- إنضم
- 11 أكتوبر 2008
- المشاركات
- 7,509
- الجنس
- أنثى
- الكنية
- أم طارق
- التخصص
- دراسات إسلامية
- الدولة
- السعودية
- المدينة
- الرياض
- المذهب الفقهي
- سني
الزكاة والتضخم النقدي
1- الزكاة وتخفيف التضخّم الراجع إلى الارتفاع في النفقات
نعمت عبد اللطيف مشهور 1- الزكاة وتخفيف التضخّم الراجع إلى الارتفاع في النفقات
إن التضخّم النقديّ الراجع إلى ارتفاع النفقات يعود إلى ارتفاع ثمن عوامل الإنتاج المشتركة في العملية الإنتاجية؛ وهو ما يساهم في ارتفاع أثمان السلع المنتجة.
ونشير هنا إلى علاقة التداخل الواضحة بين نموّ الطلب وزيادة التكاليف من ناحية وبين الاختلالات الهيكليّة وارتفاع التكاليف من ناحية أخرى [1]، ذلك أن تضخّم الطلب يتحول في الغالب إلى تضخّم تكاليفيّ عبر جسر الاختلالات الهيكليّة المتمثلة في جمود دوالِّ العرض؛ ولذلك فإن علاج ظاهرة التضخّم النقديّ يجب أن يتم من منظور شموليٍّ [2]. وتعتبر فريضة الزكاة تنظيمًا شموليًّا يحقق التخفيف من وطأة التضخّم التكاليفي بمعالجة أهم أسبابه المتمثلة فيما يلي:
ارتفاع أثمان عوامل الإنتاج.
ارتفاع مستوى الأجور.
الطاقات العاطلة.
ارتفاع سعر الفائدة.
وتعالج الزكاة مصادر التضخم تلك من خلال عدة سبل، منها:
دعم القطاعات الإنتاجية المتنامية:
يؤدي تزايد الطلب الفعال على إحدى المنتجات السلعية إلى زيادة الاستثمار في هذا القطاع وزيادة الطلب على عوامل الإنتاج، الذي ينعكس - من خلال آلية السوق - على ارتفاع أسعار هذه العوامل.
وينتقل ارتفاع الأسعار إلى منتجات القطاعات الأخرى التي لا تجد عوامل الإنتاج الكافية لإنتاج المطلوب منها. وتخفف الزكاة من هذا النوع من التضخّم؛ نظرًا لأن القطاعات والمؤسسات ذات الكفاءة المتدنية تقع تحت ضغط تخفيض مواردها لكي تخفض من استحقاق زكاتها، ويؤدي ذلك إلى توفير الموارد الإنتاجية للقطاعات المتنامية وبأسعار أقل منها في حالة الاقتصاديّات الوضعية [3].
مكافحة اللولب التضخمي للأجور والأسعار:
ترتفع معدلات الأجور في الاقتصاديّات الوضعية تحت ضغط ممارسات نقابات العمال، وتستخدم هذه النقابات مختلف الأساليب لتحقيق مطالبها في رفع الأجور، بما في ذلك الإضراب عن العمل الذي يضُرّ بمصلحة الاقتصاد ككلٍّ.
وتمثل الأجور المرتفعة أحد الأسباب الرئيسية لتضخّم النفقات؛ إذ يقابل ارتفاعَ تكلفة عنصر العمل البشريّ رفعُ المنتجين للأسعار مما يشكل عبئًا جديدًا على الدخول فيطالب العمال بزيادة عالية، وهكذا تتوالى عمليات الارتفاع في كل من الأجور والأسعار [4]، وقد لا تُحدث الزيادة في الأجور تضخّمًا إذا صاحبتها زيادة في إنتاجية العمل تعوض الزيادة في الأجر، وهو الوضع الغالب في الاقتصاديّات الإسلاميّة، حيث يؤدي فرض الزكاة كنفقة على رأس المال إلى القضاء على البطالة المقنعة والعمل على الاحتفاظ بمستوى التشغيل الذي يتناسب فيه ناتج عنصر العمل والأجر المدفوع له. ويعزز ذلك ما يسود السوق الإسلاميّة من تشريعات تمنع الإضرار بالنفس أو المجتمع وتمنع التجمع الطائفيَّ الذي يَفرِض أجرًا معينًا لا تقتضيه ظروف السوق، ويكون من واجب الحكومة توفير الفرصة لحرية الأسواق ومرونة الأجور ("الاقتصاد الإسلاميّ" لمحمد عبد المنعم عفر. ص 287)، ومن ناحية أخرى قد تتبع الدولة سياسة عمالة تؤدي إلى حدوث تزايد واضح في الأجور دون أن يتزامن ذلك مع زيادة ملموسة في معدل نمو الإنتاجية، وفي هذه الحالة تكون سياسة التوظف أشبه بنظام للإعانات الاجتماعية [5] ولا تكون المجتمعات الإسلاميّة في حاجة إلى مثل هذه السياسات العملية التي يترتب عليها تضخّم تكاليف التنمية، حيث تتكفل فريضة الزكاة بأداء هذه المهمة خير أداء، فتُعين مَن تُقعده إمكانياته الشخصية على استكمال كفايته بينما تَضطَّرُّ القويَّ القادرَ على الاستزادة من العمل.
