- إنضم
- 11 أكتوبر 2008
- المشاركات
- 7,489
- الجنس
- أنثى
- الكنية
- أم طارق
- التخصص
- دراسات إسلامية
- الدولة
- السعودية
- المدينة
- الرياض
- المذهب الفقهي
- سني
مفهوم التخريج وأنواعه
د. إبراهيم بن عبد الله اللاحم |
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ مصطلح (التخريج) جاء في كلام المتقدمين في عصور الرواية ، كما في قول أحمد عن عبيد الله بن موسى: "كنت لا أخرج عنه شيئاً ، ثم إني أخرجت" ([1]) . وقال مسلم في إجابة من سأله تأليف كتاب مختصر يقتصر فيه على ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "ثم إنا – إن شاء الله – مبتدئون في تخريج ما سألت وتأليفه، على شريطة سوف أذكرها لك" ([2]) . والتخريج الذي قصده هؤلاء لابد أن يكون زائدا على مجرد الرواية، إذ هذه الأحاديث موجودة أصلاً عند مسلم، وفي كتبه الأصول، وعلى هذا فيضعف احتمال أن يكون المقصود روايتها بالإسناد ، إذ الأسانيد والطرق تعرف عندهم بالمخارج، كما قال مسلم أيضاً : "الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها ؛ وثقات الناقلين لها من المهتمين : أن لا يروي إلا ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه..." ([3]) . وإنما ضعف هذا الاحتمال لأن هذه الأحاديث موجودة عندهم بأسانيدها قبل تخريجها في مثل كتاب مسلم . ويبقى احتمالان آخران في معنى التخريج إذن، أحدهما أن يكون المقصود تأليفها في كتاب واحد ، يتخذ صفة واحدة في التأليف ، قد تكون على الموضوعات، أو على المسانيد ، أو الفوائد، أو غير ذلك ، وبهذا تتهيأ لمن يريد أن يستفيد منها فائدة زائدة على مجرد الرواية ، ويكون التخريج حينئذ معناه إبرازها وإظهارها للناس كافة، بعد أن كانت من طلبة الرواة فقط، وهذا يرجع إلى أحد الأصلين في اللغة في معنى (خرج) ، وهو النفاذ عن الشيء([4]) . والاحتمال الثاني أن يكون التخريج هو التأليف نفسه، وهذا يرجع إلى الأصل الثاني لكلمة (خرج) ، "فالخرج لونان بين سواد وبياض، يقال: نعامة خرجاء، وظليم أخرج...، ومن الباب : أرض مخرجة، إذا كان نبتها في مكان دون مكان... " ([5]) . وفي "لسان العرب" : "قال بعضهم : تخريج الأرض أن يكون نبتها في مكان دون مكان ، فترى بياض الأرض في خضرة النبات ، الليث: يقال: خرج الغلام لوحه تخريجا إذا كتبه فترك فيه مواضع لم يكتبها، والكتاب إذا كتب فترك منه مواضع لم تكتب ، فهو مُخرَّج ، وخرج فلان عمله إذا جعله ضروباً يخالف بعضه بعضاً " ([6]) . والاحتمال الثاني أقرب فيما يظهر لي ، وأنه بمعنى التأليف ، فالمخرج يجمع الأحاديث ويؤلف بينها في كتابه، وفق الصفة التي قصدها، وذلك بعد أن كانت في أصوله على ضرب واحد ، فعنده كتاب عن شيخه فلان ، وكتاب عن شيخه فلان ، وهكذا . يدل على ذلك أيضاً أنهم استعملوه في الجمع والتأليف في غير الرواية، كمؤلف في الرواية، كما في قول البرذعي: "وكان أبو زرعة قد أخرج أسامي الضعفاء ومن تكلم فيهم من المحدثين، وقال في ذلك، فسألته أن يخرج إليَّ كتابه فأخرج إلي كتابه بخطه..." ([7]). هذا هو التخريج في أصله عند المؤلفين في عصر الرواية ، ثم استعمل فيما بعد بمعان أخر ترجع إلى هذا المعنى ، يهمنا منها هنا التخريج في اصطلاح المتأخرين إلى عصرنا هذا ، وهو عزو الروايات إلى من أخرجها في كتاب له في عصر الرواية، فالدلالة على الكتاب الذي فيه الرواية موصل للوقوف عليها في كتاب مؤلف في عصر الرواية ، عصر الالتزام بسوق الأسانيد للروايات. والتخريج بهذا المعنى له شقان ، الأول : العزو نفسه لهذه المؤلفات ، والثاني: الوسائل والضوابط التي تساعد المخرج على إتقان عمله في العزو. والشق الثاني هو ما يطلق عليه (علم التخريج) ، بعد أن أصبح علما مستقلاً بنفسه، له كتبه ووسائله وقواعده، شأنه شأن كثير من العلوم التي أفردت في هذا العصر ، بعد أن كان الحديث عنها مبثوثاً في كتب علوم الحديث ، وكتب النقد وكتب الشروح ، وغيرها . وسأتحدث عن أهمية التخريج بشقيه ، والله الموفق والهادي للصواب. |