العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مساعدة عاجلة في توفير رسالة ماجستير بعنوان: خدمات ما بعد البيع: دراسة فقهية) لـ بدر الجدوع

فيض الايمان

:: متابع ::
إنضم
25 يونيو 2012
المشاركات
41
التخصص
فقه مقارن
المدينة
غزة
المذهب الفقهي
-
السلام عليكم
الرجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء منكم أيها الأفاضل مساعدتى بتوفير رسالة ماجستير بعنوانـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (خدمات ما بعد البيع: دراسة فقهية)
للباحث بدر بن عبدالله الجدوع فأحتاج إليها حاجة ماسة وعاجلة
بارك الله فى جهودكم ونفع بكم طلبة العلم ..
 

بشاير السعادة

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
13 ديسمبر 2008
المشاركات
1,232
التخصص
فقه
المدينة
...........
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مساعدة عاجلة فى توفير رسالة ماجستير

رد: مساعدة عاجلة فى توفير رسالة ماجستير

أعانك الله وسخر لك من يخدمك
ولكن الحصول على نسخة كاملة من الرسالة صعب ما لم تكن الرسالة مطبوعة أو قدرنا على التواصل مع صاحبها وقد بحثت عن وسيلة اتصال للباحث إلا أني لم أوفق في العثور على شيء وهذا جزء من الرسالة قام بنشره الباحث

http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=1323
خدمات ما بعد البيع وأحكامها في الفقه الإسلامي (1-5)[1]
المبحث الأول
خدمة ضمان المبيع بعد الشراء
وتحته أربعة مطالب:
· المطلب الأول: تعريف الضمان وبيان أنواع ضمان المبيع.
· المطلب الثاني: ضمان أداء المبيع وصلاحيته.
· المطلب الثالث: ضمان العيوب المستقبلية.
· المطلب الرابع: ضمان معايير الجودة.
المطلب الأول
تعريف الضمان وبيان أنواع ضمان المبيع
الفرع الأول: تعريف الضمان لغة واصطلاحاً .
أولاً : تعريفه لغة :
الضمان في اللغة يطلق على عدة معانٍ، هي :
1- الالتزام يقال : ضمنت المال إذا التَزَمْتهُ ، ويتعدى بالتضعيف، فيقال : ضمّنْتُه المال، أي: أَلْزَمْتُه إيَّاه .
2- الكفالة، يقال : ضمن الشيء ضماناً، فهو ضامن وضمين، إذا كفله .
3- التغريم، يقال: ضمنته الشيء تضميناً إذا غرمته فالتزمه .
4 – الحفظ والرعاية، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن"[2] .
ثانياً: تعريف الضمان اصطلاحاً :
الضمان في اصطلاح الفقهاء :
يطلق الضمان عند الفقهاء على معان متعددة منها :
1- الكفالة سواء كانت كفالة نفس أو كفالة مال، وهذا الإطلاق عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.
جاء في مواهب الجليل تعريف الضمان بأنه (( شغل ذمة أخرى بالحق )) وهو شامل لضمان الطلب، وضمان الوجه، وضمان المال.[3]
وجاء في أسنى المطالب تعريفه بأنه " التزام حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار من هو عليه أو عين مضمونة.[4]
وجاء في المغني بأن الضمان هو " ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فتثبت في ذمتهما جميعاً، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما[5].
وبهذه التعريفات يتبين أن الضمان يأتي بمعنى الكفالة.
2- ويطلق الضمان ويراد به : الالتزام بالرد والتعويض، وهذا المعنى أعم من سابقه .
جاء في غمز عيون البصائر تعريف الضمان بأنه " عبارة عن رد مثل الهالك إن كان مثلياً أو قيمته إن كان قيمياً ".[6]
وجاء في نيل الأوطار بأنه " عبارة عن غرامة التالف"[7].
وهذا المعنى أخذت به مجلة الأحكام العدلية فقد نصت على أن الضمان " إعطاء مثل الشيء إن كان من المثليات وقيمته إن كان من القيميات"[8].
3- ويطلق الضمان على وضع اليد على المال[9] سواء كانت اليد مؤتمنة كالوديعة، والشركة، والوكالة، أو لم تكن كذلك، كالغصب، والسوم، والعارية[10].
الضمان في اصطلاح التسويقين :
هو التزام من البائع تجاه المشتري يتعهد فيه بسلامة السلعة من العيوب، وصلاحيتها للعمل خلال فترة معينة[11].
الفرع الثاني : أنواع ضمان المبيع .
ضمان المبيع في خدمات ما بعد البيع يتمثل في الأنوع التالية :
النوع الأول: ضمان أداء المبيع وصلاحيته .
ويعطي هذا النوع ضمان أداء السلعة وصلاحيتها للعمل خلال فترة معينة من تاريخ شرائها كستة أشهر مثلاً، أو حتى مسافات معينة كستة آلاف ميل، بحيث إذا صلحت السلعة خلال هذه المدة، أو المسافة غلب على الظن صلاحها بعد ذلك[12].
وهذا النوع من الضمان يستعمل في بيع بعض الآلات والمواد التي هي نتاج الحضارة الحديثة والتي تتميز بدقة الصنع، وسهولة تعرض أجزائها للخلل، كالآلات المكانيكية والسيارات والثلاجات والساعات والأجهزة المنزلية[13].
ويلاحظ أن هذه السلع تعد من المنقولات التي تعمل - أي تلك التي تحتوي على قدر من الحركة الذاتية - وهذا يقتضي استبعاد العقارات والمنقولات العادية كالبذور واللوحات وما أشبه ذلك، فإنها لا يستعمل معها هذا النوع من الضمان غالباً [14].
ويقدم البائع هذا النوع من الضمان حتى يزول تردد المشتري وتخوفه من احتمال فشل هذه المنتجات في الأداء، وتزداد أهمية هذا النوع من الضمان نظراً لعدم مقدرة المشتري على التعرف على خصائص السلعة، ولاحتمال وجود عيوب فيها، نتيجة لكون السلعة تباع مغلفة، أو لأن القيام بفحصها لا يتم إلا عن طريق تحليل كيميائي أو اختبار فني لا يتمكن منه المشتري[15].
ويتم هذا الضمان عادة عن طريق قسيمة يتحدد فيها ما يشمله الضمان.
ومدة هذا الضمان يتعهد البائع خلالها بإصلاح المبيع وإعادته إلى حالته الطبيعية باستبدال القطع المعيبة بغيرها صحيحة[16].
ويمكن أن تتعدد فترات الضمان كأن يكون الضمان في الفترة الأولى شاملاً لكل أجزاء المبيع، وفي الفترة الثانية يكون قاصراً على قطع الغيار أو بعضها دون أجرة اليد العاملة[17].
ويغطي هذا الضمان كل أنواع الخلل التي تصيب المبيع مهما كانت يسيرة ما دامت مؤثرة في صلاحيته للعمل، فالصلاحية للعمل هي المعيار الذي يمكن من خلاله الحكم على وجود الخلل من عدمه، والمقصود بالصلاحية للعمل هي أداء الجهاز للوظيفة المرجوة منه بكل جوانبها الضروري منها والكمالي، فالخلل الذي يصيب الجزء الخاص بتحريك مقاعد السيارة شأنه شأن الخلل الذي يطرأ على المحرك[18].
ومما تجدر الإشارة إله أن مسؤولية البائع في هذا الضمان تنحصر في إصلاح وتغيير قطع الغيار في حال وجود عيوب مصنعية، دون العيوب التي تنشأ عن سوء استعمال المشتري ومخالفته للتعليمات، أو نتيجة إهماله وتفريطه[19].
فلو أن المشتري قام بتوصيل الجهاز بتيار كهربائي أقوى من التيار الموضح على الجهاز فإن البائع لا يضمن الخلل الناتج عن هذا العمل[20].
النوع الثاني: ضمان العيوب المستقبلية .
هذا النوع من الضمان قريبٌ من سابقه؛ إذ أن كليهما يستعمل عادة في بيوع الآلات والأدوات الحديثة، كالسيارات والساعات والأجهزة الكهربائية المنزلية والحاسبات الآلية[21].
إلا أن الفرق بينهما يظهر في مدة الضمان التي يعطيها البائع للمشتري فإن كانت المدة يسيرة بحيث تكون مدة للاختبار والتجربة فإن هذا الضمان يكون داخلاً في ضمان أداء المبيع وصلاحيته؛ لأنه لو حدث عيب خلال هذه المدة اليسيرة فإن هذا العيب يكون راجعاً إلى خلل في تصنيع السلعة غالباً.
أما لو كانت مدة الضمان طويلة كأن تكون خمس سنوات [22] فلو حدث عيب في السلعة فإنه يكون عيب جديد حدث عند المشتري لا علاقة للبائع به، وضمان مثل هذه المدة يكون داخلاً في النوع الثاني والذي هو ضمان العيوب المستقبلية.
والضمان عند أهل التسويق يلتزم فيه البائع بإصلاح العيب الذي يوجد في المبيع حتى لو كان هذا العيب جديداً غير مستند إلى سبب سابق للقبض، ولذا لا يلزم المشتري إقامة الدليل على سبق العيب على التسليم، وإنما يقع على البائع - إن ادعى عدم مسؤليته عن ضمان العيب - أن يثبت أن الخلل يرجع إلى خطأ المشتري، كسوء تشغيل الجهاز، أو عدم الصيانة، أو استعمال المبيع في ظروف تختلف عن تلك التي حددها المنتج والتي على أساسها تم تصميم الجهاز المبيع[23].
والسبب في تقديم هذا الضمان أن المشتري يرغب في التأكد وقت الشراء بأن البائع سيتحمل المسؤولية تجاه السلعة في حالة ظهور عيب فيها، أو في أحد أجزائها الرئيسية بعد الشراء[24].
النوع الثالث : ضمان معايير الجودة .
وهو ضمان يتعهد فيه المنتج بأن سلعته تتمشى من حيث الجودة مع الخصائص والقياسات التي وضعتها هيئات حكومية أو صناعية معترف بها .
وهذه الهيئات تتميز في الغالب بالحياد وعدم التحيز، ويتوفر لديها إمكانات بشرية وفنية للقيام بالاختبارات التي تؤكد مطابقة السلعة للمواصفات والمقاييس المحددة .
وبعد اختبار السلعة ومطابقتها للمواصفات والمقاييس يعلن عنها في الغالب بوضع علامات أو أحرف أو أرقام على الغلاف الخارجي للسلعة[25].
وقد يكون بتعليق من هذه الهيئة على السلعة بعبارة نحو " يوصى باستعمالها، أو شرائها "، أو " تم اختبارها والموافقة عليها "، أو " تتوفر فيها اشتراطات الجودة " ونحو هذه العبارات[26].
ويؤدي هذا النوع من الضمان إلى خدمة المستهلكين عن طريق ضمان جودة السلعة التي يقومون بشرائها، وخدمة المنتجين عن طريق العمل على رواج منتجاتهم المطابقة للمواصفات، وخدمة اقتصاد البلد عن طريق اتباع المنتجين للمواصفات القياسية التي تكفل زيادة الإنتاج مع خفض تكاليفه ورفع مستواه[27].
ويستخدم هذا النوع من الضمان في عدد كبير من المنتجات، خاصة المنتجات الغذائية والأدوية والأجهزة المنزلية[28].
المطلب الثاني: ضمان أداء المبيع وصلاحيته
سبق بيان أن هذا النوع من أنواع ضمان المبيع، يعطي البائع فيه ضمان أداء السلعة وصلاحيتها للعمل خلال مدة أو مسافة معينة، بحيث إذا صلحت خلال هذه المدة أو المسافة غلب على الظن صلاحها بعد ذلك[29].
ويمكن أن تتعدد مراحل الضمان كأن يكون في المرحلة الأولى شاملاً لكل أجزاء المبيع، وفي المرحلة الثانية يكونا مقتصراً على قطع الغيار أو بعضها دون أجرة اليد العاملة [30].
ويكتب هذا الضمان في الغالب على شكل وثيقة يتحدد فيها ما يشمله الضمان، ومدة الضمان يتعهد البائع فيها بإصلاح المبيع وإعادته إلى حالته السليمة [31].
الحكم الشرعي لضمان أداء المبيع وصلاحيته :
يمكن أن يخرج هذا النوع من الضمان فقيهاً على أحد هذين التخريجين :
التخريج الأول: أنه يعتبر من ضمان العيب الحادث عند المشتري، والمستند إلى سبب سابق على القبض .
والعيب الحادث بعد قبض المشتري إذا كان يستند إلى سبب سابق على القبض، فهل هو من ضمان البائع أو من ضمان المشتري خلاف بين الفقهاء على قولين[32]:
القول الأول: أنه من ضمان البائع وهذا المذهب عند الحنفية [33]، وهو الأصح عند الشافعية .
قالوا : لأنه لتقدم سببه أصبح كالعيب المتقدم[34].
وهو رواية عند الحنابلة[35] .
القول الثاني: أنه من ضمان المشتري ما لم يدلس البائع هذا هو مذهب المالكية[36].
والرواية الثانية عند الحنابلة [37].
قالوا: لأن العيب وجد عند المشتري فكان عليه ضمانه كما لو لم يستند إلى سبب قبله.[38]
ومنشأ الخلاف في هذه المسألة هل وجود سبب العيب يعد عيباً أولاً ؟
فمن قال بأنه عيب جعله من ضمان البائع، ومن قال ليس بعيب جعله من ضمان المشتري[39] .
الترجيح:
الراجح – والله أعلم – أن العيب المستند إلى سبب سابق يكون من ضمان البائع، وذلك لأن السبب يترتب عليه مسببه[40]، فإذا وجد سبب العيب ترتب عليه وجود العيب .
مناقشة التخريج :
يناقش هذا التخريج من وجهين هما:
أ- بأن البائع حين يضمن أداء المبيع وصلاحيته، فإنه يتعهد بهذا الضمان لمدة معينة، وهذه المدة تكون في الغالب أطول من مدة استناد العيب إلى سبب سابق على القبض، وعلى هذا فلا يصح تخريج ضمان أداء المبيع وصلاحيته على ضمان العيب الحادث المستند إلى سبب سابق على القبض.
ب- لو فرض أن مدة ضمان البائع لأداء المبيع، مساوية لمدة استناد العيب إلى سبب سابق على القبض، فإنه لا حاجة للنص على هذا الضمان ولا يكون ضماناً ترغيباً؛ لأن العيب المستند إلى سبب سابق على القبض يعتبر داخلاً في خيار العيب، وهو ثابت بأصل العقد من غير حاجة إلى التنصيص عليه، وعلى هذا فإن البائع يعتبر مسؤولاً عن العيب المستند إلى سبب سابق على القبض حتى وإن لم يتعهد بضمان أداء المبيع وصلاحيته .
التخريج الثاني:
أن ضمان أداء المبيع وصلاحيته يخرج على ضمان العيب الذي لا يُطلع على وجوده إلا بتغيير في المبيع يحصل به استعلام واستكشاف العيب، ومن أمثلة ذلك: بيع ما مأكوله في جوفه كالبيض والرمان والجوز .
وقد اختلف الفقهاء في العيب الذي لا يعلم إلا بالاستعلام والاستكشاف هل هو من ضمان البائع أو من ضمان المشتري ؟ اختلفوا في ذلك على قولين :
القول الأول: أنه من ضمان البائع وهذا هو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة . جاء في شرح فتح القدير ومن اشترى بيضاً أو بطيخاً أو قثاءً أو خياراً أو جوزاً فوجده فاسداً، فإن لم ينتفع به رجع بالثمن كله ... وإن كان ينتفع به مع فساده لم يرده ويرجع بنقصان العيب" [41].
وجاء في تحفة المحتاج: " لو ظهر تغير لحم الحيوان بعد ذبحه، فإن أمكن معرفة تغييره بدون ذبحه كما في الجلالة امتنع الرد بعد ذبحه، وإن تعين ذبحه طريقاً لمعرفة تغيره فله الرد "[42].
وجاء في الإنصاف: " وإن اشترى ما مأكوله في جوفه، فكسره فوجده فاسداً فإن لم يكن له مكسوراً قيمةٌ كبيض دجاج رجع بالثمن كله، وإن كان له مكسوراً قيمةٌ كبيض النعام، وجوز الهند وكذا البطيخ الذي فيه نفع ونحوه، فله أرشه "[43].
أدلة هذا القول :
1- أن المشتري معذورٌ في استعلام المبيع واستكشافه فلم يكن عليه ضمان ما نتج عن ذلك، وهذا مثل اختبار المصراة بحلبها[44].
2- أن البيع لا بد فيه من الرضا قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[45].
والرضا لا يكون إلا بعد المعرفة لما يرضى به[46]، وبناءً على هذا فما تبين من عيب بالاستعلام، فإنه لا يكون من ضمان المشتري؛ لأنه قبل ذلك لم تكن له معرفة بالمبيع .
القول الثاني: أنه من ضمان المشتري، وهذا هو المشهور عند المالكية.
جاء في شرح مختصر خليل للخرشي " أن ما لا يطلع على وجوده إلا بتغير في ذات المبيع فإنه لا يكون عيباً على المشهور "[47].
الترجيح:
الذي يظهر – والله أعلم – أن القول الأول أرجح، لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة.
مناقشة التخريج :
يمكن مناقشة هذا التخريج من ثلاثة أوجه :
1- أن ضمان أداء المبيع وصلاحيته مدته في العادة أطول من المدة التي تكفي لاستعلام واستكشاف المبيع، ومع ذلك يلتزم البائع بضمان السلعة خلال المدة التي حددها حتى وإن زادت على مدة الاستعلام والتجربة .
2- أن ضمان أداء المبيع وصلاحيته يُعد ضماناً ترغيبياً يقدمه بعض الباعة.
أما في ضمان العيب الذي لا يطلع على وجوده إلا بتغيير في المبيع فهو ضمان يجب بأصل العقد ويلزم به البائع حتى وإن لم يتعهد بضمانه .
3- أن ضمان العيب الذي لا يطلع على وجوده إلا بتغيير في المبيع يعد من ضمان العيب فهو يبطل إذا علم المشتري به ثم تصرف بالمبيع فتصرفه يدل على الرِضا.[48]
أما ضمان أداء المبيع وصلاحيته فإن البائع يكون مسؤولاً عن الضمان حتى وإن علم المشتري بالعيب ثم تصرف بالمبيع .
الترجيح بين التخريجين :
بعد ذكر التخريجين وما ورد عليها من مناقشة يتبين أنه لا يصح إطلاق القول على أن ضمان أداء المبيع وصلاحيته يخرج فقيهاً على أحدهما، وإنما يقال : إن العيب الذي يوجد خلال مدة ضمان أداء المبيع وصلاحيته لا يخلو من حالات :
الحالة الأولى:
أن يكون هذا العيب ناشئاً من عدم إتقان صنع المبيع، فهذا يخرج على ضمان العيب المستند إلى سبب سابق على القبض .
الحالة الثانية:
أن يكون العيب موجوداً في المبيع لكن لا يعلم إلا بالاستكشاف والتجربة فهذا يخرج على ضمان العيب الذي لا يطلع على وجوده إلا بتغيير في المبيع.
الحالة الثالثة:
أن يكون العيب حادثاً عند المشتري من غير استناد إلى سبب سابق على القبض، وإنما البائع قد تعهد بضمانه، فهذا يدخل في ضمان العيوب المستقبلية، والكلام عن حكم هذه الحالة سيأتي بيانه.
ومما تجدر الإشارة إليه أن ضمان أداء المبيع وصلاحيته في الحالتين الأولى والثانية لا يعتبر ضماناً ترغيبياً، وإنما هو ضمان يُلزم به البائع بأصل العقد حتى ولو لم يتعهد البائع بضمان أداء المبيع وصلاحيته .
المطلب الثالث: ضمان العيوب المستقبلية
هذا هو النوع الثاني من أنواع ضمان المبيع، ويستعمل غالباً في الآلات والأجهزة الحديثة [49].
ويقدم البائع هذا الضمان حتى يتأكد المشتري من أن البائع سيتحمل المسؤولية تجاه السلعة في حالة ظهور عيب فيها، أو في أحد أجزائها الرئيسية[50].
ويراد من ضمان العيوب المستقبلية أن البائع يلتزم بإصلاح العيب الحادث عند المشتري لمدة أو مسافة معينة تختلف بحسب السلعة المضمونة[51].
ولا يلزم المشتري عند وجود عيب على إقامة الدليل على سبق العيب على التسليم، وإنما يكون البائع ملزماً بإصلاح العيب حتى لو كان حادثاً عند المشتري ما دامت مدة الضمان باقية [52].
الحكم الشرعي لضمان العيوب المستقبلية :
الأصل في أن المبيع إذا وجد معه القبض أن يكون من ضمان المشتري وهذا بإجماع العلماء إلا في الرقيق [53].
فإن المالكية جعلوا عهدته على البائع ثلاثة أيام يضمن فيها كل عيب حادث، وعهدة سنة يضمن فيها ثلاثة أدواء هي: الجنون، والجذام، والبرص[54].
وبهذا يتبين أن البائع في الأصل لا يضمن العيوب المستقبلية، وإنما يضمن العيب القديم، لكن لو أن البائع تعهد بضمان العيوب المستقبلية فهل يعتبر هذا الضمان جائزاً شرعاً أو لا ؟
للكلام عن الحكم الشرعي لا بد من معرفة أن ضمان العيوب المستقبلية قد يكون له مبلغ مالي مستقل عن سعر السلعة يُنص عليه في العقد، وقد يكون داخلاً في عقد البيع دون تخصيص بثمن معين، وسأورد الكلام عن الحكم على نحو هذا التفصيل .
الفرع الأول: الضمان بثمن مستقل عن المبيع .
مثال هذا الضمان : أن يتفق المشتري مع البائع على شراء سيارة بخمسين ألف ريال على أن يزيد المشتري مبلغ خمسمائة ريال إذا أراد أن يضمنها البائع مدة سنة.
ويختلف مبلغ الضمان في العادة على حسب المدة.
وهذا النوع من الضمان يشبه عقد التأمين إذ أن التأمين: عقد يلزم فيه المستأمن
( طالب التأمين ) بدفع مبلغ معين، مقابل التزام المؤمن بدفع تعويض عن الضرر الذي قد يلحق بالمستأمن إذا وقع الخطر المؤمن ضده خلال فترة زمنية محددة.[55]وهذا النوع من الضمان يلتزم المشتري فيه بدفع مبلغ معين مقابل التزام البائع بإصلاح العطل، وتبديل القطع التالفة حيثما لزم ذلك[56].
وبناءً على هذا فإن الكلام عن حكم هذا النوع ينبني على حكم عقد التأمين التجاري، وقد اختلف الفقهاء المعاصرون فيه على قولين :
القول الأول: جواز التأمين التجاري[57].
الأدلة :
أولاً: الأدلة الواردة في أن الأصل في العقود والشروط الإباحة[58]، ومنها قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[59].
وجه الدلالة :
أن الله سبحانه خلق كل شيء على وجه الإباحة لخلقه، إلا ما استثناه الدليل بالتحريم، ومن هذا المباحات العقود، وعقد التأمين واحد منها، ولم يأت دليل على تحريمه [60].
المناقشة:
نوقش بأنه جاء الدليل على تحريم التأمين إذ أنه يحتوي على الربا والغرر وهما محرمان في الشريعة كما سيأتي بيانه[61].
ثانياً: قياس التأمين على العقود المشروعة في الفقه الإسلامي. ومنها:
1- قياس التأمين على ضمان خطر الطريق .
القول بضمان الطريق هو مذهب الحنفية، وحقيقته أن يقول إنسان آخر : أسلك هذا الطريق فإنه آمن، فإن كان مخوفاً وأُخذ مالك فأنا ضامن، فإذا سلكه وأُخذ ماله، فإنه يضمن عند الحنفية[62].
فالتزام ضامن خطر الطريق هو عين التزام شركة التأمين بضمان المؤمن عليه عند وقوع الخطر، وبما أن ضمان خطر الطريق جائز شرعاً فكذلك التأمين[63].
المناقشة:
نوقش من وجهين:
أ- بأن علة ضمان خطر الطريق – عند من يقول به من الفقهاء – هي التغرير المتسبب في الإتلاف، وهذه العلة غير موجودة في التأمين إذ أن شركة التأمين لم تغرر بالمؤمن لهم ليسلكوا طريق الخطر المتلف لأموالهم المؤمن عليها[64].
ب- أن ضمان خطر الطريق نوع من التبرع يقصد به الإحسان المحض، بخلاف التأمين فإنه عقد معاوضة تجارية[65].
2- قياس التأمين على إجارة الحارس.
فهو يحقق الأمان والاطمئنان لمن استأجره، والتأمين يحقق الأمان والاطمئنان كذلك للمؤمن لهم، وبما أن استئجار الحارس لتحقيق هذه الغاية جائز شرعاً، فكذلك التأمين[66].
المناقشة:
نوقش هذا القياس من وجهين :
أ- أن أجرة الحارس هي مقابل ما يقوم به من عمل، أما الأمان فغاية ونتيجة وإلا لما استحق الحارس الأجرة عند ضياع المحروس، وهذا بخلاف شركة التأمين فهي لا تباشر عملاً في المؤمن عليه[67].
ب- إذا طبقنا شروط الإجارة الصحيحة وجدنا أن بينهما فرقاً، فمثلاً يشترط في الإجارة :
- أن يكون المعقود عليه منفعة، وفي التأمين المعقود عليه عين.
- أن تعلم المنفعة قدراً ومدة، ومبلغ التأمين مجهول القدر والمدة.
- أن تكون المنفعة مباحة، والتأمين يقوم على أمور محرمة كالربا والغرر والرهان[68].
3- قياس التأمين على الإيداع، فكما أن المودع إليه يستفيد من أجرة حفظ الوديعة، فكذلك الشركة المؤمنة لها أن تستفيد مقابل ضمانها المؤمَّن عليه[69].
المناقشة:
نوقش بأن الأجرة في الإيداع عوض عن قيام الأمين بحفظ شيء في حوزته يحوطه، بخلاف التأمين فإن ما يدفعه المستأمن لا يقابله عمل من المؤمن يعود إلى المستأمن بمنفعة إنما هو ضمان الأمن والطمأنينة، وشرط العوض عن الضمان لا يصح.
وإن جعل مبلغ التأمين في مقابلة الأقساط كان معاوضة تجارية جهل فيها مبلغ التأمين أو زمنه فاختلف عن عقد الإيداع بأجر[70].
4- قياس التأمين على المضاربة
فكما أنه في المضاربة يدفع صاحب رأس مال المضاربة إلى المضارب ليتاجر بها، ويكون الربح بينهما حسب اتفاقهما.
وفي التأمين يدفع المؤمن لهم أقساط التأمين ليتاجر بها المؤمن، ويكون مبلغ التأمين الذي يدفعه المؤمَّن عند وقوع الخطر هو ربح المؤمَّن لهم، وتكون أقساط التأمين التي يدفعها المؤمن لهم هي ربح المؤمن، وبما أن المضاربة جائزة شرعاً، فكذلك يجوز التأمين [71].
المناقشة:
نوقش هذا القياس من وجهين :
أ- أن رأس المال في المضاربة حق خالص لصاحب المال ولا حق فيه للعامل، أما أقساط التأمين التي تقابل رأس المال في المضاربة هي حق خالص لشركة التأمين إذا لم يقع الحادث، وهو عكس ما في المضاربة تماماً [72].
ب- أن المال في عقد المضاربة يكون من جانب المالك، ويبقى في ملكه، والعمل من المضارب، والربح بينهما حسب اشتراطهما، أما عقد التأمين فتملك الشركة المال الذي تأخذه، وربحه لها وحدها، ونصيب المؤّمن لهم معلق على خطر قد يقع وقد لا يقع، وهذا فاسد لأنه من القمار[73].
5- قياس التأمين على عقد المولاة – عند من أجازه من العلماء – فالمؤمِّن يتحمل عن المؤَّمن له مسؤوليات الحوادث المؤَّمن ضدها مقابل الأقساط، كتحمل العربي المسلم جنايات حليفه مقابل إرثه إياه، وفي كل من العقدين جهالة وخطر، فلا يعلم أيهما يموت قبل صاحبه [74].
المناقشة:
نوقش هذا القياس من وجهين :
أ- أن عقد المولاة ليس محل اتفاق، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن التوارث بالحلف منسوخ بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا}[75].
فنسخ ميراث التحالف، وبقيت النصرة والنصيحة والوصية، وذلك هو المعروف المذكور في الآية[76].
ب – أن عقد المولاة تبرع لا يؤثر فيه الغرر والجهالة، وعقد التأمين معاوضة، وعقود التأمين يشترط فيها السلامة من ذلك كله [77].
القول الثاني: تحريم التأمين التجاري [78].
الأدلة :
أولاً : الأدلة الواردة في تحريم الربا :
فمن الكتاب :
1- قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[79].
2- وقوله عز وجل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }[80].
ومن السنة :
1- قوله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات – وعد منها – أكل الربا"[81].
2- وحديث جابر رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال هم سواء "[82].
إلى غير ذلك من الأدلة الواردة في تحريم الربا، والتشنيع في أمره.
وجهة القول بقيام التأمين على الربا :
يقول المحرمون للتأمين إن التأمين نظام تعاقدي مبني على الربا بنوعيه، ولا يتصور منفكاً عنهما بحال، إذ أن التأمين عبارة عن التزام من شركة التأمين بدفع مبلغ من المال عند وقوع الحادث المؤّمن ضده، مقابل أقساط معينة يدفعها المؤمن له.
وبه يتضح أن هذا العقد قائم على كل من ربا الفضل وربا النسيئة، وبيان ذلك: أنه إذا وقع الحادث المؤمن ضده، فإن شركة التأمين تلتزم بدفع مبلغ تكلفة الحادث وهذا المبلغ لا يخلو من :
أ- أن يكون أكثر من المبلغ الذي دفعه المؤمن له.
ب- أن يكون أقل من المبلغ الذي دفعه المؤمن له.
وفي هاتين الحالتين يكون قد اجتمع في التأمين ربا الفضل وربا النسيئة، أما ربا الفضل فلعدم التماثل بين عوضي الجنس الواحد، وأما ربا النسيئة فلتأخر أحدهما عن الآخر.
ج- وإما أن يكون مبلغ التأمين مساوياً للمبلغ الذي دفعه المؤمن له. ( وهذه صورة نادرة ) فيكون فيه ربا النسيئة، وذلك لتأخر مبلغ التأمين، مع أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل[83].
ثانياً: التأمين يشتمل على الغرر.
وقد جاء النهي عنه في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر " [84].
وقد عرَّف الفقهاء الغرر بتعريفات متقاربة :
فعرفه الحنفية بأنه " الخطر الذي استوى فيه طرفا الوجود والعدم، بمنزلة الشك "[85]،
وبأنه " الخطر الذي لا يدرى أيكون أم لا "[86].
وعرفه المالكية بأنه " ما شك في حصول أحد عوضيه، أو المقصود منه غالباً "[87].
وعرفه الشافعية بأنه " ما لا يوثق بحصول العوض فيه " [88].
وعرفه الحنابلة بأنه " تردد بين أمرين ليس أحدهما أظهر " [89].
ويؤخذ من هذه التعريفات أن الغرر: هو خطر عدم حصول العوض في أحد جانبي المعاوضة.
وجهة القول بأن التأمين غرر:
أن التأمين تنطبق عليه تعريفات الفقهاء للغرر، ذلك أن التأمين عقد معاوضة يتوقف حصولها على أمر احتمالي هو وقوع الخطر، فإن وقع الخطر حصل المؤمن له على العوض، وهو مبلغ التأمين ، وإن لم يقع لم يحصل على شيء، فالمؤمن له في حالة شك من حصوله على مبلغ التأمين الذي تعاقد عليه [90].
المناقشة:
نوقش :بأن الغرر في التأمين غرر يسير لا يؤدي إلى نزاع، بدليل انتشاره، وكثرة تعامل الناس به وعلى هذا فلا يكون محظوراً [91].
الجواب:
أجيب بعدم التسليم بأن الغرر في التأمين يسير بل هو غرر كثير، لأن الغرر الموجود فيه هو غرر في الحصول ، وفي المقدار، وفي الأجل، بينما نجد أن الفقهاء مثلاً يبطلون بيع الطير في الهواء والسمك في الماء وهو غرر في الحصول، ويبطلون بيع الحصاة وبيع المنابذة والملامسة وهو غرر في المقدار، ويبطلون البيع حتى نزول المطر أو بيع حبل الحبلة وهو غرر في الأجل.
وإذا نظرنا إلى التأمين وجدناه يشتمل على أنواع الغرر الثلاثة فالمؤمن له لا يدري هل سيقع عليه حادث ويحصل على التأمين أو لا يقع ؟ ثم هو لا يدري إن وقع عليه الحادث كم المقدار الذي سيأخذه تعويضاً عن الحادث ؟ ولا يدري متى وقوعه ؟[92].
ولذا وضع أهل القانون عقد التأمين من ضمن " عقود الغرر" فجاء في القانون المدني المصري الباب الرابع لعقود الغرر، وذكر في فصله الأول : المقامرة والرهان، وفي فصله الثالث : عقد التأمين[93].
ثالثاً : التأمين يتضمن الرهان والمقامرة .
وقد قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [94]، وقد اتفق المفسرون على أن الميسر المحرم هو القمار [95].
وجهة القول بأن التأمين قمار :
يقول الدكتور السنهوري " فشركة التأمين لا تبرم عقد التأمين مع مؤمن له واحد، أو مع عدد قليل من المؤمن لهم، ولو أنها فعلت ذلك لكان عقد التأمين مقامرة ورهاناً، ولكان عقداً غير مشروع؛ إذ تكون الشركة قد تعاقدت مع مؤمن له على أنه إذا احترق منزله مثلاً دفعت له قيمته، وإذا لم يحترق كان مقابل التأمين الذي دفعه المؤمن له حقاً خالصاً وهذا هو الرهان بعينه" [96].
ولا يتصور قيام تأمين تجاري إلا بوجود عنصري الخطر والاحتمال فالخطر يدل عليه اختيار اسم (( التأمين )) فلا يعقل تأمين بلا خطر، وأما الاحتمال فهو عامل الإثراء فيه، وهو شرط في عقود التأمين فلا يتصور إبرام عقد تأمين على خطر غير احتمالي، أي غير محقق الوقوع.
فعنصر الاحتمال والخطر هما العنصران المؤثران المقومان لكل تأمين، وهما العنصران المؤثران لكل قمار [97].
الترجيح :
يتضح من خلال عرض الأدلة قوة أدلة القائلين بالتحريم لاستنادها إلى كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وضعف أدلة القائلين بالإباحة، كما ظهر من المناقشة.
وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم ( 9 / 2 ) ما نصه ( أن عقد التأمين التجاري ذي القسط الثابت الذي تتعامل شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد، ولذا فهو حرام شرعاً ) [98].
وبناءً على الراجح في حكم التأمين التجاري يكون الضمان بثمن مستقل عن المبيع محرماً؛ لأن المبلغ المدفوع في حقيقته تأمين على السلعة المباعة، والأمر متردد بين الغنم والغرم في حق كل من المشتري والضامن .


[1] جزء من بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير في الفقه المقارن من المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.

[2] ينظر: لسان العرب، مادة ( ضمن ) ( 13/257 )، القاموس المحيط مادة ( ضمن ) ص1564، المصباح المنير، مادة ( ض م ن ) 13 / 258.
والحديث رواه أبو داود في كتاب الصلاة. باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت. حديث رقم
( 517 ) 1 / 143، والترمذي في أبواب الصلاة. باب ما جاء أن الإمام ضامن. حديث رقم
( 207 ) 1 / 402 ، وابن ماجه في باب فضل التأذين على الإمامة حديث رقم ( 1867 ) 1 /430، صححه ابن حبان في كتاب الصلاة. باب الأذان ( ذكر عفو الله جل وعلا عن المؤذنين ) حديث رقم ( 1671 ) 4 / 559 ، وصححه الألباني في إرواء الغليل 1 / 231.

[3] مواهب الجليل 5 / 96 وينظر: التاج والإكليل 7 /30، شرح مختصر خليل للخرشي 6 /21،
حاشية الدسوقي 3 / 329 .

[4] أسنى المطالب 2/235 ، وينظر: مغني المحتاج 3/198 تحفة الحبيب 3/114 .

[5] المغني 4 / 344 .

[6] غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر 4 /6 ، وينظر : درر الحكام شرح غرر الأحكام
2 / 252 .

[7] نيل الأوطار 5 / 357 .

[8] درر الحكام شرح مجلة الأحكام العدلية، المادة ( 416 ) ص 448 ، وينظر: الفتاوى الهندية
3 / 148 .

[9] الفروق 2 / 207 ، المنثور في القواعد 2 / 323 ، القواعد لابن رجب ص 204.

[10] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 362.

[11] إدارة التسويق ص 295، الضمان في عقد البيع لمحمد أبو هزيم ص 229 .

[12] ينظر: إدارة التسويق ص 301، الضمان في عقد البيع لمحمد أبو هزيم ص 229، ضمان عيوب المبيع الخفية د / أسعد دياب ص 317 .

[13] ينظر: ضمان عيوب المبيع الخفية، د/أسعد دياب، ص 317، ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة د/ محمد حسين ص 17، إدارة التسويق ص 301، خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة، ص 71 .

[14] ينظر: ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة د/ محمد حسين ص 17 .

[15] ينظر: إدارة التسويق ص 297 .

[16] ينظر: ضمان عيوب المبيع الخفية، د/أسعد دياب، ص317، الضمان في عقد البيع لمحمد
أبو هزيم، ص 233، خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 73.

[17] ينظر: ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة ص 25، الضمان في عقد البيع لمحمد أبو هزيم ص 223، خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 74.

[18] ينظر: ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة د/ محمد حسين ص 21، خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 84 .

[19] ينظر: ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة ص 33، الضمان في عقد البيع ص 230 .

[20] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص90 .

[21] ينظر: المرجع السابق، ص 71 .

[22] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 74 .

[23] ينظر: المرجع السابق، ص 88 .

[24] إدارة التسويق ص 296 .

[25] ينظر: إدارة التسويق ص 299.

[26] ينظر: المرجع السابق، ص 300 .

[27] ينظر: المرجع السابق، ص 300 .

[28] ينظر: المرجع السابق، ص 299 – 300 .

[29] ينظر: إدارة التسويق ص 301، الضمان في عقد البيع لمحمد أبو هزيم ص 229، ضمان عيوب المبيع الخفية د/ أسعد دياب ص 317 .

[30] ينظر: ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة د/ محمد حسين ص 25، الضمان في عقد البيع لمحمد أبو هزيم ص 223، خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 74 .

[31] ينظر: ضمان عيوب المبيع الخفية، د/أسعد دياب، ص317، الضمان في عقد البيع لمحمد
أبو هزيم، ص 233، خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 73 .

[32] ينظر: المجموع 11 / 323 .

[33] ينظر: شرح فتح القدير 6 / 392 ، تبيين الحقائق 4 / 42 ، العناية شرح الهداية 6 / 392 ، البحر الرائق 6 / 71 .

[34] ينظر: شرح البهجة 2 / 458 ، حاشيتا قليوبي وعميرة 2 / 246 ، مغني المحتاج 2 / 429، حاشية الجمل 3 / 129.

[35] ينظر: الإنصاف 4 / 436 .

[36] ينظر: حاشية الدسوقي 3 / 128، شرح مختصر خليل للخرشي 5/ 142، منح الجليل 5 / 186 .

[37] ينظر: كشاف القناع 3 / 228، الإنصاف 4 / 436، شرح منتهى الإرادات 2 / 50 .

[38] المهذب مع المجموع 11 / 314.

[39] ينظر: شرح فتح القدير 6 / 392 .

[40] الفروق 1 / 74 .

[41] شرح فتح القدير 6 /372، وينظر: تبيين الحقائق 4 /37، العناية شرح الهداية 6 /372.

[42] تحفة المحتاج 4 /380 ، وينظر: مغني المحتاج 2 /442 ، حاشيتا قليوبي وعميرة 2 /255 ، حاشية الجمل 3 /147 ، تحفة الحبيب 3 /45 .

[43] الإنصاف 4 /424 ، وينظر: منتهى الإرادات 2 /48 ، مطالب أولي النهى 188.

[44] ينظر: مغني المحتاج 2 /443 ، الإنصاف 4 /425 .

[45] سورة النساء آية 29 .

[46] المحلى 9 / 73 .

[47] شرح مختصر خليل للخرشي 5 /130، وينظر: حاشية الدسوقي 3 /113 ، التاج والإكليل 6 / 343.

[48] ينظر: شرح فتح القدير 6 /372 ، التاج والإكليل 6 /355 ، نهاية المحتاج 4 / 54 ، المغني 3 /117 ، الإنصاف 4 /420 .

[49] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 71 .

[50] ينظر: إدارة التسويق ص 296 .

[51] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 74 .

[52] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 88 .

[53] ينظر: بداية المجتهد ( 2 / 122 )، مراتب الإجماع لابن حزم ص 85.

[54] التاج والإكليل 6 / 404 ، شرح مختصر خليل للخرشي 5 / 153 ، حاشية الدسوقي 3 / 141 ، حاشية الصاوي على الشرح الصغير 3 / 191 ، منح الجليل 5 / 218 .

[55] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، ص 40، عقود الصيانة وتكييفها الشرعي د/ محمد الزرقا، ود/ سامي السويلم، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدورة الحادية عشرة 2 / 198.

[56] ينظر: عقود الصيانة وتكييفها الشرعي د/ محمد الزرقا، ود/ سامي السويلم، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدورة الحادية عشرة ( 2 / 198 ).

[57] وهذا القول ذهب إليه بعض العلماء المعاصرين منهم : عبد الله صيام، وعبد الوهاب خلاف، وعلي الخفيف، ومصطفى الزرقا. ( ينظر: التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 152 ).

[58] ينظر: ص ( 66 ) من هذا البحث .

[59] سورة البقرة آية 29.

[60] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، التأمين الإسلامي د/ علي قره داغي ص 179، نظام التأمين للزرقا ص 33 .

[61] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، ص 158 .

[62] ينظر: رد المحتار على الدر المختار5 /144، البحر الرائق شرح كنز الدقائق 6 / 238، مجمع الضمانات ص 270 .

[63] ينظر: نظام التأمين للزرقا ص 58.

[64] ينظر: التأمين في الشريعة والقانون، لشوكت عليان ص 68 .

[65] ينظر: التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 189 .

[66] ينظر: نظام التأمين للزرقا ص 51، حكم التأمين في الشريعة الإسلامية للعطار ص 47 .

[67] التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 190، التأمين وأحكامه د/سليمان الثنيان، ص 166 .

[68] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، ص 167 .

[69] ينظر: التأمين في الشريعة والقانون ص 95 .

[70] ينظر: التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 190 .

[71] ينظر: حكم التأمين في الشريعة الإسلامية للعطار، ص 53، التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، ص 178.

[72] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، ص 179، التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي، ص 181.

[73] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، ص179، حكم التأمين في الشريعة الإسلامية للعطار ص 53.

[74] ينظر: نظام التأمين للزرقا ص 57، التأمين وأحكامه ص 181.

[75] سورة الأحزاب من آية 6 .

[76] ينظر: تفصيل أقوال العلماء في هذه المسألة في أحكام القرآن لابن العربي ( 1 / 414 )، وتفسير القرطبي 5 / 165

[77] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان ص 182.

[78] وعلى هذا جماهير العلماء المعاصرين منهم : محمد بخيت المطيعي، ومحمد أبو زهرة، ومحمد الأمين الضرير وبه أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية قرارها في 4 / 4 / 1397هـ، بحرمة التأمين التجاري وحل التأمين التعاوني، أيد هذا القرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الأولى في 10 شعبان 1398هـ، كما أكد هذا القرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي في قراره رقم 9 ( 9 / 2 ) في 10 – 16 ربيع الآخر 1406هـ ( ينظر: التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 150- 160 ).

[79] سورة البقرة من آية 275 .

[80] سورة البقرة آية 278 ، 279 .

[81] روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال : (( واجتنبوا السبع الموبقات )) قيل: يا رسول الله r وما هن ؟ قال : (( الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات )). رواه البخاري. كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة. باب رمي المحصنات حديث رقم ( 6465 ) 6 / 2515 ، ومسلم كتاب الإيمان. باب بيان الكبائر وأكبرها، حديث رقم ( 89 ) 1 /92 .

[82] أخرجه مسلم في كتاب المساقاة. باب لعن آكل الربا وموكله. حديث رقم ( 1598 ) 3/218.

[83] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان ص 217، نظرية التأمين في الفقه الإسلامي للدكتور محمد السيد ص 113 .

[84] أخرجه مسلم في كتاب البيوع. باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر حديث رقم ( 1513 )
3 /1153، وفي بيع الحصاة، ثلاث تأويلات : أحدها: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو من هذه الأرض إلى ما تنتهي إليه هذه الحصاة. الثاني : أن يقول: أنت بالخيار إلى أن أرمي هذه الحصاة. الثالث : أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعاً، فيقول : إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا. ( ينظر: شرح النووي لصحيح مسلم ( 10 / 156 ).

[85] بدائع الصنائع 5 / 163.

[86] العناية شرح الهداية 6 /411.

[87] التاج والإكليل 6 / 224 ، وينظر: الفواكه الدواني 2 / 80 ، حاشية العدوي 2 / 150.

[88] حاشيتا قليوبي وعميرة 2 / 199 ، وينظر: مغني المحتاج 2 / 344 ، أسنى المطالب2 / 11.

[89] مطالب أولي النهى 3 /25 ، دقائق أولي النهى 2 /11 .

[90] ينظر: حكم الشريعة الإسلامية في عقود التأمين ص 53، التأمين وأحكامه،د/ سليمان الثنيان ص 237، التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 163.

[91] ينظر: نظام التأمين للزرقا ص 48 .

[92] ينظر: التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 166، التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان ص 237 .
وتنظر أنوع الغرر الثلاثة في: بدائع الصنائع 5 /163 ، والفروق للقرافي 3 /265 .

[93] ينظر: الوسيط للسنهوري الجزء السابع المجلد الثاني 1084– 1140 ، وفي حاشيته (سائر القوانين الأخرى).

[94] سورة المائدة الآيتان 90 ، 91 .

[95] ينظر: الجامع الأحكام القرآن للقرطبي 3 /52 ، فتح القدير للشوكاني 1 /220 .

[96] الوسيط للسنهوري الجزء السابع المجلد الثاني ص 1086 .

[97] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان ص 225 .

[98] مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 2 ( 2 / 545 ).



http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=1324
الفرع الثاني: الضمان المقترن بالمبيع.
ويُعرَّف هذا النوع من ضمان العيوب المستقبلية بأنه: " تعهد البائع والمنتج بعمل فحص للشيء المبيع ومراقبته دورياً، وإصلاحه مجاناً، كلما حدث له خلل أو طرأ عليه عطل لا يد للمشتري فيه خلال مدة معينة تبدأ من تسليمه الفعلي بما يضمن استمرار الانتفاع به وتوقي أضراره".[1]
وهذا النوع من الضمان يستعمل غالباً في بيوع الآلات والأجهزة الحديثة.[SUP][SUP][2][/SUP][/SUP]
ويكون الضمان فيه داخلاً في عقد البيع دون أن يخص بثمن معين.
مثاله: أن يتفق المشتري مع البائع على شراء سيارة بقيمة خمسين ألف ريال على أن يتعهد البائع بضمان ما يطرأ من عيوب فيها لمدة سنتين من تاريخ الشراء.
ويحقق هذا النوع من الضمان رغبة المشتري من حيث الحصول على مبيع صالح لأداء الغرض المقصود منه، كما أنه يهدف إلى تيسير استعمال المشتري للمبيع وحسن انتفاعه به.[3]
ويؤدي هذا النوع من الضمان إلى تحسين السمعة التجارية لمنتجي وبائعي هذه الأجهزة، ويساعد ذلك على الاحتفاظ بالعملاء وتشجيع مستهلكين جدد، وحثهم على التعاقد فتزيد نسبة المبيعات وتعظم حصيلة الأرباح.[4]
الحكم الشرعي للضمان المقترن بالمبيع:
الضمان المقترن بالمبيع يخرج فقهياً على أنه شرط في البيع[5]، وسبق بيان أن الأصل في الشروط الجواز والصحة مالم يكن هناك مانعٌ شرعي.
وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم الضمان المقترن بالمبيع على قولين:
القول الأول: تحريم الضمان المقترن بالمبيع.
أدلة هذا القول:
أولاً: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة واحدة.[6]
وجه الدلالة:
أن الضمان المقترن بالمبيع يتكون من صفقتين هما: البيع والضمان وعلى هذا فيكون محرماً لدخوله في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة واحدة.
المناقشة:
يناقش هذا الاستدلال من وجهين:
أ- أن الفقهاء قد اختلفوا في معنى صفقتين في صفقة فمن التفسيرات لمعنى الصفقتين في صفقة: أن يبيع الرجل البيع فيقول: هو بنسا كذا وكذا، وهو بنقد بكذا وكذا.[7]
ولم يأخذ الفقهاء بعموم هذا الحديث فلم يمنعوا كل ما يصدق عليه صفقتين في صفقة وإنما اختلفوا في تحديد تلك الصفقات المنهي عن الجمع بينها.[8]
ب- أن الضمان المقترن بالمبيع يعتبر شرطاً في العقد وليس جمعاً بين عقدين؛ وذلك لأن الضمان إذا كان مقترناً بعقد آخر فإنه يصبح بدون عوض والواقع يشهد بذلك، وذلك لأن البائع يعطي المشتري ضماناً بصيانة العين المبيعة، ولكن لو تنازل المشتري عن هذا الضمان لم يحسمه البائع من قيمة العين، مما يدل على أنه ليس له قيمة مستقلة.[9]
ثانياً: قول الرسول صلى الله عليه وسلم : [SUP](([/SUP]لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك[SUP]))[/SUP].[10]
وجه الدلالة:
أن الضمان المقترن بالمبيع يتضمن أكثر من شرط في البيع إذ أن البائع يشترط عليه في هذا الضمان أن يقوم بفحص السلعة، ويشترط عليه أن يقوم بإصلاحها، وبتوفير قطع الغيار اللازمة لها، إلى غير ذلك من الأمور المترتبة على هذا الضمان، وهذا ينطبق عليه النهي عن شرطين في بيع، والنهي يقتضي التحريم، وعلى هذا فيكون الضمان المقترن بالمبيع محرماً.
المناقشة:
يناقش هذا الاستدلال من وجهين هما:
أ- أن الضمان المقترن بالمبيع ليس إلا شرطاً واحداً وهو ضمان البائع للمبيع بحيث أن يؤدي وظيفته المعتادة.
أما كون هذا الضمان يترتب عليه أعمال متعددة فإن هذا لا يخرجه عن كونه شرطاً واحداً، وهذا مثل ما لو اشترى قماشاً على أن على البائع خياطته فلا يقال بأن شرط الخياطة لا يجوز لأنه يترتب عليه أعمالاً أخرى مثل أخذ المقاس، وقص القماش، وتوفير الأزرة ونحو ذلك من الأمور المترتبة على الخياطة.
ب- أن معنى شرطان في بيع قيل أنه قول البائع: بعتك هذه السلعة بألف نقداً، أو بألفين نسيئة.[11]
ومثله عند أبي حنيفة ما لو باعه إلى أجلين، بأن يقول: هو إلى أجل كذا بكذا وكذا، وإلى أجل كذا بكذا وكذا، ويفترقان على هذا.[12]
ثالثاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر".[13]
وجه الدلالة:
أن الضمان المقترن بالمبيع يشتمل على الغرر المنهي عنه، إذ أن نفقات الضمان التي يتحملها البائع تتوقف على حدوث العيب وهو أمر احتمالي غير محقق الوقوع، كما أن الضمان المقترن بالمبيع فيه جهالة كبيرة، إذا ليس من السهل تقدير العيوب التي تطرأ على المبيع خلال مدة الضمان.[14]
المناقشة:
نوقش من وجهين:
أ- أن الضمان المقترن بالمبيع وإن كان مشتملاً على جهالة إلا أنها مقدرة بغاية محددة، وهي استبقاء الشيء في حالة يؤدي فيها وظيفته المعتادة.[15]
ب- أن الضمان المقترن بالمبيع لا يقابله عوض، وإنما العوض يقابل السلعة بدليل أن المشتري لو تنازل عن هذا الضمان لم يحسمه البائع من قيمة العين، مما يدل على أنه ليس له قيمة مستقلة.[16]
الجواب:
أن الضمان وإن كان في ظاهره أنه لا يقابله عوض إلا أنه ليس كذلك في الواقع، فإن البائع قد أضاف ما يقابله إلى ثمن السلعة، ودفعه المشتري في جمله هذا الثمن[17]، أما كون المشتري لو تنازل عن هذا الضمان لم يحسمه البائع من قيمة العين، فإن هذا ليس على إطلاقه، فقد يحسم البائع جزءاً من الثمن مقابل تنازل المشتري عن الضمان، ولو فرض أنه لم يحسمه فقد يكون ذلك لاعتبار آخر كأن يكون البائع لا يستفيد شيئاً من الحسم لكون الشركة المنتجة هي التي تكفلت بالضمان.

القول الثاني: إباحة الضمان المقترن بالمبيع.
أدلة هذا القول:
أولاً: أن الضمان المقترن بالمبيع يعد تبرعاً من البائع، إذ هو التزام منه دون الطرف الآخر، ومعلوم أن التبرعات جائزة.[18]
المناقشة:
يمكن أن يناقش من وجهين:
أ- أن الضمان المقترن بالمبيع وإن كان ظاهره تبرعاً من البائع إلا أنه ليس كذلك في الواقع، فلا جدال في أن البائع قد أضاف ما يقابله إلى ثمن السلعة، ودفعه المشتري في جملة هذا الثمن.[19]
ب- أن هذا الضمان لوكان تبرعاً من البائع لما كان ملزماً له بحيث يتوجب عليه القيام بمقتضاه في حالة طروء عيب في السلعة.
ثانياً: القياس على الجعالة، ففيها جهالة مقدار العمل، مع وجود غاية يطلب من العامل تحقيقها ليستحق الجعل، ومع ذلك فهي جائزة ، فكذلك الضمان المقترن بالمبيع فيه جهالة مقدار العمل إلا أن له غاية يطلب من البائع تحقيقها، وهي سلامة الآلة بحيث تؤدي وظائفها المعتادة.[20]
المناقشة:
يناقش بعدم التسليم بصحة القياس على الجعالة وذلك لوجود الفروق التالية:
أ- أن الجعالة غير لازمة عند المجيز لها (إلا قولاً ضعيفاً عند المالكية باللزوم على الطرفين حتى قبل شروع العامل في العمل).[21]
أما الضمان المقترن بالمبيع فالبائع يكون ملزم به بعد البيع و إلا لأدى ذلك إلى فوات ما هو مقصود المشتري، وفي ذلك ضرر عليه.
ب- أن الجعالة لا تستحق الأجرة فيها إلا بعد تمام العمل، مثل البعير الشارد، أو الحفر للوصول إلى الماء.
أما الضمان المقترن بالمبيع فالأجرة فيها تكون داخلة ضمن عقد البيع.[22]
ج- أن الجعالة تهدف إلى تحقيق نتيجة معينة، ولو أمكن للعامل تحقيق النتيجة في ساعة لكان هذا أنفع للجاعل مما لو حققها بعد شهر، أما الضمان المقترن بالمبيع فلا ينطبق عليه هذا الوصف وإنما تكون له مدة معينة تذكر في العقد.
ثالثاً: عموم الأدلة التي تدل على أن الأصل في الشروط الجواز والصحة، ومن ذلك حديث: [SUP](([/SUP] المسلمون على شروطهم والصلح جائز بين المسلمين [SUP]))[/SUP].[23]
وجه الدلالة:
أن الضمان المقترن بالمبيع يعد من قبيل الشرط فالأصل فيه الجواز والصحة، وهو شرط يزيل الجهالة التي يعاني منها المشتري عند الشراء، ويحقق الرضا، وفيه مصلحة للطرفين:
- مصلحة للمشتري من حيث أن المبيع قد يكون شيئاً معقداً، وفيه خفايا، فيتردد المشتري في شرائه، ما لم يطمئن إلى سلامته وحسن أدائه.
- وفيه مصلحة للبائع، من حيث زيادة ترغيب المشتري في شراء سلعه.[24]
المناقشة:
يمكن أن يناقش بأنه على التسليم بأن الأصل في الشروط الصحة والجواز فإن هذا الأصل يعمل به ما لم يرد ما يخالفه، وقد ورد مانع شرعي يمنع من صحة وجواز شرط الضمان، وهو وجود الغرر والجهالة فالضمان الذي يتحمله البائع معلق على أمر احتمالي غير محقق الوقوع، والعيوب التي تحدث في المبيع خلال مدة الضمان مجهولة التكلفة.
الجواب:
يمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بما يلي:
أ- بأن الضمان المقترن بالمبيع مقدر بغاية محددة، وهي استبقاء الشيء في حالة يؤدي فيها وظيفته المعتادة.[25]
ب- أنه يمكن أن يجعل لهذا الضمان ضوابط تمنع من أن يكون الغرر فيه كبيراً، وحينئذ لا يكون في العمل به محذور شرعي.
رابعاً: قياس الضمان المقترن بالمبيع على اشتراط الحمل في المبيع.
وقبل مناقشة هذا القياس أورد الخلاف في مسألة شرط الحمل الذي يكون لاستزادة الثمن – كمن باع جارية أو دابة وشرط أنها حامل – فقد اختلف في حكم هذا الشرط على ثلاثة أقوال:
القول الأول: صحة هذا الشرط إن كان الحمل ظاهراً.
وبه قال بعض المالكية[26]
أدلة هذا القول:
استدلوا بأن شرط الحمل إذا كان ظاهراً إنما هو إخبار بأمر معلوم فلا يمتنع اشتراطه.[27]
المناقشة:
يناقش بأن انتفاخ البطن لا يكفي دليلاً على وجود الحمل؛ لأنه أحياناً ينتفخ ثم يضمر.
الجواب:
أجيب بأن الغالب أن انتفاخ البطن لحمل، واحتمال كونه نفش مع ظهوره ظهوراً بيناً نادرٌ ، والنادر لا حكم له.[28]
القول الثاني: صحة هذا الشرط مطلقاً، سواء كان الحمل ظاهراً أو غير ظاهر.
وبه قال الشافعية في القول الأظهر[29]، والحنابلة[30]، ورواية عن أبي حنيفة[31]، وهو رأي بعض المالكية.[32]
أدلة هذا القول:
استدلوا بأن شرط كونها حاملاً إنما هو شرط لصفة مقصودة يمكن الوفاء به كشرط العبد كاتباً أو صانعاً وهذا يصح فكذا شرط الحمل.[33]
المناقشة:
نوقش بأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن حكم الأصل معلوم ومتحقق عند العقد بخلاف حكم الفرع فإنه غير متحقق الوجود عند العقد فلا يضمن إمكان الوفاء به.[34]
القول الثالث: عدم صحة هذا الشرط مطلقاً، سواء كان الحمل ظاهراً أم غير ظاهر.
وبه قال الحنفية[35]، وهو المشهور عند المالكية[36]، وهو قول للشافعية[37].
أدلة هذا القول:
استدلوا بالأدلة التالية:
1- أن المشتري إذا شرط الحمل فإنه يكون قد أخذ للجنين ثمناً فيكون من بيع الأجنة، وهو ممنوع للغرر.[38]
المناقشة:
يناقش بأن الممنوع بيع الجنين منفرداً دون أمه وهذا ليس منه.[39]
2- أن هذا الشرط يؤدي للغرر؛ لأن الحمل يحتمل الوجود والعدم، ولا يمكن معرفته حين العقد، والحركة والانتفاخ قد يكونان مرضاً فلا يدلان على وجود الحمل.[40]
المناقشة:
يناقش بأن الحمل إذا كان ظاهراً أمكن معرفته بالحركة وانتفاخ البطن وكون الانتفاخ أو الحركة لمرض أمر نادر فلا يترك لأجله الأمر الغالب.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم – هو القول الأول وهو صحة شرط الحمل إن كان الحمل ظاهراً، لقوة دليله بدفع المناقشة الواردة عليه في مقابل ضعف أدلة المخالفين بمناقشتها.
مناقشة قياس الضمان المقترن بالمبيع على اشتراط الحمل في المبيع:
هذا القياس لا يصح وذلك لما يلي:
1- بناء على الراجح من أن شرط الحمل يصح إن كان الحمل ظاهراً فإن الضمان المقترن بالمبيع لا يقاس عليه؛ لأن ما يترتب على الضمان أمرٌ احتمالي مشكوك فيه أما الحمل الظاهر الذي يمكن معرفته بالحركة والانتفاخ فالذي يغلب على الظن وجوده، ولا يترك الأمر الغالب للنادر.
فإن قيل: بأنه يحتمل تبيين عدم الحمل بعد البيع.
فالجواب: بأن الفقهاء جعلوا للمشتري الخيار بين الفسخ أو الإمساك في حالة عدم تبين الحمل، وقال الحنابلة له مع الإمساك أرش فقد الصفة.[41]
وهذا الأمر لا يتوافر في الضمان المقترن بالمبيع .
2- أن اشتراط الحمل في المبيع إنما هو التزام من البائع لوصف موجود عند العقد، أما الضمان المقترن بالمبيع فهو التزام بأمر مستقبلي يكون بعد العقد وعلى هذا فلا يصح قياسه على شرط وجود الحمل في المبيع.
خامسا:ً ما روي أن تميماً الداري[42] "باع داره واشترط سكناها حياته، وقال: إنما مثلي مثل أم موسى رد عليها ابنها وأعطيت أجر رضاعها".[43]
وجه الدلالة:
أن تميماً باع داراً واشترط سكناها ولم يعرف له مخالف، فدل ذلك على جواز شرط المنفعة، والضمان المقترن بالعقد يعد من هذا القبيل.
المناقشة:
يناقش بأن شرط المنفعة يجوز إذا كانت المنفعة معلومة أما الضمان المقترن بالمبيع فهو معلق على أمر احتمالي ومجهول، وعلى هذا فلا يصح الاستدلال بهذا الأثر.
الجواب:
أن تميماً الداري اشترط السكنى مدة حياته وهذه المدة مجهولة، ومع ذلك صح الشرط فدل ذلك على صحة شرط الضمان وإن كان فيه نوع جهالة.
الرد على الجواب:
على فرض صحة هذا الأثر وأنه لم يرد له مخالف من الصحابة فإن الجهالة في شرط السكنى مدة الحياة أقل من الجهالة التي تكون في ضمان عيب مستقبلي، وعلى هذا فلا يصح الاستدلال بهذا الأثر.
الترجيح:
بعد ذكر الخلاف في مسألة الضمان المقترن بالمبيع يتبين قوة الخلاف في هذه المسألة، ولترجيح قول على آخر ينبغي النظر إلى المصالح التي يستفيد منها طرفي العقد من هذا الضمان، وأهمها ما يلي:
1- مصلحة طرفي العقد في استقرار العقود والتقليل من حالات الرجوع فيها بالرد بالعيب.
إذ قد لا تكاد تخلو سلعة مصنعة من وجود خلل صغير أو كبير فيها على الرغم من فحص وتدقيق الصانع لها قبل إخراجها للسوق.
ويمكن تدارك هذه الخلل بتقديم ضمان من البائع يستفيد هو في إسقاط خيار الرد للمشتري؛ لأنه سيقوم بإصلاح الخلل وتقويمه، ويستفيد المشتري من إصلاح العيوب التي قد توجد في المنتج وتكون يسيرة لا توجب الرد بالعيب.
2- مصلحة البائع بالاحتفاظ بأسرار آلته دون أن تصل إلى منافسيه.
3- مصلحة البائع في تحسين سمعته وزيادة مبيعاته بإظهار أن سلعته ذات جودة عالية، وأنه مستعد لإصلاح ما قد يطرأ عليها من خلل.
4- مصلحة المشتري في زيادة العمر الافتراضي للآلة، وذلك أنه في حالة وجود أدنى خلل في الآلة فإنه يبادر بإصلاحه عند البائع حتى يستفيد من المدة المحددة للضمان، وهذا بخلاف السلع المصنعة التي لا يقترن بها الضمان فإن المشتري لها قد تجتمع عنده العيوب التي لا تؤدي إلى تلف السلعة بالكلية إلا أنها لا تجعل أداءها بالشكل المطلوب، وقد تقلل من الزمن الافتراضي لها.[44]
وبعد النظر إلى هذه المصالح للضمان المقترن بالمبيع، وبناءً على أن الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة[45]، ولأن القول بتحريم شيء على الناس ليس بأسهل من القول بإباحته، فالذي يظهر لي – والعلم عند الله – أن القول بتحريم هذا الضمان يعتمد على وجود الغرر والجهالة فيه؛ لذا ينبغي أن يقيد هذا الضمان بضوابط تمنع من أن يكون ذلك الغرر كبيراً، على أن جزءاً من الضمان المقترن بالمبيع يخرج على ضمان البائع للعيوب كما سبق بيانه في مبحث ضمان أداء المبيع وصلاحيته، ويبقى جزء آخر منه يتعلق بالعيوب المستقبلية.
وهذا الضوابط هي:
1- أن تكون مدة الضمان متناسبة مع جودة السلعة، وتكون في حدود الحاجة، فلا يجعل الضمان مثلاً لسلعة مستهلكة لمدة طويلة.
2- أن ينص في الضمان على أن سوء استخدام المشتري للسلعة يلغي ضمان البائع لها.
3- أن لا يقوم البائع بضمان سلعة إلا بعد فحصها وإجراء اختبارات دقيقة لها حتى يتمكن من معرفة احتمال طروء العيب عليها.
وأفضل من هذه الضوابط أن يجعل الضمان وعداً من البائع بحيث ينص على أنه غير ملزم إلا في حالة وجود عيب سببه سابق للعقد، أما في غير هذه الحالة فيكون خدمة يستفيد منها في جذب أكبر عدد من العملاء ، وفي حالة وجود تلاعب ملحوظ في هذه الوعود فإن للحاكم التعزير ولو كان ذلك بدفع الأضرار الناتجة على إخلاف هذه الوعود.

المطلب الرابع: ضمان معايير الجودة
وهذا الضمان كما سبق بيانه في أنواع الضمان أن المنتج يتعهد فيه بأن سلعته تتمشى من حيث الجودة مع الخصائص والقياسات التي وضعتها هيئات حكومية أو صناعية معترف بها.
وتوضع في الغالب علامة على الغلاف الخارجي للسلعة تبين مطابقتها لتلك المواصفات.
والفائدة من هذا الضمان: أن المشتري يفضل السلعة المضمونة الجودة لعدم تمكنه من معرفة ذلك في الغالب، وبالتالي يستفيد البائع الذي يتعهد بهذا الضمان في زيادة مبيعاته، ورواج منتجاته.[46]
الحكم الشرعي لهذا الضمان:
ضمان معايير الجودة جائز لا محظور فيه، بل قد تدعو المصلحة إلى إلزام المنتجين به حماية للمستهلكين ، وحفاظاً على المصلحة العامة.[47]
وفي حالة ثبوت أن المنتج لم يصدر فيه ضمان من الجهة المشار إليها، فإن هذا يعد عيباً في المبيع تطبق عليه أحكام العيوب في الفقه الإسلامي فلا يخلو:
إما أن يكون ضمان معايير الجودة ليس له أثر في زيادة ثمن السلعة، فحينئذٍ يكون عيباً يسيراً لا يوجب خيار رد العين.[48]
وإما أن يترتب على فوات ضمان معايير الجودة نقصاً في القيمة بما لا يتغابن الناس بمثله، فحينئذٍِ يكون هذا العيب موجباً لخيار رد العين.[49]



[1] الالتزام بصيانة الشيء المبيع، ص 6 ، و ينظر: الضمان الاتفاقي للعيوب الخفية، د/سعيد جبر، ص 44.

[2] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة، ص 71.

[3] ينظر: الالتزام بصيانة الشيء المبيع، ص7.

[4] ينظر: المرجع السابق، ص8.

[5] ينظر: عقد الصيانة وتكييفها الشرعي، د/الصديق محمد الأمين الضرير، بحث في مجلة الفقه الإسلامي التابع لمنظمةالمؤتمرالإسلامي،العدد الحادي عشر 2/115،وعقد المقاولة,د/عبد الرحمن العايد، ص333.

[6] رواه أحمد في مسنده، حديث رقم (3783) 1/398 ، والبزار في مسنده، حديث رقم (2017) 5/384، قال في مجمع الزوائد 4/84 : "ورجاله ثقات ...".
قال في نصب الراية 4/20 : "ورواه العقيلي في ضعفائه من حديث عمر بن عثمان ... وأعله بعمرو بن عثمان هذا وقال لا يتابع على رفعه والموقوف أولى".

[7] وهذا هو تفسير سماك وهو أحد رواة حديث النهي عن صفقتين في صفقة. ينظر: مسند الإمام أحمد 1/398 ، ومجمع الزوائد 4/84 ، ونيل الأوطار 5/249 ، وهو أيضاً تفسير أبي عبيد القاسم بن سلام فقد قال: صفقتان في صفقة أن يقول الرجل للرجل: أبيعك هذا نقداً بكذا ونسيئة بكذا ويفترقان عليه. ينظر: نصب الراية 4/20 .

[8] ينظر: الغرر وأثره في العقود ، د/الصديق محمد الأمين، ص 90 .

[9] ينظر: عقد المقاولة، د/عبد الرحمن العايد، ص 333 .

[10] أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الإجارة. باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، حديث رقم (3504) 3/284 ، والترمذي في سننه، وقال: "وهذا حديث حسن صحيح"، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، حديث رقم (1234) 3/535 ، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب البيوع، بيع ما ليس عند البائع، حديث رقم (6204) 4/39 ، وأحمد في المسند، حديث رقم (6671) 2/178. قال الحاكم في المستدرك 2/21 : "هذا حديث على شرط جملة من أئمة المسلمين صحيح"، وأخرجه ابن حبان في صحيحه 10/161 بلفظ " لا يجوز شرطان في بيع واحد، ولا بيع وسلف جميعاً...".

[11] هذا تفسير البغوي وهو مروي عن زيد بن علي وأبي حنيفة. ينظر: نيل الأوطار 5/283 .

[12] ينظر: نيل الأوطار 5/284 .
وقال ابن القيم في تهذيب السنن 5/146: " أما القول الأول: وهو أن يشترط حمل الحطب وتكسيره ونحو ذلك فبعيد؛ لأن اشتراط منفعة البائع في البيع إن كان فاسدا فسد الشرط والشرطان وإن كان صحيحا فأي فرق بين منفعة أو منفعتين أو منافع؟ "
ثم قال: "وإذا تبين لك ضعف هذه الأقوال فالأولى تفسير كلام النبي صلى الله عليه وسلم بعضه ببعض فنفسر كلامه بكلامه، فنقول نظير هذا نهيه عن " صفقتين في صفقة " و "عن بيعتين في بيعة " ..... وقد فسرت البيعتان في البيعة بأن يقول: " خذه بعشرة نقدا وآخذها منك بعشرين نسيئة" وهي مسألة العينة بعينها ، وهذا هو المعنى المطابق للحديث .....ولا يحتمل الحديث غير هذا المعنى وهذا هو بعينه الشرطان في بيع، فإن الشرط يطلق على العقد نفسه؛ لأنهما تشارطا على الوفاء به فهو مشروط والشرط يطلق على المشروط كثيراً كالضرب يطلق على المضروب..... فالشرطان كالصفقتين سواء فالشرطان في بيع كصفقتين في صفقة " تهذيب السنن على مختصر سنن أبي داود 5/148-149.

[13] الحديث سبق تخريجه، ص ( 27 ).

[14] ينظر: أحكام عقد البيع في الفقه الإسلامي المالكي، ص 261 ، وعقود الصيانة وتكييفها الشرعي، د/محمد أنس الزرقا، و د/سامي السويلم، بحث في مجلة المجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد الحادي عشر 2/194.

[15] ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الحادي عشر 2/200.

[16] ينظر: عقد المقاولة، د/عبد الرحمن العايد، ص 333 .

[17] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة، ص120.

[18] ينظر: أحكام الإعلانات التجارية، ص 144.

[19] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة، ص120.

[20] ينظر: عقود الصيانة وتكييفها الشرعي، د/محمد أنس الزرقا، ود/سامي السويلم، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد الحادي عشر 2/195.

[21] ينظر: أسنى المطالب 2/442 ، نهاية المحتاج 4/348 ، شرح الخرشي 7/70، حاشية الصاوي على الشرح الصغير2/257 ، المقدمات 2/307 ، كشاف القناع 2/419.

[22] ينظر: عقود الصيانة وتكييفها الشرعي، د/محمد أنس الزرقا، ود/سامي السويلم، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد الحادي عشر 2/196.

[23] سبق تخريجه في ص ( 69 ).

[24] ينظر: عقد التوريد والمناقصات، د/رفيق المصري، من ضمن بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد الثاني عشر 2/489 .

[25] ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد الثاني عشر 2/200 .

[26] ينظر: البهجة شرح التحفة 2/42 .

[27] ينظر: المرجع السابق، 2/43.

[28] ينظر: المرجع السابق.

[29] ينظر: روضة الطالبين 3/404.

[30] ينظر: كشاف القناع 3/190 .

[31] ينظر: بدائع الصنائع 5/168 .

[32] ينظر: البهجة في شرح التحفة 2/42 ، فتح العلي المالك 2/125 .

[33] ينظر: بدائع الصنائع 5/168 ، كشاف القناع 3/189 .

[34] ينظر: الشروط في عقد البيع، ص 132 .

[35] ينظر: بدائع الصنائع 5/168 .

[36] ينظر: البهجة في شرح التحفة 2/42 .

[37] ينظر: روضة الطالبين 3/404 .

[38] ينظر: البهجة في شرح التحفة 2/42 .

[39] ينظر: الشروط في عقد البيع، ص 132 .

[40] ينظر: بدائع الصنائع 5/168 .

[41] ينظر: تبيين الحقائق 2/24 ، نهاية المحتاج 3/433 ، كشاف القناع 3/189 .

[42] هو تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة اللخمي الداري، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزا معه، وأقطعه قريته من بيت لحم، ولم يزل بالمدينة حتى قتل عثمان فتحول إلى الشام، وكان عابداً تلاءً لكتاب الله، قيل توفي سنة 40هـ.
ينظر: الطبقات، لابن سعد 7/408 ، سير أعلام النبلاء 2/442 .

[43] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب البيوع والأقضية، باب في الرجل يبيع داره ويشترط فيها سكنى 7/248 .

[44] ينظر: عقود الصيانة، د/منذر قحف، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد الحادي عشر 2/161، إدارة التسويق ، ص 296 ، الالتزام بصيانة الشيء المبيع، ص7 .

[45] ينظر: ص ( 65 ) من هذا البحث.

[46] ينظر: إدارة التسويق، ص 299 .

[47] ينظر: الحوافز التجارية التسويقية، ص 284 .

[48] ينظر: فتح القدير 6/2 ، البحر الرائق 6/42 ، شرح الخرشي 5/125 ، الشرح الكبير للدردير 3/108 ، روضة الطالبين 3/116 ، مغني المحتاج 2/51 ، المغني 6/225 ، كشاف القناع 3/215 .

[49] ينظر: بدائع الصنائع 5/274 ، فتح القدير 6/2، بداية المجتهد 2/173، الشرح الكبير للدردير 3/108 ، روضة الطالبين 3/116 ، مغني المحتاج 2/50 ، المغني 6/225 ، كشاف القناع 3/215 .



http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=1325

المبحث الثاني: خدمة صيانة المبيع بعد الشراء
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الصيانة وبيان أنواع صيانة المبيع.
المطلب الثاني: التكييف الفقهي لصيانة المبيع.

المطلب الأول
تعريف الصيانة وبيان أنواع صيانة المبيع

الفرع الأول: تعريف الصيانة لغة واصطلاحاً.

أولاً: تعريفها لغة:
الصيانة لغة: الحفظ والوقاية، يقال: صان الشيء يصونه صوناً وصيانة: إذا حفظه، وصان عرضه: وقاه مما يعيبه.[1]

ثانياً: تعريفها اصطلاحاً.
تكلم الفقهاء عن الأعمال اللازمة لبقاء العين المؤجرة صالحة للانتفاع بها ولم يسموها صيانة، وإنما قد يطلقون عليها المَرَمَة[2]، وقد يطلقون عليها العمارة[3]، وقد يطلقون عليها التجديد والترميم[4].
أما الصيانة بمعناها الحالي فقد عرفها بعض المعاصرين بأنها: " مجموعة الأعمال اللازمة لبقاء عين على الحالة التي تصلح فيها لأداء الأعمال المرادة منها".[5]
وعرفت بأنها " إصلاح الشيء المعمر كلما طرأ عليه عطل أو أذى من حيث قدرته على إنتاج الخدمات والمنافع المقصودة منه".[6]
هذان التعريفان للصيانة بشكل عام، وهما بمعنى واحد.
أما صيانة المبيع بعد الشراء فهي: خدمة ترويجية يقدمها البائع بعد الشراء للمحافظة على السلعة المبيعة في حالة جيدة سليمة، تكفل استمرار السلعة في عملها، وعدم توقفها عن الإنتاج أو الأداء.[7]

الفرع الثاني: أنواع صيانة المبيع.
صيانة المبيع على نوعين:

النوع الأول: صيانة وقائية (دَوْرِيَّة).
وهي خدمة يقدمها البائع وفق جدول زمني محدد بآجال معلومة، ليتأكد من أن المبيع يعمل بصورة صحيحة، ويحاول اكتشاف ما يمكن أن يؤدي إلى خلل فيضبطه ويخفف تكاليف إصلاحه، وهذا مثل: تزويد الآلات بالوقود وتبديل زيتها، وملاحظة أجهزة قياس الحرارة والوقود والماء والزيت، وربما كان مع ذلك تبديل بعض القطع بشكل دوري لا لتلفها وإنما لانتهاء عمرها الافتراضي فتبدل ولو لم تتلف أو تستهلك.
وهذا النوع من الصيانة يمنح غالباً عند بيع المعدات الكبيرة، ووسائل النقل والأجهزة الكهربائية، وما أشبهها من السلع التي تحتاج إلى متابعة منظمة، وعناية دائمة.

النوع الثاني: صيانة طارئة.
وهي خدمة يقدمها البائع للمستهلك عند حدوث عطل فني غير متوقع، وقد يضاف إليه إبدال القطع التالفة.[8]

المطلب الثاني
التكييف الفقهي لصيانة المبيع

قبل ذكر الحكم الشرعي لصيانة المبيع ينبغي أن يعلم أن الصيانة والضمان لفظان قد يطلق أحدهما على الآخر كما هو واقع كثير من المحلات التجارية، لذا يفترض قبل إصدار الحكم الشرعي أن يتصور مصدره المراد من ذلك الضمان أو تلك الصيانة.
على أن المراجع التسويقية تذكر عدة فروق بينهما وهي كما يلي:
1- أن الضمان يكون لفترة محدودة تكفي لظهور عيوب التصنيع، أو المواد فيها، أما الصيانة فإنها تستمر طول عمر السلعة.[9]
2- أن الضمان يغطي عيوب التصنيع أو المواد في السلعة، ولا يغطي سوء استعمال السلعة في جانب المشتري، أما الصيانة فإنها تغطي كل خلل أو عطل يطرأ على السلعة، ولو كان نتيجة سوء الاستعمال أو غيره من الأسباب.[10]
3- أن الضمان يتحمل البائع فيه جميع التكاليف المترتبة على الإصلاحات، أو عملية الضبط التي تكفل بها الضمان، سواء قطع الغيار أو اليد العاملة، أما الصيانة فإن الذي يتحمل تكاليفها هو المستهلك.[11]
وبعد ذكر هذه الفروق أذكر التكييف الفقهي لكل نوع من أنواع الصيانة:

النوع الأول: الصيانة الوقائية (الدَّوْرِيَّة):
هذا النوع من الصيانة يلتزم به البائع أو المنتج حيث يقوم بالكشف على المنتج بشكل دوري حتى يتأكد من أنه يعمل بصورة جيدة، وفي حالة كون المنتج يحتاج إلى قطع غيار فإن المشتري هو الذي يتحمل تكلفتها، وقد يتعهد المنتج باستبدال بعض القطع بشكل دوري لا لتلفها وإنما لانتهاء عمرها الافتراضي، ومثله ما لو تعهد بتزويد بعض الآلات بالوقود وتبديل زيتها، ونحو ذلك من الأمور المنصوص عليها في عقد البيع.
وهذا النوع من الصيانة يخرج فقهياً على أنه شرط منفعة معلومة، وقد اختلف الفقهاء في صحة هذا الشرط على قولين في الجملة:
القول الأول: أن هذا الشرط صحيح.
وهذا هو مذهب المالكية والحنابلة وقد اشترط المالكية أن يكون النفع أو المدة يسيرين.[12]
أدلة هذا القول:
استدلوا بأدلة كثيرة[13] أبرزها ما يلي:
الأول: عن جابر – رضي الله عنه – أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فضربه ودعا له فسار بسير ليس يسير مثله، ثم قال: بعنيه بأوقية، فبعته فاستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه ثم انصرفت، فأرسل على إثري، قال: [SUP](([/SUP]ما كنت لآخذ جملك، فخذ جملك ذلك فهو مالك[SUP]))[/SUP].[14]
وفي رواية: [SUP](([/SUP]فبعته إياه على أن لي فقار ظهره[SUP]))[/SUP].[15]
وفي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [SUP](([/SUP]قد أخذته فتبلغ عليه إلى المدينة[SUP]))[/SUP].[16]
وفي رواية قال جابر: قلت: على أن لي ظهره إلى المدينة قال: [SUP](([/SUP] ولك ظهره إلى المدينة[SUP]))[/SUP].[17]
وجه الدلالة:
أن جابراً رضي الله عنه اشترط منفعة الجمل إلى المدينة وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، وسائر شروط المنفعة بمعناه.
المناقشة:
نوقش بأن استمرار ركوب الجمل من جابر تبرع من النبي صلى الله عليه وسلم وليس لأجل الشرط بدليل قوله: "أفقرني ظهره" وقوله: "أفقرناك ظهره".[18]
الجواب:
أجيب عنه بمنع كونه تبرعاً ، بل هو لأجل الشرط، وأكثر ألفاظ الحديث صريحة في ذلك، وقوله " أفقرناك ظهره "، معناه: وافقناك على الشرط بدليل قوله: "فبعته على أن لي فقار ظهره".[19]
الثاني: عموم الأدلة الدالة على أن الأصل في الشروط الجواز والصحة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: [SUP](([/SUP]المسلمون على شروطهم والصلح جائز بين المسلمين[SUP]))[/SUP][20]، وقوله صلى الله عليه وسلم : [SUP](([/SUP]الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً، والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً[SUP]))[/SUP].[21]
وجه الدلالة:
أن هذه الأدلة جاءت عامة في وجوب الوفاء بالشرط من غير تفريق بين منفعة وغيرها.

القول الثاني: أن شرط المنفعة شرط فاسد.
وهذا مذهب الحنفية والشافعية، واستثنى الحنفية الشرط الذي جرى عرف الناس في التعامل به، فإنه يكون شرطاً جائزاً.[22]
أدلة هذا القول:
استدلوا بعدة أدلة[23]،أبرزها:
حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم [SUP](([/SUP]نهى عن بيع وشرط[SUP]))[/SUP].[24]

وجه الدلالة:
أن الحديث نص في بطلان كل بيع وشرط فيدخل في ذلك شرط النفع.
المناقشة:
نوقش هذا بأمرين:
أ- أن الحديث ضعيف فلا يصح الاستدلال به، وقد بينت ذلك في تخريجه.
ب- أنه مخالف للأحاديث الثابتة التي فيها جواز الشروط في البيع كحديث جابر رضي الله عنه عندما اشترى منه النبي صلى الله عليه وسلم الجمل فاشترط ظهره إلى المدينة.[25]

الترجيح:
الراجح هو القول الأول وهو أن شرط المنفعة في البيع يعد شرطاً صحيحاً، وذلك لقوة أدلته، في مقابل ضعف أدلة القول الثاني، والله أعلم.

ويترتب على هذا الترجيح أن شرط الصيانة الوقائية في المبيع يعتبر شرطاً صحيحاً ما دامت أعمال هذه الصيانة معلومة.

النوع الثاني: الصيانة الطارئة:
الصيانة الطارئة هي التي تكون عند حدوث خلل فني غير متوقع.
وفائدة المستهلك منها تكمن في أن كثيراً من الأجهزة والآلات الحديثة تكون معقدة التركيب لا يتمكن من إصلاحها على الوجه الصحيح إلا الشركة المصنعة أو وكلائها.[26]

والصيانة الطارئة للمبيع لا تخلو:
إما أن تكون قيمة القطع المستبدلة وساعات العمل يدفعها المشتري عند قيام البائع بإصلاح السلعة فحينئذٍ تكون هذه الصيانة جائزة لانتفاء الغرر والجهالة.
وإما أن تكون قيمة القطع المستبدلة وساعات العمل لا يطالب المشتري بدفع قيمتها لدخولها في ثمن شراء السلعة فحينئذٍ تأخذ الصيانة الطارئة حكم الضمان المقترن بالمبيع فيراعى فيها ما يراعى في الضمان المقترن بالمبيع من ضوبط.[27]
على أن الأفضل أثناء العقد في هذا النوع من الصيانة الطارئة أن ينص على أنها وعد من البائع غير ملزمة له إلا في حالة وجود عيب له سبب سابق قبل القبض.



[1] ينظر: معجم مقاييس اللغة مادة (صون) ، ص 852 ، القاموس المحيط، مادة (صان)، ص 1513، لسان العرب، مادة (صون) 13/250 ، مختار الصحاح، مادة (صون)، ص374 ، المعجم الوسيط، مادة (صون) 1/530 .

[2] ينظر: شرح الخرشي على خليل 7/47 .

[3] ينظر: رد المحتار 6/79 .

[4] ينظر: الإنصاف 6/67 .

[5] ينظر: معجم لغة الفقهاء، ص 179 .

[6] ينظر: ينظر: عقود الصيانة، د/منذر قحف، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد الحادي عشر 2/3 .

[7] ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال، ص 339 .

[8] ينظر: ينظر: عقود الصيانة، للزرقا، والسويلم 2/10 ، عقود الصيانة، د/منذر قحف 2/22، وهما بحثان في مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد الحادي عشر، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة 2/717 ، الحوافز التجارية التسويقية، ص 286 ، عقد المقاولة، د/العايد، ص332 .

[9] ينظر: إدارة التسويق، ص 313 .

[10] ينظر: المصدر السابق، ص 314 .

[11] ينظر: الحوافز التجارية التسويقية، ص 287 .

[12] ينظر: البهجة في شرح التحفة 2/18 ، بداية المجتهد 2/161، المبدع 4/53، الإنصاف 4/344-347 ، كشاف القناع 3/190.

[13] ينظر: الشروط في عقد البيع، السلطان ، 207-214 .

[14] أخرجه البخاري – واللفظ له – كتاب الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، حديث رقم (2569) 2/968 ، ومسلم في كتاب المساقاة. باب بيع البعير واستثناء ركوبه 3/1221 .

[15] أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب استئذان الرجل الإمام ، حديث رقم (2805) 3/1083 ، وأخرجه مسلم 3/1221 ، وفيه ذكر قصة جابر مع النبي صلى الله عليه وسلم .

[16] أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم 2/968 ، و أخرجه مسلم واللفظ له 3/1223 .

[17] أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم 2/968 ، و أخرجه مسلم واللفظ له 3/1222 .

[18] ينظر: شرح معاني الآثار 4/42 ، المجموع شرح المهذب 9/372 ، فتح الباري 5/319 .

[19] قال البخاري: " الاشتراط أكثر وأصبح عندي" صحيح البخاري 2/968 .
وقال ابن حجر العسقلاني: " إن الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة، وهم حفاظ فتكون حجة، وليست رواية من لم يذكر الاشتراط منافية لرواية من ذكره، لأن قوله: لك ظهره" و "أفقرناك ظهره" و "تبلغ عليه" لا يمنع وقوع الاشتراط قبل ذلك" فتح الباري 5/318 .

[20] سبق تخريجه ، ص ( 69 ).

[21] سبق تخريجه، ص ( 69 ).

[22] ينظر: بدائع الصنائع 5/172 ، المبسوط للسرخسي 13/15 ، روضة الطالبين 3/398 ، نهاية المحتاج 3/450 .

[23] ينظر: الشروط في عقد البيع، د/السلطان، ص 302-307 .

[24] رواه الطبراني في المعجم الأوسط، حديث رقم (4361) 4/335 ، وابن حزم في المحلى 8/415، وأبو نعيم الأصبهاني في مسند أبي حنيفة 1/60.
وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 5/315 : " وأما حديث النهي عن بيع وشرط ففي إسناده مقال".
وممن قال بأن في الحديث مقال محمد شمس الحق أبادي، ينظر: عونه المعبود 9/300 ، وقال الزيلعي في نصب الراية4/17 : "قال ابن القطان: وعلته ضعف أبي حنيفة في الحديث" وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم (491) 1/499 : "لا أصل له ".

[25] ينظر: ص ( 132 ) من هذا البحث.

[26] ينظر: الحوافز التجارية التسويقية، ص 288 .

[27] ينظر: ص ( 124 ) من هذا البحث.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

فيض الايمان

:: متابع ::
إنضم
25 يونيو 2012
المشاركات
41
التخصص
فقه مقارن
المدينة
غزة
المذهب الفقهي
-
رد: مساعدة عاجلة فى توفير رسالة ماجستير

رد: مساعدة عاجلة فى توفير رسالة ماجستير

شكرا الله لك أختى بشاير ، نفع الله بك الإسلام والمسلمين ،، وبشرك الله بالجنة فى أعالى عليين ،، مع النبي والصدقين ،،

بارك الله فيك بالتأكيد لم توفرى جهدا
 

بشاير السعادة

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
13 ديسمبر 2008
المشاركات
1,232
التخصص
فقه
المدينة
...........
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مساعدة عاجلة في توفير رسالة ماجستير بعنوان: خدمات ما بعد البيع: دراسة فقهية) لـ بدر الجدوع

اللهم آمين وإياك يا غالية وتقبل الله منك دعواتك الجميلة
وإليك ملخص الرسالة تجدينه بالمرفق
وقد لاحظت أنك ستكتبي في نفس الموضوع لأجل هذا ضروري أن تطلعي على فهرس الرسالة
http://www.feqhup.com/do.php?id=6262
وتسألي نفسك بهذا السؤال
هل أقدر على الإضافة والإتيان بجديدٍ ؟
 

المرفقات

  • ind10021.pdf
    348.6 KB · المشاهدات: 0
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
15 يناير 2013
المشاركات
6
التخصص
أصول الفقه
المدينة
سوهاج
المذهب الفقهي
حنفي
رد: مساعدة عاجلة في توفير رسالة ماجستير بعنوان: خدمات ما بعد البيع: دراسة فقهية) لـ بدر الجدوع

بارك الله فيك ياأخت بشائر وجزاك الله ألف خير على مساعدتك .
 

فيض الايمان

:: متابع ::
إنضم
25 يونيو 2012
المشاركات
41
التخصص
فقه مقارن
المدينة
غزة
المذهب الفقهي
-
رد: مساعدة عاجلة في توفير رسالة ماجستير بعنوان: خدمات ما بعد البيع: دراسة فقهية) لـ بدر الجدوع

نفع الله بك أختى ( بشاير )ولكن الرابط لايعمل فأرجوا التعديل ..
 

بشاير السعادة

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
13 ديسمبر 2008
المشاركات
1,232
التخصص
فقه
المدينة
...........
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مساعدة عاجلة في توفير رسالة ماجستير بعنوان: خدمات ما بعد البيع: دراسة فقهية) لـ بدر الجدوع

بارك الله فيك ياأخت بشائر وجزاك الله ألف خير على مساعدتك .
وفيك بارك الله وأهلًا ومرحبًا بك يا غالية
وأسأل الله أن ييسر لك كل عسير ويفرج همك
 

بشاير السعادة

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
13 ديسمبر 2008
المشاركات
1,232
التخصص
فقه
المدينة
...........
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مساعدة عاجلة في توفير رسالة ماجستير بعنوان: خدمات ما بعد البيع: دراسة فقهية) لـ بدر الجدوع

نفع الله بك أختى ( بشاير )ولكن الرابط لايعمل فأرجوا التعديل ..
وإياك يا غالية
المعذرة ..
وقد قمت بتصحيح الرابط
تجدينه بالمشاركة السابقة في المرفقات
 

فيض الايمان

:: متابع ::
إنضم
25 يونيو 2012
المشاركات
41
التخصص
فقه مقارن
المدينة
غزة
المذهب الفقهي
-
رد: مساعدة عاجلة في توفير رسالة ماجستير بعنوان: خدمات ما بعد البيع: دراسة فقهية) لـ بدر الجدوع

جزيت الجنة على تلك المساعدة ,, وأسأل الله العلي العظيم أن لا يحرمك الأجر
 
أعلى