العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ما معنى قول ابن دقيق: (ترك الفعل لا يدل على امتناعه)

إنضم
31 أكتوبر 2008
المشاركات
132
الكنية
أبو أحمد
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الحنبلي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

استعمل ابن دقيق العيد رحمه الله قاعدة أصولية في شرحه لعمدة الأحكام..

1- "قوله (إلا الفرائض) فإنه إنما يدل على ترك هذا الفعل، وترك الفعل لا يدل على امتناعها".
(إحكام الأحكام 1/ 141).
2- "قد يتمسك به في الصلاة أن صلاة الفرض لا تؤدى على الراحلة، وليس ذلك بقوي في الاستدلال؛ لأنه ليس فيه إلا ترك الفعل المخصوص، وليس الترك بدليل على الامتناع".
(إحكام الأحكام 2/ 41).

هذه القاعدة تصنف من مسائل الترك..
وللترك أنواع:
1- ترك جبلي.
2- ترك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
3- الترك بياناً لمجمل.
4- الترك المجرد.
والترك المجرد أنواع:
أ- الترك لعدم وجود المقتضي.
ب- الترك مع وجود المقتضي وقيام المانع.
ج- الترك مع وجود المقتضي وانتفاء المانع.

السؤال:
1- من أي أنواع الترك تدرج هذه المسألة؟
2- رأي ابن دقيق العيد رحمه الله _ أن الترك لا يدل على الامتناع أو التحريم _ هل هو محل اتفاق بين الأصوليين؟
3- إن كان في المسألة خلاف بين الأصوليين، فهل لي بعرضه ولو بشكل عام؟

قد قرأت أكثر من كتاب تكلم عن الترك..
ولكني لم أجد إجابة على أسئلتي.. أو لم أستطع الوصول لإجابة على أسئلتي..

فلذا طرحت هذا الموضوع وفقكم الله..
 
التعديل الأخير:
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ما معنى قول ابن دقيق: (ترك الفعل لا يدل على امتناعه)

الشيخ الكريم علي الألمعي وفقه الله
لعل فيما أذكره من نقاط يفيدك في توضيح ما تريد فأقول :
أولاً : مباحث الترك لم يتكلم فيها المتقدمون بشكل موسع ودقيق وقد أشار إلى هذا الزركشي في البحر المحيط بقوله :" القسم السابع الترك لم يتعرضوا لتركه عليه السلام .." وإنما هناك كلام منثور لأهل العلم كابن دقيق العيد في الإحكام وابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم وغيره وابن القيم في إعلام الموقعين وإغاثة اللهفان والتلمساني في مفتاح الوصول والإسنوي في التمهيد والزركشي في البحر المحيط وابن السبكي في الإبهاج والشاطبي في الموافقات والاعتصام وأبي شامة في المحقق والشوكاني في إرشاد الفحول والشنقيطي في الأضواء والمذكرة ، وليس في كلامهم تفصيل الكلام وذكر الخلاف أو نقل الإجماع في مسائله حسب علمي وإطلاعي ولذا يصعب نقل الإجماع في ذلك أو الوصول إلى خلاف المذاهب فيه مع قلة الكلام فيه ، وربما كان من أسباب ذلك أنهم اكتفوا بذكر أقسام فعل النبي صلى الله عليه وسلم وجعلوا الترك عبارة عن الكف فهو من الفعل فأجروا فيه أحكامه .
وأما المعاصرون فهناك دراسات في الموضوع منها ما ذكره الشيخ الدكتور محمد الأشقر في رسالته للدكتوراه "
أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية "والدكتور محمد العروسي عبد القادر في " أفعال الرسول ودلالتها على الأحكام " والدكتور محمد الجيزاني في " سنة الترك ودلالتها على الأحكام الشرعية " وابن حنفية العابدين في السنة التركية " درء الشكوك عن أحكام التروك " ومحمد يحيى ملاح في رسالته للماجستير " الترك عند الأصوليين " والدكتور أحمد كافي في " دليل الترك بين المحدثين والأصوليين " .

ثانياً : المؤثر الأكبر في قضية الترك هو القصد وعدمه ، وبعده يأتي تقسيم الترك إلى الأقسام المذكورة والقرائن التي تحيط به ، فالقصد هو الذي يحدد نوع الترك وما يبني عليه من أحكام وقد وضع الزركشي في المنثور ( 1 / 284 ) قاعدة وهي " التركُ فعلٌ إذا قُصِدَ " ويقول الشاطبي في الموافقات ( 1 / 234 ) : " الأحكام الخمسة متعلقة بالأفعال والتروك بالمقاصد " ثم أخذ يدلل لهذه القاعدة .
وعليه فإن المعتمد في الحكم على الترك وحكمه هو معرفة القصد وحيث كان القصد أمراً باطنياً فإن الوصول إليه يعتمد القرائن اللفظية والحالية والخارجية ومن ثم يقع الخلاف بين أهل العلم في تقرير نوع هذا الترك بناء على إطلاعهم وإدراكهم لهذه القرائن وبناء على قوتها في نظرهم والتي ترجح جانباً على جانب ، ولهذا نجد العلماء يتفقون على ما كان من هذا النوع من المسائل تنظيراً ويختلفون تطبيقاً بناء على هذا النظر ، ومن ذلك أقسام أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقسام النهي ، وصيغ الأمر وما شابه ذلك تجدهم متفقين في الأصول مختلفين في الفروع لاختلافهم في تحقيق المناط .

ثالثاً : نأتي لكلام الإمام ابن دقيق العيد - رحمه الله - وهو ينبني على ما سبق حيث يقول : " السادس: قوله: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة قد يتمسك به في أن صلاة الفرض لا تؤدي على الراحلة" وليس ذلك بقوي في الاستدلال لأنه ليس فيه إلا ترك الفعل المخصوص وليس الترك بديل على الامتناع وكذا الكلام في قوله: "إلا الفرائض" فإنه إنما يدل على ترك هذا الفعل وترك الفعل لا يدل على امتناعه كما ذكرنا.
وقد يقال: إن دخول وقت الفريضة مما يكثر على المسافرين فترك الصلاة لها على الراحلة دائما مع فعل النوافل على الراحلة يشعر بالفرقان بينهما في الجواز وعدمه مع ما يتأيد به من المعنى وهو أن الصلوات المفروضة: قليلة محصورة لا يؤدي النزول لها إلا نقصان المطلوب بخلاف النوافل المرسلة فإنها لا حصر لها فتكلف النزول لها يؤدي نقصان المطلوب من تكثيرها مع اشتغال المسافر والله أعلم"
فهو هنا ذكر أن النص المذكور يحتمل احتمالين وهما :
1 - أن لا يدل الترك على المنع لأنه مجرد ترك ليس فيه إلا عدم الفعل .
2 - أن يدل على المنع لوجود قرينة المداومة وتأييد ذلك من جهة المعنى .
فالأول مبني على عدم وجود قرينة تدعم القصد إلى الترك والثاني مؤيد بالقرينة التي ترجح جانب القصد ومن ثم فهو فعل مقصود وحيث كان الاحتمالان متساويين في نظر الإمام ابن دقيق العيد لم ير الأول قوياً لدرجة الرجحان لكنه أيضاً ليس ضعيفاً بل هو احتمال قائم لكن عدم قوته تظهر في كونه يدل على جانب واحد من جانب التحريم والمنع وهو الترك لأن التحريم مركب من وجوب الترك وتحريم الفعل ، والفعل المجرد يدل على الترك ولا يدل على المنع من الفعل فربما تركه لسبب أو في وقت دون وقت وعليه فهو قوي في جانب فقط دون جانب .
ولذلك نقول إن الحكم الذي يدل عليه الترك قطعا هو
عدم الوجوب كما أشار لذلك التلمساني في المفتاح وغيره ؛ لأن الواجب لا يمكن أن يترك أي أن المتروك ليس واجباً قطعاً ويبقى عندنا أربعة أحكام محتملة للمتروك :
الإباحة وهي تساوي الفعل والترك ، وقد دل الترك المجرد على جواز الترك ويبقى حكم جواز الفعل يحتاج لدليل آخر أو قرينة لكن الإباحة تثبت هنا من جهة العموم فإن الواجب مأذون به .
الندب أي أن المتروك مسنون ، وهذا يحتاج لقرينة تدل على جواز الفعل ورجحانه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أو أمره به في موضع آخر .
الكراهة أي أن المتروك مكروه ، وهذا يحتاج لقرينة تدل على جواز الفعل ؛ لأن المكروه ما يجوز فعله وتركه لكن تركه أرجح .
التحريم وفيه ما سبق ذكره .
فالنتيجة أن بقية الأحكام حتى نجزم بها أو يغلب على الظن دلالة الترك عليها تحتاج لقرينة تقوي ذلك .
والله أعلم
 
إنضم
31 أكتوبر 2008
المشاركات
132
الكنية
أبو أحمد
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: ما معنى قول ابن دقيق: (ترك الفعل لا يدل على امتناعه)

جزاكم الله خيراً..
ونفع بكم..
وأسبغ عليكم نعمه..
فقد أفدتني كثيراً..
 
إنضم
31 أكتوبر 2008
المشاركات
132
الكنية
أبو أحمد
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: ما معنى قول ابن دقيق: (ترك الفعل لا يدل على امتناعه)

على ضوء ما فهمت..

إن كان الترك متكرراً فتلك قرينة تدل على المنع،
وإن لم يكن الترك متكرراً فلا دليل على المنع، بل
يكون الحكم على الإباحة.

هل هذا الفهم صحيح؟
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ما معنى قول ابن دقيق: (ترك الفعل لا يدل على امتناعه)

على ضوء ما فهمت..

إن كان الترك متكرراً فتلك قرينة تدل على المنع،
وإن لم يكن الترك متكرراً فلا دليل على المنع، بل
يكون الحكم على الإباحة.

هل هذا الفهم صحيح؟
بارك الله فيكم
على حسب قوة القرينة يزيد الظن بالحكم ، وتأمل تعبير ابن دقيق حينما ذكر قرينة التكرار قال : "
يشعر بالفرقان بينهما في الجواز وعدمه " لم يجزم بالمنع بل استعمل لفظ ( يشعر ) ثم احتاج أن يؤيده بدليل آخر من النظر ، فالمسألة لما كانت خفية تعتمد القصد الباطني أصبحت تحتاج إلى قوة القرينة و تعددها وهذا بخلاف الألفاظ ( افعل ) و ( لا تفعل ) فهي صريحة في إفادة الحكم ، وهذا الظن قد يؤخذ من قول الصحابي ومداومة الترك وترك السلف للفعل ونحوها من القرائن وكلما تعددت القرائن زاد الظن بالحكم .
 
إنضم
31 أكتوبر 2008
المشاركات
132
الكنية
أبو أحمد
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: ما معنى قول ابن دقيق: (ترك الفعل لا يدل على امتناعه)

نفع الله بكم شيخنا الفاضل..
ورفع الله مقامكم في الدنيا والآخرة..

ويشهد الله أنني مدين لكم ولملتقانا بأفضال متعددة..
جعلتني دائمًا أذكركم بكل خير..
وأحرص على الدعاء لكم..
 
التعديل الأخير:
إنضم
31 أكتوبر 2008
المشاركات
132
الكنية
أبو أحمد
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: ما معنى قول ابن دقيق: (ترك الفعل لا يدل على امتناعه)

لديّ سؤال..
وأنا أعتذر إن أكثرت وأثقلت..
لكن حتى تكتمل الفائدة.. ونستفيد منكم شيخنا الكريم د. بدر المهوس
وكذلك من بقية المشايخ الكرام..

في مسألة صلاة الفريضة على الراحلة..
ابن دقيق يرى أن قرينة التكرار ليست كافية للدلالة على الامتناع..
سؤالي:
1- هل هناك من خالف ابن دقيق وجزم بالمنع من قرينة التكرار؟
2- ما الذي منع ابن دقيق العيد من الجزم بالمنع؟ هل قرينة التكرار ضعيفة؟ ولو كانت ضعيفة ما سبب ضعفها؟
3- ما الذي جعل بعض العلماء يجزمون بالمنع من قرينة التكرار _إن وجدوا_؟
 
التعديل الأخير:
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ما معنى قول ابن دقيق: (ترك الفعل لا يدل على امتناعه)

نفع الله بكم شيخنا الفاضل..
ورفع الله مقامكم في الدنيا والآخرة..

ويشهد الله أنني مدين لكم ولملتقانا بأفضال متعددة..
جعلتني دائمًا أذكركم بكل خير..
وأحرص على الدعاء لكم..
آمين وإياكم يا شيخ علي وليس أسعد لقلبي من مثل هذا الدعاء المبارك أسال الله أن يتقبله منكم ويجازيكم بالمثل .
أما هذا الموقع فلا أقول إلا جزى الله القائمين عليه كل خير فلهم أفضال على الجميع وعن طريقه يلتقي الأحبة والإخوة وطلاب العلم وينتفع به كثير ممن يبحث عن الفائدة
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ما معنى قول ابن دقيق: (ترك الفعل لا يدل على امتناعه)

لديّ سؤال..
وأنا أعتذر إن أكثرت وأثقلت..
لكن حتى تكتمل الفائدة.. ونستفيد منكم شيخنا الكريم د. بدر المهوس
وكذلك من بقية المشايخ الكرام..

في مسألة صلاة الفريضة على الراحلة..
ابن دقيق يرى أن قرينة التكرار ليست كافية للدلالة على الامتناع..
سؤالي:
1- هل هناك من خالف ابن دقيق وجزم بالمنع من قرينة التكرار؟
2- ما الذي منع ابن دقيق العيد من الجزم بالمنع؟ هل قرينة التكرار ضعيفة؟ ولو كانت ضعيفة ما سبب ضعفها؟
3- ما الذي جعل بعض العلماء يجزمون بالمنع من قرينة التكرار _إن وجدوا_؟

بارك الله فيكم
العلماء أجمعوا على المنع من صلاة الفريضة على الراحلة وقد نقل الإجماع غير واحد منهم ابن عبد البر وابن المنذر وابن بطال والقاضي عياض والنووي وابن قدامة وابن الملقن وابن رجب ونقله ( ابن حجر والعيني والصنعاني ) عن ابن بطال دون تعقب ، واستثنوا من ذلك صلاة الخوف بالإجماع وصلاة المريض وفي المطر على خلاف ومن اجاز في المرض والمطر اختلفوا في الإعادة فيما بعد على قولين .
وسلكوا في الاستدلال للمنع من صلاة الفريضة على الراحلة مسلكين :
المسلك الأول :
الاستدلال بالأحاديث التي جاءت تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التطوع على الراحلة ونزل لصلاة الفريضة أو ترك صلاة الفريضة على الراحلة وقد ورد ذلك من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين وحديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه في الصحيحين وحديث جابر رضي الله عنه في البخاري وأصله في الصحيحين دون ذكر النزول للمكتوبة .
وهذا الاستدلال مأخوذ من الترك ووجه استدلالهم ان مداومة الترك وفهم الصحابة تقصد الترك يدل على تعمد ذلك وقصده من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا المسلك في الاستدلال كثير في كتب الفقهاء وفي تبويب المحدثين في كتب السنة في هذه المسألة يقولون بالمنع ثم يذكرون الدليل أو يبوبون بالمنع ثم يذكرون الدليل .
المسلك الثاني :
الاستدلال بوجوب استقبال القبلة بقوله تعالى : ( وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره )
قالوا : الأصل وجوب استقبال القبلة في الصلاة عموماً خُصَّ هذا العموم بصلاة النافلة بالأحاديث المذكورة فيبقى ما سوى النافلة على الأصل وهو وجوب الاستقبال وعدم جواز صلاة الفرض على الدابة ، ولذا نرى بعض العلماء يمنعون من صلاة راتبة الفجر ( ركعتي الفجر ) كما في إحدى الروايتين عن أحمد ومنع بعضهم الوتر وبعضهم منع صلاة العيد والاستسقاء والخسوف .

ويمكن أن يستدل كذلك
بمسلك ثالث وما رأيته وهو :
أن يقال إن الله تعالى يقولوا : ( وأقيموا الصلاة ) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " صلوا كما رأيتموني أصلي " رواه البخاري من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه وهذان أمران مجملان ( أقيموا ، وصلوا ) ورد بيانهما بفعل النبي صلى الله عليه وسلم بالنزول لصلاة الفريضة والمبِّن ( وهو النزول ) يأخذ حكم المبيَّن ( المجمل ) والمجمل أمر وهو للوجوب .

أما ما الذي منع ابن دقيق العيد فأقول : ليس ابن دقيق يخالف الإجماع في هذا لكنه يخالف في الاستدلال بهذا الدليل خاصة ؛ إذ يراه محتملاً للمنع وغيره ، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال ، فهو يرى أن الاحتمال الأول مساوٍ لاحتمال المنع ، ويظهر من سياق كلام ابن دقيق العيد التردد في الجزم بأحد الاحتمالين .
أما جزم العلماء بالمنع فيظهر أنه مركب من : تكرار ذلك ، وفهم الصحابة ذلك ، ولا ننسى أيضاً أمراً ثالثاً وهو أننا إذا قلنا إن الترك كف وهو فعل فنأتي إلى حكم الفعل المرسل ( مجهول الصفة مما قصد فيه القربة ) فنجد كثيراً من المحققين يحملون الفعل على الوجوب وهو المنقول عن مالك وأصحابه فيما نقله عنهم الباقلاني ويكاد المالكية يطبقون على هذا وقد نقله عنهم القرافي المالكي وغيره وهو منسوب للشافعية والحنابلة .
ويستدل هؤلاء له بأدلة من الكتاب والإجماع أي إجماع الصحابة على هذا القول كما في عدد من الآثار مثل الاغتسال من التقاء الختانين والوصال في الصيام وتقبيل الحجر الأسود وخلع النعال في الصلاة وغيرها .
 
أعلى