العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تلخيص كتاب نظرية التقريب والتغليب للريسوني

إنضم
18 يناير 2013
المشاركات
12
التخصص
فقه وأصول
المدينة
باتنة
المذهب الفقهي
مالكي
تلخيص كتاب نظرية التقريب والتغليب للريسوني
المقدمـــة

النظرية كمصطلح متداول في الفكر الإسلامي، وإن كان حديث النشأة تأثرا بالفكر الغربي إلا أن هذا المصطلح وَجَدَ في التراث الفكري الإسلامي أرضا خصبة للاستعمال والتطبيق ولاسيما في مجالي الفقه والأصول، فظهرت النظريات الفقهية كنظرية العقد ونظرية الملكية ... وفي الأصول نظرية المقاصد ونظرية الضرورة ...، كما ظهرت نظريات يكاد يسع مجال تطبيقها مختلف فروع العلوم الإسلامية، ومن هذه النظريات نظرية التقريب والتغليب، التي كشف عنها وتناولها بالتفصيل فضيلة الأستاذ د/ محمد الريسوني في كتابه المعنون بـ: نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية[1]، هذه النظرية وإن كانت جديدة من حيث الكشف عنها والتأصيل لها، وضبطها بمعايير وقواعد محددة، إلا أنها – كما يقول المؤلف – من حيث التطبيق الفعلي يظهر تحتها وينبع منها عدد كبير من القواعد والمبادئ الموجِهة للفكر الإسلامي منذ القديم، وفي هذا العرض المتواضع سنحاول تلخيص أهم الجوانب التي تعرض لها الأستاذ المؤلف في هذا الكتاب، منتهجين تقريبا نفس الخطة الموجودة في الكتاب وهي كما يلي:
المدخل: تعرض فيه المؤلف لخلاصة النظرية، مع شرح لبعض المصطلحات ذات الصلة.
الباب الأول: تعرض فيه المؤلف إلى تطبيقات النظرية في بعض مجالات العلوم الإسلامية وهي: علوم الحديث، الفروع الفقهية، أصول الفقه.
الباب الثاني: تناول فيه المؤلف تأصيل النظرية من الناحية الشرعية، مع التنبيه لبعض الإشكالات والاعتراضات، ثم أشار إلى الضوابط العامة للعمل بهذه النظرية.
الباب الثالث: أشار فيه المؤلف إلى بعض التطبيقات الجديدة للنظرية، كتطبيقها في موضوع المصالح والمفاسد، وموضوع حكم الأغلبية.
وسأحاول في هذا العرض الإيجاز الغير مخل قدر الإمكان إظهارًا لمقصود المؤلف، وإبرازًا للأفكار الأساسية للكتاب.
والله أسال أن يكلل هذا الجهد بالتوفيق والسداد



المدخــل
· خلاصة النظرية
نظرية التقريب والتغليب نسق علمي منهجي يقوم على فكرة أساسية وهي أننا حين نفتقد اليقين والكمال نتمسك بما هو قريب من درجة اليقين والكمال مما هو أمثل به وأشبه، وإلا صرنا إلى التغليب وهو الأخذ بما غلب صوابه، وهذه الفكرة تسري في كافة العلوم وفي كافة مجالات الحياة، والذي يعنينا الآن دخولها نطاق العلوم الإسلامية، وإن الباحث في علوم الشريعة يجد معالم هذه النظرية وآثارها في مختلف جوانب هذه العلوم وقضاياها وذلك بشكل إشارات وتنبيهات أو طرائق استدلال أو تطبيقات متنوعة متباعدة، ولكن النظر فيها مجتمعة وربط تطبيقاتها بعضها ببعض والنظر في الأساس العلمي الذي تستند إليه يكشف عن وجود خيط واحد يربطها، يتمثل ذلك كثيرا في شكل قواعد ومبادئ متنوعة ومختلفة[2] يشكل مجموعها نظرية شاملة كاملة كامنة هي نظرية التقريب والتغليب، وتسمية المؤلف حصيلة هذه المبادئ والقواعد نظرية، يرجع للاعتبارات التالية:
1- النسق العلمي الذي يجمع بين هذه القواعد وتطبيقاتها.
2- كون هذه القواعد في مجموعها نظرية يشهد لها الشرع والعقل معا.
3- إمكانية إخضاع النظرية لضوابط منهجية محددة.

· المصطلحات الأساسية في البحث
العلم: معناه الأصلي في الوضع اللغوي العادي هو المعرفة، وهو نقيض الجهل كما نص على ذلك ابن منظور والجرجاني، غير أنه يستعمل بمعنى أدق عند أهل العلوم المختلفة وهو المعرفة القائمة على الدليل والبرهان، وفي هذه الحالة ينبه المؤلف أنه لا يُشترط هنا العلم اليقيني الخالي من أغلاط في نتائجه أو مقرراته، فلا تنافي بين العلم وبين تطرق الغلط والاحتمال في المعنى الثاني، فالعلم يمكن أن يكون يقينيا ويمكن ألا يكون، ومع ذلك فهو علم، لأنه قائم على الاستدلال.
اليقين: وهو نقيض الشك، وهو كما عند الغزالي – في المستصفى – أن تتيقن الأمر وتتيقن صحة يقينك، وتتيقن استحالة خطئه، وهو المعنى الذي استعمله القرآن قال تعالى: { وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } (البقرة4)، واليقين أعلى درجات العلم.
الظن: قال الجرجاني – في التعريفات – " الظن هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض " وعلى مثل هذا التعريف استقر المعنى الاصطلاحي للظن، على الرغم من المعاني المتعددة له في كلام العرب؛ وفي القرآن الكريم، إلا أنه لا يعبر – أي الظن – عن درجة واحدة من الرجحان والغلبة، وإنما هو درجات متفاوتة أجمعها بعض العلماء في مرتبتين هما: الظن، وغالب الظن.
الشك: للشك معنى واسع في اللغة، إذ هو في الأصل خلاف اليقين وضده، وهو معنى يرد كثيرا في القرآن مثل قوله تعالى: { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } (يونس94)، وهو المعنى المقصود في كثير من كلام الفقهاء في مسائلهم مثل: الشك في الطهارة والصلاة... أما المعنى الاصطلاحي فهو مضبوط ومحدد، وهو يعني التردد بين احتمالين متساويين ( أو أكثر ) دون التمكن من الترجيح بينهما، وهذا التساوي ليس تساويا حقيقيا، وإنما هو تساوي في نظر الناظر فقط.
الترجيح: من الرجحان؛ وأصله في اللغة الثقل والميل، ومنه رجحان كفة الميزان. وهو عند الأصوليين قرين التعارض، أي تعارض الأدلة الشرعية المعتبرة، فالترجيح كما عرفة الشيرازي – في شرح اللمع – " بيان قوة أحد الدليلين على الآخر" والغرض العمل بالراجح.
التقريب والتغليب:
التقريب: مقاربة التمام والمنتهى دون الوصول إليه، كمقاربة اليقين في الاعتقادات والأحكام، وهو يتعلق بأصل المعتقد أو الحكم، أو كإدراك أمرٍِ ما، وتصوره، قريبا من صورته الحقيقية، أو التقريب العملي؛ وهو الإتيان بالعمل بشكل قريب جدا من الشكل المطلوب والمنشود.
التغليب: وهو الأخذ بأحد أمرين، أو بأحد أمور، وتقديمه على غيره في الاعتبار، لمزية تقتضي هذا التغليب.
وبصفة عامة، مصطلحا التقريب والتغليب أوسع وأشمل للمعاني من مصطلحات: الظن والترجيح، فمن حيث اللفظ فالتقريب يعني القرب من التمام، والتغليب يعني الغلبة، وهما أقرب إلى الفهم من لفظ " الظن " الذي كثيرا ما يحدث التباسا وتشويشا عند كثير من الناس. ولذلك اختارهما المؤلف لصياغة هذه النظرية موضوع الدراسة، إلى جانب أسباب أخرى، مثل الجانب الفني المتمثل في: التجانس اللفظي، والتطابق الوزني، وأيضا التماسا للتجديد، للتنبيه على التجديد أيضا في المسمى والمضمون.

