د. نعمان مبارك جغيم
:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
- انضم
- 4 سبتمبر 2010
- المشاركات
- 195
- الجنس
- ذكر
- التخصص
- أصول الفقه
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- -
- المذهب الفقهي
- من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
اجتهاد مقاصدي ...واجتهاد غير مقاصدي!
ظهر في الفترة الأخيرة إطلاق اصطلاح "الاجتهاد المقاصدي"، وكتب فيه البعض وحاول التنظير له، وسعى البعض إلى إعادة النظر الاجتهادي في بعض أبواب الفقه في ضوء المقاصد. ولست بصدد نقد تلك الكتابات، ولكني أودّ الإعراب عن خشيةٍ من أن يصير هذا التوجُّه عَرَضًا من أعراض (التّورُّم المعرفي!) الذي أصاب الكتابة في مقاصد الشريعة.
ومع التسليم بأنه "لا مشاحة في الاصطلاح"، إلا أني أشعر بارتيابٍ من مآل استعمال اصطلاح "الاجتهاد المقاصدي"؛ إذ قد يصير ذريعة لصدور الاجتهادات القاصرة باسم مقاصد الشريعة، ومَسْلَكًا إلى لَمْزِ اجتهاد المتقدمين بعدم مجاراته للمقاصد، فيُصبح اجتهاد المتقدمين "اجتهادا مجردا"، أما اجتهاد المعاصرين فهو "اجتهاد مقاصدي" (وما أدراك ما موضة المقاصد!) مع أن الأمر قد يكون مجرد مزايدة بشعار المقاصد.
إن الجنوح المفرط إلى تركيز الحديث عن مقاصد الشريعة في المصلحة، حتى صار يُخيَّل إلينا أن المقاصد محصورة في المصلحة، قد يجعل البعض يتوهّم أن الاجتهاد القائم على النصوص الشرعية لا يدخل في الاجتهاد المقاصدي، أو أنه اجتهاد لا يلتزم بمقاصد الشريعة، وهو مزلق خطير.
وأتمنى أن لا يطلع علينا من يرتقي بالكلام "المرسَل" حول "الاجتهاد المقاصدي" إلى "نظرية الاجتهاد المقاصدي" (على غرار نظرية الاستحسان ونظرية المصلحة...إلخ). كما أتمنى أن لا يؤدي ذلك الكلام "المرسَل" حول الاجتهاد المقاصدي إلى ظهور جدلية جديدة بين "الاجتهاد المقاصدي" و"الاجتهاد غير المقاصدي!" تشغل الأجيال قرونا من الزمن، على شاكلة الجدلية التي افتعلها الفلاسفة حول "العقل" و"النقل"، والجدلية التي نتجت عن استدلال سفسطائي وقع للطوفي في حديثه عن المصلحة حول "المصلحة" و"النص".
الواقع أن الاجتهاد إما أن يكون اجتهادا مستوفيا لشروطه، وإما أن يكون اجتهادا غير مستوف لشروطه. والاجتهاد المستوفي لشروطه هو الذي يُحسن صاحبه اختيار النصوص أو القواعد العامة التي يحكم بها على الحادثة محلّ الاجتهاد، ويُحسن فهم مقاصد الشارع من النصوص، ويُحسن الترجيح بين القواعد التي تتجاذب الواقعة، والترجيح بين ما قد يكتنف الحادثة من مصالح ومفاسد إذا كانت محلا لذلك. ولا خلاف عند المتقدمين والمتأخرين من العلماء أن الاجتهاد الذي يغفل عن مقاصد الشرع (المقاصد بمعناها العام الذي يشمل معنى النصوص ما يشمل الحِكَم المرادة من الأحكام، وليس المعنى المختزل في المصلحة) هو اجتهاد غير مستوف لشروطه، ولذلك فهو اجتهاد لا يُعتدُّ به.
وكما أنه لا داعي لتسمية هذا الاجتهاد "اجتهادا غير مقاصدي"، بل يكفي ما يطلق عليه من كونه اجتهادا فاسدا أو قاصرا أو غير صحيح، فإن لا داعي لتسمية الاجتهاد الذي يراعي مقاصد الشريعة "اجتهادا مقاصديا"، بل يكفي تسميته "اجتهادا"؛ لأن ذاك هو المراد بالاجتهاد أصلا، وإضافة وصف "المقاصدي" من باب تحصيل الحاصل، وقد يصير مدخلا للمزايدة بشعار المقاصد.