- إنضم
- 23 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 8,147
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو أسامة
- التخصص
- فقـــه
- الدولة
- السعودية
- المدينة
- مكة المكرمة
- المذهب الفقهي
- الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
ضوابط الفتوى في القضايا المعاصرة
بقلم/ محمد العواودة
بقلم/ محمد العواودة
قام علماء الإسلام منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم وتابعيهم، وكذلك أئمة الفقه الإسلامي – حتى عصرنا هذا – بإفتاء الناس وبيان أحكام الله لهم، وسلكوا في ذلك منهجاً رشيداً وقواعد محكمة، وصنفوا الكتب العديدة في توجيه السالك لهذا العلم الرفيع وماهية الصفات والآداب التي يجب أن يتحلى بها المفتي فيما قد يتوسل به إلى الفتوى الصحيحة.
ورغم ما حوته هذه المؤلفات من أشياء عظيمة وفوائد جمة خدمت هذا العلم في العصر الحديث إلا أن طبيعة المستجدات وما يحيط بها من ملابسات وتشعبات لم تكن في العصور السابقة، وكذلك القضايا التي عرفت في الماضي وحكم فيها بحكم ولكن موجب هذا الحكم قد تغير لتغير الظروف والأحوال، اقتضى على وجه الضرورة إبراز معالم وضوابط تنظم الفتوى في القضايا المعاصرة وتؤطرها فيما يتناسب مع ضرورات العصر مع الأخذ بعين الاعتبار عدم خروجها عن المنهجية التي ذكرها السابقون.
ولعل هذا ما يحاوله الدكتور عبد المجيد السوسرة، أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الشارقة في دراسته "ضوابط الفتوى في القضايا المعاصرة" التي نشرتها مجلة "الشريعة والدراسات الإسلامية" الصادرة عن مجلس النشر العلمي – جامعة الكويت – من خلال تجلية أهم هذه الشروط والضوابط المتناثرة من بطون الكتب الإسلامية الكثيرة، والقيام بدراستها وصياغتها في إطار منهجي فيما قد يساعد الدارسين والباحثين ويسدد القائمين بأمر الفتوى للرشد والصواب وقد اختزلها الباحث في سبعة ضوابط أعرض أهم ما جاء فيها باقتضاب.
أهلية الإفتاء
الفتوى من المناصب الإسلامية الرفيعة والأعمال الدينية الجليلة والمهام الشرعية الجسيمة ينوب فيها الشخص عن رب العالمين ويؤتمن فيها على شرعه ودينه، والمفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك يجب على المتصدي للفتوى أن يكون مؤهلاً حتى يقوم بها خير قيام، وأهم ما يجب أن يتأهل به المفتي الاستقامة على الدين، والعلم بالأحكام الشرعية، وأن تتوفر فيه ملكة الاجتهاد.
التحلي بصفات الإفتاء
لا بد للمفتي من أن يتحلى بصفات حتى يكون محلاً للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه، وحتى تكون فتواه محل ثواب عند الله وقبول عند الناس وأكثر موافقة للصواب، فيحرص على أن تكون فتواه خالصة لله ويتجنب فيها الخضوع للرغائب والأهواء، أو مجاراة لتطورات العصر ورغبات السلاطين دون الانضباط بالنصوص الشرعية، كما يجب عليه أن يتبع القول بدليله ويبتعد عن التعصب المذهبي وأن يزيل الإشكال في فتواه وكذلك الإرشاد إلى البديل المناسب بالبحث عن مخرج مشروع وأن لا يفتي في مسألة يكفيه غيره إياها وأن يرجع في خطأه إن تبين ذلك.
الانضباط المنهجي
ينبغي للمفتي أن يسير في فتواه وفق منهجية منضبطة في فهم الواقعة المعروضة عليه وفي فهم الحكم الشرعي الذي يجب إنزاله على تلك الواقعة. والانضباط في فهم الواقعة يتحقق في جمع المعلومات في القضية المعاصرة، وفهمها من جميع جوانبها وتحليلها إلى عناصرها الأساسية ومعرفة العادات والأعراف التي يأخذ بها الناس في واقع تلك القصة، فقد يكون لتلك الأعراف والعادات أثر على مفهوم تلك الواقعة وتكييفها، وكذلك الاتصال بأهل الاختصاص في موضوع القضية لتوضيح أي غموض فيها.
والانضباط في فهم الحكم يتحقق في بحث المفتي عن حكم الواقعة المعروفة عليه في الكتاب والسنة وأن يتحرى الإجماع إن لم يجد حكماً فيها وإلا فالقياس ذلك مع مراعاة القواعد ومقاصد التشريع والأدلة التبعية من استحسان واستصحاب وعرف وعادة وسد ذريعة ومصالح مرسلة.
