العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

العَلاقات بين نصوص القواعد

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني

بسم الله الرحمن.jpg
العلاقات بين نصوص القواعد*
إعداد الأستاذ أشرف عبد الله برعي

* مادة هذا البحث مقتبسة من المقدمات التي صدرت بها(معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية)والتي تناولت أهم الجوانب والقضايا والآثار النظرية والمنهجية والتاريخية والتطبيقية, لعلم القواعد وتراثه العظيم.

 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

العلاقات بين نصوص القواعد

يتناول هذا البحث موضوع العَلاقات بين القواعد الفقهية, ويقع في مقدمة وأربعة مباحث:
- المقدمة: وتشتمل على:
تمهيد.
مفهوم العَلاقات بين القواعد.
والمباحث الأربعة هي:
- المبحث الأول: مظاهر اهتمام العلماء بالربط بين القواعد.
- المبحث الثاني: أهمية إدراك العلاقات بين القواعد.
- المبحث الثالث: نظرة عامة إلى العلاقات بين الألفاظ بعضها ببعض.
- المبحث الرابع: أنواع العلاقات بين القواعد وترتيبها.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

المقدمة
تمهيد:
إن جمعَ القواعد المتشابهة والمتناظرة التي تربطها علاقة, وذِكْرَ أنواعِ العلاقات وتقاسيم المناسبات بينها, هو من باب جمع الأشباه والنظائر الذي أرشد إليه المُحدَّثُ المُلهم عمرُ بنُ الخطاب , رضي الله تعالى عنه, في كتابه لأبي موسى الأشعري , رضي الله تعالى عنه, وفيه: " أَمّا بَعْدُ: فَإِنَّ القَضاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فافْهَمْ إذا أُدْلِيَ إلَيْكَ ... " إلى أن قال: " الفَهْمَ الفَهْمَ فِيما يَخْةلِجُ فِي صَدْرِكَ , مِمّا لَمْ يَبْلُغْكَ فِي الكِةابِ والسُّنَّةِ, اعْرِف الأَمْثالَ والأَشْباهَ, ثُمَّ قِس الأُمُورَ عِنْدَكَ, فاعْمِدْ إلَى أَحَبِّها إلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِها بِالحَقِّ فِيما تَرَى... " [SUP][1][/SUP].
ففي قوله رضي الله تعالى عنه: " اعْرِفْ الأَمْثالَ والأَشْباهَ, ثُمَّ قِس الأُمُورَ عِنْدَكَ . " إشارة إلى ضرورة معرفة المتشابهات والمتماثلات, ومن ذلك معرفة المتشابهات والمتماثلات من القواعد. كما أن في قوله: " فاعْمِدْ إِلَى أَحَبِّها إِلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِها بِالحَقِّ . " إشارةً إلى أن من النظائر ما يخالف نظائرَه في الحكم لِمُدْرَك [SUP][2][/SUP] خاص [SUP][1][/SUP], وهو فن يسمى "الفروق". وفن "الفروق" كما يكون في الفروع, يكون في القواعد أيضا, وقد صنف الإمام/ 3القرافي كتابه "الفروق" لهذا الغرض [SUP][2][/SUP], ولذلك صلة بموضوع العلاقات بين القواعد؛ حيث إن معرفة الفروق بين القواعد المتشابهة في الظاهر ينبني على دراسة العلاقات بينها, كما سيأتي بيانه.
هذا وإن إدراك العلاقات بين الأشياء عامة هو أصل عملية التفكير بنوعيه التقليدي والإبداعي, فالتفكير ليس إلا "إدراكا لعلاقة جديدة بين موضوعين أو موضوعات مختلفة. ", أو هو "انعكاس للعلاقات والروابط بين الظواهر والأحداث والأشياء, في شكل لفظي ورمزي. " [SUP][3][/SUP].
وكل العمليات الفرعية التي تتم تحت عملية التفكير لا تكون بدون إدراك العَلاقات والنسب بين الأشياء, سواء في ذلك: المقارنة, أو التصنيف, أو التنظيم, أو الارتباط بالمحسوسات, أو التحليل, أو التركيب, أو الاستدلال بنوعيه: الاستنباط والاستقراء. كل ذلك ينبني على عملية إدراك العَلاقات بين الأشياء؛ فالفكر ليس إلا "ترتيب أمور معلومة يؤدي إلى تحصيل مجهول" [SUP][4][/SUP], وقد أطلقوا على المنطق الرياضي الحديث: "منطق العَلاقات" [SUP][5][/SUP].

فبدون العَلاقات تصبح جميع التصورات مجرد ألفاظ لا قيمة لها, ولا عمل للعقل حيالها, فإن التصورات كلَّها وضعية, ولولا العَلاقاتُ بين هذه التصورات لما نشأت الماصدقاتُ؛ فالجانب الأكبر من التصديق عقلي ناشئ من إدراك العلاقات والنِّسَب بين هذه التصورات [SUP][1][/SUP].
والنسبة هي أحد مفاهيم العقل الأساسية, ويعرفها الجرجاني بقوله: هي إيقاع التعليق بين شيئين. [SUP][2][/SUP] وإدراك هذه النسبة يسمى حكما؛ فالحكم ليس إلا إدراك "نسبة أمر إلىآخر إيجابا أو سلبا" [SUP][3][/SUP]؛ فبدون العلاقات لا تنشأ الأحكام.
وكل معرفة إنما هي عبارة عن عَلاقة شيء بآخر [SUP][4][/SUP] "فلا معنى لنظر العقل إلا دَرْك انقسام الأمور المتشابهة في الظاهر, ودَرْك اجتماع الأمور المفترقة في الظاهر؛ فإن الأشياء تختلف في أمور وتشترك في أمور, وإنما شأن العقل أن يميز بين ما يشترك فيه وما يفترق فيه" [SUP][5][/SUP].
وليست العلة في القياس الأصولي إلا شكلا من أشكال العلاقات التي تربط الأصلَ بالفرع الذي يتخرج عليه.

ومن ذلك القواعد أيضا؛ فإن القواعد بالنسبة إلى بعضها كالمفردات بالنسبة إلى بعضها, والقواعد وإن كانت تفارق المفردات في كونها جملا تفيد معنى تاما بنفسها, إلا أنها تفتقر إلى العلاقات والنِّسَب فيما بينها, وأهل المنطق كما بحثوا في العلاقات المختلفة بين المفردات الكلية, فقد بحثوا أيضا في العلاقات المختلفة بين القضايا, كما سيأتي بيانه. فإذا انتسب بعض هذه القضايا الكلية إلى بعض؛ تم معناها واكتمل مبناها, وكونت بناء موضوعيا متكاملا, وظهرت علاقات جديدة بينها وبين قواعد أخرى لم يسبق أن قيل إن بينها علاقة, وانتظمت فروعها وأينعت ثمارها ودنا قطافها.
---------------------------------------------
[1] أخرجه الدارقطني في سننه 5/369 (4472)، والبيهقي في الكبرى 10/ 252 (20537)، وفي المعرفة 14/ 240 (19792)، وأبو نعيم في الحلية 1/50، وهناد بن السري في الزهد 2/436، وابن عساكر في تاريخه 32/71 .
[2] المُدرك، ضبطه صاحب المصباح المنير بضم الميم، وهو: القدر المشترك الذي به اشتركت الصور في الحكم . انظر: المصباح المنير: مادة (درك) ؛ التحبير شرح التحرير للمرداوي 1/126، مكتبة الرشد، سنة 1421 هـ - 2000 م، تحقيق: د . عبد الرحمن الجبرين، د . عوض القرني، د . أحمد السراج ؛ وشرح الكوكب المنير لابن النجار 1/30، معهد البحوث العلمية بجامعة أم القرى، الطبعة الثانية، سنة 1423 هـ، بتحقيق د . محمد الزحيلي، د . نزيه حماد ؛ الأشباه والنظائر للسبكي 1/11 .
[1] انظر الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 7 .
[2] انظر الفروق للقرافي مع هوامشه 1/9، 10 .
[3] انظر القدرات العقلية، خصائصها وقياسها لإبراهيم وجيه محمود، طبعة دار المعارف، سنة 1985م .
[4] تسهيل المنطق لعبد الكريم الأثري ص 7، مطابع سجل العرب، الطبعة الثانية، سنة 1984 م .
[5] انظر المعجم الفلسفي ص 122، مجمع اللغة العربية، طبعة الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، سنة 1403 هـ، 1982 م.
[1] يقسم المنطقيون العلم إلى: علم بمفرد يسمى تصورًا، كالعلم بمعنى الإنسان والكاتب . وعلم بنسبة يسمى تصديقًا، وهي: إسناد شيء إلى آخر بالنفي أو الإثبات ؛ بمعنى إيقاعها أو انتزاعها . انظر: معيار العلم في فن المنطق للغزالي ص 76، 86، دار المعارف، مصر، سنة 1961، بتحقيق سليمان دنيا ؛ طوالع الأنوار من مطالع الأنظار للبيضاوي ص 55، دار الجيل، بيروت، والمكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، الطبعة الأولى سنة 1411 هـ، 1991 م ؛ التحبير شرح التحرير للمرداوي 1/216، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، سنة1421 هـ - 2000 م ؛ تجديد علم المنطق في شرح الخبيصي على التهذيب لعبد المتعال الصعيدي ص 11، 12 ؛ ضوابط المعرفة لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ص 18، طبعة دار القلم – دمشق - الطبعة الرابعة، سنة 1414 هـ - 1993 م .
[2] - التعريفات 1/241 .
[3] تسهيل المنطق لعبد الكريم الأثري ص 7 .
[4] انظر المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية ص 200 .
[5] معيار العلم في فن المنطق للغزالي ص 73، طبع المطبعة العربية بمصر - الطبعة الثانية سنة 1346هـ-1927م .
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

مفهوم العلاقات بين القواعد:
العَلَق : الشيء النفيس من كل شيء. وكلُّ شيء وقَع مَوْقِعَه فقد عَلِق مَعالِقَه. والعلق أيضا: الحُبُّ. والعرب تقول: نظرةٌ من ذي عَلَقٍ" [SUP][1][/SUP]. أي: من ذي حُب. والعَلاقة -بالفتح- أيضا: الحُبُّ. يقال: عَلِق بقَلْبِه عَلاقةً. فأما العِلاقة - بالكسر - فهي ما يُعَلَّق به السَّوطُ وما أشبهه [SUP][2][/SUP].
فالعِلاقة - بكسر العين - تستعمل في المحسوسات والأمور الخارجة, مثل: عِلاقة القوس والسوط ونحوهما.
والعَلاقة - بفتح العين - تستعمل في المعاني والمعقولات, مثل: عَلاقة المحبة والخصومة ونحوهما [SUP][3][/SUP], ومن ذلك العَلاقة بين الألفاظ والكليات والمعاني والقواعد.

والعَلاقة في اصطلاح أهل المنطق: شيء بسببه يَستصحِب الأولُ الثاني [SUP][1][/SUP].
وفي اصطلاح البلاغيين: اتصال ما بين المعنى الحقيقي والمجازي [SUP][2][/SUP].
والقواعد التي بينها علاقة: هي تلك القواعد التي بينها نسبة أو صلة ظاهرة, بحيث يستصحب ذكرُ بعضها ذكرَ بعض, ويؤدي ذكرُها إلى زيادة بيان وتكامل ووضوح في المعنى.
فهي قواعد مختلفة, كل قاعدة منها مستقلة بنفسها, غير أن بينها عَلاقات وصِلات ونَسَبًا. وهذه العَلاقات قد تظهر وقد تخفى وقد تتوسط, وإنما يعول على العَلاقات الظاهرة أو القريبة من الظاهرة فقط, فأما العَلاقات الخفية أو القريبة من الخفية فلا يعول عليها؛ فإن الأوصاف الخفية لا تصلح أن تكون علاقات لأنها تؤدي إلى التكلف, وتتبعها يؤدي إلى ربط كل شيء بكل شيء؛ فجميع القواعد يمكن تصور عَلاقات بينها بوجه من الوجوه, وقد نبه علماء الأصول على نحو من هذا عند اشتراطهم الظهور في علة القياس.
---------------------------------------------
[1] المستقصى في أمثال العرب للزمخشري 2/368، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1987م .
[2] انظر: فقه اللغة للثعالبي . . . ؛ الأمالي في لغة العرب للبغدادي 3/6، ط: دار الكتب العلمية - بيروت – سنة 1398هـ 1978م ؛ النهاية في غريب الأثر لابن الأثير 3/556 .
[3] انظر الكليات للكفوي 1/653 ؛ والتعريفات للجرجاني 1/199 ؛ خزانة الأدب للبغدادي 11/247، طباعة دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى، سنة 1998م، تحقيق: محمد نبيل طريفي، إميل بديع اليعقوب .
[1] التعريفات للجرجاني 1/199 ؛ التوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي، دار الفكر، سنة 1410، الطبعة الأولى، تحقيق: د . محمد رضوان الداية .
[2] انظر الكليات للكفوي 1/653 ؛ التعريفات للجرجاني 1/199 .
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

المبحث الأول
مظاهر اهتمام العلماء بالربط بين القواعد

لقد تناثر في كلام المتقدمين والمعاصرين ذكرُ العلاقات بين القواعد في ثنايا كتبهم, وذكرُ أوجه المناسبات بينها, وتعددت عباراتهم في ذلك, مثل قولهم: (ويلحق بها - ويتفرع عنها -ويتصل بها - ويندرج تحتها - قواعد تابعة لها - بينهما تداخل - هذه القاعدة بمثابة القيد لقاعدة كذا... ), وكثيرا ما نجد مِن أهل العلم مَن يردّ القواعد الفقهية إلى خمس أو ست أو عدد كذا من القواعد, ولهم في ذلك تقاسيم وتراتيب للقواعد تدور حول هذا الموضوع.
على أن جماعة ممن صنفوا في القواعد انتهجوا في ترتيبها الترتيب على حروف المعجم, منهم/ 3الزركشي في المنثور , والخادمي في القواعد التي ختم بها كتابه في أصول الفقه " مجامع الحقائق ", فعرضها دون شرح, مرتبة على حروف المعجم, ومنهم ناظر زاده في كتابه ترتيب اللآلئ . وهذه الطريقة وإن كانت تيسر بعض الشيء سرعة الوصول للقاعدة [SUP][1][/SUP] إلا إنها تشتت القواعد, وتفرق الموضوع الواحد وتفصل بين قواعده, والفهارس تