العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فرض الكفاية في الإنترنت

إنضم
25 يوليو 2012
المشاركات
505
الكنية
أبو زيد
التخصص
أصول الفقه
المدينة
حضرموت
المذهب الفقهي
الشافعي
فرض الكفاية في الإنترنت

إعداد الباحث : أحمد صالح علي بافضل




فرض الكفاية في الإنترنت

الحمد لله الذي خلق الناس شعوبا ليتعارفوا، وجعل الاختلاف بينهم واقعًا ليتدافعوا، ومكنهم من وسائل بلوغ أقصى مدى التعارف والتدافع، والصلاة والسلام على من أُرسل رحمة للعالمين، وأَمر أمته بتبليغ منهج المولى إلى كل بيت مدرٍ وطين.وبعد فإن الاتصال بين بني البشر قد أصبح ممكنا مهما تناءت الديار، وبلغت سرعة التوصيل قبل ارتداد الطرف على القرار، ولم يكتفي الريح بحمل الصوت بل والصورة الحاملة للنافع والضار.وإن أقصى ما أخرجته هو الشبكة العنكبوتية –الإنترنت- التي أثبتت وجودها في معظم مفاصل الحياة، فما من جانب إلا وللإنترنت فيه مشاركة ونصيب، ابتداء من نقل المعلومات وانتهاء بالدرس والتطبيب وتسويق البضائع وتسديد الفواتير، ومرورًا بأنظمة الطرق وحوالات البنوك وتعاملات الحكومات والصراعات بين الأحزاب والاتجاهات.كما حمل الإنترنت إيجابيات لا تحصى سلبيات متعددة: فمن نشر للأكاذيب إلى التجسس إلى الصور الخليعة وإثارة الشهوات.وما كان كذلك فحري أي يبحث عن حكمه الشرعي.ومن المعلوم أنه (ليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها)[1].
وأن من أهم ما ينبغي بحثه حوله ما يتعلق بالتكليف فأردنا بحثه مفردات التكليف فيه علنا نذكر الأمة بالالتفات هذا المهيع المهم.

موضوع البحث:
دراسة شرعية تحاول تحديد الفروض الكفائية التي تتعلق بالإنترنت وكيف يمكن الوصول إليه وعلى من.

هدف البحث:
1) تحديد أهم مفردات الفروض الكفائية المتعلقة بالإنترنت.
2) تحديد ضوابط عامة ينتظم في عقدها أحكام الأفعال المتعلق بالإنترنت في الفروض الكفائية.
حدود البحث:
الفقه الإسلامي وأدلته بكافة مذاهبه وأعلامه السابقين والمعاصرين.

الدراسات السابقة:
الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية الحاسب الآلي وشبكة المعلومات، للباحث الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله السند.رسالة دكتوراه، معهد القضاء العالي، وهي رسالة قيمة.
وافترقت وريقاتي هذه ب-:
1) كونها تعمقت في الحديث عن حكم الفعل نفسه.بينما أخذه من جانب التعاملات والتعمق في التكييف الفقهي.
2) أن رسالتي تحدثت عن الفروض الكفائية وأبرزت هذه الزاوية من أحكام الإنترنت.

منهج البحث:
1) اتبعت في البدء الطريقة الوصفية في بيان الواقعة وحاولت استقصاء وصفها على الأقل في الذهن من خلال القراء واللقاءات الشفهية للمتعاملين مع الإنترنت كما أرسلت استبيانًا لبعض المواقع -وضعت نصه في الملحق-.
2) حاولت تطبيق الأحكام الشرعية عليها.
3) بذلت الجهد في الحكم على بعض ما لم أجد له كلامًا للمعاصرين ولكنني حاولت إيراد ما أمكن من الاستئناس لي والله يغفر لي التجاسر آمين.

خطة البحث:
فيها ثلاثة فصول و
المقدمة
الفصل الأول: المفهوم والحكم العام للإنترنت:
المبحث الأول المفاهيم والأهمية:
المطلب الأول المفاهيم:
الفرع الأول مفهوم الفروض الكفائية:
المبحث الأول المفاهيم والأهمية.
المبحث الثاني: حكم الإنترنت.
الفصل الثاني الفروض الكفائية في الإنترنت:
المبحث الأول مفردات الفروض الكفائية في الإنترنت.
المبحث الثاني: الواجبات الكفائية: في الدور الإيجابي.
المبحث الثالث الواجبات الكفائية: في الدور السلبي.
الفصل الثالث: التنفيذ الفعلي للفروض الكفائية المتعلقة بالإنترنت:
المبحث الأول: المكلف بالتنفيذ.
المبحث الثاني: متعلقات بالتنفيذ.
الخاتمة.
وأخيرًا أتقدم بالشكر لموقع الألوكة إذ بتقديمه فكرة المسابقة ساعدنا في تحريك همتنا الكليلة، كما أشكر كل من أعانني بفكرة أو معلومة وأخص بالذكر الدكتور علي هادي بكر أستاذ علوم الحاسوب بجامعة حضرموت على ما أكرمني به من الوقت والمقالات النافعة فجزاه الله خير الجزاء.

الفصل الأول: المفهوم والحكم العام للإنترنت


المبحث الأول المفاهيم والأهمية:

المطلب الأول المفاهيم


الفرع الأول مفهوم الفروض الكفائية
الفروض جمع فرض يقال: فرَضْت الشَّيْءَ أَفْرِضه فَرْضًا أَوْجَبْتُه[2].
وأما اصطلاحًا:فالفرض ما طلب الشارع فعله طلبًا جازمًا، ومِنْ أَسْمَاءِه والوَاجِبِ المَحْتُومُ وَالمَكْتُوبُ[3].
والكفاية في اللغة من كفي: يَكْفِي كِفايةً، إذا قام بالأمر، فَهُوَ كَافٍ إذَا حَصَلَ بِهِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ غَيْرِهِ [4].
وينقسم الفرض إلى فرض عين وفرض كفائية.فالفرض الكفائي هو: (مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلى فَاعِلِهِ)[5].
فكل مهم يتطلبه قيام الفرد أو المجموعة بدينها كالتعلَّم والاجتهاد، أو ما تحتاجه في دنياها كالحرف والصنائع يصير فرض كفاية فيكفي فعل بعض الناس له وإذا فعله بعضهم سقط الإثم عن بقية المكلفين.وأما الفرض العيني فيُعرف بأنه:) ما خوطب به كل مكلف بعينه بحيث لو فعله غيره لا يسقط عنه الخطاب ويأثم بالترك)[6]؛ فيجب عل كل فرد كالصلوات الخمس وتعلم ما لا بد منه من الأحكام التي ترتبط بما يفعله كأحكام الصلاة وأساسيات البيع لمن يبيع وهكذا.

الفرع الثاني: الإنترنت وما يدخل فيه: الإنترنت (هو شبكة اتصال ملايين من الحاسبات تمنح المعلومات والاتصال وثروة من النشاطات) [7].
وعرف أيضا بأنه (شبكة هائلة من أجهزة الكمبيوتر الهائلة المتصلة فيما بينها بواسطة خطوط الاتصال عبر العالم) [8].
وعلى ضوء هذه المفاهيم اشتهر تعريب لفظ الإنترنت إلى لفظ الشبكة العنكبوتية، رغم أن مجمع اللغة العربية بدمشق عربها للفظ الشابكة[9].
وقد ارتأينا في بحثنا هذا إطلاق لفظ الإنترنت لاشتهاره ولأنه المتبادر ببساطة إلى الذهن.
طبيعة الشبكة العنكبوتية - الإنترنت -:
الإنترنت شبكة لا يملكها أحد (وهي ليست ملك لجمعية معينة، ولا تخضع لهيمنة منظمة أو هيئة حكومية أو غير حكومية أو إدارة مركزية) [10]، وتوجد شركات تساعد المستخدم في الوصول للإنترنت، ولكي يقوم بأعماله المطلوبة وهذه الشركات مزودة الخدمة تقع عليها مسؤلية قانونية نحو المستهلك - سواء فرد أو شركة - فتقع عليها المسؤولية التعاقدية، أو التقصيرية[11].
والخدمة الرئيسة للإنترنت هي عرض المعلومات سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية.ومن ثم توجد أكداس هائلة من المواقع الحاملة لهذه المعلومات، وتتضمن هذه المعلومات كل ما يحصل في الكون ويدخل في علم الإنسان: سواء من الأحوال المجتمعة في كل المجالات: ومنها المعلومات العلمية النافعة، والصور والمرئيات الإباحية، وكل ما أمكن للناس الوصول إليه.ولا تقتصر خدمات الإنترنت على الويب العالمية التي تًعرض عليه المعلومات بل هناك فوائد عديدة.
فمن فوائد الإنترنت[12]:
1) البريد الإلكتروني.
2) شبكات المجموعات الإخبارية.
3) المحادثات الإلكترونية الحية.
4) التواصل الشبكي عبر المنافذ الشخصية بما سمي بالفيس بوك.
5) اتباع سياسة التعليم عن بُعد.
6) إنشاء نوادي صحافة من خلال الشبكة.
7) الوصول لمعلومات خاصة بل قد تكون شديدة الحساسية أو الخطورة سواء عن الأفراد أو المؤسسات أو الدول.
8) نقل الصور الحية وفي هذا من الفوائد ما يبلغ المدى كمتابعة طبيب أخصائي لسير عملية جراحية.وكل هذه المجالات، تستخدم في المنافع والمصالح، كما أنها تستخدم في المضار والمفاسد[13].
وبما أن الإنترنت مطلب مكمل لغيره وليس مقصودًا بذاته إذ هو وسيلة فيندرج تحت الفروض الكفائية.

