رد: الحجاب و ما تحت الذقن
قال الحطاب في حدود الوجه:
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدَّ الْوَجْهِ طُولًا فَقَالَ: وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ وَالذَّقَنِ وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ. يَعْنِي أَنَّ حَدَّ الْوَجْهِ طُولًا مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ إلَى مُنْتَهَى الذَّقَنِ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ لِحْيَةٌ وَأَمَّا مَنْ لَهُ لِحْيَةٌ فَيَغْسِلُ ظَاهِرَهَا وَلَوْ طَالَتْ. وَالذَّقَنُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ تَثْنِيَةُ لَحْيٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاء أَيْضًا، وَحُكِيَ كَسْرُ اللَّامِ فِي الْمُفْرَدِ وَالْمُثَنَّى وَاللَّحْيُ الْعَظْمُ الَّذِي تَنْبُتُ فِيهِ اللِّحْيَةُ. هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْفَاكِهَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي تَنْبُتُ فِيهِ الْأَسْنَانُ السُّفْلَى وَتَنْبُتُ اللِّحْيَةُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَمَا أَدْرِي لِمَ قَيَّدُوهُ بِالْأَسْنَانِ السُّفْلَى وَقَدْ قَالُوا فِي بَابِ الْجِرَاحِ: اللَّحْيُ الْأَعْلَى وَاللَّحْيُ الْأَسْفَلُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي أَحْكَامِ الْجِرَاحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ تَفْسِيرَ اللَّحْيِ الَّذِي هُوَ مُفْرَدُ اللَّحْيَيْنِ اللَّذَانِ أُخِذَا فِي تَفْسِيرِ الذَّقَنِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَكَسْرُ اللَّامِ فِي اللِّحْيَةِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، وَتَسْمِيَةُ اللِّحْيَةِ دَقْنًا بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى أَصْلٍ فِي اللُّغَةِ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ: وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ وَالذَّقَنِ إنْ جَعَلْنَاهُ مَعْطُوفًا عَلَى الْأُذُنَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى وَمَا بَيْنَ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ وَالذَّقَنِ اقْتَضَى كَلَامُهُ خُرُوجَ الذَّقَنِ مِنْ حَدِّ الْوَجْهِ، وَقَدْ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ الذَّقَنَ دَاخِلٌ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا فِي الْمِرْفَقِ مِنْ الْخِلَافِ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مَعْطُوفًا عَلَى " مَا " مِنْ قَوْلِهِ: غَسْلَ عَلَى مَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ لَزِمَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَفْحَشُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ غَسْلَهُمَا فَقَطْ.
(قُلْتُ) قَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي: إنَّ غَسْلَ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ مَعَ غَسْلِ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَالذَّقَنِ يَسْتَكْمِلُ غَسْلَ جَمِيعِ الْوَجْهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ مِنْ الْوَجْهِ وَلَيْسَتْ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأُذُنَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَالذَّقَنِ وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ مَعْطُوفَانِ عَلَى مَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ حَدَّ الْوَجْهِ هُوَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي الْأُذُنَيْنِ وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ فَيَغْسِلُ ذَلِكَ مَعَ الذَّقَنِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ لِحْيَةٌ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ لِحْيَةٌ فَيَغْسِلُ ذَلِكَ مَعَ غَسْلِ ظَاهِرِهَا.اهـ
وقال الفقيه عليش:
(وَ) بَيْنَ مُنْتَهَى (الذَّقَنِ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ مَحَلُّ اجْتِمَاعِ اللَّحْيَيْنِ أَسْفَلَ الْفَمِ لِمَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ كَمَرْأَةٍ وَأَمْرَدَ.
(وَ) بَيْنَ مُنْتَهَى (ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ) لِمَنْ هِيَ لَهُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ الشَّعْرِ النَّابِتِ عَلَى جَانِبَيْ الْوَجْهِ الْمُسَمَّيَيْنِ لَحْيَيْنِ مَثْنَى لَحْيٍ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا فِيهِمَا فَدَخَلَ فِيهِ الذَّقَنُ وَاللِّحْيَةُ وَظَاهِرُهَا مَا يُرَى عِنْدَ الْمُوَاجِهَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ بَاطِنِهَا وَهُوَ أَسْفَلُهَا الَّذِي يَلِي الصَّدْرَ فَلَمْ يَطْلُبْ غَسْلَهُ فَهِيَ بِدْعَةٌ وَغُلُوٌّ فِي الدِّينِ وَزِيَادَةٍ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ مَكْرُوهَةٌ وَالْمُرَادُ بِغُسْلِهِ تَعْمِيمُهُ بِالْمَاءِ مَعَ الدَّلْكِ وَهَذَا غَيْرُ التَّخْلِيلِ الَّذِي هُوَ إيصَالُ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ الَّتِي بَيْنَ الشَّعْرِ وَلَا يَتِمُّ غَسْلُ الْوَجْهِ إلَّا بِغَسْلِ جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْ الرَّأْسِ فَهُوَ وَاجِبٌ لِتَوَقُّفِ تَمَامِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ.