د.محمود محمود النجيري
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 19 مارس 2008
- المشاركات
- 1,171
- الكنية
- أبو مازن
- التخصص
- الفقه الإسلامي
- المدينة
- مصر
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
مشروعية فقه الموازنات
رعاية المصالح الغالبة، ودرء المفاسد الغالبة، دل عليه العقل والنقل، وعمل به الأئمة، واجتمعت عليه الأمة.
قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} (النساء: 19).
والمعنى: أنه حتى إن صحَّ في الزوجة ما يستوجب النفور والكراهية، فقد يكون فيها خيرٌ كثير. وليس من الصواب تفويت الخير الكثير، أي المصلحة الكبيرة، لوجود آفة ما أو ضرر ما. بل الصواب هو تحمل الضرر القليل؛ لأجل الخير الكثير[1].
وقال الله تعالى: ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا[ (البقرة: 219).
بيَّنت الآية الكريمة، أن في الخمر وفي الميسر منافع ومضار: منفعة الخمر التجارة، ومنفعة الميسر كسب المال.
ومفسدة الخمر تغييب العقل والعداوة، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة. ومفسدة الميسر إيقاع العداوة، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
فلم ينكر الشارع ما فيها من منافع، ولكنها منافع مرجوحة في جانب مضارها، فحرِّمت لأجل ما فيها من مضار راجحة.
وقال النبي النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا، رضيَ منها آخر"[2].
وأما الإجماع، فيُبين الإمام الفخر الرازي: أن مَن تتبع أحوال مباحثات الصحابة- عَلمَ قطعًا أن هذه الشرائط التي يعتبرها فقهاء الزمان في تحرير الأقيسة، والشرائط المعتبرة في العلة والأصل والفرع- ما كانوا يلتفتون إليها، بل كانوا يراعون المصالح، لعلمهم بأن المقصود من الشرائع رعاية المصالح[3].
وأمَّا المعقول، فلأنا إذا قطعنا بأن المصلحة الغالبة على المفسدة معتبرة قطعًا عند الشرع، ثم غلب على ظننا أن هذا الحكم مصلحته غالبة على مفسدته: تولَّد من هاتين المقدمتين ظنُّ أن هذه المصلحة معتبرة شرعًا، والعمل بالظن واجب.
ولأن ترجح الراجح على المرجوح من مقتضيات العقول، ولهذا يجب القطع به[4].
يقول الإمام الشاطبي في ذلك:
"فالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتياد، فهي المقصودة شرعًا. ولتحصيلها وقعَ الطلب على العباد، ليجري قانونها على أقوم طريق وأهدى سبيل، وليكون حصولها أتم وأقرب وأولى بنيل المقصود على مقتضى العادات الجارية في الدنيا. فإن تبعها مفسدة أو مشقة، فليست بمقصودة في شرعية ذلك الفعل وطلبه. وكذلك المفسدة، إذا كانت هي الغالبة بالنظر إلى المصلحة في حكم الاعتياد، فرفعها هو المقصود شرعًا، ولأجله وقع النهي، ليكون رفعها على أتم وجوه الإمكان العادي في مثلها، حسبما يشهد به كل عقل سليم. فإن تبعتها مصلحة أو لذة، فليست هي المقصودة بالنهي عن ذلك الفعل. بل المقصود ما غلبَ في المحل. وما سوى ذلك ملغي في مقتضى النهي، كما كانت جهة المفسدة ملغاة في جهة الأمر"[5].
[1] نظرية التقريب والتغليب: د. أحمد الريسوني، ص 362.
[2] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضع، باب الوصية بالنساء، (61).
[3] المحصول: فخر الدين الرازي 6/167.
[4] المحصول: فخر الدين الرازي 6/166.
[5] الموافقات: الشاطبي 2/46.