تيسير الفتوى
يجب على المفتي أن يحرص على التيسير في الفتوى مراعاة لحال المستفتي وتسهيلاً له في تطبيق الأحكام، وليس المقصود بالتيسير الإتيان بشرع جديد أو إسقاط ما فرض الله، إنما المقصود في ذلك الوسطية في الفتوى وتقديم الأيسر على الأحوط، والتيسير فيما تعم به البلوى ومراعاة الرخص والتحري وعدم التوسع في تكليف الناس بالأحكام دون دليل صريح يقضي ذلك.
مصالح الناس في ظل النصوص
يفهم من النصوص القرآنية، أن ما من حكم في الشريعة الإسلامية إلا وفيه خير ومصلحة للناس في دنياهم وآخرتهم، ولا يتصور أن يكون في الشريعة المقطوع بها حكم يضاد مصالح الخلق، أو يكون مجلبة للإضرار لهم، ومن هنا فإن على المفتي أن يراعي في فتواه مصالح الناس شريطة عدم المغالاة في ذلك لحد تقديمها على النص وإلا فإن فتواه تعتبر باطلة، كما أن أبرز المصالح التي ينبغي على المفتي مراعاتها، مراعاة المصالح المتغيرة، والمصالح المستجدة، والمصالح التي اقتضتها ضرورات العصر وحاجاته والتطور العلمي.
كما يجب على المفتي في القضايا المعاصرة، أن يتقيد في فتواه بمذهب معين، وإنما يأخذ من أقوال العلماء ما كان أرجح دليلاً وأكثر تحقيقاً لمقاصد الشريعة، ورعاية مصالح الناس والتيسير عليهم.
جماعية الفتوى
ينبغي أن تكون الفتوى في القضايا المعاصرة جماعية، ذلك بعد تشاور من أهل العلم وتدارسهم للواقعة، حيث يبين العلماء حكم الواقعة بعد تشاورهم في الأمر من خلال المؤسسات أو المجالس والهيئات، أو المجامع التي تنظم تجمع العلماء وممارستهم لأعمالهم في الاجتهاد والفتوى، ولا تكون الفتوى جماعية إلا إذا وافق عليها جميع أعضاء المجموعة، المكونة لمجلس الإفتاء – أو أغلبهم.
أحسن الدكتور عبد المجيد السوسرة في اختيار موضوع دراسته لما يتجلى في ذلك من أهمية في وقتنا الحاضر، كما يشكر على جهده لوقاية الفتوى الشرعية من الأحكام التي تتهددها من أصحاب الرغائب والأهواء والمصالح، وخدّام الطغاة وأولئك الأدعياء الذين يخرجون بين الفينة والأخرى بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان لإثارة البلبلة بين الناس وإيقافهم على الحيرة والإضرار بمصالحهم، ومنعهم من استئناف حياة إسلامية هادئة وآمنة وسليمة، فيشوهون الدين ويخدمون بها أعداء الأمة تحت ستار الاجتهاد، أو أولئك القاصرين عن رتبة هذا العلم الذين يشددون على الناس في دينهم ودنياهم فينفرون من الدين ويضيقون مفاهيمه ويقزمون مقاصده.
في الختام
وعلى ضوء هذا الجهد النبيل أرى أن حاجتنا تتعزز لمثل هذه البحوث فيما قد يساهم في إيجاد الحلول لكثير من الإشكالات المفاهيمية المعاصرة ولا سيما التي تتعلق بالدين، ويجب ان نتذكر هنا أن ثمة محاولات لتوحيد المراجع الاسلامية في الافتاء قد بذلت على مستوى المجامع الفقهية الإسلامية ومنها جهود مجمع الفقه الإسلامي في السعودية، وما جاء من تأكيد لعلماء الامة في المؤتمر الإسلامي الدولي الذي عقد قبل اشهر في عمان، والذي اكد على حجية الفتوى الجماعية وضرورة ضبطها.
ولعل مفهوم الجهاد الإسلامي يتبوأ أولية في تظهير الضوابط والمنهجيات المستخلصة من التشريع فيما قد يحاكي الواقع الذي نعيش فيه ويساهم في تعزيز دفاعاتنا الإدراكية ويولجنا في عالم الوعي بعيداً عن السطحية وخطاب الشجب والإدانة المجرد، بعد أن أصبح الجهاد في أعين البعض مفهوماً سائغاً للعبث والدمار وقتل الأبرياء والخلط في المصالح.