العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أحكام اغتيال الأنفس المعصومه

إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل
أحكام اغتيال الأنفس المعصومه
من الأمور المحزنة جداً في هذا العصر في ديار الاسلام على وجه الخصوص ، كثرة الاغتيال وازهاق الانفس المعصومة بدمٍ بارد . وقد كنا قديما تمر علينا الشهور ولا نكاد نسمع بجريمة قتل ، فأصبحنا اليوم لا يكاد يمرُّ يوم الا ونفجع بحادثة اغتيال و ازهاق أرواح مسلمة لأوهى الاسباب . لقد أصبحت بعض ديار المسلمين جدولا تراق فيه الدماء وتزهق فيه الأنفس غيلة . وإذا كان الله قد حكم بأن الجروح قصاص فكيف بالأنفس المعصومة ! . وهذه أهم الأحكام الجامعة لقتل الأنفس بغير حق في ديار الاسلام ، وفيها فوائد لتحرير هذه الظاهرة المفجعة :

1- إذا حفظ العبد حقوق ربِّه فإن الله يحفظه عن أذى الناس ويصرف الناس عن أذاه . ومن أسباب العافية والسلامة من شياطين الانس والجن، كثرة قرآءة القران والتحصُّن بأذكار الصباح والمساء، فان لها تأثيرا عجيبا في دفع
أنواع البلاء . وقد قامت في الجاهلية حرب بين قبيلتي بكر وتغلب استمرت أربعين سنة بسبب ناقة ! .
وهناك بحوث ميدانية عصرية في علم الجريمة ،من أهم توصياتها الابتعاد عن الغضب واثارة مشاعر الناس أو التضييق عليهم، فان ذلك من دواعي القتل .

2- لا يحل قتل مسلم إلا بإحدى الأمور الثلاثة المنصوص عليها في قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" . أخرجه الشيخان . ويستثنى من ذلك بعض المسائل التي نصَّ عليها أهل العلم من إباحة القتل فيها من باب التعزير، كقتل الجاسوس ، ومن كثر إفساده ولم يندفع إلا بالقتل ، والزنى بعد الاحصان، ونحوها من المسائل المستثناة . وهي موكلة للسلطان فلا يُفوِّت احدٌ حقه فيها .

3- المؤمن يكون في سعة ما دامت ذنوبه لم تصل إلى القتل ، فيقع في الذنب ويتوب وتغلب حسناته سيئاته، وأما إذا سفك الدم الحرام فإن الأمر يضيق عليه ولن تفي حسناته بتلك السيئة ، وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما :" إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله" .

4- قتل إنسان لآخر لغرض التأديب كما هو منتشر بين الناس اليوم ، كبيرة من كبائر الذنوب . وقد يكون التأديب لغرض الانتقام أو التشفي أو العصبية أو لمحو العار أو بسبب العداوة أو الاستحلال، لخلافٍ أو لاعتداء حصل مع المجني عليه . وسؤال الله العافية كثيراً يصرفُ العبد عن وساوس الانتقام الذي يورث الحسرة والندامة .
قال الله تعالى: "وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ" (الاسراء:33) .
وقال سبحانه :" وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً" (النساء :93) .
وقال صلى الله عليه وسلم:" لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دما حراما" . أخرجه البخاري .
فمن ترصد لإنسان فقتله أو خدعه وغرَّه حتى قتله بما يقتل غالباً، لزمه حكم القتل العمد، ولأولياء المقتول القصاص أو الدية أو العفو.
أما من قتل إنساناً خطأ فإنه يلزمه الدية والكفارة .

5- حق الدماء من أعظم الحقوق الآدمية، ولهذا يقدم القضاء بها على غيرها
يوم القيامة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء "أخرجه البخاري . وفي الحديث المرفوع : " لا يزال المؤمن معنقاً :أي خفيف الظهر ،سريع السير- صالحاً ما لم يصب دماً حراماً ، فإذا أصاب دماً حراماً بلّح" أخرجه أبو داود باسناد صحيح . ومعنى بلَّح : أعيا وأنقطع، وفي المرفوع أيضا :" لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق" . أخرجه ابن ماجه باسناد صحيح .
وقد ذهب ابن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وقتادة والضحاك والحسن إلى أنه لا توبة لقاتل العمد . والجمهور يصححون توبته لقوة الأدلة.

6- المريض النفسي إذا قتل غيره فإنه لا يُقاد منه إذا كان لا يعي ما يفعل ، وقد روى مالك عن يحيى بن سعيد أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان أنه أُتي بمجنون قتل رجلاً، فكتب إليه معاوية أن أعقله ولا تقد منه، فإنه ليس على مجنون قَوَد . وأما إذا كان يعي ما يفعل لكن المرض غلبه، فإنه لا يُقتص منه عند الجمهور، وإنما تلزم الدية على عاقلته .

7- السلاح الأبيض أو السلاح الناري من أعظم أسباب القتل، فيلزم الحذر عند استخدامهما أو بيعهما أو حملهما . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه" . أخرجه مسلم.
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يُشِرْ أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار" . متفق عليه . وثبت في الصحاح النهي عن بيع السلاح في الفتن .

8- إذا قتل الاب ابنه فانه لا يُقاد به ولكن تلزمه ديته ولا يرث من مال ابنه
شيئا . لحديث : "لا يقتل الوالد بالولد ." أخرجه الترمذي باسناد صحيح . ولرواية :" أن أبا قتادة -رجل من بني مدلج - قتل ابنه، فأخذ منه عمر مائة من الإبل". صححه الألباني.

9- لا يتم القصاص إلا إذا طلبه كل الورثة، أما إذا عفا بعضهم فقد سقط القصاص. ولمن شاء منهم نصيبه من الدية إذا عفا بعضهم عن القصاص والدية، وفي حالة طلب الجميع للقصاص لا يقيِّمه إلا الحاكم أو نائبه بعد ثبوت القتل بالبينة أو الإقرار .

10- قتل النفس بالتفحيط بالمركبات محرم شرعا ،ولا يعد انتحارا الا إذا قصد صاحبه ذلك . ومن قتل معه أحد بسبب سرعته أو مخالفته لنظام السير فعليه صيام شهرين متتابعين .
ولا يعفى من الكفارة من تسبب في وفاة صاحبه أو قريبه لأن الكفارة حق لله تعالى ،لا تسقط لصلة المتوفى بمن تسبب في قتله . وإذا لم يكن سبب الحادث تفريطا أو تقصيراً، ومما لا يمكن التحرُّز منه فإن الكفارة تسقط، لقاعد :"ما لا يمكن التحرز منه لا ضمان فيه" .
والدية في القتل الخطأ تحملها شرعاً عاقلة القاتل، ولا يتحمل القاتل نتيجة خطئه أكثر مما يتحمله أحد أفراد عاقلته . وإذا تولت جهة أخرى كشركة التأمين، أو النقل أو غيرهما دفع الدية ، جاز لولي القتيل أخذها وسقطت المطالبة بها .

11- اعتداء الجناة على البيوت والمحلات التجارية لا يبيح للفرد قتلهم ابتداءاً ،لأنهم في حكم الصائل والأولى كف أذيتهم بغير القتل . ولأن قتلهم بغير بينة سبب شبهة على قاتلهم، فيقتل بهم حداً . ولهذا استنبط المفسر القرطبي أن أسباب القتل عشرة ، ثم سردها عند تفسيره لقول الله تعالى : " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم "( الأنعام: 151) ، فلتراجع فإنها مفيدة .

12- لا يجوز الترافع في قضايا الخصومات الجنائية لغير المحاكم الشرعية ، حتى يتم السماع من الخصوم والوقوف على البينات ووقائع الأحوال ،ولا يكتفى بمجرد الشكوى عبر الهاتف أو الفضائيات . قال الله تعالى :"وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً "(النساء: 105 ) . ولم يرد في القرآن أو في السنة نص في وجوب الأخذ بالثأر من الجاني بعد جنايته .

13- من وجد ميتاً أو مقتولا في مكان قريب أو بعيد ،وجب عليه ابلاغ الجهات التي تقوم بالعناية بشأنه، لأن في بقائه على حاله ضرر والضرر يدفع بقدر الامكان . ولأن له حقاً في حياته ،فيلزم استيفاء حقه إلى حين دفنه . قال الله تعالى : " وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " ( الحج : 77 ) .

14- تشريح جثة الآدمي قد تكون ضرورة شرعا وعقلا إذا احتفت القرائن بالتهمة، للحصول على حقوق الورثة في معرفة أسباب الجناية عند الريبة ، ولانتزاع اقرار الخصوم بالأدلة الحسية . والمصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة المرجوحة ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب .

15- قتل الغيلة الذي يكون على وجه الحيلة والخداع يقتل فيه الجاني مهما كانت ديانته حدا لا قصاصا ،ولا يقبل ولا يصح فيه العفو ولا خيرة فيه لأولياء الدم .قال الله تعالى : "إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بغير الحق"( الشورى: 42 ) . وقد ثبت عن عبد الله ابن مسعود‏ رضي الله عنه : " لو بغى جبل على جبل لجعل الله الباغي منهما دكا " .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

المصادر :
1- فتاوى ابن تيمية / الفهرس العام .
2- الموسوعة الفقهية الكويتية / مادة: ( قتل ) .
3- مجلة البحوث الاسلامية / فتاوى هيئة كبار العلماء / العدد 459 .
4- الفقه الاسلامي وأدلته / للزحيلي / الفهرس العام .
 
أعلى