د. مختار بن طيب قوادري
:: متخصص ::
- إنضم
- 21 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 396
- الإقامة
- وهران- الجزائر
- الجنس
- ذكر
- التخصص
- الشريعة والقانون
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- سعيدة
- المذهب الفقهي
- مالكي
هل القوانيـن التي تبدو مخالفـة للشريعة الإسلامية في بلادنا العربيـة الإسلامية دستـوريـة؟
تمهيـد مفيـد:
القانون باختصار كلمة يونانية معربة (kanun) تعني العصى المستقيمة، إذ تستخدم في اللغة اليونانية مجازا للتعبير عن معنى القاعدة أوالقدوة للدلالة على الاستقامة في القواعد والمبادئ القانونية.
ثم انتقلت من اليونانية إلى اللغات الأخرى، حيث انتقلت إلى الفارسية بنفس اللفظ (كانون) بمعنى أصل كل شيء وقياسه، ثم عربت عن الفارسية بمعنى الأصل، ودرج استخدامها بمعنى أصل الشيء الذي يسار عليه، أو المنهج الذي يسار بحسبه، أو النظام الذي على أساسه تنتظم مفردات الشيء، وتكون مطردة؛ أي متكررة على وتيرة واحدة، بحيث تصبح خاضعة لنظام ثابت، فيقال في معرض الأبحاث الطبيعية قانون الجاذبية، ويقال في معرض الأبحاث الاقتصادية قانون العرض والطلب وهكذا.
والقانون اصطلاحا باختصار شديد: هو مجموعة من القواعد المنظمة للسلوك الإنساني تضعها السلطة المختصة، أي السلطة التشريعية من حيث الأصل والسلطة التنفيذية عند الضرورة على أن يقرها البرلمان لاحقاً في أقرب دورة له.
يتكون القانون من قواعد قانونية، تتسم هذه القواعد، باختصار، بكونها عامـة؛ تنطبق على جميع أفرادها، ولا يضر إذا شذ شيء يسير لسند قانوني؛ كالاختلافات الفردية التي تتطلب التشديد أو التخفيف في العقوبة أو الاختلافات بين النصوص الناظمة للبالغ وللصبي. ومن لوازم العموم كونها مجـردة؛ أي تنصب على الصفات دون الذوات، كما أنها ملزمـة؛ من خلال ما تفرضه من جزاء قهري على من يخالفها.
تختلف قواعد القانون عن القواعد العلمية بأن قواعد القانون تقويميـة؛ أي تُعنى بتقويم السلوك الإنساني بما تفرضه من جزاء قهري تستعمله القوة العمومية. بينما تعد قواعد العلم تقريريـة؛ أي كاشفة لما هو موجود بالطبيعة، فقانون الجاذبية لا يعدو أن يكون اكتشافا لما هو موجود ليس إلا، ولا علاقة البتة لهذه القواعد بالسلوك الإنساني.
بقي أن نشير إلى أن الدستور هو أسمى قانون في كل بلد سواء كان مكتوبا أو عرفيا؛ لما يحويه من نصوص تنظم العلاقة المفضية إلى التوازن بين السلطات العامة في الدولة؛ من سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية وسلطة قضائية. كما ينظم الدستور المبادىء العامة الخاصة بالهوية والثوابت والمنطلقات والغايات الكبرى للمجتمع، إضافة إلى الحقوق والحريات الأساسية للأفراد.
من المبادىء الدستورية المقررة في أغلب الدول العربية والإسلامية أن "الإسـلام هو ديـن الدولـة ". ومن ثم كان لزاما أن نعرف حكم القوانين التي تبدو مخالفة للشريعة في بعض بلادنا؛ كالرهان الرياضي والفوائد الربوية والبيع بالمزاد العلني في الجانب المدني والنصوص الخاصة بالعفو الرئاسي عن نزيل المؤسسة العقابية المقترف لجناية القتل العمد وكذا النصوص المتعلقة بالحصانة النيابية والدبلوماسية في الجانب الجنائي.
ومن المبادىء القانونية المسلَّم بها هو سمو الدستور باعتباره قانونا أساسياً على القوانين العادية (التشريعات) والقوانين الفرعية (اللوائح التنظيمية واللوائح التنفيذية).
تختلف وجهات النظر بين الشرائح الاجتماعية بمختلف توجهاتها بين قائل بالجـواز من الناحية القانونية، وبالتالي دستوريـة هذه القوانية، وبين قائل بعـدم الجواز، حيث تعتبر هذه القوانين غيـر دستوريـة، ويمكن الطعن فيها، مسبقـا،ً أمام مجلـس الدولة، حسب التجربة الفرنسية، أو الطعن، لاحقـاً، أمام القضـاء حسب التجربة الأمريكية.
منشأ الخـلاف حول دستورية هذه القوانين وتجلياتـه
تؤثر الخلفية الفكرية والنظرة العامة للكون والحياة في تقدير هذا الموضوع تأثيراً بالغاً. فالقول بالدستورية وعدمها ينبني على فهم ماهية الشريعة في حد ذاتها.
فالذين يرون أن الشريعة الإسلامية ناظمة للمعاملات على اختلاف أصنافها من جنايات وعقود مدنية وتجارية، ونظم إدارية، دستورية، بل ودولية. هذا إضافة إلى تنظيم ما يتعلق بالعقيدة والعبادات والأخلاق.
والذين يرون أن الشريعة هي دين ينظم العلاقة بين العبد وربه؛ من خلال ما يعتقده وما يمارسه من شعائر تعبدية. وبالتالي، لا دخل للاقتصاد والسياسة والإدارة ونحو ذلك بمبادىء الدين الحنيف.
هنا يبدو الفرق جليا في التباين في الفهم والتفسير، فالفريق الأول يعطي تفسيرا موسعـا للشريعة الإسلامية، والفريق الثاني صاحب مذهب مضيق لماهيتها.
يتجلى هذا الاختلاف في النظر في مظاهر متعددة، يتعلق بعضها بتحديد المصطلحات. فالمضيقون يختارون مصطلح "مبادىء الشريعة" على أنها كليات تتعلق بالعقيدة والعبادة. والموسعون يرون أن هذا المصطلح مقبول، لكن على نحو أرحب، يتعدى ذلك إلى مختلف أصناف المعاملات.
وأمام التنافس الشديد الذي يمليه تدافع قوى الضغط في المجتمع يرى البعض استعاضة مصطلح "مبادىء الشريعة" بـ "أحكام الشريعة" حتى تتضمن النصوص المنظمة لمختلف نواحي الحياة.
لا يرى أصحاب الاتجاه الموسع، في ظل دولة إسلامية، مانعاً من تسمية الأحزاب بـ "الإسلامية"، مثلما هو عليه النحو في مجتمعات غربية؛ كألمانيـا حيث تعتمد أحزابا مسيحية، بينما يرى رواد الاتجاه المضيق لماهية الشريعة أن وصف الأحزاب على هذا النحو غير قانوني، وبناء عليه، لا يجوز تسمية الأحزاب على أساس ديني، تماماً مثلما لا يجوز على أساس عرقي؛ كما هو الحال في مجتمعات غربية مثل فرنسـا.
إذا ذهبنا إلى موضوع الفوائد الربوية فالمحصلة مبنية على المنطلقات، وعليه، لست في حاجة إلى كبير بيان أن القائلين بجوازها يبررون هذا بأنه من باب الضرورة التي تمليها قواعد التعامل المصرفي والتجاري في العالم. أما من يرون حرمتها يؤسسون ذلك على بدائل تفرضها قواعد الاقتصاد والمصارف الإسلامية؛ كالبيع بالتقسيط؛ على خلاف يسير فيه، والمرابحة للآمر بالشراء، ويبررون وجهة نظرهم بما لقيته المؤسسات المصرفية الإسلامية من نجاح مستمر جعل موطأ قدم لها حتى في بلاد الغرب، أمام انهيار الاقتصاد الرأسمالي، ودعوة أصحابه إلى ضرورة أَخْلَقَتِـِه.
يندرج الموضوع في الفقه الدستوري الحديث، وتختلف طبيعته وأهميته من منطقة لآخرى فلكل بيئة خصوصياتها، وتزداد أهمية الموضوع بشكل خاص في المناطق التي تعرضت للاستعمار أو الحماية الفرنسية؛ نظرا لما يتسم به الفكر الفرنسي من حساسية مفرطة للتدين وأهله، وهو ما يزيد مسألة الهوية، في هذه البلدان، تعقيدا.
تلاحظون،أخيراً، أني وضعت يدي على منشأ المشكلة، وهو تباين المشارب في تفسير ماهية الشريعة الإسلامية؛ ليمكننا التوصل إلى الحل، وهو موجود بلا ريب، ولو طال الأمد، وإن شكك فيه البعض، و لا شك أن للموضوع تشعبات وذيول كثيرة، أكتفي بهذا القدر؛ لأترك المجال لنقاش علمي يستوعب وجهات نظر أصحاب السعادة من الإخوة الباحثين والأخوات الباحثات، كما أنه مفتوح لجميع من أراد أن يدلي بدلوه، المهم أن يكون التدخل مؤسسا علميا من حيث السند والنظر، فما أحوجنا إلى حوار علمي، يهدف إلى كشف الحقائق العلمية بدافع الإخلاص للعلم، والعلم فحسب، والله الموفق وهو يهدي السبيل.