رد: للمشاركة.. تطبيق ودراسة لقاعدة: هل إجماع أهل العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول حجة؟
المبحث الثاني
الفروع الفقهية المخرجة على القاعدة وصحة تخريجها
المطلب الأول
الفرع الفقهي المختار في كتب التخريج تحت القاعدة
أولاً: من مفتاح الوصول للتلمساني:
لم يذكر التلمساني إلا فرعا واحدا فكان عليه العمل دائرا، وهو: تحريم بيع أم الولد عند المالكية.
ثانياً: من التمهيد للأسنوي:
ذكر الإمام الأسنوي فرعين واخترت منهما فرع: تنفيذ حكم الحاكم أو نقضه إذا صحح بيع أم الولد، وهذا الفرع بالأصل هو ثمرة الخلاف في بيع أم الولد.
المطلب الثاني
صحة تخريج الفرع على القاعدة
قبل ذكر الكلام في دليل هذا الفرع، فإنه لزم التقديم، بأن بيع أم الولد مسألة مشكلة من ناحية الإجماع فيها، فمنهم من يقول ليس فيها إجماع بسبب اختلاف السلف والخلف[SUP]([1])[/SUP]، ومنهم من يقول فيها إجماع، واختلف من يقول ذلك، فمنهم من يقول أنه إجماع الصحابة سواء كان في عهد عمر وانقراض العصر ليس بشرط فالخلاف بعده باطل، أو كان في عهد عليّ بعد رجوعه عن مخالفته وقبل انقراض العصر فجاز الاختلاف وانقرض العصر على إجماع الصحابة[SUP]([2])[/SUP]، ومنهم من قال: "أقوى شيء فيه إجماع الخلفاء الأربعة"[SUP]([3])[/SUP].
وآخرون قالوا: أنه إجماع التابعين بعد اختلاف الصحابة فيه[SUP]([4])[/SUP].
والصحيح والله أعلم أن هذه دعوى إجماع، وإن اتفق الأئمة الأربعة[SUP]([5])[/SUP] على تحريم بيعها حيث ما زال هناك خلاف قائم بين علماء كل مذهب في هذه المسألة كما نبه لهذا الآمدي[SUP]([6])[/SUP]، ولم يورد مَن شأنه إيراد الإجماع كابن المنذر هذه المسألة بالذات في كتبه([7]) وأيضا لم ترد عن ابن عبد البر في كتابه الجامع الجليل "الاستذكار"[SUP]([8])[/SUP].
"وهذه النقطة أعظم مظنة لنشوب الاختلاف في مبحث الاجماع، لأن واقع الفقه الاسلامي ينطق بصدق ذلك، كما هو الحال في العديد من مسائله، التي بنيت على ما اُدّعِيَ انعقادُه"[SUP]([9])[/SUP].
لذا فإني إن وجدت أن الاستدلال للفرع كان بأدلة كثيرة منها الإجماع الوارد في القاعدة واتفقوا عليه، فسأقتصر عليه: أنه صح تخريج الفرع على القاعدة المرادة عند المذهب – هذا إن اجتمعت كلمة علماء نفس المذهب على أنه نوع الإجماع المذكور في القاعدة-، فإن وجدت اختلافا بين علماء المذهب في تخريج الفرع على القاعدة المرادة فإني سأذكر ذلك إن شاء الله تعالى، ومن ثم سأذكر ما أميل إليه في النهاية، هذا والله المسدد والمعين.
([1]) الاستذكار لابن عبد البر، قال: "اختلف السلف والخلف من العلماء في عتق أم الولد وفي جواز بيعها"، (7/330)، وتبعه في هذا ابن رشد في بداية المجتهد، قال عن المنع: "وهو قول أكثر التابعين وجمهور فقهاء الأمصار" فيتضح من هذا أن التابعين لم يجمعوا على التحريم!، (4/175)، وانظر أيضا: الإحكام للآمدي، حيث قال: "وأما مسألة أمهات الأولاد وإن كان خلاف الصحابة قد استقر واستمر إلى انقراض عصرهم فلا نسلم إجماع التابعين قاطبة على امتناع بيعهن. فإن مذهب علي في جواز بيعهن لم يزل بل جميع الشيعة وكل من هو من أهل الحل والعقد على مذهبه قائل به وإلى الآن وهو مذهب الشافعي في أحد قوليه"، (1/278).
([2]) البحر المحيط للزركشي، (6/513). انظر أيضا قول ابن برهان في رده على مسألة انقراض أهل العصر ليس شرطا في كون الإجماع حجة، وأن من قال بشرطه احتج بجواز مخالفة علي لعمر رضي الله عنهما، حيث قال: ": هذا لا حجة فيه لأن تحريم بيع أمهات الأولاد ما ثبت بالإجماع، وإنما هو قول أبي بكر وعمر وطائفة من الصحابة رضوان الله عليهم، ولهذا خالف علي رضي الله عنه"، (2/102).
([3]) انظر بحر المذهب للروياني، وهو قول نقله عن الإمام أحمد البيهقي، (14/274).
([4]) كما ذهب لذلك أكثر من واحد، قال ابن حجر في الفتح: "وأظن ذلك لقوة الخلاف في المسألة بين السلف، وإن كان الأمر استقر عند الخلف على المنع حتى وافق في ذلك ابن حزم، ومن تبعه من أهل الظاهر على عدم جواز بيعهم، ولم يبق إلا شذوذ قوله"، (5/164). انظر أيضا: المعتمد للطيب المعتزلي، (2/54)، نهاية السول للأسنوي، ص294. تيسير الوصول لابن إمام الكاملية، (5/107)
([5]) انظر: اختلاف الأئمة العلماء لابن هبيرة، قال: "واتفقوا على أن أم الولد لا يجوز بيعها"، فإذا قال ابن هبيرة "اتفقوا" فهو يقصد الأئمة الأربعة، (1/348).
([6]) الإحكام للآمدي، (1/278).
([7]) لم أقف على المسألة في كتب ابن المنذر، ككتاب الإجماع، والأوسط في السنن والاجتماع والاختلاف، بل وقفت عليها في كتابه الإقناع ذاكرا فيها الخلاف في البيع، انظر: الإقناع لابن المنذر، (2/429-430).
([8]) انظر المسائل التي جمعها الباحث سيد عبده بكر عثمان في رسالته العلمية في نيل الماجستير: "إجماعات ابن عبد البر دراسة فقهية مقارنة"، جامعة القاهرة، جمهورية مصر العربية، 1421هـ/2000م.
([9]) أسباب اختلاف الفقهاء للثقفي، ص291.