العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الفرق بين القاعدة الفقهية وجوامع الكلم

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
الفرق بين القاعدة الفقهية وجوامع الكلم

معنى " جوامع الكلم ":
هذه الكلمة وردت في قوله صلى الله عليه وسلم: "بُعثتُ بجوامع الكلم " [SUP][1][/SUP].
ومعناها: "الموجز من القول مع كثرة المعاني". وهي: "جمع جامعة, لجمعها الحِكم والمنافع في لفظٍ قليلٍ" [SUP][2][/SUP]. أي أنه صلى الله عليه وسلم بُعث بجوامع الكلمات القليلة الجامعة للمعاني الكثيرة [SUP][3][/SUP].
المراد بـ"جوامع الكلم":
فُسِّرت كلمة "جوامع الكلم" بالقرآن والأحاديث النبوية معا. قال ابن حجر : "وجوامع الكلم: القرآن, فإنه تقع فيه المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة, وكذلك يقع في الأحاديث النبوية الكثير من ذلك" [SUP][4][/SUP].
قال الزهري : وبلغني أن جوامع الكلم: أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تُكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك. [SUP][1][/SUP]
قال ابن حجر : "وحاصله أنه صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني". قال: "وجزم غير/ 3الزهري بأن المراد بـ"جوامع الكلم": القرآن بقرينة قوله: "بُعثت", والقرآن هو الغاية في إيجاز اللفظ واتساع المعاني [SUP][2][/SUP]
فتبيّن مما سبق أن مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم "بُعثتُ بجوامع الكلم" شامل لجوامع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية [SUP][3][/SUP].
قال ابن منظور في معنى "جوامع الكلم": "يعني: القرآنَ وما جَمع الله عزّ وجلّ بلطفه من المعاني الجمّة في الألفاظ القليلة, كقوله عز وجل {خُذِ العفو, وَأْمُرْ بالعُرف, وأَعرِضْ عن الجاهلين} [الأعراف 199] وفي صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان يتكلم بجوامع الكلم, أي أنه كان كثير المعاني, قليل الألفاظ" [SUP][4][/SUP].

أنواع جوامع الكلم وعلاقتها بالقواعد الفقهية:
يظهر من خلال ما تقدم من توضيح مفهوم كلمة "جوامع الكلم" وجه الاشتراك بينها وبين القواعد الفقهية في تحقق صفة العموم والوجازة في كل منهما, فقد وُصفت "جوامع الكلم" بأنها تلك الكلمات التي تتصف بالعموم في معانيها ومضامينها بحيث تشتمل على معان متعددة واسعة في آنٍ واحد وبأقل الألفاظ. وهذا ما نراه متحققا في القواعد الفقهية أيضا؛ فإنها أحكام كلية عامة, بألفاظ لكن جوامع الكلم - سواء كانت من القرآن الكريم أو السنة النبوية- ليست منحصرة كلها في نوع (القواعد الفقهية), بل هي على أنواع كما يلي:
- جوامع الكلم التي جرت نفس نصوصها مجرى القواعد الفقهية.
- جوامع الكلم التي يتعلق مضمونها بالأحكام الفقهية, وقد استند إليها الفقهاء في صياغة القواعد الفقهية المعبّرة عن تلك الأحكام, فهي تُعدّ مصادر لإنشاء القواعد الفقهية.
- جوامع الكلم التي تتعلق بأمور شرعية أخرى غير الأحكام الفقهية, كالعقيدة, والتربية والسلوك والأخلاق...

---------------------------------------------
[1] رواه البخاري 4/54(2977)، وفي مواضع أخرى ، ومسلم 1/371(523)(6)من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض للخفاجي 2/209 نقلا عن القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير للندوي ص124 .
[3] عمدة القاري للعيني 25/24 .
[4] فتح الباري 6/128
[1] المرجع نفسه 12/401 .
[2] فتح الباري 13/247 .
[3] انظر القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص124-125 .
[4] لسان العرب 8/53 نقلا عن القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص124.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الفرق بين القاعدة الفقهية وجوامع الكلم

وفيما يلي تفصيل الكلام على كل نوع من هذه الأنواع.

أولا: جوامع الكلم التي جرت نصوصها مجرى القواعد:

أ - أمثلة من جوامع الكلم التي جرت نصوصها مجرى القواعد من الآيات القرآنية:
{ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة 91] [SUP][1][/SUP].
لفظُ هذه الآية يعتبر من "الألفاظ الجوامع" [SUP][2][/SUP]. ويُفهم من السياق الذي وردت فيه هذه الجملة القرآنية, أنها "قاعدة جامعة مستقلة, وما سبقها من الحكم بالنسبة لأهل الأعذار الصحيحة من ضعف أبدان أو مرض أو زمانة أو عدم نفقة, مندرج تحت هذا الأصل العام [SUP][3][/SUP], فإن القرآن الكريم لم يقل: "ما عليهم من سبيل", بل عمّم الحكم, فرفع الحرج ونَفَى الإثم عن سائر المحسنين" [SUP][1][/SUP].
قال ابن العربي: "هذا عموم ممهد في الشريعة, أصل في رفع العقاب والعتاب عن كل محسن [SUP][2][/SUP]".
{وَةعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوَى وَلا ةعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ والْعُدْوانِ} [المائدة: 2] .
هذه الآية أيضا تُعدّ من "الألفاظ الجوامع" في القرآن الكريم [SUP][3][/SUP]. "ويظهر عند تدبّرها أنها تحتوي على قاعدتين مهمتين تتعلق أُولاهما بجلب المنافع, والثانية بدرء المفاسد" [SUP][4][/SUP].
{ولَكُمْ في القِصاص} [البقرة: 179] .
قال محمد الطاهر ابن عاشور : "وقوله: {فِي الْقِصاصِ حَياةٌ} من جوامع الكلم... " [SUP][5][/SUP].
وأصل الآية هكذا: {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ} , وقد أوردها بعض العلماء بالاكتفاء على النظم المذكور أعلاه أي: في القصاص حياة [SUP][6][/SUP], وبهذا تكون هذه الجملة القرآنية الكريمة, قاعدة بنظمها ولفظها.

وفي تفسير النيسابوري : "اتفق علماء البيان على أن قوله سبحانه {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ} بلغ في الإيجاز نهاية الإعجاز, وذلك أن العرب عبّروا عن هذا المعنى بألفاظ كثيرة كقولهم: "قتل البعض إحياء للجميع"..., وأوجز ذلك قولهم: "القتل أنفى للقتل". والترجيح مع ذلك للآية" [SUP][1][/SUP].
وعبّر الجويني عن هذه الآية بأنها "قاعدة" فقال: "واتفق المسلمون على هذه القاعدة ولم ينكرها من طبقاتهم منكِر" [SUP][2][/SUP].
---------------------------------------------
[1] انظر القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص126 .
[2] انظر القواعد الحسان في تفسير القرآن لابن سعدي ص155-159.
[3] فقد ابتدأت الآية هكذا: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون، حرجٌ، إذا نصحوا لله ورسوله" ثم قال تعالى "ما على المحسنين من سبيل".
[1] القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص126 .
[2] أحكام القرآن لابن العربي 2/562، وانظر أحكام القرآن للجصاص 4/352، والقواعد الحسان في تفسير القرآن لابن سعدي ص155-159.
[3] انظر القواعد الحسان في تفسير القرآن لابن سعدي ص146 .
[4] القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص127 .
[5] التحرير والتنوير 2/144.
[6] فقد أخرج ابن جرير عن السُّدّي قال: "في القصاص حياة" قال: "بقاءٌ. لا يُقتل القاتل إلا بجناية". الدر المنثور 1/421، وقال البقاعي في نظم الدرر 7/439 في تفسير قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) "أي صيّرناه ووضعناه وسـمّيناه مطابقةً لحاله بالتعبير عن معانيه، بما لنا من العظمة، قرآنًا أي مع كونه مجموع الحروف والمعاني جامعًا، ومع كونه جامعًا فارقًا بين الملتبسات. . . ، لعلكم تعقلون أي لتكونوا أيها العرب على رجاء. . . أن تعقلوا أنه من عندنا. . . ، وتفهموا معانيه. . . وبديعَ وصفه ومُعجزَ وصفه ونظامه، فترجعوا عن كل ما أنتم فيه من المغالبة. . . وكلٌّ منكم يعلم أنه عاجز عن مباراة آية منه في حسن معناها، وجزالة ألفاظها وجلالة سبكها، ونَظْم كل كلمة منها بالمحل الذي لا يمكن زحزحتها عنه بتقديم ولا تأخير، ولا أن يبدَّل شيء منها بما يؤدي معناه أو يقوم مقامه، كما أن ذلك في غاية الظهور في موازنة (فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ( مع "القتل أنفى للقتل"، وذلك بعض آية، فكيف بآية فما فوقها". وانظر نظم الدرر أيضا 10/27 .
[1] تفسير النيسابوري 1/416.
[2] البرهان للجويني 2/207.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الفرق بين القاعدة الفقهية وجوامع الكلم

ب - أمثلة من جوامع الكلم التي جرت نصوصها مجرى القواعد من الأحاديث النبوية [SUP][3][/SUP].
" إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى " [SUP][4][/SUP].
"هذا الحديث من جوامع الأحاديث للأحكام الشرعية" [SUP][5][/SUP]. قال ابن رجب : "وهاتان كلمتان جامعتان, وقاعدتان كليتان لا يخرج عنهما شيء.
[SUP][6][/SUP]

" البينة على المدّعي واليمين على من أنكر [SUP][1][/SUP]".
قال ابن دقيق العيد : "هذا الحديث أصل من أصول الأحكام وأعظم مرجع عند التنازع والخصام, ويقتضي أن لا يُحكم لأحد بدعواه [SUP][2][/SUP]... ". وقال النووي : "هذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع" [SUP][3][/SUP].
" الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهة [SUP][4][/SUP]".
قال ابن دقيق العيد : "هذا الحديث أصل عظيم من أصول الشريعة" [SUP][5][/SUP].
وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أحد القواعد التي تُردّ إليها جميع الأحكام عنده, فإنه قال: "أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث", فذكر منها هذا الحديث. [SUP][6][/SUP]
" من رأى منكم منكرا فَلْـيُغـيِّـرْه بيده , فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان" [SUP][7][/SUP].
"هذا الحديث قاعدة مستقلة بذاته, كما أنه دليل قاعدة الفقهاء: " الميسور لا يسقط بالمعسور " [SUP][8][/SUP].
قال المناوي : "وصلاح النظام وجريان شرائع الأنبياء الكرام إنما يستمر عند استحكام هذه القاعدة في الإسلام" [SUP][1][/SUP].

" من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له [SUP][2][/SUP]".
هذا الحديث عبارة عن قاعدة جامعة [SUP][3][/SUP] تفيد أن "من سبق إلى المواضع عند العالم أو المسجد أو غيره مما حقوق الناس فيه متساوية أنه أحق به" [SUP][4][/SUP]. قال البيهقي : "والسبق أصل في الشريعة" [SUP][5][/SUP]. ونجد الفقهاء يستندون إليه في المسائل المتعلقة بإحياء الموات وإحراز المباحات [SUP][6][/SUP].
فهذه نماذج من النصوص القرآنية والحديثية, التي تندرج نصوصها نفسها في زمرة القواعد الفقهية.


---------------------------------------------
[3] جميع هذه الأمثلة، مأخوذة من كتاب القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص130-133 .
[4] رواه البخاري 1/6 (1) وفي مواضع أخر، ومسلم 3/1515 - 1516 (1907)/(155) من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[5] المثل السائر لابن الأثير 2/110 نقلا عن القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص130 .
[6] جامع العلوم والحكم ص 14 نقلا عن القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص131 .
[1] رواه بهذا اللفظ البيهقي في سننه 4/ 218 (52) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو عند الترمذي 3/626 (1341) والدارقطني 5/276 (4311) من حديث عبد الله بن عمرو بنحوه ، وقد رواه البخاري143/3(2514)، وفي مواضع أخر ، ومسلم 1336/3(1711) من حديث ابن عباس بلفظ : " لكن اليمين على المدعى عليه ".
[2] شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد ص 26.
[3] شرح صحيح مسلم للنووي 12/3 .
[4] رواه البخاري1/20 (52) ، 3/53 (2051)، ومسلم 3/1219 - 1220 (1599)/(107) واللفظ له . من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
[5] شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد ص 26.
[6] - انظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص9.
[7] - رواه مسلم1/69 (49) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[8] - القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص132 .
[1] فيض القدير 5/332 نقلا عن القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص132 .
[2] رواه أبو داود في سننه 3/509 (3066) من حديث أسمر بن مضرس رضي الله عنه .
[3] القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص133 .
[4] شرح ابن بطال على صحيح البخاري 11/73؛ وانظر شرح صحيح مسلم للنووي 13/202.
[5] سنن البيهقي 10/139.
[6] انظر القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص133 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الفرق بين القاعدة الفقهية وجوامع الكلم

ثانيا: جوامع الكلم التي تُعدّ مصادر لإنشاء القواعد الفقهية لدى الفقهاء:
مثاله قوله تعالى في شرائط الشهادة: {مِـمَّن ةرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ} [البقرة: 282] .
فقد انتظمت هذه الجملة, الشرائط الثلاثة للشهادة وهي: (العدالة, ونفي التهمة وإن كان عدلا, والتيقظ والحفظ وقلة الغفلة) [SUP][7][/SUP], لأن الشاهد لا يكون مرضيا عند المؤمنين وقضاتهم حتى يكون عدلا, متيقظا, غير متهم في شهادته بسبب من الأسباب الموجبة للتهمة.
قال الجصاص بعد أن فصّل الكلام على ما تضمنته هذه الجملة الكريمةمن الشرائط الثلاثة للشهادة وما يتفرع عليها من أحكام فقهية: "فهذه الأمور الثلاثة التي ذكرناها: من العدالة, ونفي التهمة, وقلة الغفلة, هي من شرائط الشهادات, وقد انتظمها قوله تعالى: "ممن ترضون من الشهداء". فانظر إلى كثرة هذه المعاني والفوائد والدلالات على الأحكام التي في ضمن قوله تعالى: {مِـمَّن ةرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ} مع قلة حروفه وبلاغة لفظه ووجازته واختصاره وظهور فوائده" [SUP][1][/SUP].

فهذه الجملة الكريمة من جوامع الكلم القرآنية, قد استند إليها الفقهاء في صياغة قواعد تقرر مبدأ الثقة والاعتبار في قبول الشهادة وردّها.

---------------------------------------------
[7] - انظر القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص128، وأحكام القرآن للجصاص 2/233 .
[1] أحكام القرآن للجصاص 2/244، وانظر القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص128 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الفرق بين القاعدة الفقهية وجوامع الكلم

ثالثا: جوامع الكلم التي تتعلق بأحكام شرعية أخرى غير الأحكام الفقهية, كالعقيدة والتربية والسلوك والأخلاق:
قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَـتَّـقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ} [النور: 52]
فقد قال بعض بطارقة الروم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سمع هذه الآية فدخل في الإسلام بسببها: "إنى قرأت التوراة والزبور والإنجيل وكثيرا من كتب الأنبياء, فسمعتُ أسيرا يقرأ آية من القرآن (هي الآية المذكورة) جمُع فيها كل ما في الكتب المتقدمة, فعلمتُ أنه من عند الله, فأسلمتُ. فقال عمر رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أوتيتُ جوامع الكلم [SUP][2][/SUP].
قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ, وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ, وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ} [الأعراف: 199] [SUP][3][/SUP]

قال القرطبي : "هذه الآية من ثلاث كلمات, تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات" [SUP][1][/SUP]. وقال جعفر الصادق : أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق في هذه الآية [SUP][2][/SUP] ....
حديث أنس رضي الله عنه, قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين [SUP][3][/SUP] ".
"قال أبو الزناد : هذا من جوامع الكلم الذى أُوتيه صلى الله عليه وسلم, لأنه قد جمع فى هذه الألفاظ اليسيرة معانى كثيرة, لأن أقسام المحبة ثلاثة: محبة إجلال وعظمة كمحبة الوالد, ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد, ومحبة استحسان ومشاكلة كمحبة سائر الناس, فحصر صنوف المحبة" [SUP][4][/SUP].
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصِني . قال: " لا تغضب "الحديث [SUP][5][/SUP].
قال ابن عبد البر : "هذا من الكلام القليل الألفاظ, الجامع للمعاني الكثيرة والفوائد الجليلة" ثم أورد ابن عبد البر بعض أقوال السلف المأثورة في ذم الغضب وفضل كظمه, وقال: "وكل هؤلاء إنما حاولوا ودندنوا حول معنى هذا الحديث. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم, صلى الله عليه وسلم" [SUP][6][/SUP].
حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حاكيا عن الله عز وجل: " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر " الحديث. [SUP][7][/SUP]

قال الشافعي : "هذا كلام عربي محتمل المعاني, وكان صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم" [SUP][1][/SUP].
---------------------------------------------
[2] انظر تفسير القرطبي 12/295، وفتح الباري 13/248، والتحرير والتنوير 1/119 .
[3] انظر القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص126 .
[1] تفسير القرطبي 7/344 نقلا عن القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص126 .
[2] تفسير القرطبي 7/345 .
[3] رواه البخاري1/12(15)، ومسلم1/67(44).
[4] شرح ابن بطال على صحيح البخاري 1/42.
[5] رواه البخاري في صحيحه 8/28 (6116) .
[6] التمهيد لابن عبد البر 7/250.
[7] رواه البخاري1/169(846) ومواضع أخر، ومسلم 83/1(71) .
[1] الاستذكار 2/438.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الفرق بين القاعدة الفقهية وجوامع الكلم

العلاقة بين جوامع الكلم والقواعد الفقهية:
بالنظر فيما سبق من أنواع جوامع الكلم من نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة, نخلص إلى أنها تتميز عن القواعد الفقهية بما يلي:
1- إن جوامع الكلم التي جرت نصوصها مجرى القواعد الفقهية, هي نوع من أنواع القواعد الفقهية, فالعلاقة بين أمثال هذه الجوامع من الكلم وبين القواعد الفقهية, علاقة جزء من كل, إذ هي قسم أساسي من أقسام القواعد الفقهية.
2- نصوص جوامع الكلم - سواء أكانت قواعد أم ليست بقواعد-, كلها مستمدّة من الكتاب والسنة, فهي أدلة تشريعية يُستند إليها لإثبات الأحكام. وبناء على هذا فإن ما يُعدّ منها من قبيل القواعد, تكون لها ميزة على القواعد الأخرى, بأنها (قواعد وأدلة في آن واحد), بخلاف القواعد الفقهية الأخرى, فهي نفسها بحاجة إلى أدلة قبل أن يستدل بها. وبهذا تكون لأمثال هذه النصوص من جوامع الكلم ميزة على بقية القواعد الفقهية الأخرى من جهة (الدليلية والحجية).
3- إن جوامع الكلم ليست قاصرة على نوع "القواعد الفقهية" فحسب, بل فيها ما
ينسحب مفهومه على قواعد شرعية أخرى غير القواعد الفقهية.
4- هناك نصوص من الكتاب والسنة, وُصفت بأنها من "جوامع الكلم", ولا صلة لها بموضوع القواعد الفقهية, لكونها لا تتعلق بالأحكام الشرعية العملية التي هي موضوع القواعد الفقهية.



أ - فمن أمثلة هذا النوع, قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ} [طه: 78]
فقوله: "ما غَشِيَهُمْ": قال فيه الزمخشري : هو "من باب الاختصار ومن جوامع الكلم التي تستقلّ مع قلتها بالمعاني الكثيرة, أي غشيهم ما لا يَعلم كُنهَه إلا الله" [SUP][1][/SUP].
ب - ومن أمثلته ما جاء في حديث التشهد في الصلاة, أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقولون في التشهد: "السلام على جبريل و ميكائيل , السلام على فلان وفلان ". فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا بدلا من ذلك: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ", قال: "فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض " [SUP][2][/SUP].
فقوله صلى الله عليه وسلم: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ", هو لفظ "يشمل الجميع مع غير الملائكة من النبيين والمرسلين والصديقين وغيرهم بغير مشقة" [SUP][3][/SUP], "وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم" [SUP][4][/SUP].
فهذان النصان وُصفا بكونهما من "جوامع الكلم", ولكن من الواضح أنه لا صلة لهما بالقواعد الفقهية لعدم تعلقهما بالأحكام الشرعية, بل هما أقرب ما يكونان من باب التمثيل للإعجاز البياني في أساليب القرآن الكريم والسنة النبوية.


---------------------------------------------
[1] الكشاف 3/79، وانظر التحرير والتنوير 16/157.
[2] رواه البخاري/1/166(831) وفي مواضع أخر ، ومسلم 301/1- 302 (402) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
[3] فتح الباري لابن حجر 2/315.
[4] فتح الباري لابن رجب 6/76، وفتح الباري لابن حجر 2/315.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الفرق بين القاعدة الفقهية وجوامع الكلم

العلاقة بين جوامع الكلم والقواعد الفقهية:
بالنظر فيما سبق من أنواع جوامع الكلم من نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة, نخلص إلى أنها تتميز عن القواعد الفقهية بما يلي:
1- إن جوامع الكلم التي جرت نصوصها مجرى القواعد الفقهية, هي نوع من أنواع القواعد الفقهية, فالعلاقة بين أمثال هذه الجوامع من الكلم وبين القواعد الفقهية, علاقة جزء من كل, إذ هي قسم أساسي من أقسام القواعد الفقهية.
2- نصوص جوامع الكلم - سواء أكانت قواعد أم ليست بقواعد-, كلها مستمدّة من الكتاب والسنة, فهي أدلة تشريعية يُستند إليها لإثبات الأحكام. وبناء على هذا فإن ما يُعدّ منها من قبيل القواعد, تكون لها ميزة على القواعد الأخرى, بأنها (قواعد وأدلة في آن واحد), بخلاف القواعد الفقهية الأخرى, فهي نفسها بحاجة إلى أدلة قبل أن يستدل بها. وبهذا تكون لأمثال هذه النصوص من جوامع الكلم ميزة على بقية القواعد الفقهية الأخرى من جهة (الدليلية والحجية).
3- إن جوامع الكلم ليست قاصرة على نوع "القواعد الفقهية" فحسب, بل فيها ما
ينسحب مفهومه على قواعد شرعية أخرى غير القواعد الفقهية.
4- هناك نصوص من الكتاب والسنة, وُصفت بأنها من "جوامع الكلم", ولا صلة لها بموضوع القواعد الفقهية, لكونها لا تتعلق بالأحكام الشرعية العملية التي هي موضوع القواعد الفقهية.



أ - فمن أمثلة هذا النوع, قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ} [طه: 78]
فقوله: "ما غَشِيَهُمْ": قال فيه الزمخشري : هو "من باب الاختصار ومن جوامع الكلم التي تستقلّ مع قلتها بالمعاني الكثيرة, أي غشيهم ما لا يَعلم كُنهَه إلا الله" [SUP][1][/SUP].
ب - ومن أمثلته ما جاء في حديث التشهد في الصلاة, أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقولون في التشهد: "السلام على جبريل و ميكائيل , السلام على فلان وفلان ". فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا بدلا من ذلك: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ", قال: "فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض " [SUP][2][/SUP].
فقوله صلى الله عليه وسلم: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ", هو لفظ "يشمل الجميع مع غير الملائكة من النبيين والمرسلين والصديقين وغيرهم بغير مشقة" [SUP][3][/SUP], "وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم" [SUP][4][/SUP].
فهذان النصان وُصفا بكونهما من "جوامع الكلم", ولكن من الواضح أنه لا صلة لهما بالقواعد الفقهية لعدم تعلقهما بالأحكام الشرعية, بل هما أقرب ما يكونان من باب التمثيل للإعجاز البياني في أساليب القرآن الكريم والسنة النبوية.


---------------------------------------------
[1] الكشاف 3/79، وانظر التحرير والتنوير 16/157.
[2] رواه البخاري/1/166(831) وفي مواضع أخر ، ومسلم 301/1- 302 (402) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
[3] فتح الباري لابن حجر 2/315.
[4] فتح الباري لابن رجب 6/76، وفتح الباري لابن حجر 2/315.
 
أعلى