العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الخلاف فرضية صلاة الجمعة

إنضم
1 نوفمبر 2012
المشاركات
1
الكنية
أبو هاجر
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
آسفي
المذهب الفقهي
حنبلي التأصيل
فرضية صلاة الجمعة
عبد الجليل مبرور​

قد اختلف العلماء في وجوبها عَينًا أم كفاية:
فقيل: إنَّ صلاةَ الجمعة فرْضُ عين، يجب على كلِّ مسلم مستوفٍ شروطَها، ويَكفر جاحد فرضيَّتها؛ لأنَّها من المعلوم من الدِّين بالضرورة، وهو قول جماهير الأحناف[1]، والمالكية[2]، والشافعية[3]، والحنابلة[4]، والظاهرية[5]، بل حُكِي إجماعًا.

وقيل: إنَّها من فُروض الكفايات؛ حَكاه الخَطَّابي[6]، وقال: "قال أكثر الفقهاء: هي من فروض الكفايات"، وذكَر ما يدلُّ على أنَّ ذلك قولٌ للشافعي، وحكاه المَرعَشيُّ عن قوله القديم.

وقد أزال النَّوويُّ هذا الإشكال، فقال: "أمَّا حكم المسألة فالجُمعة فرْض عين على كلِّ مكلَّف غير أصحاب الأعذار والنَّقص المَذْكورين، هذا هو المذهب، وهو المنصوص للشافعي في كتُبه، وقطَع به الأصحاب في جميع الطُّرق، إلاَّ ما حكاه القاضي أبو الطيِّب في تعليقه، وصاحب الشَّامل وغيرهما عن بعض الأصحاب أنَّه غلط، فقال: هي فرض كفاية، قالوا: وسبب غلطه أنَّ الشافعي قال: مَن وجبَتْ عليه الجمعة وجبت عليه صلاة العيدَين، قالوا: وغلط من فهمه؛ لأنَّ مراد الشافعي مَن خُوطِب بالجمعة وجوبًا، خوطب بالعيدين متأكدًا.

واتفق القاضي أبو الطيِّب وسائرُ مَن حَكى هذا الوجه على غلط قائله، قال القاضي أبو إسحاق المَرْوَزيُّ: لا يحلُّ أن يُحكى هذا عن الشافعي، ولا يختلف أنَّ مذهب الشافعي أنَّ الجمعة فرض عين، ونقل ابنُ المُنذر في كتابَيْه كتاب "الإجماع" و"الإشراف" إجماعَ المسلمين على وجوب الجمعة، ودليل وجوبها ما سبَق، وذَكَر الشيخ أبو حامد في تعليقه: "إن الجمعة فُرِضت بمكَّة قبل الهجرة"، وفيما قاله نظَرٌ[7].

وعبارة الشافعي في "الأُمِّ" تؤيِّد ما قاله النَّووي؛ حيث قال: "ومَن كان مُقيمًا ببلد تجب فيه الجمعة، مِن بالغٍ حُرٍّ لا عذر له، وجبت عليه الجمعة"[8].

وقد توهَّم البعض أنَّ مالكًا - رحمه الله - يقول بِسُنِّيتها، وعدَّه ابن رشد رواية شاذَّة عن مالك[9].

غير أنَّ ابن عبدالبرِّ قد أثبَتَها ثم بيَّن مقصودَ مالك بقوله: "سُنَّة"، فقال:
"فإنْ قال بعضُ أهل الجهل: إنَّه رَوى ابن وهب عن مالك أنَّ شهودها سُنَّة، فالجواب عن ذلك: أنَّ شهودها سنَّة على أهل القرى الذين اختَلف السَّلَف والخَلَف في إيجاب الجمعة عليهم، وأمَّا أهل الأمصار فلا، ونحن نُورِد ذلك على نَصَّه، والرِّواية في سماع ابن وهب عن مالك قال: "قال لي مالكٌ: كلُّ قرية متَّصلة البيوت وفيها جماعة من المسلمين، فينبغي لهم أن يُجمعوا إذا كان إمامُهم يأمرهم أن يُجمعوا أو ليؤمِّروا رجلاً، فيجمع بهم؛ لأنَّ الجمعة سُنَّة"؛ هذه رواية ابن وهب التي شبه بها على مَن لا علم له، ولم يعلم أنَّ مِن أهل العلم جماعةً يقولون: إنَّه لا جمعة إلاَّ في مصر جامع.

