العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تراث السف ؛ بين المنحة ، والمحنة ..

محمد أحمد فتوح

:: متابع ::
إنضم
26 يناير 2013
المشاركات
25
الكنية
أبو رنا
التخصص
لغة انجليزية / شريعة إسلامية
المدينة
المحلة الكبرى
المذهب الفقهي
الشافعي
للمرة الأولى : أكتب بين هؤلاء الأعلام ، في هذا الصرح الشامخ ، فقط لأقطف زهرة من بساتين توجيهاتكم وتعليقاتكم ..
هذا المقال كتبته من خواطري ، وقراءتي المشتتة ، أتشرف بتعليقاتكم الكريمة وتوجيهاتكم ..
تراث السلف ؛ بين المنحة ، والمحنة ..
لم تحظ أمة من الأمم - مذ خلق الله الخلق وحتى قيام الساعة - بمثل ما حظيت به هذه الأمة الخاتمة ، فقد تعهّد المولى عز وجل بحفظ دينها ، فاختار أفضل البشر نبيا لها ، ثم اختار له صحابته ، قال ابنُِ مسعودٍ رضي... الله عنه : (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ ؛ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ؛ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ , وَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِهِ ؛ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِهِ ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .. فتلقى هؤلاء الوزراءُ الأحكامَ وأدلتها تلقيا "منجّما مسموعا" ، وهي الميزة التي لن ينالها أحدٌ سواهم من هذه الأمة ، فكان التشريع ينزل مفرّقا حسب مستجدات زمانهم ومتطلبات عصرهم ، وبعد أن تُستفزّ عقولهم لمعرفة الحق في هذه النازلة يأتي الوحي لـ (يقرّ/ يعدّل) ما وصلت إليه عقولهم ، أو ليعلّمهم جديداً ، فتكونت لديهم الملكة الفقهية التي رعاها لهم الوحي رعايةً مباشرة ..

وبوفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واكتمال الدين (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) ، نَهَجَ الصحابة نهج نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فعلّموا العلم لمن بعدهم فمن بعدهم ، وأيّد الله كلّ جيل بحَفَظةِ الأمانة ونقَلَتِها ، حتى خلّف لنا هؤلاء الأفذاذ السالفون تراثاً لا أجد ما يُشبّه به – وإن كان دونه في الحقيقة – إلا كأنه "منجم من الذهب" ..
والسؤال : بعد مرور بضع قرون على هذا التراث ، كيف تفاعل الخلق مع هذه السبائك النفيسة ؟!!

انقسم الخلق على مرور الأجيال - في الجملة - إلى ثلاث فرق ( طرفين ؛ ووسط ) :​

الطرف الأول : اتبعوا – وفي الواقع قلّدوا – ما سطّره الأئمة من فتاوى وأحكام ناسبت زمانهم ، واعتبر الخلف نصوص أئمتهم نصوصا شرعية ، حتى صار من معاني "النص" اليوم عند متأخري بعض المذاهب : "ما نصّ عليه إمام المذهب" .
منهجهم مع النوازل والمسائل المستجدة : النظر في أقوال الإمام ؛ فإن كان بها وإلا فالكتب المعتمدة في المذهب ؛ وإلا فالتخريج على قولٍ فيها ؛ وإلا فالحكم بالمنع والتحريم ، وكأنّهم – غفر الله لهم - لم يسمعوا قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودَاً فَلا تَعْتَدُوهَا ؛ وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ ؛ فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا ) فما سكت عنه المولى عزّ وجلّ هو رحمة ، فلماذا يعدّون ما سكت عنه أئمتهم حراما ؟!.
فهؤلاء قد جعلوا من سبائك التراث النفيسة قفصاً ؛ وأبوا إلا العيش فيه .

الطرف الثاني : انصهروا في واقعهم ؛ فغلبهم صفوه وكدره ، وأخذوا الأحكام بالإجمال دون تفصيل ، وغلّبوا المقاصد – كما يظنّونها – ، بل قال بعضهم : لو تعارض النص مع المصلحة قدمتُ المصلحة ؛ ولو على النص والإجماع . ولو سئل عن مثال شرعي يعزّز دعواه لأعوزه طول البحث .

الفريق الوسط : آثروا إلا أن يجعلوا من سبائك الذهب سلّماً يرتفعون به على مشكلات زمانهم وتحديات عصرهم ، فحملوا بالحقّ أمانة دينهم ؛ وأدّوا بالحكمة حقوق قومهم ، فغاصوا في كتب الأقدمين غوص الباحث عن الدرر ، وتعلموا هدي السلف في التعامل مع الوحى ، واجتهدوا أن يهتدوا بهداهم ، فأعطوا لكل نازلة جوابا :
ـ أصيلا : في عبقه وروحه ؛ وفي منهج استنباطه .
ـ معاصراً : في واقعيته ورحمته ؛ وفي آليات تنفيذه وتطبيقه .

وفي الختام ..
أذكّر وأننا في القرن الخامس عشر الهجري ؛ وقد أبى بعض الكرام إلا أن يتساءل :
ما حكم "المعارضة السياسية / إنشاء الأحزاب السياسية / الصور الفوتوغرافية / خروج المرأة – الشابة – إلى المساجد" ؟! .
 
أعلى