العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني

ImageProxy.png
تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة*
إعداد الدكتور عبد اللطيف عامر والدكتور يحيى بلال
خط.png
* مادة هذا البحث مقتبسة من
المقدمات التي صدرت بها (معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية) والتي تناولت أهم الجوانب والقضايا والآثار النظرية والمنهجية والتاريخية والتطبيقية, لعلم القواعد وتراثه العظيم.

 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

المبحث السابع
الفرق بين القاعدة الفقهية والكليات الفقهية:


لقد نشأ استعمال الكليات في سائر العلوم بالنظر إلى وضعها اللغوي الدال على الشمول, ويبدو أن استعمالها في الفقه كان أصلا بقصد الضبط والربط بين المسائل المتقاربة التي تتجه إلى منزع فقهي مشترك واحد, ثم جرت بعض تلك "الكليات" مجرى القواعد والضوابط للمعنى نفسه وهي كونها تجمع في صياغاتها حكما فقهيا عاما ينطبق على عدد من المسائل سواء من بابٍ واحد أو أكثر من بابٍ [SUP][1][/SUP].
فـ" الكليات الفقهية " هي نوع من الأحكام الفقهية, سُميت بذلك نسبة إلى ورودها مصدرة بكلمة "كل" التي هي من ألفاظ العموم المفيدة لاستغراق جزئيات ما دخلت عليه. [SUP][2][/SUP]
وقبل البدء في تفصيل ما يتعلق بموضوع "الكليات الفقهية", يحسن توضيح أن هذا المصطلح اختُص إطلاقه منذ ظهوره وتداوله على ما سبق ذكره من المعنى, وهو أنها تلك الأحكام الفقهية التي عادة ما تأتي مصدَّرة بكلمة "كل", وهذا النوع هو المقصود بالبحث في هذا المبحث, إلا أنه يوجد بجانب هذه "الكليات الفقهية", ما قد يسمى بـ" الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية " التي مفهومها أوسع وأعم, فهي: "المعاني والمبادئ والقواعد العامة المجردة التي تشكل أساسا ومنبعا لما ينبثق عنها وينبني عليها من تشريعات تفصيلية وتكاليف عملية ومن أحكام وضوابط تطبيقية" [SUP][1][/SUP].
وعموما يمكن القول: إن الكليات الأساسية, قد تكفلت بإرساء الأساس والإطار المرجعي الذي ينبثق منه التشريع الإسلامي, وأن الشريعة الإسلامية فُصِّلت فروعها وجزئياتها بعد ما تأصلت أصولها وكلياتها, وكأن القرآن الكريم يشير إلى هذا في قوله المعجِز الخالد: {كِةابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1] [SUP][2][/SUP].
ومن أمثلة هذا النوع من "الكليات الأساسية", والتي تُعدّ مبادئ وقواعد كبرى وأسسا مرجعية لاستمداد الأحكام الشرعية, النصوص التالية من القرآن الكريم والسنة المطهرة:
{وَلا ةكسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلّا عَلَيْها وَلا ةزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] .
{إنَّ السَّمْعَ والْبَصَرَ والْفُؤادَ كُلُّ أُوْلِئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36] .
وقال سبحانه وتعالى عقب جملة من الأحكام المتعلقة بالنواهي الشرعية: {كُلُّ ذَلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 38] .
ومما جاء من هذه الكليات الأساسية في السنة المطهرة, قوله عليه الصلاة والسلام:
" كل معروف صدقة [SUP][3][/SUP] ".
" إن الله كتب الإحسان على كل شيء [SUP][1][/SUP] ".
" في كل كبدٍ رطبةٍ أجرٌ/ [SUP][2][/SUP] ".
فيظهر من هذا العرض, أن "الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية": "هي أصول وأمهات لغيرها مما يندرج فيها أو يتفرع عنها من التفصيلات والجزئيات والتطبيقات, فمجمل الدين وشريعته مؤسس على هذه المحكمات الكليات ونابع منها" [SUP][3][/SUP].
وبالجملة, فيمكن القول بأن "الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية" هي أكبر وأوسع دلالة وشمولية وإحاطة لجميع فروع الدين, بالمقارنة مع "القواعد الفقهية" التي ينحصر مفهومها - حسب الاصطلاح المتقرر- في الأحكام الشرعية العملية.
وبعد هذا ننتقل إلى أصل الموضوع الذي عُقد من أجله هذا المبحث, وهو تعريف "الكليات الفقهية" والفرق بينها وبين القاعدة الفقهية.

---------------------------------------------
[1] انظر: القواعد الفقهية للندوي ص 53.
[2] انظر: القواعد الفقهية للباحسين ص77، وعلم القواعد الشرعية للخادمي ص 295.
[1] الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية للدكتور أحمد الريسوني ص30 .
[2] انظر الكليات الأساسية ص24 .
[3] رواه البخاري 8/11 ( 6021) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ؛ ورواه مسلم 2/697 (1005) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه .
[1] رواه مسلم 3/1548 (1955) من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه .
[2] رواه البخاري 3/111 (2363) وفي مواضع أخر ؛ ومسلم 4/1761 (2244) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] الكليات الأساسية ص22 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

تعريف الكليات الفقهية:
الكلية الفقهية : هي حكم شرعي عملي مصدّر بكلمة "كل", سواء كان هذا الحكم قاعدة فقهية أم ضابطا فقهيا أم حكما جزئيا أم غير ذلك.
ويستفاد من هذا التعريف أن مصطلح "الكليات الفقهية" يشمل القواعد الفقهية والضوابط الفقهية معا, بل يشمل غير هذين النوعين أيضا, ويتضح ذلك بالأمثلة:
فمثلا: العبارات الآتية المصوغة بكلمة "كل", تُعتبر "قواعد فقهية":
كل حق وجب عليه فلا يُبرئه منه إلا أداؤه/ [SUP][1][/SUP] .
كل جهالة تُفضي إلى المنازعة فهي مفسدة للعقد/ [SUP][2][/SUP] .
كل عاقد يُحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها [SUP][3][/SUP] .
كل غرر عسُر اجتنابه في العقود, فإن الشرع يسمح في تحمله [SUP][4][/SUP] .
كل ما أضر بالمسلمين وجب أن يُنفى عنهم [SUP][5][/SUP] .
كل ما لا يُتوصل إلى المطلوب إلا به فهو مطلوب [SUP][6][/SUP] .
كل ما لا يمكن الاحتراز عن ملابسته, معفوّ عنه [SUP][7][/SUP] .
كل مالٍ تلف في يد أمينٍ من غير تعدّ, لا ضمان فيه [SUP][8][/SUP] .
والعبارات الآتية المصوغة بكلمة "كل" تُعتبر من قبيل "الضوابط الفقهية":
كل حالٍ قدر المصلي فيها على تأدية فرض الصلاة كما فَرَض الله تعالى عليه, صلاّها, وصلى ما لا يقدر عليه كما يطيق/ [SUP][9][/SUP] .
كل ما صلح من المال أن يكون مهرا, صلح أن يكون بدلا للخلع [SUP][1][/SUP] .
كل شيء يدخل في المبيع تبعا لا حصة له من الثمن [SUP][2][/SUP] .
كل ما لا يصح بيعه مفردا, لا يصح استثناؤه [SUP][3][/SUP] .
كل شيء تعومل استصناعه, يصح فيه الاستصناع على الإطلاق [SUP][4][/SUP] .
كل دعوى يكذّبها العرف وتنفيها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة [SUP][5][/SUP] .
وربما يدخل ضمن "الكليات" ما جاء مصوغا من التعريفات الفقهية بكلمة "كل", مثل:
كل ما فيه حدّ أو توعّد من الحرمات فهو كبيرة... [SUP][6][/SUP]
كل شيء معه حافظه فهو حِرزُه [SUP][7][/SUP].
فهذه نماذج من "الكليات الفقهية" التي تُعدّ قواعد وضوابط فقهية. لكن قد تأتي بعض الأحكام الجزئية مبدوءة بكلمة "كل" وهي في الواقع بعيدة عن مفهوم "الكليات الفقهية" لعدم تحقق المعنى الكلي فيها. فمثل هذه الصيغ وإن أُدرجت عند البعض ضمن "الكليات الفقهية" فهي ليست كذلك بالمفهوم الحقيقي لهذا المصطلح, بل تسميتُها بذلك يُعدّ من باب التجوز لمجرد ورود كلمة "كل" في بداية صيغها.


---------------------------------------------
[1] - الأم للشافعي 2/68 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص55 .
[2] - المبسوط 12/131 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص58 .
[3] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 31/47 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص59 .
[4] قواعد الأحكام 2/76 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص59 .
[5] المعلم بفوائد مسلم للمازري 2/322 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص59 .
[6] القواعد للمقري 2/293 (144) نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص60 .
[7] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/592 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص60 .
[8] المبدع 4/243 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص60 .
[9] الأم 1/81 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص55 .
[1] الأحكام الشرعية لقدري باشا م/377 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص60 .
[2] مجمع الضمانات لابن غانم ص329 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص59 .
[3] المبدع 4/30 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص60 .
[4] مجلة الأحكام العدلية م/389 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص58 .
[5] الطرق الحكمية لابن القيم ص79 نقلا عن القواعد الفقهية للندوي ص58 .
[6] الكليات الفقهية للمقري (رقم 448) .
[7] المصدر نفسه (رقم 501) .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

فمن أمثلة تلك الأحكام الجزئية المبدوءة بكلمة "كل":
كل صائم أكل أو شرب أو جامع نهارا ناسيا, لم يُفطر. [SUP][1][/SUP]
كل امرأة طلّقها زوجها فلها النفقة والسكنى في عدتها. [SUP][2][/SUP]
كل أنثى لا ةعقد نكاح أنثى, بخلاف الذكر. [SUP][3][/SUP]
كل واحد من اللصوص ونحوهم ضامن لِما أتلفه جميعهم. [SUP][4][/SUP]
هذه الصيغ من الكليات هي في الحقيقة أحكام جزئية دخل عليها لفظ "كل", فيُتوهم بسبب ذلك اشتباهها بالضوابط لِما يُفهم من العموم فيها بسبب كلمة "كل", مع أن الأمر ليس كذلك.
فالكلّية الأولى المتعلقة بالصائم, جاءت أصل عبارتها هكذا عند المرغيناني : "وإذا أكل الصائم أو شرب أو جامع نهارا ناسيا, لم يفطر" [SUP][5][/SUP].
والكلّية الثانية وردت أصل عبارتها عند المرغيناني أيضا هكذا: "وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها رجعيا كان أو بائنا" [SUP][6][/SUP].
أما الكلّية الثالثة فأصلها مضمون حديث: "لا تزوج المرأة المرأة" [SUP][7][/SUP].
وأما الكلية الرابعة فمن الواضح أنها تتعلق بالأشخاص لا بحكم كلي عام.
ويمكن أن نلحظ من خلال أصل العبارات التي صيغت منها هذه الكليات أن كل واحدة منها هي في الحقيقة مسألة جزئية تقتصر على حالة واحدة فقط, أما ما يُتوهم فيها من العموم - لدخول كلمة "كل" عليها-, فهو عموم يتعلق بالأشخاص المتعلقة بهم هذه الأحكام, وهو عموم لا يكفي لانطباق مصطلح "الضابط الفقهي" عليها, لِما سبق في تعريف الضابط الفقهي أنه هو الذي يدخل تحته أكثر من مسألة من باب واحد, وليس كذلك ههنا, فتبقى هذه الصيغ من الكليات أحكاما جزئية وإن جاءت مبدوءة بكلمة "كل".
الفرق بين القاعدة الفقهية والكليات الفقهية:
يتضح مما سبق أن مصطلح "الكليات الفقهية" قد يكون أعم وأشمل من مصطلح "القواعد الفقهية", فقد رأينا أن "القواعد الفقهية" تُعتبر نوعا من "الكليات الفقهية", وهناك أنواع أخرى فقهية تندرج تحت مسمى "الكليات الفقهية", كالضوابط الفقهية, والأحكام الجزئية, والتعريفات ونحو ذلك. كما أن مصطلح القواعد الفقهية أعم من الكليات الفقهية, باعتبار أن قواعد فقهية كثيرة لا تبتدئ بلفظ "كل" ولا تتوقف عليه.
وعلى هذا يمكن القول بأن العلاقة بين كل من "الكليات الفقهية" و"القواعد الفقهية" هي علاقة عموم وخصوص وجهي, أي أنهما يجتمعان معا أحيانا, ويزيد كل منهما عن الآخر أحيانا.
فأما اجتماعهما معا فكما سبق في أمثلة الكليات التي هي قواعد فقهية, حيث يظهر أن كل مثال من تلك الأمثلة يصدُق عليه مصطلح: "الكلية الفقهية" كما يصدُق عليه في الوقت نفسه مصطلح "القاعدة الفقهية".
وأما انفراد "الكلية الفقهية" وحدها بدون أن ينطبق عليها مصطلح "القاعدة الفقهية", ففي الأمثلة السابقة أيضا التي سيقت لـ"كليات الضوابط الفقهية", وكذلك الأمثلة التي سيقت لنماذج الكليات التي ليست سوى أحكامٍ جزئية, أو تعريفات. فكل مثال من تلك الأمثلة يقال عنه: إنه "كلية فقهية" لوروده مصدّرا بلفظ "كل", لكن لا يقال عليه: إنه قاعدة فقهية كما لا يخفى.
وأما انفراد "القاعدة الفقهية" وحدها بدون أن يُطلق عليها مصطلح "الكلية" فذلك يتمثل في كل قاعدة فقهية جاءت بدون لفظ "كل", فلا ينطبق عليها مصطلح "الكلية الفقهية" لأن من شرط إطلاق هذا الاسم أن تكون العبارة مصدّرة بلفظ "كل".



---------------------------------------------
[1] القواعد الفقهية للباحسين ص78 .
[2] المرجع نفسه.
[3] الكليات الفقهية للمقري (رقم 201) .
[4] الكليات الفقهية للمقري (رقم 402) .
[5] الهداية 1/122؛ وفي المجموع 6/324 "إذا أكل الصائم أو شرب أو جامع جاهلا بتحريمه. . . لم يفطر".
[6] الهداية 2/44 .
[7] رواه ابن ماجه 1/606 (1882) ؛ والدار قطني في سننه 3/227 (25)؛ والبيهقي في الكبرى 7/110، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ، ورواه الشافعي في مسنده ( بدائع المنن 2/318 (1545) موقوفا على أبي هريرة . وقال البوصيري في مصباح الزجاجة 2/84 (672-1882): هذا إسناد مختلف فيه . وانظر نصب الراية 3/188 (4868) ؛ والبدر المنير لابن الملقن 19/122-118.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

المبحث الثامن
الفرق بين القاعدة الفقهية والأصل

تعريف كلمة "الأصل"
" الأصل لغة: أسفل الشيء. يقال: قعد في أصل الجبل وأصل الحائط, وقلع أصل الشجر. ثم كثر حتى قيل: أصل كل شيء, ما يَستند وجود ذلك الشيء إليه" [SUP][1][/SUP].
وفي الاصطلاح يطلق " الأصل " على معان متعددة:
1- ما يُبتنى عليه غيره. وهو موافق لمعناه اللغوي.
2- الدليل, كقولهم: "الأصل في وجوب الصلاة قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} [البقرة: 43] .
3- الراجح, كقولهم: "عند تعارض القياس والقرآن, فالقرآن هو الأصل" أي الراجح.
4-القاعدة المستمرة, كقولهم: "أكل الميتة على خلاف الأصل, أي على خلاف الحالة المستمرة".
5- المقيس عليه, وهو ما يقابل الفرع في باب القياس, كقولهم: الخمر أصل النبيذ في الحرمة, أي أن الحرمة في النبيذ متفرعة عن أصل هو حرمة الخمر لاشتراكهما في العلة.
6- القاعدة الكلية. [SUP][1][/SUP] وهذا المعنى الأخير لكلمة"الأصل" ليس المراد به خصوص مصطلح "القاعدة الفقهية", بل المراد مطلق "القاعدة":
أ- سواء كانت قاعدة في علم الفقه, كاستعمال الكرخي لكلمة "الأصل" بمعنى "القواعد الفقهية" في رسالته الشهيرة باسم " أصول الكرخي ", فقد صُدِّرت كل قاعدة فقهية فيها بكلمة "الأصل... ".
ب- أو كانت قاعدة في علوم أخرى غير الفقه, ومنه استعمال الإسنوي لكلمة "الأصل" في تسمية كتابه " الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية ", فمراده بها: القواعد النحوية التي يتخرج عليها مسائل فقهية [SUP][2][/SUP], مثل قوله: "الفعل الماضي إذا وقع شرطا انقلب إلى الإنشاء باتفاق النحاة. فمن فروعه: إذا قال: إن قمتِ فأنت طالق" فلا يحمل على قيام صدر منها في الماضي إلا بدليل آخر. وهو كذلك بلا خلاف" [SUP][3][/SUP].
ج - يضاف إلى ما تقدم أن استعمال كلمة "الأصل" بمعنى "القاعدة الكلية" يشمل مصطلح "الضابط الفقهي" باعتبار أن "الضابط الفقهي" هو (قاعدة كلية أيضا مختصة ببابٍ) كما هو المتّبع لدى كثير من المؤلفين قبل أن يستقر الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي.

وعلى هذا الاستعمال جاء إطلاق كلمة "الأصل" على بعض الضوابط الفقهية في كتاب " تأسيس النظر " للدبوسي الحنفي, مثل قوله:
" الأصل عند أصحابنا أن من وصل الغذاء إلى جوفه في حالٍ لا يوصف بالنسيان لصومه كان عليه القضاء/ [SUP][1][/SUP] ".
" الأصل عندنا أن كل فرقة جاءت من قبل الزوج ولم تتأبد ولم تتضمن فسخ النكاح من الأصل, فهي تطليقة بائنة/ [SUP][2][/SUP] ... ".
الفرق بين القاعدة الفقهية والأصل:
مما سبق من العرض يتضح أن مصطلح "الأصل" أعم من مصطلح "القاعدة الفقهية" من جهات:
فأولا: يُستعمل مصطلح "الأصل" لمعانٍ مختلفة غير معنى "القاعدة الفقهية".
وثانيا: فإن مصطلح "الأصل" وإن كان يُستعمل بمعنى "القاعدة الكلية", فليس المراد به خصوص "القاعدة الفقهية", بل ما هو أعم منها, أي بمعنى مطلق "القاعدة" سواء كانت فقهية أم غير فقهية.
وثالثا: فإن مصطلح "الأصل" يُستعمل في "القاعدة الفقهية" و"الضابط الفقهي" معا, أي أن كل ما تُبتنى عليه مسائل فقهية, يسمى "أصلا" سواء كان يختص بباب واحد (وهو الضابط الفقهي) أو يشمل أكثر من بابٍ (وهو القاعدة الفقهية).
ويمكن أن يقال في خلاصة الفرق بين هذين المصطلحين "الأصل" و"القاعدة الفقهية": أن بينهما عموما وخصوصا, أي أن كل "قاعدة فقهية" يصح أن يطلق عليها كلمة"الأصل" ولا عكس. وكذلك كل "ضابط فقهي" يصح أن يسمى بـ"الأصل" دون العكس.
---------------------------------------------
[1] تاج العروس 27/447 .
[1] انظر القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير للندوي ص109-110.
[2] وإن كان هو يسمي كل "قاعدة نحوية" في داخل الكتاب باسم "مسألة". الكوكب الدري ص306 .
[3] الكوكب الدري ص306.
[1] تأسيس النظر للدبوسي ص125 - تحقيق مصطفى القباني - نشر دار ابن زيدون ببيروت ومكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة.
[2] تأسيس النظر للدبوسي ص128 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

المبحث التاسع
الفرق بين القاعدة الفقهية والمبادئ الفقهية

معنى كلمة "المبادئ":
المبادئ , جمع: مبدأ. ومبدأ الشيء: أوّلُه ومادته التي يتكون منها, كالنواة: هي مبدأ النخل. ويقال: مبادئ العلم أو الفن أو الخُلُق أو الدستور أو القانون: أي قواعده الأساسية التي يقوم عليها ولا يخرج عنها [SUP][1][/SUP].
وبهذا يظهر أن كلمة "المبادئ" تتضمن في اللغة معنى: كلمة (الأساس). وهي بهذا تُرادف كلمة "القاعدة" لغويا, لأن معنى " القاعدة " أيضا لغة: الأساس والأصل لِما فوقه, كما سبق في مبحث تعريف القاعدة.
لكن يبدو من خلال ما درج عليه استعمال كلمة "المبادئ", أنه اصطُلح تخصيصها من حيث الاستعمال في معنى (القواعد الأساسية الأوّلية التي يقام عليها الهيكل العام لموضوع ما, بحيث لو فُقدت إحدى تلك القواعد الأساسية, اختل الهيكل العام لذلك الموضوع), كما يمكن أن يُلحظ ذلك في مثل قولهم: مبادئ الإسلام - مبادئ الشريعة الإسلامية - مبادئ القانون - مبادئ الأخلاق - مبادئ الحكم- مبادئ القضاء- وهكذا.
وفيما يلي أمثلة لعدد من المبادئ الفقهية التي تُعدّ قواعد أساسية ثابتة يمتد أثرها إلى أحكام الشريعة عامة, وهي:
مبدأ الوسطية والاعتدال, مبدأ الشورى, مبدأ العدالة, مبدأ المساواة, مبدأ السماحة والرحمة, مبدأ رفع الحرج, مبدأ منع الضرر, مبدأ إقرار الأمن والسلام, مبدأ الحرية وصون الكرامة الإنسانية وكل ما من شأنه الحفاظ على حقوق الإنسان, وغير ذلك. [SUP][1][/SUP]

العلاقة بين القواعد الفقهية والمبادئ الفقهية:
1- إن المبادئ الفقهية, هي قيم أساسية ومُثُل عُليا منبثة في عموم أحكام الشريعة كلها بحيث لا تخرج أحكام الشريعة في الجملة عن تلك القواعد والقِيم.
فعلى سبيل المثال, إن (مبدأ الوسطية) تتجلى آثاره واضحة في كل جوانب الإسلام, عقيدة وشريعة, وتوضيح ذلك كما يلي:
أ - فمثلا تظهر هذه الوسطية, بين الذين غالوا في تقديس الأنبياء فرفعوهم إلى مرتبة الألوهية أو مرتبة البنوة للإله؛ وبين الذين كذّبوهم واتّهموهم وقتلوهم. فالإسلام وسط بين الفريقين, إذ يدعو إلى الاعتقاد بأن الأنبياء بشرٌ آدميّون مثلنا في الذوات والصفات, ولكن الفرق بيننا وبينهم أن الله مَنّ عليهم بالوحي واصطفاهم لمنصب النبوة والرسالة, وإلى هذا يشير قوله تعالى: {قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إنْ نَحْنُ إلّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أنْ نَأْتِيَكُم بِسُلْطانٍ إلّا بِإِذْنِ اللهِوَعَلَى اللَّهِ فَلْيَةوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [إبراهيم: 11] [SUP][2][/SUP].
ب - ونجد هذه الوسطية في الإسلام في اعتباره للحياتين الدنيوية والأخروية معا, ولعل من أوضح الأدلة على ذلك, الآيات الآمرة بصلاة الجمعة: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعَوْا إلى ذكر الله وذَرُوْا البيع ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قُضيت الصلاةُ فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} [الجمعة: 9, 10] . " فهذا هو شأن المسلم مع الدين والحياة..., عملٌ للدنيا قبل الصلاة, ثم سعيٌ إلى ذكر الله وإلى الصلاة وتركٌ للبيع والشراء وما أشبهه من مشاغل الحياة, ثم انتشار في الأرض وابتغاء الرزق من جديد بعد انقضاء الصلاة مع عدم الغفلة عن ذكر الله كثيرا في كل حال... " [SUP][1][/SUP].
ج- ونظرة الشريعة للإنسان المسلم, تتصف بالوسطية والتوازن, فهو كيان روحي ومادي معا, ولذا فعليه أن يراعي مبدأ الاعتدال والوسطية بين هذين العنصرين اللذين هو مركّب منهما (الروح والبدن), فإن لرُوحه عليه حقا, ولبدنه عليه حقا, وعليه أن يُعطي كل ذي حقٍّ حقَّه.
د- هذا إلى جانب جملة من الأحكام التي جاءت فيها نصوص تشريعية تُرشد بوضوح إلى مراعاة مبدأ الوسطية والاعتدال, فمن ذلك مثلا:
التوجيه إلى الوسطية في التلاوة في الصلاة: {ولا ةجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها وابْةغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110] .
الإرشاد إلى الوسطية في المأكل والمشرب: {وَكُلُوا واشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين} [الأعراف: 31] .
مدح المتصفين بالوسطية في باب الإنفاق: {والَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَواما} [الفرقان: 67] .
الحث على الوسطية في باب الدعوة إلى الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] [SUP][1][/SUP].
وهكذا نكون وقفنا على شيء من صور هذا المبدأ (الوسطية والاعتدال) وآثاره في مختلف جوانب الشريعة الإسلامية.
2- المبادئ الفقهية, هي صنف أعلى من القواعد الفقهية, فالمبدأ الفقهي الواحد يعتبر أصلا يتفرع عنه عدد من القواعد الفقهية ذات الصلة بالموضوع نفسه, فعلى سبيل المثال: نجد أن (مبدأ التبعية) تندرج تحته جميع القواعد الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع.
بل إن بعض المبادئ الفقهية, تصل من الشمولية والاتساع بحيث يمتد أثرها إلى جميع أنواع القواعد (الفقهية والأصولية والمقاصدية), مثل "مبدأ رفع الحرج", و"مبدأ الوسطية" الذي سبق الحديث عنه بإفاضة قبل قليل. [SUP][2][/SUP]
3- المبادئ الفقهية هي قيم أصيلة مستقرة لا تتبدل ولا تتغير بتغير الزمان والمكان [SUP][3][/SUP]. أما القواعد الفقهية فمنها ما يكون مرجعه إلى العرف أو الاجتهاد, فتتغير بتغير الظروف والأحوال.
4- المبادئ الفقهية, ربما يُعبّر عنها بعناوين مجردة ولا تصاغ في جمل تامة, بخلاف القواعد الفقهية التي تأتي في جمل مفيدة تامة.

---------------------------------------------
[1] المعجم الوسيط 1/42.
[1] انظر كلمات في الوسطية الإسلامية ومعالمها للقرضاوي. وبحث وسطية الإسلام وسماحته لوهبة الزحيلي. وبحث صلاحية التشريع الإسلامي للبشر كافة لعبد الله بن محمد العجلان، مجلة البحوث الإسلامية. وبحث موقف المملكة العربية السعودية من الإرهاب والعنف والتطرف ماضيا وحاضرا، إعداد محمد بن عمر آل مدني.
[2] انظر تفسير الجلالين ص330 .
[1] كلمات في الوسطية الإسلامية ومعالمها للقرضاوي ص20 .
[1] تطبيق مبدأ الوسطية في محور العلاقات الإنسانية، كما في حديث : "أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما". رواه الترمذي4/360 (1997) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه. ورواه ابن حبان في المجروحين 1/151 وجزم بصحته عن علي موقوفا عليه. وقال العراقي في تخريج الإحياء 2/185: أعله النقاد وصححوا وقفه.
[2] انظر قاعدة (الشريعة جارية على الوسط الأعدل) ، ضمن المبادئ العامة من هذه المعلمة .
[3] انظر بحث صلاحية التشريع الإسلامي للبشر كافة، للدكتور عبد الله بن محمد العجلان، مجلة البحوث الإسلامية 9/275 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

المبحث العاشر
الفرق بين القاعدة الفقهية والتقاسيم

تعريف التقاسيم:
التقاسيم جمع تقسيم, مصدر قسم الشيءَ إذا جزّأَه. وفي الاصطلاح يطلق على تجزئة الاسم الكلي إلى أجزاء يصدُق عليها ذلك الاسم الكلي بحيث يمكن أن نميّز بعض أجزائه عن بعض [SUP][1][/SUP].
والتقاسيم أمر منطقي طبيعي في كل علم من العلوم لما لها من فوائد, لأن تقسيم العلم إلى أقسام وأجزاء, يساعد كثيرا في تحصيل المعلومات وترتيبها وتنظيمها وفهمها. [SUP][2][/SUP]
من أمثلة التقاسيم الفقهية:
الصداق يُقسم إلى مسمى, وإلى مهر المثل, وإلى مُتعة. [SUP][3][/SUP]
الطلاق من حيث الرجعة وعدمها قسمان: طلاق رجعي, وطلاق بائن. والبائن نوعان: بائن بينونة صغرى, وبائن بينونة كبرى. [SUP][4][/SUP]


أسباب ملك المنفعة تنقسم إلى أربعة أنواع: الإجارة, والإعارة, والوقف, والوصية. [SUP][1][/SUP]
المُتلَفات قسمان: قسم يجب فيه المثل وهو المثليات. وقسم فيه القيمة وهي المتقومات. [SUP][2][/SUP]
الولاية والوكالة على الأموال والحقوق, ثلاثة أقسام:
أحدها: وكيل, أو ولي خاص: فهذا عمله وتصرفه مقصور على ما أُذن له فيه.
والثاني: وكيل, وولي عام, وهو الإمام والحاكم: فهو وكيل وولي من لا وكيل له ولا ولي من القاصرين, والغائبين, والمتغيبين, والأوقاف التي لا ناظر لها خاص, وولي من لا ولي لها في النكاح.
الثالث: وكيل وولي اضطرار: وهو في كل حالة يُضطر فيه إلى تولّيه بحيث يُخشى عليه الضياع إن لم يتولَّـه. كمن مات في موضع لا وصي له ولا حاكم, فعلى من حضره: جَمْعُ ما تركه, وحفظُه, وبيعُ ما صلح بيعه, حتى يصل إلى وارثه أو وصيه. وكحفظ المال الذي إن تركه ضاع, وإن تولاّه حُفظ على أهله: فيتعين حفظه وإيصاله. وله أجرة المثل إن لم يتبرع [SUP][3][/SUP].


إطلاق كلمة "القاعدة" على "التقاسيم":
قد يستخدم العلماء كلمة "قاعدة" للإشارة إلى ما يرون فيه نوعا من الحصر والضبط لأحكام ومسائل ذات طابع مشترك, ومن هنا نجدهم يطلقون كلمة "القاعدة" على (التقاسيم) لكونها تحصر الصور المتعلقة بحكم ما, فيسهل بذلك حفظ تلك الصور وتذكرها. [SUP][1][/SUP] فمن أمثلة استخدامهم لكلمة "قاعدة" في معرض التقاسيم:
قول ابن الوكيل : "قاعدة: رخص السفر أقسام: قسم يختص بالطويل قطعا, وقسم لا يختص قطعا, وقسم فيه قولان" [SUP][2][/SUP].
وقول ابن رجب : "القاعدة الأربعون: الأحكام المتعلقة بالأعيان بالنسبة إلى تبدل الأملاك واختلافها عليها نوعان" [SUP][3][/SUP]. ثم بدأ يذكر نوعي الأحكام المتعلقة بالأعيان.
وقول السيوطي : "قاعدة: أسباب الضمان أربعة: أحدها العقد كالبيع, والثاني اليد, والثالث الإتلاف, والرابع الحيلولة" [SUP][4][/SUP].
وقول ابن عبد الهادي : "القاعدة السادسة والستون: شروط حل الصيد إذ مات بالآلة أربعة: أهلية الصائد, وكون الآلة صالحة, وإرسالها مع قصده, والتسمية عند الإرسال" [SUP][5][/SUP].
وقول ابن عبد الهادي : "القاعدة الخامسة والثلاثون في أركان الحج وواجباته: أركان الحج ركنان: الوقوف, وطواف الزيارة" [SUP][6][/SUP].


الفرق بين القاعدة الفقهية والتقاسيم:
على الرغم مما سبق من إطلاق كلمة "القاعدة" على التقاسيم المختلفة المذكورة, فإنه يبدو أنه كان واضحا في أذهان أصحاب هذه الإطلاقات أن القاعدة بمعناها الاصطلاحي غير القاعدة التي أطلقوها على التقسيمات, وأن هناك فرقا بين طبيعة كل منهما, فإن بعض تلك الإطلاقات لا ينسجم مع طبيعة القواعد الفقهية وصياغاتها, ولكن يبدو أن إطلاق هؤلاء العلماء لكلمة "القاعدة" على التقاسيم المذكورة وعدم التفريق بين المصطلحين, يعود إلى المعنى المشترك بين القاعدة والتقسيم وهو أن كلا منهما جامع وحاصر لما يحويه من الصور الداخلة تحته, فكأنه حصل شيء من التوسع لدى أولئك العلماء في استعمال أحد المصطلحين مكان الآخر, ولا مشاحّة في الاصطلاح.
لكن بما أن مصطلح "القاعدة الفقهية" قد استقر وتميز عن غيره من المصطلحات الفقهية الأخرى, فينبغي عدم الخلط بين المصطلحات, وهذا هو الأصل في كل مصطلح, فلا يُستعمل مصطلح مكان غيره إلا بنوع من التأويل قد يصل إلى التعسف. وقد نبه ابن السبكي في " الأشباه والنظائر " إلى ذلك, إذ انتقد الذين يُدخلون "التقاسيم" في نطاق القواعد, [SUP][1][/SUP] فقال:
"ومن الناس من يدخل في القواعد تقاسيم تقع في الفروع يذكرها أصحابنا, حيث يتردد الذهن, فهي ذات أقسام كثيرة ولا تعلق لهذا بالقواعد رأسا. [SUP][2][/SUP].. ".


---------------------------------------------
[1] انظر القواعد الفقهية للباحسين ص85 .
[2] انظر علم القواعد الشرعية للخادمي ص324 و325 .
[3] القواعد والأصول الجامعة لابن سعدي ص156 .
[4] القواعد الفقهية للباحسين ص 86 و88 .
[1] القواعد الفقهية للباحسين ص 88 .
[2] القواعد والأصول الجامعة لابن سعدي ص 108 .
[3] المرجع نفسه ص105-107 .
[1] انظر مذكرة دليل العمل لمعلمة القواعد الفقهية.
[2] الأشباه والنظائر لابن الوكيل 1/412.
[3] القواعد لابن رجب ص 51.
[4] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 390.
[5] القواعد الكلية والضوابط الفقهية لابن عبد الهادي ص 26.
[6] القواعد الكلية والضوابط الفقهية لابن عبد الهادي ص 77.
[1] انظر القواعد الفقهية للباحسين ص 106.
[2] الأشباه والنظائر لابن السبكي 2/306 .
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

المبحث الحادي عشر
الفرق بين القاعدة الفقهية والحدود والتعريفات

المقصود بالتعريفات:
التعريف : مصدر عرّف. ومن معانيه: الإعلام والتوضيح, وإنشاد الضالة, والتطبيب, وهو مأخوذ من العرف ( أي الرائحة ).
وقد قال ابن عباس في قوله تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّة عَرَّفَها لَهُمْ} [محمد: 6] أي طيّبها لهم. وقيل: "جعلهم يعرفون منازلهم فيها" [SUP][1][/SUP]
والتعريف : الوقوف بعرفات, ويراد به أيضا: ما يصنعه بعض الناس في بلادهم يوم عرفة. [SUP][2][/SUP]
وللتعريف في الاصطلاح عدة إطلاقات:
أ- فعند الأصوليين : هو تحديد المفهوم الكلي بذكر خصائصه ومميزاته, والتعريف الكامل هو ما يساوي المعرف تمام المساواة, بحيث يكون جامعا مانعا. والحدود والتعريف - عند الأصوليين - بمعنى واحد وهو: الجامع المانع سواء أكان بالذاتيات أم بالعرضيات.
ب- وعند الفقهاء: لا يخرج استعمالهم للفظ ( التعريف ) عن المعاني اللغوية, ولكنهم عند الإطلاق يريدون المعنى الاصطلاحي لدى الأصوليين. [SUP][1][/SUP]
أما الحدود:
فإنها جمع حد, وهو قول دال على ماهية الشيء, [SUP][2][/SUP] وعرفه الباجي بأنه اللفظ الجامع المانع, ثم شرح ذلك بقوله: معنى الحد ما يتميز به المحدود ويشتمل على جميعه, وذلك يقتضي أنه يمنع مشاركته لغيره في الخروج عن الحد, ومشاركة غيره له في تناول الحد له.
ومن خلال العروض السابقة لتعريف كل من القاعدة والضابط, والتعريف والحد, نتبين أن معنى القاعدة كان معلوما للعلماء حتى وإن لم يحدّوه. وقد أفادت التعريفات المذكورة أن القاعدة كلية, أو أنها تنطبق على جزئياتها.
والقصد من الحد التمييز بينه وبين غيره. قال إمام الحرمين : القصد من التحديد في اصطلاح المتكلمين: الفرق بخاصة الشيء وحقيقته التي يقع بها الفصل بينه وبين غيره.
وقال المناطقة: إن فائدة الحد التصوير, وبنوا على ذلك أمورا سموها قواعد منها:
1- أن الحد لا يكتسب بالبرهان؛ لأن البرهان إنما يكون في القضايا التي فيها حكم, والحد لا حكم فيه. ( وهذا مما يفرق بين القاعدة والحد ).
\ 30732- القاعدة الثانية: أن الحد لا يمنع, فإن المنع يُشعر بطلب الدليل, والفرض أنه لا يبرهن عليه فلا معنى للمنع. ( وهذا فرق آخر بين القاعدة والحد ) [SUP][1][/SUP].
ويظهر من خلال التعريفات السابقة أن مجال التعريفات والحدود غير مجال الضوابط والقواعد, فإن مجال التعريفات بيان الماهية, ومجال القواعد مجال للتنظير والتطبيق.
ومن أمثلة التعريفات في المعاملات: " الإجارة عبارة عن العقد على المنافع بعوض ". فهذا تعريف لعقد الإجارة دون تجاوز التعريف إلى غير الإجارة.
ومن أمثلة القواعد في المعاملات أيضا: " كل عقد فسد ثبت فيه المسمى ورجع إلى أجرة المثل ", أو " الأجر والضمان لا يجتمعان ".
وكل من هذين المثالين الأخيرين يضع قاعدة تتعدى الحالة المضروبة فيها إلى حالات مشابهة.
ففي القاعدة الأولى بيان لأثر فساد العقود على تقرير الأجرة, وفي القاعدة الثانية تفريق بين الأجر والضمان وأنهما لا يجتمعان في عقد واحد. وكلتا القاعدتين تنسحب على جزئيات أخرى عند التطبيق بخلاف طبيعة التعريفات والحدود.
ومع ذلك فإن هناك من التعريفات ما تنطبق عليه شروط القواعد, فتصلح - حينئذ - هذه التعريفات لتكون قواعد, وذلك لما يترتب عليها من أحكام فرعية.
ومن أمثلة التعريفات التي تنطبق عليها شروط القاعدة:
- الإجارة عقد على المنافع بعوض .
- قياس العكس هو أن يثبت في الفرع نقيض حكم الأصل لانتفاء العلة المقتضية لحكم الأصل .
- الحالف كل من توجهت عليه دعوى صحيحة .
- المعقود عليه هو ما كان العوض في مقابلته .
- الشرط ما يلزم من عدمه العدم, ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته .
- البيع الحلال هو مقابلة مال متقوّم بمال متقوّم .
- المانع ما يلزم من وجوده العدم, ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته .

---------------------------------------------
[1] التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي 4/47. عند تفسير الآية المذكورة ( سورة محمد، 6) .
[2] لسان العرب، المحيط، مختار الصحاح.
[1] الفروق في اللغة ص 281.
[2] التعريفات للجرجاني ص 83.
[1] انظر: البحر المحيط للزركشي. بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الشافعي ( 745 - 794هـ ) 1/91 وما بعدها.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

المبحث الثاني عشر
الفرق بين القاعدة الفقهية وصيغ العموم


العلاقة بين القاعدة الفقهية وصيغ العموم:
إن صيغ العموم , هي التي تشتمل على ألفاظ وُضعت للدلالة على معنى العموم, مثل لفظ "كل" و"من" و"ما" و"جميع" و"النكرة في سياق النفي", و"الجمع المعرّف بالألف واللام لغير العهد", مثل قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون: 1] , وكذا الجمع المعرّف بالإضافة مثل قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] , والمفرد المعرّف بالألف واللام لغير العهد مثل قوله تعالى: {إن الِإنسان لفي خسر} [العصر: 2] , وكذا المفرد المعرّف بالإضافة مثل قوله تعالى: {وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها} [إبراهيم: 34] وغيرها من الألفاظ الدالة على العموم. [SUP][1][/SUP]
وتشترك القاعدة الفقهية مع صيغ العموم في وجوه متعددة, ومن خلالها نلمح الصلة القائمة بين صيغ العموم ونصوص القواعد الفقهية, وتوضيح ذلك كما يلي:
العام هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بلا حصر دفعة واحدة, [SUP][1][/SUP] وبتعبير آخر: اللفظ الدال على جميع أجزاء ماهية مدلوله. [SUP][2][/SUP] مثاله: قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] .
هذا المفهوم نجده متحققا في مضمون "القاعدة الفقهية", ذلك أنه كما يندرج تحت "اللفظ العام" جميع ما يدل عليه عمومه من غير حصر, فكذلك يندرج تحت "القاعدة الفقهية" جميع ما ينطبق عليه مضمونها من الجزئيات والمسائل من غير حصر.
العموم في "صيغ العموم", (عموم شمولي) أي يستغرق ويصدُق على جميع جزئياته دفعة واحدة, لا أنه يصدُق على بعضها دون البعض.
وهكذا العموم في "القاعدة الفقهية", (شمولي) أيضا, أي أن القاعدة تنطبق في آنٍ واحد على جميع ما يندرج تحتها من مسائل وتفريعات [SUP][3][/SUP].
الأصل في العام أن تكون دلالته كلية أي يكون الحكم فيه على كل فرد من أفراده المندرجة تحته إلا إن دخله تخصيص, [SUP][4][/SUP] ومعنى هذا أن العام وإن كان في لفظه كليّا فهو قابل للتخصيص, فإذا دخله التخصيص فإن الأفراد المخصوصة تخرج عن مفهومه الكلي, ولكن لا ينتقض بذلك مفهوم "الكلية" في أصل الصيغة الموضوعة للدلالة على العموم.
وهذا أيضا هو نفس ما قيل في مفهوم "الكلية" في القاعدة الفقهية, أي أن الأصل في القاعدة الفقهية أنها تنطبق على كل جزئياتها بدون تخلف جزئية منها, ولا ينافي ذلك أن توجد فيها مستثنياتٌ لِما هو معلوم أنه ما من قاعدة إلا ولها شواذ ومستثنيات تخرج عنها, ومع وجود تلك المستثنيات فلا تختلّ "الكلية" في أصل الصيغة القاعدية.

العامّ الباقي على عمومه (أي الذي لم يدخله تخصيص), قليلٌ بالنسبة للعامّ الذي دخله التخصيص. [SUP][1][/SUP] ومن أمثلته: قوله تعالى: {وَما مِنْ دابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها} [هود: 6] .
وهذا موافق أيضا لِما قيل عن القواعد الفقهية أن ما كان منها باقيا على كلّيته بحيث لم توجد له استثناءات, قليل أيضا, [SUP][2][/SUP] وإلا فإن القواعد الفقهية في الغالب هي محل استثناءات.
"وإلى ذلك أشار بعض علماء المالكية بقوله: من المعلوم أن أكثر قواعد الفقه أغلبية" [SUP][3][/SUP].
هذا ما يتعلق بوجوه الاشتراك والتشابه بين القاعدة الفقهية وصيغ العموم.

---------------------------------------------
[1] انظر البحر المحيط 2/228؛ ومذكرة أصول الفقه ص 22-23.
[1] انظر التعريفات للجرجاني ص 188؛ والبحر المحيط 2/179؛ ورسالة الأصول لابن عثيمين 2/15؛ ومذكرة أصول الفقه ص 22 (من إعداد الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) .
[2] انظر شرح الكوكب المنير 3/101 .
[3] انظر البحر المحيط 2/181؛ وإرشاد الفحول 1/42 و200 .
[4] انظر البحر المحيط 2/195-196؛ وشرح الكوكب المنير 3/112؛ ومذكرة أصول الفقه ص 24.
[1] انظر مذكرة أصول الفقه ص 24؛ والبحر المحيط 2/195-196؛ وشرح الكوكب المنير 3/112 .
[2] مثاله: قاعدة : "لايجوز عقلا اجتماع علتين على معلول واحد" ، فقد صرح ابن السبكي في الأشباه والنظائر 2/37 عنها أنها "أصل قاطع" فقال: "أصل قاطع : لايجوز عقلا اجتماع علتين على معلول واحد" ثم قال: "هذه قاعدة مطردة منعكسة لا سبيل إ‘لى انتقاضها بشيء من الصور، سواء عرفت هذه العلة بالمؤثر أم بالمعرف أم بالباعث. وكلام العقلاء في جميع العلوم من المتكلمين والأصوليين والنحاة والفقهاء متطابق على هذا، وما عندي إلا قاعدة كامنة في أفئدة هؤلاء".
[3] تهذيب الفروق لمحمد المكي المالكي 1/36 .
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

ومما يؤكد أثر العموم في مجال القواعد الفقهية, أن القاعدة الفقهية تأتي في الغالب مقترنة بلفظ من ألفاظ العموم, كما نرى في الصيغ الآتية:
كل مطلوب لا تتكرر مصلحته فهو مطلوب على الكفاية, وإلا فعلى الأعيان ... (الكليات الفقهية للمقري/رقم 106)
كل عقد فالمعتبر في انعقاده ما يدل على معناه, لا صيغة مخصوصة ... (الكليات الفقهية للمقري/رقم 199)

الأمور بمقاصدها . (مجلة الأحكام/المادة 2)
الأصل بقاء ما كان على ما كان . (مجلة الأحكام/المادة 5)
لا مساغ للاجتهاد في مورد النص . (مجلة الأحكام/المادة 14)
ما أبيح للضرورة يتقدر بقدرها . (مجلة الأحكام/المادة 22)
يختار أهون الشرين . (مجلة الأحكام/المادة 29)
لا ينسب إلى ساكت قول . (مجلة الأحكام/المادة 67)
من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه . (مجلة الأحكام/المادة 99)
لكن قد تأتي القاعدة الفقهية في أصل صيغتها خالية من اللفظ الدال على العموم مع كون العموم متحققا في مضمونها. فإذا أُريد تقريبها إلى صياغة قاعدية, فيحتاج ذلك إلى إنشائها بصيغة مقترنة بلفظ من ألفاظ العموم, لتُشعر بالعموم اللفظي إلى جانب العموم المعنوي الموجود فيها من قبلُ.
ومن أوضح أمثلة هذا النوع من الصيغ القواعدية:
قاعدة اليقين لا يزول بالشك . (مجلة الأحكام/المادة 4).
فهذه القاعدة بصيغتها هذه الدالة على العموم مأخوذة من الحديث المشهور المروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شك أحدكم في صلاته, فلْيُلْقِ الشك ولْيَبْنِ على اليقين" الحديث [SUP][1][/SUP]. وفي لفظ: " فلْيُلْغِ الشك ولْيَبْنِ على اليقين" [SUP][2][/SUP] .

