د.محمود محمود النجيري
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 19 مارس 2008
- المشاركات
- 1,171
- الكنية
- أبو مازن
- التخصص
- الفقه الإسلامي
- المدينة
- مصر
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
من حلف أن يطأ امرأته في نهار رمضان
فهل يسافر ويطؤها لتحلَّ يمينه؟
فهل يسافر ويطؤها لتحلَّ يمينه؟
رجل حلف: "إن لم يطأ امرأته في رمضان نهارًا فهي طالق". فسافر بها سفرًا يحل له معه الفطر ، ووطئها. فهل تحل بذلك يمينه؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: إن حلف رجل فقال: "إن لم يطأ امرأته في نهار رمضان فهي طالق". فسافر بها مسافة القصر، ووطئها- حنث في يمينه.
وهذا قول أحمد، فقد سُئل عن رجل قال لامرأته: أنتِ طالق إن لم أطأكِ في رمضان، فسافر مسيرة قصر الصلاة, ورخصة الإفطار، ثم وطئها. فقال أحمد: "لا يعجبني؛ لأنها حيلة. ولا تعجبني الحيلة في هذا، ولا في غيره" .
وتعليل ذلك ما يلي:
1. لا يجوز التحيُّل لإسقاط حكم اليمين، ولا تسقط به. وقد نصَّ أحمد على مسائل من ذلك. وقال: "من احتال بحيلة فهو حانث".
قال ابن حامد:
"جملة مذهب أحمد: أنه لا يجوز التحيُّل في اليمين، وأنه لا يخرج منها إلا بما وَرَدَ به سمع، كنسيان، وإكراه، واستثناء" .
2. قال القاضي: "إنما كره أحمد هذا؛ لأن السفر الذي يُبيح الفطر لابد أن يكون سفرًا مقصودًا مباحًا. وهذا السفر لا يُقصد به غير حلِّ اليمين" .
القول الثاني: رجل قال لامرأته: "أنت طالق إن لم أطأكِ في نهار رمضان"، فسافر بها السفر الذي يُبيح الفطر، ووطئها، حلَّتْ يمينه، ولم يحنث.
وهذا اختيار أصحاب أحمد. قال المرداوي:
"فإن حلفَ على زوجته في شعبان بالثلاث أن يجامعها في نهار شهرين متتابعين فدخل رمضان، فالحيلة: أن يسافر بها. قدَّمه في الهداية، والمستوعب، والخلاصة، والرعايتين، والحاوي الصغير. واختاره المُصَنِّف، والعلامة ابن القيم في إعلام الموقعين" .
والمصنِّف هو ابن قدامة المقدسي، إذ قال في "المغني" أيضًا:
"والصحيح أن هذا تنحل به اليمين، ويباح له الفطر فيه" .
وعلل ابن قدامة ذلك بما يلي:
1) أن هذا السفر البعيد مباح لقصد صحيح. وإرادة حلِّ يمينه من المقاصد الصحيحة، وليست من الحيل المذمومة.
2) يقاس ذلك على إباحة سلوك المسافر الطريق البعيدة، لمن له طريقان: قصيرة لا تقصر فيها الصلاة، وبعيدة تقصر فيها الصلاة؛ وذلك ليتسنى له أن يقصر الصلاة ويفطر؛ مع أنه لا قصد له سوى الترخص. فيكون إرادة حل اليمين، ومنع الطلاق أولى .
وقد اختار ابن القيم القول الثاني، فقال بعد أن نقل كلام ابن قدامة المذكور:
"قلت: ويؤيد اختيار الشيخ- قدس الله روحه- الخطيب في "كتاب الفقيه والمتفقه".... عن علي في رجل حلفَ فقال: امرأته طالق ثلاثًا إن لم يطأها في شهر رمضان نهارًا. قال: يسافر ثم يُجامعها نهارًا".
الترجيح: يترجح في هذه المسألة القول الثاني، وذلك لما يلي:
1- يُشرع الحيلة التي تُخلص المسلم من الحنث بيمينه وطلاق امرأته، وذلك كما في قول الله سبحانه في قصة أيوب عليه السلام: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ [ص: 44]. وذلك أن أيوب كان قد غضب على زوجته، ووجِد عليها في أمر فعلته. قيل: باعتْ ضفيرتها بخبز، فأطعمته إياه، فلامها على ذلك، وحلف- إن شفاه الله- ليضربنها مئة جلدة. فلمَّا شفاه الله وعافاه، ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة, والرحمة والشفقة والإحسان أن تُقابَل بالضرب. فأفتاه الله أن يأخذ ضِغْثًا، وهو الشمراخ فيه مئة قضيب، فيضربها به ضربة واحدة. وقد برَّتْ يمينه، وخرج من حنثه، ووفَّى بنذره. وهذا فرج ومخرج لمن اتقى الله وأناب إليه، ولهذا قال تعالى: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص: 44] .
2- قال الله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [التحريم: 2]. وهذا عام، يتناول كل يمين منعقدة يحلف بها المسلم. ويكون التحلل من اليمين بالوفاء بما حلف به، أو بالتكفير عن يمينه. وقد وفَّى هنا بما حلف به, فجامع زوجته في نهار رمضان لعذر شرعي وهو السفر، وسقط عنه التبعة.
والخلاصة: أن من حلف: "إنْ لم يطأ امرأته في رمضان نهارًا فهي طالق"، فسافر بها مسافة قصر الصلاة ورخصة الإفطار، ووطئها، حلَّت يمينه.
________________________________________________
- يحل للمسافر الفطر في نهار رمضان إن بلغ سفره مسيرة قصر الصلاة على اختلاف بين المذاهب في تحديد مسافة القصر.
- المغني 7/273. الإقناع لطالب الانتفاع 3/539.
- انظر: الإقناع لطالب الانتفاع 3/536.
- انظر: المغني 7/273.
- الإنصاف 9/128. وانظر: إعلام الموقعين 2/391.
- المغني 7/273.
- المغني 7/273.
- تفسير ابن كثير, ص1138.
التعديل الأخير: