رد: شد الرحل لقبر النبي صلى الله عليه وسلم
د. محمد بن عبد الله، جزاكم الله خيرا في متابعتكم، وردكم البناء.
أولا: قلتَ: ((لم أطلع على أن أبا محمد الجويني خالف في ذلك، أو أن النووي خطأه، فليتك تذكر عباة النووي، ومن أي كتاب نقلته؟)).
وقلتَ أيضا:
((
فلم أطلع على أنه ذكر لفظ (الجمهور) أو (الصحيح)، والذي وقفت به الجزم باستحباب الزيارة في جميع كتبه في باب زيارة قبر النبي صلى الله غليه وسلم، فإن وقفت على غير ذلك فليتك تطلعنا على موطنه من كتبه)).
قال النووي في المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، كتاب الحج، باب فضل المساجد الثلاثة: (جـ9/168) : (وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد الثلاثة وفضيلة شد الرحال اليها لأن معناه عند
جمهور العلماء لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها
وقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا يحرم شد الرحال إلى غيرها وهو غلط وقد سبق بيان هذا الحديث وشرحه قبل هذا بقليل في باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره)
وذكر الخلاف في شرحه لمسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره (ج9/106) (واختلف العلماء في شد الرحال وأعمال المطى إلى غير المساجد الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك فقال الشيخ أبو محمد الجوينى من أصحابنا
هو حرام وهو الذي أشار القاضي عياض إلى اختياره والصحيح عند أصحابنا وهو الذي اختاره امام الحرمين والمحققون أنه لا يحرم ولا يكره قالوا والمراد أن الفضيلة التامة انما هي في شد الرحال إلى هذه الثلاثة خاصة والله أعلم)
ثانيا: لتحرير محل النزاع: لا خلاف بين أهل العلم في استحباب زيارة القبور مطلقا.
سبق أن قلنا في بداية المشاركة:
أخي الكريم، هناك فرق بين:
1- أن يقصد الزائر زيارة المسجد النبوي ثم زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- وأن يقصد السفر وشد الرحل بمجرد زيارة القبر دون المسجد.
فلا خلاف بين العلماء سلفا وخلفا في مشروعية زيارة المسجد النبوي للحديث الصحيح الصريح: {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا , والمسجد الحرام , والمسجد الأقصى} أخرجه البخاري، ومسلم.
وأجمع العلماء على جواز زيارة القبور -أي للرجال- لحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) رواه مسلم.
وكما نقل عن بعض الصحابة: (زيارة القبور فضيلة، والاستعداد لها فريضة).
فلم ينكره أحد من العلماء مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله وسلم -إذا كان القصد والمراد زيارة المسجد النبوي الشريف- وغيره لا شيخ الإسلام ولا أحد قبله أو بعده ممن يعتبر أنه من أهل العلم،
وأنت تتكلم عن مسألة جواز زيارة القبور، واستحبابها:
والذي وقفت به الجزم باستحباب الزيارة في جميع كتبه في باب زيارة قبر النبي صلى الله غليه وسلم
فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
نقلا عن ابن قدامة، وقد أحسنت.
هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً , مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ ...
نقلا عن المرادي، وليس في هذه المسألة خلاف.
ثالثا: محل النزاع هو:
شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم -فضلا عن قبر غيره- هل يجوز أم لا؟؟.
فهل هذا القول –أي تحريم شد الرحل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم- رأي خاص لابن تيمية، أم قاله أحد غيره قبله؟ ، وهل أيد هذا القول أحد بعده من الفقهاء المحققين؟؟.
قلتَ:
وتؤيده عبارة إحياء علوم الدين - (1 / 244) بعد ذكره الخلاف في شد الرحل لزيارة القبور مطلقا: (ثم ليت شعري هل يمنع هذا القائل من شد الرحال إلى قبور الأنبياء عليهم السلام مثل إبراهيم وموسى ويحيى وغيرهم عليهم السلام فالمنع من ذلك في غاية الإحالة)، فإذا كان قبور الأنبياء ليس موطنا للخلاف كما يفهم من عبارته، فمن باب أولى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
قلتُ: ليس هذا بصحيح قطعا، بل هو موطن للخلاف: اختلف العلماء في شد الرحال إلى قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فضلا عن قبر غيره.