وفي قول مالك في رواية ابن وهب هذه إذا كان إمامهم يأمرهم - دليلٌ على أنَّ وجوب الجمعة عنده في القرية الكبيرة التي ليست بمِصْر إنما هو اجتهاد منه أنَّها سُنَّة، وتشبيه لها بالمصر المجمع على إيجاب الجمعة فيه.

ومسائل الاجتهاد لا تَقْوى قوَّة توجِب القطع عليها، وقد أخبرتُك بالإجماع القاطع للعذر، وعليه جماعة فقهاء الأمصار؛ فلهذا أطلَق مالكٌ أنَّها سُنَّة في قرى البادية؛ لِمَا رأى من العمل بها ببلده، وإن كان فيها خلافٌ معلوم عنده وعند غيره.

وقد ذكَرْنا الاختلاف في التجميع في القُرى الصِّغار والكبار في "التَّمهيد".

على أنه يحتمل أن يكونَ قولُ مالك سُنَّة؛ أيْ: طريقة الشَّريعة التي سلَكها المسلمون ولم يختلفوا فيها"[10]، وهذا الذي ذهب إليه القاضي عياض[11]، وابن العربي[12].

أدلة القائلين بأنها فرض عَيْن:

قالوا: قد ثبتَتْ فرضيَّتها بالكتاب والسُّنة والإجماع.

الدليل الأول:
من الكتاب:
• قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[13]، وقد قيلَ: إنَّ ذِكْر الله هو صلاة الجمعة، وقيل: هو الخطبة، وكِلاَ التفسيرين مُلْزِم وحُجَّة، فالسعي لحضور الخطبة يستلزم حضور الصَّلاة، بل شُرِع لأجل الصلاة، ومن جهة أخرى فذِكْر الله يشمل الصَّلاة والخطبة.

• ولأنَّ وجوب السَّعي إلى الشَّرط، وهو مقصود لغيره، فرْعُ افتراض المشروط الذي هو الصلاة.

وقد نهى الله - عزَّ وجلَّ - عن مباحٍ، وهو البيع؛ سدًّا لِذَريعة الاشتغال عنها، فدلَّ ذلك على أنها فرض.

والمراد بقوله - جلَّ وعلا -: ﴿فَاسْعَوْا﴾ هو الذَّهاب؛ لأنَّه قد ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان يقرؤُها: "فامضوا إلى ذِكْر الله"[14].

قال الشافعي: ومعقول أنَّ السعي في هذا الموضع العملُ لا السعي على الأقدام، قال الله تعالى: ﴿إنَّ سَعْيكُمْ لَشَتَّى﴾[15]، وقال: ﴿وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإنسان: 22]، وقال: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [الإسراء: 19]، وقال: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، وقال: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا﴾ [البقرة: 205]، قال الشيخ: وقد رُوِي عن أبي ذرٍّ ما يؤكِّد هذا[16].

الدليل الثاني:
من السُّنة:
• عن عبدالله بن مسعود أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لقوم يتخلَّفون عن الجمعة: ((لقد همَمْتُ أن آمر رجلاً يصلِّي بالناس، ثم أُحرِّق على رجال يتخلَّفون عن الجمعة بيوتَهم))[17].

• وعن أبي الجعد الضَّمري وكانتْ له صُحبة، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوُنًا بها، طبَعَ الله على قلبه))[18].

• عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سَمِع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((نحن الآخِرون السَّابقون يوم القيامة، بَيْدَ أنَّهم أُوتوا الكتاب مِن قَبلنا، ثم هذا يَومهم الذي فُرِض عليهم، فاختَلَفوا فيه، فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبَعٌ؛ اليهود غدًا، والنَّصارى بعدَ غد))[19].
قال ابن حجَر: أمَّا وجه الدلالة من الحديث فهو التَّعبير بالفرض؛ لأنَّه للإلزام[20].

• عن طارق بن شهاب، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الجُمعة حقٌّ واجب على كلِّ مسْلِم في جماعة، إلاَّ أربعة؛ عبْدٌ مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض))[21].

