العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ

إنضم
3 ديسمبر 2010
المشاركات
231
التخصص
دراسات إسلامية
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
لا مذهبي
وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
رضوان محمود نموس
إن أخطر وسيلة للإضلال, والطريق المشرَع للخبال, هو إلباس الحق ثياب الباطل, وزرع طريقه بالغوائل, وتشويه صورته, وإخفاء معالمه, وستر مآثره, ونقله من المحكمات إلى المتشابهات, ومن القطعيات إلى المحتملات, ومن اليقينيات إلى الظنيات, ومن البيّنات الواضحات إلى الملتبسات المعميّات.
وأن يُعمد إلى الباطل فتلقى عليه أزر الحق وقمصان الهدى وعمائم التقى، ثم ينقل من الممنوع إلى المسموع, ومن المنهيات إلى المباحات، بل من المحظور إلى المأمور ثم تأتيك مواعظ الشيطان، وخطب بني علمان, ونصائح أهل النفاق, وحِكَم أهل الشقاق (لا يجوز لأحد احتكار الحقيقة) و (هي قضية اجتهاد) و(تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان) و (السياسة فن الممكن).
ناهيك عن اختراع أسماء ومصطلحات تنوء بمكرها وخبثها الجبال مثل (قبول الآخر) أي الكافر و(احترام حقوق الأقليات) أي المرتدين. وقائمة التلبيس والتضليل طويلة تكاد لا تنتهي.
فالجهاد مثلاً للدفاع فقط, ولا يجوز إلا بإمام، والإمام مفقود والحل هو القعود.
والتشريع من دون الله لا يكفر صاحبه إلا باستحلال القلوب, وهذا لا يعلمه إلا علام الغيوب، فانتقاد المشرعين من دون الله غيبة ونميمة ومن موبقات الذنوب، وهو طريقة الخوارج الضالين أعداء الملة والدين.
وأهم مقصد من مقاصد الشريعة (الحرية) ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً, وأهم شكل للحرية حرية الاعتقاد, الذي يجب علينا أن نصونه ونحترمه {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ولكنهم لا يذكرون تتمة الآية { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } [الكهف: 29] وبالتالي يغيرون المعنى من تهديد ووعيد للكافرين إلى محض حرية اختيار وحماية للكفار.
وهذه نماذج لبعض التلبيس, ولخطورة هذا الأمر كتب فيه ابن الجوزي رحمه الله (تلبيس إبليس)
وقبل هذا قال ربنا عز وجل {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}.
واللبس كما قال في اللسان: اللُّبْسُ، بِالضَّمِّ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ لَبِسْتُ الثوبَ أَلْبَس، واللَّبْس، بِالْفَتْحِ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ لَبَسْت عَلَيْهِ الأَمر.
وهو أخو الدجل الشقيق فجاء في (الزاهر في معاني كلمات الناس) قد دَجَّلَ: إذا لَبَّسَ
وجاء في تفسير غريب ما في الصحيحين: والدجال الْكذَّاب لِأَنَّهُ يدْخل الْحق بِالْبَاطِلِ أَي يستره بذلك ويغطيه وَذَلِكَ يرجع إِلَى التلبيس على النَّاس .. وتلبيسه يُقَال دجل إِذا موه وَلَبْسَ.
وفي لسان العرب دَجَلَ إِذا لَبَّس ومَوَّه.
لأن الحق قبل أن يلبس بالباطل يكون واضحاً أبلجاً, مشرقاً ساطعاً, بيّناً صريحاً, فيصعب إضلال الناس عنه؛ فيعمد إلى التلبيس أولاً ثم إلى النهي ثانياً, وهكذا غالب حركات الضلال وأساليبه تكون مركَّبة, فالمعطلة مثلاً شبهوا ثم عطلوا, وهؤلاء الملبسين لبسوا الحق بالباطل ثم حذروا منه ونهوا عنه, أو لبسوا الباطل بالحق ثم زينوه ودعوا إليه.
فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :كما خرج أحمد في المسند (11/ 215){فَإِنَّ الشَّيْطَانَ بَيْنَ الرَّغْوَةِ وَالصَّرِيحِ}فالرغوة باطل والصريح حق, فالشيطان عند منطقة تلبس الحق بالباطل.
وعن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «هَلَاكُ أُمَّتِي فِي الْكِتَابِ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِلْكِتَابِ؟ قَالَ: «يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ» فهو تلبيس كلام الله لثوب التأويل الباطل.
وعن ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَلَاكُ أُمَّتِي عَالِمٌ فَاجِرٌ وَعَابِدٌ جَاهِلٌ، وَشَرُّ الشِّرَارِ أَشْرَارُ الْعُلَمَاءِ، وَخَيْرُ الْخِيَارِ خِيَارُ الْعُلَمَاءِ».
وهو تلبس الفجور بثياب العلم, وتلبس الجهل بثياب العبادة.
وتتعاون شياطين الإنس والجن على التلبيس قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112]
فتعاونوا في وضع هذا التلبيس في قوالب وقواعد مزخرفة، براقة خادعة، واخترعوا لها أسماء لامعة, واستخدموا لها وسائل الإعلام والقنوات, ونطقوا بها على ألسنة أصحاب الشهادات والدكتوراة, وعقدوا لها المجالس والندوات, ورددتها الببغاوات, ونوعوا الطرح والأشكال, وتمادوا في الطرق والسجال, حتى كاد أهل الحق أن يكونوا كالناسك والعريض.
فاهتزت الحقائق في عقول الناس, وقل التمييز بين الناصح والوسواس, وأصبح أصحاب البصيرة غرباء, فهجر الدواء وتهافت المتهافتون على الداء.
قال الإمام ابن تيمية في التدمرية مبيناً خطورة التلبيس: [البدعة لو كانت حقاً محضاً لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة، ولو كانت باطلا محضاً لم تخف على أحد، ولكن البدعة تشتمل على حق وباطل, ولهذا قال تعالى فيما يخاطب به أهل الكتاب على لسان محمد صلى الله عليه وسلم {يا بَنِي إِسْرائيلَ} إلى قوله: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأنتُمْ تَعْلَمُونَ} فنهاهم عن لبس الحق بالباطل. ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدها بالآخر].
وقال في كتاب الإيمان: [وقوله: {وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ} هما متلازمان، فإن من لبس الحق بالباطل؛ فجعله ملبوساً به، خفي من الحق بقدر ما ظهر من الباطل، فصار ملبوساً، ومن كتم الحق احتاج أن يقيم موضعه باطلا فيلبس الحق بالباطل؛ ولهذا كان كل من كتم من أهل الكتاب ما أنزل الله فلابد أن يظهر باطلاً.]
وقال الرازي في التفسير: [وَقَوْلَهُ: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ أَمْرٌ بِتَرْكِ الْإِغْرَاءِ وَالْإِضْلَالِ، وَاعْلَمْ أَنَّ إِضْلَالَ الْغَيْرِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِطَرِيقَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ إِنْ كَانَ قَدْ سَمِعَ دَلَائِلَ الْحَقِّ فَإِضْلَالُهُ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِتَشْوِيشِ تِلْكَ الدَّلَائِلِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَا سَمِعَهَا فَإِضْلَالُهُ إِنَّمَا يُمْكِنُ بِإِخْفَاءِ تِلْكَ الدَّلَائِلِ عَنْهُ وَمَنْعِهِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا. فَقَوْلُهُ: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ إِشَارَةٌ إِلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَشْوِيشُ الدَّلَائِلِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ إِشَارَةٌ إِلَى الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَنْعُهُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الدَّلَائِلِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَظْهَرَ فِي الْبَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: بِالْباطِلِ أَنَّهَا بَاءُ الِاسْتِعَانَةِ كَالَّتِي فِي قَوْلِكَ: كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَالْمَعْنَى وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِسَبَبِ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تُورِدُونَهَا عَلَى السَّامِعِينَ، ...، ثُمَّ إِنَّهُمْ كَانُوا يُجَادِلُونَ فِيهَا وَيُشَوِّشُونَ وَجْهَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِينَ فِيهَا بِسَبَبِ إِلْقَاءِ الشُّبُهَاتِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ [غَافِرٍ: 5]أ ه.
والله أمرنا أن نخلص له الدين فقال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14] وقال:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البينة: 5]
كما أمرنا بضرورة الاتباع فقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } [الأعراف: 3]
ولا يمكن أن يكون الإخلاص والاتباع إلا عن بصيرة.
قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]
وكما جاء في المسند عن الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: " قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ،].
والبصيرة بالدين والوضوح في الأمر كالبيضاء لا يتأتى مادام الباطل ملتبساً بالحق، وهذا يستدعي تبيين الحق وإبعاد الشوائب عنه, وعرضه كما هو وكما أخبر عنه تعالى: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:256/ 257]
فبعد أن جاءنا الحق أبلجاً ناصعاً, كان الواجب على العلماء وسائر المسلمين المحافظة على هذا الوضوح ومنع تلبس الحق بالباطل, وتبيين مصير أولئك المموهين كما وصفه الله تعالى فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]
ولنعلم أن الله أخذ الميثاق على تبيين الحق فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187]
فإن السكوت المريب بل الفاضح والآثم من أكثر مدعي العلم اليوم عن تبيين الحق وتركه متلبساً بالباطل هو سنة المنحرفين المغضوب عليهم من يهود, ولقد قال الإمام ابن تيمية في عدة مواضع من كتبه: [ ولهذا كان السلف سفيان بن عيينة وغيره، يقولون: إن من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود! بَلْ قَدْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا أَقْرَبَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْبَارِحَةِ أَنْتُمْ أَشْبَهُ النَّاسِ بِبَنِي إسْرَائِيلَ].
إن مسايرة الكثير من مدعي العلم للطواغيت؛ عن طريق تلبيس الحق بالباطل؛ وتمويهه وخداع العوام, هو جريمة يتحمل كل عواقبها أولئك الملبسون تحت أي ذريعة أو اسم ومبرر لبّسوا فيه؛ لأن تلبيس هؤلاء فتح الباب على مصراعيه لأعداء الدين, وكل رويبضة من المنافقين لينفذوا من هذا التلبيس, ويقولون لأهل الحق مالكم هؤلاء كبار العلماء قالوا كذا, ولم ينكروا ما تنكرون, ولم يقولوا ما تقولون!!!
بل قد يثني هؤلاء مدعي العلم وهيئاتهم على الطواغيت, ويدعون لهم, في الوقت الذي ينالون فيه من الصالحين والمجاهدين, مما يعمق الجرح ويزيد البلاء, ويبلبل الأفكار ويترك الحليم حيران, فما بالكم بالعوام.
يقول سيد قطب رحمه الله تعالى في ظلال القرآن: [ وآفة رجال الدين حين يفسدون أن يصبحوا أداة طيعة لتزييف الحقائق باسم أنهم رجال الدين, وهذه الحال التي يذكرها القرآن عن هذا الفريق من أهل الكتاب نعرفها نحن جيداً في زماننا هذا فهم كانوا يؤولون نصوص كتابهم، ويلوونها لياً، ليصلوا منها إلى مقررات معينة، يزعمون أنها مدلول هذه النصوص، وأنها تمثل ما أراده الله منها، بينما هذه المقررات تصادم حقيقة دين الله في أساسها، معتمدين على أن كثرة السامعين لا تستطيع التفرقة بين حقيقة الدين ومدلولات هذه النصوص الحقيقية، وبين تلك المقررات المفتعلة المكذوبة التي يُلجئون إليها النصوص إلجاءً].
إنه الواقع المرير, والتلبيس الخطير؛ الذي يستدعي من أهل العلم والبصيرة النفير للمهمة العظيمة والغاية الكريمة ألا وهي:
1- تعرية الباطل أيًّ كان صاحبه وأيًّ كان مقامه فإن كان من أهل التقوى آب إلى الله وتاب, وعاد للحق وأناب, ولا يضره ما حصل فالله تعالى بادر رسوله صلى الله عليه وسلم بالعتاب, وإن كان من الذين تأخذهم العزة بالإثم؛ فلا تثريب من هتك باطله وفضح ضلاله.
2- لنعلم أن علماء الأنظمة الطاغوتية هم جزء من المشكلة وليسوا جزءً من الحل وهم مع طواغيتهم, ولقد أمرنا الله بأن نبين ضلالهم فقال: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } [الأنعام: 55]
3- ضرورة بيان تلبيس الطواغيت وكفر أنظمتهم, وفضح خداعهم ومراوغاتهم؛ والذين ينطبق عليهم قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ* يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } [البقرة: 8 - 16]
4- تبيين حال المتأسلمين المتحالفين مع المرتدين؛ من العلمانيين واليساريين, أو الذين لهم علاقات تجسسية مع أعوان الطواغيت, الذين قال الله بأمثالهم: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [الكهف: 103، 104]
5- نصرة الحق أيّ كان اسمه ومصدره ومولده ونشأته وأن لا نخاف في الله لومة لائم.
والله الهادي إلى سبيل الرشاد.
 
أعلى