العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

استتابة المرتد عند السادة الشافعية

سما الأزهر

:: متخصص ::
إنضم
1 سبتمبر 2010
المشاركات
518
التخصص
الشريعة الإسلامية
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الشافعي
استتابة المرتد والمرتدة
اختلف الفقهاء في حكم استتابة المرتد قبل القتل على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وجوب استتابة المرتد أو المرتدة قبل القتل، ولزوم دعوتهما إلى الرجوع إلى الإسلام، فإن رفضا الرجوع إلى الإسلام، وجب قتلهما عقوبة على ردتهما. وثبت وجوب الاستتابة عن عمر رضي الله عنه [1] وهو قول أكثر أهل العلم ، والأصح عند الشافعية [2]،. واستدلوا بما يلي :
أ- بقوله صلى الله عليه وسلم : "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" [3]، أي إن لم يرجع إلى الإسلام[4]
ب- عن عروة عن عائشة قالت: ارتدت أمرأة يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت [5] وهذا نص .[6]
ج- عن جابر أن أمرأة يقال لها أم مروان أرتدت عن الإسلام فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليها الإسلام فإن رجعت وإلا قتلت[7] وفي ها دليل واضح على وجوب الاستتابة قبل القتل .
د- عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ عن أبيه أنه قال قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل من قبل أبي موسى يسأله عن الناس فأخبره ثم قال هل كان فيكم من مغربة خبر فقال نعم رجل كفر بعد إسلامه قال فما فعلتم به قال قدمناه فضربنا عنقه فقال عمر رضي الله عنه فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني " [8] ولو لم تجب الاستتابة لما تبرأ من فعلهم ، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة كأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وسلم:" من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ " أي إن لم يرجع [9] وقد قال تعالى : (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَواةَ وَءاتَوُاْ الزَّكَواةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [10]
وتجب استتابة المرتد والمرتدة قبل قتلهما، لأنهما كانا محترمين بالإسلام، فربما عرضت لهما شبهة فيسعى في إزالتها ، ولأن الغالب أن تكون الردة عن شبهة عرضت للمرتد فتعلق بها، فلم يجز الإقدام على القتل قبل كشفها والاستتابة منها كأهل الحرب ، لا يجوز قتلهم إلا بعد بلوغ الدعوة وإظهار المعجزة، ولأن المقصود بقتل المرتد إقلاعه عن ردته والاستتابة أخص بالإقلاع عنها من القتل ، فاقتضى أن تكون أوجب منه [11].
القول الثاني: الاستتابة ليست واجبة، بل مستحبة إلى ثلاثة أيام، وهذا مذهب الحنفية، وقول للشافعية حيث قالوا : ويستحب أن يستتاب المرتد ويعرض عليه الإسلام لاحتمال أن يسلم، لكن لا يجب أن يستتاب؛ لأن الدعوة إلى الإسلام قد بلغته، فإن أسلم فبها ونعمت، وإن أبى نظر الإمام في ذلك: فإن طمع في توبته أو طلب المرتد التأجيل والإمهال، أمهله الإمام ثلاثة أيام، وإن لم يطمع في توبته ولم يطلب المرتد إمهاله، أمر الإمام بقتله حالاً ولم يمهله بدليل :
أ- قول النبي صلى الله عليه وسلم :"من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" فلم يأمر فيه إلا بالقتل دون الاستتابة ولو كانت واجبة لبينها رسول الله صلة الله عليه وسلم ؛ لأن هذا وقت بيان ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة .
ب- ولأن وجوب الاستتابة يوجب حظر دمه قبلها ، وهو غير مضمون الدم لو قتل قبلها ، فدل على استحبابها [12] أي لو قتل قبل الاستتابة لم يضمنه القاتل ولو وجبت الاستتابة لضمنه [13].. ولأن قتل الردة حد كالرجم في الزنا ، فلما لم يلزم استتابة الزاني لم يلزم استتابة المرتد [14].
القول الثالث: الاستتابة ليست واجبة ولا مستحبة، قال الإمام ابن حزم الظاهري: "فالواجب إقامة الحد عليه، أي على المرتد، إن لم يرجع إلى الإسلام، فالاشتغال عن ذلك وتأخيره باستتابة ودعاء يلزمان ترك إقامة الحد عليه، وهذا لا يجوز" [15]
والراجح هو ماذهب إليه أصحاب القول الأول من وجوب استتابة المرتد قبل قتله ؛لأن الاحتياط في صيانة الدماء أولى من الاستعجال في إراقتها؛ ولأن الردة قد يكون مبعثها شبهة عرضت للمرتد أو للمرتدة، فتأثر بها فارتد، فيجب أن نتمهل ولا نتعجل في قتل المرتد، وإنما نمهله مدة للتأمل ومراجعة نفسه وإسماعه دلائل بطلان ردته وشبهته، فعسى أن يحمله ذلك إلى الإسلام والرجوع عن ردته.
فأما حديث " من بدل دينه فاقتلوه " فليس فيه ما يمنع من الاستتابة أما قياس حد الردة على حد الزنا فقياس مع الفارق لأن التوبة لا تزيل حد الزنا ، وهي تزيل الردة ، فلذلك استتيب من الردة ولم يستتاب من الزنا فافترقا . [16]
ولولا وجوب الاستابة لما برىء عمر رضي الله عنه من فعلهم ، وأحاديث الأمر بقتله تحمل على ذلك جمعا بين الأخبار [17]
مدة الاستتابة
إذا تقرر حكم الاستتابة في الوجوب أو الاستحباب فهل يعجل قتله عند الامتناع من التوبة أو يؤجل ثلاثة أيام ؟ فيه قولان :
أحدهما : أنها ثلاثة أيام فعن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ عن أبيه أنه قال قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل من قبل أبي موسى يسأله عن الناس فأخبره ثم قال هل كان فيكم من مغربة خبر فقال نعم رجل كفر بعد إسلامه قال فما فعلتم به قال قدمناه فضربنا عنقه فقال عمر رضي الله عنه فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني " [18] ، قال تعالى :( فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِى دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذالِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ )[19]
ولأن الردة لا تكون إلا عن شبهة وقد لا يزول ذلك بالاستتابة فى الحال، فقدر بثلاثة أيام ، ولأن المقصود منه استبصاره في الدين ورجوعه إلى الحق ، وذلك مما يحتاج فيه إلى الارتياء والفكر ، فأمهل بما يقدر في الشرع من مدة أقل الكثير ، وأكثر القليل وذلك ثلاثة أيام ولهذا قدر به الخيار فى البيع [20].
والثانى : وهو الصحيح أنه يستتاب فى الحال ( فإن تاب وإلا قتل ) أي يعجل قتله ولا يؤجل[21] لأن قتله المرتب عليها حد فلا يؤخر كسائر الحدود ، ولو سأل المرتد إزالة شبهة نوظر بعد إسلامه لا قبله لأن الشبهة لا تنحصر[22] لما روى الدارقطني عن محمد بن المنكدر عن جابر أن أمرأة يقال لها أم مروان أرتدت عن الإسلام فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليها الإسلام فإن رجعت وإلا قتلت [23] وهذ ا مارجحه الشوكاني فقال " والظاهرأنه يجب تقديم الدعاء إلى الاسلام قبل السيف كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو أهل الشرك ويأمر بدعائهم إلى إحدى ثلاث خصال ولا يقاتلهم حتى يدعوهم فهذا ثبت في كل كافر فيقال للمرتد إن رجعت إلى الإسلام وإلا قتلناك وللساحر والكاهن والساب لله أو لرسوله أو للإسلام أو للكتاب أو للسنة أو الطاعن في الدين أو الزنديق قد كفرت بعد إسلامك فإن رجعت إلى الإسلام وإلا قتلناك فهذه هي الإستتابة وهي واجبة كما وجب دعاء الحربي إلى الإسلام وأما كونه يقال للمرتد بأي نوع من تلك الأنواع مرتين أو ثلاثا أو في ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر فلم يأت ما تقوم به الحجة في ذلك بل يقال لكل واحد من هؤلاء ارجع إلى الإسلام فإن أبي قتل مكانه" [24] ،ولأنه استتابة من الكفر فلم تقدر بثلاث كاستتابة الحربى [25]
وقال الزهري يدعى إلى الإسلام ثلاث مرات فإن أبى قتل وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه يستتاب شهرين ، وقال النخعي والثوري يستتاب أبدا وعلى التأخير يحبس مدة الإمهال ولا يخلى سبيله [26] أي ينظر ماكان يرجو توبته [27] وها هو الراجح لأنه لم يأت ماتقوم به الحجة في عدد مرات الاستتابة .
[1] - مغني المحتاج ج 4 ص 139 ، فتح المعين 4/132
[2] - الحاوي الكبير ج 13 ص 159
[3] -
أخرجه البخاري في صحيحه
- كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ - إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله
[4] - فتح الباري ج 12 ص 269
[5] - سنن الدارقطني ج 3 ص 118 لم يصح ذلك - تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ج 2 ص 260، فيه محمد بن عبد الملك قال أحمد وغيره يضع الحديث - نصب الراية ج 3 ص 458
[6] - الحاوي الكبير ج 13ص 156
[7] - سنن الدارقطني ج 3 ص 118برقم 122 وإسناده غير ثابت - البدر المنير ج 8 ص 570
[8] - مسند الشافعي ج 1 ص 321 ،سنن سعيد بن منصور (1) ج 2 ص 267، الاستذكارج7 ص153 ، تاريخ مدينة دمشق ج 35 ص 372
[9] - فتح الباري ج 12 ص 269
[10] - سورة التوبة آية 5
[11] - الحاوي الكبير ج 13 ص 156
[12] - المصدر السابق ج 13 ص 156
[13] - المهذب ج 2 ص 222
[14] - الحاوي الكبير ج 13 ص 156
[15] - المحلى ج 11 ص 193
[16] - الحاوي الكبير ج 13 ص 156
[17] - منار السبيل ج 2 ص 358
[18] - سبق تخريجه قريباً في هامش 8
[19] - سورة هود الأية 65
[20] - الحاوي الكبير ج 13 ص 156
[21] - المصدر السابق ج 13 ص 159 ، الإقناع للشربيني ج 2 ص 552، فتح الوهاب ج 2 ص 270
[22] - مغني المحتاج ج 4 ص 140
[23] - سنن الدارقطني ج 3 ص 118 وله طريقان ضعفهما ابن حجر- الدراري المضية ج 1 ص 446
[24] - الدراري المضية ج 1 ص 446، ص 447
[25] - المهذب ج 2 ص 222
[26] - مغني المحتاج ج 4 ص 140
[27] - الحاوي الكبير ج 13 ص 159
 
أعلى