• عن حفصة، زوج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((رَواح الجمعة واجبٌ على كلِّ محتلم))[22].

الدليل الثالث:
من الإجماع:
فنقله ابن عبدالبرِّ: "وإن كان الإجماعُ في فرْضِها يُغْني عمَّا سواه والحمد لله".
"وأجمع علماء الأمَّة أنَّ الجمعة فريضة على كلِّ حرٍّ بالغ، ذكَر، يُدْرِكه زوالُ الشَّمس في مصْرٍ من الأمصار، وهو مِن أهل المِصْر غير مسافر"[23].

قال ابن المُنذِر: "وأجمعوا على أنَّ الجمعة واجبة على الأحرار البالغين المُقيمين، الذين لا عُذر لهم".

وقال في "الإشراف": "وأجمع أهلُ العلم على وجوب صلاة الجمعة".

وقال أبو بكر ابن العربي: "الجمعة فرض بإجماع الأُمَّة".

وقال الكاساني: "والدَّليل على فرضية الجمعة: الكتاب، والسُّنة، وإجماع الأمة".

وقال ابن قدامة: "الأصل في فرض الجمعة الكتاب والسُّنة والإجماع".

وقال ابن عابدين في سياق الاستدلال على وجوبها: "وبالسُّنة والإجماع"؛ اهـ[24].

أدلة القائلين بأنها فرض كفاية:
الدليل الأول:
• استدلوا بقوله - جلَّ وعلا -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: 9]، قالوا: قد وصف الله السَّعي إليها بأنَّه خير، فدلَّ ذلك على عدم فرضيَّتها عينًا.

وأُجيبِ عن هذا: بأنَّ وصف العمل بالخيريَّة لا يَنفي عنه الوجوب، وإنما كلُّ أمر مشروع فهو خير، سواءٌ كان مشروعًا شَرْع إيجاب أو شَرْع استحباب، وإلاَّ لزمهم أن يَصْرفوا هذا الأمر في قوله - جلَّ وعلا -: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [النساء: 171].

فهل يقول عاقل: إن الانتهاء عن عقيدة التَّثليث فرْضُ كفاية، أو صرف إلى الكراهة؟
وقوله - جلَّ وعلا -: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 85].

فهل التَّطفيف والظُّلم والفساد في الأرض فرض كفاية؟ أو صَرْف إلى الكراهة؟
فإن قيل: النهي عن التثليث والتطفيف والظُّلم والفساد في الأرض قد ثبَت بأدلَّة أخرى خارجية، فالجواب أنَّ النهي عن تَرْك الجمعة قد ثبَت كذلك بأدلَّة خارجية، فصار هذا الصَّارف محْضَ تكَلُّف.

الدليل الثاني:
• قالوا: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((نحن الآخِرون...)) يلزم من قبلنا وليس فيه أنه يلزمنا.
وأُجيبَ عن هذا بأن التقدير فُرِض عليهم وعلينا، فضَلُّوا وهُدِينا.

• قالوا: حديث طارق بن شهاب مرسل.
وأجيب عن هذا بأنه مُرْسَل صحابي، وهو حُجَّة، وإلا فالحديث صحيح بشواهده كما سيأتي.

الدليل الثالث:
• واستدلُّوا أيضًا بأدلَّة أخرى قد أُجيبَ عنها بأجوبة قد ذكَرها الشَّوكاني في "نَيْل الأوطار"، فقال: "وكذلك الاعتذار بأنَّ مسجد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان صغيرًا لا يتَّسع هو ورحبته لكلِّ المسلمين، وما كانت تُقام الجمعة في عهده - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأمره إلاَّ في مسجده، وقبائل العرب كانوا مُقيمين في نواحي المدينة مسْلِمين، ولم يُؤمَروا بالحضور - مدفوعٌ بأنَّ تخَلُّف المتخلِّفين عن الحضور بعد أمر الله تعالى به وأمْرِ رسوله، والتوعُّد الشديد لمن لم يحضر لا يكون حجة إلا على فَرْض تقريره - صلَّى الله عليه وسلَّم - للمتخلِّفين على تخَلُّفهم واختصاص الأوامر بمن حضَر جُمعته - صلَّى الله عليه وسلَّم - من المسْلِمين، وكلاهما باطل.

أمَّا الأول: فلا يصحُّ نسبة التقرير إليه بعد همِّه بإحراق المتخلِّفين عن الجمعة، وإخباره بالطَّبْع على قلوبهِم، وجَعْلها كقلوب المنافقين.

وأما الثاني: فمع كونه قصْرًا للخطابات العامَّة بدون برهان، تردُّه أيضًا تلك التوعُّدات للقطع بأنه لا معنى لتوعُّد الحاضرين ولتصريحه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأن ذلك الوعيد للمتخلِّفين، وضيق مسجده - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يدلُّ على عدم الفرضية إلاَّ على فرض أن الطَّلب مقصور على مقدار ما يتَّسع له من الناس، أو عدم إمكان إقامتها في البقاع التي خارجه وفي سائر البقاع، وكلاهما باطل.

أما الأول فظاهر، وأما الثاني فكذلك أيضًا؛ لإمكان إقامتها في تلك البقاع عقلاً وشرعًا، فلا يُقال: عدم أمره - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإقامتها في غير مسجده يدلُّ على عدم الوجوب؛ لأنَّا نقول: الطَّلب العامُّ يقتضي وجوب صلاة الجمعة على كلِّ فرد من أفراد المسلمين، ومَن لا يمكنه إقامتها في مسجده - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يمكنه الوفاء بما طلبه الشَّارع إلاَّ بإقامتها في غيره، وما لا يتمُّ الواجب إلا به واجبٌ كوجوبه، كما تقرَّر في الأصول"[25].

الراجح:
والذي يَظهر أنَّ الإجماع قائِمٌ على وجوبها على الإطلاق عينًا وكفاية، والأكثر على أنَّها فَرْض عين[26]، والحقُّ الذي لا مِرْية فيه أنَّها فرض واجب عينًا، وأنَّ تركها من أعظم أسباب الخِذْلان بالكلِّية، وإذا قلنا بأنَّ الجمعة فرض كفاية، وفرض الكفاية إذا قام به البعضُ سقَط عن الباقين - والبعض أقلُّ مِن عشرة - فهل حضور هذا البعض إظهارٌ لشعيرة هي من أهم شعائر المسلمين؟ أم أنه سينقض عُرى الإسلام عُروة عروة؟ وإذا قلنا بِسُنِّية صلاة الجماعة، وبأن الجمعة سُنَّة، فمَن يَعمُر مساجد الله إذًا؟!

_____________________
[1] "حاشية ابن عابدين" (3 / 3) "بدائع الصنائع" (1 / 256 ).
[2] "الشرح الصغير" (1 / 493 ) "مواهب الجليل" (3 / 531).
[3] "الحاوي الكبير" (2 / 400) "مُغْني المحتاج" (1 / 276)، "البجيرمي على الخطيب" (2 / 388).
[4] "المُغْني" (2 / 294) "الشَّرح الكبير" (5 / 160).
[5] "المُحلَّى" (5 / 36).
[6] "مَعالم السُّنن" (1 / 244)، وردَّه العراقي بأنه خلاف ما اتفق عليه الأئمة الأربعة.
[7] "المجموع" (4 / 349).
[8] "الأم" (2 / 374).
[9] "بداية المجتهِد" (1 / 303).
[10] "الاستذكار" (5 / 119).
[11] "إكمال المُعْلِم بفوائد مسْلِم" (3 / 266).
[12] "عارضة الأحوذي" (2 / 286 - 287).
[13] [الجمعة: 9].
[14] "مصنف عبدالرزاق الصنعاني"،كتاب الجمعة، باب السعي إلى الصلاة (5365)، والبيهقي في "السُّنن الكبرى" (5867)
[15] [الليل: 4].
[16] البيهقي في "السُّنن الكبرى" (5868).
[17] مسلم (652).
[18] رواه الترمذي (500)، وابن ماجه (1125)، وحسَّنه الترمذي.
[19] رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب فرض الجمعة 876، فاستدل به البخاري على فرضيتها.
[20] الفتح (2 / 457).
[21] سيأتي بحثه - إن شاء الله.
[22] رواه النسائي 1371.
[23] "الاستذكار" (5 / 119).
[24] نقلاً عن إجماعات ابن عبدالبرِّ، للبوصي (639).
[25] "نَيْل الأوطار" (6 / 230).
 
أعلى