د. نعمان مبارك جغيم
:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
- إنضم
- 4 سبتمبر 2010
- المشاركات
- 197
- الجنس
- ذكر
- التخصص
- أصول الفقه
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- -
- المذهب الفقهي
- من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
الاستدلال بالقياس مع وجود النص ... والحشو في الاستدلال
انتشر في بعض الكتابات المعاصرة نمط من الاستدلال في مسائل الفقه على النحو الآتي: أولا: الأدلة من القرآن الكريم. ثانيا: الأدلة من السنة النبوية. ثالثا: الأدلة من الإجماع. رابعا: الأدلة من القياس. خامسا: الأدلة من المعقول. وفي ضمن ذلك قد يحشر البعض كل ما يمكن حشره في المقام من أدلة قريبة أو بعيدة، ومن أقيسة سليمة أو سقيمة، ومن إجماعات ثابتة أو مُدَّعاة.
والمعلوم في أصول الفقه أن القياس إنما يكون اللجوء إليه في حال عدم وجود نص على الحكم من الكتاب أو السنة، أما إذا وجد الدليل من الكتاب والسنة أو من أحدهما فلا أدري ما وجه القول بالقياس؟
وكذلك الاستدلال بالمعقول على ثبوت الحكم قد يكون مقبولا إذا لم يوجد نص على الحكم، أما إذا كان الحكم ثابتا بالنصوص الشرعية فما وجه الاستدلال بالمعقول؟ ولا بأس -طبعا- من الحديث عن الحِكْمة من شرع ذلك الحكم، وهو المعقول، أما أن يجعل المعقول دليلا لثبوت الحكم مع وجود النص، فأمر غريب.
وبمناسبة الحديث عن القياس ينبغي التنبُّه إلى الفرق بين القياس بمعنى طرد النصوص والقواعد العامة في ما تنطبق عليه، وهو في حقيقته استدلال بالنص، هو تعبير شائع في كلام علماء القرون الأولى، وهو الذي يصطلح عليه بقياس الأصول، وبين القياس الأصولي الذي هو إلحاق مسكوت عنه بمنصوص عليه في الحكم لاشتراكهما في العلة، وهو المراد عادة في استدلال المتأخرين بالقياس.
ومن مظاهر الحشو في الاستدلال إكثار البعض من تجميع الأحاديث التي لها صلةٌ مَا بالمسألة إلى درجة إيراد ما لا يصلح للاحتاج. والأصل أنه إذا كانت المسألة ثابتة وأدلتها صريحة لا يُختلف فيها، فإنه تكفي إشارة موجزة إلى تلك الأدلة مع الاقتصار على الثابت منها. وإنما يكون اللجوء إلى إطالة النفس في البحث عن شواهد المسألة عندما لا يوجد فيها أحاديث متفق على صلاحها للاستدلال؛ فعندئذ يلجأ الباحث إلى استقصاء الأدلة التي يمكن أن يشهد بعضها لبعض، ويقوِّي بعضها بعضا، حتى تصير بمجموعها صالحة للاستدلال.
والأهم في الاستدلال أن تتوجه همة الباحث إلى تحرير الأدلة الواردة في المسألة، إذا كانت المسألة محل خلاف، وعليه أن لا يثبت فيما يستدل به إلا ما كان مقتنعا بصلاحيته للاستدلال، ولا يحشو تأليفه بما لا يصلح للاستدلال لمجرد التشغيب على المخالف.