العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
الفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية

مصطلح " النظريات الفقهية " مصطلح مستحدث استعمله بعض العلماء المعاصرين الذين جمعوا بين دراسة الفقه الإسلامي ودراسة القانون الوضعي, فعبروا في مؤلفاتهم عن جملة الأحكام والقواعد المتعلقة ببعض القضايا والأبواب الفقهية بالنظريات؛ وذلك مثل: نظرية الملكية, ونظرية الشرط, ونظرية الضمان, ونظرية الخيارات [SUP][1][/SUP].
ويبدو أنه في بداية ظهور مصطلح (النظريات), لم يكن الفرق متميزا واضحا بينها وبين القواعد الفقهية, ولهذا اعتبر بعض أهل العلم في حينه أن ما يسمى بـ"النظريات الفقهية" مرادف لـ"القواعد الفقهية", وهذا ما نلحظه في كلام الشيخ محمد أبي زهرة رحمه الله تعالى حيث يقول بصدد الحديث عن القواعد الفقهية [SUP][2][/SUP]:
"يجب التفرقة بين علم أصول الفقه وبين القواعد الجامعة للأحكام الجزئية, وهي التي في مضمونها يصح أن نطلق عليها: النظريات العامة للفقه الإسلامي" [SUP][3][/SUP] .
وقال أيضا: "إن دراسة القواعد من قبيل دراسة الفقه لا من قبيل دراسة أصول الفقه, وهي مبنية على الجمع بين المسائل المتشابهة من الأحكام الفقهية, ولهذا نستطيع أن نرتب تلك المراتب الثلاث التي يُبنى بعضها على بعض:
فأصول الفقه: يُبنى عليه استنباط الفروع الفقهية, حتى إذا تكونت المجموعات الفقهية المختلفة أمكن الربط بين فروعها وجمع أشتاتها في قواعد عامة جامعة لهذه الأشتات, وتلك هي النظريات الفقهية/ [SUP][1][/SUP]L").
فيلحظ في هاتين الفقرتين من كلام الشيخ أبي زهرة , أن "القواعد الفقهية" (وهي التي عرّفها بأنها جامعة للمسائل المتشابهة من الأحكام الفقهية), هي التي يطلق عليها أيضا مفهوم "النظريات الفقهية".
لكن الواقع أن الفرق بين الاصطلاحين أصبح أمرا معهودا وواضحا لدى الدارسين والباحثين المعاصرين , كما سيأتي عرضه في هذا المبحث. ولكن يستحسن قبل توضيح تلك الفروق, البدء بتعريف مدلول كلمة (النظرية).

تعريف النظرية :

النظرية : - وهي تقابل لفظ (T ) باللغة الإنجليزية - مشتقة من النظر وهو في اللغة: تأمل الشيء بالعين أو بالذهن.
وبهذا المعنى تُطلق كلمة " النظري " على ما يحتاج إلى نظر وتفكير وتأمل, وذلك في مقابلة " الضروري " أو " البدَهي " الذي لا يتطلب جهدا عقليا وفكريا في تصوره وإدراكه واستيعابه [SUP][2][/SUP].

والنظرية اصطلاحا:
تركيب عقلي مؤلف من تصوّرات متّسقة تهدف إلى ربط النتائج بالمبادئ [SUP][1][/SUP].
وقيل: جملة من التصورات المؤلفة تأليفا عقليا تهدف إلى ربط النتائج بالمقدّمات [SUP][2][/SUP].
وقيل: فرض علمي يربط عدة قوانين بعضها ببعض ويردّها إلى مبدأ واحد يمكن أن نستنبط منه حتما أحكاما وقواعد [SUP][3][/SUP].
وقيل: مجموعة من القضايا المرتّبة في نظام معيّن [SUP][4][/SUP].
ويُستخلص من جملة هذه التعريفات, أن كلمة "النظرية" تعني: التصور المنهجي المنظم المتناسق لموضوعٍ ما يصل بالقارئ من بدايته إلى نهايته في صورة متكاملة متّسقة [SUP][5][/SUP].
وبعبارة أخرى: هي سلسلة من المعلومات التي تتناول بيان تفاصيل وحدة موضوعية كبرى
أو محور واحد واسع بشكل متكامل متناسق. [SUP][6][/SUP] أو: هي تصور جامع لوحدة موضوعية يحاول أن يحيط بجوانب ذلك الموضوع ويبحث كافة مستوياته وأبعاده [SUP][7][/SUP].
ولعله بهذا يكون قد اتضح جيدا مفهوم كلمة " النظرية " حسب المصطلح العام, وبناء عليه, يمكن أن يقال في بيان معنى " النظرية الفقهية ":
بناء علمي لموضوع أو باب فقهي واسع, يتشكل من عناصر وقواعد وأحكام متعددة, لكنها متكاملة ومتناسقة.
فمثلا: نظرية الإثبات في الفقه الجنائي الإسلامي, تتألف من عدة عناصر, كل عنصر يعتبر وحدة فقهية على حدة, وهي:
حقيقة الإثبات - الشهادة - شروط الشهادة - كيفية الشهادة - الرجوع عن الشهادة - مسؤولية الشاهد - الإقرار - القرائن - الخبرة - معلومات القاضي - الكتابة - اليمين - القسامة- اللعان [SUP][1][/SUP].
فهنا نلحظ أن كل عنصر من هذه العناصر يُعتبر وحدة فقهية على حدة, مع أن كل عنصر من هذه العناصر معروض في أبواب مختلفة من كتب الفقه وبدون ترتيب منطقي متسلسل فيما بينها, فإذا تم استخراج التفاصيل المتعلقة بها من تلك المواضع, ثم بُحثت بهذا الترتيب المتسلسل المذكور الذي يُبرز العلاقة الفقهية الموحّدة فيما بينها وهي فكرة (الإثبات), أدى ذلك إلى تكوين ما يسمى بـ( نظرية الإثبات الفقهية ).
مما سبق يتبين أن " النظرية الفقهية ": هي الإطار المعرفي الشامل لقضية فقهية معيّنة (هي موضوع النظرية الفقهية), يتّسع لكل ما يتصل بهذه القضية من قواعد ومقاصد ومسائل جزئية ومعلومات أخر, مع ما يتعلق بكل ذلك من تعليلات واستدلالات وترجيحات وغير ذلك, بحيث تأتي تلك المعلومات ضمن بناء جامع ينتظمها بترتيب محكم وتناسق متكامل [SUP][2][/SUP].
وبعد هذا يمكن عرض الفروق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية فيما يلي:

الفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية.
1- القاعدة الفقهية تمتاز بأنها تُصاغ في عبارة موجزة تستوعب الفروع الجزئية المندرجة تحتها, أما النظرية الفقهية فهي تُصاغ على شكل بحث أو كتاب مطوّل لموضوع واسع من الفقه الإسلامي ويشكل دراسة مستقلة لمباحث ذلك الموضوع بشكل متكامل [SUP][1][/SUP].
2- القاعدة الفقهية تتضمن حكما فقهيا في ذاتها, وهذا الحكم ينتقل إلى الفروع المندرجة تحتها, فمثلا: قاعدة "اليقين لا يزول بالشك" تتضمن حكما فقهيا يتعلق باجتماع اليقين والشك, وينطبق هذا الحكم على كل مسألة فرعية اجتمع فيها شك ويقين. وهذا بخلاف النظرية الفقهية فإنها لا تتضمن حكما فقهيا في ذاتها, بل هي رؤية منسقة لموضوعٍ فقهي متشعب كـ(نظرية الملك) و(نظرية الفسخ) و(نظرية البطلان) [SUP][2][/SUP].
3- النظرية الفقهية أكثر اتساعا وشمولا من القاعدة الفقهية, فقد تدخل مجموعة من القواعد الفقهية - مع كون كل واحدة منها تختلف عن الأخرى في فروعها وجزئياتها وآثارها- تحت نظرية معيّنة لكون مجموع تلك القواعد يتعلق بموضوع فقهي موحّد [SUP][3][/SUP].
فمثلا: القواعد الآتية المتعلقة بالعُرف والعادة (من قواعد مجلة الأحكام العدلية), يمكن أن نضعها جميعا تحت عنوان "نظرية العرف":
العادة محكمة .