المطلب الثاني أهمية بحث موضوع الإنترنت:
1) كون الإنترنت قد حل عندنا فيلزم البحث عن حكمه:لأن الواجب يحتم على المشتغلين بالفقه بيان أحكام الشرع فيما يستجد.بل أضحى انتشاره حدًا هائلًا؛ فقد بلغ عدد المستخدمين:
255 مليون عدد المواقع الالكترونية حتى كانون الأول 2010.
1،96 مليار عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم حتى حزيران2010.
14% نسبة زيادة عدد مستخدمي الإنترنت عن السنة السابقة.
مستخدمي الإنترنت في الشرق الأوسط 21،3 مليون [14]
2) حاجة الناس إليه:أصبح الإنترنت هو وسيلة سير الحياة في معظم ميادينها؛ ومن ثم أضحى حاجة ماسة لمعيشة الناس ولأداء أعمالهم اليومية بل صار ضرورة في بعض المجتمعات؛ بحيث أنه لو انقطع عنهم لتوقفت قطاعات واسعة من نشاطات الناس ومصالحهم توقفًا تامًا.فالحركة التجارية تعتمد على الاتصال فيما بين العملاء على الإنترنت كم أنها تعتمد على البنوك في تصفية تكاليفها وسير البنوك أساسًا يقوم على الاتصال بين شبكات البنوك المختلفة، والإنترنت كذلك وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها للحصول على معلومات إن لم تكن الوسيلة الرئيسة في الوقت الحاضر.وهو - أيضا - وسيلة للإعلان: ومنه الدعوة.كما أنه وسيلة مهمة بالنسبة للحكومة سواء فيما بين دوائرها أو بينها وبين المتعاملين عنها بل أصبحنا نقترب كثيرًا مما يسمى بالحكومة الإلكترونية.
3) وجود أضرار شرعية منبثقة عنه:ومنها مشاهد الجنس العملي بنقل الفعل نفسه عيانا، وما تبثه الدعوات الهدامة والأديان المحرفة.كما أن المخاطبات التي تجري عبر الإنترنت قد تسفر عنها علاقات غير شرعية.وكذلك صار مرتعًا للسرقة والمحتالين[15]وأيضًا التأثير الإعلامي الخاطئ من قِبل الدول والجماعات والمنحرفين من الأفراد.وما كان بهذه الصفة فحري أن يتم التصدي لمعالجة مسألة الإنترنت للوصول لتفريعات الوقائع التي تحتاج إلى حكم، ومنها واجبات المسلمين نحو هذا القطاع الهم والرئيس في الدنيا اليوم.ورغم هذه الأهمية إلا أن الدراسات الشرعية عنه - فيما أعلم - محدودة أو نادرة كما عرفتها عند إعدادي لهذه الورقات[16].
المبحث الثاني: حكم الإنترنت:
الإنترنت نازلة حادثة فلذا نحتاج لتوصيفها أو تكييفها الشرعي، ثم نعقب ببيان الحكم.
المطلب الأول: التوصيف الشرعي للإنترنت:
مما تقدم في مفهوم الإنترنت يتبين أنه وعاء ليس في ذاته نافع أو ضر؛ بل يأخذ نفعه وضره من استخدامه وما يحمله من خير أو شر وعليه فهو وسيلة.وقد قرر كون الإنترنت وسيلة عدد من العلماء المعاصرين منهم شيخنا العلامة عبدالرحمن البراك[17]، والشيخ العلامة يوسف القرضاوي[18].
وحكم الوسيلة من حيث الأصل تأخذه من استخدامها فإذا استخدمت في الخير كانت مشروعة بل قد تجب وإذا استخدمت في الشر كانت محرمة، فعلى سبيل المثال تجوز الدعوة إلى الله عبر هذه الوسيلة بل قد تجب.يقول القرافي: (كما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة)[19].
المطلب الثاني: الحكم على الإنترنت:
مما تقدم في التوصيف يتبين أن الإنترنت مشروعة إذا استخدمت في غير المحرم بل قد تجب.قال الشيخ محمد الصالح العثيمين - رحمه الله - (أرى أنه يجب استخدام وسائل الإعلام في الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأن ذلك مما تقوم به الحجة...) [20].
ويفهم من كلام الشيخ العثيمين أن الإنترنت بالإضافة إلى كونها من وسائل الإعلام فهي أيضا مما لا تتم حجة القيام بالدعوة إلا بطرقها لكونها أضحت المنفذ الرئيس لقطاع واسع من البشر في أنحاء المعمورة.غير أن في حكم الإنترنت لبسًا آخر وهو في كونها متضمنة بالشر أصلًا ومتلبسة به.فإذا نظرنا في هذه الوسيلة بما تحمله وما تؤدي إليه وجدنا أنها تحمل خيرًا كثيرًا، وتحمل أيضا شرًا.فالإحصائيات تقول بأن مجالات الانتفاع بالإنترنت هي أوسع وأشمل.فعلى سبيل المثال تشير بعض التقارير أيضا إلى أن عدد المواقع الإباحية يتراوح بين نصف مليون وسبعة ملايين موقع منها 10% تخدمها مؤسسات متخصصة في تجارة الجنس سواء من خلال توفير الصورة أو الشرائط أو المجلات أو توفير شبكات دعارة عالمية [21]:غير أن عدد المواقع الإلكترونية قد بلغ: 255مليون حتى كانون الأول 2010 م[22].
هذا فضلًا عن كون الخدمات التي يقدمها الإنترنت مهمة وفيها مصالح قد تصل لحد الضروريات في بعض الأماكن وفي بعض الحالات في أماكن أخرى.وأيضًا فهناك طرق كثيرة يمكن فعلها للحد من أضرار الإنترنت عقب الحجب ونحوه[23].
وفوق هذا وهذا فقد نصل إلى عدم إمكانية إلغائه خصوصًا لو وضعت خدمة مناسبة في ثمنها وسرعتها عبر الأقمار الصناعية، ومن ثم كانت المشكلة أصلًا في ضعف المسلمين وتخلفهم في ارتياد هذه الوسيلة والإحصائيات تنطق -ويا للأسف - بذلك:
فمما جاء فيها أن المواقع التنصيرية تزيد على الإسلامية بمعدل 1200 في المائة، تظهر أن المنظمات المسيحية تحتل نسبة 62 في المائة من المواقع، يليها المنظمات اليهودية، ويتساوى المسلمون مع الهندوس بنسبة 9 في المائة فقط، مشيرا إلى آخر إحصائية لموقع قوقل للبحث، حيث أوضحت أن 3.4 مليار صفحة على «الإنترنت» لا تمثل الصفحات العربية فيها إلا 10 في المائة من مجموعها وفيها الإسلامي وغيره[24].
وعلى هذا يكون الحكم بالتكليف بالطلب أشد سواء بقيامنا بالدور الإيجابي في إيجاد النافع أم بالسلبي في دفع الضار وهو ما نحاول معالجته في الفصل القادم.ونخلص إلى أنه بما أننا لا نستطيع إلغاء الإنترنت لما يمثله من مصالح للناس قد يقال بعدم انضباط كثير من الأمور بدونه. فما بقي علينا إن أن نتعامل معه ونتفاعل مع ما فيه بإيجاد دور إيجابي لنا لتثبيت وجهة نظرنا ومنهجنا وطرقتنا الإسلامية وبالمقابل نحاول التقليل من أضراره بأفعال تحد منها وقد سميناها الأفعال السلبية.وطبيعي أن هذه الأفعال مطلوبات شرعية لا يمكن لجميع المكلفين تحقيقه بل يطلب الشرع وجوده وهذا هو المسمى فرض الكفاية وإن كان كثير منها - في حالات - قد ينحصر وجوبه في فعل أشخاص محددين فيتحول المطلوب الكفائي إلى فرض عين.وعليه فإننا سنتناول هذه الأفعال المطلوبة باعتبار الأصل وهو كونها فروض كفاية ونذكر في آخرها ما قد يتحول منها إلى فرض عين فيتوجه التكليف بمعين محدد.إذن فلتناول الأفعال الإيجابية من الفروض الكفائية في الإنترنت، ثم الأفعال السلبية.

الفصل الثاني


الفروض الكفائية في الإنترنت


نتناول الفروض الكفائية عبر مبحثين:
أولهما في مفردات الفروض والثاني في آلية تنفيذ هذه المطالب.

المبحث الأول مفردات الفروض الكفائية في الإنترنت:
مما تقدم في مفهوم الفرض الكفائي يمكننا تحديد عدد من الفروض الكفائية المتعلقة بالإنترنت بعضها فعل إيجابي يضيف إلى الشبكة، والبعض الآخر سلبي يعمل على الإعاقة والتعطيل، وفي هذا الفصل نورد هذه بعض من هذه المفردات لأن حصرها لا يمكن باعتبار موضوعنا وهو الفرض الكفائي من طبيعته أنه غير محدد ولا محصور وإنما تضبطه قواعد عامة تنتظم في عقدها المفردات الممكنة.وعلى هذا يشتمل هذا المبحث على ثلاثة مطالب: أولها في قواعد ضابطة والثاني في الفعل الإيجابي، وثالثها في الفعل السلبي.
المبحث الأول: القواعد الضابطة لمفردات الفروض الكفائية في الإنترنت:
الفروض الكفائية هي مهمات دينية ودنيوية تساعد في إقامة المطلوبات الدينية ومن أهم هذه المطلوبات الكليات الخمس: الدين والنفس والعقل والعرض والمال.وعلى هذا فمن الفروض الكفائية المتعلقة بالإنترنت كل ما تعلق بالدين والدعوة إليه ورد أطروحات معارضيه، ومنها كل ما يتعلق بحفظ الأعراض وتجاوز الحد السوي نحوها، ومنها كل ما يتعلق بالتعامل المالي الممكن عبر الإنترنت.ولا يقتصر هذا على النت المعلوماتية بل ما تحتاجه من شبكات وإصلاحات وتخصصات وغيرها.
وعلى هذا ستتفرع الفروض الكفائية إلى مفردات كثيرة وغير محدودة[25].
وقد ذكر العلماء قواعد عامة يتعرف من خلالها على هذه المفردات ومنها:
1) ما لا يستقيم صلاح معاش الناس إلا به[26].وتشمل كل ما يحتاجونه من نواحي اقتصادية كالأعمال والحرف التي يحتاجها المجتمع والإنترنت أصبح كالضروري فيها، ونواحي أمنية كالشرطة والقضاء وهذه ترتبط بشبكة واحدة.
2) الأشياء الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا لِمَصَالِح النَّاسِ غَالِبًا الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ[27].وتشمل مجالا عدة منها الدعوة والجهاد وللإنترنت مسلك فيها.
3) ما ينتظم به أَمْرَ الْمَعَادِ[28].من العبادات كالإمامة للصلاة، والأخذ على يد الظالم لنفسه.
4) الأشياء التي لَا يَقُومُ صَلَاحُ الْعَالَمِ إلَّا بِهَا[29].
وقد يتجاوز بهذا الوصف الأمة الإسلامي لغيرها من الأمم ويتجاوز به صلاح الإنسان لصلاح الكون عامة؛ والإنترنت هو الوسيلة العبرة للحدود.وعبر هذه القواعد يمكننا في المبحثين القادمين تحديد مفردات الفروض الكفائية المتعلقة بالإنترنت.
5) تعيين مفردات الفروض الكفائية وتسميتها في الغالب ليس مصدره نصوص الشرع وأدلته بل هو يدخل في الأمور الدنيوية التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم بأنهم أعلم بأمر دنياهم، فالرجوع للخبراء هو المهيع والطريق الرئيس لمعرفة الواجب الفائي المطلوب في أي مجال حياتي.قال تعالى: ﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 14].يقول السرخسي: (وإنما يرجع إلى معرفة كل شيء إلى من له بصر في ذلك الباب كما في معرفة القيمة والأصل فيه قوله تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[30])[31].
وعليه فما سنذكره من المفردات المطلوبة وجوبًا كفائيًّا سواء في جانب الإيجاب أو السلب إنما يرجع تحديده بدقة تعيينه وحجمه ومكانه وزمانه للخبراء.المبحث الثاني: الواجبات الكفائية: في الدور الإيجابي:نقدم هذا المبحث بتوطئة حول أهمية التعامل الإيجابي، ثم نتناول المسألة في ثلاثة مطالب: أولهما في أعمال إنشائية، وثانيهما في أعمال متفاعلة مع مواقع موجودة سابقًا والمطلب الثالث في متفرقات متعلقة بالدور الإيجابي.
توطئة في أهمية التعامل الإيجابي:
طبيعة الحياة البشرية أنها في تغير مستمر في أحوالها ووسائلها؛ وعندها لا يمكن لأهل الخير إلا التفاعل الإيجابي مع هذه المستجدات والتي تصبح مع مرور الأيام كأشعة الشمس التي لا يمكن حجبها؛ فإن لم تهيئ لك ما يقيك أحرقتك وصعب عليك الوقاية بعد ذلك كما قرره الشيخ محمد بن صالح العثيمين[32].وهذا ما يفسر لنا وجود الضبط الشرعي والعملي لمسألة تعليم الفتاة - في السعودية - للتعامل الإيجابي معها أول الأمر على خلاف التعامل مع الفضائيات على حد وصف الشيخ سلمان العودة[33].
وعليه فلا مجال أمامنا سوى التفاعل مع هذه الوسيلة - الإنترنت - لنستفيد من إيجابياتها، ونعمل على تلافي سلبياتها والله حفيظ.ويمكننا تقسيم الفروض الكفائية الإيجابية إلى مطلبين أولهما في الإنشاء، والثاني في العمل مع الموجود.
المطلب الأول: أعمال إنشاء:
يجب على المسلمين كفائيًّا إنشاء كل ما يتطلبه توفير خدمة الإنترنت التي توصف بالمهمة حتى يتوفر ما يحتاجه المسلمين في معيشتهم - بل وللكفار الموجودون في بلادهم -.ومن المطلوبات الظاهرة: الشبكات والمواقع؛ فنوردها في الفرعين الآتيين.
الفرع الأول إنشاء الشبكات:الشبكات هي طريق الوصول لخدمة الإنترنت ومن ثم يتطلب الأمر وجود شبكات فهي الموفر لخدمة الإنترنت[34].
فوجود الشبكة تأخذ حكم الإنترنت نفسه للقاعدة الشرعية ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومع إيجاب فعلها يجب - أيضا - فعل كل ما يتطلب استمرارها والمحافظة عليها وصيانتها بل وتطويرها، فهذه وسائل الوصول للواجب ووسيلة الواجب واجبة.وقد تقدم قول القرافي: (كما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة)[35].
الأمر الآخر أن وجود هذه الشبكات بفعل الكفار يسقط وجوبها على المسلمين، إلا إذا كانت هناك مصالح معتبرة تذهب لأنها بيد عير المسلمين وسواء كانت حجب خدمة أو تقليل خدمة، أو خسائر مادية هائلة يمكن توفيرها لو أننا صنعنا خدمة التوفير هذه.فترك الفعل من المسلمين للاعتماد على توفير الكفار له جائز ما تترجح المصلحة بخلافه.قال شيخ الإسلام ابن تيمية: - عند حديثه عن الصنائع-: (إنها فرض عند الحاجة إليها... وقولي عند الحاجة فان المسلمين قد يستغنون عن الصناعة بما يجلبونه أو يجلب إليهم من طعام و لباس)[36].
والشاهد في كلامه كوننا سنستغني عن فعلنا بما يفعله غيرنا.ولكن تحديد ذلك يرجع إلى الموازنة بين المصالح والمفاسد ويكون ذلك بنظر الخبراء كما تقدم في القواعد في المبحث الأول.
المطلب الثاني: إنشاء مواقع:
لا تلزم شرعًا حالة محددة إذ أن المكلف مخيرٌ بين المشاركة في موقع موجود، أو إنشاء موقع مفقود؛ بل المطلوب هو الفعل بأي طريقة كانت؛ غير أن هناك حالات قد يتعين فيها إنشاء الموقع، ولا يمكن الاستغناء عن الإنشاء بالمشاركة ومن ذلك:
1) قد يكون الموقع المعروف لجهة دعوية تعطي الاطمئنان لمن يريد التوثق.فعند إدراكنا لهذا الغرض يصير الإنشاء واجبًا.
2) قد لا نستطيع التحكم التام في المعلومة أو في المحتوى الذي نرى حاجة المدعوين له فنحتاج إلى موقع نتصرف فيه بما نشاء.
3) قد نخاف من التصرف فيما نطرح ونريد الاطمئنان عليه فنحتاج لموقع آمن.ومن ذلك في ظني - الرد على الفتاوى والمشكلات.
4) لإنشاء المنتديات:المنتديات وسيلة للتحاور والتفاعل المباشر المتبادل فإذا كانت مهمة وتوقفت عليها بعض أهداف الدعوة كانت فرض كفاية.وممكن إيجاد ضوابط نعمل بها على تلافي السلبيات قدر الإمكان.

المطلب الثاني: قيامنا بدور في المواقع الموجودة:
قدمنا أن الفروض الكفائية هي وسيلة ومن ثم لا يلزم شيء وجوب حالة معينة وعليه لا يجب - تحديدًا - إنشاء مواقع أو المشاركة في مواقع موجودة بل المطلوب هو إيجاب المفروض على الكفاية.فيكون أمام المكلفين فعل أحد الخيارات من إنشاء موقع أو المساهمة في موقع آخر قائم وإن كان لكافر، لكن بشرط إمكانية وصول الدعوة نقية.فالواجب الكفائي قد يتصور فيه الواجب المخير بين أشياء، قال الزركشي: (يُتَصَوَّرُ الْمُخَيَّرُ فِي الْوَاجِبِ الْكِفَائِيِّ كَمَا يُتَصَوَّرُ الْمُخَيَّرُ فِي الْوَاجِبِ الْعَيْنِيِّ كَمَا سَبَقَ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ كَذَلِكَ فِي الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ) [37].
غير أنه في حالات قد تجب المشاركة في مواقع أخرى ومن ذلك:
1) توصيل الدعوة لقطاع من الناس يصعب القول بارتيادهم لمواقع الدعاة ومن ثم يفترض إيصال الدعوة عبر مواقعهم ومنتدياتهم.ولا يظهر وجود مانع شرعي من المشركة في مواقع منحرفة مهما بلغ انحرافها ما دام أن المشارك سينفع بمشاركته، إلا في حالات معينة قد توجد مفاسد كإعطاء صبغة شرعية لهذا الموقع أو الدعاية له وعندها لا نطلق المنع بل نقول للمشارك عليك الموازنة بين المصالح والمفاسد فمتى ما رجحت المصلحة فعليك بها ولصاحبته مفسدة أقل.يقول العز بن عبد السلام: (درء المفاسد المحضة عن نفس الإنسان وعن غيره محمود حسن، وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها محمود حسن، وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها محمود حسن، وأن تقديم المصالح الراجحة على المرجوحة محمود حسن، وأن درء المفاسد الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن) [38].
ومما يذكر هنا أنه يجوز أن نحدد العنوان كما يجوز أن نوهم بعنوان كاذب كأن نعنون موعظة بأنها فلم إباحي مجاني.كما يجوز الكتابة باسم مستعار[39].
2) عند وجود خلل أو نقص في معلومات موقع يرتاده المسلمون مع حاجتهم لهذه المعلومة أو البحث سواء في العلوم الشرعية أو الحياتية.
3) ارتياد المنتديات التي يكون الحق فيها ضعيفًا سواء الحق شرعيًا أو حياتيًا.

المطلب الثالث: متفرقات في الدور الإيجابي:
1) تيسير الإنترنت:لا شك أنه فرض إذا كان في البلد مواقع غير آمنة ونحتاج إيجاد مقاهي آمنة، لمن يريد وللمنافسة، وممكن هل يجب دعمها لتقدم أسعارًا مخفضة، ومن ذلك:
أ) إنشاء مقاهي:قد يكون إنشاء مقهى الإنترنت وسيلة لتحصين الشباب؛ إما لتوفير مقهى آمن من الشرور، أو لمنافسة من يقدم الشر عبر بيع آخرته بدنياه مع تقديم مزايا تجذب الناس مقهاه الآمن.ولكن مع ذلك يجب أن يكون حذرًا ولو بالمراقبة الإلكترونية أو غيرها، كما يجب عليه تعيين ثقة يتولى هذا المقهى.
ب) تقوية تقنية المعلومات بشكل عام:من الواجبات التي تعتبر من باب ما لا يتم الواجب إلا به تقوية تقنية المعلومات.ونضرب كمثال لذلك الخطوات التي أعقبت صدور الأمر السامي في السعودية بتاريخ 10/12/1421ه- القاضي بوضع خطة وطنية لتطوير تقنية المعلومات في المملكة وعمل آليات لتنفيذها ومتابعتها من قبل جمعية الحاسبات السعودية[40].
ج) تقديم خدمات مكملة:قد يتطلب الواجب العبادي أو الحياتي استخدام الإنترنت فيصير فرض كفاية ومن ذلك: الأذان حيث لا يرفع الصوت على المنابر فيكون الإخبار بالصلاة فرض كفاية بالإنترنت إن أمكن كحكم الأذان[41].
وهو ما حدث في بريطانيا حيث بث الأذان عبر الهواتف المتحركة لمنع السلطات رفع الصوت به، وقامت بذلك شركة تابعة لأسرة مسلمة[42].
2) التخصصات العلمية التي تعد فرض كفاية في تحقيقها:ومما لا يتم استخدام الإنترنت إلا به وجود خبراء وعلماء في هذا المجال بكل تفريعاته، ومن ثم كان تعليم ذلك وتعلُّمه فرض كفاية[43].
يقول الشيخ عبد العزيز ابن باز - رحمه الله -: (العلوم (غير العلوم الشرعية) أي من استخراج المعادن وشؤون الزراعة والفلاحة وسائر العلوم النافعة، قد يجب منها ما يحتاجه المسلمون، ويكون فرض كفاية) [44].
3) إصدار اللوائح والقوانين والأحكام التي تعالج الجرائم والاختلافات التي تنشأ من التعامل مع الإنترنت إما بإيجاد وتقنين أحكام للقضاة أو بإيجاد قضاة عندهم أهلية معرفة الحكم المناسب للقضايا المعروضة[45].
4) وعظ الناس وتربية النشء على خوف الله ومراقبته، وتحذيرهم من أخطار هذه الوسيلة - الإنترنت - وتذكير الآباء بوجوب إيجاد نوع من مراقبة تصفح الأبناء ووجود تأكدهم من سلامة المحتوى المنظور ولو بشراء بعض البرامج أو الاستعانة بالخبير لبرمجة الجهاز نفسه وعدم السماح للأولاد بحرية الذهاب إلى المقاهي وإنما يرشد بل يجبر إلى المقهى الآمن منها.ويمكن إدخال ذلك في مواضيع خطب الجمعة ومطويات النشر سريعة التداول وكل يندرج تحت الفرض الكفائي.

المبحث الثالث الواجبات الكفائية:
في الدور السلبي:
نتناول هذا المبحث عبر ثلاثة مطالب أولها في حرمة الاعتداء واستثناء جوازه، ثانيها في الاعتداء المضر ماديًا، وثالثها في التأثير دور ضرر مادي.

المطلب الأول حرمة الاعتداء واستثناء جوازه:
الأصل حرمة الممتلكات الشخصية - المادية والمعنوية - والإنترنت وما فيه يدخل من ضمن الممتلكات المعنوية.فالأصل أنه مصون ويحرم التعدي عليه إلا بحق، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام)[46].وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة بأن حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعًا، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها[47].فالاعتداء ممنوع على الأموال والحقوق المادية والمعنوية ومنها المواقع وما فيها من معلومات فهي حق لأصحابها، لا يجوز التعدي عليها إلا في حدود ما يسمح به صاحبه.يقول الشيخ يوسف القرضاوى - إجابة عن سؤال حول الدخول في الإنترنت بدون مقابل مع أن الدخول لموضع يدفع مال فيه - فقال:" أنا أرى أن هذه الأشياء يجب على الإنسان أن يحترم مثل هذه الأمور فأنا أشبهها بمن يأخذ كتاب غيره ويطبعه من غير أن يعطيه حقوق التأليف ولا يعطي الناشر حقوق النشر يعني لابد أن تراعى الحقوق هناك الآن شيء يسموه الملكية الأدبية أن الإنسان الذي بذل جهده في شيء يعني ظل يشتغل في هذا الأمر شهورًا وسنين ثم تأتي أنت وتسرق جهده فهذا لا يليق) [48].
وهذا ينطبق على أصل الموقع أو المعلومات التي بداخله أو الدخول فيه بغير إذن أصحابه أو وضع أشياء لا يرضون بها، وكل ما لا يرضى به صاحب الموقع أو صاحب المعلومة أو المقال.وقد جاء في نظام حماية حقوق المؤلف بالمملكة العربية السعودية: (تشمل الحماية برامج الحاسب الآلي) [49].
غير أن كل هذا ينطبق على الموقع النافع أما المحتوى الضار المنحرف فيختلف الحكم؛ إذ القاعدة أن المنكرات يجب إزالتها وتغييرها.قال تعالى ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [50].ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)[51].
ومن هذه المنكرات المستوجبة للتغيير من الأمة ما يوجد في الإنترنت.يقول الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ: (المواقع الفاسدة المخلة والمضرة بعقائد المسلمين من خلال التلبيس والتشكيك، والمضرة بأخلاقهم كذلك من خلال ما يُعرض فيها من الدعوة إلى الفساد وتيسير طرقه، وتعليم الناشئة لهذه الأمور، وتربيتهم عليها من خلال ما يعرض فيها... فلا ريب أن هذا من أعظم المنكرات التي يجب التصدي لها وإنكارها وفق قواعد إنكار المنكر التي جاء بها النص من الكتاب والسُنَّة، وبينها وفصَّلها علماء الأمة) [52].
ومن ثم فليس في الإتلاف لهذه المفاسد إثم ولا ضرر بل فيها الأجر والإثم على من استطاع فلم يغير لإخلاله بواجب الأمر النبوي (فليغيره).
يقول ابن القيم: (وكذلك لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، قال المروذي قلت لأحمد استعرت كتابا فيه أشياء رديئة ترى أن أخرقه أو أحرقه قال نعم فاحرقه)[53].
وإنكار المنكر يندرج تحت الفرض الكفائي؛ ويشهد لذلك قوله تعالى في هذه الآية (ولتكن منكم).يقول ابن جزي:(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ الآية: دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، وقوله: منكم: دليل على أنه فرض كفاية لأن من للتبعيض...) [54].ونورد ذكر الأعمال التي يمكن عدها من فروض كفاية في الدور السلبي عبر نقطتين أولهما في إفشالها ماديًا وثانيهما في التأثير عليها.

المطلب الثاني: إفشال الموقع ماديًا:
وفيه فروع:
الفرع الأول: تعطيل الموقع:
يجوز تعطيل الموقع الضار لو أمكن ذلك غير أنني أظن أن هذا غير عملي إلا في حالة عرقلة المفسد المنحرف فقط لبعض الوقت وتفويت الوقت عليه؛ ومن ثم يمكن القول بوجوبه لو تحققت مصلحة معتبرة في ما لو عطلنا عمله.وإنما قلنا غير عملي لأن بإمكانه فتح موقع جديد.والشرط في التعطيل أن لا يجر ذلك إلى مفسدة أشد كتعطيل مواقع الخير والنفع؛ خصوصًا مع ضعف تقنياتنا وقلة مواقعنا والتي لا تحتمل انقطاع البعض.وما أحسن قول الدكتور فيصل مولوي: (ليس للمسلمين مصلحة في تدمير المواقع المعادية للإسلام على الإنترنت؛ لأنّ هذا سيسبب تدميرهم لمواقعنا الإسلامية. والله تعالى نهانا عن سبّ آلهة الذين كفروا حتّى لا يكون هذا الأمر مبرّرًا لهم ليسبّوا الله عزّ وجلّ؛ فلا يصحّ لنا أن نكون البادئين لأنّ ذلك سيرتدّ علينا.لكن لو بدأ الأعداء بتدمير مواقع الإسلام على الإنترنت، فمن حقّنا أن نردّ عليهم بالمثل وأن نحطّم مواقعهم. والله تعالى يقول: ﴿ وجزاء سيّئة سيّئة مثلها[55].
بل من واجبنا في هذه الحالة أن نقوم بتحطيم مواقعهم المعادية للإسلام؛ لأنّ ذلك هو الوسيلة الوحيدة لردعهم عن تحطيم مواقعنا الإسلامية)[56].

الفرع الثاني: منع الشخص أو إتلاف الآلات:
منع استمرارها إما بعرقلة القائمين عليها كأشخاص أو بإتلاف أجهزتهم، وهو واجب على الكفاية لأنه من باب إنكار المنكر باليد لكن يحتاج إلى نظر متأنية لتأكد من توفر شروط النهي عن المنكر، ومنها عدم نشوء مفسدة أشد، وطلب تدخل الحاكم لفعل ذلك.

المطلب الثالث: التأثير على المواقع دون تعطيلها:
يمكن ذلك بأمور منها:
1) المشاركة بمقال أو بحث أو محاورة لتفنيد شبهة أو للرد على انحراف، أو للتحذير من منكر ظاهر.وتكون المشاركة على حالتين:أ) فعل لا يتعارض مع أنظمة الموقع:وهذا لا غبار عليه.
ب) الفعل الذي يتعارض مع أنظمة الموقع.يظهر أنه بما أننا وصفنا فعل المشارك بأنه من باب إنكار المنكر؛ فيجوز له الفعل دون رضا صاحب المنكر لأن المفترض الطبيعي أن لا يرضى صاحب المنكر بفعل القائم بحقوق الله المنكر على تجاوزها.كذلك يمكن القول - والله أعلم - بجواز الموافقة على التزام أنظمة الموقع المعين لأجل الدخول مع نية مخالفة هذا النظام ويستند ذلك تحت جواز الكذب في حالات الإصلاح كما جاء في الحديث[57] ولم أر من صرح بذلك فلتتأمل.
2) الحجب: هل من حق الموقع عدم حجبه (حكم الحجب قانونيًا)الحجب وسيلة مهمة وضرورية ليس لمواقع الإباحة والخنا بل ولما هو أشد من ذلك كمواقع التنصير.ولنستمع لكلام أحد الخبثاء المنصرين - وإن كنا لا نصدقه ونتمنى كذبه - يقول - أخزاه الله: (فلما جاءت التكنولوجيا وعملوا البال توك دخلنا السعودية ودخلت قلب مكة... دخلنا المدينة غير المنورة - كما يقول أحرقه الله -.....، من هنا ده عمل إلهي عجيب فإذن الله بيفتح مجالات لابد أن نستغلها في البال توك، وغيره من وسائل الإعلام..)[58].
والحجب واجب كفائي ولكن يتعين في الغالب على الشركة الموفرة للخدمة وقبلها على الدولة نفسها، لكن يبقى فرض كفاية بحيث يسعى المسلمون لذلك ويأثمون لو حصل تقصير.أُصدرت قوانين صارمة لفلترة المواد التي تأتي من الشبكة العنكبوتية لحجب ما كان ضارا[59]، وبحمد الله يتم العمل في كثير من البلدان على هذا النحو.
ولهذا الحجب أثر بالغ يقول: (الأستاذ الدكتور كاس سانتين: الدول التي تفرض قوانين صارمة في منع المواد الإباحية تنخفض فيها نسبة هذه الجرائم - وبعد دراسة لبرنامج الترشيح في مدارس ولاية يوتا وجد أنه بعد 54 مليون عملية تصفح فإن الخطأ في الحجب يبلغ 64 خطأ لكل 205737 عملية حجب - نجاح 9909994%) [60].
ولا بد من التنبيه إلى أن هناك واجب كفائي يتطلبه الحجب هنا وهو إيجاد برامج صلبة وممانعة لكسر الحجب، ولا يترك للشركات والتي قد تنتج تسوق برنامج الحجب وُتخرج ما يكسره[61]،وقد يوجه ذلك الطلب للشركات أو الأفراد.كما يمكن للأفراد - أيضا - القيام بأعمال عديدة؛ وقد أورد الدكتور مشعل القدهي[62] نماذج من أفعال لبعض السعوديين ومن ذلك:
أ) كتابة عددا من البرامج للبحث الآلي عن الصفحات الإباحية الجديدة واكتشافها وحجبها. وقد تمكنت هذه البرامج من الكشف عن آلاف الصفحات الجديدة ولا تزال تتعرف على عشرات أو مئات الصفحات الجديدة في كل يوم وتقفلها.
ب) كتابة برامج للفرز الآلي للصفحات التي يُطلب حجبها لمعرفة ما إذا كانت صفحات إباحية أم لا.
ج) بوضع عددا من البرامج والأنظمة لكشف محاولات الاختراق والتعدي وصدها ومعرفة مصادرها.
د) بدراسة الأسواق الدولية وتعرفوا على عددا من الآليات التي ستمكنهم بإذن الله من كتابة برامج تتمكن من منع الاختراقات بشكل أفضل بكثير – بإذن الله.

خلاصة لشروط الفعل السلبي:
للفعل السلبي شروط يتم النظر إليها قبل الإقدام على مثل هذه الأفعال:
1) التأكد من الخلل في الموقع أو المقال ونحوه.
2) عدم إمكانية إصلاح الخلل بطرق أخف كالنصيحة أو الضغط الكتابي؛ لأن هذا الفعل يندرك - كما تقدم - في النهي عن المنكر ومن أساسياته التدرج في الإنكار.
3) أن لا يؤدي فعلنا السلبي إلى مفاسد أشد: ومن تلك المفاسد توجيه أصحاب المواقع أو المقالات التي أنكرنا عليها توجيههم السهام لمواقع الخير والنفع وإمكانية إلحاق أضرار ومفاسد أشد من المصالح المجلوبة بإنكارنا عليه؛ وهذا من باب قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ[63].
وفي نهاية إيرادنا لمفردات الفرض الكفائي لا بد من التنبيه إلى أن هذه المفردات ليست منحصرة كما أن تحديدها زمانًا ومكانًا وحالة ومقدارًا يرجع إلى أهل المعرفة والخبرة بالإنترنت كما قدمنا سابقًا عند ذكر القواعد.

الفصل الثالث

التنفيذ الفعلي للفروض الكفائية المتعلقة بالإنترنت


نتناول هذا المبحث عبر مبحثين أولهما في المكلف بالفرضالكفائي، والثاني في متعلقات بالتنفيذ.
المبحث الأول: المكلف بالتنفيذ:
سُمي هذا الفرض بالفرض الكفائي لأن التكليف يحصل بفعل البعض.ولا يعني ذلك اقتصار الخطاب على البعض؛ إذ أن جمهور العلماء يقولون بأن فرض الكفاية على الكل[64]، و قرره عدد من الفقهاء كالنووي[65].
فالخطاب إذن في الفرض الكفائي يتوجه على الكل ابتداءً، ثم يسقط بفعل البعض؛ أي أنه في أوله فرض عين على الجميع كما صرح ابن قدامة بقوله: (فَالْخِطَابُ فِي ابْتِدَائِهِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ، كَفَرْضِ الْأَعْيَانِ، ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ بِفِعْلِ بَعْضِ النَّاسِ لَهُ)[66].
وذلك لأن الأصل في الخطاب أنه للكل.وتوجه الخطاب إلى الكل - بحسب ظاهر النصوص - يجعل الجميع يشعرون بالتبعة.وعليه فكل الفروض الكفائية التي أشرنا إليه وما يحدد أهميته خبراء الإنترنت يكون واجبًا على كل المسلمين.وطبيعي أن الجميع لا يستطيع مباشرة الفعل لكن قد يتوجه عليه التكليف بمساعدة القادرين على الفعل ماديًا ومعنويًا.قال الشاطبي: (قَدْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ عَلَى وَجْهٍ مِنَ التَّجَوُّزِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِذَلِكَ الْفَرْضِ قِيَامٌ بِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ؛ فَهُمْ مَطْلُوبُونَ بِسَدِّهَا عَلَى الْجُمْلَةِ؛ فَبَعْضُهُمْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا مُبَاشَرَةً، وَذَلِكَ مَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا، والباقون - وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا- قَادِرُونَ عَلَى إِقَامَةِ الْقَادِرِينَ، فَمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْوِلَايَةِ؛ فَهُوَ مَطْلُوبٌ بِإِقَامَتِهَا، وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا؛ مَطْلُوبٌ بِأَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ إِقَامَةُ ذَلِكَ الْقَادِرِ وَإِجْبَارُهُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا؛ فَالْقَادِرُ إِذًا مَطْلُوبٌ بِإِقَامَةِ الْفَرْضِ، وَغَيْرُ الْقَادِرِ مَطْلُوبٌ بِتَقْدِيمِ ذَلِكَ الْقَادِرِ؛ إِذْ لَا يُتَوَصَّلُ إلى قِيَامِ الْقَادِرِ إِلَّا بِالْإِقَامَةِ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ)[67].
ولا شك أن كثيرًا من الفروض الفائية التي تتعلق بالإنترنت تحتاج إلى تكاليف هائلة فتتطلب تضافر الجهود فنيًا ماليًا وإداريًا بل وحكوميًا.لكن الفرض الكفائي باعتباره من الأحكام التكليفية يتوجه على العالم به العارف بوجود النقص الذي نحتاج لسده.كما أن أهل الاختصاص بعلوم الحاسوب والقريبين منه عليهم تبعة البحث عن النقص؛ إذ قد قرر عددٌ من العلماء أن المقصر في العلم بالنقص كمن علم الخلل ولم يسده.قال النووي: (وَلَوْ أَطْبَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى تَرْكِهِ - أي فرض الكفاية - أَثِمَ كُلُّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِمَّنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَأَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ قَرِيبٌ أَمْكَنَهُ الْعِلْمُ بِحَيْثُ يُنْسَبُ إلى تَقْصِيرٍ)[68].
ونخص بالذكر المساندة المالية من أهل رأس المال؛ ولا أقصد هنا المؤسسات الخيرية، بل هناك واجب لا شك على الدولة في تخصيص مشاريع نحو هذه الوسيلة الفعالة - الإنترنت - إيجابًا وسلبًا -.وكذلك المشاركة بالمال من غير الراغبين في التبرع؛ إذ يجوز أن يأخذ الإنسان أرباح وهو يؤدي هذا التكليف بفرض الكفاية.قال ابن العربي: (... ما كان من فروض الكفايات فالقائم به يجوز له أخذ الأجرة عليه) [69].
غير أنه في حالات قد يتعين على شخص واحد أو على كل واحد من مجموعة، أو على الدولة والحكومة.
حالات تحول فرض الكفاية إلى فرض عين:
تقدم في مبحث المفهوم أن فرض العين هو ما خوطب به كل مكلف بعينه بحيث لو فعله غيره لا يسقط عنه الخطاب ويأثم بالترك.ويتحول فرض الكفاية إلى فرض عين في بعض الحالات، وعندها يُلزم شرعًا كلُّ من توجه له الخطاب على فعله، ولا يسقط عنه الإثم لو فعله غيره [70].

وبيان هذه الحالات في الآتي:
1) انحصار القادرين على الفعلقال ابن تيمية (أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ مَتَى لَمْ يَقُمْ بِهَا غَيْرُ الْإِنْسَانِ صَارَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ غَيْرُهُ عَاجِزًا عَنْهَا) [71].وهذا في الإنترنت هو الغالب في المباشرة الفنية لأنها تحتاج إلى خبرة، لكن كنشر أو دعوة فلا تحتاج لخبرة.
2) أمر الحاكم:فإذا أمر الحاكم بعض الأفراد بفرض من فروض الكفاية تعين عليهم ويلزمهم فعله [72].قال الدسوقي:(الْحَاصِلُ أَنَّ فُرُوضَ الْكِفَايَةِ كُلَّهَا تَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ إلَّا الْقَضَاءَ فإنه لَا يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ بَلْ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَذَلِكَ لِشِدَّةِ خَطَرِه)[73].فإذا انتدب الإمام أحدا أو مجموعة من الطلاب للدراسة أو الشركات للتوجه نحو الإنترنت ومشاريعه فيجب عينًا عليهم.
3) إذا توجه الفعل على شخص وخُشي التواكل:لا يتحدد في فرض الكفاية المطلوب منه الفعل، وهذا قد يؤدي إلى تدافع الأشخاص عن أنفسهم فعل المطلوب شرعًا، وهذا يؤدي إلى عدم فعل فرض الكفاية.قال إمام الحرمين: (قال المستقلون بالعلوم الكلية: ينبغي أن يكون أرباب القيام بفروض الكفاية على التبادر إليها، لا على التواكل فيها؛ فإن ذلك يجر إلى التعطيل) [74].

المبحث الثاني: متعلقات بالتنفيذ:
1) يجب على الحاكم حمل القادرين على الفعل:قال إمام الحرمين - بعد تقريره كون الجهاد على الحاكم قال - رحمه الله -: (وَأَمَّا سَائِرُ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، فَإِنَّهَا مُتَوَزِّعَةٌ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْبِلَادِ، وَلَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِالْإِمَامِ. نَعَمْ. إِنِ ارْتَفَعَ إلى مَجْلِسِ الْإِمَامِ أَنَّ قَوْمًا فِي قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ يُعَطِّلُونَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ زَجَرَهُمْ وَحَمَلَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ)[75].
2) تهيئة الفاعل:مع ضعف أمتنا تقنيًا - ويا للأسف - فيتطلب الأمر إعداد القادرين على الفعل وتعليمهم.وهذا لا شك أنه فرض - وقد قدمنا ذكر ذلك - لكن ننبه هنا إلى أن التنفيذ لما حُدد أنه فرض كفاية قد يحتاج إلى نفس وتخطيط للتهيئة للمستقبل، وطبعًا مع عدم إغفال الحاضر ولو بشراء خبرة كافرة تحمل ثقة أو قريبًا منها.

الخاتمة:
وهكذا نحط الرحال متمنين من المولى القبول وحصول النفع آمين.

ومن النتائج التي توصل الباحث لها:
1) شمول الأحكام الشرعية وبالأخص الفرض الكفائي للإنترنت ومتعلقاته.
2) ثبوت تقصير من قبل الأمة في هذه الوسيلة العظيمة الأثر.

وأما التوصيات فمنها:
1) يوصي الباحث إلى التوجه لسد حاجتنا إلى الدراسات العميقة بتخصصات في الجامعات والدراسات العليا في موضع أحكام الإنترنت.
2) كما يوصي بأن تلتفت المؤسسات الخيرية إلى هذه المواقع.
3) كما يوصي الشركات المسلمة الملتزمة بارتياد الاستثمار في المشاريع المتعلقة بالإنترنت.والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.

وبقي الملحق: الذي أرسل لبعض المواقع النافعة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندي بحث بعنوان الفروض الكفائية المتعلقة بالإنترنتوأود أن تجيبوني على الاستبيان الآتي:
1) هل الجوانب الفنية كافية في المواقع عند المسلمين (نعم - لا - لا بأس بها).
2) هل هناك دعم مالي للمواقع الدعوية (نعم - لا - محدود)
3) هل يوجد إهمال من المؤسسات الخيرية لوسيلة الإنترنت (نعم - لا - بقدر معين).
4) هل نحتاج لشبكة من شبكات موفري خدمة الإنترنت بحسب المصلحة أو لا مفاسد من تركها بيد الكفار.
5) ما هي مفردات الواجبات المطلوبة من الأمة عامة نحو وسيلة الإنترنت بمواقعها وخدماتها:
أ)..................
ب)................

ج)
...................
6) هل خدمة الإنترنت ضرورية.

وجزاكم الله خيرا.

هوامش البحث:

