السلام عليكم، الجن أمة من الأمم، والكلاب أمة من الأمم، ولا مانع عقل من أن يضاجع الرجل الكلبة، وكذا أن يضاجع الكلب المرأة كما يمكن الزواج بعقد بينهما وهو أمر واقع منشر في عصرنا في الغرب، لكن لا يمكن أن يحدث بينهما حمل من الناحية العلمية طبيا بسبب اختلاف الشفرة الجينية أما من الناحية العملية فلم يحدث ذلك قط في الواقع، وقس على ذلك الجن في هذه المسألة، خاصة وأن الجن يتشكل في هيئة الإنسان كما ثبت في الأحاديث الصحيحة كقصة أبي هريرة مع الجنية سارقة تمر الصدقة التي اتخذت هيئة امرأة عجوز وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: وكَّلَني رسولُ اللَّهِ ﷺ بحِفْظِ زَكَاةِ رمضانَ، فَأَتَاني آتٍ، فَجعل يحْثُو مِنَ الطَّعام، فَأخَذْتُهُ فقُلتُ: لأرَفَعَنَّك إِلى رسُول اللَّه ﷺ، قَالَ: إِنِّي مُحتَاجٌ، وعليَّ عَيالٌ، وَبِي حاجةٌ شديدَةٌ، فَخَلَّيْتُ عنْهُ، فَأَصْبحْتُ، فَقَال رسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وآلهِ وسَلَّمَ: يَا أَبا هُريرة، مَا فَعلَ أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟ قُلْتُ: يَا رسُول اللَّهِ شَكَا حَاجَةً وعِيَالًا، فَرحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سبِيلَهُ. فَقَالَ: أَما إِنَّهُ قَدْ كَذَبك وسيعُودُ فَعرفْتُ أَنَّهُ سيعُودُ لِقَوْلِ رسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرصدْتُهُ. فَجَاءَ يحثُو مِنَ الطَّعامِ، فَقُلْتُ: لأَرْفَعنَّكَ إِلى رسولُ اللَّهِ ﷺ، قالَ: دعْني فَإِنِّي مُحْتاجٌ، وعلَيَّ عِيالٌ لاَ أَعُودُ، فرحِمْتُهُ فَخَلَّيتُ سبِيلَهُ، فَأَصبحتُ، فَقَال لي رسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبا هُريْرةَ، مَا فَعل أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟ قُلْتُ: يَا رسُول اللَّهِ شَكَا حَاجَةً وَعِيالًا فَرحِمْتُهُ، فَخَلَّيتُ سبِيلَهُ، فَقَال: إِنَّهُ قَدْ كَذَبكَ وسيَعُودُ. فرصدْتُهُ الثَّالِثَةَ. فَجاءَ يحْثُو مِنَ الطَّعام، فَأَخَذْتهُ، فقلتُ: لأَرْفَعنَّك إِلى رسولِ اللَّهِ ﷺ، وهذا آخِرُ ثَلاثٍ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ لاَ تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ، فَقَالَ: دعْني فَإِنِّي أُعلِّمُكَ كَلِماتٍ ينْفَعُكَ اللَّه بهَا، قلتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَ: إِذا أَويْتَ إِلى فِراشِكَ فَاقْرأْ آيةَ الْكُرسِيِّ، فَإِنَّهُ لَن يزَالَ عليْكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، وَلاَ يقْربُكَ شيْطَانٌ حتَّى تُصْبِحِ، فَخَلَّيْتُ سبِيلَهُ فَأَصْبحْتُ، فقَالَ لي رسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما فَعلَ أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟ فقُلتُ: يَا رَسُول اللَّهِ زَعم أَنَّهُ يُعلِّمُني كَلِماتٍ ينْفَعُني اللَّه بهَا، فَخَلَّيْتُ سبِيلَه. قَالَ: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَالَ لي: إِذا أَويْتَ إِلى فِراشِكَ فَاقرَأْ آيةَ الْكُرْسيِّ مِنْ أَوَّلها حَتَّى تَخْتِمَ الآيةَ: اللَّه لاَ إِلهَ إِلاَّ هُو الحيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] وقال لِي: لاَ يَزَال علَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَنْ يقْربَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَمَا إِنَّه قَدْ صَدقكَ وَهُو كَذوبٌ، تَعْلَم مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذ ثَلاثٍ يَا أَبا هُريْرَة؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ رواه البخاري.، أما المس الشيطاني فسواء أقره العقل أم أباه فهو أمر واقع لكنه نادر وأكثر المنقول في ذلك إما وهم أو كذب، وفي الإسلام إشارة لذوي الألباب لما فيه تميز بين الصرع كمرض عضوي والمس الشيطاني فقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعطاء بن أبي رباح: ألاَ أُريكَ امرأةً مِن أَهلِ الجَنَّة؟ قال عطاء: فَقُلت: بَلَى، قال: هذه المرأة السَّوداء أَتَت النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إِنِّي أُصرَع، وإِنِّي أَتَكَشَّف، فَادعُ الله تعالى لِي، قال: «إِن شِئتِ صَبَرتِ ولَكِ الجَنَّةُ، وَإِن شِئْتِ دَعَوتُ الله تعالى أنْ يُعَافِيك» فقالت: أَصبِرُ، فقالت: إِنِّي أَتَكَشَّف فَادعُ الله أَن لاَ أَتَكَشَّف، فَدَعَا لَهَا. فهذا الحديث فيه أن هذه المرأة مصابة بالصرع وهو مرض عصبي ولو كان مس من جني كافر -لأن الجن الكافر فقط من يمس الإنس- لما خيرها النبي ﷺ في الصبر ولا رفع عنها الأذى، أما حالة المس الشيطاني فقد وردت في حديث مختلف في تعديل أحد رواته وعليه ضعفه بعضهم وهو: إن امرأةً جاءت بابنٍ لها إلى رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -، فقالت : يا رسولَ اللهِ ! إن ابني به جُنونٌ، وإنه يأخذُه عند غدائِنا وعشائِنا فيَخْبُثُ علينا ؛ فمسح رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - صَدْرَهُ ودعا، فثَعَّ ثَعَّةً، وخرج من جَوْفِه مِثْلُ الجَرْوِ الأسودِ يَسْعَى . فيفهم من هذا الحديث أن الجن يمس الإنس مصداقا لقوله تعالى: ﴿
الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس﴾، وأما قوله تعالى: ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: 64] غير نص في أن الإنسيات يحبلن من الجن كما لا يخفى، ودعوى أن الإنسيات تحبلن من الجن غير مسلمة عند جميع العلماء، ومنهم المفسر الألوسي، وإنما معناها كما قال مجاهد والحسن: هو أن الجن قد تجامع نساء البشر مع أزواجهن، إذا لم يذكر الزوج اسم الله تعالى، وإن كان الواقع يشهد بإمكانية ذلك إذ عند الغرب الزوج يضاجع زوجته مع رجل آخر من القبل في محل واحد دفعة واحدة، ومع ذلك، فإن للآية معنى آخر في نظرنا ويتضح بهذا الحديث الصحيح المتفق عليه عند البخاري ومسلم رواه ابن عباس عن النبي ﷺ قال: لَوْ أنَّ أحَدَهُمْ إذا أرادَ أنْ يَأْتِيَ أهْلَهُ قالَ: باسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنا الشَّيْطانَ، وجَنِّبِ الشَّيْطانَ ما رَزَقْتَنا، فإنَّه إنْ يُقَدَّرْ بيْنَهُما ولَدٌ في ذلكَ لَمْ يَضُرَّهُ شيطانٌ أبَدًا. أما قوله تعالى
: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾ فاختلف السلف في معنى قوله: ﴿وَلَا جَانٌّ﴾ على ثلاثة أقوال:
الأول: قال به مجاهد والحسن: وهو أن الجن قد تجامع نساء البشر مع أزواجهن، إذا لم يذكر الزوج اسم الله تعالى.
والثاني: أن تلك القاصرات الطرف إنسيات للإنس وجنيات للجن، أي الجن لهم قاصِراتُ الطَّرْفِ من الجن نوعهم، فلم يطمث الإنسيات إنسي، ولا الجنيات جني، وهو قول لمن يرَ دخول مؤمني الجن الجنة، وأنهم يتلذذون فيها بما يتلذذ البشر(
[1])، ووجه ابن عطية القول الأول بقوله:
”فتكون الآية على هذا نافية لجميع المجامعات
“. ووجه القول الثاني بقوله:
”فنفى في هذه الآية الافتضاض عن البشريات والجنيات
“. ثم بين احتمال الآية قولا
ثالثا، وهو: أنه I نفى أن يطمثهن إنس أو جان، مبالغة وقصدا للعموم، فكأنه قال: لم يطمثهن شيء، فقال:
”ويحتمل اللفظ أن يكون مبالغة وتأكيدا، كأنه قال: لم يطمثهن شيء، أراد العموم التام، لكنه صرح من ذلك بالذي يعقل منه أن يطمث
“(
[2]). ونحن نرجح القول الثاني ولا ننكر القول الثالث لكن نستبعد الأول
. أما رأس المسألة زواج الآدمي من الجنية فهذا جانب من الفقه النظري الإفتراضي المنسوب للأرأيتية وهو يدل على ثراء ثراتنا الفقهي من جهة واستشرافهم للأمور وبحثهم عن حكمها حتى لا يقعوا في محذور محظور، ويقلبل هذا الاتجاه الفقهي الفقه الواقعي المشهور بعبارة دعها حتى تقع. كما أن نقل الأقوال في المسألة قصد معرفة الصواب منها لا ينقص من قيمة فقهائنا ولا علمنا. ولكن للأسف في عصرنا انتشر الجهل والشعوذة وقلبت الموازين فأصبح الشاذ والنادر هو الغالب وكأن مس الشياطين للإنس وزواجهم منهم هو الأصل. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
([1]) قال به: "ضمرة بن حبيب"، انظر: الإكليل في استنباط التنزيل لجلال الدين السيوطي، تحقيق عادل شوشة، مكتبة فياض – المنصورة، ط/2010 م، ص: 588-589.
([2]) انظر: تفسير ابن عطية، المحرر الوجيز، ص: 1805، وموسوعة التفسير بالمأثور: 21/147، وتفسير ابن كثير: 4/255، وتفسير التسهيل لابن جزي: 4/164-165.