استعمال الناس حجة يجب العمل به .
لا ينكر تغير الأحكام (المبنية على المصلحة أو العرف) بتغير الزمان .
إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت .
المعروف عرفا كالمشروط شرطا .
المعروف بين التجار كالمشروط بينهم .
التعيين بالعرف كالتعيين بالنص .
فهذه المجموعة من القواعد الفقهية, يُلحظ فيها أن موضوع "العرف" هو المجال الموحّد المشترك بينها, بغض النظر عن الفروع والجزئيات المختلفة تحت كل منها, ولهذا يصح وضعها جميعا تحت عنوان "نظرية العرف" [SUP][1][/SUP].
4- النظرية الفقهية تشتمل على المقومات الأساسية للموضوع المبحوث فيها كأركان الموضوع وشروطه وموانعه وقيوده وضوابطه... إلخ, أما القاعدة الفقهية فلا يتسع المجال لتطبيق هذه المقوّمات فيها, اللهم إلا في القواعد الخمس الكبرى وما هو قريب منها [SUP][2][/SUP].
5- القاعدة الفقهية أسبق من حيث الدراسة والتدوين من النظرية الفقهية, فإن النظرية الفقهية - كما ذُكر - مصطلح حديث ظهر في الأزمنة الأخيرة بظهور الدراسات الفكرية والقانونية في البلاد العربية والإسلامية [SUP][3][/SUP].

---------------------------------------------
[1] انظر القواعد الفقهية للندوي ص63؛ ونظرية المقاصد عند الشاطبي للريسوني ص 14.
[2] انظر القواعد الفقهية للندوي ص62.
[3] أصول الفقه لأبي زهرة ص9-10؛ والقواعد الفقهية للندوي ص62؛ والتنظير الفقهي لجمال عطية ص13.
[1] أصول الفقه لأبي زهرة ص9-10؛ والتنظير الفقهي ص14.
[2] انظر القواعد الفقهية للندوي ص62 (في الهامش) ؛ وعلم القواعد الشرعية للخادمي ص337
[1] القواعد الفقهية للباحسين ص144.
[2] المرجع نفسه ص145.
[3] القواعد الفقهية للندوي ص62 نقلا عن المعجم الفلسفي تصنيف لجنة من العلماء بمجمع اللغة العربية.
[4] نظرية المقاصد عند الشاطبي ص 14 نقلا عن المعجم الفلسفي لمراد وهبة؛ وانظر علم القواعد الشرعية للخادمي ص338.
[5] انظر القواعد الفقهية للباحسين ص144.
[6] انظر علم القواعد الشرعية للخادمي ص338 و340؛ وقواعد الفقه للروكي ص116.
[7] انظر التنظير الفقهي لجمال عطية ص9.
[1] القواعد الفقهية للندوي ص63.
[2] انظر علم القواعد الشرعية للخادمي ص342-345.
[1] القواعد الفقهية للندوي ص66؛ والقواعد والضوابط لشبير ص26.
[2] القواعد الفقهية للندوي ص64.
[3] القواعد الفقهية للندوي ص65؛ والقواعد والضوابط لشبير ص25.
[1] القواعد الفقهية للندوي ص65.
[2] القواعد الفقهية للندوي ص65؛ والقواعد والضوابط لشبير ص26.
[3] انظر علم القواعد الشرعية للخادمي ص347.
 
أعلى