاحب الآلة وما يقوم به من أعمال.
 
أعلى