فقد لحظ العلماء رحمهم الله تعالى أن هذا الحديث وإن كان واردا في قضية خاصة تتعلق بالشك في الصلاة, إلا أن قوله صلى الله عليه وسلم: " فلْيُلْقِ الشك ولْيَبْنِ على اليقين" يدل بمضمونه على العموم, "فهو نص في القاعدة, فقد أَمَر باطراح الشك والبناء على اليقين, وهو معنى قولنا: ( اليقين لا يزول بالشك/ [SUP][1][/SUP] )".
وبناء على دلالة هذه الجملة الحديثية للعموم المعنوي, صيغت في قالب من صيغ العموم اللفظي, فجاءت صياغة قاعدية على الشاكلة المعروفة. وإلى هذا يشير ابن عبد البر رحمه الله تعالى بقوله: "في هذا الحديث من الفقه: أصل عظيم جسيم مطّرد في أكثر الأحكام, وهو أن اليقين لا يزيله الشك وأن الشيء مبني على أصله المعروف حتى يزيله يقين لا شك معه/ [SUP][2][/SUP] ").
ويمكن أن نخلص مما سبق إلى أن العلاقة بين القاعدة الفقهية وصيغ العموم, هي علاقة لزومية, أي أن القاعدة الفقهية لا بد أن تأتي بصيغة من صيغ العموم لتدل على عموم مضمونها, وإلا فلا تكون قاعدة.
فإذا لوحظ خلوّ صيغةٍ ما في ظاهرها من اللفظ الدال مباشرة على العموم, وكان العموم متحققا في أصل المضمون وصالحا لسبكه في صياغة قاعدية, فحينئذ ينبغي إنشاء صيغة لها في قالب مقترن بألفاظ العموم بحيث تُقرِّب المضمون إلى الصياغة القاعدية العامة.
------------------------

[1] رواه أحمد 18/346 (11830) ، وأبو داود 2/74 (1016)، وابن حبان في صحيحه 6/387 (2664) ، 390 (2668) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
[2] رواه النسائي 3/27 (1238)؛ وابن ماجه 1/382 (1210) ، وابن خزيمة 1/110 (1023) من حديث أبي سعيد .
[1] تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية ص11؛ وانظر القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير 2/659.
[2] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لبن عبد البر النمري 5/25 - نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب، 1387- تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ،‏ ومحمد عبد الكبير البكري.
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

المبحث الثالث عشر
الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية
[SUP][1][/SUP]


القواعد الأصولية هي القواعد المنهجية المتبعة في الاستنباط والاجتهاد, أي القواعد التي يعتمدها المجتهد للنظر في الأدلة الشرعية واستخراج الأحكام والحلول الشرعية منها. فهي أسس يُتوصل بها لاستخراج الأحكام من أدلتها الشرعية. [SUP][2][/SUP]
أما القواعد الفقهية , فهي كما سبق: الأحكام الشرعية ذاتها, لكنها أحكام عامة تحتوي على مسائل وجزئيات كثيرة ومتنوعة.
فالقواعد الأصولية تُعنى بدراسة الأدلة الشرعية ومن ثَمّ استخراج قواعد هذه الأدلة ليمكن بناء الحكم عليها. أما القواعد الفقهية فتُعنى بتقرير الأحكام العامة لأفعال المكلفين. [SUP][3][/SUP] وبناء على هذا فأهم الفروق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية, هي:
1- أن القاعدة الأصولية هي التي يُستنبط بها الحكم من الدليل. أي هي قواعد استدلالية يلتزم بها الفقيه ليعتصم بها عن الخطأ في استنباط الحكم, فهي ميزان ضابط لعملية الاستنباط, مثل قواعد النحو التي هي ميزان لضبط النطق والكتابة. في حين أن القاعدة الفقهية تعبّر عن وعاء لأحكام شرعية عملية يندرج تحتها جزئيات ومسائل تتعلق بأفعال المكلفين. [SUP][1][/SUP]
2- موضوع القواعد الأصولية: الدليل الشرعي والحكم المبني عليه. في حين أن موضوع القواعد الفقهية: فعل المكلف. [SUP][2][/SUP]
3- الغرض من القواعد الأصولية: أن تكون وسيلة لاستنباط الأحكام. في حين أن الغرض من القواعد الفقهية: التقرير والتقريب للمسائل الفقهية المتشعبة المبثوثة في أبواب الفقه والتي اندرجت ضمن تلك القواعد, وتوفير الوقت من أجل البحث عنها في مواضعها من الكتب. [SUP][3][/SUP]
القواعد الأصولية ناشئة - في معظمها - عن الألفاظ العربية وما يعرض لتلك الألفاظ من نسخ وترجيح وعموم وخصوص وأمر ونهي وغير ذلك, وبعضها ناشئ عن النظر العقلي وما ينشأ عنه من قواعد... فالقواعد الأصولية تشكل المنهاج والمعيار الذي تُفسّر في ضوئه النصوص الشرعية وتُستنبط الأحكام الشرعية منها. في حين أن القواعد الفقهية نشأت من الاستقراء, وذلك بتتبع الأحكام الواقعة على أفعال المكلفين في الفقه, فإذا اجتمعت من خلال هذا الاستقراء مجموعة من المسائل المتشابهة التي تخضع لحكمٍ واحد ينطبق عليها جميعا, صيغ ذلك الحكم بعبارة جامعة تسمى (قاعدة فقهية), وهكذا يُفعل مع كل مجموعة من المسائل المتشابهة. [SUP][1][/SUP]
4- القواعد الأصولية أكثر اطّرادا وعموما من القواعد الفقهية, أما القواعد الفقهية فةرِد عليها استثناءاتٌ تجعلها قواعد أكثرية أو أغلبية. [SUP][2][/SUP]
5- القواعد الأصولية أدلة عامة يمكن الاستناد إليها في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها. أما القواعد الفقهية فالأصل فيها أنها أحكام كلية عامة, على أنها تكتسب قوة الحجية إذا كانت تستند إلى دليل شرعي يعضدها, أو كانت تعبّر عن القاعدة الأصولية. [SUP][3][/SUP]

---------------------------------------------
[1] لمزيد من التوضيح والتفصيل حول القواعد الأصولية والمقارنة بينها وبين القواعد الفقهية: انظر المقدمة الخاصة بالقواعد الأصولية ضمن هذه المقدمات.
[2] انظر علم القواعد الشرعية للخادمي ص 277.
[3] انظر القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية في المعاملات المالية للشال ص 54 .
[1] القواعد والضوابط لشبير ص29، والقواعد الفقهية للندوي ص 463 وص 68، وأصول الفقه لأبي زهرة ص9-11، وقواعد المقاصد للكيلاني ص36 .
[2] القواعد والضوابط لشبير ص30، والقواعد الفقهية للندوي ص 463 وص 68.
[3] القواعد الفقهية للندوي ص 463، وقواعد الفقه الإسلامي للروكي ص 120 .
[1] القواعد والضوابط لشبير ص 28، والقواعد الفقهية للندوي ص 69، وقواعد الفقه الإسلامي للروكي ص 119، وأصول الفقه لأبي زهرة ص9-12.
[2] القواعد والضوابط لشبير ص 29، والقواعد الفقهية للندوي ص 68، وقواعد الفقه الإسلامي للروكي ص 120 .
[3] القواعد والضوابط لشبير ص 29 و86-87، وانظر المقدمة الخاصة بحجية القاعدة الفقهية.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

المبحث الرابع عشر
الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة المقاصدية
[SUP][1][/SUP]

القواعد المقاصدية هي عبارة عن أسس وقواعد جامعة للمقاصد العامة الشريعة الإسلامية وسائر عناصرها ومتعلقاتها.
والمراد بمقاصد الشريعة: هي الحِكم والمعاني والغايات التي أراد الشارع تحقيقها في أحكامه الشرعية, وهي إما مصالح كلية لا يخلو التشريع عن ملاحظتها في عموم أحكامه؛ وربما كانت حِكما تختص بمجال معيّن من التشريع (مثل مجال العبادات, أو مجال الأسرة, أو مجال التصرفات المالية, أو مجال العقوبات... ) وهكذا. [SUP][2][/SUP]
وبالجملة فإن تلك المعاني والحِكم تهدف جميعها بالجملة إلى تقرير عبودية الله تعالى وجلب مصلحة الإنسان في الدارين. [SUP][3][/SUP]

وبناء على ما سبق فيقال فيما يتعلق بأهم الفروق بين القواعد المقاصدية وبين القواعد الفقهية ما يلي:
1- القواعد المقاصدية : هي في حقيقتها تتضمن بيان حِكم الشريعة وأسرارها التي توخّاها الشارع من أصل تشريع الحكم. أما القاعدة الفقهية فوظيفتها: تقعيد الفقه بجمع المسائل متحدة المناط في صيغ جامعة, على أنها قد تشير في طيّاتها إلى الحِكم المنوطة بالأحكام. فموضوع القاعدة المقاصدية: أهداف الشريعة وغاياتها العامة, في حين أن موضوع القاعدة الفقهية: بيان الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين.
2- القواعد المقاصدية استفيدت في الغالب من استقراء كلي أو شبه كلي لأدلة الشريعة وأحكامها, حتى غدت في مرتبة (العموم المعنوي الاستقرائي) الذي يجري في الحكم مجرى (العموم اللفظي النصي) المستفاد من صيغه الموضوعة له في علم الأصول, إذ إن العموم المعنوي هو كالعموم النصي سواء بسواء من حيث القوة والاعتبار وصلاحيته في الاستدلال.
وهذا ما يصرّح به الشاطبي في بيان مرتبة العموم المعنوي وكونه مثل العموم اللفظي في الاستدلال, فيقول: " العموم إذا ثبت فلا يلزم أن يثبت من جهة صيغ العموم فقط, بل له طريقان: أحدهما: الصيغ إذا وردت. وهو المشهور في كلام أهل الأصول. والثاني: استقراء مواقع المعنى حتى يحصل منه في الذهن أمر كلي عام فيجري في الحكم مجرى العموم المستفاد من الصيغ" [SUP][1][/SUP].
أما القواعد الفقهية فهي وإن كانت تستند من حيث الأصل إلى الاستقراء أيضا, إلا أنها تتفاوت في درجات الاستقراء, فمنها ما يلتقي مع القواعد المقاصدية في كونها نشأت من خلال استقراء تام أو شبه تام لنصوص الشريعة, (كالقواعد الخمس الكبرى) [SUP][1][/SUP] فهي بذلك تكتسب صفة الدلالة القطعية على مضامينها والأحكام التي تندرج تحتها كالقواعد المقاصدية, وبهذا تكون لمثل هذه القواعد الفقهية ميزة كونها في أعلى مراتب القواعد نظرا لكونها تجمع بين صفتي القاعدية والحجية في آن واحد.
وهذا بخلاف قواعد فقهية أخرى راجعة إلى الاستقراء, لكنه دون الاستقراء التام أو شبه التام الحاصل في المقاصد, فلا تكون لهذا النوع من القواعد صفة الدلالة الحاصلة للنوع السابق, بل ربما تُعتبر أدلة ظنية استئناسية. [SUP][2][/SUP]
هذا, وسيأتي مزيد من التفصيل والبيان لهذا الموضوع في المقدمة الخاصة بالقواعد المقاصدية في هذه "المعلمة".
---------------------------------------------
[1] انظر المقدمة الخاصة بالقواعد المقاصدية، ضمن هذه المقدمات.
[2] انظر : نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي للريسوني ص 5-8، وفلسفة مقاصد التشريع لخليفة بابكر ص7، وقواعد المقاصد للكيلاني ص47، ومقاصد الشريعة لابن عاشور ص171 و300، ومقاصد الشريعة الإسلامية لزياد احميدان ص16-22 .
[3] انظر المقاصد الشرعية للخادمي ص29.
[1] الموافقات 3/298، وقواعد المقاصد للكيلاني ص68-69، والقواعد والضوابط لشبير ص32.
[1] القواعد الخمس الكبرى وإن كانت مشهودا لها بالاستقراء، فإن بعضها مشهود لـه بنصوص عامة وصريحة، تعتبر المصدر المباشر للقاعدة، كقاعدة "الأمور بمقاصدها" المأخوذة مباشرة من حديث (إنما الأعمال بالنيات) .
[2] وانظر المقدمة الخاصة بحجية القاعدة الفقهية ضمن هذه المقدمات.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

المبحث الخامس عشر
الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة المنطقية

تخضع عملية التقعيد في كل مجالات المعرفة لمنطق يحكمها ويحدد مسارها, لأن الخلوص إلى استنباط قاعدة معينة وصوغها صياغة محكمة يقتضي اتباع خطوات عقلية منطقية حتى نصل إلى هذه الغاية. وأية قاعدة - فقهية أو غير فقهية - إنما تأتي نتيجة استقراء أمر كلي ينطبق على جزئياته.
وبهذا يتضح ارتباط علم المنطق بجميع العلوم ومنها علم القواعد الفقهية, فالقواعد المنطقية ليست شيئا خاصا بعلم المنطق, بل هي آلة وأداة (لا بدّ منها لصيانة الفكر عن الوقوع في الخطأ لدى تعرّفه على الحقائق في أي علم من العلوم, فهي ضوابط وقواعد, وقوانين وأصول استدلالية صحيحة تعصم الفكر عن الانزلاق إلى فهمٍ فاسدٍ والحالُ أنه يتصوره أو يعتقده فهما صحيحا كاشفا للحقيقة أو لجزءٍ منها) [SUP][1][/SUP].
ولدى المقارنة بين القاعدة الفقهية والقاعدة المنطقية, قد نلمس التشابه أو التطابق بينهما في بعض الوجوه, وهذا واضح من استخدام تعبير (القضية الكلية) في عدد من تعريفات القاعدة الفقهية, كما سبق في المبحث الأول المتعلق بتعريف القاعدة الفقهية, فقالوا مثلا عنها: (هي قضية كلية يُتعرف منها أحكام جزئياتها) [SUP][2][/SUP].


فوصف "القاعدة" بكلمة "قضية كلية" هو اصطلاح منطقي, يظهر انطباقه على القاعدة الفقهية في ضوء التوضيح التالي:
أولا: ما يتعلق بكلمة "قضية"
القضية في علم المنطق هي الجملة التامة الخبرية المشتملة على حكمٍ موجِبٍ أو سالبٍ. وأقل ما تتألف منه القضية المنطقية, مفردتان: مبتدأ وخبر, أو فعل وفاعل, أو ما يقوم مقام كل منهما. [SUP][1][/SUP]
فقولنا: الثلج ماء متجمد, أو: أشرقت الشمس. يسمى: قضية موجِبة.
وقولنا: الثلج ليس حارّا, أو: لم تشرق الشمس. يسمى قضية سالبة [SUP][2][/SUP].
وتقييد " القضية المنطقية " بكونها "جملة خبرية": احتراز عن الجمل الإنشائية كالأمر والنهي فإنها لا تسمى "قضايا" في علم المنطق, لأن القضية المنطقية هي التي تحتمل الصدق والكذب, ولا يتحقق ذلك إلا في الجُمل الخبرية, أي التي تُخبر عن ثبوت شيء لشيء أو نفيه عنه سواء تم هذا الإخبار بالجملة الاسمية أو الفعلية. أما الجمل الإنشائية فليس فيها إخبار عن شيء ما, ولذا فهي لا تحتمل الصدق والكذب. [SUP][3][/SUP]
وسميت الجملة الخبرية المشتملة على حكمٍ موجِبٍ أو سالبٍ: قضية, لاشتقاقها من القضاء, وهو الحكم. وظاهرٌ أن كل جملة خبرية لا بد أن تتضمن حكما موجِبا أو سالبا. [SUP][4][/SUP]
هذا ما يتعلق بتعريف (القضية المنطقية), ويظهر وجه اتفاقه أو اختلافه في الانطباق على كلمة "قضية" في تعريف القاعدة الفقهية حسب ما يلي:

- القضية في القاعدة الفقهية: مكونة أيضا من جملة خبرية مشتملة على حكمٍ موجِبٍ أو سالبٍ, مثل: الأمور بمقاصدها. الضرر لا يزال بمثله. يُختار أهون الشرّين. لا يُنسَب إلى ساكتٍ قولٌ.
فهذه قواعد فقهية مكوّنة من جملٍ تشتمل على حكمٍ موجِبٍ أو سالبٍ. وتسمى هذه الجملُ " خبرية " بالاصطلاح المنطقي (وإن كان فيها جُمل فعلية) لأنها تُخبر عن ثبوت حكمٍ لشيءٍ أو نفيه عنه.
- القضية في القاعدة الفقهية لا تحتمل الصدق والكذب, لأن قضايا القواعد الفقهية هي أحكام شرعية, بخلاف القضايا المنطقية كما سبق بيانه.
- القضية عند المناطقة تنقسم إلى قضية حَمْلية, وقضية شرطية:
فالقضية الـحَمْلية : هي ما حُكم فيها بثبوت شيء لشيء أو نفيه عنه, أو هي التي يُحكم فيها بعلاقة موجبة أو سالبة بين مُسنَدٍ ومسنَد إليه. مثل "الله ربّنا", "الصدق ممدوح", و"الله لا شريك له", "المؤمن ليس بكذّاب" [SUP][1][/SUP]. وضابط القضية الـحَملية: أن ينحلّ طرفاها إلى جزءين مفردين ولا يكون الحكم فيها مرتبطا بحكمٍ آخر ولا مشروطا به [SUP][2][/SUP].
والقضية الشرطية : هي ما تركبت من جزأين رُبط أحدهما بالآخر بأداة ربط (أداة شرط, أو أداة ترديد).
وبعبارة أخرى: القضية الشرطية هي التي يكون الحكم فيها مرتبطاَ ارتباطاَ شرطيا بحكم آخر, مثل: (إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود).

أو يكون الحكم فيها متردّدا بين احتمالين فأكثر. والأداة التي تُستعمل للترديد: حرف"إما", وقد يُستعمل حرف "أو" وقد يستعمل غير ذلك.
ومن أمثلة هذا النوع: قوله تعالى: {إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِرا وَإِمّا كَفُورا} [الإنسان: 3] وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث: " مَثَل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير : فحامل المسك: إما إن يُحذيَك, وإما أن تبتاع منه, وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكِير إما أن يُحرق ثيابك, وإما أن تجد منه ريحا خبيثة" [SUP][1][/SUP]. وضابط القضية الشرطية: أنه لو حُذف منها أداة الربط, انحلّ طرفاها إلى قضيتين حمليتين. [SUP][2][/SUP]

---------------------------------------------
[1] انظر ضوابط المعرفة للشيخ عبد الرحمن حبنكة ص9 .
[2] انظر (مبحث تعريف القاعدة الفقهية) من هذه المقدمة الأولى.
[1] انظر ضوابط المعرفة ص 21 و68-69 .
[2] المرجع نفسه ص 20-21 .
[3] المرجع نفسه ص 68-69 .
[4] المرجع نفسه ص 68-69 .
[1] انظر تسهيل المنطق ص37 ، وضوابط المعرفة ص78، 81، والقواعد الكلية لمحمد شبير ص13.
[2] انظر تسهيل المنطق ص37 .
[1] رواه البخاري 7/96 (5534) ، ومسلم 4/2026 (2628) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وانظر تسهيل المنطق ص37، وضوابط المعرفة ص78 و81 و96 و98 و99؛ والسلم الـمُنَوْرَق في علم المنطق للأخضري، ص82.
[2] انظر تسهيل المنطق ص37 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

وهذان القسمان المذكوران للقضية المنطقية (أي الحَملية والشرطية), نجدهما أيضا في القواعد الفقهية, فلا تخلو صيغها أيضا من كونها إما حملية, أو شرطية.
فمن أمثلة القضايا الحملية في القواعد الفقهية, كل القواعد التي جاءت بغير الصيغ الشرطية, ومنها القواعد الخمس الكبرى:
الأمور بمقاصدها .
اليقين لا يزول بالشك .
المشقة تجلب التيسير .
الضرر يزال .
العادة محكمة .

ومن أمثلة القضايا الشرطية في القواعد الفقهية, ما يلي:
أ- أمثلة للقواعد الشرطية الواردة بأداة شرط:
- الأمر إذا ضاق اتسع . ( مجلة الأحكام المادة: 18 ).
- إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت . ( مجلة الأحكام المادة: 41 ).
- إذا سقط الأصل سقط الفرع . ( مجلة الأحكام المادة: 50 ).
- كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة . [SUP][1][/SUP]
ب- أمثلة للقواعد الشرطية الواردة بأداة ترديد:
- يستحق الربح إما بالمال وإما بالعمل وإما بالضمان . [SUP][2][/SUP]
- الأصل أن الضمانات في الذمة لا تجب إلا بأحد أمرين: إما بأخذ وإما بشرط, فإذا عُدما لم تجب/ [SUP][3][/SUP] .
- الشرط إما أن يقتضيه العقد أو لا. فإن كان اقتضاه فهو صحيح؛ وإن لم يقتضه العقد: فإما أن يكون من مصلحته أو لا. فإن كان من مصلحته فهو صحيح؛ وإن لم يكن من مصلحة العقد: فإما أن يتعلق به غرض أو لا. فإن كان لم يتعلق به غرض فالمختار صحة العقد وإلغاء الشرط؛ وإن تعلق غرض لأحدهما وليس من مصلحة العقد بطل الشرط( 4)^78447^ .
- من أتى معصية لا حدَّ فيها ولا كفارة عُزِّر, أو فيها أحدهما (أي فيها حد أو كفارة) فلا/ [SUP][1][/SUP] , أي فلا يعزر.
كل قضية منطقية لا بد أن يتعلق الحكم فيها بمقدار من الأفراد, واحدا كان فما فوق. [SUP][2][/SUP] ويُفهم من هذا أن القضية المنطقية قد يقتصر انطباقها على فردٍ واحدٍ فقط. وهذا بخلاف القضية في القاعدة الفقهية فهي لا بد أن تنطبق على أكثر من فردٍ واحد, وإلا أصبحت حكما جزئيا لا قاعدة فقهية. وعلى هذا الأساس أضيفت كلمة "كلية" وصفا لـ"القضية" في تعريف القاعدة الفقهية.
القضية المنطقية قد تكون "شخصية" وهي التي يكون المحكوم عليه فيها معيَّنا مخصوصا غير قابل للشركة, سواء كان فردا واحدا معيّنا أم أفرادا متعددين معيّنين, لأن تعيينهم يجعلهم بمثابة الفرد الواحد المعيّن, لكون اللفظ الدال عليهم منحصرا فيهم وحدهم, [SUP][3][/SUP] مثل: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. (قضية معيّنة خاصة بفردٍ واحد).
الخلفاء الراشدون خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [SUP][4][/SUP]. (قضية معيّنة تتعلق بأفراد متعددين, لكنها مع ذلك تسمى "معيّنة" لكون أفرادها معيّنين محصورين ولا يشاركهم فيها غيرهم, فهم بمثابة الفرد الواحد المعيّن).
فالقضية المعيّنة (سواء كانت خاصة بفردٍ واحد أم بأفراد متعددين معيّنين), تسمى في اصطلاح المناطقة: قضية شخصية [SUP][5][/SUP].
وهذا بخلاف القضية في القاعدة الفقهية فهي ليست معيّنة مخصوصة شخصية, بل لا بد أن تكون غير معيّنة وهو ما يعبّر عنه بأن القاعدة الفقهية تتصف بـ"التجريد والعموم".
ومعنى ذلك أن القاعدة الفقهية غير موجّهة إلى شخص أو أشخاص بذواتهم ولا إلى وقائع معيّنة بذاتها, بل هي تتناول أفعال المكلّفين بصفاتهم لا بأعيانهم, كما أن العبرة فيها بعموم لفظها ومضمونها وهو ما يعبّر عنه بـ"مناط القاعدة" الذي ينطبق على جزئيات غير محدّدة وغير محصورة. [SUP][1][/SUP]
القضايا عند المناطقة باعتبار الكمّ, لها ثلاثة أنواع: [SUP][2][/SUP]
- أن تكون القضية مسوَّرةَ بما يدل على أن الحكم فيها يشمل جميع أفراد الكلّيّ مهما كثرت الأفراد, وذلك بأن تأتي بلفظ "كل", أو بحرف "لا" ونحوه الدال على النفي المستغرق لجميع الأفراد. وهذا النوع يسمى عند المناطقة: "قضية كلية", سواء كانت موجبة أو سالبة.
ومن أمثلة ذلك, قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ} [الرحمن: 26] . {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] . {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مّا عَمِلَتْ} [الزمر: 70] . {لاَ غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ} [الأنفال: 48] .
- أن تكون القضية مسوَّرة بما يدلّ على الجزء والتبعيض, أي مقترنة بما يدلّ على أن الحكم فيها يشمل جزءا أو بعضا من أفراد الكلّي من دون تعيين أو تحديد لتلك الأفراد.
والألفاظ التي تدل على التبعيض مثل: "بعض" أو "فريق" أو "أكثر" أو "كثير" أو "قليل" أو حرف "مِن" التبعيضية. وهذا النوع يسمى عند المناطقة: "قضية جزئية" لكونها تتعلق بجزء أو بقسم من الأفراد بدون تعيين وتحديد, وليس معنى "جزئية" أنها تتعلق بفردٍ واحد فقط.
ومن أمثلة ذلك, قوله تعالى: {وَما بَعْضُهُم بِةابِعٍ قِبْلَة بَعْضٍ} [البقرة: 145] . {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7] . {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} [البقرة: 243] . {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] .
- أن تكون القضية غير مسوَّرة بأي سُور, أي غير مقترنة بما يدل على شمول الحكم لكل الأفراد ولا ما يدل على شموله لبعض الأفراد من غير تعيين, بل تأتي صيغتها خالية عن السور الكلي أو البعضي. وهذا النوع يسمى عند المناطقة: "قضية مهملة" [SUP][1][/SUP].
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {لا يَسْأَمُ الإِنسانُ مِن دُعاء الْخَيْرِ} [فصلت: 49] . وقولنا: الرجال أقوى على الحرب من النساء.
هذا ما يتعلق بأنواع القضايا الثلاث باعتبار الكمّ عند المناطقة. ونجد هذه الأنواع أيضا في القواعد الفقهية.

---------------------------------------------
[1] الفروق 2/33 وموسوعة البورنو 7/520 .
[2] موسوعة القواعد الفقهية الحاكمة للمعاملات المالية للندوي ص266، وانظر بدائع الصنائع 6/62، ومجلة الأحكام/مادة 1347.
[3] موسوعة البورنو 2/32؛ وأصول الكرخي ص 165- ملحق بكتاب تأسيس النظر للدبوسي تحقيق مصطفى القباني - نشر دار ابن زيدون ببيروت ومكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة.
[4] موسوعة البورنو 6/90 نقلا عن المجموع المذهب لوحة 322 أ؛ القواعد للحصني 4/141.
[5] موسوعة البورنو 6/90 نقلا عن المجموع المذهب لوحة 322 أ؛ القواعد للحصني 4/141.
[6] موسوعة البورنو 6/90 نقلا عن المجموع المذهب لوحة 322 أ؛ القواعد للحصني 4/141.
[1] موسوعة البورنو 8/629؛ والأشباه للسيوطي ص 489.
[2] انظر ضوابط المعرفة ص 69 .
[3] انظر ضوابط المعرفة ص 69و72 .
[4] انظر ضوابط المعرفة ص 83 .
[5] انظر ضوابط المعرفة ص 69 .
[1] انظر القواعد الكلية لشبير ص 14 .
[2] - انظر ضوابط المعرفة ص 69-70 و83-85 .
[1] سُميت بهذا الاسم، لأنها جاءت مهملة أي خالية من أي سُور كلي أو بعضي.
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

هذا ما يتعلق بأنواع القضايا الثلاث باعتبار الكمّ عند المناطقة. ونجد هذه الأنواع أيضا في القواعد الفقهية.
فمن أمثلة القضايا الكلية الواردة بسُور "كل" في القواعد الفقهية, القواعد المشهورة باسم "الكليات" ومن أمثلة هذه القواعد:
- كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل/ [SUP][2][/SUP] .
- كل تعليل يتضمن إبطال النص باطل [SUP][3][/SUP] .
- كل جهالة لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع جواز العقد/ [SUP][1][/SUP] .
- كل حكم شرعي لا بد له من سبب شرعي/ [SUP][2][/SUP] .
ومن أمثلة القضايا الكلية التي جاءت بالنفي المستغرق, في القواعد الفقهية:
- لا مساغ للاجتهاد في مورد النص . ( مجلة الأحكام المادة 1 5)
- لا ضرر ولا ضرار . ( مجلة الأحكام المادة 1 5)
- لا عبرة بالظن البين خطؤه . ( مجلة الأحكام المادة 25)
- لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل . ( مجلة الأحكام المادة 35)
- لا عبرة بالتّوهّم . ( مجلة الأحكام المادة 45)
- لا ثواب إلا بالنِّيّة . [SUP][3][/SUP]
- لا واجب مع عجز, ولا حرام مع ضرورة/ [SUP][4][/SUP] .
- لا حكم للنّادر/ [SUP][5][/SUP] .
- لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق/ [SUP][6][/SUP] .

ومن أمثلة القواعد الفقهية التي ينطبق عليها مصطلح "القضايا الجزئية" وفق ما تقرر في الاصطلاح المنطقي:
- البعض معتبر بالكل [SUP][1][/SUP] .
- من قدر على بعض الشرط لزمه [SUP][2][/SUP] .
- للأكثر حكم الكل/ [SUP][3][/SUP] .
ومن أمثلة القواعد الفقهية, التي ينطبق عليها مصطلح "القضايا الـمهملة" بالتعبير المنطقي (أي الصيغ القواعدية التي جاءت خالية عن اقترانها بالسُّور الكلي أو البعضي):
- صيغ القواعد الخمس الكبرى: ( الأمور بمقاصدها . اليقين لا يزول بالشك . المشقة تجلب التيسير . الضرر يزال . العادة محكمة ).
- وكذلك صيغ أخرى عديدة من قواعد المجلة, ومنها:
- الأصل بقاء ما كان على ما كان . ( المجلة المادة 5)
- الاجتهاد لا يُنقض بمثله . ( المجلة المادة1 5).
- الضرورات تبيح المحظورات . ( المجلة المادة 15).
- البقاء أسهل من الابتداء . ( المجلة المادة5 5).
ثانيا: ما يتعلق بكلمة "كلية":
الكلي عند المناطقة: هو كل مفهوم ذهني لا يمنع تصوُّرُه من وقوع الشركة فيه وإن كان لا يصدُق في الواقع إلا على فردٍ واحدٍ فقط, أو لا يوجد له في الواقع أيُّ فردٍ مطلقا. [SUP][4][/SUP]


فمن أمثلة الكليّ: إنسان, شمس, قمر, عنقاء, شريك الباري سبحانه وتعالى.
ومن هذه الأمثلة نلاحظ أن بعض ما هو "كلّي" في التصور قد لا يكون له في الواقع إلا فردٌ واحدٌ فقط, مثل مفهوم كلمة: (شمس) وكلمة (قمر), فإننا لا نعرف مثلا لكوكبنا الأرضي إلا شمسا واحدة وقمرا واحدا, لكن التصور الذهني لا يمنع من وجود شمس أخرى غير هذه الشمس, وقمرٌ آخر غير هذا القمر. وحين يوجد ذلك فإنه يشترك في الاسم, فيُطلق عليه أيضا.
ونلاحظ أيضا في الأمثلة السابقة أن بعض ما هو "كلّي" في التصور لا يوجد منه في الواقع أيُّ فردٍ مطلقا, مثل مفهوم كلمة "عنقاء" فإنه اسم لطائر وهمي غير موجود في الواقع, ولكن لا يمنع العقل وجود أفرادٍ له لو وُجدت, فوجودها ممكن عقلا لكن لم يوجد في الواقع.
بل من "الكلي" في اصطلاح المناطقة, ما هو كلي في التصور لكن يحكم العقل باستحالة وجود أيّ فردٍ من أفراده في الواقع, مثل: "شريك الباري سبحانه وتعالى", فهذا المفهوم وإن كان كليا في التصور لكن يستحيل عقلا وجود أي فردٍ له في الواقع.
هذا ما يتعلق بمفهوم "الكلي" عند المناطقة. لكنه لا ينطبق بتمامه على القاعدة الفقهية, فإنه ليس من المتصور أن تكون "القضية الكلية" في القاعدة الفقهية, هي ما لا يوجد لها في واقع التطبيق إلا فردٌ واحدٌ أو لا يوجد لها أيُّ فرد على الإطلاق, بل لا بد أن تنطبق تلك القضية الكلية على أكثر من فردٍ واحدٍ في الواقع, وإلا لا يصح أن تسمى "قاعدة فقهية".
وبناء على هذا يمكن أن يقال: إن مفهوم " الكلية " في مضمون القاعدة الفقهية: هو القضية المحكوم على جميع أفرادها وإن كان يتخلف ويخرج عنها بعض الجزئيات لأسباب, [SUP][1][/SUP] أي فالأصل في القاعدة أن تكون مطّردة, أي تنطبق على كل جزئياتها دون تخلف جزئية منها. لكن لوحظ أن القواعد الفقهية لا تطّرد في الأغلب اطرادا تاما, بل يتخلف عنها بعض الجزئيات, فلا حرج في ذلك ولا تنتفي بذلك عنها صفة "الكلية" [SUP][2][/SUP], "لأن الأمر الكلي إذا ثبت فتخلُّف بعض الفروع عن مقتضاه لا يُخرجه عن كونه كليا, لأن هذه المتخلفات أو الاستثناءات الجزئية لا يجتمع منها كلي, يعارض الكلي الثابت في نفس القاعدة" [SUP][3][/SUP].


---------------------------------------------
[2] الأشباه للسيوطي ص 285 وموسوعة البورنو 7/364.
[3] القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص 492؛ وموسوعة البورنو 7/374.
[1] القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص 492؛ وموسوعة البورنو 7/377.
[2] الفروق 3/144؛ وموسوعة البورنو 7/394.
[3] الأشباه لابن نجيم ص 6؛ وموسوعة البورنو 8/861.
[4] إعلام الموقعين 2/48؛ وموسوعة البورنو 8/932.
[5] المبسوط 3/149؛ وموسوعة البورنو 8/867.
[6] رواه الطبراني في المعجم الكبير 18/170 (381) ؛ وابن أبي شيبة في مصنفه 18/247 (34406) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه به ، ورواه أحمد 34/251 (20653) ، 34/253 (20656) والطبراني في الكبير 18/165 (367) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه بلفظ: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله ) ، وهو مروي من حديث غيره من الصحابة ، وقال الهيثمي في المجمع 5/226 : رواه أحمد بألفاظ والطبراني باختصار ، وفي بعض طرقه: " «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» " ورجال أحمد رجال الصحيح .
[1] موسوعة البورنو 3/47.
[2] المغني 1/126 و298؛ وموسوعة البورنو 8/954.
[3] المبسوط 2/54؛ والقواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص 118، 141.
[4] انظر ضوابط المعرفة ص 35 .
[1] انظر القواعد الفقهية للباحسين ص20؛ والقواعد الكلية لشبير ص 13 .
[2] انظر القواعد الكلية لشبير ص 13-14 .
[3] القواعد الكلية لشبير ص 14 .
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

المبحث السادس عشر
الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة العقدية
يفهم من تسمية " القواعد العقدية ", أن موضوعها هو القضايا الاعتقادية التي تبنى عليها وتتكون منها العقيدة الإسلامية. وهي تسمى "قواعد" لما تتسم به من الثبات والاستمرار.
وقد تسمى هذه القواعد أيضا بـ" القواعد الكلامية ", نسبة إلى " علم الكلام ", وهو العلم الذي يدرس مسائل العقيدة وما يدخل فيها أو يتصل بها من قضايا عقلية وفكرية, بما في ذلك محاججة المخالفين وذوي الشبهات والرد عليهم...
وهذه طائفة من هذا النوع من القواعد:
أسماء الله وصفاته لا تثبت بغير القرآن والسنة. [SUP][1][/SUP]
دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة وبالالتزام. [SUP][2][/SUP]
أسماء الله تعالى توقيفية. [SUP][3][/SUP]
ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار المعنى ومجهولة باعتبار الكيفية. [SUP][1][/SUP]
باب الصفات أوسع من باب الأسماء. [SUP][2][/SUP]
صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها. [SUP][3][/SUP]
من أنكر ما ثبت بالتواتر والإجماع فهو كافر بعد قيام الحجة عليه. [SUP][4][/SUP]
الواحد المعيّن لا يكفر إلا بعد قيام الحجة التي يكفر تاركها. [SUP][5] [/SUP]
وهناك طائفة من القواعد الكلامية قد تغلغلت في علم أصول الفقه, ومن أمثلتها:
الحسن والقبح عقلي إضافي تابع للشرع لا عقلي ذاتي منشئ له. [SUP][6][/SUP]
هذه القاعدة من القواعد الكلامية الأصولية. فهي أصلا من القواعد الكبار في علم الكلام, راجعة إلى أن الله تعالى لا يحكم إلا على ما هو حسن أو قبيح في ذاته, وأن حكم الله ملزومهما, وينشأ عن ذلك مسائل كثيرة يتنازع فيها المتكلمون الأشاعرة والمعتزلة, ومن هذه المسائل المبنية على التحسين والتقبيح: حسن الأقوال وقبحها, وحسن العدل والتوحيد والصدق, وقبح الظلم والشرك والكذب, ومسألة خلق أفعال العباد, وتعليل أفعاله تعالى بالحِكم والأغراض. [SUP][7][/SUP]
وهي أيضا من القواعد الكبرى في أصول الفقه التي تدل على مدى تأثر أصول الفقه بعلم العقائد (الكلام), ويتفرع عليها جمعٌ من المسائل الأصولية المتعلقة بمباحث الحكم التكليفي مثل: أحكام الأفعال والأعيان قبل البعثة, ومثل كون الأمر الإلهي يقتضي حُسن المأمور به, وكذلك النهي الإلهي يقتضي قبح المنهي عنه, وغير ذلك من المسائل المتعلقة بالحكم [SUP][1][/SUP].
فهي قاعدة عقائدية باعتبار تعلقها بالحسن والقبح المتعلق بأفعال الله تعالى, وأصولية باعتبار آخر وهو علاقتها بمباحث الحكم الشرعي [SUP][2][/SUP], وإلى ارتباطها بهذين العلمين يشير التفتازاني بقوله: "هذه المسألة من أمهات مسائل الأصول, ومهمات مباحث المعقول والمنقول [SUP][3][/SUP]".
الواجب على كل أحد معرفة الله بالأدلة الدالة عليه, ولا يكفي التقليد في ذلك [SUP][4][/SUP].
وهي التي يُعبَّر عنها بقاعدة (وجوب النظر والاستدلال على كل مكلف [SUP][5][/SUP]), أي أن "معرفته جلّ وعلا أولُ واجب لنفسه على المكلف, بالنظر في الوجود والموجود [SUP][6][/SUP]". وهي قاعدة مفرعة على قاعدة التحسين والتقبيح السابقة [SUP][7][/SUP].

والمراد بالنظر : التفكر في حقائق الأشياء لاستخراج الحكم بالاعتبار ليصل بذلك إلى العلم بالمعلومات, أو العلم بوجود الصانع. ومسألة وجوب النظر ابتدأها المتكلمون في مصنفاتهم في العقائد, لأنها عندهم أول ما يجب على العاقل, ولأن معرفة الله واجبة, ولا يمكن تحصيلها - عندهم - إلا بالنظر, وما يتوقف الواجب المطلق عليه وكان مقدورا للمكلف فهو واجب [SUP][1][/SUP]. و الباقلاني أول من عُرف بنقل هذه المسألة إلى أصول الفقه... ثم انتقلت هذه المسألة إلى أكثر مؤلفات الأصول [SUP][2][/SUP].

---------------------------------------------
[1] - الحلـيّة بشرح القضايا الكلية للاعتقاد في الكتاب والسنة لعيسى مال الله فرج ص 49 .
[2] - المرجع نفسه ص 51 .
[3] - المرجع نفسه ص 52.
[1] الحلـيّة بشرح القضايا الكلية للاعتقاد في الكتاب والسنة ص 49 .
[2] المرجع نفسه ص54.
[3] الحلـيّة بشرح القضايا الكلية للاعتقاد في الكتاب والسنة ص 55 .
[4] القواعد الحسان من كلام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية لمحمد بن عبد العزيز المسند (قواعد عقدية) ص7 .
[5] القواعد الحسان (قواعد عقدية) ص8 .
[6] نظرية التقعيد الأصولي للبدارين ص 437؛ وانظر المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 73؛ والأشباه لابن السبكي 2/20؛ والقواعد الأصولية عند الشاطبي ص 101 .
[7] انظر المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 73؛ ونظرية التقعيد الأصولي ص 448؛ والتحسين والتقبيح وأثرهما في مسائل أصول الفقه لعايض بن عبد الله الشهراني 1/261-275.
[1] انظر نظرية التقعيد الأصولي ص 437؛ والمسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 73؛ والتحسين والتقبيح 1/261-275 .
[2] انظر نظرية التقعيد الأصولي ص 448، والتحسين والتقبيح 2/261- 275 .
[3] التلويح على التوضيح للتفتازاني 1/324؛ وانظر نظرية التقعيد الأصولي ص 448؛ والتحسين والتقبيح1/262 .
[4] فتح الباري 13/ 349.
[5] انظر المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 22؛ والتحسين والتقبيح 1/480؛ وشرح الكوكب المنير 1/308؛ وفتح الباري 13/349؛ والمفهم للقرطبي 1/97 .
[6] شرح الكوكب المنير 1/308 .
[7] انظر التحسين والتقبيح 1/480-481 .
[1] انظر الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به للباقلاني ص 22 .
[2] انظر المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 62 .
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

شكر المنعم واجب [SUP][3][/SUP].
هذه قاعدة كبرى مقررة عند علماء العقيدة وعلماء الأصول. وهي تتفرع أيضا عن قاعدة التحسبن والتقبيح السابقة [SUP][4][/SUP].
لا حكم لأفعال العقلاء قبل ورود الشرع . ومثلها قاعدة أخرى: لا حكم للأعيان قبل ورود الشرع [SUP][5][/SUP] .
هذه أيضا قاعدة أصولية متفرعة عن قاعدة التحسين والتقبيح السابقة [SUP][6][/SUP].
لا تكليف بما لا يطاق . وبصيغة أخرى: لا يجوز التكليف بما لا يطاق عقلا ووقوعا [SUP][7][/SUP] .

هذه القاعدة فرع عن مسألة الاستطاعة, وهي قدرة العبد وطاقته. وهذه المسألة من مسائل علم الكلام, فإن المتكلمين في أصول الدين تنازعوا في الفاعل المختار: هل يجب أن تكون إرادته قبل الفعل ويمتنع مقارنتها له, أم يجب مقارنة إرادته للفعل, أم يجوز كل من الأمرين؟ ثم انتقل نزاعهم إلى القدرة, وهي الاستطاعة: هل يجب مقارنتها للمقدور؟ أم يجب تقديمها على المقدور؟ أم تتصف بالتقدم والمقارنة [SUP][1][/SUP]؟
والمصنفون في أصول الفقه من المتكلمين نقلوا هذا النزاع من علم الكلام إلى أصول الفقه. فأوردوا هذه القاعدة في باب الأوامر والنواهي, عند الكلام على شروط الفعل المكلَّف به, وأن من شروطه أن يكون ممكنا مقدورا للمكلف, فلا تكليف بمحال, إذ لا يليق بالحكيم بناء على الحسن والقبح العقليين أن يطلب من عباده فعل ما يستحيل عليهم فعله.
وعلى هذا فهي راجعة أيضا إلى قاعدة التحسين والتقبيح السابقة [SUP][2][/SUP].
الأمر بالفروع لا يتوقف على حصول الإيمان [SUP][3][/SUP] . وبصيغة أخرى: الكفار غير مكلفين بفروع الشريعة [SUP][4][/SUP] :
هذه القاعدة متفرعة في أصلها عن قاعدة التكليف بما لا يطاق, وموضع هذه القاعدة في كتب الأصول في بحث كون المأمور به هل هو صالح لتناول الكافر كتناوله للمسلم ؟ ويعبّر بعض الأصوليين عن هذه المسألة بقوله: هل الكفار محاسبون على فروع الشرائع ؟ بمعنى أنهم كما يعاقبون يوم القيامة على ترك الإيمان, فهل كذلك يعاقبون على عدم إتيانهم بالصلاة والزكاة [SUP][5][/SUP]؟

وهذه المسألة حقها أن تكون من مسائل علم الكلام, إذ كما يقول الرازي: لا أثر لهذا الاختلاف -أي اختلاف الأئمة في أن الكفار مخاطبون بالفروع- في الأحكام المتعلقة بالدنيا, وإنما تظهر فائدته في الأحكام الأخروية وهي أنه: هل يزاد عقاب الكافر بسبب تركه لهذه العبادات [SUP][1][/SUP]؟. وهذه المسألة تشبه مسألة رؤية الكفار لربهم يوم القيامة. وهاتان المسألتان من مسائل الكلام [SUP][2][/SUP].
فهذه نماذج من القواعد العقائدية أو الكلامية التي ظهرت صلتها بوضوح بعلم أصول الفقه.
---------------------------------------------
[3] الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية للريسوني ص 54؛ وانظر نظرية التقعيد الأصولي ص 452؛ والمسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 82 .
[4] انظر الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية ص 54؛ ونظرية التقعيد الأصولي ص 456 -457؛ والمسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 82؛ والتحسين والتقبيح 1/481-488 .
[5] انظر نظرية التقعيد الأصولي ص 456؛ وانظر المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 82 .
[6] انظر نظرية التقعيد الأصولي ص 456 -457؛ والمسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص82؛ والتحسين والتقبيح 2/98-122 .
[7] انظر نظرية التقعيد الأصولي ص 499 و451؛ وانظر المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 135.
[1] انظر المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 131-132.
[2] انظر المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 131-132؛ ونظرية التقعيد الأصولي ص 451 والتحسين والتقبيح 2/123-148 .
[3] انظر المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 97 .
[4] نظرية التقعيد الأصولي ص 513 .
[5] انظر نظرية التقعيد الأصولي ص 513؛ والمسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص93-95؛ والتحسين والتقبيح 2/224-227 .
[1] انظر المحصول للرازي 2/413.
[2] انظر: المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص 95 .
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

ومن القواعد العقائدية أو الكلامية ما يتخرج عليه تطبيقات فقهية.
وقد اهتم ابن السبكي بهذا النوع من القواعد الكلامية التي ينبني عليها فروع فقهية, فخصص لها قسما من كتابه "الأشباه والنظائر". فمنها:
قاعدة: الحسن والقبح السابق ذكرها, وقررها ابن السبكي بقوله: الحسن والقبح شرعي لا عقلي [SUP][3][/SUP]:
ومن مسائلها:
إسلام الصبي المميز لا يصح, لأن صحته فرع تقدم الإلزام به, ولا إلزام على الصبي شرعا. وقال أبو حنيفة : يصح بناء على أن العقل يوجب على الصبي والبالغ العاقلين.
لا ينعقد نذر صوم العيد وأيام التشريق, فلا يصح صومه للنهي عنه. خلافا ل أبي حنيفة . لأنه يقول: إن مطلق الصوم عبادة, فيكون حسنا, فيستحيل أن يُنهى عنه لعينه, فيجب صرف النهي إلى أمرٍ وراءه كترك إجابة الداعي مثلا.
شهادة بعض أهل الذمة على بعض لا تُقبل. خلافا لأبي حنيفة لأنه يقول: المانع من القبول تهمة الكذب, وقبح الكذب ثابت عقلا, فكل متمسكٍ بدينٍ يجتنبه [SUP][1][/SUP].
وهذا مثال آخر من أمثلة القواعد الكلامية التي تتخرج عليها مسائل فقهية:
قاعدة: لا يزول الإيمان المتعيّن بالشك [SUP][2][/SUP].
فمن المسائل التي تتفرع عليها: "من سبّ أبا هاشمي [SUP][3][/SUP]عُزّر على ذلك, ولا يُجعل ذلك سبّا للنبي صلى الله عليه وسلم. ولو سبّ أباه و جدَّه لم يُحمل على النبي صلى الله عليه وسلم, فإن اللفظ ليس ظاهرا في ذلك إذ الجد المطلق هو أبو الأب, وإذا سمي العبد جدّا, فأجداده كثيرة, فلا يتعين واحد. وسبُّ النبي صلى الله عليه وسلم كفرٌ يوجب القتل, فلا يزول الإيمان المتعين بالشك و لا يباح الدم المعصوم بالشك , لا سيما والغالب من حال المسلم هو أن لا يقصد النبي صلى الله عليه وسلم. فلا لفظُه ولا حالُه يقتضي ذلك, ولا يُقبل عليه قول من ادّعى أنه قَصَد الرسول, بلا حجة" [SUP][4][/SUP].
وقد تؤدي القاعدة العقائدية إلى فروع عقائدية أخرى, أو فضائل إيمانية وإنسانية, وإن لم تشتمل على فروع فقهية.
فمن القواعد العقائدية التي يظهر أثرها في اكتساب فضائل إنسانية: "الرزق إذا كان قد سبق تقديره لم يُغن التعنّي في طلبه, وإنما شرع الاكتساب لأنه من جملة الأسباب التي اقتضتها الحكمة في دار الدنيا" [SUP][1][/SUP]. ففي تلك القاعدة حثُّ قوي على القناعة, وزجر شديد عن الحرص, وهذا يتناسب مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم "جَفّ القلم بما أنت لاقٍ" [SUP][2][/SUP].
وخلاصة: يمكن التفريق بين القواعد الفقهية والقواعد العقائدية بما يلي:
1- مجال القواعد الفقهية: هي الدراسات الفقهية دون غيرها. أما مجال القواعد العقائدية فهو مباحث العقيدة وعلم الكلام, ولكن لها مشاركات وامتدادات إلى علوم أخرى كعلم أصول الفقه والمنطق واللغة.
2- القواعد الفقهية قواعد كلية تتعلق بالأحكام الفقهية العملية. أما القواعد العقائدية فهي بمثابة مبادئ ثابتة راسخة في العقيدة, وقد تتفرع عنها فروع وآثار في التطبيق الفقهي.
3- القاعدة الفقهية قد يكون مبناها على العُرف أو المصلحة, فتتغير بتغير العرف والظروف والأحوال. أما القاعدة العقائدية فلا تتغير بتغير الأعراف ولا المصالح, بل هي ثابتة أبدا, لكونها تتعلق بمتعلقات ثابتة, وأما مصدرها فالنقل والعقل.
---------------------------------------------
[3] الأشباه لابن السبكي 2/20 . وانظر أيضا" التحسين والتقبيح 1/500- 505، فقد أورد جميع المسائل الآتية مخرجة على هذه القااعدة لبيان ارتباط هذه القاعدة (التحسين والتقبيح) بعلم الفقه.
[1] الأشباه لابن السبكي 2/20 .
[2] القواعد الحسان (قواعد عقدية) ص 7؛ ومجموع فتاوى شيخ الإسلام 34/136 .
[3] المراد بالهاشمي من له نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،/ فمن سب أباه يعزر، لكنه لا يعتبر سابا للنبي عليه السلام.
[4] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 34/136 .
[1] فتح الباري 11/489 .
[2] رواه البخاري 7/5 (5076) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

المبحث السابع عشر
الفرق بين القواعد الفقهية والسنن الإلهية

تعريف كلمة " السنن "
إن أصل مادة كلمة "السنن", تدل على جريان الشيء واطراده في سهولة. ومنه قولهم: سننتُ الماء على وجهي أسُنّه سنّا: إذا أرسلته إرسالا. ومما اشتُقّ منه: (السنة) وهي السيرة والطريقة والمثال, وإنما سُمّيت بذلك لأنها تجري جريا, ومنه قولهم: امضِ على سَنَنك, وأقام فلان على سَنَنٍ واحد. وجُعل من هذا الباب أيضا قولهم: سننتُ الحديدة أسُنّها سنّا: إذا أمررتها على السِّنان, وهو الـمِسَنّ الذي يُسَنّ عليه السكين وغيره [SUP][1][/SUP].
ويتلخص مما سبق أن كلمة " السنة " تشير في أصلها إلى وقوع الشيء وحدوثه بطريقة واحدة ثابتة مطّردة.
وفي ضوء هذا يتضح لنا معنى كلمة "سنة الله" أنها بمعنى عادة الله الثابتة في أمرٍ من الأمور, أي أنه سبحانه وتعالى بمقتضى حكمته "يقضي في الأمور المتماثلة بقضاء متماثل لا بقضاء مخالف. فإذا كان قد نَصَر المؤمنين لأنهم مؤمنون, كان هذا موجِبا لنصرهم حيث وُجد هذا الوصف, بخلاف ما إذا عَصَوا ونقضوا إيمانهم..., ولهذا قال: {وَلَنْ ةجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ ةبْدِيلا} [الأحزاب:62] فعَمَّ كلَّ سنة له, وهو يعم سنّةه في خلقه, وأمرَه في الطبيعيات والدينيات. لكن الشأن أن تعرف "سنّته", وحقيقة هذا: أنه إذا نَقَض العادة فإنما ينقضها لاختصاص تلك الحال بوصفٍ امتازت به عن غيره [SUP][1][/SUP]".
السُنن الإلهية :
هي سـنن الله سبحانه وتعالى في التكوين والتقدير والطبائع والغرائز والاجتماع البشري. وهي على نوعين:
- سنن متعلقة بالأمور الطبيعية: كسنة الله في تعاقب الليل والنهار, والشمس والقمر, فهي تجري وفق ناموس محدد قدره الله لها.
- سنن متعلقة بدين الله وأمره ونهيه ووعده ووعيده: مثل سنة الله في التدافع بين الحق والباطل. سنة الله في الفتنة والابتلاء. سنة الله في الظلم والظالمين. سنة الله في الترف والمترفين. سنة الله في الاستدراج [SUP][2][/SUP].
إن كل شيء فى الوجود, يجري ويتفاعل وفق السنن الإلهية أوكلماته الكلية التى ليس فى مقدور قوة فى الوجود أن تغيرها أو تعطل مفعولها فى الكون, كما قال تعالى: {لاَ ةبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ} [يونس: 64] معناه: لا تبديل لقضاء الله الذى يقضيه فى شئون الكائنات [SUP][3][/SUP].
ويتسع معنى "التبديل" هنا ليشمل سنن الله وقوانينه الكونية, ومنها القوانين الكيميائية والفيزيائية وما ينتج عنها من تفاعلات بين عناصر الموجودات, أو تغييرات تطرأ عليها, كتسخين الحديد أو المعادن وتمدّدها بالحرارة, وتجمّدها وانكماشها بالبرودة. فكلمات الله إذن هى عبارة عن قضائه فى الكائنات وقوانينه المطّردة فى الموجودات وسننه النافذة فى المخلوقات. وقد عبر عنها القرآن فى مواضع أخرى بالسنن وهى القوانين التى تخضع لها جميع الكائنات [SUP][1][/SUP].
ومن هذه الكلمات أو القوانين والسنن الإلهية النافذة طوعا أو كرها, قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] . فليس فى مقدور أحد مهما كان أن يعطل هذه السنة الإلهية فيوقف "سيف المنايا" ويجعل كل الأحياء خلودا فى هذه الحياة الدنيا [SUP][2][/SUP].
ومن تلك السنن الإلهية أن الله تعالى أباح للأنبياء أن ينالوا ما أحل الله لهم, فكان من سنته تعالى أن أباح للنبي صلى الله عليه وسلم ما أباحه للأنبياء من قبله, وفي هذا يقول الله تعالى عن نبينا صلى الله عليه وسلم في زواجه ب زينب بنت جحش امرأة زيد بن حارثة رضي الله عنهما بعد مفارقة زيد لها: {مّا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ, سُنَّة اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ, وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا} [الأحزاب: 38] . كأنه قيل: سَنّ الله ذلك سنة في الأنبياء الماضين وهو أن لا يُحرج عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ووسَّع عليهم في باب النكاح وغيره, فكان من سنته تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم التوسعة عليه في النكاح سنة الأنبياء الماضية, كداود / 3وسليمان عليهما الصلاة والسلام [SUP][3][/SUP].
ومن سُنته تعالى كذلك فيمن أرجف بالأنبياء وأظهر نفاقه أن يؤخذ ويُقتل, كما في قوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْةهِ الْمُنافِقُونَ والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجاوِرُونَكَ فِيها إلاَّ قَلِيلا. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا ةقْتِيلا. سُنَّة اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن ةجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ ةبْدِيلا} [الأحزاب: 60, 62] [SUP][1][/SUP].
ولقد جاء هذا المعنى أيضا في قوله تعالى: {اسْتِكْبارا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلّا سُنَّة الأوَّلِينَ فَلَن ةجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ ةبْدِيلا وَلَن ةجِدَ لِسُنَّة اللَّهِ ةحْوِيلا} [فاطر: 43] . ففي قوله تعالى {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلّا سُنَّة الأَوَّلِينَ} إشارة إلى أن اللاحقين من المكذِّبين سيلقون مصير السابقين منهم, وهم إنما ينتظرون العذاب الذي نزل بالكفار الأولين, حيث أجرى الله العذاب على الكفار, وجعل ذلك سُنة فيهم, فهو يعذِّب بمثله من اسةحَقّ, لا يقدر أحد أن يبدل ذلك, ولا أن يحول العذاب عن نفسه إلى غيره [SUP][2][/SUP].
من القواعد العامة لسنن الله تعالى:
أنها تتسم بالعدالة التامة. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئا وَلكِنَّ النّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44] . وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ ما بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11] .
أنها تتسم بالثبات والاطراد والعموم.
وفي هذا يقول ابن تيمية في بيان معنى قوله تعالى: {فَلَن ةجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ ةبْدِيلا وَلَن ةجِدَ لِسُنَّة اللَّهِ ةحْوِيلا} [فاطر: 43] أنه يقضي في الأمور المتماثلة بقضاء متماثل لا بقضاء مخالف. فإذا كان قد نَصَر المؤمنين لأنهم مؤمنون, كان هذا موجِبا لنصرهم حيث وُجد هذا الوصف, بخلاف ما إذا عَصَوا ونقضوا إيمانهم..., ولهذا قال: {وَلَن ةجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ ةبْدِيلا} [الأحزاب: 62] فعَمَّ كلَّ سنة له, وهو يعم سنّةه في خلقه, وأمرَه في الطبيعيات والدينيات. لكن الشأن أن تعرف "سنّته", وحقيقة هذا: أنه إذا نَقَض العادة فإنما ينقضها لاختصاص تلك الحال بوصفٍ امتازت به عن غيره [SUP][1][/SUP]".
ثم قال: "والسنة هي العادة في الأشياء المتماثلة... فإنه سبحانه إذا حكم في الأمور المتماثلة بحكمٍ, فإن ذلك لا ينتقض ولا يتبدل ولا يتحول, بل هو سبحانه لا يُفوّت بين المتماثلين, وإذا وقع تغيير فذلك لعدم التماثل, وهذا القول أشبه بأصول الجمهور القائلين بالحكمة في الخلق والأمر, وأنه سبحانه يسوّي بين المتماثِلَين ويُفرِّق بين المختلفَيْن, كما دل القرآن على هذا في مواضع, كقوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كالْمُجْرِمِينَ} [القلم: 35] . ومن هذا الباب صارت قصص المتقدمين عبرة لنا, ولولا القياس واطّراد فعله وسنّته, لم يصح الاعتبار بها. والاعتبار إنما يكون: إذا كان حكمُ الشيء حكمَ نظيره كالأمثال المضروبة في القرآن [SUP][2][/SUP]".
الفرق بين القاعدة الفقهية والسنن الإلهية:
نستطيع من هذا العرض للسُنن الإلهية أن نسجل الملاحظات الآتية في الفرق بينها وبين القاعدة الفقهية:
1- القاعدة الفقهية تُعنى بصياغة فقهية لحكم شرعي عام, من خلال استقراء حالات فقهية جزئية, ثم تطبيق تلك القاعدة على فروع عديدة. أما السُنة الإلهية فهي نظام إلهي يحكم العالم قديما وحديثا ويبين حقيقة العلاقة بين الخالق والمخلوق.
2- القاعدة الفقهية جهد بشري في تجميع الأحكام المتشابهة وصياغتها
وتطبيقها على فروع متشابهة, ويستخدم في هذا التطبيق القياس والمنطق, وهما يخطئان ويصيبان, ولهذا فالقاعدة الفقهية قد تتغير بتغير الظروف والأحوال. أما السنة الإلهية فهي من صنع الله سبحانه, ويقع تحتها المخلوقات جميعا, كما أن هذه السُنة الإلهية لا مجال للخطأ فيها ولا تتحول ولا تتبدل.
3- موضوع القاعدة الفقهية هو الفقه. أما موضوع السُنة الإلهية فهو الكون والحياة والواقع, والإيمان بالسُنن الإلهية جزء من الإيمان بالله الذي {يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} [الملك: 14].
4- القاعدة الفقهية تلتزم بالسُنن الإلهية وتراعيها في عملية التقعيد والاستنباط والتطبيق الفقهي.
---------------------------------------------
[1] انظر مقاييس اللغة 3/60؛ والمعجم الوسيط 1/455-456
[1] جامع الرسائل لابن تيمية (رسالة في لفظ السنة في القرآن) ص 54-55 .
[2] موسوعة الخطب والدروس، جمعها علي بن نايف الشحود: (سنن الله في التغيير) .
[3] انظر شبهات المشككين، نشر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية ص 9.
[1] انظر شبهات المشككين ص 9.
[2] المرجع نفسه ص 9.
[3] تفسير النسفي 3/307؛ وتفسير القرطبي 14/195 .
[1] انظر تفسير القرطبي 14/ 247.
[2] انظر تفسير القرطبي 14/360 .
[1] جامع الرسائل لابن تيمية (رسالة في لفظ السنة في القرآن) ص 54-55 .
[2] المرجع نفسه.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

المبحث الثامن عشر
الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة القانونية

تعريف القاعدة القانونية:
إن القاعدة القانونية في مصطلح علماء القانون, هي الوحدة التي يتكون منها القانون, على أساس أن " القانون " هو مجموعة من الوحدات التي تنظم سلوك الفرد داخل الجماعة, ويطلق على كل منها: "القاعدة [SUP][1][/SUP]".
ومنذ عهد مبكر, عَرَّف الفارابي مصطلح " القانون " بقوله: "والقوانين في كل صناعة: أقاويل كلية أي جامعة ينحصر في كل واحد منها أشياء كثيرة مما تشتمل عليه تلك الصناعة وحدها حتى يأتي على جميع الأشياء التي هي موضوعة للصناعة أو على أكثرها" [SUP][2][/SUP]. ومن الواضح أن هذا المعنى الذي عبَّر به الفارابي عن كلمة "القانون", يعتبر إيضاحا وشرحا لما قيل في تعريف كلمة " القاعدة " أنها أمر كلي ينطبق على جزئياته.
وكلمة " قانون " تعني في لغة المنطق والفلسفة والعلوم الطبيعية: كل ما
يترتب على علاقة مطردة بين ظاهرتين, ومنه يقال: قانون الجاذبية, وقانون الضغط الجوي, مثلا [SUP][1][/SUP].
أما في مجال الدراسات القانونية, فكلمة " قانون " تعني: مجموعة القواعد الاجتماعية المُلزمة التي تنظّم السلوك الخارجي للأفراد في المجتمع, وتُوقع الدولة جزاء على من يخالفها [SUP][2][/SUP].
وعليه, فالقواعد القانونية , هي: مجموعة القواعد التي تحكم أعمال الناس في المجتمع وتُلزمهم باحترامها ولو بالقوة إذا لزم الأمر. [SUP][3][/SUP]
والغرض من القاعدة القانونية: تنظيم علاقات الأفراد داخل المجتمع.
مكوّنات القاعدة القانونية:
تتكون القاعدة القانونية من فرض, وحكم:
الفرض: هو الواقعة التي تُرتِّب عليها القاعدة القانونية أثرا معينا.
الحكم: هو الأثر القانوني الذي يرتبه القانون على الواقعة (الفرض).
مثال: "كل من يسرق, يُسجن لمدة ثلاث سنوات [SUP][4][/SUP]".
خصائص للقواعد القانونية:
1- أنها قواعد وضعية: أي من وضع الإنسان وعمله سواء كان فردا أم جماعة, ومن الجائز أن يكون الدين مصدرا من مصادرها [SUP][5][/SUP].

2- أنها قواعد مجرّدة وعامة: أي لا تتعلق بشخص معين أو بواقعة معينة, بل الخطاب فيها موجّه إلى من تتوافر فيه الصفات المنصوص عليها في القاعدة القانونية [SUP][1][/SUP].
3- أنها قواعد ذات صفة اجتماعية: أي أنها تنظم الروابط بين الأشخاص في المجتمع. ومن هنا قيل في القاعدة اللاتينية: "حيثما يوجد المجتمع يوجد القانون". فالقانون مرآة للبيئة التي يعيش فيها ويتأثر بالزمان والمكان, ولهذا يختلف القانون من دولة إلى دولة ومن عصر إلى عصر, فهو يتغير بتغير المجتمع, ولهذا نرى المشرِّع القانوني يتدخل في القانون لتعديله وتغييره كي يتلاءم مع الظروف الجديدة [SUP][2][/SUP].
4- أنها قواعد تعتني بالسلوك الخارجي الظاهر للأفراد: أي أنها تحكم على ما ظهر من التصرفات, ولا تتجاوز ذلك إلى المشاعر والأحاسيس ما دامت كامنة في النفس ولم يعبّر عنها بسلوك خارجي, فإذا ظهرت آثار تلك المشاعر والنوايا الباطنة في سلوك الشخص ونشاطه الخارجي, يكون لذلك أثرٌ في التكييف القانوني للفعل الظاهر [SUP][3][/SUP].
مثلا: (العزم على القتل): لا شأن للقانون به, ولكن إذا ثبت أن القاتل كان يقصد القتل, فإنه يعامل في لغة القانون على أساس أنها (جريمة عمد مع سبق الإصرار) فتكون العقوبة حينئذ مشدّدة. أما إذا لم يقصد القتل فإنه يعامل على أساس أنها (جريمة خطأ [SUP][1][/SUP]).

5- أنها قواعد مُلزِمة: أي أنها ليست بمثابة الإرشاد والنصح والوعظ, بل تقترن بجزاء على مخالفتها, وهي صفة أساسية في القاعدة القانونية, وعليه فالسلطة تُوقع جزاء ماديا دنيويا على من يخالف القاعدة القانونية, إذ لو تُركت هذه المخالفة دون جزاء, لَما الةزَم بالقاعدة القانونية أحد من الأفراد, ولفقدت القواعد القانونية قيمتها [SUP][2][/SUP].

---------------------------------------------
[1] انظر القواعد الفقهية للباحسين ص153؛ والمقدمة في دراسة الأنظمة-مبادئ القانون لهاني عرب ص2.
[2] القواعد الفقهية للباحسين ص 18 نقلا عن "إحصاء العلوم" للفارابي ص 57.
[1] انظر المقدمة في دراسة الأنظمة-مبادئ القانون لهاني عرب ص2.
[2] انظر: المقدمة في دراسة الأنظمة-مبادئ القانون لهاني عرب ص2؛ ونظرية القانون-القاعدة القانونية لمشاعل عبد العزيز الهاجري ص4 .
[3] القواعد والضوابط لشبير ص36 نقلا عن أصول القانون والقواعد الفقهية لعباس حسني ص1.
[4] انظر نظرية القانون-القاعدة القانونية لمشاعل الهاجري ص2-3.
[5] القواعد والضوابط لشبير ص36 .
[1] انظر نظرية القانون-القاعدة القانونية لمشاعل الهاجري ص7-15؛ والقواعد والضوابط لشبير ص36؛ والمقدمة في دراسة الأنظمة-مبادئ القانون لهاني عرب ص3؛ والقواعد الفقهية للباحسين ص153-155.
[2] انظر نظرية القانون-القاعدة القانونية لمشاعل الهاجري ص4؛ والقواعد والضوابط لشبير ص36-37.
[3] انظر القواعد والضوابط لشبير ص36؛ والقواعد الفقهية للباحسين ص153-155؛ والمقدمة في دراسة الأنظمة-مبادئ القانون لهاني عرب ص2-3؛ ونظرية القانون-القاعدة القانونية لمشاعل الهاجري ص4 .
[1] انظر القواعد والضوابط لشبير ص36 .
[2] انظر القواعد والضوابط لشبير ص37؛ والمقدمة في دراسة الأنظمة-مبادئ القانون لهاني عرب ص3؛ ونظرية القانون-القاعدة القانونية لمشاعل الهاجري ص18؛ ومقال: مبادئ القانون (شرح نظرية القانون) منشور على الانترنت، والقواعد الفقهية للباحسين ص153-155.
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة

الفرق بين القواعد القانونية والقواعد الفقهية:
إن أهم ما يميز القواعد القانونية عن القواعد الفقهية ما يلي:
1- القاعدة القانونية بشرية المصدر, فمصدرها هي السلطة التشريعية, وتعتمد هذه السلطة في وضع القواعد القانونية وصياغتها في الغالب على الأعراف والعادات التي تستقر في المجتمع, وقد تتخذ الدين الإسلامي مصدرا من مصادرها. أما القواعد الفقهية فهي كلها شرعية الأصل ربانية المصدر (فمصدرها القرآن الكريم والسنة المطهرة والاجتهاد في إطار هذين المصدرين الأساسيَّين) وإن كانت صياغاتها من قبل البشر (الفقهاء) [SUP][3][/SUP].
2- مقياس الحكم ومجاله في القواعد القانونية, ينحصر في التصرفات والوقائع الظاهرية, حيث يقتصر الحكم فيها على الإنسان بظاهر أفعاله. أما مقياس الحكم في القواعد الفقهية فمزدوج: (باطني وخارجي) أي ينفذ الحكم فيها إلى داخل النفس ويكشف مقاصدها [SUP][1][/SUP], كما يُحكم على الإنسان بظاهر تصرفاته أيضا [SUP][2][/SUP].
3- نطاق القواعد القانونية ضيق يدور في دائرة تنظيم علاقة الإنسان مع غيره فقط. أما القواعد الفقهية فهي واسعة النطاق, تشمل علاقة الإنسان نحو ربه ونحو نفسه ونحو غيره. ويمكن أن يقال بتعبير آخر: القواعد القانونية تقتصر على الجانب القضائي فقط, فلا تشمل العقيدة والعبادات والأخلاق, أما القواعد الفقهية فهي ذات صلة وثيقة بهذه الجوانب كلها [SUP][3][/SUP].
4- القواعد القانونية إقليمية التطبيق, تختلف من مكان لآخر, في حين أن القواعد الفقهية لا تختص بمكان معين بل تعم الناس أجمعين أينما كانوا [SUP][4][/SUP].
5- القواعد القانونية مُلزِمة ومقترنة بجزاء, أي ليس للأفراد الحرية في مخالفتها وإلا كان المخالف معرّضا للجزاء والعقاب. بخلاف القواعد الفقهية فالجزاء ليس من عناصرها الأساسية.
6- الجزاء في مصطلح القواعد القانونية قاصر على مفهوم (العقوبة) فقط, أما الثواب (أو المكافأة في أي صورة من صورها) عند امتثال القواعد القانونية, فلا ينص علم القانون على ذلك. في حين أن مضمون (الجزاء) في نصوص القواعد الفقهية شامل لعموم معنى الثواب والعقاب معا [SUP][5][/SUP].
7- ثم إن الجزاء في علم القانون يقتصر على كونه:
أ _ جزاءَ دنيويا, بخلاف مضمون (الجزاء) في نصوص القواعد الفقهية, فإنه قد يشمل الجزاء الأخروي أيضا, فالقاتل عمدا يعاقب بالقصاص في الدنيا, وفي الوقت نفسه يأثم في الآخرة ويستحق غضب الله وعذابه مالم يتُب.
ب _ وجزاءَ مادّيا (مدنيا, أو جنائيا, أو تأديبيا, أو دوليا) مثل الحكم بفسخ التصرف أو التعويض عن الضرر أو الحجز على أموال المدين, ومثل الإعدام أو الحبس أو الغرامة, ومثل الإنذار أو الخصم من المرتّب أو الفصل من الوظيفة, ومثل قطع العلاقات الدبلوماسية أو التدخل الحربي.
أما مضمون (الجزاء) في نصوص القواعد الفقهية, فلا يقتصر على كونه مادّيّا فقط, بل قد ينضم إليه الجزاء المعنوي أيضا مثل إحساس المخالف بتأنيب ضميره له, أو رفض المجتمع واستنكاره لسلوك الشخص المخالف [SUP][1][/SUP].
8- القواعد القانونية غايتها تحقيق النظام والاستقرار وحفظهما. في حين أن القواعد الفقهية تهدف إلى الارتقاء بالإنسان نحو الكمال والسمو الخلقي, وذلك عن طريق العبادة والتحلي بالخصال والأخلاق الحميدة [SUP][2][/SUP].
9- القواعد القانونية وإن كانت تسمى باسم "القواعد" إلا أنها بعيدة عن المعنى المصطلح عليه للقاعدة الفقهية, فهي: أحكام فرعية ومسائل جزئية تفصيلية تختص بموضوع معيّن, رُتّبت ترتيبا تسلسليا مبوّبا واصطُلح على تسمية كل حكم منها بكلمة "مادة". فهي بهذا تُشبه المسائل الشرعية المسرودة في كتب الفقه تحت كل باب فقهي, غير أنها لا تأتي بأرقام متسلسلة كما في مواد القانون.
وقد يوجد في المواد القانونية ما ينطبق عليه مصطلح (القواعد الفقهية), وتسمى أمثال هذه النصوص في المصطلح القانوني بـ( المبادئ القانونية [SUP][1][/SUP] ), وهي "القضايا الكلية التي تُستخلص من أحكام القانون وتُتخذ أساسا لاستنباط الأحكام التفصيلية للمسائل التي لم يَرِدْ بشأنها حكم خاص [SUP][2][/SUP]".
وفيما يلي أمثلة مختارة من هذه (المبادئ القانونية) التي ينطبق عليها مفهوم (القواعد الفقهية), بالنظر إلى عمومها وعدم اختصاصها ببابٍ واحدٍ [SUP][3][/SUP]:
م 2: الأشياء المتقوّمة تصلح محلا للحقوق المالية.
م 7 _ 1: تصرفات الصغير المميز, صحيحة إذا كانت نافعة له نفعا محضا, وباطلة إذا كانت ضارّة به ضررا محضا .
م 85: العقد الباطل لا يتصحح بالإجازة .
م 27: كل من أحدث بفعله الخاطئ ضررا بغيره, يلتزم بتعويضه, سواء أكان في إحداثه الضرر مباشرا أو متسببا .
م 64: كل من تسلَّم ما ليس مستحقا له, التزم بردّه .
هذا وكما اتضح مما سبق أنه يوجد في القواعد القانونية ما ينطبق عليه اسم (القواعد الفقهية) فكذلك يوجد فيها ما ينطبق عليه اسم "الضابط" بالمعنى المصطلح له (وهو أن يكون النص شاملا لأكثر من مسألة في باب واحد) ومن ذلك ما يلي من أمثلة النصوص القانونية [SUP][4][/SUP]:
م : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
م : لا يجوز الجمع بين امرأتين لو فُرضت كل منهما ذكرا حرُمت عليه الأخرى, فإن ثبت الحل على أحد الفرضين جاز الجمع بينهما .
م 8-1: كل زواج تم ركنه بالإيجاب والقبول واختل بعض شرائطه فهو فاسد .
م 9: الزواج الصحيح النافذ تترتب عليه جميع آثاره من الحقوق الزوجية .
م 0: الزواج الباطل لا يترتب عليه شيء من آثار الزواج الصحيح ولو حصل فيه دخول .
م 1-1: الزواج الفاسد - قبل الدخول - في حكم الباطل .
م 2: الزواج الموقوف حكمه قبل الإجازة كالفاسد .
م 4-1: لا حدّ لأقل المهر ولا لأكثره .
م 4-2: كل ما صح التزامه شرعا صلح أن يكون مهرا .
م 9: النفقة المفروضة قضاء أو رضاء لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء .
م 2: الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدا .
فهذه مجموعة مواد قانونية من الأحوال الشخصية, ينطبق عليها تماما المفهوم المحدّد لمصطلح "الضوابط الفقهية" باعتبار أن كل مادة منها يندرج تحتها عدد من الأحكام الجزئية الفرعية.
والخلاصة: أن القواعد القانونية هي أصلا أحكامٌ جزئية ومسائل فرعية, وقد تأتي في ثناياها قواعد وضوابط فقهية.
---------------------------------------------
[3] انظر القواعد والضوابط لشبير ص38؛ والمقدمة في دراسة الأنظمة-مبادئ القانون لهاني عرب ص4 .
[1] فمن المعلوم أن القاعدة الفقهية الأولى التي يُستهل بها -عموما- علم القواعد الفقهية، هي قاعدة: الأمور بمقاصدها.
[2] انظر القواعد والضوابط لشبير ص37 .
[3] المرجع نفسه ص 37.
[4] انظر المقدمة في دراسة الأنظمة-مبادئ القانون لهاني عرب ص4 .
[5] انظر مقال: مقارنة بين القواعد القانونية وقواعد الشرع الإسلامي لبشار الحريري (منشور على الإنترنت) .
[1] انظر القواعد والضوابط لشبير ص39؛ والمقدمة في دراسة الأنظمة-مبادئ القانون لهاني عرب ص4؛ ونظرية القانون-القاعدة القانونية لمشاعل الهاجري ص19-23 وص31؛ ومقال: مقارنة بين القواعد القانونية وقواعد الشرع الإسلامي لبشار الحريري (منشور على الإنترنت)
[2] انظر مقال: مقارنة بين القواعد القانونية وقواعد الشرع الإسلامي لبشار الحريري (منشور على الإنترنت).
[1] القواعد والضوابط لشبير ص39 نقلا عن أصول القانون والقواعد الفقهية لعباس حسني ص 33 .
[2] المرجع نفسه.
[3] جميع الأمثلة الآتية مأخوذة من القانون المدني الكويتي.
[4] وهي مأخوذة من قانون الأحوال الشخصية السوري الملحق بآخر كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لقدري باشا، تحقيق د. محمد سراج، د. علي جمعة.

خط.png
تمت بحمد الله المقدمة الأولى من معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية
(تعريف القاعدة الفقهية والفرق بينها وبين المصطلحات ذات الصلة)
نسأل الله القبول

 
التعديل الأخير:
أعلى