د.محمود محمود النجيري
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 19 مارس 2008
- المشاركات
- 1,171
- الكنية
- أبو مازن
- التخصص
- الفقه الإسلامي
- المدينة
- مصر
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
رمضان شهر العبادة
أم اللهو واللعب!
أم اللهو واللعب!
رمضان شهر القرآن والبر والصدقة، وصلة الأرحام وإطعام الطعام، وقيام الليل وصيام النهار، ومدارسة العلم، وأداء العمرة، والجهاد في سبيل الله، والاعتكاف في العشر الأواخر منه.
ولكن المؤسف أننا نرى كثيرًا من الناس بدَّل شهر الصيام إلى شهر طعام، فأسرف هؤلاء في الأكل والشرب في ليالي رمضان، وأرهقوا أجهزتهم الهضمية، وتسببوا لأنفسهم في كثير من الأمراض الناتجة عن التخمة، وناموا عن قيام ليالي رمضان، ففاتهم خير كثير. كما أنهم بهذا الشره والسرف، أرهقوا اقتصاد بلادهم، فنرى الحكومات تستعد لشهر رمضان ما لا تستعد لغيره من الشهور- باستيراد مزيد من الأطعمة!
كما نرى بعض الناس بدَّل شهر الجهاد والانتصارات الإسلامية المشهورة في التاريخ القديم والحديث، إلى شهر كسل ونوم، محتجين بالصوم، فينامون النهار بطوله، ويسهرون الليل بطوله، فيختل نظام حياتهم، ويصيرون مظهرًا سيئًا، يحسب على الإسلام في أعين غير المسلمين. وكأن الدين يدعو إلى النوم وترك العمل، وتضيع حقوق الناس، وتعطيل مصالحهم!!
ويزين الشيطان لكثير من الناس السمر في ليالي رمضان، والسهر حتى الفجر، عاكفين على أفلام فاسدة، ومشاهد منحلة، وأغاني هابطة تثير الشهوات والشرور في النفوس. وهي تكثر في رمضان عن غيره من الشهور، وكأنه شهر الشهوات، لا شهر التقوى والمغفرة والعتق من النار.
ويستعد أهل الفن غير الجميل بباطلهم المزوَّق، فيخترقون وسائل الإعلام بجرعات مكثفة من فنهم الردئ، وببرامج وأفلام وتمثيليات ومسرحيات خاصة برمضان، يمتد بها البث أطول مما كان قبل رمضان. وكأنهم قد تواصَوا- أولهم وآخرهم- على إفساد صيام الصائمين، وشغلهم في ليلهم عن القيام، وإلهائهم عن ذكر الله وصدهم عن الصلاة. وكأنهم من قال الله فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النور: 19].
وأكثر من هذا، تعلن بعض أماكن اللهو عن برامج خاصة "رمضانية" ساهرة حول حمامات السباحة، أو عن حفلات "رمضانية" غنائية راقصة، أو عن إفطار وسحور فاخر على أنغام الموسيقى وكئوس الخمر. فأي تناقض وقعت فيه الأمة؟!
ولم يكن هذا ليل النبي في رمضان، ولا هذا نهاره. ولم تكن هذه حياة الصالحين من تلكم الأمة. وتبين السيدة عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله كان يجتهد في رمضان مالا يجتهد في غيره. وفي العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيره". أخرجه مسلم.
وعن أبي هريرة أن رسول الله كان يُرَغِّب في قيام رمضان فيقول: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه". متفق عليه.
وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله أجود الناس. وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. فرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة" متفق عليه.
وفي الموطأ، عن صلاة التراويح: "أن عمرَ أمرَ أُبي بن كعب، وتميمًا الداري، أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. وقد كان القارئ يقرأ بالمئتين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام. وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر".
وهذا الهدى من حياة النبي والصحابة الكرام، صار بعيدًا حتى عن بعض من يصوم رمضان فيعرض عن قيام ليله، وكان يكفيه أن يقوم بركعتين أو أربع ركعات، يحسن قيامها وركوعها وسجودها؛ ليصير ممن قاموا رمضان إيمانًا واحتسابًا، ولكن هؤلاء يظنون أنه إما أن يقوموا بإحدى عشرة ركعة، أو لا يصح لهم قيام. وأخطئوا في ظنهم، فحرموا أنفسهم من الدخول في زمرة قوام رمضان. فإن قيام الليل يتحقق بالقليل والكثير، وإن كان أفضله قيام النبي ، وهو إحدى عشرة ركعة.
ومن ناحية أخرى، نرى بعض أئمة المساجد يصلون بالناس التراويح ثلاثًا وعشرين ركعة في ثلث ساعة أو أقل، يقرءون فيها كلها سورة الأعلى أو الغاشية أو نصف سورة النبأ. وكأنهم في سرعتهم الخارقة في الركوع والسجود، يفعلون شيئًا آخر غير الصلاة. وصلاتهم هذه باطلة على جميع المذاهب؛ إذ لا اطمئنان فيها ولا خشوع. وهي بصلاة المنافقين أشبه، حيث قال الله فيهم: وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 142]. وليست هي من صلاة أهل الفلاح من المؤمنين، الذين قال الله فيهم: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1-2].
وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة. يُصلِّي أرْبعًا. فلا تسألْ عن حسنهن وطولهن. ثم يُصلِّي أربعًا، فلا تسألْ عن حسنهن وطولهن. ثم يُصلِّي ثلاثًا". متفق عليه.