رد: أميل لقول ابن حزم فى هذا الباب مارأيكم اهل الفقه
العبارات المذكورة تختلف أحكامها ، إذ بعضها وعد بالطلاق وبعضها تنجيز بالكنايات.
فمثلاً عبارات : (لو مش عاجبك أخرجي واطلقك) المذكورة في المشاركة رقم أربعة ، فهذا وعدٌ منه بالطلاق في حال خروجها ، فهي مخيرة بين الخروج وعدمه لا بين الطلاق وعدمه .
وهذا لا يقع به طلاق سواءً خرجت أو بقت ، إلا أن الزوج مخير بين إنفاذ وعده في حال خروجها وعدم إنفاذه.
وعلى هذا فهذه العبارة غير داخلة في المقصود من السؤال ، لأن السؤال إنما هو في التخيير بين الطلاق وغيره.
وقبل الدخول في هذا التخيير لا بُدَّ من من معرفة المقصود بـ (نية الطلاق) في الكنايات ثم ننظر في العبارات.
إن ألفاظ الكناية هي الألفاظ التي تحتمل معنى الطلاق وغيره.
فإن كان المتلفظ بالكناية يعلم أنها تطلق على معنى الطلاق ، وأطلق اللفظ على هذا المعنى مختاراً غير مكره فهذا هو معنى (النية) ، وليس المراد الإرادة التي بمعنى المحبة لإيقاع الطلاق .
وعليه إن قال :
( ان لم تعجبك الحياة معى الحقى بأهلك )
ويقصد به إن لم تعجبك الحياة معي فأنت طالق . فهذا تخيير وسيأتي الكلام في حكمه.
وإن لم يُرِدْ الطلاق ولكن مجرد ذهابها إلى بيت أهلها ، فليس بطلاق ولا تخيير بين الطلاق وغيره.
ومثله : (الباب يفوت جمل)
إن نوى الطلاق فهو تخيير بين الطلاق وغيره.
وإن أراد مجرد الخروج فليس بتخيير ولا طلاق.
أما عبارة :
طلاقك كوم والموضوع الفلانى كوم
إن أراد : إيقاع طلاقك كوم و حصول الموضوع الفلاني كوم.
فهذا وعد بأنه إن حصل الموضوع الفلاني فسيطلقها.
وإن أراد تعليق الطلاق بحصول الموضوع الفلان ، بمعنى : طلاق معلق بالموضوع الفلان فإن حصل فأنت طالق ؛ فهذا تخيير.
فقولكم :
خاصة اننا نشهد ان من يتناولون هذه العبارات لايخطر ببالهم ابدا ماقرره الفقهاء
إن أردت أنهم لا يعلمون أن هذه العبارات تدل على الطلاق أصلاً ، فجميع ما تقدم كنايات لا يقع الطلاق بمجرد التخيير بين كناية لا يقصد بها الطلاق وغيرها.
إلا عبارة (طلاقك كوم والموضوع الفلاني كوم) فهذا لا شك يعلم أنه خيرها بين طلاق وغير طلاق ـ إن قصد أنها إن فعلت الموضوع الفلاني فهي طالق ـ .
وسيأتي الحكم.
أما إن أردت أنهم يعلمون بأن هذه العبارات قد تقع على الطلاق وأنهم أطلقوها يقصدون بها هذا المعنى ، ولكنهم ظنوا أنه مع التخيير لا يقع الطلاق ، فهذا الجهل لا ينفعهم إن صح أن التخيير طلاق ، وهذا الجهل ليس هو سبب عدم وقوع الطلاق عند ابن حزم ، فإنهم لو لم يجهلوا وعلموا بتقريرات الفقهاء فالطلاق أيضاً لا يقع بالتخيير ولو اختارات المرأة نفسها.
بقي الكلام عن الجمهور : وهم قائلون بأنه إن خيرها بين الطلاق ـ سواءً باللفظ الصريح أو بالكناية إن قصد به معنى الطلاق ـ وبين نفسها ، فاختارت نفسها وقع الطلاق ـ ولا يضر هذا الحكم جهله بوقوع الطلاق بالتخيير ما دام عالماً بأنه تلفظ بالطلاق.
وهناك من جعل نفس التخيير طلاقاً ، ما دام المخيير يعلم أنه خير امرأته بين الطلاق وغيره. والجهل بأن الطلاق يقع بنفس التخيير لا يضر كما في التي قبلها.
ومنهم من رأى أنه لا يقع به الطلاق لأن التخيير ليس من ألفاظ الطلاق ، والزوج خير ولم يطلق ، فإن اختارت فعليه إن أراد التنجيز أن ينشئ لفظ الطلاق أو الكناية بنية الطلاق ، ولا فرق هنا أيضاً بكونه يعلم وقوع الطلاق بهذا التخيير أو لا يعلمه.
بقي قولٌ لا من حيث التخيير بل من حيث المعنى : فإن المخير إن قصد : إن حصل الموضوع الفلاني فأنتِ طالق فإما أن يريد التنجيز عند خصول الموضوع الفلاني أو التعليق.
والتنجيز : كأن يقول : إذا جاء رمضان فأنتِ طالق.
فإنه لا يُريد أن يحضها على فعل أو على تركه ، إذ حصول رمضان وعدم حصوله ليس بيدها ، ولكنه أراد مجرد إيقاع الطلاق في ذلك الوقت.
فإن أراد التنجيز فيقع الطلاق بحصول الموضوع الفلاني.
وإن أراد مجرد حضها على فعل أو تركها ، بمعنى هو يعلم أن العبارة تفيد الطلاق ، لكنه لا يريد إيقاعها بل يريدها أن تخاف من وقوع الطلاق وتختار ترك الفعل ، أو تخاف من وقوعه وتختار عدم إيقاعها ـ وفقاً لغرض الزوج ـ.
فهذا الأخير تعليق والجمهور على وقوعه.
واختار شيخ الإسلام عدم الوقوع في الأخيرة : واختُلِفَ في كفارته.
فيما يتعلق بالأقوال المتقدمة قبل هذا الأخير ، فإن القول بأنه لا يقع به الطلاق ولو قصد الزوج التخيير بين الموضوع الفلاني و العبارة التي يعلم هو أنها بمعنى الطلاق.
ورد على ادلة الجمهور وفسر الآية فى سورة الاحزاب ( فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا )
وقال لم يقل ان اخترتن الحياة الدنيا وزينتها طلقتكن بل قال فتعالين اسرحكن اى اطلقكن الخ
في الحقيقة هذا ليس هو جواب ابن حزم ، وهو لا يفيد عدم وقوع الطلاق ، بل يفيد وقوعه ، فإن عدم ذكر (طلقتكن) يفيد كفاية الإختيار عن التطليق وإلا لذكره.
ولكن ابن حزم رحمه الله أجاب بقوله : (فَإِنَّمَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنْ أَرَدْنَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يُرِدْنَ الْآخِرَةَ:
طَلَّقَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ مُخْتَارًا لِلطَّلَاقِ، لَا أَنَّهُنَّ طَوَالِقُ بِنَفْسِ اخْتِيَارِهِنَّ الدُّنْيَا)
على معنى أن الآية ليس فيها نص على أن الطلاق يقع بنفس التخيير ، ولا فيها أنه إن اخترن أنفسهن لن يطلقهن وسيكتفي بالإختيار.
فمن زعم أن شيئاً من ذلك مدلول الآية فقد حرف الآية ونحوه مما ذكر.
لكن الجمهور اعتمدوا على أنه سبحانه ذكر حصول التمتيع بحصول الإختيار ، ولم يذكر طلاقاً ، ولما لم تكن المتعة واجبة إلا بحصول الطلاق قالوا : فكان هذا دلالةً على أن الإختيار الذي حصلت به المتعة طلاقاً.
فإن قيل : فإن الله عز وجل قال : (وأسرحكن) والواو لا تفيد الترتيب فيكون على معنى أطلقكن وأمتعكن غايته أنه ذكر الطلاق والمتعة غير مرتبين.
أجيب : بأن هذا يصح لو لم يذكر المتعة جزاءً لاختيار الحياة الدنيا. ألا تراها مجزومة على أنها جواب الشرط ، فكان شرط التمتيع معلق بحصول الإختيار للحياة الدنيا فقط. فيكون ذكر التسريح بعدها على معنى البيان.
فقول الجمهور قوي.
وقول شيخ الإسلام كذلك.
والله أعلم بالصواب