تحقيق التشغيل الأمثل لطاقات الإنتاج:
إن وجود جزءٍ من طاقات الاقتصاد الإنتاجية عاطلٍ يمثل أحد الضغوط التضخّمية التي تباشر مفعولها في مجال التضخّم التكاليفي، ويؤدي وجود طاقات عاطلة إلى ارتفاع مُعامِل رأس المال إلى الناتج، مما يعني ارتفاع نفقة الأصول الإنتاجية الثابتة لكل وحدة منتجة، كما يؤدي ذلك إلى ارتفاع مُعامِل رأس المال إلى العمل، فضلاً عن ارتفاع نصيب الوَحدة المنتجة من بنود التكاليف الأخرى [6] وتكون المحصلة النهائية هي تضخّم نفقات الإنتاج.
والمعروف أن فريضة الزكاة هي العلاج الأمثل للقضاء على أية طاقات إنتاجية عاطلة مكنوزة، فهي تطرح اختيارَين لاستخدام رؤوس الأموال النامية فعلاً وتقديرًا: فإما أن يَتمَّ تشغيلها في أوجه الاستثمار المختلفة، وإما أن تتناقص بقسط سنويّ ثابت، هو قيمة الزكاة الواجبة فيها [7]، وعلى ذلك فإن هذه الفريضة تعتبر نفقةً وعبئًا على رؤوس الأموال العاطلة، بينما تنخفض هذه النفقة على رؤوس الأموال العاملة فيتم إخراج الفريضة الواجبة من عائد وأرباح هذه الأموال، بل إن سعر الزكاة يتناسب عكسيًّا والجهدَ المبذول في الاستثمار؛ وهو ما يشجع على ارتياد مختلف المجالات الإنتاجية مهما كانت وُعُورتُها بدلاً من ترك الموارد عاطلة. ويسهم ذلك في التخفيف من الضغوط التضخّمية التراكمية الناجمة عن بقاء جزء من رؤوس الأموال الإنتاجية عاطلاً.
تخفيف أعباء رأس المال:
تُعَدّ التكلفة الناجمة عن احتساب سعر الفائدة عن الأموال المقترَضة أحدَ عناصر تكاليف الإنتاج؛ لذا فإن التقلبات التي تطرأ على هذا السعر يكون لها تأثيرها على سعر المنتج وَفقًا للأهمية النسبية لهذا العنصر في هيكل التكاليف [8]، حيث يؤدي ارتفاع سعر الفائدة المَدِينة إلى إضافة عنصر جديد إلى عناصر التضخّم التكاليفي.
ويؤدي إلغاء سعر الفائدة (الربا) في الاقتصاد الإسلاميّ إلى طرح هذه النفقة التضخّمية عن رأس المال، بينما يؤدي فرض الزكاة على رؤوس الأموال النامية فعلاً أو تقديرًا واحتسابها عند سعر منخفض (ربع العشر في مقابل سعر للفائدة المَدِينة يتراوح بين 11% و16%) على رؤوس الأموال المُعَدّة للتجارة والاستثمار وعائدها وأرباحها ـ يؤدي ذلك إلى تخفيض هذه النفقة من هيكل النفقات.
نخلُص من هذه الدراسة إلى أن تطبيق فريضة الزكاة يسهم في التخفيف من العوامل المسبِّبة للموجات التضخّمية الناتجة عن ارتفاع الطلب الكليّ عن العرض الكليّ، وتلك الراجعة إلى الاختلالات الهيكليّة لا سيما في الاقتصاديّات المتخلفة، وكذلك تلك المترتبة على ارتفاع النفقات.
ويتميز تشريع الزكاة بأن تطبيق هذه الفريضة لا يعمل على علاج الأزمات التضخّمية بعد وقوعها وتضرر الاقتصاد منها، وإنما يسهم في تفادي هذه الأزمات قبل وقوعها أو حدوثها في حدود ضيقة والتخفيف من حدتها وتقصير مدتها وآثارها الضارة على الاقتصاد ككُلّ، وهي عديدة وعميقة. ويكون أثر تطبيق الزكاة على المستوى الإجمالي والمستوى الجزئيّ من جهةٍ دون التضحية بالأهداف طويلة الأمد في سبيل الأهداف قصيرة الأمد من جهة أخرى.
المصدر
التعديل الأخير: