العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
كتاب الطهارة
قال الله تعالى : { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً } يشترط لرفع الحدث والنجس ماء مطلق : وهو ما يقع عليه اسم ماء بلا قيد ؛ فالمتغير بمستغنى عنه كزعفران تغيرا يمنع إطلاق اسم الماء غير طهور ؛ ولا يضر تغير لا يمنع الاسم ولا متغير بمكث وطين وطحلب وما في مقره وممره ؛ وكذا متغير بمجاور كعود ودهن أو بتراب طرح فيه في الأظهر .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
الْكِتَابَ لُغَةً مَعْنَاهُ : الضَّمُّ وَالْجَمْعُ . يُقَالُ : كَتَبْت كَتْبًا وَكِتَابَةً وَكِتَابًا ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : تَكَتَّبَتْ بَنُو فُلَانٍ إذَا اجْتَمَعُوا ؛ وَكَتَبَ إذَا خَطَّ بِالْقَلَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ . وَاصْطِلَاحًا : اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ .
وَالطَّهَارَةُ بِضَمِّ الطَّاءِ : اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ ، وَبِالْكَسْرِ : اسْمٌ لِمَا يُضَافُ إلَى الْمَاءِ مِنْ سِدْرٍ وَنَحْوِهِ ، وَبِالْفَتْحِ الْمُرَادُ هُنَا لُغَةً : النَّظَافَةُ وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَانَتْ كَالنَّجَاسَاتِ ، أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ مِنْ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالزِّنَا وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَنَحْوِهَا ، فَهِيَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا – أي : في الأدناس الحسية والمعنوية - ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقِيلَ : مَجَازٌ فِي أَحَدِهِمَا ، وَقِيلَ : مُشْتَرَكَةٌ ، وَعَطْفُ الْخُلُوصِ تَفْسِيرٌ . وَعُرْفًا : زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَالْخُبْثِ . قَالَهُ الْقَاضِي .

أَوْ : صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا صِحَّةَ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ . قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ ، وَأَشَارَ بِالْأَوَّلِ لِلثَّوْبِ ، وَبِالثَّانِي لِلْمَكَانِ ، وَبِالثَّالِثِ لِلشَّخْصِ ، وَلَمْ يَقُلْ : أَوْ عَلَيْهِ لِيَشْمَلَ الْمَيِّتَ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ عِنْدَهُمْ بِالْغُسْلِ ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَنَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ إمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِعِبَادَةٍ أَوْ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ بِمُنَاكَحَةٍ أَوْ بِجِنَايَةٍ ، وَأَهَمُّهَا الْعِبَادَةُ لِتَعَلُّقِهَا بِالدِّينِ ، ثُمَّ الْمُعَامَلَةُ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا ، ثُمَّ الْمُنَاكَحَةُ لِأَنَّهَا دُونَهَا فِي الْحَاجَةِ ، ثُمَّ الْجِنَايَةُ لِأَنَّهَا غَالِبًا إنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ ، فَرَتَّبُوهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَرَتَّبُوا الْعِبَادَةَ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُمَا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ عَلَى تَرْتِيبِ خَبَرِ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ إلَخْ . رواه البخاري ومسلم . وَاخْتَارُوا رِوَايَةَ تَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ عَلَى رِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْحَجِّ ، لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ فَوْرِيٌّ وَيَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ وَإِفْرَادُ مَنْ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ وَلَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمِنْ أَعْظَمِ شُرُوطِهَا الطَّهَارَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ » رواه الترمذي ؛ وقال : هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ .
وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ طَبْعًا فَقُدِّمَ وَضْعًا بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهَا .
مسألة :

أقسام المياه :

المياه على أربعة أقسام :

1 – القسم الأول : طَاهِر في نفسه مطهر لغيره غير مَكْرُوه استعماله وَهُوَ المَاء الْمُطلق .

2 – القسم الثاني : طَاهِر في نفسه مطهر لغيره مَكْرُوه استعماله وَهُوَ المَاء المشمس .

3 – القسم الثالث : طَاهِر في نفسه غير مطهر لغيره وَهُوَ نوعان :

أ – النوع الأول : المتغير بِمَا خالطه من الطاهرات .

ب - النوع الثاني : الماء المستعمل .

4 – القسم الرابع : الماء المتنجس .

وسنفصل القول في هذه الأقسام إن شاء الله تعالى .
مسألة :

معنى الماء المطلق :

اخْتلف فِي حَد الماء المطلق :
1فَقيل : هُوَ العاري عَن الْقُيُود وَالْإِضَافَة اللَّازِمَة وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الرَّوْضَة وَالْمُحَرر وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي . فَقَوله : عَن الْقُيُود خرج بِهِ مثل قَوْله تَعَالَى { من مَاء مهين } { من مَاء دافق } وَقَوله : الْإِضَافَة اللَّازِمَة . خرج بِهِ مثل مَاء الْورْد وَنَحْوه . وَاحْترز بِالْإِضَافَة اللازمة عن الْإِضَافَة غير اللَّازِمَة كَمَاء النَّهر وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا تخرجه هَذِه الْإِضَافَة عَن كَونه يرفع الْحَدث ويزيل النَّجس لبَقَاء الْإِطْلَاق عَلَيْهِ .

2وَقيل : المَاء الْمُطلق هُوَ الْبَاقِي على وصف خلقته .

3 - وَقيل : مَا يُسمى مَاء .
وَسمي مُطلقًا ؛ لِأَن المَاء إِذا أطلق انْصَرف إِلَيْهِ . وَهَذَا مَا ذكره ابْن الصّلاح وَتَبعهُ النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فِي شرح الْمُهَذّب .

مسألة :
تباح الطهارة بِكُلِّ مَاءٍ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصُّفَّةِ الَّتِي ذَكَرناهَا ، عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ ، مِنْ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ ، وَالْعُذُوبَةِ وَالْمُلُوحَةِ ، نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ، أَوْ نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ، فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ غَدِيرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ .
الأدلة :
1 - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } [الأنفال: 11]

2 - قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } [الفرقان: 48]

3 - قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ »

4 – قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»

وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، إلَّا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْبَحْرِ: التَّيَمُّمُ أَعْجَبُ إلَيْنَا مِنْهُ . هُوَ نَارٌ . وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ .

وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لما يلي :

1 - قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } [النساء: 43] وَمَاءُ الْبَحْرِ مَاءٌ ، لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِهِ .

2 - رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا ، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ » أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .

3 - رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ مَاءُ الْبَحْرِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ "

4 – إنه مَاءٌ بَاقٍ عَلَى أَصِلْ خِلْقَتِهِ، فَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْعَذْبِ .

وَقَوْلُهُمْ: " هُوَ نَارٌ " إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ نَارٌ فِي الْحَالِ فَهُوَ خِلَافُ الْحِسِّ ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَاءً .

مسألة :
اشتراط الماء المطلق في رفع الحدث ؛ ولايجوز بالنبيذ ؛ وغيره من المائعات :

1 - ذهب الحنفية – على المعتمد عندهم – والشافعية ؛ والمالكية ؛ والحنابلة . إلى عدم جواز رفع الحدث إلا بالماء المطلق .

الأدلة :
أ – قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماء فتيمموا ) فَأَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِغَيْرِهِ .

ب – قوله صلى الله عليه وسلم : « الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .

2 – روي فِي النَّبِيذِ عَنْ الْإِمَامِ أبي حنيفة رحمه الله تعالى ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ :

الْأُولَى : أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ التَّيَمُّمَ . وَهِيَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ .

الثَّانِيَةُ : الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَسُؤْرِ الْحِمَارِ ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ .

وَالثَّالِثَةُ : التَّيَمُّمُ فَقَطْ ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ، وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُصَحَّحُ الْمُخْتَارُ الْمُعْتَمَدُ عند الحنفية .

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالْأَوْزَاعِيُّ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ : النَّبِيذُ وَضُوءُ مَنْ لَمْ يَجِد الْمَاءَ . وَقَالَ إِسْحَاقُ : النَّبِيذُ حُلْوًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ التَّيَمُّمِ ، وَجَمْعُهُمَا أَحَبُّ إلَيَّ .
استدلال القائلين بهذا القول :
استدلوا بما رَوَى « ابْنُ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ ، فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَقَالَ: أَمَعَكَ وَضُوءٌ ؟ فَقَالَ: لَا ، مَعِي إدَاوَةٌ فِيهَا نَبِيذٌ . فَقَالَ : تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» .
رد الجمهور على هذا الاستدلال :
أجاب الجمهور على هذا الدليل بقولهم : هذا الحديث لَا يَثْبُتُ ، وَرَاوِيهِ أَبُو زَيْدٍ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، لَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَلَا يُعْرَفُ بِصُحْبَةِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ سُئِلَ : هَلْ كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ ؟ فَقَالَ : مَا كَانَ مَعَهُ مِنَّا أَحَدٌ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد . وَرَوَى مُسْلِمٌ بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : لَمْ أَكُنْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَوَدِدْت أَنِّي كُنْت مَعَهُ .
قال ابن قدامة في المغني : فَأَمَّا غَيْرُ النَّبِيذِ مِنْ الْمَائِعَاتِ ، غَيْرِ الْمَاءِ ، كَالْخَلِّ، وَالدُّهْنِ ، وَالْمَرَقِ ، وَاللَّبَنِ ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فِيمَا نَعْلَمُ ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِهَا وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ الطَّهُورِيَّةَ لِلْمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } [الأنفال: 11] ، وَهَذَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ .

مسألة :
هل يشترط الماء المطلق في إزالة النجاسة ؟
قد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
1القول الأول : يشترط الماء المطلق في إزالة النجاسة . وهو مذهب الجمهور من الشافعية ؛ والمالكية ؛ والحنابلة .
أدلة الجمهور :
أ - عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ : سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ »

ب - عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - « أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَهَذَا أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .

ج – إنها طَهَارَةٌ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ ، فَلَا تَحْصُلُ بِغَيْرِ الْمَاءِ ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ .

2القول الثاني : يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ لِلْعَيْنِ وَالْأَثَرِ، كَالْخَلِّ، وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَنَحْوِهِمَا . وهو قول الإمام أبي حنبفة رحمه الله تعالى ؛ وَرُوِيَ عَنْ الإمام أَحْمَدَ رحمه الله تعالى .

أدلة أصحاب القول الثاني :

أ – قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : « إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا »

أَطْلَقَ الْغَسْلَ ، فَتَقْيِيدُهُ بِالْمَاءِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ .
ب – إنه مَائِعٌ طَاهِرٌ مُزِيلٌ ، فَجَازَتْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ ، كَالْمَاءِ .

رد الجمهور :

رد الجمهور على استدلال أصحاب القول الثاني فقالوا : مُطْلَقُ حَدِيثِهِمْ مُقَيَّدٌ بِحَدِيثِنَا، وَالْمَاءُ يَخْتَصُّ بِتَحْصِيلِ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ ، فَكَذَلِكَ الْأُخْرَى .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 55 )
وسننه :
السواك عرضا بكل خشن لا أصبعه في الأصح .
- ويسن للصلاة .
- وتغير الفم .
- ولا يكره إلا للصائم بعد الزوال .
مسألة رقم ( 56 )
والتسمية أوله فإن ترك ففي أثنائه .
مسألة رقم ( 57 )
وغسل كفيه ؛ فإن لم يتيقن طهرهما كره غمسهما في الإناء قبل غسلهما .
مسألة رقم ( 58 )
والمضمضة والاستنشاق .
- والأظهر أن فصلهما أفضل ؛ ثم الأصح يتمضمض بغرفة ثلاثا ثم يستنشق بأخرى ثلاثا .
- ويبالغ فيهما غير الصائم .
- قلت : الأظهر تفضيل الجمع بثلاث غرف يتمضمض من كل ثم يستنشق. والله أعلم .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
سنن الوضوء
مسألة رقم ( 90 )
السنة الأولى ( السواك )
السواك سنة من سنن الوضوء عند الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة وهو قول الجماهير .
الأدلة :
1 – قوله صلى الله عليه وسلم : ( عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ : قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ "
قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ زَادَ قُتَيْبَةُ، قَالَ وَكِيعٌ: " انْتِقَاصُ الْمَاءِ: يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ ) رواه مسلم "1" .
2 – قال صلى الله عليه وسلم : ( لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ ) رواه البخاري بصيغة الجزم "2" .
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : لَوْ كَانَ وَاجِبًا لأَمَرَهُمْ بِهِ ، شَقَّ أَوْ لَمْ يَشُقَّ "3" .

محله في الوضوء :
يسن السواك في الوضوء لدى الشافعية بعد غسل الكفين .
وعند الحنفية والحنابلة : عند المضمضة لأنه أكمل في الإنقاء .
وعند المالكية : قبل الوضوء "4" .

يستاك عرضا :
من السنة أن يستاك عرضا ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذَا اسْتَكْتُمْ فَاسْتَاكُوا عَرْضًا » رواه أبو داود في مراسيله "5" .
وَيُجْزِئُ طُولًا لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يُدْمِي اللِّثَةَ وَيُفْسِدُ لَحْمَ الْأَسْنَانِ ؛ أَمَّا اللِّسَانُ فَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ فِيهِ طُولًا .
وَيُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ فِي سِوَاكِهِ ؛ فيَسْتَاكَ بِالْيَمِينِ مِنْ يُمْنَى فَمِهِ ؛ لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها : ( كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ ) متفق عليه "6"
وَيَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ ؛ لِيُزِيلَ مَا عَلَيْهِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - : « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِينِي السِّوَاكَ لِأَغْسِلَهُ ، فَأَبْدَأُ بِهِ فَأَسْتَاكُ ، ثُمَّ أَغْسِلُهُ ، ثُمَّ أَدْفَعُهُ إلَيْهِ » رَوَاهُ أَبُو دَاوُد "7" "8" .

السواك بكل خشن :
يستاك بكل خشن لا تتأذى به الأسنان ؛ وذلك لحصول المقصود من إزالة وسخ الأسنان ؛ ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ السِّوَاكُ بِعُودٍ وَأَنْ يَكُونَ بِعُودِ أَرَاك .
قَالَ الشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ : الْأَرَاكُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ بَعْدَهُ النَّخْلُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ .
قَالَ الْمَتُولِيّ[COLOR=#00000] [/COLOR]: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عُودًا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَالْأَرَاكِ ؛ وَاسْتَدَلُّوا لِلْأَرَاكِ بِحَدِيثِ أَبِي خَيْرَةَ الصُّبَاحِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنْتُ فِي الْوَفْدِ يَعْنِي وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ الَّذِينَ وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَنَا بِأَرَاكٍ ؛ فَقَالَ : اسْتَاكُوا بِهَذَا . رواه الطبراني "9" .
ويستاك بعود متوسط ؛ لا يلبس ولا رطب ؛ فَإِنْ كان يابسا نداه بماء .
ويكره بعود الريحان وقضبان الرمان لما فيه من الضرر ؛ ولا يجوز بما فيه سمية من العيدان "10" .

الاستياك بالأصبع :
قال الشافعية : الْأُصْبُعُ إِنْ كَانَتْ لَيِّنَةً لَمْ يَحْصُلْ بِهَا السِّوَاكُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ خَشِنَةً فَفِيهَا أَوْجُهٌ :
الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ : لَا يحصل لانها لا تسمى سوا كاولاهى فِي مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ سِوَاكًا فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ .
وَالثَّانِي : يَحْصُلُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْبَغَوِيُّ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَحْرِ .
وَالثَّالِثُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عُودٍ وَنَحْوِهِ حَصَلَ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ .
وقال الحنفية والمالكية : يقوم الأصبع مقام العود عند فقد العود .
قال الحنفية : ثُمَّ بِأَيِّ أُصْبُعٍ اسْتَاكَ لَا بَأْسَ بِهِ . وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَاكَ بِالسِّبَابَتَيْنِ، يَبْدَأُ بِالسَّبَّابَةِ الْيُسْرَى ثُمَّ بِالْيُمْنَى ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَاكَ بِإِبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَالسَّبَّابَةِ الْيُمْنَى، يَبْدَأُ بِالْإِبْهَامِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَوْقَ وَتَحْتَ ، ثُمَّ السَّبَّابَةُ مِنْ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ .
وقال الحنابلة : إِنْ اسْتَاكَ بِأُصْبُعِهِ أَوْ خِرْقَةٍ ، فَقَدْ قِيلَ: لَا يُصِيبُ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ ، وَلَا يَحْصُلُ الْإِنْقَاءُ بِهِ حُصُولَهُ بِالْعُودِ .
وَالصَّحِيحُ : أَنَّهُ يُصِيبُ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْإِنْقَاءِ، وَلَا يُتْرَكُ الْقَلِيلُ مِنْ السُّنَّةِ لِلْعَجْزِ عَنْ كَثِيرِهَا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ "11" .

المواضع التي يكون فيها السواك أشد استحبابا من غيرها :
1 – الصلاة ؛ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ « لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ » "12"
2 - تَغَيُّرِ الْفَمِ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ « لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ » ، أَيْ يُدَلِّكُهُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ "13" .
ويَتَأَكَّدُ أَيْضًا لِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ .
أَوْ حَدِيثٍ .
وَلِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ - بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ -
وَلِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَلِنَوْمٍ .
وَلِيَقَظَةٍ .
وَلِدُخُولِ مَنْزِلِهِ .
وَعِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَيُقَالُ : إنَّهُ يُسَهِّلُ خُرُوجَ الرُّوحِ .
وَفِي السَّحَرِ .
وَلِلْأَكْلِ .
وَبَعْدَ الْوِتْرِ .
وَلِلصَّائِمِ قَبْلَ وَقْتِ الْخُلُوفِ "14" .

السواك للصائم بعد الزوال :
قال الشافعية : يكره للصائم السواك بعد الزوال ؛ واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ) رواه البخاري ومسلم "15" وَالْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِ، وَالْمُرَادُ الْخُلُوفُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِخَبَرِ « أُعْطِيت أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا » . ثُمَّ قَالَ: « وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ » أخرجه الإمام أحمد "16" ؛ وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ ، وَأَطْيَبِيَّةُ الْخُلُوفِ تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ إبْقَائِهِ فَكُرِهَتْ إزَالَتُهُ
وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْغُرُوبِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَائِمٍ الْآنَ .
وعند الحنفية والمالكية : يستحب للصائم السواك في كل النهار .
قال المالكية : السواك ( مستحب ) كل النهار إذَا كَانَ لِمُقْتَضًى شَرْعِيٍّ مِنْ وُضُوءٍ وَصَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ ؛ واستدلوا بقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - « لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ » وَهَذَا يَعُمُّ الصَّائِمَ وَغَيْرَهُ .
وقال الحنابلة : لَا يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ السِّوَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ ، وَهَلْ يُكْرَهُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا : يُكْرَهُ ؛ وفاقا للشافعية .
والثانية : لا يكره . "17" .
__________________________________
1 – صحيح مسلم ؛ 1 / 223 .
2 – صحيح البخاري ؛ 3 / 31 .
3 – الموسوعة الكويتية ؛ 4 / 137 .
4 – مغني المحتاج ؛ 1 / 168 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 233 ؛ ومواهب الجليل ؛ 1 / 264 ؛ وكشاف القناع ؛ 1 / 93 .
5 – الكتاب : المراسيل ؛ المؤلف : أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني ( المتوفى: 275هـ ) ؛ المحقق : شعيب الأرناؤوط ؛ الناشر : مؤسسة الرسالة – بيروت ؛ الطبعة: الأولى، 1408 ؛ ص 74 .
6 – صحيح البخري ؛ 1 / 45 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 226 .
7 – سنن أبي داود ؛ 1 / 14 .
8 – مغني المحتاج ؛ 1 / 169 ؛ والمغني ؛ 1 / 145 و 146 .
9 – المعجم الكبير ؛ 22 / 368 .
10 – المجموع ؛ 1 / 282 ؛ والنجم الوهاج ؛ 1 / 337 .
11 – المجموع ؛ 1 / 282 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 236 ؛ وحاشية الصاوي على الشرح الصغير ؛ 1 / 124 ؛ والمغني ؛ 1 / 146 .
12 – صحيح البخاري ؛ 2 / 4 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 220 .
13 – صحيح البخاري ؛ 1 / 58 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 221 .
14 – كنز الراغبين ؛ 1 / 75 ؛ ومغني المحتاج ؛ 1 / 172
15 – صحيح البخاري ؛ 3 / 26 ؛ وصحيح مسلم ؛ 2 / 807 .
16 – مسند الإمام أحمد ؛ 13 / 295 ؛ وتمام الحديث : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُعْطِيَتْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ، لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ: خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا، وَيُزَيِّنُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمُ الْمَئُونَةَ وَالْأَذَى وَيَصِيرُوا إِلَيْكِ، وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فَلَا يَخْلُصُوا فِيهِ إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ، وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ "
17 – مغني المحتاج ؛ 1 / 172 ؛ ومراقي الفلاح بحاشية الطحطاوي ؛ 1 / 349 ؛ والشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي ؛ 1 / 534 ؛ والمغني ؛ 1 / 147 و 148 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 91 )
السنة الثانية ( التسمية )
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةٌ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ .
وَسَنَدُهُمْ فِيمَا قَالُوا:
1 - أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ مُطْلَقَةٌ عَنْ شَرْطِ التَّسْمِيَةِ ، وَالْمَطْلُوبُ مِنَ الْمُتَوَضِّئِ الطَّهَارَةُ ، وَتَرْكُ التَّسْمِيَةِ لاَ يَقْدَحُ فِيهَا؛ لأِنَّ الْمَاءَ خُلِقَ طَهُورًا فِي الأْصْل، فَلاَ تَتَوَقَّفُ طَهُورِيَّتُهُ عَلَى صُنْعِ الْعَبْدِ
2 - وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال : ( مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ طَهُورًا لِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ كَانَ طَهُورًا لِمَا أَصَابَ مِنْ بَدَنِهِ ) رواه الدار قطني "1"
وَإِنْ نَسِيَ الْمُتَوَضِّئُ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّل الْوُضُوءِ، وَذَكَرَهَا فِي أَثْنَائِهِ، أَتَى بِهَا، حَتَّى لاَ يَخْلُوَ الْوُضُوءُ مِنِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى .
قال الشافعية : إِنْ تَرَكَ التسمية سَهْوًا أَوْ عَمْدًا أَوْ فِي أَوَّلِ طَعَامٍ كَذَلِكَ فَفِي أَثْنَاء الوضوء يَأْتِي بِهَا فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، لِخَبَرِ « إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ "2"
وَيُقَاسُ بِالْأَكْلِ الْوُضُوءُ ، وَبِالنِّسْيَانِ الْعَمْدُ .
وَأَفْهَمَ كلام المنهاج أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ لِانْقِضَائِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ .
قَالَ الخطيب : قال شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْأَكْلِ لِيَتَقَايَأَ الشَّيْطَانُ مَا أَكَلَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشُّرْبُ كَالْأَكْلِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ : إِلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبَةٌ، وَهِيَ قَوْل (بِاسْمِ اللَّهِ) لاَ يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا .
وَاسْتَدَلُّوا لِوُجُوبِهَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال : ( لاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ) رواه الترمذي وابن ماجة "3"
وَتَسْقُطُ التَّسْمِيَةُ حَالَةَ السَّهْوِ تَجَاوُزًا؛ لِحَدِيثِ: ( تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) أخرجه الحاكم "4" .
فَإِنْ ذَكَرَ الْمُتَوَضِّئُ التَّسْمِيَةَ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ سَمَّى وَبَنَى، وَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا لَمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهُ ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَالأْخْرَسُ وَالْمُعْتَقَل لِسَانُهُ يُشِيرُ بِهَا "5" .

مسألة رقم ( 92 )
السنة الثالثة ( غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء )
غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء سنة من سنن الوضوء عند الشافعية والحنفية والمالكية وإن تيقن طهرهما ؛ وسواء قام من النوم أو لا .
واستدلوا بقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق . . . الآية ) ولم يذكر غسل الكفين .
و لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا الْإِنَاءَ ثَلَاثًا؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛ إلا لفظ ( ثلاثا ) فلمسلم فقط "6" .
قالوا : الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، لَتَعْلِيلِهِ بِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ : « فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ » وَطَرَيَانُ الشَّكِّ عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا، كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ النَّدْبَ .
وذهب الحنابلة إلى أن غسل اليد واجب عند القيام من نوم الليل ؛ وذلك لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا الْإِنَاءَ ثَلَاثًا؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)
وَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ، وَنَهْيُهُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ .
وخصو الوجوب بالقيام من نوم الليل فقط ؛ لأَنَّ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ نَوْمِ اللَّيْلِ ؛ لِقَوْلِهِ : ( فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدِهِ ) ، وَالْمَبِيتُ يَكُون بِاللَّيْلِ خَاصَّةً .
قالوا : ولا يصح قياس غيره عليه لأمرين :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ تَعَبُّدًا، فَلَا يَصِحُّ تَعْدِيَتُهُ .
الثَّانِي : أَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ النَّوْمِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِيهِ وَطُولِ مُدَّتِهِ، فَاحْتِمَالُ إصَابَةِ يَدِهِ لِنَجَاسَةٍ لَا يَشْعُرُ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ احْتِمَالِ ذَلِكَ فِي نَوْمِ النَّهَارِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ : الْحَدِيثُ فِي الْمَبِيتِ بِاللَّيْلِ، فَأَمَّا النَّهَارُ فَلَا بَأْسَ بِهِ .
قال الشافعية : ( فَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ طُهْرَهُمَا ) بِأَنْ تَرَدَّدَ فِيهِ ( كُرِهَ غَمْسُهُمَا فِي الْإِنَاءِ) الَّذِي فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَائِعٌ وَلَوْ كَثُرَ (قَبْلَ غَسْلِهِمَا) ثَلَاثًا للحديث المتقدم .
أَشَارَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ فِيهِ إلَى احْتِمَالِ نَجَاسَةِ الْيَدِ فِي النَّوْمِ كَأَنْ تَقَعَ عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ التَّرَدُّدُ، وَعَلَى هَذَا "7" حُمِلَ الْحَدِيثُ ، لَا عَلَى مُطْلَقِ النَّوْمِ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ فَمَنْ لَمْ يَنَمْ وَاحْتَمَلَ نَجَاسَةَ يَدِهِ كَانَ فِي مَعْنَى النَّائِمِ؛ وَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ لِيَشْمَلَ الْقَائِمَ مِنْ النَّوْمِ وَغَيْرَهُ .
وَهَذِهِ الْغَسْلَاتُ الثَّلَاثُ هِيَ الْمَنْدُوبَةُ أَوَّلَ الْوُضُوءِ، لَكِنْ نُدِبَ تَقْدِيمُهَا عِنْدَ الشَّكِّ عَلَى غَمْسِ يَدِهِ ، وَلَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ إلَّا بِغَسْلِهِمَا ثَلَاثًا – خلافا للمالكية - ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا غَيَّا حُكْمًا بِغَايَةٍ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِاسْتِيعَابِهَا، فَسَقَطَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي زَوَالُ الْكَرَاهَةِ بِوَاحِدَةٍ لِتَيَقُّنِ الطُّهْرِ بِهَا، كَمَا لَا كَرَاهَةَ إذَا تَيَقَّنَ طُهْرَهُمَا ابْتِدَاءً .
وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ تَيَقُّنِ طُهْرِهِمَا إذَا كَانَ مُسْتَنِدًا لِيَقِينِ غَسْلِهِمَا ثَلَاثًا، فَلَوْ غَسَلَهُمَا فِيمَا مَضَى عَنْ نَجَاسَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَشْكُوكَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ كُرِهَ غَمْسُهُمَا قَبْلَ غَسْلِهِمَا إكْمَالِ الثَّلَاثِ، وَمِثْلُ الْمَائِعِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَأْكُولٍ رَطْبٍ كَمَا فِي الْعُبَابِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ غَسْلُهُمَا بِالصَّبِّ لِكِبَرِ الْإِنَاءِ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يَغْرِفُ بِهِ مِنْهُ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ أَوْ أَخَذَهُ بِطَرَفِ ثَوْبٍ نَظِيفٍ أَوْ بِفِيهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. أَمَّا الْمَاءُ الْكَثِيرُ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: اُحْتُرِزَ أَيْ الْمِنْهَاجُ بِالْإِنَاءِ عَنْ الْبِرْكَةِ وَنَحْوِهَا.
وفي شرح الخرشي على مختصر خليل : وَإِنْ كَانَتَا – يعني : كفيه – نَجِسَتَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ يَتَنَجَّسُ بِدُخُولِهِمَا فِيهِ ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى الْمَاءِ بِغَيْرِ إدْخَالِهِمَا فِيهِ فَعَلَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَتْرُكُهُ وَيَتَيَمَّمُ كَعَادِمِ الْمَاءِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَنَجَّسُ ، فَإِنَّهُ يُدْخِلُهُمَا فِيهِ "8" .

مسألة رقم ( 93 )
السنة الرابعة ( المضمضة والاستنشاق )
المضمضة والاستنشاق في الوضوء سنة عند الشافعية والحنفية والمالكية .
واستدلوا : بأن آية الوضوء اقتصرت في بيان الواجب على الوجه وما معه وليس فيه مضمضة ولا استنشاق .
وَلِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ عُضْوَانِ بَاطِنَانِ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا كَبَاطِنِ اللِّحْيَةِ وَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الْوَجْهَ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ، وَلَا تَحْصُلُ الْمُوَاجَهَةُ بِهِمَا.
وذهب الحنابلة - على المشهور عندهم - إلى أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء وكذا في الغسل – كما ستعرف إن شاء الله تعالى .
واستدلوا : بمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : « الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ » رواه الدار قطني "9"
وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُسْتَقْصِيًا ، ذَكَرَ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ، وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ .
( وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فَصْلَهُمَا أَفْضَلُ ) مِنْ جَمْعِهِمَا الْآتِي ؛ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَ بَيْنَهُمَا "10"
( ثُمَّ الْأَصَحُّ ) عَلَى هَذَا الْأَفْضَلُ ( يَتَمَضْمَضُ بِغَرْفَةٍ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأُخْرَى ثَلَاثًا ) حَتَّى لَا يَنْتَقِلَ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ مَا قَبْلَهُ، فَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَصْلِ بِسِتِّ غَرَفَاتٍ.
وَالثَّانِي : أَنَّ السِّتَّ غَرَفَاتٍ أَفْضَلُ بِأَنْ يَتَمَضْمَضُ بِثَلَاثٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِثَلَاثٍ ؛ وهذه الكيفية هي الأفضل عند الحنفية والمالكية .
وقال الحنابلة : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم « تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ » رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ "11" .
( ويبالغ فيهما غير الصائم ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رِوَايَةِ صَحِيحِ ابْن الْقَطَّانِ إسْنَادُهَا «إذَا تَوَضَّأْت فَأَبْلِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مَا لَمْ تَكُنْ صَائِمًا» . وَلِحَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ « أَسْبِغْ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا » صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ "12"
وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ : أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءُ إلَى أَقْصَى الْحَنَكِ وَوَجْهَيْ الْأَسْنَانِ وَاللِّثَاتِ ، وَيُسَنُّ إمْرَارُ إصْبَعِ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى ذَلِكَ ، وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ : أَنْ يُصْعِدَ الْمَاءَ بِالنَّفْسِ إلَى الْخَيْشُومِ .
وَيُسَنُّ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَمَجُّهُ ، وَكَذَا الِاسْتِنْثَارُ، لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ "13" ، وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ مَا فِي أَنْفِهِ مِنْ مَاءٍ وَأَذًى بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى ، وَإِذَا بَالَغَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ فَلَا يَسْتَقْصِي فَيَصِيرُ سَعُوطًا لَا اسْتِنْشَاقًا .
وَأَمَّا الصَّائِمُ فَلَا يُسَنُّ لَهُ الْمُبَالَغَةُ ، بَلْ تُكْرَهُ لِخَوْفِ الْإِفْطَارِ "14" .

والله تعالى أعلم .

_______________________________
1 – سنن الدار قطني ؛ 1 / 125 .
2 – سنن الترمذي ؛ 3 / 352 .
3 – سنن الترمذي ؛ 1 / 79 ؛ وسسن ابن ماجة ؛ 1 / 139 .
4 – الكتاب: المستدرك على الصحيحين ؛ المؤلف : أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (المتوفى: 405هـ) ؛ تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا ؛ الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت ؛ الطبعة : الأولى، 1411 – 1990 ؛ ج 2 / 216 .
5 – مغني المحتاج ؛ 1 / 175 و 176 ؛ وتنوير الأبصار بهامش الدر المختار وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 226 ؛ وشرح الخرشي ؛ 1 / 273 ؛ وكشاف القناع ؛ 1 / 90 ؛ والموسوعة الكويتية ؛ 8 / 89 و 90 .
6 – صحيح البخاري ؛ 1 / 43 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 233 .
7 – وهو احتمال نجاسة اليد .
8 – مغني المحتاج ؛ 1 / 176 ؛ وتنوير الأبصار ؛ 1 / 228 ؛ وبداية المجتهد ؛ 1 / ؛ وشرح الخرشي ؛ 1 / 260 و 261 ؛ والمغني ؛ 1 / 150 و 152 .
9 – سنن الدار قطني ؛ 1 / 144 .
10 – سنن أبي داود ؛ 1 / 34 .
11 – صحيح البخاري ؛ 1 / 49 .
12 – سنن الترمذي ؛ 2 / 147 .
13 – صحيح البخاري ؛ 1 / 43 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 212 .
14 – نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي ؛ 1 / 186 ؛ ومغني المحتاج ؛ 1 / 177 و 178 ؛ والدر المختار وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 236 ؛ والشرح الكبير للدردير ؛ 1 / 97 ؛ والمغني ؛ 1 / 190 و 191 و 192 و 193 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 59 )
وتثليث الغسل والمسح .
- ويأخذ الشاك باليقين .
مسألة رقم ( 60 )
ومسح كل رأسه .
مسألة رقم ( 61 )
ثم أذنيه .
- فإن عسر رفع العمامة كمل بالمسح عليها .
مسألة رقم ( 62 )
وتخليل اللحية الكثة وأصابعه .
مسألة رقم ( 63 )
وتقديم اليمنى .
مسألة رقم ( 64 )
وإطالة غرته وتحجيله .
مسألة رقم ( 65 )
والموالاة .
- وأوجبها القديم .
مسألة رقم ( 66 )
وترك الاستعانة .
مسألة رقم ( 67 )
والنفض .
مسألة رقم ( 68 )
وكذا التنشيف في الأصح .
مسألة رقم ( 69 )
ويقول بعده : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
مسألة رقم ( 70 )
وحذفت دعاء الأعضاء إذ لا أصل له .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
مسألة رقم ( 94 )
السنة الخامسة ( التثليث للمغسول والممسوح )
من سنن الوضوء : أن يكرر غسل الأعضاء المغسولة – كالوجه - ثلاث مرات ؛ وكذا من السنة عند الشافعية أن يكرر مسح الأعضاء الممسوحة – كالرأس – ثلاث مرات ؛ وكذا يسن تثليث القول كالتسمية ؛ وتثليث التخليل.
والدليل على سنية تثليث المغسول : أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: « دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ » . ثُمَّ قَالَ: « رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا » رواه مسلم "1"
والدليل على استحباب تثليث الممسوح ما رواه أبو دَاوُد رَوَى عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، قَالَ: « رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا. ثُمَّ قَالَ : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ مِثْلَ هَذَا » "2" وَرَوَى عُثْمَانُ ، وَعَلِيٌّ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالرُّبَيِّعُ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا » وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ، قَالَ: « هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْمُرْسَلِينَ قَبْلِي » رَوَاهُ ابْنُ مَاجَة "3" .
والدليل على استحباب التخليل ثلاثا ؛ ما رواه البيهقي عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ ثَلَاثًا حِينَ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الَّذِي رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ " .
قال البيهقي : بَلَغَنِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ : هُوَ حَسَنٌ . وَقَالَ : أَصَحُّ شَيْءٍ عِنْدِي فِي التَّخْلِيلِ حَدِيثُ عُثْمَانَ "4"
والدليل على استحباب تثليث القول ؛ ما رواه ابن ماجة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، مِنْ أَيِّهَا شَاءَ، دَخَلَ " "5"
قال الخطيب : ( وَظَاهِرٌ أَنَّ غَيْرَ التَّشَهُّدِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كَالتَّسْمِيَةِ مِثْلُهُ )
وذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى عدم استحباب تثليث الممسوح ؛ « لأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ "6"
وَقَدْ يُطْلَبُ تَرْكُ التَّثْلِيثِ :
أ - كَأَنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهِ لَخَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ التَّثْلِيثُ .
ب - أَوْ قَلَّ الْمَاءُ بِحَيْثُ لَا يَكْفِيهِ إلَّا لِلْفَرْضِ، فَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّهَا تُحْوِجُهُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ .
ج - أَوْ احْتَاجَ إلَى الْفَاضِلِ عَنْهُ لِعَطَشٍ بِأَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لِلشُّرْبِ لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ مَرَّةً مَرَّةً، وَلَوْ ثَلَّثَ لَمْ يَفْضُلْ لِلشُّرْبِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ التَّثْلِيثُ .
وَإِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَثْلِيثِ الْوُضُوءِ وَسَائِرِ آدَابِهِ .
( وَيَأْخُذُ الشَّاكُّ بِالْيَقِينِ ) فِي الْمَفْرُوضِ وُجُوبًا وَفِي الْمَسْنُونِ نَدْبًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا زَادَ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ ، فَإِذَا شَكَّ هَلْ غَسَلَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ وَغَسَلَ الْأُخْرَى .
وَقِيلَ : يَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَزِيدَ رَابِعَةً فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ ، وَتَرْكُ سُنَّةٍ أَهْوَنُ مِنْ بِدْعَةٍ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ : بِأَنَّ الْبِدْعَةَ ارْتِكَابُ الرَّابِعَةِ عَالِمًا بِكَوْنِهَا رَابِعَةً "7" .

المسألة رقم ( 95 )
السنة السادسة ( مسح كل رأسه )
لما فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ( أَنَّهُ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ ) متفق عليه "8"

مسألة رقم ( 96 )
السنة السابعة ( مسح الأذنين )
( ثُمَّ ) بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ يَمْسَحُ ( أُذُنَيْهِ ) ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ فِي وُضُوئِهِ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا وَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ . رواه أبو داود "9"
وَيَأْخُذُ لِصِمَاخَيْهِ أَيْضًا مَاءً جَدِيدًا .
وَأَشَارَ بِ ( ثُمَّ ) إلَى اشْتِرَاطِ تَرْتِيبِ الْأُذُنِ عَلَى الرَّأْسِ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ ، وَلَوْ أَخَذَ بِأَصَابِعِهِ مَاءً لِرَأْسِهِ فَلَمْ يَمْسَحْهُ بِمَاءِ بَعْضِهَا وَمَسَحَ بِهِ الْأُذُنَيْنِ كَفَى لِأَنَّهُ مَاءٌ جَدِيدٌ "10" .

مسألة رقم ( 97 )

المسح على العمامة :
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } ، وَلأِنَّهُ لاَ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي نَزْعِهَا فَلَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْكُمَّيْنِ ، لأِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْحَرَجِ وَلاَ حَرَجَ فِي نَزْعِ الْعِمَامَةِ، وَقَال مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ كَانَ ثُمَّ تُرِكَ ، وَبِهَذَا قَال عُرْوَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْقَاسِمُ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ : لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إِلاَّ إِذَا خِيفَ بِنَزْعِهَا ضَرَرٌ وَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى مَسْحِ مَا هِيَ مَلْفُوفَةٌ عَلَيْهِ كَالْقَلَنْسُوَةِ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ أَتَى بِهِ وَكَمَّل عَلَى الْعِمَامَةِ وُجُوبًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ لأِدَاءِ فَرْضِ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ بَل لاَ بُدَّ مِنْ مَسْحِ شَيْءٍ مِنْ شَعَرِ الرَّأْسِ وَالأْفْضَل أَنْ لاَ يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَل مِنَ النَّاصِيَةِ .
ثُمَّ يَجُوزُ لأِدَاءِ سُنَّةِ مَسْحِ كُل الرَّأْسِ مَسْحُ مَا ذُكِرَ وَالتَّكْمِيل عَلَى الْعِمَامَةِ بِشُرُوطٍ ذَكَرَهَا الْجَمَل هِيَ :
1 - أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَيْهَا نَحْوُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ .
2 - وَأَنْ لاَ يَمْسَحَ مِنْهُ مَا حَاذَى الْقَدْرَ الْمَسْمُوحَ مِنَ الرَّأْسِ .
3 - وَأَنْ لاَ يَكُونَ عَاصِيًا بِلُبْسِ الْعِمَامَةِ .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ : جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ .
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَمِمَّنْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِهِ قَال عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمَكْحُولٌ ، وَالأْوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَال: تَوَضَّأَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ . رواه أبو داود "11"
وَلأِنَّهُ حَائِلٌ فِي مَحَل وُرُودِ الشَّرْعِ بِمَسْحِهِ ، فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالْخُفَّيْنِ .
وَلأِنَّ الرَّأْسَ عُضْوٌ يَسْقُطُ فَرْضُهُ فِي التَّيَمُّمِ، فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلِهِ كَالْقَدَمَيْنِ .
وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُجْزِئُ مَسْحُ أَكْثَرِ الْعِمَامَةِ لأِنَّهَا أَحَدُ الْمَمْسُوحَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَل "12" .

شُرُوطُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ :
وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِهِ مَا يَلِي :
أ - أَنْ تَكُونَ سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ إِلاَّ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشَفِهِ كَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَالأْذُنَيْنِ، لأِنَّ هَذَا الْكَشْفَ جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الرَّأْسِ مَكْشُوفًا مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ اسْتُحِبَّ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ مَعَ الْعِمَامَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ لأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَنَاصِيَتِهِ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَهَل الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ ؟ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْهُ، فَيَخْرُجُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : وُجُوبُهُ لِلْخَبَرِ، وَلأِنَّ الْعِمَامَةَ نَابَتْ عَمَّا اسْتَتَرَ ، فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مُقْتَضَى الأْصْل كَالْجَبِيرَةِ .
وَالثَّانِي : لاَ يَجِبُ ؛ لأِنَّ الْعِمَامَةَ نَابَتْ عَنِ الرَّأْسِ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهَا، وَانْتَقَل الْفَرْضُ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَبْقَ لِمَا ظَهَرَ حُكْمٌ، وَلأِنَّ وُجُوبَهُمَا مَعًا يُفْضِي إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ بَدَلٍ وَمُبْدَلٍ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَالْخُفِّ. فَإِنْ كَانَ تَحْتَ الْعِمَامَةِ قَلَنْسُوَةٌ يَظْهَرُ بَعْضُهَا، فَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا لأِنَّهُمَا صَارَا كَالْعِمَامَةِ الْوَاحِدَةِ.
ب - أَنْ تَكُونَ عَلَى صِفَةِ عَمَائِمِ الْمُسْلِمِينَ، بِأَنْ تَكُونَ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا شَيْءٌ، لأِنَّ هَذِهِ عَمَائِمُ الْعَرَبِ، وَهِيَ أَكْثَرُ سَتْرًا مِنْ غَيْرِهَا وَيَشُقُّ نَزْعُهَا، فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ لَهَا ذُؤَابَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا شَيْءٌ .
ج - أَنْ لاَ تَكُونَ الْعِمَامَةُ مُحَرَّمَةً كَعِمَامَةِ الْحَرِيرِ وَالْمَغْصُوبَةِ .
د - أَنْ يَكُونَ لاَبِسُ الْعِمَامَةِ رَجُلاً، فَلاَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ لأِنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَال، فَكَانَتْ مُحَرَّمَةً فِي حَقِّهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا عُذْرٌ فَهَذَا يُنْدَرُ، وَلاَ يَرْتَبِطُ الْحُكْمُ بِالنَّادِرِ "13" .

توقيت المسح على العمامة :
التوقيت في المسح على العمامة كالتوقيت في المسح على الخف ؛ لأن المسح على العمامة رخصة ؛ فيوقت بذلك كالخف "14"

المسح على القلنسوة :
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ بَدَلاً مِنَ الرَّأْسِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ فِي نَزْعِهَا.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ إِنْ خِيفَ مِنْ نَزْعِهَا ضَرَرٌ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ : إِنْ عَسُرَ رَفْعُ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ كَمَّل بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا وَحَصَل لَهُ سُنَّةُ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَإِنْ لَبِسَهَا عَلَى حَدَثٍ "15" .

والله تعالى أعلم .
__________________________________
1 – صحيح مسلم ؛ 1 / 204 .
2 – سنن أبي داود ؛ 1 / 27 .
3 – سنن ابن ماجة ؛ 1 / 144 و 145 .
4 – السنن الكبرى للبيهقي ؛ 1 / 90 .
5 – سنن ابن ماجة ؛ 1 / 159 .
6 – صحيح البخاري ؛ 1 49 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 210 .
7 – مغني المحتاج ؛ 1 / 179 و 180 و 181 ؛ وتنوير الأبصار ؛ 1 / 239 ؛ ومختصر خليل ؛ 1 / 270 ؛ والمغني ؛ 1 / 202
8 – صحيح البخاري ؛ 1 / 48 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 210 ؛ وانظر : كنز الراغبين ؛ 1 / 80 .
9 – سنن أبي داود ؛ 1 / 30 و 31 .
10 – مغني المحتاج ؛ 1 / 282 .
11 – سنن أبي داود ؛ 1 / 38 .
12 – حاشية الجمل على فتح الوهاب شرح منهج الطلاب ؛ 1 / 205 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 457 ؛ والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ؛ 1 / 163 و 164 والمغني ؛ 1 / 427 و 428 ؛ والموسوعة الكويتية ؛ 37 / 256 و 257 .
13 – الموسوعة الكويتية ؛ 37 / 257 و 258 .
14 – المغني ؛ 1 / 436 .
15 – مغني المحتاج ؛ 1 / 184 ؛ والشرح الكبير بحاشية الدسوقي ؛ 1 / 163 و 164 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 457 ؛ والمغني ؛ 1 / 437 ؛ والموسوعة الكويتية ؛ 37 / 285 و 259 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 98 )
السنة الثامنة ( تخليل اللحية الكثة )
اللِّحْيَةُ إنْ كَانَتْ خَفِيفَةً تَصِفُ الْبَشَرَةَ وَجَبَ غَسْلُ بَاطِنِهَا ؛ وَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً لَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا ، وَيُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهَا عند الشافعية والحنفية والحنابلة ؛ لما روى التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ : أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخلل لحيته الْكَرِيمَة "1"
وَلما روى أَبُو دَاوُد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا تَوَضَّأ أَخذ كفا من مَاء فَأدْخلهُ تَحت حنكه فخلل بِهِ لحيته ؛ وَقَالَ : ( هَكَذَا أَمرنِي رَبِّي ) "2"
وقال المالكية : يكره تخليل اللحية الكثة ؛ لما في ذلك من التعمق .
والمعتمد عند الشافعية : استحباب تخليل اللحية للمحرم أيضا ؛ لكنه يخلل برفق لئلا يتساقط شيء من شعره ؛ وعند الحنفية ( يكره ) "3"

مسألة رقم ( 99 )
السنة التاسعة ( تخليل أصابع اليدين والرجلين )
إِيصَال الْمَاءِ بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالتَّخْلِيل أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُتَمِّمَاتِ الْغُسْل ، فَهُوَ فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْل عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } .
أَمَّا التَّخْلِيل بَعْدَ دُخُول الْمَاءِ خِلاَل الأْصَابِعِ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) أَنَّ تَخْلِيل الأْصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ: أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّل بَيْنَ الأْصَابِعِ "4" .
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ : بِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ .
وَالْحَنَابِلَةُ يَرَوْنَ أَنَّ التَّخْلِيل فِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ آكَدُ، وَعَلَّلُوا اسْتِحْبَابَ التَّخْلِيل بِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إِزَالَةِ الدَّرَنِ وَالْوَسَخِ مِنْ بَيْنِ الأْصَابِعِ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ : إِلَى وُجُوبِ التَّخْلِيل فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَاسْتِحْبَابِهِ فِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا وَجَبَ تَخْلِيل أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ دُونَ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ لِعَدَمِ شِدَّةِ الْتِصَاقِهَا، فَأَشْبَهَتِ الأْعْضَاءَ الْمُسْتَقِلَّةَ، بِخِلاَفِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ لِشِدَّةِ الْتِصَاقِهَا، فَأَشْبَهَ مَا بَيْنَهَا الْبَاطِنَ .
وَفِي الْقَوْل الآْخَرِ عِنْدَهُمْ : يَجِبُ التَّخْلِيل فِي الرِّجْلَيْنِ كَالْيَدَيْنِ .
وَمُرَادُ الْمَالِكِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّخْلِيل إِيصَال الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ بِالدَّلْكِ "5" .

كيفية التخليل :
التَّخْلِيلُ فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ بِالتَّشْبِيكِ بَيْنَهُمَا بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ وَقَعَ سَوَاءٌ أَجَعَلَ بَطْنًا لِبَطْنٍ أَمْ بَطْنًا لِظَهْرٍ، لَكِنَّ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ فِي تَخْلِيلِ الْيَدِ الْيُمْنَى أَنْ يَجْعَلَ بَطْنَ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ الْيُمْنَى، وَفِي تَخْلِيلِ الْيَدِ الْيُسْرَى بِالْعَكْسِ خُرُوجًا مِنْ فِعْلِ الْعِبَادَةِ عَلَى صُورَةِ الْعَادَةِ فِي التَّشْبِيكِ .
وَلَا يُنَافِي كَرَاهَةَ التَّشْبِيكِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا فِيمَنْ بِالْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ .
أما أصابع الرجلين فَيَكُونُ التَّخْلِيلُ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى ، وَيَبْدَأُ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى "6" .

مسألة رقم ( 100 )
السنة العاشرة ( تقديم اليمنى على اليسرى )
جاء في المغني : ( لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ - فِيمَا عَلِمْنَا - فِي اسْتِحْبَابِ الْبُدَاءَةِ بِالْيُمْنَى ، وَمِمَّنْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَأَهْلُ الشَّامِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ بَدَأَ بِيَسَارِهِ قَبْلَ يَمِينِهِ. وَأَصْلُ الِاسْتِحْبَابِ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ، وَيَفْعَلُهُ، فَرَوَتْ عَائِشَةُ، « أن النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ "7" .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ "8" .
وَحَكَى عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، « وُضُوءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَبَدَأَ بِالْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى » رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد "9" .
وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ، وَكَذَا الرِّجْلَانِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : ( وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) وَلَمْ يُفَصِّلْ .
وَالْفُقَهَاءُ يُسَمُّونَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَرْبَعَةً ، يَجْعَلُونَ الْيَدَيْنِ عُضْوًا، وَالرَّجُلَيْنِ عُضْوًا ، وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ ) "10"


_________________________________
1 – سنن الترمذي ؛ 1 / 86 .
2 – سنن أبي داود ؛ 1 / 36 .
3 – الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ؛ 1 / 196 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 238 ؛ وشرح الخرشي على مختصر خليل ؛ 1 / 240 ؛ والمغني ؛ 1 / 166 ؛ والموسوعة الكويتية ؛ 11 / 53 .
4 – سبق تخريجه .
5 – حاشية ابن عابدين ؛ 1 / 238 ؛ وحاشية الدسوقي ؛ 1 / 89 ؛ وشرح الخرشي ؛ 1 / 243 و 248 ؛ والمغني ؛ 1 / 174 ؛ والموسوعة الكويتية ؛ 11 / 49 و 50 .
6 – الإقناع مع حاشية البجيرمي عليه ؛ 1 / 168 .
7 – صحيح البخاري ؛ 1 / 45 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 226 .
8 – سنن ابن ماجة ؛ 1 / 141 .
9 – سنن أبي داود ؛ 1 / 26 و 27 .
10 – المغني ؛ 1 / 175 و 176 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 101 )
السنة الحادية عشرة ( إطالة غرته وتحجيله )
إطالة الغرة : هو أن يغسل من وجهه الزائد على الواجب .
وغاية إطالة الغرة : غَسْلُ صَفْحَةِ الْعُنُقِ مَعَ مُقَدِّمَاتِ الرَّأْسِ .
وإطالة التحجيل : هو أن يغسل الزائد على الواجب من اليدين والقدمين .
وغاية إطالة التحجيل : اسْتِيعَابُ الْعَضُدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ بَقَاءِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَسُقُوطِهِ ؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور .
وقد دل على استحباب إطالة الغرة والتحجيل ؛ خَبَرُ البخاري « إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ » "1"
وخبر مسلم : « أَنْتُمْ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ » "2"
وَمَعْنَى غُرًّا مُحَجَّلِينَ : بِيضُ الْوُجُوهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ كَالْفَرَسِ الْأَغَرِّ وَهُوَ الَّذِي فِي وَجْهِهِ بَيَاضٌ ؛ وَالْمُحَجَّلُ : وَهُوَ الَّذِي قَوَائِمُهُ بِيضٌ "3" .

مسألة رقم ( 102 )
السنة الثانية عشرة ( الموالاة )
بِحَيْثُ لَا يَجِفُّ الْأَوَّلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ وَمِزَاجِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ .
وقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُوَالاَةِ فِي الْوُضُوءِ :
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْل الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ: إِنَّهَا سُنَّةٌ وَبِهِ قَال مِنَ الصَّحَابَةِ عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالثَّوْرِيُّ لأِنَّ التَّفْرِيقَ لاَ يَمْنَعُ مِنِ امْتِثَال الأْمْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } . . الآْيَةَ ؛ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَمْنَعَ مِنَ الإْجْزَاءِ .
وَرَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي السُّوقِ فَغَسَل وَجْهَهُ وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ دُعِيَ لِجِنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا حِينَ دَخَل الْمَسْجِدَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا . أخرجه الإمام مالك في الوطأ "4" .
وَلأِنَّهُ تَفْرِيقٌ فِي تَطْهِيرٍ فَجَازَ كَالتَّفْرِيقِ الْيَسِيرِ وَلأِنَّ كُل عِبَادَةٍ جَازَ فِيهَا التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ جَازَ فِيهَا التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ كَالْحَجِّ .
وَقَال الْمَسْعُودِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ : إِنَّ الشَّافِعِيَّ جَوَّزَ فِي الْقَدِيمِ تَفْرِيقَ الصَّلاَةِ بِالْعُذْرِ إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي فَالطَّهَارَةُ أَوْلَى .
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ : إِنَّ الْمُوَالاَةَ فِي الْوُضُوءِ أَفْضَل وَمُتَابَعَةُ الأْعْضَاءِ أَكْمَل انْقِيَادًا لِمَا يَقْتَضِيهِ الأْمْرُ مِنَ التَّعْجِيل وَاتِّبَاعًا لِقَوْل الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَإِنْ فَرَّقَ فَالتَّفْرِيقُ ضَرْبَانِ :
قَرِيبٌ .
وَبَعِيدٌ .
فَالْقَرِيبُ : مَعْفُوٌّ عَنْهُ لاَ تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْوُضُوءِ وَحْدَهُ مَا لَمْ تَجِفَّ الأْعْضَاءُ مَعَ اعْتِدَال الْهَوَاءِ فِي غَيْرِ بَرْدٍ وَلاَ حَرٍّ مُشْتَدٍّ وَلَيْسَ الْجَفَافُ مُعْتَبَرًا وَإِنَّمَا زَمَانُهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَلأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ .
وَأَمَّا الْبَعِيدُ : فَهُوَ أَنْ يَمْضِيَ زَمَانُ الْجَفَافِ فِي اعْتِدَال الْهَوَاءِ ؛ فَفِيهِ قَوْلاَنِ :
أَحَدُهُمَا - وَهُوَ الْجَدِيدُ -: أَنَّهُ جَائِزٌ وَالْوُضُوءُ مَعَهُ صَحِيحٌ .
وَالثَّانِي - وَهُوَ الْقَدِيمُ -: لاَ يَجُوزُ وَالْوُضُوءُ مَعَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ .
وَقَال السُّيُوطِيُّ: الْمُوَالاَةُ سُنَّةٌ عَلَى الأْصَحِّ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْل وَالتَّيَمُّمِ. . . وَبَيْنَ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ.
وَقِيل : الْمُوَالاَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُل مَا سَبَقَ وَقَال: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الأْصَحِّ فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الأْولَى وَبَيْنَ طَهَارَةِ دَائِمِ الْحَدَثِ وَصَلاَتِهِ وَبَيْنَ كَلِمَاتِ الأْذَانِ وَالإْقَامَةِ وَبَيْنَ الْخُطْبَةِ وَصَلاَةِ الْجُمُعَةِ، وَتَجِبُ الْمُوَالاَةُ قَطْعًا بَيْنَ كَلِمَاتِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ وَرَدِّ السَّلاَمِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْل الْقَدِيمِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ : إِنَّهَا وَاجِبَةٌ ؛ وَبِهِ قَال مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الأْوْزَاعِيُّ ؛ لأِنَّ مُطْلَقَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوُضُوءِ فِي قَوْله تَعَالَى: { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَالتَّعْجِيل وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنَ التَّأْجِيل .
وَلأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ عَلَى الْوَلاَءِ ثُمَّ قَال: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لاَ يَقْبَل اللَّهُ مِنْهُ صَلاَةً إِلاَّ بِهِ "5" يَعْنِي بِمِثْلِهِ فِي الْوَلاَءِ .
وَرَوَى جَابِرٌ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَجُلاً تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال : ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى "6"
قال المالكية : محل وجوب الموالاة إن كان ذاكرا قادرا عليها ؛ فإن فرق بين الأعضاء ناسيا كونه في وضوءه فإنه يبني على ما فعل مطلقا ؛ طال الزمن أو لم يطل ولو أكثر من نصف النهار بنية إتمام الوضوء .
وأما لو فرق عاجزا عن إكمال الوضوء ؛ ففيه تفصيل :
أ – إن لم يكن مفرطا في أسباب العجز كما لو أعد ماء كافيا لوضوءه فأهريق منه ؛ أو غصب ؛ أو أكره على عدم الإتمام فإنه يبني كالناسي مطلقا طال أو لم يطل .
ب – وإن كان مفرطا ؛ كما لو أعد من الماء ما لا يكفيه – ولو ظنا – ولم يكفه ؛ فإنه يبني على ما فعل ما لم يطل الفصل ؛ وصار حكمه حكم العامد المختار .
قالوا : التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ لاَ يَضُرُّ مُطْلَقًا سَهْوًا كَانَ أَوْ عَجْزًا أَوْ عَمْدًا إِذَا لَمْ يَضُرَّ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ فَيُكْرَهُ إِنْ كَانَ عَمْدًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَالْيَسِيرُ مُقَدَّرٌ بِعَدَمِ الْجَفَافِ "7" .

مسألة رقم ( 103 )
السنة الثالثة عشرة ( ترك الاستعانة )
الاستعانة أنواع :
1 – النوع الأول : أن يستعين بمن يصب له الماء .
2 – النوع الثاني : أن يستعين بمن يغسل أعضاءه .
3 – النوع الثالث : أن يستعين بمن يحضر له الماء .
ومقصود المنهاج هو ( النوع الأول ) والمعتمد عند الشافعية أنه خلاف الأولى حيث لم يكن له عذر ؛ أمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ فَلَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ ، بَلْ قَدْ تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّطَهُّرُ إلَّا بِهَا وَلَوْ بِبَذْلِ أُجْرَةِ مِثْلٍ .
واستدلوا على أن ترك الاستعانة من سنن الوضوء ؛ بأن ذلك هو الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ التَّنَعُّمِ وَالتَّكَبُّرِ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْمُتَعَبِّدِ وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ .
وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ الِاسْتِعَانَةِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْأَفْعَالِ لَا طَلَبُ الْإِعَانَةِ فَقَطْ حَتَّى لَوْ أَعَانَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ .
وَالاستعانة فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَكْرُوهَةٌ ؛ وَفِي إحْضَارِ الْمَاءِ مُبَاحَةٌ .
وهل من الاستعانة الحنفية المعروفة ؟
والجواب : كلا ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِعْمَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى الِاسْتِعْمَالُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِهِ ، فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوُضُوءِ مِنْهَا مُجَرَّدُ التَّرَفُّهِ، بَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهَا الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ الْوُضُوءَ مِنْ الْفَسَاقِي الصَّغِيرَةِ وَنَظَافَةُ مَائِهَا فِي الْغَالِبِ عَنْ مَاءِ غَيْرِهَا "8" .

مسألة رقم ( 104 )
السنة الرابعة عشرة ( ترك النفض )
من سنن الوضوء ترك النفض ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّبَرِّي مِنْ الْعِبَادَةِ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى على المعتمد "9" .

مسألة رقم ( 105 )
السنة الخامسة عشرة ( ترك التنشيف )
تَرْكُ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ بِلَا عُذْرٍ من سنن الوضوء ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ أَثَرَ الْعِبَادَةِ، « وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ غَسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَتَتْهُ مَيْمُونَةُ بِمِنْدِيلٍ فَرَدَّهُ، وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَنْفُضُهُ » رَوَاهُ الشَّيْخَانِ "10" .
وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِإِبَاحَةِ النَّفْضِ، فَقَدْ يَكُونُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ الْجَوَازِ .
أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ الْتِصَاقِ نَجَاسَةٍ فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا، أَوْ كَأَنْ يَتَيَمَّمَ عَقِبَ الْوُضُوءِ لِئَلَّا يَمْنَعَ الْبَلَلَ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ التَّيَمُّمَ، وَإِذَا نَشَّفَ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ بِذَيْلِهِ وَطَرَفِ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: فَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْفَقْرَ .
وحكم التنشيف هو أنه ( خلاف الأولى ) في ( الأصح )
وقيل : مباح .
وقيل : مكروه "11" .

مسألة رقم ( 106 )
السنة السادسة عشرة ( الدعاء بالوارد بعد الوضوء )
وهو قوله : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْكَ .
لِخَبَرِ مُسْلِمٍ « مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إلَخْ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ » "12"
( اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ ) زَادَهُ التِّرْمِذِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ "13"
( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْكَ ) لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ « مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ إلَخْ كُتِبَ فِي رَقٍّ ثُمَّ طُبِعَ بِطَابَعٍ » "14"

مسألة رقم ( 107 )
الدعاء عند غسل كل عضو
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وَحَذَفْت دُعَاءَ الْأَعْضَاءِ ) الْمَذْكُورَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ: اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ .
وَعِنْدَ غَسْلِ الْيَدِ الْيُمْنَى: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسَبَنِي حِسَابًا يَسِيرًا وَعِنْدَ غَسْلِ الْيَدِ الْيُسْرَى: اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي. وَعِنْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ: اللَّهُمَّ حَرِّمْ شَعْرِي وَبَشَرِي عَلَى النَّارِ.
وَعِنْدَ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ. وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عِنْدَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتْبَعُونَ أَحْسَنَهُ .
( إذْ لَا أَصْلَ لَهُ ) أَيْ : لَمْ يَجِئْ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرَّافِعِيُّ قَالَ: وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ عَنْ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ .
قال الشارح المحقق : وَفَاتَهُمَا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طُرُقٍ فِي تَارِيخِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لِلْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ .
قال في نهاية المحتاج : ( وَلِهَذَا اعْتَمَدَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتِحْبَابَهُ، وَأَفْتَى بِهِ وَبِاسْتِحْبَابِهِ أَيْضًا عَقِبَ الْغُسْلِ كَالْوُضُوءِ وَلَوْ مُجَدَّدًا، وَيَتَّجِهُ إلْحَاقُ التَّيَمُّمِ بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِيهِ، وَنَفَى الْمُصَنِّفُ أَصْلَهُ بِاعْتِبَارِ الصِّحَّةِ .
أَمَّا بِاعْتِبَارِ وُرُودِهِ مِنْ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْهُ حِينَئِذٍ )
وفي الدر المختار ورد المحتار : ( وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ طُرُقٍ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَارْتَقَى إلَى مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ) "15"
والله تعالى أعلم .

____________________________________
1 – صحيح البخاري ؛ 1 / 39 .
2 – صحيح مسلم ؛ 1 / 216 .
3 – نهاية المحتاج ؛ 1 / 193 و 194 ؛ ومغني المحتاج ؛ 1 / 185 و 186 .
4 – موطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى ؛ 2 / 49 .
5 – سنن ابن ماجة ؛ 1 / 145 ؛ وليس فيه ذكر الولاء ، وذكره ابن حجر في الفتح (1 / 233 - ط السلفية) وقال: ضعيف .
6 – صحيح مسلم ؛ 1 / 215 .
7 – الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني ؛ المؤلف : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي ، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ) ؛ المحقق: الشيخ علي محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ؛ الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان ؛ الطبعة: الأولى، 1419 هـ -1999 م ؛ 1 / 136 ؛ و حاشية ابن عابدين ؛ 1 / 245 ؛ و أسهل المدارك ؛ 1 / 51 ؛ وحاشية الدسوقي ؛ 1 / 91 ؛ والمغني ؛ 1 / 214 و 215 ؛ والموسوعة الكويتية ؛ 39 ؛ / 237 و 238 و 239 .
8 – نهاية المحتاج مع حاشية الشبراملسي ؛ 1 / 194 ؛ والإقناع مع حاشية البجيرمي ؛ 1 / 173 .
9 – نهاية المحتاج ؛ 1 / 195 .
10 – صحيح البخاري ؛ 1 / 63 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 254 .
11 – الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ؛ 1 / 202 ؛ ومغني المحتاج ؛ 1 / 187 و 188 .
12 – صحيح مسلم ؛ 1 / 209 .
13 – سنن الترمذي ؛ 1 / 109 .
14 – المستدرك على الصحيحين ؛ 1 / 752 .
15 – كنز الراغبين ؛ 1 / 83 ؛ ونهاية المحتاج ؛ 1 / 197 ؛ والدر المختار مع رد المحتار ؛ 1 / 252 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

نلتقي بعد عيد الفطر إن شاء الله تعالى .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]
باب
مسح الخف
مسألة رقم ( 71 )
o يجوز في الوضوء للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة بلياليها .
مسألة رقم ( 72 )
o من الحدث بعد لبس .
مسألة رقم ( 73 )
فإن مسح حضرا ثم سافر أو عكس لم يستوف مدة سفر .
مسألة رقم ( 74 )
وشرطه :
1. أن يلبس بعد كمال طهر .
2. ساترا محل فرضه .
3. طاهرا .
4. يمكن تباع المشي فيه لتردد مسافر لحاجاته .
- قيل : وحلالا .
مسألة رقم ( 75 )
ولا يجزىء منسوج لا يمنع ماء في الأصح .
- ولا جرموقان في الأظهر .
مسألة رقم ( 76 )
o ويجوز مشقوق قدم شد في الأصح .
مسألة رقم ( 77 )
o ويسن مسح أعلاه وأسفله خطوطا .
- ويكفي مسمى مسح يحاذي الفرض .
إلا :
1. أسفل الرجل .
2. وعقبها فلا على المذهب .
- قلت : حرفه كأسفله . والله أعلم .
مسألة رقم ( 78 )
- ولا مسح لشاك في بقاء المدة .
مسألة رقم ( 79 )
- فإن أجنب وجب تجديد لبس .
مسألة رقم ( 80 )
ومن نزع وهو بطهر المسح غسل قدميه .
- وفي قول : يتوضأ .
___________________________________________
باب
مسح الخفين
مسألة رقم ( 108 )
حكم المسح على الخفين :
المسح على الخفين جائز عند جمهور الفقهاء ؛ وبجاوزه قال الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة ؛ وقد دل على جوازه ما يلي :
1 - ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه "1"
2 - وما رواه جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه أنه بال ثم توضأ ومسح على خفيه ، فقيل له : أتفعل هذا ؟ فقال : نعم ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه "2" ، وإسلام جرير كان بعد نزول المائدة التي فيها قول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } ، والتي قيل : إنها ناسخة للمسح .
3 – روى مسلم عن عروة بن المغيرة، عن أبيه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير، فقال لي: «أمعك ماء» قلت: نعم « فنزل عن راحلته، فمشى حتى توارى في سواد الليل، ثم جاء فأفرغت عليه من الإداوة، فغسل وجهه، وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة فغسل ذراعيه ومسح برأسه ثم أهويت لأنزع خفيه» فقال: « دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ومسح عليهما » "3"
4 - وقد روى مشروعية المسح على الخفين أكثر من ثمانين من الصحابة رضوان الله عليهم منهم : العشرة "4"

وقد يجب المسح على الخفين :
أ - كأن خاف فوت عرفة أو إنقاذ أسير .
ب - أو ضاق الوقت ولو اشتغل بالغسل لخرج الوقت .
ج - أو خشي أن يرفع الإمام رأسه من الركوع الثاني في الجمعة .
ح - أو كان لابس الخف بشرطه محدثا ودخل الوقت وعنده ما يكفي المسح فقط "5"

مسألة رقم ( 109 )
هل غسل القدمين أفضل من مسح الخفين ؟
ذهب الشافعية والحنفية والمالكية إلى أن غسل القدمين أفضل من المسح على الخفين ؛ لأنه المفروض في كتاب الله تعالى ، والمسح رخصة .
وذهب الحنابلة إلى أن المسح على الخفين أفضل من غسل القدمين ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إنما طلبوا الفضل ؛ ولأنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ تُقْبَلَ رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ » "6"
واعلم أن تعبير المصنف رحمه الله تعالى بالجواز يشير إلى أفضلية الغسل على المسح ؛ لأنه لما ذكر فيما مر وجوب الغسل دل على أنه الأصل ، فذكر الجواز في مقابلته يشعر بمخالفته الأصل ، وهو يشعر بأنه مفضول بالنسبة للغسل لأصالته "7"

مسألة رقم ( 110 )
جواز المسح على الخفين خاص بالوضوء :
يجوز المسح على الخفين في الوضوء فقط فلا يجزيء المسح إذا اغتسل مسنونا كان غسله أو واجبا ؛ وكذا لا يجزيء المسح إذا تنجست قدمه ؛ وقد روى صفوان بن عسال المرادي، قال: « كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا مسافرين، أو سفرا، أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن ، إلا من جنابة ، لكن من غائط وبول ونوم » رواه الترمذي ؛ وقال : حديث حسن صحيح "8"
ولأن وجوب الغسل يندر، فلا يشق إيجاب غسل القدم ، بخلاف الطهارة الصغرى "9"

مسألة رقم ( 111 )
مدة المسح على الخفين :
ذهب الشافعية والحنفية والحنابلة إلى أن مدة المسح على الخفين هي ما يلي :
1 – يوم وليلة للمقيم .
2 – ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر .
دل على ذلك ما روى علي - رضي الله عنه - « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم » رواه مسلم "10"
وعن صفوان بن عسال ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن ، إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم . رواه الترمذي وقال : ( هذا حديث حسن صحيح ) "11"
وعن عوف بن مالك الأشجعي، « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ، ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم » رواه الإمام أحمد "12"
وذهب المالكية إلى عدم القول بالمدة التي قال بها الجمهور ؛ بل له أن يمسح ما بدا له ؛ لما روى أبي بن عمارة ، « قال : قلت : يا رسول ، أتمسح على الخفين ؟ قال: نعم قلت : يوما ؟ قال : ويومين ؛ قلت : وثلاثة ؟ قال : وما شئت » رواه أبو داود "13"

قال المصنف رحمه الله تعالى في المجموع :
( فرع )
المراد بالمسافر الذي يمسح ثلاثة أيام ولياليهن المسافر سفرا طويلا وهو السفر الذي تقصر فيه الصلاة "14" .
قلت : وبه قال الحنفية والحنابلة "15" .
والله تعالى أعلم .

( فرع )
العاصي بسفره ؛ كالمسافر لقطع طريق يمسح يوما وليلة ؛ لأن المسح رخصة وهي لا تناط بالمعاصي "16" .

مسألة رقم ( 112 )
ابتداء مدة المسح على الخفين :
ذهب الشافعية والحنفية والحنابلة إلى أن ابتداء مدة المسح على الخفين تحسب من الحدث بعد لبس الخفين ؛ فلو أحدث ولم يمسح حتى مضى من بعد الحدث يوم وليلة ؛ أو ثلاثة إن كان مسافرا انقضت المدة ولم يجز المسح بعد ذلك حتى يستأنف لبسا على طهارة ؛ وما لم يحدث لا تحسب المدة فلو بقي بعد اللبس يوما على طهارة اللبس ثم أحدث استباح بعد الحدث يوما وليلة إن كان حاضرا وثلاثة أيام ولياليها إن كان مسافرا ؛ وذلك لأنها عبادة مؤقتة ، فكان ابتداء وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة .
ولأن أحاديث الباب كلها دالة على أن الخف جعل مانعا من سراية الحدث إلى الرجل شرعا فتعتبر المدة من وقت المنع ؛ لأن ما قبل ذلك طهارة الغسل ولا تقدير فيها، فإذن التقدير في التحقيق إنما هو لمدة منعه شرعا ، وإن كان ظاهر اللفظ التقدير للمسح أو اللبس والخف إنما منع من وقت الحدث .
ولأنه لا يمكن ابتداء المدة من وقت اللبس فإنه لو لم يحدث بعد اللبس حتى يمر عليه يوم وليلة لا يجب عليه نزع الخف بالاتفاق ولا يمكن اعتباره من وقت المسح؛ لأنه لو أحدث ولم يمسح ولم يصل أياما لا إشكال أنه لا يمسح بعد ذلك فكان العدل في الاعتبار من وقت الحدث.
وقال الأوزاعي وأبو ثور : ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث وهو رواية عن أحمد وداود .
قال المصنف في المجموع : وهو المختار الراجح دليلا واختاره ابن المنذر وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يمسح المسافر ثلاثة أيام ) وهي أحاديث صحاح كما سبق وهذا تصريح بأنه يمسح ثلاثة ولا يكون ذلك إلا إذا كانت المدة من المسح .
ولأن الشافعي رضي الله عنه قال : إذا أحدث في الحضر ومسح في السفر أتم مسح مسافر فعلق الحكم بالمسح .
وحكى الماوردي والشاشي عن الحسن البصري : أن ابتداءها من اللبس .
وقال الشعبي، وأبو ثور، وإسحاق : يمسح المقيم خمس صلوات، لا يزيد عليها.
قال في المغني : ( وأما تقديره بعدد الصلوات فلا يصح ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قدره بالوقت دون الفعل ) "17"

المعتمد عند الشافعية في هذه المسألة :
المعتمد في هذه المسألة في مذهب الشافعية أن أول المدة من آخر الحدث إن كان بغير اختياره كالجنون والإغماء والبول والغائط والريح ؛ لأن من شأنها ذلك "18" ، ومن أوله إن كان باختياره كاللمس والمس والنوم "19"
والله تعالى أعلم .

مسألة رقم ( 113 )
مسح في الحضر ثم سافر :
من مسح وهو مقيم ؛ ثم سافر قبل أن تنقضي مدة مسح المقيم أتم مسح مقيم وهو يوم وليلة ؛ وهذا مذهب الشافعية ورواية عن الإمام أحمد رحمهم الله تعالى ؛ لأنها عبادة تختلف بالحضر والسفر، وجد أحد طرفيها في الحضر، فغلب فيها حكم الحضر، كالصلاة .
وقال الحنفية : يمسح مسح مسافر ؛ وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله تعالى عن الجميع ؛ لقوله – عليه الصلاة والسلام - : « يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن » وهذا مسافر؛ ولأنه سافر قبل كمال مدة المسح، فأشبه من سافر قبل المسح بعد الحدث "20" .

مسح في السفر ثم أقام :
إذا مسح مسافر أقل من يوم وليلة ، ثم أقام أتم على مسح مقيم وخلع ، وإذا مسح مسافر يوما وليلة فصاعدا، ثم أقام أو قدم خلع ؛ وهذا قول الشافعية والحنفية والحنابلة .
قال في المغني : ( ولا أعلم فيه مخالفا ) لأنه لما صار مقيما ، لم يجز له أن يمسح مسح المسافر .
ولأن المسح عبادة يختلف حكمها بالحضر والسفر، فإذا ابتدأها في السفر ثم حضر في أثنائها، غلب حكم الحضر، كالصلاة .
فعلى هذا لو مسح أكثر من يوم وليلة، ثم دخل في الصلاة، فنوى الإقامة في أثنائها، بطلت صلاته ؛ لأنه قد بطل المسح ، فبطلت طهارته ، فبطلت صلاته لبطلانها، ولو تلبس بالصلاة في سفينة ، فدخلت البلد في أثنائها، بطلت صلاته لذلك "21"
( تنبيه ) قد علم من اعتبار المسح أنه لا عبرة بالحدث حضرا ، وإن تلبس بالمدة
ولا بمضي وقت الصلاة حضرا ، وعصيانه إنما هو بالتأخير لا بالسفر الذي به الرخصة .
قولهم : ( ولا بمضي وقت الصلاة . . إلخ ) كأن أحدث المتهيئ للسفر وقت الظهر مثلا ودخل وقت العصر وهو لم يصل الظهر، ثم إنه توضأ ومسح سفرا فإنه يمسح مسح مسافر .
فإن قلت : هو في هذه الحالة عاص لأنه أخرج الصلاة عن وقتها والعاصي لا يمسح إلا مسح مقيم !
والجواب : أن عصيانه إنما هو بالتأخير . . إلخ ؛ والمضر إنما هو العصيان بالسفر "22"

مسألة رقم ( 114 )
شروط المسح على الخفين :
تنقسم شروط المسح على الخفين إلى قسمين :
القسم الأول : شروط متفق عليها بين الفقهاء .
القسم الثاني : شروط مختلف عليها بين الفقهاء .
وسنفصل القول – إن شاء الله تعالى – في هذين القسمين فيما يلي :

الشروط المتفق عليها بين الفقهاء :
1 – الشرط الأول : أن يلبس الخفين على طهارة كاملة ، وقد دل على اشتراط هذا الشرط حديث المغيرة بن شعبة قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه فقال : دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ، فمسح عليهما "23" .
وقد اختلف الفقهاء في بعض جزئيات هذا الشرط :
أ - فالجمهور غير الشافعية يشترطون أن تكون الطهارة بالماء من وضوء أو غسل، أما الشافعية فيجوزون أن تكون الطهارة بالماء أو بالتيمم ، ولكن ليس لفقد الماء مثلا ، بل لعدم القدرة على استعماله ؛ فإن كان تيمم لفقد الماء فلا يجوز المسح بعد وجود الماء ، وإنما يلزمه إذا وجد الماء نزع الخف ، والوضوء الكامل .
أما إن كان التيمم لمرض ونحوه ، فأحدث فله أن يمسح على الخف .
ب - ويرى الجمهور غير الحنفية أن تكون الطهارة كاملة بأن يلبسهما بعد تمام الطهارة بالوضوء أو بالغسل ، بينما يرى الحنفية أن تكون الطهارة كاملة ولو لم يراع فيها الترتيب وقت الحدث بعد اللبس ، إذ أن الترتيب في الوضوء ليس شرطا عندهم، وهو شرط عند الجمهور، فلو غسل رجليه أولا ثم مسح رأسه ، وغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ثم لبس الخف فيجوز له المسح عند انتقاض وضوئه عند الحنفية دون الجمهور .
2 – الشرط الثاني : أن يكون الخف ساترا المحل المفروض غسله في الوضوء : وهو القدم بكعبيه من سائر الجوانب ، لا من الأعلى ، فلو رئي القدم من أعلاه كأن كان واسع الرأس لم يضر عكس ساتر العورة فإنه من الأعلى والجوانب لا من الأسفل؛ لأن القميص في ستر العورة يتخذ لستر أعلى البدن، والخف يتخذ لستر أسفل الرجل
فلا يجوز المسح على خف غير ساتر الكعبين مع القدم .
3 – الشرط الثالث : أن يكون الخف طاهرا ، فلا يجوز المسح على خف نجس كجلد الميتة قبل الدبغ عند الحنفية والشافعية ، ولا بعد الدبغ عند المالكية والحنابلة ، لأن الدباغ مطهر عند الأولين غير مطهر عند الآخرين ، والنجس منهي عنه .
4 – الشرط الرابع : إمكانية متابعة المشي فيهما، وتفصيل هذا الشرط على النحو التالي :
أ - يرى الحنفية إمكانية متابعة المشي المعتاد فيهما فرسخا فأكثر "24" .
وفي قول : مدة السفر الشرعي للمسافر، فلا يجوز المسح على الخف الرقيق الذي يتخرق من متابعة المشي في هذه المسافة ، كما لا يجوز اتخاذ الخف من الخشب أو الزجاج أو الحديد، كما لا يجوز المسح على الخف الذي لا يستمسك على الرجل من غير شد .
ب - ويرى المالكية لجواز المسح على الخفين إمكانية متابعة المشي فيه عادة فلا يجوز المسح على خف واسع لا يستمسك على القدم.
ج - ويرى الشافعية لجواز المسح على الخفين إمكانية التردد فيهما لقضاء الحاجات مدة المسح المقررة في الحضر والسفر سواء في ذلك المتخذ من جلد أو غيره كلبد وزجاج ونحوهما.
ح - وانفرد الحنابلة برأي خاص هنا ، فقالوا : إمكان المشي فيه عرفا، ولو لم يكن معتادا، فجاز المسح على الخف من جلد ولبد وخشب ، وزجاج وحديد ونحوها؛ لأنه خف ساتر يمكن المشي فيه ، فأشبه الجلود، وذلك بشرط ألا يكون واسعا يرى منه محل الفرض ، أي : كما قال الحنفية والمالكية "25" .

الشروط المختلف فيها بين الفقهاء :
هناك شروط أخرى مقررة في المذاهب مختلف فيها وهي :
1 - أن يكون الخف صحيحا سليما من الخروق :
هذا شرط مفرع على الشرط الثاني السابق ، مشروط عند الفقهاء ، لكنهم اختلفوا في مقدار الخرق اليسير المتسامح فيه :
أ - فالشافعية في الجديد والحنابلة لم يجيزوا المسح على خف فيه خرق ، ولو كان يسيرا ؛ لأنه غير ساتر للقدم ، ولو كان الخرق من موضع الخرز؛ لأن ما انكشف حكمه حكم الغسل، وما استتر حكمه المسح ، والجمع بينهما لا يجوز، فغلب حكم الغسل ، أي : أن حكم ما ظهر الغسل، وما استتر: المسح ، فإذا اجتمعا غلب حكم الغسل، كما لو انكشفت إحدى قدميه.
ب - والمالكية والحنفية : أجازوا استحسانا ورفعا للحرج المسح على خف فيه خرق يسير؛ لأن الخفاف لا تخلو عن خرق في العادة ، فيمسح عليه دفعا للحرج . أما الخرق الكبير فيمنع صحة المسح ، وما الخرق الكبير ؟
هو عند المالكية : مالا يمكن به متابعة المشي، وهو الخرق الذي يكون بمقدار ثلث القدم، سواء أكان منفتحا أم ملتصقا بعضه ببعض، كالشق وفتق خياطته ، مع التصاق الجلد بعضه ببعض ؛ وإن كان الخرق دون الثلث ضر أيضا إن انفتح ، بأن ظهرت الرجل منه ، لا إن التصق . ويغتفر الخرق اليسير جدا بحيث لا يصل بلل اليد حال المسح لما تحته من الرجل .
والخرق الكبير عند الحنفية : هو بمقدار ثلاث أصابع من أصغر أصابع القدم .
2 - أن يكون الخف من الجلد :
هذا الشرط عند المالكية فقد تمسكوا بهذا الشرط فلا يجوز عندهم المسح على الخف المتخذ من القماش كما لا يصح المسح على الجوارب المصنوعة من الصوف أو القطن أو نحو ذلك إلا إذا كسيت بالجلد ، كما اشترطوا أن يكون الجلد مخروزا أو مخيطا، فلا يجوز المسح على الذي يتماسك باللزق .
ويرى الجمهور غير المالكية جواز المسح على الخف المصنوع من الجلد أو من غيره ، بشرط أن يكون الخف مانعا من وصول الماء إلى القدم مع بقية الشروط الأخرى ، لأن الغالب في الخف كونه كذلك ، سواء كان يستمسك على القدم بنفسه أو بالشد بواسطة العرى والسيور والرباط .
3 - أن يكون الخف مفردا ( المسح على الجرموق )
وهذا أيضا شرط عند المالكية ، فلو لبس خفا فوق خف ( الجرموق ) ففي جواز المسح عليه قولان عندهم ، الراجح أنه يجوز في هذه الحالة المسح على الأعلى، فلو نزعه، وكان على طهر، وجب عليه مسح الأسفل فورا .
وقال الحنفية والحنابلة : يجزئ المسح على الجرموق فوق الخف، أي كما قال المالكية. لقول بلال : « رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الموق » وهو الجرموق .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : « امسحوا على النصيف والموق » .
ولكن اشترط الحنفية لصحة المسح على الجرموق شروطا ثلاثة :
الأول : أن يكون الأعلى جلدا، فإن كان غير جلد يصح المسح على الأعلى إن وصل الماء إلى الأسفل .
الثاني : أن يكون الأعلى صالحا للمشي عليه منفردا، فإن لم يكن صالحا لم يصح المسح عليه إلا بوصول الماء إلى الأسفل.
الثالث : أن يلبس الأعلى على الطهارة التي لبس عليها الأسفل.
ولا يجزئ عند الشافعية في الأظهر الاقتصار في المسح على الخف الأعلى من الجرموقين (وهما خف فوق خف ، كل منهما صالح للمسح عليه)؛ لأن الرخصة وردت في الخف لعموم الحاجة إليه ، والجرموق لا تعم الحاجة إليه ، أي أنه لا بد من مسح الأعلى والأسفل .
والقول الثاني عندهم : يجزئ مسح الأعلى ؛ لأن شدة البرد قد تحوج إلى لبسه ، وفي نزعه عند كل وضوء للمسح على الأسفل مشقة .
وأجاب الأول : بأنه لا مشقة عليه في ذلك ، إذ يمكنه أن يدخل يده بينهما ويمسح الأسفل .
قال المصنف رحمه الله تعالى في ( روضة الطالبين وعمدة المفتين ) :
( فرع )
الجرموق : هو الذي يلبس فوق الخف لشدة البرد غالبا ؛ فإذا لبس خفا فوق خف، فله أربعة أحوال :
أحدها : أن يكون الأعلى صالحا للمسح عليه دون الأسفل، لضعفه، أو لخرقه، فالمسح على الأعلى خاصة .
الثاني : عكسه ، فالمسح على الأسفل خاصة ؛ فلو مسح الأعلى فوصل البلل إلى الأسفل، فإن قصد مسح الأسفل، أجزأه ؛ وكذا إن قصدهما على الصحيح ؛ وإن قصد الأعلى لم يجز ؛ وإن لم يقصد واحدا، بل قصد المسح في الجملة، أجزأه على الأصح، لقصده إسقاط فرض الرجل بالمسح .
الثالث : أن لا يصلح واحد منهما فيتعذر المسح .
الرابع : أن يصلحا كلاهما ، ففي المسح على الأعلى وحده قولان :
القديم : جوازه .
والجديد : منعه .
قال : قلت : الأظهر عند الجمهور ( الجديد ) ، وصحح القاضي أبو الطيب في شرح (الفروع) القديم . والله أعلم .
4 - أن يكون الخف مباحا :
هذا الشرط اشترطه الحنابلة ؛ وهو مقابل الأصح عند الشافعية ؛ فلا يصح عندهم المسح على خف مغصوب مثلا .
قال في المغني : إن كان الخف محرما ؛ كالقصب والحرير، لم يستبح المسح عليه في الصحيح من المذهب ، وإن مسح عليه ، وصلى ، أعاد الطهارة والصلاة ؛ لأنه عاص بلبسه ، فلم تستبح به الرخصة ، كما لا يستبيح المسافر رخص السفر لسفر المعصية .
والأصح عند الشافعية أنه لا يشترط ذلك ؛ وهو مذهب الحنفية ؛ لأن الخف يستوفى به الرخصة لا أنه المجوز للرخصة بخلاف منع القصر في سفر المعصية إذ المجوز له السفر، ولا يشكل ذلك بعدم صحة الاستجمار بالمحترم كما مر؛ لأن الحرمة ثم لمعنى قائم بالآلة ، بخلافه هنا .
وعلى هذا فيكفي المسح على المغصوب والديباج الصفيق والمتخذ من فضة أو ذهب للرجل وغيره كالتيمم بتراب مغصوب .
قال الخطيب : واستثنى في العباب ما لو كان اللابس للخف محرما بنسك ووجهه ظاهر .
والفرق بينه وبين المغصوب ونحوه : أن المحرم منهي عن اللبس من حيث هو لبس فصار كالخف الذي لا يمكن متابعة المشي عليه ، والنهي عن لبس المغصوب ونحوه من حيث إنه متعد في استعمال مال الغير .
وقال المالكية : في إجزاء المسح على خف غصب وعدم الإجزاء تردد ؛ والمعتمد الإجزاء مع الحرمة قياسا على الماء المغصوب ؛ فإنه يجزئ الوضوء به مع الحرمة للتصرف في ملك الغير بغير إذنه .
5 - ألا يصف الخف القدم لصفائه أو لخفته :
هذا شرط عند الحنابلة ، فلا يصح المسح على الزجاج الرقيق؛ لأنه غير ساتر لمحل الفرض، ولا على ما يصف البشرة لخفته .
والمطلوب عند المالكية أن يكون الخف من جلد كما تقدم .
وعند الحنفية والشافعية : أن يكون مانعا من نفوذ الماء إلى الرجل من غير محل الخرز، لو صب عليه ، لعدم صفاقته ، وبناء عليه يصح المسح على خف مصنوع من « نايلون » سميك، ونحوه من كل شفاف ، لأن القصد هو منع نفوذ الماء .
ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يجزئ منسوج لا يمنع ماء ) أي : نفوذه إلى الرجل من غير محل الخرز لو صب عليه لعدم صفاقته ( في الأصح ) ؛ لأن الغالب في الخفاف أنها تمنع النفوذ ، فتنصرف إليها النصوص الدالة على الترخص فيبقى الغسل واجبا فيما عداها .
والثاني : يجزئ كالمتخرق ظهارته من موضع وبطانته من آخر غير متحاذيين فإنه يجوز، وإن نفذ البلل إلى الرجل لو صبا عليه.
قال الخطيب الشربيني رحمه الله تعالى :
تنبيه : لو حذف المصنف لفظة منسوج وقال : لا يجزئ ما لم يمنع ماء لشمل المنسوج وغيره "26" .

مسألة رقم ( 115 )
قوله : ( ويجوز مشقوق قدم شد في الأصح ) وقد اتفقت المذاهب على ذلك ؛ وذلك لحصول الستر وتيسر المشي فيه .
ومقابل الأصح : لا يجوز ؛ فلا يكفي المسح عليه كما لو لف على قدمه قطعة أدم وأحكمها بالشد فإنه لا يمسح "27" .

مسألة رقم ( 116 )
كيفية المسح على الخفين :
الواجب في المسح عند الحنفية : هو قدر ثلاث أصابع من أصغر أصابع اليد، على ظاهر مقدم كل رجل ، مرة واحدة ، اعتبارا لآلة المسح، فلا يصح على باطن القدم، ولاعقبه ، ولا جوانبه وساقه .
ولا يسن تكراره ولا مسح أسفله لأنه يراعى فيه جميع ما ورد به الشرع.
والواجب عند المالكية : مسح جميع أعلى الخف ، ويستحب أسفله أيضا.
وعند الشافعية : يكفي مسمى مسح، كمسح الرأس، في محل الفرض وهو ظاهر الخف، لا أسفله وحرفه وعقبه ؛ لأن المسح ورد مطلقا، ولم يصح فيه تقدير شيء معين، فتعين الاكتفاء بما ينطلق عليه اسم المسح، كإمرار يد أو عود ونحوهما، أي يجزئه أقل ما يقع عليه اسم المسح ، ويسن مسح أعلاه وأسفله وعقبه خطوطا، كما قال المالكية .
وعند الحنابلة : المجزئ في المسح أن يمسح أكثر مقدم ظاهر الخف، خطوطا بالأصابع، ولا يسن مسح أسفل الخف ولا عقبه ، كما قال الحنفية
ودليلهم : أن لفظ المسح ورد مطلقا، وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله، فيجب الرجوع إلى تفسيره، وقد فسر المسح في حديث المغيرة بن شعبة ـ فيما يرويه الخلال بإسناده ـ قال : « ثم توضأ ومسح على الخفين، فوضع يده اليمنى على خفه الأيمن، ووضع يده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة، حتى كأني أنظر إلى أثر أصابعه على الخفين »
والخلاصة :
أ - أن الواجب هو مسح جميع ظاهر الخف عند المالكية، كسائر أعضاء الوضوء .
ب - وبمقدار ثلاث أصابع من اليد عند الحنفية كمسح الرأس في الوضوء
ج - ومسح أكثر أعلى الخف عند الحنابلة لحديث المغيرة: « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر الخفين »
ح - والواجب عند الشافعية : أقل ما يطلق عليه اسم المسح ؛ لأن ما ورد في الشرع مطلقا يتحقق بأي حالة من حالاته .
وسبب الاختلاف في مسح باطن الخف تعارض أثرين :
أحدهما : حديث المغيرة بن شعبة، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله ، وبه أخذ المالكية والشافعية.
والثاني : ـحديث علي السابق: « لو كان الدين يؤخذ بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه » وبه أخذ الحنفية والحنابلة.
والفريق الأول : جمع بين الحديثين، فحمل حديث المغيرة على الاستحباب، وحديث علي على الوجوب.
والفريق الثاني : ذهب مذهب الترجيح، فرجح حديث علي على حديث المغيرة، لأنه أرجح سندا، ولأن المسح على الخف شرع مخالفا للقياس، فيقتصر فيه على النحو الذي ورد به الشرع .
قال الدكتور وهبة الزحيلي : والثاني هو الأرجح في تقديري ، وإن قال ابن رشد: والأسد في هذه المسألة هو مالك.
والخلاصة : أن محل المسح على الخف هو ظاهره وأعلاه ولا يمسح باطنه وأسفله عند الحنفية والحنابلة ، ومحله المفروض عند المالكية والشافعية : هو أعلى الخف ويسن مسح أسفله معه "28" .

سنة المسح :
تبين مما ذكر أن للفقهاء رأيين في سنة المسح :
قال الحنفية والحنابلة : يمسح خطوطا بالأصابع بادئا من ناحية الأصابع إلى الساق، لحديث المغيرة رضي الله عنه : « أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه، ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن، ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح إلى أعلاه مسحة واحدة » .
فإن بدأ في المسح من ساقه إلى أصابعه ، أجزأه .
ويسن مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى والرجل اليسرى باليد اليسرى، لحديث المغيرة السابق .
وقال المالكية والشافعية : صفة المسح المندوبة : أن يضع باطن كف يده على أطراف أصابع رجله اليمنى، ويضع باطن كف يده اليسرى تحت أصابع رجليه (عند المالكية) وتحت العقب (عند الشافعية)، ثم يمر يديه إلى آخر قدمه، أي أنه يندب عندهم مسح أعلى الخف مع أسفله معا، ولا يسن استيعابه بالمسح ، ويكره تكراره وغسله ؛ لأن ذلك مفسد للخف، ولو فعل ذلك أجزأه "29"

مسألة رقم ( 117 )
( ولا مسح لشاك ) سواء في ذلك المسافر والمقيم ( في بقاء المدة ) هل انقضت أو لا ؟ سواء في ذلك المسافر والمقيم ؛ أوشك المسافر هل ابتدأ في السفر أو في الحضر ؟ لأن المسح رخصة بشروط ؛ منها : المدة ، فإذا شك فيها رجع إلى الأصل ، وهو الغسل .
وظاهر كلامه أن الشك، إنما يؤثر في منع المسح لا أنه يقتضي الحكم بانقضاء المدة وهو كذلك فلو زال الشك وتحقق بقاء المدة جاز المسح "30"

مسألة رقم ( 118 )
( فإن أجنب ) لابس الخف أو حصل منه ما يوجب الغسل من نحو حيض في أثناء المدة ( وجب تجديد لبس ) بعد الغسل إن أراد المسح بأن ينزع ويتطهر ثم يلبس لحديث صفوان بن غسان قال: « كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا مسافرين، أو سفرا، أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن ، إلا من جنابة ، لكن من غائط وبول ونوم »
دل الأمر بالنزع على عدم جواز المسح في الغسل والوضوء لأجل الجنابة فهي مانعة من المسح قاطعة لمدته حتى لو اغتسل لابسا لا يمسح بقيتها ، وقيس بالجنابة غيرها مما هو في معناها كالحيض والنفاس والولادة .
والأمر في الحديث للإباحة لمجيئه في خبر النسائي « أرخص لنا » "31"

مسألة رقم ( 119 )
( ومن نزع ) خفيه أو أحدهما في المدة أو انتهت المدة ( وهو بطهر المسح ) أي : بقي متوضأ ( غسل قدميه ) وهو مذهب الحنفية والمالكية ؛ لأن أثر الحدث اقتصر على الخف، أو لبطلان طهر القدمين فقط ، وبما أن الأصل غسلهما، والمسح بدل، فإذا زال حكم البدل رجع إلى الأصل، كالتيمم بعد وجود الماء.
قال المالكية : ( يغسل رجليه ولا يعيد الوضوء ما لم يتراخ عمدا ويطل )
والشافعية والحنفية لم يقيدوا بهذا القيد .
( وفي قول يتوضأ ) وبه قال الحنابلة ؛ لبطلان كل الطهارة ببطلان بعضها كالصلاة .
أي : أن الحدث لا يتبعض ولا يتجزأ ، فإذا خلع أو مضت المدة ، عاد الحدث إلى العضو الذي مسح الخف عنه ، فيسري إلى بقية الأعضاء ، فيستأنف الوضوء ، ولو قرب الزمن .
وهنا قول ثالث وهو : لا شئ عليه لا غسل القدمين ولا غيره بل طهارته صحيحة يصلي بها ما لم يحدث كما لو لم يخلع ؛ لأن طهارته صحيحة فلا تبطل بلا حدث كالوضوء وأما نزع الخف فلا يؤثر في الطهارة بعد صحتها كما لو مسح رأسه ثم حلقه .
قال المصنف رحمه الله تعالى في المجموع : وهذا المذهب حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وقتادة وسليمان بن حرب واختاره ابن المنذر وهو المختار الأقوى وحكاه أصحابنا عن داود إلا أنه قال : يلزمه نزعهما ولا يجوز أن يصلي فيهما "32" .

مسألة رقم ( 120 )
قال في المجموع : ( أجمع العلماء على أنه لا يجوز المسح على القفازين في اليدين والبرقع في الوجه ) "33"

مسألة رقم ( 121 )
المسح على الجوربين :
مذهب الشافعية
جاء في المهذب للإمام الشيرازي رحمه الله تعالى : ( وإن لبس جوربا جاز المسح عليه بشرطين :
أحدهما : أن يكون صفيقا لا يشف .
والثاني : أن يكون منعلا .
فإن اختل أحد الشرطين لم يجز المسح عليه )
قال المصنف رحمه الله تعالى في المجموع : هذه المسألة مشهورة وفيها كلام مضطرب للأصحاب ونص الشافعي رضي الله عنه عليها في الأم كما قاله المصنف ؛ وهو أنه يجوز المسح على الجورب بشرط أن يكون صفيقا منعلا وهكذا قطع به جماعة منهم : الشيخ أبو حامد والمحاملي وابن الصباغ والمتولي وغيرهم ونقل المزني : أنه لا يمسح على الجوربين إلا أن يكونا مجلدي القدمين .
وقال القاضي أبو الطيب : لا يجوز المسح على الجورب إلا أن يكون ساترا لمحل الفرض ويمكن متابعة المشي عليه ؛ قال : وما نقله المزني من قوله إلا أن يكونا مجلدي القدمين ليس بشرط وإنما ذكره الشافعي رضي الله عنه ؛ لأن الغالب أن الجورب لا يمكن متابعة المشي عليه إلا إذا كان مجلد القدمين ؛ هذا كلام القاضي أبي الطيب .
وذكر جماعات من المحققين مثله .
ونقل صاحبا الحاوي والبحر وغيرهما وجها أنه لا يجوز المسح وإن كان صفيقا يمكن متابعة المشي عليه حتى يكون مجلد القدمين .
والصحيح بل الصواب ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين أنه إن أمكن متابعة المشي عليه جاز كيف كان وإلا فلا .
وهكذا نقله الفوراني في الإبانة عن الأصحاب أجمعين فقال : قال أصحابنا : إن أمكن متابعة المشى على الجوربين جاز المسح عليهما وإلا فلا .
والجورب ( بفتح الجيم )
والله أعلم .

مذهب الحنفية
اشترط الحنفية في الجوربين شروطا لا بد من تحقق أحدها كي يصح المسح عليهما ؛ فقالوا : يجوز المسح على الجوربين الثخنينين ولو من غزل أو شعر ؛ وقد فسروا الثخين بقولهم : بحيث
- يمشي فرسخا .
- ويثبت على الساق بنفسه من غير شد .
- ولا يرى ما تحته
- ولا يشف ؛ أي : لا يجاوز الماء إلى القدم .
وكذا يجوز المسح على الجوربين المنعلين ؛ وهما : ما جعل على أسفلهما جلدة ؛ كالنعل للقدم .
ويجوز المسح على الجوربين المجلدين .
والمجلد : ما جعل الجلد على أعلاه وأسفله .

مذهب المالكية
قال المالكية : الجورب : ما كان على شكل الخف من كتان، أو قطن، أو غير ذلك .
وقد أجاز المالكية مسح الجورب يشرط أن يجلد ظاهره وباطنه ؛ كما في مختصر خليل .
والمراد بالظاهر : فوق القدم .
والمراد بالباطن : تحت القدم .
ولا يراد بالباطن ما يلي الرجل .

مذهب الحنابلة
قال في المغني : إنما يجوز المسح على الجورب بالشرطين اللذين ذكرناهما في الخف :
أحدهما : أن يكون صفيقا، لا يبدو منه شيء من القدم .
الثاني أن يمكن متابعة المشي فيه . هذا ظاهر كلام الخرقي .
قال أحمد في المسح على الجوربين بغير نعل : إذا كان يمشي عليهما، ويثبتان في رجليه، فلا بأس .
وفي موضع قال : يمسح عليهما إذا ثبتا في العقب .
وفي موضع قال : إن كان يمشي فيه فلا ينثني ، فلا بأس بالمسح عليه ، فإنه إذا انثنى ظهر موضع الوضوء .
ولا يعتبر أن يكونا مجلدين .
قال أحمد : يذكر المسح على الجوربين عن سبعة ، أو ثمانية ، من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقال ابن المنذر : ويروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ علي ، وعمار، وابن مسعود ، وأنس، وابن عمر، والبراء، وبلال، وابن أبي أوفى، وسهل بن سعد ، وبه قال عطاء، والحسن وسعيد بن المسيب، والنخعي، وسعيد بن جبير، والأعمش، والثوري ، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وإسحاق، ويعقوب ، ومحمد .
واستدلوا بما روى المغيرة بن شعبة ، « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الجوربين والنعلين »
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح "34" .
ولأن الصحابة - رضي الله عنهم -، مسحوا على الجوارب، ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعا .
ولأنه ساتر لمحل الفرض ، يثبت في القدم ، فجاز المسح عليه "35" .

والله تعالى أعلى وأعلم .
___________________________________________
1 – سنن أبي داود ؛ 1 / 42 .
2 – سنن ابن ماجة ؛ 1 / 180 ؛ وسنن النسائي ؛ 1 / 81 .
3 – صحيح مسلم ؛ 1 / 230 .
4 – المختار للفتوى ؛ 1 / 37 ؛ ومختصر خليل ؛ 1 / 346 ؛ وزاد المستقنع ؛ ص 14 ؛ والموسوعة الكويتية ؛ 37 / 261 و 262 .
5 – الموسوعة الكويتية ؛ 37 / 262 .
6 – المعجم الكبير للطبراني ؛ 10 / 84 .
7 - نهاية المحتاج مع حاشية الشبراملسي ؛ 1 / 199 ؛ وحاشية ابن علبدين ؛ 1 / 441 ؛ ومنح الجليل شرح مختصر خليل ؛ المؤلف : محمد بن أحمد بن محمد عليش، أبو عبد الله المالكي (المتوفى: 1299هـ) ؛ الناشر: دار الفكر – بيروت ؛ الطبعة: بدون طبعة ؛ تاريخ النشر: 1409هـ/1989م ؛ 1 / 134 ؛ والمغني ؛ 1 / 402 ؛ وكشاف القناع ؛ 1 / 110 .
8 – سنن الترمذي ؛ 1 / 156 .
9 – مغني المحتاج ؛ 1 / 194 ؛ والمغني ؛ 1 / 404 .
10 – صحيح مسلم ؛ 1 / 232 .
11 – سنن الترمذي ؛ 1 / 156 .
12 – مسند الإمام أحمد ؛ 39 / 422 .
13 – سنن أبي داود ؛ 1 / 40 .
14 – 82 كيلو متر تقريبا .
15 – المجموع ؛ 1 / 483 ؛ والمحيط البرهاني في الفقه النعماني فقه الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ؛ المؤلف: أبو المعالي برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مَازَةَ البخاري الحنفي (المتوفى: 616هـ) ؛ المحقق: عبد الكريم سامي الجندي ؛ الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان ؛ الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2004 م ؛ ج 1 / 176 ؛ والروض المربع ؛ ص 24 .
16 – المجموع ؛ 1 / 485 .
17 – المجموع ؛ 1 / 486 و 487 ؛ ومغني المحتاج ؛ 1 / 195 ؛ والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ؛ 1 / 180 ؛ والمبسوط ؛ 1 / 99 ؛ والمغني ؛ 1 / 414 ؛ والروض المربع ؛ ص 24 .
18 – أي : من شأنها أن تقع بغير اختياره .
19 – حاشية البجيرمي على الخطيب ؛ 1 / 267 .
20 – مغني المحتاج ؛ 1 / 195 و 196 ؛ ورد المحتار والدر المختار ؛ 1 / 466 و 467 و 468 ؛ والمغني ؛ 1 / 415 .
21 – رد المحتار والدر المختار ؛ 1 / 468 ؛ والمغني ؛ 1 / 416 .
22 – الإقناع بحاشية البجيرمي ؛ 1 / 268 .
23 – صحيح البخاري ؛ 1 / 52 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 230 .
24 – 5544 مترا تقريبا .
25 – مغني المحتاج ؛ 1 / 196 و 197 و 198 ؛ ورد المحتار والدر المختار ؛ 1 / 436 و 437 و 439 و 440 ؛ وشرح الخرشي على مختصر خليل ؛ 1 / ؛ و الشرح الكبير بحاشية الدسوقي ؛ 1 / 142 و 143 ؛ وشرح منتهى الإرادات ؛ 1 / 63 و 64 و 65 ؛ والموسوعة الكويتية ؛ 37 / 264 و 265 ؛ والفقه الإسلامي وأدلته ؛ 1 / 481 و 482 .
26 – كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين ؛ 1 / 88 ؛ وروضة الطالبين وعمدة المفتين ؛ 1 / 127 ؛ ومغني المحتاج ؛ 1 / 199 و 200 ؛ ورد المحتار والدر المختار ؛ 1 / 437 و 450 و 459 ؛ والشرح الكبير بحاشية الدسوقي ؛ 1 / 143 و 144 ؛ وشرح الخرشي ؛ 1 / 349 و 351 ؛ وكشاف القناع ؛ 1 / 117 ؛ والمغني ؛ 1 / ؛ 406 و 417 و418 والفقه الإسلامي وأدلته ؛ 1 / 482 و 483 و 484 و 485 و 486 .
27 – مغني المحتاج ؛ 1 / 201 ؛ ورد المحتار والدر المختار ؛ 1 / 437 ؛ ومواهب الجليل ؛ 1 / 320 ؛ والمغني ؛ 1 / 417 .
28 – مغني المحتاج ؛ 1 / 202 ؛ وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ؛ 1 / 131 و 132 ؛ والشرح الصغير بحاشية الصاوي ؛ 1 / 159 ؛ والمغني ؛ 1 / 423 و 425 و 426 و 427 ؛ وبداية المجتهد ؛ 1 / 25 و 26 ؛ والفقه الإسلامي وأدلته ؛ 1 / 476 و 477 و 478 .
29 – مغني المحتاج ؛ 1 / 201 ؛ ورد المحتار والدر المختار ؛ 1 / 448 و 458 ؛ والشرح الكبير للدردير ؛ 1 / 146 ؛ و الشرح الصغير ؛ 1 / 159 ؛ والمغني ؛ 1 / 423 ؛ والفقه الإسلامي وأدلته ؛ 1 / 478 .
30 – مغني المحتاج ؛ 1 / 202 .
31 – مغني المحتاج ؛ 1 / 203 .
32 – المجموع ؛ 1 / 527 ؛ وكنز الراغبين ؛ 1 / 91 ؛ ومغني المحتاج ؛ 1 / 204 ؛ وردالمحتار والدر المختار ؛ 1 / 463 و 464 ؛ وحاشية الصاوي على الشرح الصغير ؛ 1 / 157 ؛ والمغني ؛ 1 / 410 ؛ والفقه الإسلامي وأدلته ؛ 1 / 494 و 495 .
33 – المجموع ؛ 1 / 479 .
34 – سنن الترمذي ؛ 1 / 160 .
35 – المجموع ؛ 1 / 499 ؛ ورد المحتار والدر المختار ؛ 1 / 451 و 452 ؛ ومواهب الجليل ؛ 1 / 318 ؛ والمغني ؛ 1 / 418 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

باب الغسل
مسألة رقم ( 81 )
§ موجبه :
- موت .
- وحيض .
- ونفاس .
- وكذا ولادة بلا بلل في الأصح .
- وجنابة بدخول حشفة أو قدرها فرجا ؛ وبخروج منى من طريقه المعتاد وغيره .
مسألة رقم ( 82 )
· ويعرف : بتدفقه ؛ أو لذة بخروجه ؛ أو ريح عجين رطبا ؛ أو بياض بيض جافا .
مسألة رقم ( 83 )
o فإن فقدت الصفات فلا غسل .
مسألة رقم ( 84 )
o والمرأة كرجل .
مسألة رقم ( 85 )
· ويحرم بها
1) ما حرم بالحدث
2) والمكث بالمسجد ؛ لا عبوره
3) والقرآن
- وتحل أذكاره لا بقصد قرآن
مسألةرقم ( 86 )
· وأقله :
1) نية رفع جنابة
- أو استباحة مفتقر إليه
- أو أداء فرض الغسل
o مقرونة بأول فرض
2) وتعميم شعره وبشره
o ولا تجب مضمضة واستنشاق
مسألة رقم ( 87 )
· وأكمله :
- إزالة القذر
- ثم الوضوء
o وفي قول : يؤخر غسل قدميه
- ثم تعهد معاطفه
- ثم يفيض الماء على رأسه ويخلله ؛ ثم شقه الأيمن ؛ ثم الأيسر
- ويدلك
- ويثلث
- وتتبع لحيض أثره مسكا
o وإلا فنحوه
مسألةرقم ( 88 )
· ولا يسن تجديده ، بخلاف الوضوء .
مسألة رقم ( 89 )
· ويسن أن لا ينقص ماء الوضوء عن مد ، والغسل عن صاع ، ولا حد له .
مسألة رقم ( 90 )
· ومن به نجس يغسله ، ثم يغتسل ولا تكفي لهما غسلة ، وكذا في الوضوء .
o قلت : الأصح تكفيه . والله أعلم .
مسألة رقم ( 91 )
· ومن اغتسل لجنابة وجمعة حصلا ، أو لأحدهما حصل فقط .
مسألة رقم ( 92 )
o قلت : ولو أحدث ثم أجنب ، أو عكسه ؛ كفى الغسل على المذهب . والله أعلم .

_____________________________________________________________________

مسألة رقم ( 122 )

أسباب وجوب الغسل :

1 – موت المسلم غير الشهيد
يجب تعبدا باتفاق المذاهب الأربعة على المسلمين ، وجوب كفاية غسل الميت المسلم غير الشهيد ، الذي لا جنابة منه ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي سقط عن راحلته فمات: « اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين »"1" متفق عليه ؛ فهو دليل علىوجوب غسل الميت .
وقد غسل النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر بعده ، وتوارثه المسلمون "2" .

2 ؛ و 3 – الحيض والنفاس
لا خلاف في وجوب الغسل بالحيض والنفاس ، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالغسل من الحيض « فقال لفاطمة بنت أبي حبيش :دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ، ثم اغتسلي وصلي » متفق عليه "3"
ولا نص في وجوب الغسل من النفاس ، وإنما عرف بإجماع الأمة .
ثم إجماع الأمة
- يجوز أن يكون بناء على خبر من الباب ؛ لكنهم تركوا نقله اكتفاء بالإجماع عن نقله لكون الإجماع أقوى .
- ويجوز أنهم قاسوه على دم الحيض ، لكون كل واحد منهما دما خارجا من الرحم ، فبنوا الإجماع على القياس ، إذ الإجماع
ينعقد عن الخبر ، وعن القياس على ما عرف في أصول الفقه .
قال في المجموع : واختلف أصحابنا في وقت وجوبه :
أ - فقال القاضي أبو الطيب ؛ والمحاملي ؛وابن الصباغ ؛ وآخرون من العراقيين ؛ والروياني : الصحيح أنه يجب بأول خروج الدم ؛كما قالوا : يجب الوضوء بأول قطرة من البول .
قالوا : وفيه وجه أنه يجب بانقطاع الدم وليس بشئ .
ب - وعكس الخراسانيون هذا ؛ فقالوا : الأصح أنه يجب بانقطاعه لا بخروجه كذا صححه الفوراني وجماعات .
قال إمام الحرمين : قال الأكثرون : يجب بانقطاع الدم .
وقال أبو بكر الإسماعيلي : يجب بخروجه وهوغلط ؛ لأن الغسل مع دوام الحيض غير ممكن ومالا يمكن لا يجب .
قال الإمام : والوجه أن يقال : يجب بخروج جميع الدم وذلك يتحقق عند الانقطاع .
وقطع الشيخ أبو حامد بوجوبه بالانقطاع ؛والبغوي بالخروج .
وكل من أوجب بالخروج قاسوه على البول والمني وقد سبق فيهما ثلاثة أوجه عن المتولي وغيره في أن الوجوب بخروج البول والمني ؟ أم بالقيام إلى الصلاة ؟ أم بالمجموع ؟
قال المتولي : وتلك الأوجه جارية في الحيض ؛قال إلا أن القائلين هناك يجب بالخروج اختلفوا فمنهم من قال : يجب بخروج الدم ؛ومنهم من قال : بانقطاعه ؛ فحصل أربعة أوجه في وقت وجوب غسل الحيض والنفاس :
أحدها : بخروج الدم .
والثاني : بانقطاعه .
والثالث : بالقيام إلى الصلاة .
والرابع : بالخروج والانقطاع والقيام إلىالصلاة .
قال المصنف : والأصح وجوبه بالانقطاع .
قال إمام الحرمين وغيره : وليس في هذاالخلاف فائدة فقهية ؛ وقال صاحب العدة : فائدته : أن الحائض إذا أجنبت وقلنا : لا يجبغسل الحيض إلا بانقطاع الدم ؛ وقلنا بالقول الضعيف : أن الحائض لا تمنع قراءة القرآن فلها أن تغتسل عن الجنابة لاستباحة قراءة القرآن .
وذكر صاحب البحر في كتاب الجنائز له فائدة أخرى حسنة ؛ فقال لو استشهدت الحائض في قتال الكفار قبل انقطاع حيضها فإن قلنا :يجب بالانقطاع لم تغسل ؛ وإن قلنا : بالخروج ؛ فهل تغسل ؟
فيه الوجهان في غسل الجنب الشهيد .
فحصل في الخلاف فائدتان :
إحداهما : مسألة الشهيد .
والثانية : مسألة الحائض إذا أجنبت"4" .

4 – خروج الولد جافا
ذهب الشافعية في الأصح ؛ والمالكية على المعتمد عندهم إلى وجوب الغسل من خروج الولد جافا ؛ وهو قول الإمام أبي حنيفة ؛ لأن الولادة مظنةللنفاس الموجب ، فقامت مقامه في الإيجاب ، كالتقاء الختانين ؛ ولأنها يستبرأ بهاالرحم أشبهت الحيض ؛ ولأنها لا تخلو عن بلل وإن كنا لا نشاهده ، ولأنه يجب بخروج الماء الذي يخلق منه الولد فبخروج الولد أولى .
ومقابل الأصح عند الشافعية وقول للمالكية والصحيح عندالحنفية والحنابلة : عدم وجوب الغسل من خروج الولد جافا ؛لأن الوجوب بالشرع ، ولم يرد بالغسل هاهنا ، ولا هو في معنى المنصوص ، فإنه ليس بدم ولامني ؛ وإنما ورد الشرع بالإيجاب بهذين الشيئين "5" .

5 – الجنابة
الجنابة من أسباب وجوب الغسل ؛ وذلك لقوله تعالى: { وإن كنتم جنبا فاطهروا } "6"
وقدذكر المصنف رحمه الله تعالى أن الجنابة تحصل بواحد من أمرين اثنين :
1 – دخول الحشفة فرجا
قال الشافعية : تحصل الجنابة لآدمي حي فاعل أو مفعول به ( بدخول حشفة ) ولو بلا قصد أو كان الذكر أشل أو غير منتشر ( أو قدرها) من مقطوعها ( فرجا ) ولو غير مشتهى كأن كان :
أ - من بهيمة
ب - أو ميتة
ج - أو دبر ذكر
أو كان على الذكر خرقة ملفوفة ولو غليظة .
أما في فرج المرأة فلقوله - صلى الله عليهوسلم - « إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وإن لم ينزل » رواه مسلم "7".
وأما الأخبار الدالة على اعتبار الإنزال كخبر « إنما الماء من الماء » فمنسوخة"8"
وأجاب ابن عباس - رضي الله عنهما - بأن معناه : أنه لا يجب الغسل بالاحتلام إلا أن ينزل .
وذكر الختان جرى على الغالب فيجب الغسل بجميع ما ذكر ؛ لأنه جماع في فرج .
وليس المراد بالتقاء الختانين انضمامهما لعدم إيجابه الغسل بالإجماع ، بل تحاذيهما يقال : التقى الفارسان إذا تحاذيا وإنلم ينضما ، وذلك إنما يحصل بإدخال الحشفة في الفرج .
قالوا : ويجب على المولج والمولج فيه المكلفين ؛ وعلى الناسي ؛ والمكره .
وأما الصبى إذا أولج في امرأة أو دبر رجل أو أولج رجل في دبره فيجب الغسل على المرأة والرجل وكذا إذا استدخلت امرأة ذكر صبي فعليها الغسل ؛ ويصير الصبي في كل هذه الصور جنبا وكذا الصبية إذا أولج فيها رجل أو صبي وكذا لو أولج صبي في صبي وسواء في هذا الصبي المميز وغيره ؛ وإذا صار جنبالا تصح صلاته ما لم يغتسل كما إذا بال لا تصح صلاته حتى يتوضأ ؛ ولا يقال : يجب عليه الغسل كما لا يقال يجب عليه الوضوء ؛ بل يقال : صار محدثا ؛ ويجب على الولي أن يأمره بالغسل إن كان مميزا كما يأمره بالوضوء فإن لم يغتسل حتى بلغ لزمه الغسل كما إذا بال ثم بلغ يلزمه الوضوء ؛ وإن اغتسل وهو مميز صح غسله فإذا بلغ لا تلزمه إعادته كما لو توضأ ثم بلغ يصلي بذلك الوضوء .
ولو استدخلت امرأة ذكر رجل وجب الغسل عليه وعليها سواء كان عالما بذلك مختارا أم نائما أم مكرها نص عليه الشافعي في الأم واتفق عليه الأصحاب ولو استدخلت ذكرا مقطوعا ففي وجوب الغسل عليها وجهان هما كالوجهين في انتقاض الوضوء بمسه حكاهما الدارمي والمتولي والروياني وآخرون .
قال الدارمي : ولاحد عليها بلا خلاف .
ولو استدخلت ذكر ميت لزمها الغسل كما لو أولج في ميت ولو استدخلت ذكر بهيمة لزمها الغسل كما لو أولج في بهيمة ؛ صرح به الشيخ أبو محمد الجويني والدارمي والمتولي وآخرون ونقله الروياني عن الأصحاب .
قالوا : وجوب الغسل وجميع الأحكام المتعلقةبالجماع يشترط فيها تغييب الحشفة بكمالها في الفرج ولا يشرط زيادة على الحشفة ولايتعلق ببعض الحشفة وحده شئ من الأحكام"9" .

وقال الحنفية : يجب الغسل عند إيلاج حشفة آدمي احتراز عن الجني يعني إذا لم تنزل وإذا لم يظهر لها في صورة الآدمي .
وكذا يجب الغسل عند إيلاج قدر الحشفة من مقطوعها ؛ولو لم يبق منه قدرها لم يتعلق به حكم ؛ وإنما يجب إذا كان الإيلاج في أحد سبيلي آدمي حي يجامع مثله وإن لم ينزل منيا بالإجماع .
فلا يجب الغسل عند وطء بهيمة أو ميتة أو صغيرة غيرمشتهاة بلا إنزال لقصور الشهوة ؛ أما مع الإنزال فيحال وجوب الغسل على الإنزال .
ويجب عليهما ؛ أي : الفاعل والمفعول لو كانا مكلفين فلو أحدهما مكلفا فعليه فقط دون المراهق ، لكن يمنع من الصلاة حتى يغتسل ، ويؤمر به ابن عشر تأديبا "10" .

وقال المالكية : يجب الغسل بمغيب حشفة بالغ لا مراهق ؛أو بمغيب قدرها من مقطوها في فرج قبل أو دبر وإن كان الفرج من بهيمة و من ميت آدمي أو غيره بشرط إطاقة ذي الفرج فإن لم يطق فلا غسل ما لم ينزل كما إذا غيب بين الفخذين أو الشفرين أو في هوى الفرج .
قالوا : يجب الغسل بمغيب حشفة بالغ ولو لم ينتشر أو لم ينزل ويجب على المغيب فيه أيضا إن كان بالغا ذكرا أو أنثى ؛ فالمغيب إن كان بالغا وجب الغسل عليه وكذا على المغيب فيه إن كان بالغا وإلا وجب على المغيب دون المغيب فيه فإن كان المغيب غير بالغ لم يجب عليه ولا على من غيب فيه سواء كان بالغا أم لا مالم ينزل ذلك المغيب فيه وإلا وجب عليه الغسل للإنزال .
ويجب الغسل ولو لف على حشفته خرقة خفيفة لا كثيفة تمنع اللذة .
و لا بد في وجوب الغسل من تغييب الحشفة بتمامها أو تغييب قدرها "11" .

وقال الحنابلة : تغييب الحشفةفي الفرج هو الموجب للغسل ، سواء كانا مختتنين أو لا ، وسواء أصاب موضع الختان منه موضع ختانها أو لم يصبه .
ولو مس الختان الختان من غير إيلاج فلا غسل بالاتفاق .
ويجب الغسل على كل واطئ وموطوء، إذا كان منأهل الغسل، سواء كان الفرج قبلا أو دبرا، من كل آدمي أو بهيمة، حيا أو ميتا، طائعا أو مكرها، نائما أو يقظان؛ أنه إيلاج في فرج ، فوجب به الغسل .
وإن أولج بعض الحشفة ، أو وطئ دون الفرج ،أو في السرة ، ولم ينزل ، فلا غسل عليه ؛ لأنه لم يوجد التقاء الختانين ولا ما في معناه .
وإن انقطعت الحشفة ، فأولج الباقي من ذكره ،وكان بقدر الحشفة ، وجب الغسل ،وتعلقت ، به أحكام الوطء ؛ من المهر وغيره ؛ وإن كان أقل من ذلك ، لم يجب شيء .
فإن أولج في قبل خنثى مشكل ، أو أولج الخنثى ذكره في فرج ، أو وطئ أحدهما الآخر في قبله ، فلا غسل على واحد منهما ؛ لأنه يحتمل أن تكون خلقة زائدة. فإن أنزل الواطئ أو أنزل الموطوء من قبله ، فعلى من أنزلالغسل .
ويثبت لمن أنزل من ذكره حكم الرجال ، ولمن أنزل من قبله حكم النساء ؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بذلك في حق الرجال والنساء .
فإن كان الواطئ أو الموطوء صغيرا ، فقال أحمد : يجب عليهما الغسل ؛ وقال : إذا أتى على الصبية تسع سنين ، ومثلها يوطأ ،وجب عليها الغسل .
وسئل عن الغلام يجامع مثله ولم يبلغ ، فجامع المرأة ، يكون عليهما جميعا الغسل ؟ قال : نعم. قيل له : أنزل أو لم ينزل ؟ قال :نعم .
وقال : ترى عائشة حين كان يطؤها النبي - صلىالله عليه وسلم - لم تكن تغتسل ؟! ويروى عنها: " إذا التقى الختانان وجب الغسل ". ؟!
وحمل القاضي كلام أحمد على الاستحباب ؛ لأن الصغيرة لا يتعلق بها المأثم ، ولا هي من أهل التكليف ؛ ولا تجب عليها الصلاة التي تجب الطهارة لها فأشبهت الحائض .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى : ولايصح حمل كلام أحمد على الاستحباب ؛ لتصريحه بالوجوب ، وذمه قول أصحاب الرأي وقوله : هو قول سوء . واحتج بفعل عائشة وروايتها للحديث العام في الصغير والكبير؛ ولأنها أجابت بفعلها وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم - بقولها: فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -فاغتسلنا.
فكيف تكون خارجة منه ؟!
وليس معنى وجوب الغسل في الصغير التأثيم بتركه ، بل معناه : أنه شرط لصحة الصلاة ، والطواف ، وإباحة قراءة القرآن ، واللبث في المسجد ، وإنما يأثم البالغ بتأخيره في موضع يتأخر الواجب بتركه ، ولذلك لوأخره في غير وقت الصلاة ، لم يأثم، والصبي لا صلاة عليه ، فلم يأثم بالتأخير ،وبقي في حقه شرطا ، كما في حق الكبير، وإذا بلغ كان حكم الحدث في حقه باقيا،كالحدث الأصغر ، ينقض الطهارة في حق الكبير والصغير "12" .
والله أعلم .

2 – خروج المني
قال الشافعية : تحصل أيضا بخروج مني بتشديد الياء ، وسمع تخفيفها ؛ أي : مني الشخص نفسه الخارج منه أول مرة من رجل أو امرأة ،وإن لم يجاوز فرج الثيب ، بل وصل إلى ما يجب غسله في الاستنجاء .
أما البكر فلا بد من بروزه إلى الظاهر كما أنه في حق الرجل لا بد من بروزه عن الحشفة .
والأصل في ذلك خبر مسلم « إنما الماء منالماء »
وخبر الصحيحين عن أم سلمة قالت : « جاءت أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقالت : إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ قال : نعم إذا رأت الماء » "13"
أما الخنثى المشكل إذا خرج المني من أحد فرجيه فلا غسل عليه ؛ لاحتمال أن يكون زائدا مع انفتاح الأصلي ، فإن أمنى منهما أومن أحدهما وحاض من الآخر وجب عليه الغسل .
قالوا : ولا فرق في وجوب الغسل بخروج المني بين أن يخرج من طريقه المعتاد ؛ وإن لم يكن مستحكما ؛ وغيره ؛ أي : أو من غيره إذاكان مستحكما مع انسداد الأصلي ، وخرج من تحت الصلب ، فالصلب هنا كالمعدة في باب الحدث فيفرق بين الانسداد العارض والخلقي كما فرق هناك ، هذا هو المعتمد ؛ وإنأوهمت عبارة المصنف خلاف ذلك .
والصلب إنما يعتبر للرجل ، أما المرأة فمابين ترائبها وهي عظام الصدر.
قال تعالى : { يخرج من بين الصلب والترائب }"14" أي : صلب الرجل وترائب المرأة ، فإن خرج غير المستحكم من غير المعتاد كأن خرج لمرض فلا يجب الغسل به بلاخلاف ؛ ولا بخروج مني غيره منه ولا بخروج منيه منه بعد استدخاله .
قوله : ( مستحكما ) بصيغة اسم الفاعل ؛ وهوالخارج لا لعلة فإن خرج لأجل علة كمرض كان غير مستحكم .
والحاصل : أنه إن خرج من طريقه المعتاد وجب الغسل وإن لم يستحكم وإلا فيشترط الاستحكام ؛ وفرض المسألة أن توجد فيه بعض خواصه وإن كان على لون الدم الخالص فإن لم يوجد فيه شيء من خواصه فليس بمني "15".
وفي كفاية الأخيار : ومنها – أي : موجبات الغسل - :
إنزال المني فمتى خرج المني وجب الغسل سواءخرج من المخرج المعتاد أو من ثقبه في الصلب أو الخصية على المذهب
والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنماالماء من الماء )
وسواء خرج في اليقظة أو النوم وسواء كان بشهوة أو غيرها ؛ لإطلاق الخبر "16" .

وقال الحنفية : يفرض الغسل عندخروج مني من العضو ؛ منفصل عن مقره ؛ بشهوة .
( قولهم : من العضو ) هو ذكر الرجل وفرج المرأة الداخل احترازا عن خروجه من مقره ولم يخرج من العضو بأن بقي في قصبة الذكر أو الفرج الداخل ، أما لو خرج من جرح في الخصية بعد انفصاله عن مقره بشهوة فالظاهر افتراض الغسل .
( منفصل عن مقره ) هو صلب الرجل وترائب المرأة ؛ فلواغتسلت فخرج منها مني، إن كان منيها أعادت الغسل لا الصلاة ؛ كما أن الرجل لا يعيد ما صلى إذا خرج منه بقية المني بعد الغسل اتفاقا .
وإن لم يكن منيها بل مني الرجل لا تعيد شيئا وعليها الوضوء .
( بشهوة ) أي : لذة ولو حكما كمحتلم .
وقولهم : ( بشهوة ) متعلق بقوله منفصل ، احترزوا به عمالو انفصل بضرب أو حمل ثقيل على ظهره ، فلا غسل عندهم .
واختلف الحنفية : هل شرط وجوب الغسل أن يخرج المني من رأس الذكر بشهوة ؟ أم أنه يجب بانفصاله عن مقره بشهوة وإن لم يخرج من رأس الذكربشهوة ؟
قال بالأول الإمام أبو يوسف رحمه الله تعالى .
وقال بالثاني الإمامان أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى .
وأثر الخلاف يظهر فيما لو احتلم أو نظر بشهوة فأمسك ذكره حتى سكنت شهوته ثم أرسله فأنزل وجب عندهما لا عنده .
وكذا لو خرج منه بقية المني بعد الغسل قبل النوم أوالبول أو المشي الكثير ؛ أي : لا بعده ؛ لأن النوم والبول والمشي يقطع مادة الزائل عن مكانه بشهوة فيكون الثاني زائلا عن مكانه بلا شهوة فلا يجب الغسل اتفاقا .
وأطلق المشي كثير ، وقيده بعضهم بالكثير وهو أوجه ؛ لأنالخطوة والخطوتين لا يكون منهما ذلك .
قال المقدسي : وفي خاطري أنه عين له أربعون خطوة "17".

وقال المالكية : خروج المني من الذكر أو الأنثى في حالة النوم يوجب الغسل مطلقا بلذة معتادة أم لا ، بل إذا انتبه من نومه فوجد المني ولم يشعر بخروجه ، أو خرج بنفسه ، وجب عليه الغسل .
أو بخروجه في يقظة بشرط أن يكون الخروج بلذة معتادة من أجل نظر أو فكر في جماع فأعلى كمباشرة ؛ وإن حصل الخروج بعد ذهاب اللذة ، فإنه يجبالغسل .
وإن لم يكن بلذة - بأن خرج بنفسه لمرض أو طربة ، أو كان بلذة غير معتادة - كمن حك لجرب أو هزته دابة فخرج منه المني - فعليه الوضوء فقط .
وكذا من جامع فاغتسل ثم أمنى وجب عليه الوضوء فقط ؛ لأن غسله للجنابة قد حصل "18" .

وقال الحنابلة : يجب الغسل بخروج المني ، وهو الماءالغليظ الدافق الذي يخرج عند اشتداد الشهوة ، ومني المرأة رقيق أصفر.
وروى مسلم في صحيحه ، بإسناده ، أن « أمسليم حدثت ، أنها سألت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : عن المرأة ترى في منامهاما يرى الرجل ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل. فقالت أم سليم : واستحييت من ذلك . وهل يكون هذا ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – نعم ، فمن أين يكون الشبه ، ماء الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا، أو سبق ، يكون منه الشبه
وفي لفظ أنها قالت : هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم – نعم ، إذا رأت الماء» متفق عليه، فخروج المني الدافق بشهوة ، يوجب الغسل من الرجل والمرأة في يقظة أو في نوم؛ وهو قول عامة الفقهاء .
فإن خرج شبيه المني ؛ لمرض أو برد لا عن شهوة ، فلا غسل فيه .
لنا : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف المني الموجب للغسل بكونه أبيض غليظا ؛ أي : ولا يكون كذلك إلا إذا خرج بشهوة
وقال صلى الله عليه وسلم : " إذا رأت الماء " يعني : الاحتلام
وإنما يخرج في الاحتلام بالشهوة
والحديث الآخر منسوخ
على أن هذا يجوز أن يمنع كونه منيا ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف المني بصفة غير موجودة في هذا "19" .

والله تعالى أعلم .

_____________________________________
1 – صحيح البخاري ؛ 2 / 75 ؛ وصحيح مسلم ؛ 2 / 865 .
2 – عجالة المحتاج ؛ 1 / 114 ؛ ومراقي الفلاح بحاشيةالطحطاوي ؛ 1 / 149 ؛ والشرح الصغير بحاشية الصاوي ؛ 1 / 543 ؛ وزاد المستقنع ؛ ص44 ؛ والفقه الإسلامي وأدلته ؛ 1 / 520 .
3 – صحيح البخاري ؛ 1 / 72 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 264 .
4 – المجموع ؛ 2 / 148 و 149 ؛ و بدائع الصنائع ؛ 1 / 39؛ ومختصر خليل بشرح الخرشي وحاشية العدوي ؛ 1 / 165 ؛ والمغني ؛ 1 / 154 .
5 – نهاية المحتاج ؛ 1 / ؛ ومراقي الفلاح بحاشيةالطحطاوي ؛ 1 / ؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ؛ 1 / 130 ؛ وشرح الخرشي معحاشية العدوي ؛ 1 / 165 ؛ والمغني ؛ 1 / 154 .
6 – المائدة / 6 .
7 – صحيح مسلم ؛ 1 / 271 ؛ بلفظ « إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها ، فقد وجب عليهالغسل » وفي حديث مطر وإن لم ينزل .
8 – صحيح مسلم ؛ 1 / 269 .
9 – المجموع ؛ 2 / 132 و 133 ؛ ومغني المحتاج ؛ 1 / 213.
10 – رد المحتار والدر المختار ؛ 1 / 161 و 162 .
11 – الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ؛ 1 / 128 و 129 .
12 – المغني ؛ 1 / 149 و 150 و 151 و 152 .
13 – صحيح البخاري ؛ 1 / 38 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 251 .
14 – الطارق / 7 .
15 – مغني المحتاج ؛ 1 / 214 ؛ وحاشية البجيرمي علىالخطيب ؛ 1 / 228 .
16 – كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار ؛ 1 / 41 .
17 – رد المحتار والدر المختار ؛ 1 / 159 و 160 .
18 – الشرح الصغير بحاشية الصاوي ؛ 1 / 160 و 161 و 162.
19 – المغني ؛ 1 / 146 .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

مسألة رقم ( 123 )
خرج منه مني فاغتسل ؛ وبعد الإغتسال خرج منه بقية المني؛ فما حكمه ؟
هذه أقوال المذاهب في هذه المسألة :
1 - قال الحنفية : لا يجب الغسل – اتفاقا – إذا خرج بعد
- مابال وارتخى ذكره
- أو نام
- أو مشى خطوات كثيرة "20"
وإن خرج المني بلا شهوة قبل النوم أو البول أو المشي فإنه يعيد الغسل عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف "21"
وقد تقدم مثل هذا قريبا .

2 - وقال الشافعية : إذا أمنى واغتسل ثم خرج منه مني على القرب بعد غسله لزمه الغسل ثانيا سواء كان ذلك قبل أن يبول بعد المني ، أو بعد بوله ؛ هذا مذهبنا ؛ نص عليه الشافعي ، واتفق عليه الأصحاب ، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الماء من الماء ) ولم يفرق
ولأنه نوع حدث فنقض مطلقا كالبول والجماعوسائر الأحداث "22" .

3 - وقال المالكية : لو جامع - بأن غيب الحشفة في الفرج -ولم يمن فاغتسل لجماعه ثم أمنى فإنه يتوضأ ولا يغتسل لتقدم غسله والجنابة الواحدة لا يتكرر لها الغسل
ولو صلى بغسله ثم نزل المني بعدها لا يعيد الصلاة
وحاصله : أنه إذا جامع واغتسل قبل خروج منيه وصلى فخرج منيه فإنه وإن وجب عليه الوضوء لا يعيد تلك الصلاة التي صلاها قبل خروج المني ومثل هذا ما إذا التذ بلا جماع وصلى ثم خرج منيه فإنه وإن وجب غسله لكن لا يعيد تلك الصلاة التي صلاها قبل خروج المني "23"
4 - وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى مبينا مذهب الحنابلة : إن احتلم ، أو جامع ، فأمنى ، ثم اغتسل ، ثم خرج منه مني ، فالمشهور عن أحمد أنه لا غسل عليه
قال الخلال : تواترت الروايات عن أبي عبدالله ، أنه ليس عليه إلا الوضوء ، بال أو لم يبل ، فعلى هذا استقر قوله .
وروي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء والزهري ومالك والليث والثوري وإسحاق ، وقال سعيد بن جبير: لا غسل عليه إلا من شهوة
وفيه رواية ثانية : إن خرج بعد البول ، فلاغسل فيه ، وإن خرج قبله اغتسل .
... لأنه بقية ماء خرج بالدفق والشهوة ،فأوجب الغسل كالأول وبعد البول خرج بغير دفق وشهوة ، ولا نعلم أنه بقية الأول ؛لأنه لو كان بقيته لما تخلف بعد البول .
وقال القاضي : فيه رواية ثالثة ، عليه الغسل بكل حال .
لأن الاعتبار بخروجه كسائر الأحداث .
وقال في موضع آخر: لا غسل عليه رواية واحدة ؛لأنه جنابة واحدة ، فلم يجب به غسلان ، كما لو خرج دفعة واحدة .
والصحيح أنه يجب الغسل ؛ لأن الخروج يصلح موجبا للغسل ، وما ذكره يبطل بما إذا جامع فلم ينزل ، فاغتسل ، ثم أنزل ، فإن أحمد قد نص على وجوب الغسل عليه بالإنزال مع وجوبه بالتقاء الختانين "24" .

مسألة رقم ( 124 )
صفات المني
( ويعرف ) المني ( بتدفقه ) بأن يخرج بدفعات.
قال تعالى : { من ماء دافق } "25" ، وسمي منيا ؛ لأنه يمنى: أي يصب
( أو لذة بخروجه ) مع فتور الذكر وانكسار الشهوة عقبه وإن لم يتدفق لقلته أو خرج علىلون الدم
( أو ريح عجين ) لحنطة أو نحوها أو طلع كمافي المحرر
( رطبا أو ) ريح ( بياض بيض ) لدجاج أو نحوه ( جافا ) وإن لم يلتذ ولم يتدفق كأن خرج باقي منيه بعد غسله "26"

مسألة رقم ( 125 )
إن فقدت صفات المني فلا غسل عليه لأنه ليس بمني"27"
وقد اختلف الفقهاء في حالة شك الشخص في كون الخارج منيا أو غيره على أقوال :
1 - قال الحنفية : من استيقظ فوجد في ثيابه منيا أو مذيا فعليه الغسل
أما المني فلأن النبي - عليه الصلاة والسلام- سئل عن الرجل يجد البلل ولايذكر احتلاما ؟ قال : يغتسل ، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللا ؟ قال : لاغسل عليه
قالت أم سلمة : يا رسول الله : هل على المرأة ترى ذلك غسل ؟ قال : نعم ، إن النساء شقائق الرجال "28" .
وأما المذي ففيه خلاف أبي يوسف ; لأن المذي لا يوجب الغسل كما في حالة اليقظة .
قالوا : ولنا ردا على أبي يوسف - أن الظاهرأنه مني قد رق فيجب الغسل احتياطا، والمرأة إذا احتلمت ولم تر بللا ؛ ففيه تفصيل :
أ - إن استيقظت وهي على قفاها فيجب الغسل لاحتمال خروجه ثم عوده ; لأن الظاهر في الاحتلام الخروج ، بخلاف الرجل فإنه لايعود لضيق المحل
ب - وإن استيقظت وهي على جهة أخرى لا يجب"29" .
قلت : يتبين لنا أن مذهب الحنفية هو وجوب الغسل ولو تيقن أن الخارج مذي ففي حالة الشك يجب الغسل من باب أولى .
2 - وقال الشافعية : إن احتمل كون الخارج منياأو غيره كودي أو مذي تخير بينهما على المعتمد
فإن جعله منيا اغتسل
أو جعله غيره توضأ وغسل ما أصابه ؛ لأنه إذا أتى بمقتضى أحدهما برئ منه يقينا ، والأصل براءته من الآخر ، ولا معارض له
بخلاف من نسي صلاة من صلاتين حيث يلزمه فعلهما لاشتغال ذمته بهما جميعا ، والأصل بقاء كل منهما "30"
3 - وقال المالكية : من انتبه من النوم فوجد بللا لا يدري أمني أم مذي ؟
قال بعضهم : المشهور وجوب الغسل ؛ كمن أيقن بالوضوء وشك في الحدث "31"
4 - وقال الحنابلة : إذا انتبه من النوم فوجد بللا لا يعلم هل هو مني أو غيره ؟
فقال أحمد : إذا وجد بلة اغتسل ، إلا أن يكون به إبردة ، أو لاعب أهله ؛ فإنه ربما خرج منه المذي ، فأرجو أن لا يكون به بأس.
وكذلك إن كان انتشر من أول الليل بتذكر أو رؤية ، لا غسل عليه .
وهو قول الحسن ؛ لأنه مشكوك فيه ، يحتمل أنه مذي ، وقد وجد سببه ، فلا يوجب الغسل مع الشك .
وإن لم يكن وجد ذلك ، فعليه الغسل ؛ لأن الظاهر أنه احتلام .
وقد توقف أحمد في هذه المسألة في مواضع"32" .

والله تعالى أعلم .
_________________________
20 – حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ؛ 1 / 97 .
21 – الموسوعة الكويتية ؛ 31 / 197 .
22 – المجموع ؛ 2 / 139 .
23 – الشرح الكبير بحاشية الدسوقي ؛ 1 / 128
24 – المغني ؛ 1 / 147 و 148 .
25 - الطارق: 6 .
26 – مغني المحتاج ؛ 1 / 214 .
27 – مغني المحتاج ؛ 1 / 214 و 215 .
28 – سنن الترمذي ؛ 1 / 173 .
29 – الإختيار لتعليل المختار ؛ 1 / 12 و 13 .
30 – مغني المحتاج ؛ 1 / 215 .
31 – أسهل المدارك ؛ 1 / 71
32 – المغني ؛ 1 / 148 و 149 .
 
أعلى