قال الشيخ عطية محمد سالم في تتمة أضواء البيان: (ينبغي أن نعلم أولاً أن البحث في هذه المسألة –أي مسألة شد الرحال- له ثلاث حالات:
الأولى: شد الرحال إلى المسجد النبوي للزيارة. وهذا مجمع عليه.
الثانية: زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلام عليه من قريب بدون شد الرحال، وهذا أيضاً مجمع عليه.
الثالثة: شد الرحال للزيارة فقط، وهذه الحالة الثالثة هي محل البحث عندهم ومثار النقاش السابق)، لأنه قال في السابق: (وهنا مسألة طالما أثير النزاع فيها: وهي شد الرحال للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقد أشرت سابقا المراجع التي ذُكر فيها الخلاف.
وأما قول الغزالي رحمه الله كما في إحيائه: (ثم ليت شعري هل يمنع هذا القائل
من شد الرحال إلى قبور الأنبياء عليهم السلام مثل إبراهيم وموسى ويحيى وغيرهم عليهم السلام
فالمنع من ذلك في غاية الإحالة)
والصواب في هذه المسألة خلاف رأي الإمام الغزالي رحمه الله، وهو مذهب شيخ الإسلام بن تيمية، وقد رجح هذا غير واحد من الفقهاء المحققين، منهم:
العلامة ابن باز -رحمه الله- يقول في التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة (فصل في أحكام الزيارة وآدابها): (
أما البعيد عن المدينة فليس له شد الرحل لقصد زيارة القبر ، ولكن يسن له شد الرحل لقصد المسجد الشريف ، فإذا وصله زار القبر الشريف وقبر الصاحبين ، ودخلت الزيارة لقبره عليه السلام وقبر صاحبيه تبعا لزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم وذلك لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى »
ولو كان شد الرحال لقصد قبره عليه الصلاة والسلام أو قبر غيره مشروعا لدل الأمة عليه وأرشدهم إلى فضله ، لأنه أنصح الناس وأعلمهم بالله وأشدهم له خشية . وقد بلغ البلاغ المبين ، ودل أمته على كل خير وحذرهم من كل شر كيف وقد حذر من شد الرحل لغير المساجد الثلاثة وقال : « لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم » .
والقول بشرعية شد الرحال لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم يفضي إلى اتخاذه عيدا ، ووقوع المحذور الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو والإطراء كما قد وقع الكثير من الناس في ذلك بسبب اعتقادهم شرعية شد الرحال لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام .
وفي فتاويه: (وأما شد الرحال لزيارة القبور فلا يجوز ، وإنما يشرع لزيارة المساجد الثلاثة خاصة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى» متفق على صحته.
وإذا زار المسلم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم دخل في ذلك على سبيل التبعية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه وقبور الشهداء وأهل البقيع وزيارة مسجد قباء من دون شد الرحل. فلا يسافر لأجل الزيارة ، ولكن إذا كان في المدينة شرع له زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه ، وزيارة البقيع والشهداء ومسجد قباء .
