العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المحرومون من الفقه !

إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل
المحرومون من الفقه
قررت نصوص الوحيين أن هذا العلم يحمله من كل خَلفٍ عُدوله . وعلم الفقه من أعظم علوم الشريعة نفعاً وأكثرها للأحكام جمعاً . وهو بحرٌ لا يُدرك مداه، وبالكدِّ تُحمد عُقباه . وإن أعطيته كلَّك أعطاك بعضه، لكن الدِّراية فيه تحتاج إلى توفيقٍ إلهي وتسديدٍ ربَّاني.


وهو لا يُدرك بالتشهي ولا وبالتمنِّي ، ولا يُنال بسوفَ ولعلَّ ولو أنِّي ، ولا يشمُّه من قال إنه أول فنوني ، وطال ما أسهرتُ فيه عيوني، وأعملتُ له بدني إعمال الجدِّ ما بين بصري ويدي وظُنوني . والحرمانُ منه قد يكون كلياً وقد يكون نسبياً ، فكلٌّ يعمل على شاكلته . والمحرومون من الفقه ستة :

الأول : من لم يفهم معاني ومقاصد الوحيين : فكل من قرَّر أو حقق مسألةً ، من غير النظر إلى معاني الوحي ومقاصده ، فقد استعجل التلف وكلَّف قلبه ما لا طاقة له . وقد روي في الحديث المرفوع :" لا يؤمن أحدكم حتى يكونَ هواهُ تبعاً لما جئتُ به" .حسنه النووي في الأربعين .

وتأمل فقه الامام البخاري(ت: 256هـ ) رحمه الله تعالى في تبويبه للصحيح كيف استنبط الأحكام والمقاصد وجعل لها ضوابط تندرج تحتها المسائل والتخريجات ، وأضحت مورداً من موارد الفقه الى يومنا هذا .

وقد يقع الانحراف الفقهي لفهم الأحكام على خلاف أصل الدليل، بسبب صولة علماء السوء ،أو لفساد المعتقد ،أو للجهل بأحكام الشريعة ،أو بسبب أئمة الجور . ،وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من وقوع ذلك في آخر الزمان ، كما في الحديث المرفوع :" يدرس الإِسْلاَمُ كَمَا يدرس وشي الثوب، حتى لاَ يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلاَ صَلاَةٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ، وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ليلة، فَلاَ يَبْقَى فِي الأرض مِنْه آية ، وَتبقى طوائف مِنَ النَّاسِ : الشيخ الكَبِيرُ والعجوز، يَقُولُونَ: أدركنا آبائنا على هذه الكلمة " .أخرجه ابن ماجه باسناد صحيح .

ومن أمثلة ذلك المتفقهة الذين منعوا أحكام الرِّق بالكلية لعلة العصر، ومن تأوَّل الطواف حول الكعبة ورمي الجمار بمعاني رمزية مبتدعة، ومن جوَّز حلق اللِّحى وكشف الوجه للمرأة الشابة للتمدُّن ، ومن أباح الزواج العرفي لتحصين الشباب درءاً للفتنة ، ومن أجاز الصلاة في مسجدٍ، القبر موضوع قبل تشيِّيده ، ونحوها من التطبيقات الفاسدة .

الثاني : من لم يعرف اختلاف الفقهاء ، وهو ما يسمى اليوم بالفقه المقارن ويلحق به النوازل والقضايا العصرية . وقد قال قتادة(ت:117هـ) رحمه الله تعالى :" من لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم أنفه الفقه " . ومن الأغلاط في هذا الباب الانكار في المسائل الاجتهادية والسكوت عن المسائل الخلافية . ومما يعين على السلامة من الزلل في ذلك : تأمل أسباب اختلاف الفقهاء في المسائل ومعرفة مواطن الاختلاف والاجماع .

الثالث : من تعجَّل في الفتوى . وهذا من دلائل قلة العلم والورع . والتربية الحديثة أفسدت قلوب البعض في عدم الامساك عن الفتيا في كل صغيرٍ وكبيرٍ من شؤؤن الناس بدعوى العولمة . روى عتبة بن مسلم رحمه الله تعالى قال :" صحبتُ ابن عمر - رضي الله عنه - أربعةً وثلاثين شهرًا، فكثيرًا ما كان يُسأل فيقول : لا أدري، ثم يلتفتُ إليَّ فيقول: تدري ما يريد هؤلاء؟ يريدون أن يجعلوا ظهورنا جِسرًا إلى جهنم " .

ومما يُعين على السلامة من الزلل في الفتيا : تربية النفس على الخوف من القول على الله بغير علم، والتأنِّي في إصدار الأحكام ، ومطالعة تراجم الأئمة في ورعهم مع أسئلة المستفتين .

الرابع : من قلَّد شيخه تعصبا ، بلا مراعاة لدليلٍ أو نصٍ لمعصوم . وهذا سببه قلة تعظيم موارد الشرع في القلب . ولم تظهر الجماعات والأحزاب في الأزمنة المتأخرة إلا بسب هذه العلة المستطيرة . ولله در الامام الشافعي (ت: 204هـ)رحمه الله تعالى حين قال :" إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط " . واليوم تُضرب نصوص الوحيين بالحائط من بعض الجماعات إذا خالفت قول شيخٍ أو إمام متَّبع .

الخامس : من لم يتدبر مقاصد العلم . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :" ‏إن الفقيه حق الفقيه من لم ‏ ‏يُقنِّط ‏ ‏الناس من رحمة الله، ولم يرخِّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله ،ولم يدع القرآن رغبةً عنه إلى غيره، إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فهم فيه ، ولا قراءة لا تدبُّر فيها"

وقد قال بعض السلف : "لا يكون الرجل فقيهاً كل الفقه ، حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة " . ومعرفة الوجوه المقصود بها : النظائر القرآنية التي تُستخرج منها الأحكام والمعاني . وبالتدبر يرسخ الايمان في القلب ويزداد اليقين بوعد الله . فقد قال وَهْب منبِّه (ت: 114هـ)رحمه الله تعالى : " لَا يكون الرجل فَقِيهًا كَامِلَ الفقه حتى يُعِدَّ الْبَلَاءَ نِعْمَةً ، ويعد الرَّخَاءَ مصيبة " .

السادس : من ظن أن الفقه هو معرفة الأحكام فحسب . فلا مناص من ملازمة العلماء وتأمل فتاويهم ، وتكرار النظر في الأصول ، وسؤال الله الفقه في الدين . وقديماً قيل إن للفقهاء عامة كعامة الناس وهم من لا يحسنون النظر إلى الأدلة واستنباط الأحكام منها وتطبيقها على النوازل . وتتبيَّن هذه النقيصة في النظر إلى مستجدات العصر وفهم المصالح والموازنة بينها وبين المفاسد والترجيح بين الأدلة المتكافئة وفهم دلالات الألفاظ وتقاسيم الكلام ولوازم الحكم الشرعي ، والتفريق بين الأدلة المتفق عليها والمختلف فيها .

والمقصود أن التشبُّع بالفقه مع مخالفة حقه - كما هو مشاهد اليوم -ليس دليلاً على صحة العزيمة وصدق الصفة ، بل البعض كلابسِ ثوبي زور . فَرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، وربَّ حامل فقه ليس بفقيه ! .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات .

المصادر :
1- غمز عيون البصائر/ ابن نجيم / 433 .
2- تقرير الاستناد / السيوطي / 163 .
3- التذكرة الحمدونية / ابن حمدون / 370 .


 
أعلى