الباب الأول: تطبيقات النظرية في بعض مجالات العلوم الإسلامية
أولا: التقريب والتغليب في مجال علوم الحديث
1- في التعديل والتجريح: وفيه يظهر التقريب والتغليب جليا، فقبول الروايات وردّها، مبنيٌ على النظر فيما غلب على أحوال الرواة من الحفظ والضبط أو موافقة آراءهم ومروياتهم لروايات الثقات، فمستوى مقاربة الكمال حفظا وضبطا واستقامة قليل، والناس كإبل مائة تكاد تجد فيا راحلة، وسائر الرواة تختلط أحوالهم على تفاوت في ذلك، فيما بينهم، وفي أنفسهم من وقت لآخر، ولذلك ليس لأئمة الجرح والتعديل سوى العمل بالتغليب، فمن غلبت عليه صفات العدالة فهو عدل، ومن غلبت عليه صفات الضبط فهو ضابط، ومن غلبت عليه صفات القصور والتقصير وكثر عنده الخلل والزلل فهو المجرح المتروك، ونفس الشأن في رواية المستور فكان النظر إلى غلبة صلاح عصرهم وزمانهم، فصرحوا بقبول المستورين في الصدر الأول، لأن العدالة هناك غالبة.
2- في التصحيح والتضعيف: تصحيح الحديث وتضعيفه ما هي إلا أحكام يطلقها العلماء بناء على قواعد وضوابط هي في جملتها أحكام تغليب وتقريب كما قال الحافظ بن حجر( إصابة الظن بخبر الصدوق غالبة ووقوع الخطأ فيه نادر، فلا تترك المصلحة الغالبة خشية المفسدة النادرة...)، فدرجة صحة الحديث تتبع مرتبة الرواة في العدالة ومنـزلتهم في العلم والحفظ والضبط، وكذلك تتعلق درجة الحديث بعدد الرواة فإذا بلغوا حدا من الكثرة وقع اليقين بخبرهم، وقد رتب العلماء درجات الحديث بشكل روعيت فيه اعتبارات مختلفة ولكنها جميعا تقوم على مبدأ التغليب في النظر إلى أحوال الروايات والرواة، وهكذا يتجلى قانون التقريب والتغريب في أتم صورة وأدقها، وكأنك إزاء تدقيقات المحدثين أمام ميزان يزيد وينقص، يغلب ويضعف، يقترب ويبتعد، وكأنه التزامٌ بالمبدأ القرآني { وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} (الرحمن9 )
3- مسألة خبر الواحد: وماذا يفيد؟ هل يفيد اليقين التام بمضمونه؟ أم يفيد درجة قريبة من اليقين، أم يفيد مجرد الظن الغالب؟ وهي قضية كثر التصنيف فيها وطال الكلام فيها، وقد استعرض المؤلف جملة من الأقوال والردود وخلص إلى تحرير المسألة بشكل واضح فقولهم: خبر الواحد يفيد العلم لابد فيه من معرفة المقصود بالعلم، ولذلك خلص إلى أن خبر الواحد قد يفيد اليقين التام بمواصفات خاصة في المتن والسند وخاصة إذا أيدته بعض القرائن الخارجية، إلا أن الكثير من أخبار الآحاد يفيد العلم والقطع على وجه التقريب والتغليب، وإن أكثر ما صححه العلماء إن لم يكن مفيداً لليقين فهو مفيد للتغليب القوي ومفيد لدرجة التقريب، التي لا تختلف كثيرا عن درجة اليقين التام.

ثانيا: التقريب والتغليب في المجال الفقهي
1- التقريب في الفقه: لارتباط الفقه بالحياة العمليةً، فهو يحتاج إلى مرونة، لذلك كانت أكثر الأحكام مبنية على غلبة الظن والترجيح؛ فعندما يتعذر على الفقيه أن يجد لمسألته دليلاً مباشراً صريحاً أو أن المسألة يتجاذبها أكثر من دليل فانه لا يلجأ إلى إصدار الأحكام القاطعة وإنما يصوغ اجتهاده صياغة تقريبية كقوله هذا أقرب إلى الصواب أو الأشبه بالحق، والقضاة أكثر حاجة إلى التقريب لما يعرض عليهم من غريب النوازل، وليس الأمر متعلق بالأحكام فقط، كذلك يتجلى استعمال الفقهاء للتقريب في الأوصاف حين يتعذر توفر الأوصاف المطلوبة لمنصب الخليفة أو القاضي أو المفتي أو الشهود، فليس هناك أحد يقوم بتعطيل هذه الوظائف والولايات حتى يتوافر الجامعون للشروط والأوصاف بل يعمد الفقهاء إلى التقريب فيطلبون الأقرب فالأقرب من أصحاب هذه الأوصاف، وهذا المعنى هو الذي يعبرون عنه بقولهم "ما قارب الشيء يُعطى حكمه"، وأيضا استعمل الفقهاء التقريب في المقادير وقرروا أن التشديد والتدقيق في بعض الحالات هو تنطع وتكلف فأجازوا المقادير الضئيلة مما أصله حرام إذا كان في التنـزه عنه حرج، وقرروا أن المتعين في استقبال القبلة هو جهة الكعبة على وجه التقريب قدر الإمكان.
2- التغليب في الفقه: وهو مما يكثر استعماله عند الفقهاء ومن أهم صوره:
ü التغليب في المقادير والأحوال؛ فحينما تختلط الأمور وتتداخل الأشكال والنسب و المقادير، فأن الحكم للغالب من الأوصاف والأحوال وأن العبرة للغالب الشائع لا للنادر، فمن قواعد الفقه "العبرة للغالب الشائع لا للنادر"[3] وحتى مسائل النية اعتبر فيها الفقهاء ما غلب من الباعث والقصد، واعتُبر الغالب أيضا في وصف الحلال والحرام، فعندما يعسر معرفة الحلال الخالص من الحرام الخالص فالعبرة بالغالب يؤكد هذا ما نقله ابن القيم عن بعض العلماء " إذا كان أكثر مال الرجل حراما، فلا يعجبني أن يؤكل ماله".
ü العمل بالظنون الغالبة؛ ويتخذ أشكالا عديدة، يحكمها أساس واحد وهو أن الظن الغالب معتبر في تقرير الأحكام وتغييرها، وفي تصحيح التصرفات وإبطالها، وأورد المؤلف مجموعة من الأمثلة تؤيد رأيه، مستشهدا بأقوال فقهاء السلف في العمل بغلبة الظن، والعمل بالظنون القوية، كالعز بن عبد السلام وابن القيم، إضافة إلى ما قرره الفقهاء وخاصة المالكية منهم باعتبار الغالب كالمحقق، فالظن الغالب هو عمل بالتغليب، وإذا حصل فهو ضابط وفيصل في كثير من الأمور، وهو مما يعتمد عليه القاضي والمفتي، ويرجع إليه المكلف نفسه.
ü التغليب في مجال القواعد الفقهية؛ ويتمثل في أمرين: ظنية الإثبات، والأغلبية في التطبيق، فكونها ظنية لأنها مبنية على الاستقراء الناقص، أما كونها أغلبية بمعنى أنها تنطبق على غالب ما يشمله لفظها وصيغتها، فما من قاعدة إلا ونجد لها استثناءات، حتى تلك القواعد الأساسية مثل القواعد الخمس المشهورة، فقاعدة " الأمور بمقاصدها " على جلالتها وسعة تأثيرها، إلا أنها قاعدة أغلبية ترد عليها بعض الاستثناءات كإعمال اللفظ دون القصد في ألفاظ الطلاق والنكاح الصريحة.

ثالثا: التقريب والتغليب في المجال الأصولي
ماعدا الكليات التشريعية والقواعد الأصولية الكبرى، فإننا نجد في المباحث الأصولية التفصيلية والتطبيقية مجالاً واسعاً للتقريب والتغليب، ومن هذه المجالات اختار المؤلف:
1- التقريب والتغليب في الدلالات: ففي مجال دلالات النصوص وفيما وراء النص ( الذي يحتمل معنى واحداً ) فالدلالات ظنية وهي مبنية على التقريب والتغليب ورجحان بعض الدلالات على بعض بقرائن الإشارات والشواهد والأحوال وتتبع استعمالات العرب واستقراء المعاني، فالتقريب هو حمل الكلام على أقرب المعاني وأنسبها عندما يتعذر فهم الكلام على ظاهره وحقيقته، ومن أوجه التغليب في تفسير النصوص، تتبع الاستعمالات، واستقراء النصوص، ثم تحديد الغالب.
2- التقريب والتغليب في القياس: ويعتبر المؤلف القياس من أكثر المجالات وضوحا في العمل بالتقريب والتغليب، حتى كأنه لا يجد نفسه بحاجة إلى إثبات ذلك وإقامة الدليل عليه، فالأصوليون استعملوا التقريب والتغليب في القياس وخاصة في إثبات العلة ومسالك إثبات العلل وإثبات وجود العلة في الفروع بطرق غلبة الظن والمناسبة والشبه، ومما يبين ذلك أكثر ما قرره الإمام الغزالي من تحديد لمواطن الاحتمال في القياس، وحينما يتطرق الاحتمال، لا يبقى أمامنا إلا التقريب والتغليب.
3- التقريب والتغليب في الترجيحات: يخلص المؤلف في هذا المبحث إلى التأكيد بأن العمل بالترجيح هو عين العمل بالتقريب والتغليب، وإن كان الترجيح في معظمه تغليب، ومن استعمالات التقريب والتغليب في الترجيح البحث في مزايا الأوجه المتعارضة والحكم لمن غلبت مزايا دلالته أو تحقيقه للشروط وذلك بغلبة الظن، فجوهر العمل بالترجيح هو تقريب وتغليب ونظر في أوجه الترجيح والحكم لمن غلب منها.


الباب الثاني: تأصيل النظرية
أولا: أدلة النظرية
1. الكتاب والسنة: تدلّ النصوص على وجوب العمل بما غلب على المكلف فهمه ومعرفته وبما رجح عنده أنه الأحسن والأقرب للتقوى والرشد والإصلاح، ومن ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (البقرة182)، قال القرطبي: " في هذه الآية دليل على الحكم بالظن، لأنه إذا ظن قصد الفساد، وجب السعي في الإصلاح"، ومن السنة ما يدل على معنى التقريب والتسديد والأخذ بظاهر الأمر وما غلب على الظن أنه يستوفي المطلوب، ومن ذلك ما أخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي eقال: " سدِدُوا وقاربُوا وأبشروا " قال القسطلاني في معنى ( قاربوا) : "أي إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه".
2. بناء الأحكام على المظنات الغالبة: كثيرا من الأحكام الشرعية قد بُنيت على المظنات الغالبة، التي كان القصد منها البناء على الأمور المقاربة لها في الغالب، كأن يوجب التكليف عند البلوغ وإن كان مناط التكليف هو العقل، للمظنة الغالبة بأن النضج العقلي يكون رديف البلوغ.
3. الإجماع: الإجماع على العمل بالغالب، يتمثل في إجماعات عديدة، كالإجماع على العمل بخبر الواحد، والإجماع المنعقد على العمل بالترجيح والإجماع على صحة العمل بالظن.
4. الضرورة والبداهة: العمل بالغالب أمر تفرضه الضرورة في كثير من الأحيان، كما تشهد له البداهة العقلية، لأنه إذ تعذر الوصول إلى اليقين الذي ترتفع معه الاحتمالات كلها، وجب العمل بالظن الغالب المشروع، وإلا سيفضي ذلك إلى قدر كبير من التعطل، ومقتضى الشرع والعقل تحصيل المصالح الكثيرة الغالبة وإن لزم من ذلك مفاسد قليلة نادرة، وهو ما لا يتحقق إلا بالتقريب والتغليب.
v وفي هذا الفصل أورد المؤلف بعض الإشكالات التي تحوم حول هذا الموضوع، والمتمثلة في الخلاف الموجود في بعض الجوانب الأصولية – وهو في الغالب خلاف لا يعتد به – كإنكار البعض العمل بخبر الواحد، أو إنكار حجية القياس، وإنكار الرأي والظن عموما، مبينا هشاشة هذه الأراء وسفاهتها، وعدم وقوفها أمام الأدلة النقلية والعقلية المثبتة لهذه القواعد والمبادئ، منتهيا إلى تأكيد مسألتين: الأولى تتمثل في تصويب المجتهدين الذين هم أهل للاجتهاد، والثانية أن مسألة ظنية ونسبية بعض أحكام الدين وإن كان مجالها الفروع لا الأصول، فإنها تعود إلى التفاوت الحاصل في أفهام الناظرين في الدليل، لا إلى ذات الدليل، وهذا ما يؤكده كلام الشاطبي عندما يقول بأن التشابه الواقع في الدين، يعود إلى الناظرين في الأدلة لا إلى الأدلة نفسها، وهو ما سماه ( التشابه الإضافي).

ثانيا: ضوابط العمل بالتقريب والتغليب
1- أن تكون المسألة مما يجوز فيه التقريب والتغليب: فتكون مما يندرج في الظنيات، وهي عادة الفروع والجزئيات، والتي لا تنضبط بعد ولا حصر، ولأن الأشياء تتميز بضدها، فإن المسائل الشرعية التي لا يجوز فيها إلا القطع هي ثلاثة أمور، أصول العقائد والقران الكريم وأصول الشريعة ومقاصدها العامة، فهذه أصول ومنابع لابد أن تكون قوية متينة وقطعية مسلمة، وما دونها من الفروع وصورها التطبيقية يجوز التقريب فيها ، كالتقريب في فهم آيات الله سبحانه وصفاته وأفعاله، وكل ما كان محل خلاف معتبر فإن النظر والاجتهاد مستساغ فيه، وبالتالي يجوز فيه الظن والتقريب، وليس هذا الظن والتقريب غلطا وتجاوزا، بل الغلط والتجاوز ادعاء القطع ولا قطع، وأكبر من هذا اعتبار المخالف لهذا القطع المزعوم ضالاً وآثما.
2- أن يتعذر أو يتعسر اليقين والضبط التام: فمتى وجد العلماء دليلا قطعيا لم يبق لهم مجال للاجتهاد والظن، وحينما يتيسر اليقين والكمال والقطع فلا يجوز الظن حينئذ وبالتالي لا مجال للتقريب والتغليب، فان الأصل لا يُلغى ويبقى مطلوباً على قدر الاستطاعة سواء ذلك في المقادير أو الشروط والأوصاف والشهادات، يقول السرخسي: (... ولاشك في تأثيم من يدع العمل بالدليل ويعمل بالظن)
3- الاستناد إلى دليل معتبر وإلى سند صحيح: فليس الظن بنفسه هو مصدر الحكم وإنما وجود الدليل المعتبر الذي يعضد ويؤكد هذا الظن، ولذلك استقر عند الأصوليين – عند الحنفية وغيرهم – أن الاستحسان لا يكون إلا عن دليل، كما أن الأحكام المبنية على الشبهات والأمارات الواهية كالمصادفات والتخمينات لا عبرة لها وهي مردودة، ومما يدخل في هذا الضابط الترجيح ببعض المرجحات الضعيفة كالترجيح بين الأحاديث من جهة أسانيدها[4]، فالأصل والقاعدة أن لا ترجيح إلا بمرجح قوي، ولا تغليب إلا بأمارة صحيحة، ولا ظن إلا بدليل معتبر.
4- أن يكون الدليل مكافأ للمسألة: لأن قضايا الدين وأحكامه متفاوتة، بعضها أثقل من بعض، وبعضها أخطر شأنا من بعض، فكلما كان الأمر أشد خطراً وأهمية لزم أن يكون الدليل مناسبا في القوة والصحة والرجحان، فالكلام في الكبائر غير الكلام في الصغائر والكلام عن الواجبات يختلف عن المندوبات وفضائل الآداب، واستقراء أدلة الشرع، وتعامل العلماء مع الأداة الشرعية، يكشفان أن التشدد أو التساهل في مدى قوة الظن للترجيح والتقريب يكون تبعاً لنوع المسألة وخطورتها، وهذا لا يعني الاستخفاف بشيء من الدين، وإنما القصد تمحيص الأحكام والأدلة، وامتحانها ولا سيما إذا وجد الدليل في طريقه منازعة.
5- ألا يعارض التقريب والتغليب ما هو أقوى منه: يرجع هذا الضابط إلى أساس واحد، هو بطلان الأضعف بالأقوى، سواء كان هذا الأقوى يقينا أو ظنا قويا، ولا خلاف في هذا الأساس من الناحية النظرية، وإنما التجاوز عند التطبيق بسبب من الأسباب كالاختلاف في تقدير الأقوى والأضعف، لأنه متى حصل العلم واليقين بطل الظن والتخمين، فمثلا قضية أقصى مدة الحمل والتي تنازعتها أقوال عديدة، فإن ما قُدِم من دراسات وتقارير من أهل الاختصاص، يؤكد بما يقرب من اليقين أن المدة لا تصل إلى ذلك الحد الذي يقول به بعض العلماء المتقدمين، وقريب من ذلك مسألة ترآئي الهلال بين الرؤية المجردة والحساب الفلكي، فيرى الشيخ يوسف القرضاوي باعتبار الحساب الفلكي على الأقل في النفي لما يتميز به الحساب من القطع، ومما يندرج تحت هذا الضابط قاعدة: " لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح "[5].
6- اليسير المعفو عنه: والقاعدة " ما قارب الشيء أُعطيَ حكمه " وهو ضرب من التيسير تتسم به الشريعة، غير أنه يجب أن لا يتسع حد التقريب كثيراً، وإن كان حد القرب ودرجته المقبولة، ومقدار النقص المغتفر كل ذلك لم يرد فيه ضابط للتعيين والتحديد، والقاعدة "مالا يحدّ ضابطه لا يجوز تعطيله ويجب تقريبه" ولذلك اختلفت الأفهام وتعددت الأراء، حول اليسير المغتفر وحدوده، مع كثرة الأمثلة والمسائل، مما يجعل تحديده بقدر معين أو بضابط مطرد أمر غير ممكن، ولكن هذا لا يمنع من إيجاد معايير وقيود نسبية يجب مراعاتها والالتزام بها أو ببعضها، منها: تضييق اليسير ما أمكن ما لم يكن فيه ظلم أو ضرر، مراعاة مقاصد الأحكام ومآلات الأفعال، وفيما يخص المعاملات تراعى أعراف الناس، فيما يؤدى إلى الخصومة أو ما يغلب التسامح فيه.





الباب الثالث: تطبيقات جديدة لنظرية التغليب والتقريب
المثال الأول: مجال المصالح والمفاسد
أولا: التقريب والتغليب في تمييز المصالح والمفاسد وتصنيفها
1. اعتبار المصالح والمفاسد أساسه التغليب: يرى جمهور العلماء أن المعتبر في المصالح والمفاسد هو التغليب، فيقول الإمام القرافي: "استقراء الشريعة يقتضي أن ما من مصلحة إلا وفيها مفسدة، ولو قَلََّت على البعد. ولا مفسدة إلا وفيها مصلحة، وإن قَلََّت على البعد..."، بل الدنيا مبنية على الامتزاج والاختلاط بين المفاسد والمصالح – كما يرى الشاطبي– فلا مجال لتمييز المصالح والمفاسد إلا بالتغليب والتقريب، فما غلب في محل كان الحكم له، وقد قرّر العلماء أن المصالح المحضة والمفاسد المحضة عزيزة الوجود، وعمليا ليس أمامنا لتمييز المصالح والمفاسد وتقديرها إلا التقريب والتغليب.
2. ترتيب المصالح أساسه التقريب والتغليب: فالمصالح حسب أهميتها ومنزلتها في الشرع وفي حياة الناس، مراتب ثلاث ضرورية وحاجية وتحسينية، لكل مرتبة مكملات، لكن من الصعوبة بمكان إيجاد حد فاصل ونهائي بين كل مرتبة وأخرى، إلا باعتماد التقريب والتغليب، ولا سيما أن الحاجة ماسة إلى هذا الترتيب والحدود الفاصلة بين مرتبة وأخرى، فمثلا كون "الضرورات تبيح المحظورات" هذا يحتاج إلى معرفة ما يدخل وما لا يدخل في الضرورات، فتباح عنده المحظورات.
3. التغليب بين المصالح والمفاسد المتعارضة: وتكمن الضرورة أكثر في الأخذ بمبدأ التغليب، بين المفاسد والمصالح المتعارضة، فمتى أُهدِرت المصالح الغالبة الراجحة بدعوى أنها غير منصوص عليها، كان ذلك سببا في الفصام المتوهم بين النص والمصلحة، فمن المبادئ الأساسية للشريعة التي يجب أن لا تغيب عن الأذهان، ما أثبته العلماء من أن الشريعة جاءت لرعاية وحفظ المصالح، وجاءت أيضا بترتيبات وأولويات المصالح، وهنا تبرز أهمية الأخذ بالتغليب بين المصالح والمفاسد المتعارضة وعدم الاعتماد على المنصوص من المفاسد والمصالح وحدها واعتبار المنصوص علامة ودليلاً على أنواع المفاسد والمصالح ومراتبها وليس حصراً في ذوات الأمور المذكورة، لكننا نحتاج مع هذا إلى عناء كبير وجهد واسع، لإدراك أي النفعين أنفع، وأي الضررين أضر، وإلى أي مدى يتساوى الضرر والنفع أم يتفاوتان، وعليه لا مفر في كثير من الحالات إلى الأخذ بالتقريب والتغليب.


ثانيا: معايير التغليب بين المصالح والمفاسد
1. النص الشرعي: انطلاقا من مبدأ مصلحية الشريعة يرى المؤلف، أن النص الشرعي والحكم الشرعي لابد أن ينطويان على جلب مصلحة أو درء مفسدة، لوجود تلازم بين الأحكام الشرعية والمصالح المرتبطة بها، والنص الشرعي مقصده أن يحقق المصالح ويدفع المفاسد، ولأجل ذلك أصبح النص معيارا لمعرفة المصالح ومراتبها ومعيارا للتغليب والترجيح بين المصالح المفاسد المتعارضة، على حسب الأهمية والعناية التي أولاها النص الشرعي لكل مصلحة أو مفسدة، وإذا كانت هناك معايير أخرى للترتيب والتغليب، أيضاً معتمدة على النصوص ومسترشدة بها.
2. رتبة المصلحة: ويقصد بها درجتها في سلم المصالح والمفاسد، وفق التقسيم الثلاثي المشهور: الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وإلحاق المصالح والمفاسد بإحدى الرتب وإن كان على سبيل التغليب كما ذُكر سابقا، فإنه يفيدنا كمعيار للترجيح بين المصالح والمفاسد المتعارضة، فيقدم عند التعارض ما كان أعلا رتبة سواء ما كان في جلب المصالح أو درء المفاسد، فما يُحفظ به الضروري يقدم على ما يُحفظ به الحاجي، الذي ليس سوى مكمل للضروري، القاعدة أن: " كل تكملة، فلها - من حيث هي تكملة – شرط، وهو أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال..."
3. نوع المصلحة: ويقصد بذلك انتماء المصلحة إلى أحد الضروريات: الدين والنفس والنسل والعقل والمال، فعند التكافىء المرتبي تأتي المفاضلة حسب نوع المصلحة، وهذا بناء على اعتبار الضروريات متفاضلة فيما بينها، فيقدم ما كان مصلحة للدين ثم النفس ثم النسل ثم العقل والمال عند تعارض مصلحتين ضروريتين أو حاجيتين أو تحسينيتين، وأثناء التمثيل لهذا العنصر توقف المؤلف عند بعض الإشكالات مثل: اختلاف العلماء في الزنى اضطرارا أو إكراها، هل يجوز أو لايجوز؟ لأن معيار المفاضلة حسب نوع المصلحة ينخرم في هذه المسألة عند القائلين بعدم الجواز، كالإمامين الجويني والغزالي ومن المعاصرين مصطفى الزرقا والزحيلي، فهم يرون أن الزنى لا يجوز حتى ولو كان ذلك مقابل حفظ النفس، لكن المؤلف مال إلى الرأي الثاني القائل بالجواز، مدعما رأيه بالشواهد والأدلة من فعل الصحابة وأقوال العلماء كالإمام القرطبي والشاطبي ومن المعاصرين ابن عاشور، ولأن حفظ النفس مقدم على حفظ النسل والعرض، ومن هذه الإشكالات أيضا ما لو أكره أحد على قتل غيره، أو إلحاق ضرر به، فحكى القرطبي الإجماع على عدم جواز ذلك أبدا، وهذا الأمر وإن كان خلاف المعيار الذي نحن فيه، فذلك بسب اعتبار آخر له وزنه الثقيل، وهو منع الظلم والعدوان مطلقا.

4. مقدار المصلحة: ويأتي بعد النظر في المعايير السابقة، ويقصد به التغليب بالمقدار أو التغليب الكمي، وهو عمل موازنة بين المصالح والمفاسد، فلا يُعقلُ تفويت الخير الكثير لوجود بعض الضرر، كما أن الجزء مهمل أمام الكل، فالمصلحة كلما كان مقدارها أكبر كانت أولى بالجلب، والمفسدة كلما كان مقدارها أكبر كانت أولى بالدفع، فإذا تعادلتا فدفع المفسدة أولى، وهكذا يستقيم المعيار الذي نحن فيه مع القاعدة المشهورة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، لأن المصلحة أيضا تراعى لغلبتها على المفسدة.
5. الامتداد الزمني: وهو معيار زمني، فيُنظر إلى المصلحة - أو المفسدة - باعتبار آثارها المستقبلية المتوقعة، ومن خلال ذلك يتم الحكم عليها، فإذا تعارضت مصلحتين أحدهما لها امتداد زمني وأثر بعيد فيتحتم عند الموازنة تقديمها على المصلحة القريبة المحدودة بالزمن والتأثير، وخير مثال على ذلك صلح الحديبية وما تحقق فيه من خير للإسلام والمسلمين، فالمصلحة - أو المفسدة - تعظمُ بما يتولد عنها من آثار، ومن ذلك السنّة الحسنة والسنّة السيئة.

v وبعد النظر إلى المصلحة وتغليبها بأحد المعايير السابقة أو أكثر عند الاختلاط والتعارض، بحث المؤلف في مدى تساوي المصالح والمفاسد، وهل تتساوى فعلا مصلحتان، أو مفسدتان، أو مصلحة ومفسدة من جميع الوجوه، وبجميع المعايير؟ وبعد عرض أراء القائلين بإمكانية وقوع التساوي[6]، ثم أراء القائلين باستحالة وقوع التساوي الحقيقي[7]، رجح المؤلف الرأي الأول قائلا: "والذي أراه صحيحا ولا يسعنا إنكاره، هو أن التساوي بين المصالح والمفاسد ممكن وواقع"، فإذا فرض التساوي بين المصالح أو المفاسد من كل وجه يحكم المجتهد، أو المكلف نفسه، بالتخيير، فإذا تعذر العمل بالتخيير لأي سبب من الأسباب، فيرى العلماء اللجوء إلى القرعة، فيقول ابن عبد السلام: "وإنما شرعت القرعة عند تساوي الحقوق، دفعا للضغائن والأحقاد، وللرضا بما جرت به الأقدار، وقضاء الملك الجبار".



ثالثا: التغليب في فتح الذرائع وسدها
الذرائع وسائل تفضي غالبا إلى غايات ومقاصد، والوسائل في الغالب تأخذ حكم الغاية، والذريعة تسد أو تفتح بناء على درجة الاحتمال ونسبة الإفضاء إلى ما تفضي إليه، وهو عين التغليب، غير أن الحاجة إلى العمل بالتغليب تظهر أكثر ما تظهر في سد الذرائع لا في فتحها، فيقول القاضي عبد الوهاب في تعريف الذريعة: " الذرائع هي الأمر الذي ظاهره الجواز، إذا قويت التهمة في التطرق به إلى الممنوع "، غير أن هذا السلوك ينبغي أن لا ينبني على مجرد الهواجس والأوهام، بل يجب أن ينبني على توقعات راجحة قوية، ولذلك تتفاوت درجات إفضاء الوسيلة المشروعة إلى المفسدة، والعلماء حين ينظرون في حكم الذرائع، ينظرون إليها من خلال هذه الدرجات، فإذا كانت درجة الإفضاء قطعية فالذريعة هنا تأخذ حكم المفسدة في التحريم، وكذلك إذا كان الإفضاء قويا جدا، لأن الحكم للغالب، والنادر لا حكم له ولا عبرة به، أما الإفضاء القليل فلا يحرم، لأنه لا يجوز تعطيل المصالح الغالبة خشية وقوع المفاسد النادرة، وهذا هو مقتضى التغليب الجاري في الشريعة على نطاق واسع، أما الإفضاء الغالب، فالحكم فيه يتجاذبه تعارض الأصل والغالب، فمن تمسك بالأصل، توسع في الإباحة كالشافعية وأشد منهم الظاهرية، ومن تمسك بالغالب فهم يقولون بسد هذا النوع من الذرائع كالمالكية، ويليهم الحنابلة ثم الحنفية.
فإذا كانت الوسائل المشروعة في الأصل، تصبح محرمة أو ممنوعة عندما تفضي بشكل محقق أو غالب إلى المفسدة، فهل الوسائل المحرمة في الأصل، تصبح جائزة مأذونة بالنظر إلى الغاية المطلوبة من ورائها؟
تعرض المؤلف إلى بعض الأمثلة؛ كأن يتعذر على صاحب الحق المتعين المعلوم الحصول عليه إلا بدفع رشوة، وأراء العلماء في ذلك، بين من أجاز ذلك للدافع لا للآخذ، وبين من تمسك بأصل الحرمة كالإمام الشوكاني، وكذلك ما ورد في بعض ما يجوز من الغيبة، من اغتياب أهل الفساد، وأثناء التظلم والشكوى، أو النصيحة...، وبهذا الاعتبار فإن بعض الوسائل غير المشروعة يمكن أن تباح بالنظر إلى غاياتها، كبعض وجوه الكذب المباح أو الغيبة المباحة وفداء الأسرى بالمال ودفع الظلم والعدوان، ولكن في حدود ضوابط وشروط.


المثال الثاني: حكم الأغلبية
يقصد بحكم الأغلبية عند المؤلف أحد المعنيين:
· الحكم الشرعي للأغلبية من الناس، والأغلبية لفئة من فئاتهم كالعلماء، هل لهذه الأغلبية اعتبار زائد من حيث هي أغلبية؟
· هل الحكم الذي يصدر عن الأغلبية، أو تذهب إليه الأغلبية، هو الصواب كونه قول الأغلبية؟ أو هل يعتبر راجحا على ما خالفه؟ وهل يعتبر ملزما؟
والمؤلف في هذا المبحث، يُعالج الموضوع معالجة علمية أصولية.
أولا: الأغلبية في سياق الأدلة الشرعية:
مسألة الأغلبية من المسائل الاجتهادية، وليست من المسائل المنصوصة، ولذلك اختلف فيها العلماء، ويرى المؤلف بمسألة الاعتداد بالأغلبية في مواضعها وبشروطها، مستدلا بالتالي:
1. القرآن الكريم: ما يمكن اعتباره نصا في المسألة هو قوله تعالى: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } (الشورى38)، وهذا يتطلب مما يتطلبه، التسليم بما يجمع عليه أهل الشورى أو أكثريتهم، ومما يسترشد به في هذا الموضوع ما جاء في قصة ملكة سبأ، حيث حكى عنها القرآن قولها: { مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ } (النمل32)، فقولها والتزامها بأن لا تقطع في أمر من أمور الدولة، إلا بعد أن يشهده ملأها ويوافقوا عليه، يعتبر مثالا يحتذى.
2. السيرة النبوية: كان الرسول e حريصا ألا يمضي أمرا من أمور المسلمين، إلا بعد مشورة الصحابة وموافقتهم ومن ذلك؛ مشورته الصحابة المهاجرين والأنصار للقتال في غزوة بدر، بعدما تجهزت قريش للقتال، ولم يكن المسلمين حينئذ خرجوا إلا لاعتراض قافلة تجارية والاستيلاء عليها. وأيضا في غزوة أحد لما عرض عليهم النبي e رأيه، وهو أن يكون القتال داخل حصون المدينة، ولكن جمهور الصحابة فضلوا الخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة، فنزل عند رأيهم.
v فهذه نصوص القرآن الكريم، وتصرفات رسول الله e، تشهد بأن الحكم للأغلبية، إذا كانت في موضعها، وفي نطاق حقها واختصاصها، وإن كان ليس في النصوص المقدمة كلام عن "الأكثرية" و "الأغلبية"، ولكن العبرة بالمضامين والدلالات لا بالألفاظ والعبارات.

ثانيا: اعتراضات وردود:
لما كانت مسألة الأغلبية من المسائل الاجتهادية، فقد ناقش المؤلف الاعتراضات والردود على اعتبار الأغلبية، ومن ذلك: أن الأكثرية مذمومة في القرآن؛ فقالوا: أن الكثرة والأكثرية لا تأتي في القرآن إلا في سياق الذم والقدح، كقوله تعالى: { قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ } (المائدة100)، والحقيقة أن الذي أهدرته الآية هو الخبث لا الكثرة، بل كما قال ابن عرفة المالكي: "هذه الآية تدل على الترجيح بالكثرة في الشهادة.. فقوله { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ } يدل على أن الكثرة لها اعتبار، بحيث إنها ما أسقطت هنا إلا للخبث"، وأما الأكثريات المذمومة في القرآن فهي ذم لأكثرية الخبث، كأكثرية المشركين، وأكثرية المنافقين، وليس في القرآن تفضيل مطلق للقلة على الكثرة، فالكثرة تقوي خبث الخبيث وتقوي طيب الطيب، فمن الغلط الفادح قطع الآيات التي ذمت الكثرة عن سياقها وموضوعها والانتقال بها إلى صفّ المسلمين وجماعة المؤمنين، ثم الانتقال إلى إهدار الكثرة مطلقاً، فالكثرة في الخير أفضل من القلة، ومما ناقش فيه المؤلف خصوم الأغلبية وبين أنه لا متمسك لهم فيما ذهبوا إليه في إهدار الأغلبية، تحليل دقيق لمعطيات مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته وأحواله مع أصحابه و تصرفات الخلفاء الراشدين، فكثيرا ما يخلط أنصار الفردية بين الأمور التي أمضاها النبي e بمقتضى الوحي، وبين الأمور التي عالجها بالرأي والاجتهاد، والتي كان فيها الاعتبار والترجيح لرأي الأغلبية، كما أن تمسك بعض الخلفاء برأيه - كأبي بكر الصديق في مسألة قتال مانعي الزكاة – في الحقيقة ما هو إلا تمسك بالنص، ومعلوم أنه لا اجتهاد ولا شورى، ولا أغلبية، في مورد النص.







ثالثا: الترجيح بالكثرة عند العلماء:
مع أن المجال العلمي، يبدوا من أبعد المجالات عن الخضوع للكثرة، لأن الأصل فيه أن الكلمة للدليل والبرهان، إلا أن العلماء اعتبروا الأكثرية والأغلبية، مرجحا في عدد من المواضع والحالات.
1. في مجال الرواية: يرى المؤلف أن الرواية إذا جاءت من ذوي العدالة والضبط مقبولة لازمة، دون النظر إلى كثرة أو قلة[8]، ولكن هذا بشرط ألا يوجد أي مطعن أو معارضة للمروى ذاته، وإلا استدعى الأمر اللجوء إلى الترجيح، ومن بين المرجحات: الكثرة، لأن الروايات التي تكثر رواتها أرجح وأن الغلط والسهو هو أبعد عن الكثرة وهو إلى الأقل أقرب، كما يرى ذلك الخطيب البغدادي، وتؤكد اعتبار الكثرة في الرواية شواهد من السنة وعمل الصحابة، كما في حديث ذو اليدين عندما أخبر النبي e انه لم يصل إلا ركعتين، فطلب النبي e التأكيد من الصحابة فأكدوا له ذلك.

وهذه الاعتبارات توجد لها نظائر في سائر القضايا التي تحتاج إلى العلم والرأي والخبرة، فاتفاق الكثرة، أكثر سلامة، وأكثر صوابا.

2. في مجال الاجتهادات: نص عدد من العلماء أن القول الذي يكون عليه أكثر العلماء، يكون أصوب وأرجح في الغالب، والترجيح بالكثرة بين الاجتهادات، يطال حتى اختلافات الصحابة، فيقول ابن القيم عن الخلفاء الراشدين: " فإن كان الأربعة في شق، فلا شك أنه الصواب، وإن كان أكثرهم في شق، فالصواب فيه أغلب"، كما أن الأصوليين تناولوا المسألة من وجه آخر، وهي: مدى حجية قول الأكثر، وهل يعتبر إجماعا أم لا؟ فنقل المؤلف بعض ما في المسألة من أقوال، والحاصل في الأمر أن كثيرا ما نجد العلماء يرجحون ويفضلون قولا على آخر، واجتهادا على غيره، لكثرة القائلين به، ولأن جمهور أهل العلم عليه، لأن الأغلب أن يكون الصواب مع الأكثر، حتى أن كثيرا من العلماء يتحرّجون من عرض ما اقتنعوا به كراهة مخالفة الجمهور، مما يُظْهِر جليا الاعتداد بالكثرة عند انتفاء مرجح أقوى منها.



رابعا: العمل بالأغلبية أهميته ومجالاته:
1- أهمية العمل بالأغلبية: إذا كان الإجماع يستمد حجيته وقوته من الكثرة التي لا مخالف لها، فهذا الأساس موجود في مسألة الأغلبية، ولكن بدرجة أقل، فالعمل بمبدأ الأغلبية إنما هو في الحقيقة، فرع عن العمل بمبدأ الإجماع، فإذا كان ما تقرر من أحكام بالإجماع صوابا لا شك فيه، فإن الأغلبية تحقق أكبر قدر ممكن من الصواب والسلامة من الخطأ وأن إهدار قول الأغلبية لقول الفرد هو خطأ أصولي ومنهجي ينبثق عنه مع الأيام ما لا يحصى من الأخطاء، وأن القول برأي الأغلبية يضمن مشاركة الأمة في التفكير في قضاياها وما يصيبها، ويجعل الأمة أكثر انقيادا وأكثر حماسا للعمل والالتزام وتحمل تبعات ومسئوليات القرار، والأهم من هذا أن الأغلبية هي العاصم من الاستبداد والتفرد، مما يعطي الشورى معناها الحقيقي المتمثل في إلزاميتها وإلزامية نتيجتها، وقد نشأ عن عدم الالتزام بالرأي الغالب من المفاسد ما لا يحصيه إلا العليم الخبير.

2- مجالات العمل بالأغلبية: ذكر المؤلف بإيجاز أهم المجالات التي يصلح فيها تحكيم الأغلبية.
ü التشريع الاجتهادي العام؛ وأرقى صوره أن تكون التشريعات صادرة عن هيئة علمية جماعية، ويعطى لقول أغلبية العلماء قوة الإلزام العملي والقضائي، على أن لا يُعتبر ما تقرر حكما نهائيا لا يُراجع و لا يُنقض، حتى لا يمس ذلك بحق المخالف في المخالفة والمعارضة، ولا يُضيق من حرية البحث والنظر.
ü التأمير والتقديم؛ الأمارة واختيار الخليفة، وما يليه من مراتب، هو التأمير، والتقديم هو تولي بعض الأعمال والرئاسات التي لا تدخل عادة في الإمارة، كاختيار الممثلين والنقباء، فالتأمير والتقديم سبيلهما الشورى، ولا معنى للشورى إلا بالإجماع أو بالأغلبية، وليس هناك طريقة معينة منصوص عليها لإجراء الشورى، بل إن الأمر متروك للمسلمين ليختاروا الكيفيات والجزئيات والتي تعتمد على الأغلبية والأكثرية.
ü تدبير المصالح والشؤون المشتركة؛ وهو مما يحتاج فيه الناس إلى التعاون، يكون اللجوء فيه إلى حكم الأغلبية، كلما تعذر التفاهم والتراضي، ويختلف مدى وسعة الأغلبية حسب طبيعة المصلحة وامتدادها، فكلما كان الأمر يسيرا وخاصا بفئة معينة، أو مكان محدود، كلما كانت الأغلبية هي أغلبية عموم المهتمين بالأمر، لكن العمل الجليل العام لا بد أن يشمل عموم الأمة وأغلبية المجالس المختصة، مع التسلح بالعلم والخبرة وعمق النظر وشموليته.


الخاتمــــة

من خلال هذا العرض المتواضع، أود القول بأن الأستاذ المؤلف قد أبدع في صياغة كتابه هذا أيما إبداع، وهو يكشف ويؤسس وبمنهجية علمية دقيقة لنظرية لها جذورها العميقة من حيث التطبيق في الفكر الإسلامي منذ عهوده الأولى، ذلك أن القارئ وهو يتتبع فصول هذا البحث يجد نفسه ينتقل من فكرة إلى أخرى أكثر إقناعا بحقيقة النظرية، وخاصة أن المؤلف أسهب في التمثيل لأفكاره وأرائه، مع تقديم البراهين النقلية والعقلية عليها، مما يجعل التسليم لها سهلا ويسيرا.

وقد حاولت في هذا التلخيص، التركيز على الأفكار الأساسية للكتاب، دون التغلغل في التمثيل أو سرد الحجج والبراهين بشكل مستفيض مثلما هو في الكتاب، لكنني تمسكت بمنهجية المؤلف في عرض الأفكار وتسلسلها، فكان ذلك بإبراز النظرية وكشف معالمها وبيان وجودها في العلوم الشرعية، ثم جاء الكلام عن التأصيل الشرعي للنظرية، وما استدل به المؤلف من أدلة نقلية وعقلية وكان ذلك بشكل موجز، حتى نبين نوع الأدلة التي اعتمدها لإضفاء الطابع الشرعي على النظرية، مع نقل ملخص الرد الذي قدمه الأستاذ في وجه بعض الاعتراضات التي قد تحوم حول النظرية، بعد ذلك جاء الكلام على فصل مهم ألا وهو المعايير والضوابط التي تحتكم إليها هذه النظرية، حتى يكون مجال عملها واضحا يتماشى والقواعد الكلية للشريعة الإسلامية، وهي ست ضوابط محكمة، يرى الأستاذ أنها تتسع للاستدراك والتفصيل والتنقيح، إلا أنها تجعل من النظرية آلة منهجية مكتملة وجاهزة للاستعمال، ولتأكيد ذلك جاء الباب الأخير كتمثيل عملي لبعض تطبيقات نظرية التقريب والتغليب في بعض المسائل الجديدة، تظهر من خلالها مدى أهمية النظرية وقيمتها الأصولية المنهجية.

وفي ختام هذا العرض، أود أنني وفقت في تلخيص الكتاب، تلخيصا منهجيا علميا أبان عن الأفكار الأساسية للكتاب بشكل واضح، وإبراز نظرية التقريب والتغليب بالشكل الذي أراده المؤلف، فإن أصبت فمن الله تعالى وحده فله الحمد من قبل ومن بعد، وإن أخطأت فمن الشيطان ومن نفسي.



[1] - في بداية العرض يوجد ملحقين: * صورة لغلاف الكتاب، * نبذة عن محاور الكتاب والسيرة الذاتية للمؤلف.

[2] - يشير المؤلف إلى بعضها مثل: ( العبرة للغالب الأعم) ( النادر لا حكم له) ( الأكثرون أكثر صوابا وأقل خطا) ...

[3] - القاعدة 41 من قواعد مجلة الأحكام العدلية.

[4] - كأن يكون راوي الخبر يختص بالحكم، وراوي ضده لا يختص به، وهذا مرجح ضعيف كون الراوي إذا كان ثقة مأمونا، وجب قبول خبره، سواء كان مما يختص به أو مما لا يختص به.

[5] - وهي القاعدة رقم 12 من قواعد مجلة الأحكام العدلية.

[6] - نص على ذلك ابن عبد السلام وغيره، ومن المعاصرين ابن عاشور.

[7] -ذهب ابن القيم إلى أن التساوي التام لا وجود له.

[8] - أقول: ومع هذا فإن الكثرة لها اعتبار حتى في الرواية التي جاءت من ذوي العدالة والضبط، فكثرة الرواة تنقل الحديث الصحيح، من كونه خبر آحاد – ظني الثبوت – إلى درجة الأحاديث المتواترة – قطعية الثبوت –.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تلخيص كتاب نظرية التقريب والتغليب للريسوني

بارك الله فيكم أستاذ كريم ونفع بعلمكم

لتحميل الكتاب الأصلي من هنا

وللاطلاع على الملخص بصيغة وورد انظر في المرفقات
 

المرفقات

  • تلخيص كتاب نظري&#.docx
    672.6 KB · المشاهدات: 3
إنضم
18 يناير 2013
المشاركات
12
التخصص
فقه وأصول
المدينة
باتنة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: تلخيص كتاب نظرية التقريب والتغليب للريسوني

بارك الله فيكم أستاذ كريم ونفع بعلمكم

لتحميل الكتاب الأصلي من هنا

وللاطلاع على الملخص بصيغة وورد انظر في المرفقات

السلام عليكم
شكرا على المساعدة, بارك الله في جهود القائمين والمشاركين
 
أعلى