أما شد الرحال من بعيد لأجل الزيارة فقط فهذا لا يجوز على الصحيح من قولي العلماء ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى » أما إذا شد الرحل إلى المسجد النبوي فإن الزيارة للقبر الشريف والقبور الأخرى تكون تبعا لذلك)
وأفتى بذلك العلامة ابن عثيمين كما في فتاوى الحرم المدني (1 / 131)
حكم شد الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم
السؤال: هل يجوز شد الرحال إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: لماذا تشد الرحال إلى قبر الرسول؟ نسأل.. يقول: ليسلم عليه، نقول: إن الله قد كفاك، أي إنسان يسلم على الرسول في أي مكان فإن تسليمه يبلغه، لماذا تشد الرحال؟ تكلف الناقة وتكلف نفسك، ولا تسلم أجرة تذكرة وغير ذلك؟ فلا يجوز أن يشد الإنسان الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أقل ما فيه أنه إضاعة مال، وإضاعة المال محرمة، لكن لو شد الرحال للمسجد النبوي فيجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) وإذا وصلت إلى المسجد قم بزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، زر قبر الرسول وصاحبيه أبي بكر و عمر رضي الله عنهما، وقم بزيارة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه في البقيع ، وبزيارة أهل البقيع كلهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يزور البقيع ، ولكن تزور البقيع بأي شيء؟ ما الحكمة في ذلك؟ زيارة القبور ليس لأجل أن تدعو الله عندها، ولا أن تستغيث بأهل القبور، قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو المشرع للأمة المبين لحكم الشريعة: (زوروا القبور فإنها تذكركم الموت) وفي لفظٍ: (تذكركم الآخرة) هذا المقصود، هؤلاء القوم هم الآن في بطن الأرض، لا يملكون زيادة حسنة ولا نقص سيئة من أعمالهم، وأنت الآن على ظهر الأرض تستطيع أن تزيد حسنة في حسناتك أو أن تستغفر من سيئة، فتذكر الموت، تذكر الآخرة وهي دار الجزاء، هذا هو المقصود، وهل عندك عهدٌ من الله أنك ستبقى مدة بعد هذه الزيارة؟ لا. إذاً: يا أخي! ما تدري لعلك تزور هؤلاء الموتى صباحاً ويزورك أقاربك في هذه القبور مساءً، فاستعد للموت، تب إلى الله عز وجل مما فرطت في حق الله، ومما فرطت في حق عباد الله، هذا هو المقصود من زيارة القبور.
وأفتى ذلك أيضا العلامة ابن جبرين كما في فتاويه: (18 / 26)
السؤال: ما حكم شد الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: لا يجوز، وإنما تشد الرحال إلى المسجد النبوي، ثم يزور القبر من قريب بعد وصوله إلى المدينة، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) والله أعلم.
وغيرهم كثير.
وأنت تعلم مذهب أبي حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى: 505هـ، في العقيدة: يقول في الإحياء: (
فلنرجع إلى الغرض الذي كنا نقصده ولنبين القسم الثاني وهو أن يسافر لأجل العبادة إما لحج أو جهاد وقد ذكرنا فضل ذلك وآدابه وأعماله الظاهرة والباطنة في كتاب أسرار الحج
ويدخل في جملته زيارة قبور الأنبياء عليهم السلام وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء وكل من يتبرك بمشاهدته في حياته يتبرك بزيارته بعد وفاته ويجوز شد الرحال لهذا الغرض ولا يمنع من هذا قوله صلى الله عليه و سلم (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ) حديث لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجدالحديث تقدم في الحج؛ لأن ذلك في المساجد فإنها متماثلة بعد هذه المساجد وإلا فلا فرق بين زيارة قبور الأنبياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتا عظيما بحسب اختلاف درجاتهم عند الله
وبالجملة زيارة الأحياء أولى من زيارة الأموات والفائدة من زيارة الأحياء طلب بركة الدعاء وبركة النظر إليهم )، أهـ، كلامه رحمه الله.
فانبته !!
سبب منع شد الرحال إلى القبور أيا كانت هو ذلك الغرض الذي هو التبرك بها وجعلها عيدا، كما قال العلامة ابن باز في التحقيق والإيضاح: (والقول بشرعية شد الرحال لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم يفضي إلى اتخاذه عيدا ، ووقوع المحذور الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو والإطراء كما قد وقع الكثير من الناس في ذلك بسبب اعتقادهم شرعية شد الرحال لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام ) أهـ.
ونسأل الله أن يرزقنا بفقه دينه، والعمل به.
والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب