العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

لا! لاختزال المشروع المقاصدي للشاطبي

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
لا! لاختزال المشروع المقاصدي للشاطبي

جنح غالب الذين كتبوا في المقاصد من المعاصرين بالحديث عن المقاصد إلى التركيز على المصلحة، حتى كاد حديثُهم عن المقاصد ينحصر في الحديث عن المصلحة. وهو أمر يقود إلى اختزال المقاصد بمعناها الواسع في الحديث عن المصلحة وتكرار الحديث عنها. وقد يصير بنا الأمر إلى أن نقوم ونقعد وننام على الحديث عن المصلحة! ولا ندري أي مصلحة؟

وأوَّل ما يَظهر لك ذلك الجنوح في تعريفاتهم للمقاصد، حيث تجدها تدور حول "الحِكَم والمصالح المرعية للشارع في شرع الأحكام"، ولا أذكر فيما اطلعت عليه من كتابات المعاصرين من مال في تعريف المقاصد إلى المفهوم الذي أسَّس له الشاطبي سوى الدكتور إسماعيل الحسني في كتابه عن مقاصد الشريعة عند ابن عاشور، حيث عرفها بأنها: "الغايات المصلحية المقصودة من الأحكام، والمعاني المقصودة من الخطاب"، وكذلك أستاذنا الفاضل الدكتور الأخضري في دروسه عن المقاصد في هذا المنتدى.

لقد كان مشروع الشاطبي في الحديث عن مقاصد الشريعة شاملا للمقاصد العامة للشريعة، والحِكَم (المصالح) المرعية في تشريع الأحكام، والمعاني (المفاهيم) المقصودة من النصوص الشرعية، ومقاصد المكلَّف في قيامه بالتكاليف الشرعية. ولذلك قسم الحديث عن المقاصد إلى: مقاصد الشارع، ومقاصد المكلَّف. وقسم مقاصد الشارع إلى أربعة أقسام: أولها: "قصد الشارع في وضع الشريعة"؛ ومجمل ما جاء فيه بيان كون الشارع إنما وضع الشريعة لتحقيق مصالح الخلق بمراتبها الثلاث: الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات، وحديث في العلاقة بين المصالح والمفاسد، ومراتب كل منهما. والثاني: "قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام"؛ وهو بحث في بعض طرق وضوابط فهم النصوص القرآنية. والثالث: "قصد الشارع في وضع الشريعة للتكليف بمقتضاها"؛ وهو حديث عن خصائص التكاليف الشرعية وعلاقتها بالمكلَّف، من حيث القدرة على الالتزام، والمشقة الناتجة عن التكليف. والرابع: "قصد الشارع في دخول المكلَّف تحت أحكام الشريعة"، وهو حديث عن العلاقة بين قصد الشارع من شرع الأحكام وقصد المكلَّف عند تطبيق تلك الأحكام والالتزام بها، حيث ينبغي على المكلَّف، حتى يصحّ التزامُه، أن يكون قصدُه تبعا لقصد الشارع لا مناقضا له. وعن علاقة الأحكام الشرعية بحظ المكلَّف وأثر ذلك في صحّة الالتزام وطريقته. وعن عموم الشريعة لجميع المكلفين ولجميع أفعالهم وجوانب حياتهم ومرجعيتها في كل ما يعنّ لهم.
والحديث عن مقاصد الشارع والمصالح لا يكتمل ولا يُثمر ثمارا طيّبة إلا بقرنه بالحديث عن قصد المكلّف في الإتيان بالتكاليف، والعلاقة بين القصدين.

لقد سعى الشاطبي في مشروعه إلى إعادة صياغة علم أصول الفقه بطريقة تجعل مقاصد الشريعة هي الروح الذي يسري فيه، والخيط الذي ينتظم مباحثه. وجوهر مقاصد الشريعة عنده هو حُسن فهم مقصود الشارع من خطابه، والتمثُّل الكامل به لإخراج الإنسان عن داعية هواه وتحقيق العبودية الكاملة، والارتقاء به في مدارج الأخلاق ليصل مرتبة الإحسان (وذلك جوهر المصالح الحقيقية للإنسان). ولتحقيق ذلك جعل نظرية المقاصد قائمة على ركنين يكمل بعضهما بعضا، هما: قصد الشارع وقصد المكلّف.

وسعى في مشروعه (الموافقات)، زيادة على تحرير ما يحتاج إلى تحرير من مسائل أصول الفقه، إلى التأصيل لعلم السلوك (التصوف) بوصفه الزخم الروحي، بما يجعله منضبطا بضوابط الشريعة، ويخلّصه من شطط الصوفية السلوكي والفكري، كما أصّل فيه لعلم الفقه بما يعصمه من الجفاف الروحي والشكلية التي ظهرت بوادرها في عصر الجمود، وكان من علاماتها ظهور الحيل ووصول الأمر ببعض الفقهاء إلى أن يتخيّر من الآراء الفقهية ما يحقق رغبات الأقارب والمعَارِف.

ويُشْبه أن يكون مشروعه في "الموافقات" امتدادا لمشروع "إحياء علوم الدين" الذي بدأه الغزالي، ولكن بمسلك مغاير وأداة مختلفة. لقد دفعت الشكلية والجفاف اللذان شاعا في بعض الأوساط الفقهية الغزالي إلى الدعوة إلى إحياء علوم الدين، وكان جوهر ذلك الإحياء هو إعادة الجانب الروحي والخلقي للفقه من خلال مسلك التصوف. ولكن الغزالي، على عظيم ما حققه في مشروعه، ظهرت عليه بوادر غلبة الوسط الصوفي في كثرة ما أورده في الكتاب من أحاديث ضعيفة، بل موضوعة. أما الشاطبي فقد لوى عُنق التصوف ليكسر جماحه ويردَّه إلى مسلكه الأصيل ليكون علم السلوك الذي تتجلى فيه مظاهر العبودية والإحسان والإيثار، ثم سقى به ساحة الفقه التي أصابها شيء من الجفاف لتعود إليها نضارتها ورونقها. واختار لذلك المشروع علم أصول الفقه أداةً بعد أن بثّ روح المقاصد في جميع أوصاله ومفاصله. وسبب اختياره أصول الفقه أنه العلم الذي يضبط مناهج الاستمداد من مصادر الشريعة، ومناهج الاستدلال. وكان الشاطبي في مشروعه ذلك شامخا طوال الكتاب شموخ المحقِّقِ أصوليًّا وسلوكيًّا، والعصمة لله ولرسوله، وكفى بالمرء نبلا أن تُعَدّ معايبُه.

فهل من هِمَمٍ لإحياء مشروع الشاطبي ومواصلة السير به في الطريق السليم؟!
 
إنضم
21 فبراير 2010
المشاركات
456
الإقامة
الإمارات العربية المتحدة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو حاتم
التخصص
أصول الفقه ومقاصد الشريعة
الدولة
الإمارات العربية المتحدة
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
رد: لا! لاختزال المشروع المقاصدي للشاطبي

لا! لاختزال المشروع المقاصدي للشاطبي

جنح غالب الذين كتبوا في المقاصد من المعاصرين بالحديث عن المقاصد إلى التركيز على المصلحة، حتى كاد حديثُهم عن المقاصد ينحصر في الحديث عن المصلحة. وهو أمر يقود إلى اختزال المقاصد بمعناها الواسع في الحديث عن المصلحة وتكرار الحديث عنها. وقد يصير بنا الأمر إلى أن نقوم ونقعد وننام على الحديث عن المصلحة! ولا ندري أي مصلحة؟

وأوَّل ما يَظهر لك ذلك الجنوح في تعريفاتهم للمقاصد، حيث تجدها تدور حول "الحِكَم والمصالح المرعية للشارع في شرع الأحكام"، ولا أذكر فيما اطلعت عليه من كتابات المعاصرين من مال في تعريف المقاصد إلى المفهوم الذي أسَّس له الشاطبي سوى الدكتور إسماعيل الحسني في كتابه عن مقاصد الشريعة عند ابن عاشور، حيث عرفها بأنها: "الغايات المصلحية المقصودة من الأحكام، والمعاني المقصودة من الخطاب"، وكذلك أستاذنا الفاضل الدكتور الأخضري في دروسه عن المقاصد في هذا المنتدى.

لقد كان مشروع الشاطبي في الحديث عن مقاصد الشريعة شاملا للمقاصد العامة للشريعة، والحِكَم (المصالح) المرعية في تشريع الأحكام، والمعاني (المفاهيم) المقصودة من النصوص الشرعية، ومقاصد المكلَّف في قيامه بالتكاليف الشرعية. ولذلك قسم الحديث عن المقاصد إلى: مقاصد الشارع، ومقاصد المكلَّف. وقسم مقاصد الشارع إلى أربعة أقسام: أولها: "قصد الشارع في وضع الشريعة"؛ ومجمل ما جاء فيه بيان كون الشارع إنما وضع الشريعة لتحقيق مصالح الخلق بمراتبها الثلاث: الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات، وحديث في العلاقة بين المصالح والمفاسد، ومراتب كل منهما. والثاني: "قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام"؛ وهو بحث في بعض طرق وضوابط فهم النصوص القرآنية. والثالث: "قصد الشارع في وضع الشريعة للتكليف بمقتضاها"؛ وهو حديث عن خصائص التكاليف الشرعية وعلاقتها بالمكلَّف، من حيث القدرة على الالتزام، والمشقة الناتجة عن التكليف. والرابع: "قصد الشارع في دخول المكلَّف تحت أحكام الشريعة"، وهو حديث عن العلاقة بين قصد الشارع من شرع الأحكام وقصد المكلَّف عند تطبيق تلك الأحكام والالتزام بها، حيث ينبغي على المكلَّف، حتى يصحّ التزامُه، أن يكون قصدُه تبعا لقصد الشارع لا مناقضا له. وعن علاقة الأحكام الشرعية بحظ المكلَّف وأثر ذلك في صحّة الالتزام وطريقته. وعن عموم الشريعة لجميع المكلفين ولجميع أفعالهم وجوانب حياتهم ومرجعيتها في كل ما يعنّ لهم.
والحديث عن مقاصد الشارع والمصالح لا يكتمل ولا يُثمر ثمارا طيّبة إلا بقرنه بالحديث عن قصد المكلّف في الإتيان بالتكاليف، والعلاقة بين القصدين.

لقد سعى الشاطبي في مشروعه إلى إعادة صياغة علم أصول الفقه بطريقة تجعل مقاصد الشريعة هي الروح الذي يسري فيه، والخيط الذي ينتظم مباحثه. وجوهر مقاصد الشريعة عنده هو حُسن فهم مقصود الشارع من خطابه، والتمثُّل الكامل به لإخراج الإنسان عن داعية هواه وتحقيق العبودية الكاملة، والارتقاء به في مدارج الأخلاق ليصل مرتبة الإحسان (وذلك جوهر المصالح الحقيقية للإنسان). ولتحقيق ذلك جعل نظرية المقاصد قائمة على ركنين يكمل بعضهما بعضا، هما: قصد الشارع وقصد المكلّف.

وسعى في مشروعه (الموافقات)، زيادة على تحرير ما يحتاج إلى تحرير من مسائل أصول الفقه، إلى التأصيل لعلم السلوك (التصوف) بوصفه الزخم الروحي، بما يجعله منضبطا بضوابط الشريعة، ويخلّصه من شطط الصوفية السلوكي والفكري، كما أصّل فيه لعلم الفقه بما يعصمه من الجفاف الروحي والشكلية التي ظهرت بوادرها في عصر الجمود، وكان من علاماتها ظهور الحيل ووصول الأمر ببعض الفقهاء إلى أن يتخيّر من الآراء الفقهية ما يحقق رغبات الأقارب والمعَارِف.

ويُشْبه أن يكون مشروعه في "الموافقات" امتدادا لمشروع "إحياء علوم الدين" الذي بدأه الغزالي، ولكن بمسلك مغاير وأداة مختلفة. لقد دفعت الشكلية والجفاف اللذان شاعا في بعض الأوساط الفقهية الغزالي إلى الدعوة إلى إحياء علوم الدين، وكان جوهر ذلك الإحياء هو إعادة الجانب الروحي والخلقي للفقه من خلال مسلك التصوف. ولكن الغزالي، على عظيم ما حققه في مشروعه، ظهرت عليه بوادر غلبة الوسط الصوفي في كثرة ما أورده في الكتاب من أحاديث ضعيفة، بل موضوعة. أما الشاطبي فقد لوى عُنق التصوف ليكسر جماحه ويردَّه إلى مسلكه الأصيل ليكون علم السلوك الذي تتجلى فيه مظاهر العبودية والإحسان والإيثار، ثم سقى به ساحة الفقه التي أصابها شيء من الجفاف لتعود إليها نضارتها ورونقها. واختار لذلك المشروع علم أصول الفقه أداةً بعد أن بثّ روح المقاصد في جميع أوصاله ومفاصله. وسبب اختياره أصول الفقه أنه العلم الذي يضبط مناهج الاستمداد من مصادر الشريعة، ومناهج الاستدلال. وكان الشاطبي في مشروعه ذلك شامخا طوال الكتاب شموخ المحقِّقِ أصوليًّا وسلوكيًّا، والعصمة لله ولرسوله، وكفى بالمرء نبلا أن تُعَدّ معايبُه.

فهل من هِمَمٍ لإحياء مشروع الشاطبي ومواصلة السير به في الطريق السليم؟!
الله الله الله، نطقت عن حق وعن صواب صدرت.
لله أب غذاك ورحم حملتك دكتورنا الكريم.
فإن أذنتم وأذن شيخنا وتاج رؤوسنا الأخضري انضممت إليكم في هذا المشروع، مشروع إحياء الشاطبي من جديد.
 
إنضم
5 أغسطس 2010
المشاركات
837
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
أصول الفقه
المدينة
عين تموشنت
المذهب الفقهي
مالكي
رد: لا! لاختزال المشروع المقاصدي للشاطبي

فهل من هِمَمٍ لإحياء مشروع الشاطبي ومواصلة السير به في الطريق السليم؟!
فإن أذنتم
انضممت إليكم في هذا المشروع، مشروع إحياء الشاطبي من جديد.
سوق معتبر منهما ، و نعم الفارسان هما..، و الأخضري نعلهما..
 
التعديل الأخير:

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
أعلى