[1] الشافعي: محمد بن إدريس، كتاب الرسالة ص20، بيروت: دار الفكر.
[2] ينظر: ابن منظور: محمد بن مكرم، لسان العرب (7/ 202)، ط 3، بيروت: دار صادر، 1414 هـ، والفيروز أبادي: محمد بن يعقوب، القاموس المحيط ص: 650، ط 8، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1426 هـ - 2005 م.
[3] ينظر: الزركشي: محمد بن عبد الله، البحر المحيط (1/210)، ط 1، دار الكتبي، 1414هـ - 1994م.
[4] ينظر: ابن منظور، لسان العرب (15/225) وَ (8/ 228).
[5] هذا تعريف السبكي في كتابه جمع الجوامع، مع [حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع 1/ 236]، بيروت: دار الكتب العلمية، وهو أجمع التعارف.
[6] الجمل: سليمان بن عمر، حاشية الجمل على المنهج حاشية الجمل على شرح (1/ 325)، بيروت: دار الفكر.
[7] الاتصال بالإنترنت ص 6، يورك برس، ط1، بيروت: مكتبة لبنان، 2002 م.
[8] حجية البريد الألكتروني في الإثبات ص 16-17، خالد ممدوح إبراهيم، ط1، بيروت: دار الفكر الجامعي، 2008 م، وينظر: الإنترنت - الشبكة العنكبوتية للمعلومات - ص 15، فاروق حسين، بيروت: دار الراتب الجامعية، 1997م.
[9] http://www.almosaferon.com/vb/2828-.
[10] حجية البريد الإلكتروني في الإثبات ص 25.
[11] حجية البريد الإلكتروني في الإثبات ص 27-29.
[12] ينظر الاتصال بالإنترنت ص 65 - 66، والمرجع الأساسي لمستخدمي إنترنت ص 8-12، مجدي أبو الوفاء، ط1، القاهرة: شركة علوم الحاسب، 1425هـ - 2004م، والإثبات الجنائي في جرائم الكمبيوتر والإنترنت ص30 - 31، عبدالفتاح بيومي حجازي، المحلة الكبرى: دار الكتب القانونية، 2007 م.
[13] سيأتي في مبحث الحكم ذكر إحصائيا ت المنافع والمفاسد.
[14] أخذت عن منتدى فتيات - من قسم: الثقافة وتبادل المعلومات: http://fatayat.alnaddy.com/t35320#ixzz1ebJfum6n.
[15] ينظر: الغافري: حسين، والألفي: محمد، جرائم الإنترنت بين الشريعة الإسلامية والقانون ص 24، القاهرة: دار النهضة، 2008 م.
[16] وقد شاركني القول في ندرتها المهندس أشرف صلاح الدين الذي حاول كتابة موسوعة بعنوان فقه المعلوماتية والإنترنت بل قال عن إجابات الأسئلة الملحة (وجدت عجزا شديدا ) فما بالك بالدراسات والبحوث؛ ينظر مقاله تحت هذا العنوان بموقع الواحة http://www.khayma.com/alwaha/kotof.
[17] في كلمة له بعنوان نصيحة- وذكرى في استخدام شبكة المعلومات الإنترنت:ttp://www.facebook.com/notes.
[18] في موقعه http://www.qaradawi.net/2010-02-23-09-38-15/4/617-2009-12-21-20-56-58.
[19] القرافي: أحمد بن إدريس، الذخيرة (1/153)، بيروت: دار الغرب، 1994م.
[20] ينظر كتابه: الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات ص 85، الرياض: دار الوطن للنشر، 1426 هـ.
[21] http://www.sarkosa.com/vb/t38961/.
[22]:http://fatayat.alnaddy.com/t35320#ixzz1ebJfum6n.
[23] ينظر مبحث الدور السلبي من رسالتنا هذه.
[24] من بحث له بعنوان «دور الشبكات العالمية في تكامل الجهود لحل مشكلات العالم الإسلامي»، قُدم لمؤتمر «العالم الإسلامي.. مشكلات وحلول»، والتي نظمته رابطة العالم الإسلامي برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. للداعية محمد ياقوت؛ موجود بموقعه.http://yakotweb.com/molfa
[25] ينظر: في كثرة الفروض الكفائية: شطا: أبوبكر، إعانة الطالبين - (4/206)، ط 1، بيروت: دار الفكر، 1418 هـ - 1997م.
[26] عليش: محمد بن أحمد، منح الجليل شرح مختصر خليل - (5/491( بيروت: دار الفكر، 1409هـ/1989م
[27] البهوتي: منصور بن يوسف،كشاف القناع عن متن الإقناع (3/41 )، بيروت: دار الكتب العلمية.
[28] البهوتي: منصور بن يوسف،كشاف القناع عن متن الإقناع (3/41 ).
[29] الخرشي: محمد المالكي، شرح مختصر خليل (3/110)، بيروت: دار الفكر.
[30] (النحل: 16 ).
[31] السرخسي: محمد ابن أبي سهل، المبسوط (13 ص: 110)، بيروت: دار المعرفة، 1406 هـ.
[32] ينظر كتابه: الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات ص 68.
[33] في محاضرة له بعنوان التغيير الاجتماعي وكيف نتعامل معه، تسجيل صوتي بموقع منتدى العمري. http://omaryforum.com/SF/PreviousLecture/PreviousLecture.aspx?NextLecture=60.
[34] ينظر الاتصال بالإنترنت ص 19، يورك برس، بيروت: مكتبة لبنان، ط1، 2002م.
[35] القرافي، الذخيرة (1/153).
[36] ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوى (29/194 )، المدينة المنورة: جمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416ه-/1995م.
[37] البحر المحيط - (1/152).
[38] ابن عبد السلام: عبد العزيز، قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/ 4)، بيروت: دار الكتب العلمية، 1414 هـ - 1991 م.
[39] وقد أفتى عدد من المعاصرين بجوازه؛ منهم الشيخ عبدالرحيم سحيم وشرط شروطاً منها عدم الانتساب لغير أبيه: ينظر فتواه بمنتدى الإرشاد http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=874
[40] الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكتروني ص 41، عبدالرحمن بن عبد الله السند، ط 1، بيروت: دار الوراق، 1424ه- - 2004م.
[41] أي عند من يقول بأنه فرض كفاية؛ ينظر: الذخيرة للقرافي (2/ 58).
[42] من مقال بعنوان دور شبكة الإنترنت في نشر الدعوة الإسلامية، أحمد محمود أبوزيد مجلة الوعي العدد532 بتاريخ 3/9/2010 م، ينظر موقعها:http://alwaei.com/topics/view/article_new.php?sdd=331&issue=454
[43] ينظر: النووي: يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 223)، ط3، دمشق: المكتب الإسلامي، 1412هـ/1991م.
[44] من كتابه: من كتاب العلم وأخلاق أهله ص 32، دار الإمام أحمد.
[45] ينظر في وجود الحاجة لذلك: حجازي: عبد الفتاح بيومي، مكافحة جرائم الكمبيوتر والإنترنت ص 7 - 11، مصر: دار التب القانونية، 2007م، وعمل ذلك قد يكون فرض عين على الحاكم لكن هو في الأصل مطلوب على الكفاية بحيث أنه يجب على غير الحاكم السعي لوجود ذلك لو تقاعس الحاكم والله أعلم.
[46] رواه الشيخان: البخاري: الجامع الصحيح (2/ 176)، كتاب الحج: باب الخطبة أيام منى صحيح البخاري كتاب الحج: دار طوق النجاة، ومسلم، الصحيح صحيح مسلم (3/ 1306)، كتاب القسامة: باب تغليظ حرمة الدماء، ط 1، بيروت: دار إحياء التراث، 1422 هـ.
[47] من قرار رقم: 43(5/5) بشأن الحقوق المعنوية مجلة مجمع الفقه العدد5 ( 3/ 2267).
[48] في موقعه http://www.qaradawi.net/2010-02-23-09-38-15/4/617-2009-12-21-20-56-58
[49] السند، الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية ص 75.
[50] (آل عمرن: 104 ).
[51] رواه مسلم، الصحيح (1/ 69)، كتاب الإيمان: باب كون النهي عن المنكر من الإيمان.
[52] جريدة الرياض، العدد 12051، يوم الجمعة 1/ربيع الأول/1420 هـ، عنها الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية ص 296.
[53] من كتابه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص: 346- 247، القاهرة: مطبعة المدني.
[54] ابن جزي: محمد بن أحمد، التسهيل لعلوم التنزيل (1/ 161)، ط 1، بيروت: دار الأرقم بن أبي الأرقم، 1416 هـ.
[55] (الشورى: 40 ).
[56] عنه مقال فقه المعلومات والإنترنت.
[57] رواه البخاري، الصحيح الجامع (3/ 183)، كتاب الصلح: باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس، ونصه: سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا».
[58] من حوار مع المنصر المصري الشهير "زكريا بطرس" صاحب قناة الحياة، مع موقع (محاور) التنصيري، مقال المنصرون يفضلون "التنصير الالكتروني" في الخليج، جمال عرفة 26/7/1429 هـ، بموقع المسلم http://almoslim.net/node/96909
[59]ينظر على سبيل المثال: ما صدر في سلطنة عمان في http://www.ita.gov.om/ITAPortal_AR/Services/info_C2.aspx?NID=58
[60]مقال المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت وأثرها على الفرد والمجتمع، الدكتور مشعل القدهي http://www.saaid.net/mktarat/abahiah/1.htm
[61] وقد أخبرني بذلك الدكتور علي هادي بكر أستاذ علوم الحاسوب بجامعة حضرموت في المقابلة الشفهية.
[62] في نسخة بوربوينت لمقاله المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت وأثرها على الفرد والمجتمع، على رابط http://www.saaid.net/mktarat/abahiah/1.htm
[63] (الأنعام: 108 ).
[64]بن السبكي، جمع الجوامع، مع [حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع 1/ 238]، وهو ما نص عليه الشافعي في الأم 1/ 312]، بيروت: دار المعرفة.
[65]ينظر في إثبات قوله: الشربيني: محمد بن أحمد، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج 6/ 8]، ط 1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1415هـ - 1994م.
[66] ابن قدامة: عبد الله بن أحمد، [المغني لابن قدامة 9/ 196]، القاهرة: مكتبة القاهرة، 1388هـ - 1968م.
[67]الشاطبي: إبراهيم بن موسى، [الموافقات 1/ 283 - 284]، ط 1، دار ابن عفان، 1417هـ - 1997م.
[68]النووي: يحيى بن شرف، المجموع شرح المهذب (1/ 27)، بيروت: دار الفكر.
[69] أحكام القرآن (2/524)، محمد بن عبد الله المعافري ابن العربي، ط 3، بيروت: دار الكتب العلمية، 1424 هـ - 2003م.
[70] ينظر: ابن الهمام: محمد بن محمد، التقرير والتحبير - (2/181 ) ط 2، بيروت: دار الكتب العلمية، 1403هـ - 1983م.
[71] مجموع الفتاوى (28/ 82).
[72] ولم نجد من خالف غير أن الزركشي ذكر أن المسألة خلافية ينظر: البحر المحيط في أصول الفقه - (1/201).
[73] الدسوقي: محمد بن أحمد، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير - (4/131)، بيروت: دار الفكر، وينظر: الهيتمي: أحمد بن محمد، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (3 /71 )، بيروت: دار إحياء التراث.
[74] الجويني: عبدالملك بن عبد الله، نهاية المطلب (17/396 )، ط 1، جدة: دار المنهاج، 1428هـ-2007م.
[75] الجويني عبد الملك بن عبد الله، غياث الأمم في التياث الظلم ص 210 - 211، ط 2، مكتبة إمام الحرمين، 1401



رابط الموضوع:

http://www.alukah.net/Publications_Competitions/0/41738/
 
أعلى