العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المقاصد الكبرى

عيد سالم محمد

:: متابع ::
إنضم
26 أغسطس 2012
المشاركات
25
الكنية
أبو حمزه
التخصص
أصول الفقه
المدينة
اسوان
المذهب الفقهي
مالكى
المقاصد الكبرى
ـــــــــــــــــــ
إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومَن يُضلل؛ فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لما كان الكتاب العزيز هو كلية الشريعة، وعمدة الملة، وكانت السنة راجعة في معناها إليه؛ تُفَصِّل مجمله، وتُبيِّن مشكله، وتبسط موجزه؛ كان لا بد -لِمُريد اقتباس أحكام هذه الشريعة بنفسه- من الرجوع إلى الكتاب والسنة، أو إلى ما تفرع عنهما بطريق قطعي من الإجماع والقياس.
هذه الشريعة المعصومة ليست تكاليفها موضوعة حيثما اتفق لمجرد إدخال الناس تحت سُلطة الدين، بل وُضعت لتحقيق مقاصد الشارع في قيام مصالحهم في الدين والدنيا معا، وروعي في كل حُكم منها:
إما حفظ شيء من الضروريات الخمس "الدِّينُ، والنفس، والعقل، والنسل، والمال"، التي هي أسس العمران المرعية في كل ملة، والتي لولاها لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، ولفاتت النجاة في الآخرة([1]).
برهن الامام الشاطبى فى كتابه القيم الموافقات على أن الاحكام الشرعيه التى وردت فى نصوص الشرع مراعاه لمصالح العباد فى العاجل والاجل كانت من الاستقراء التام فى نصوص الشرع وليس هذا من اتحدث به انا مع صغر حجمى ووزنى بالنسبه للإمام الشاطبى ولكن انقل هنا بعضا من النماذج التى وردت فى نصوص الشرع وحرص الشارع على حفظها.
وهذه نماذج عامه ذكرها الامام الشاطبى
والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره، فإن الله تعالى يقول في بعثة الرسل وهو الأصل: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
وقال في أصل الخلقة: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7]، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [المُلك: 2].
وأما التعاليل2 لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة، فأكثر من أن تحصى3، كقوله بعد آية الوضوء: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6].
وقال في الصيام: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]
وفي الصلاة: {إِنَّ الصَّلاةَ 4 تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
وقال في القبلة: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: 150]
وفي الجهاد: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39]
وفي القصاص: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179]. وفي التقرير على التوحيد: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172]، والمقصود التنبيه.
وإذا دل الاستقراء على هذا، وكان في مثل هذه القضية مفيدا للعلم، فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة([2]).
ولو نظرنا إلى العهد النبوي في المدينة لوجدت خير مثال للأمن ، فإن الجرائم التي حصلت في ذلك الوقت قليلة وتعد على الأصابع ·

وكان السبب في ذلك هو : أحكام الشريعة التي جاءت من أحكم الحاكمين اللطيف الخبير ، وهذه الأحكام كلها تَنْصَب في حفظ خمسة أمور ، وهذه الأمور الخمسة إن حفظت فإن النتيجة ستكون تحقيق الأمن لأن حياة الناس إنما تدور عليها ، وهي :

"الدين - والنفس - والعقل - والمال - والعرض "

ولننظر كيف حفظ ديننا هذه الضروريات والمقاصد الخمسة وكيف رقى بها وكيف دافع عنها ·

أولا : حفظ الدين :

حفظ الله الدين من عدة أوجه :

أ- الأمر بتعلم الدين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" طلب العلم فريضة على كل مسلم " صحيح ابن ماجة

ب- الأمر بنشره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" بلغوا عني ولو آية " البخاري

ج- الأمر بكتابته وحفظه لئلا يُنسى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "قيدوا العلم بالكتاب" حديث صحيح

د- تحريم الشرك والطريق إليه ، لأنه أعظم ذنبٍ وأكبر قادحٍ بإسلام الإنسان ·

قال تعالى:" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين " الأنعام 163

وحرّم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند القبور أو عليها أو بناء المساجد عليها لأنها وسيلة لدعائها والغلو بها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه : " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا" متفق عليه

هـ- وحرّم البدع ، لأنها تخلط الشريعة برأي الناس ، قال تعالى :" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقُضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم " الشورى 21 ·

و- وحرّم الردّة وعاقب عليها بحدِّ الردة، وذلك لأن الردّة طعنٌ في الدين ، فلقد كان الكافرون يطعنون بالدين بأن يُسلموا في أول النهار ويكفروا في آخره لكي يزعزعوا ثقة الناس بدينهم ·

قال تعالى :" ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " البقرة 217
ى:وحديث التيمم وكان عبد الله بن مسعود يقول: إن الجنب لا يتيمم، كقول عمر، ويُخالفه أبو موسى في ذلك، كما كان عمار يُخالف عمر في ذلك، فاستدلَ أبو موسى على ابن مسعود بحديث عمار. فتمرَّغْتُ، أي: تقلَّبتُ في التراب، كأنه ظنَّ أن إيصال التراب إلى جميع الأعضاء واجبٌ في الجنابة، كإيصال الماء.
ثانيا : حفظ النفس :

حفظ ديننا النفس بطرق كثيرة :

أ- أمر بالتداوي ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له دواءً ، غير داءٍ واحد الهرم " صحيح أبي داود

ب- وقال تعالى :" ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " المائدة 32

ج- وأباح للإنسان أن يأكل من خيرات الأرض ما يشاء، فالأصل في الأطعمة الإباحة إلا ما استثني منها وهوقليل ·

قال تعالى :" قل لا أجد في ما أوحي إليَّ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس " الأنعام 145

وقال سبحانه :" هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسوّاهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم " البقرة 29

د- وحرّم تعاطي ما يضرّ البدن من طعام ، كالخنزير والميتة ولحوم السباع ·· الخ

قال تعالى :" إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهلَّ به لغير الله فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم" البقرة 173

ويلحق به المخدرات وأيضا الدخان

هـ- وحرّم قتل النفس بغير حق ، قال تعالى :" ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق" الإسراء 33

وقال سبحانه :" من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً " المائدة 32

و- وحرّم ما قد يكون طريقا للقتل : كالغيبة والنميمة وضرب الوجه ·· الخ

قال تعالى :"ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ، ولا تجسسوا ولايغتب بعضكم بعضاً أيُحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه"الحجرات 12

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه " صحيح البخاري

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لايشير أحدكم على أخيه بالسلاح ، فإنه لايدري ، لعل الشيطان ينزغ في يده ، فيقع في حفرة من النار " صحيح البخاري

وحرّم الخروج على وليّ الأمر المسلم لأنه بذلك تُسفك الدماء ويُعدم الأمن

عن حذيفة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ، ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس " قال قلت : كيف أصنع يارسول الله إن أدركت ذلك ؟! قال " تسمع وتطيع للأمير · وإن ضرب ظهرك · وأخذ مالك · فاسمع وأطع " مسلم
وكذلك حديث عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَاحْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي [ص:347] صَلَاةَ الصُّبْحِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، وَذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا .مسند الامام احمد وصحيح البخارى وغيرهما.
وكذلك حديث عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ [ص:895] أَنَّ الْوَبَأَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّامِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَأَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَإِ، فَقَالَ عُمَرُ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمُ رَجُلَانِ، فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ، وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَإِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ، وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصِبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ غَائِبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ[ص:896] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ»، قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ، ثُمَّ انْصَرَفَ.مالك فى الموطأ.
وكذلك حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: " بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِمَائةِ رَاكِبٍ أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْبَحْرَ أَلْقَى لَنَا دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ، وَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهِ حَتَّى ثَابَتْ أَجْسَامُنَا قَالَ: وَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ [ص:508] ضِلْعًا مِنْهُ، فَنَظَرَ إِلَى أَطْوَلِ بَعِيرٍ فِي الْجَيْشِ، وَأَطْوَلِ رَجُلٍ فِيهِمْ فَحَمَلَهُ عَلَى الْبَعِيرِ، ثُمَّ اجْتَازَ مِنْ تَحْتِ الضِّلْعِ قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ " قَالَ عَمْرٌو: فَسَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ: قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ لِأَبِيهِ: " كُنْتُ فِي الْجَيْشِ فَجَاعُوا قَالَ: انْحَرْ قَالَ: قَدْ نَحَرْتُ قَالَ: ثُمَّ جَاعُوا قَالَ: انْحَرْ قَالَ: قَدْ نَحَرْتُ قَالَ: ثُمَّ جَاعُوا قَالَ: انْحَرْ قَالَ: قَدْ نَحَرْتُ، ثُمَّ جَاعُوا قَالَ: انْحَرْ قَالَ: قَدْ نُهِيتُ فَأَظُنُّهُ كَانَ نَحَرَ الْجَزَائِرَ يَوْمَئِذٍ "([3]).
ثالثا : حفظ العقل :

حفظت الشريعة العقل بأمور عدة منها :

أ- حثّت على التعلم والتعليم ، قال تعالى :" يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير " المجادلة 11

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" ·· إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء " صحيح الترمذي

ب- وأمر سبحانه بالتفكر والتأمل ، قال عز من قائل: " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار " آل عمران

ج- وحرّم مايضر بالعقل ويضيع ثمرته ، كالخمر: "ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " المائدة 90

قال الرسول صلى الله عليه وسلم " كل مسكر خمر " صحيح مسلم

د- ولم يقف الأمر على تحريم الخمر فحسب بل حرّم الله الطريق الموصل إليه ، فحرّم تذوق القليل من الخمر لأنه سبيل إلى شرب الكثير منه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ماأسكر كثيره فقليله حرام " صحيح ابن ماجة

وحرّم الجلوس على طاولة أو مجلس يُشرب فيه الخمر، قال النبي صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يُشرب عليها الخمر ( مسند أحمد14706والإرواء1949)
رابعا : حفظ العِرض والنسل :

أ- حفظ الإسلام العرض بأن أمر بالزواج وحثّ عليه ، قال تعالى :

"
وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " النساء 3

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" ثلاثة كلهم حق على الله عونه الغازي في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد التعفف " صحيح ابن ماجة

ب- وحرّم الزنا وعاقب عليه بحدّ الزنا لما فيه من تدنيس شرف الناس ولما فيه من تضييع حق الأولاد بعدم ثبوت النسب لهم ·

قال تعالى :" ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا " الإسراء 32

ج- ولم يقف الأمر على تحريم الزنا فحسب بل حرم الله الطريق الموصل إليه ، قال تعالى :" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون " النور 30

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" حديث جابر مرفوعا : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلُوَنَّ بامرأة ليس معها ذو محرم منها ثالثهما الشيطان " صححه الألباني في الإرواء وأصله في البخاري


خامسا : حفظ المال :

أ- أباح ديننا التجارة ، والمعاملات المالية ، فيجوز للناس أن يخترعوا معاملات جديدة تناسبهم مالم تتضمن محظورا ·

قال تعالى :" وأحل الله البيع وحرّم الربا " البقرة 275

وقال عز من قائل :" ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود المائدة

ب- منع الغش والسرقة وأكل الأموال بغير حق

قال تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم" المائدة

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" من غشنا فليس منا " صحيح مسلم

ج- قسّم الله سبحانه وتعالى الحقوق المالية وأعط لكل ذي حقٍ حقه لئلا تضيع الحقوق وتختلط فقسم أحكام الميراث تقسيماً دقيقاً مفصلاً كما جاء في سورة النساء ·

قال تعالى :" يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثُلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السُّدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورِثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين " النساء

وكذلك حديث اللقطه عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا» قَالَ: فَضَالَّةُ الغَنَمِ؟ قَالَ: «هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ»، قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: «مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا»([4]).
ففى زمن النبى صلى الله عليه وسلم كان أجود الحفظ للضاله الترك.
وفى زمن عثمان رضى الله عنهكان اجود الحفظ لها أن تؤخذ وتعلف حتى يأتى صاحبها.
وفى زمن على رضى الله عنه ان أجود الحفظ أن تباع ويخفظ ثمنها فى صره ومعها علاماتها فإذا جاء صاحبها يأخذ ماله ويشترى غيرها إذا أراد([5])
وكذلك عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ , عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ مُرَّةَ , عَنْ مَسْرُوقٍ , فِي قَوْلِهِ: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} قَالَ: " كَانَ حَرْثُهُمْ عِنَبًا فَنَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ لَيْلًا فَقَضَى دَاوُدُ بِالْغَنَمِ لَهُمْ , فَمَرُّوا عَلَى سُلَيْمَانَ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَرَدَّهُمْ إِلَى دَاوُدَ فَقَالَ: مَا قَضَيْتَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ؟ فَأَخْبَرَهُ قَالَ: لَا , وَلَكِنِ اقْضِ بَيْنَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا غَنَمَهُمْ , وَيَكُونَ لَهُمْ لَبَنُهَا وَصُوفُهَا , وَسَمْنُهَا , وَمَنْفَعَتُهَا وَيَقُومَ هَؤُلَاءِ عَلَى عِنَبِهِمْ حَتَّى إِذَا عَادَ كَمَا كَانَ رُدَّ عَلَيْهِمْ غَنَمُهُمْ وَذَلِكَ " قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79]([6]).


جمعه وأعده أبو حمزه
/عيد سالم محمد قناوى
المعيد بكليه الدراسات الإسلاميه قسم أصول الفقه



([1])الموافقات للشاطبى ج1.


([2])الموافقات الجزء الثانى.

([3])مصنف عبد الرزاق إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه عبد الرزاق (8667) ، والحميدي (1242) و (1244) ، والدارمي (2012) ، والبخاري (4361) و (5494) ، ومسلم (1935) (18) و (19) ، والنسائي 7/207- 208، وأبو يعلى (1955) ، وأبو عوانة 5/143-144 و144-145 و145، وابن حبان (5259) ، والبيهقي 9/251 من طريق سفيان ابن عيينة، بهذا الإسناد.
زاد عبد الرزاق والحميدي (1244) والبخاري (4361) وأبو عوانة 5/145: قال عمرو: أخبرنا أبو صالح: أن قيس بن سعد قال لأبيه: كنتُ في الجيش فجاعوا، قال: انحر، قال: نحرت، قال: ثم جاعوا، قال: انحر، قال: نحرت، قال: ثم جاعوا، قال: انحر، قال: نحرت، ثم جاعوا، قال نُهيِتُ.
وسيأتي الحديث من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار برقم (14336) .
وانظر ما سلف برقم (14256) .


([4]) رواه البخارى - أخرجه مسلم في أول كتاب اللقطة رقم 1722.


([5]) محاضره للأستاذ الدكتور محمود عبد الرحمن أستاذ أصول الفقه بجامعه الأزهر كليه الشريعه والقانون بالقاهره.

([6]) مصنف عبد الرزاق والحاكم فى المستدرك وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
 
إنضم
5 أغسطس 2010
المشاركات
837
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
أصول الفقه
المدينة
عين تموشنت
المذهب الفقهي
مالكي
رد: المقاصد الكبرى

بارك الله في الشيخ الكريم //
و لعلك انتبهت إلى نكتة :
فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة
من حيث كونه يفيد الاستقراء الأغلبي المنزل منزلة التام ، لأن العقل يجزم باطّراد المسائل التي لم يخضعها المجتهد للاستقراء..
 

عيد سالم محمد

:: متابع ::
إنضم
26 أغسطس 2012
المشاركات
25
الكنية
أبو حمزه
التخصص
أصول الفقه
المدينة
اسوان
المذهب الفقهي
مالكى
رد: المقاصد الكبرى

بارك الله فيك استاذنا ابو عبد الرحمن
 

أحمد فكرى الجرف

:: متابع ::
إنضم
29 أبريل 2012
المشاركات
57
الكنية
أبومالك
التخصص
الفقه المالكى
المدينة
اسوان
المذهب الفقهي
المالكى
رد: المقاصد الكبرى

أعتقد أن هذا الموضوع بعنوان المقاصد الكبرى يستحق المشاهدة ولهذا رشحته لـ أفضل موضوع الأسبوع 13, March, 2013
 
أعلى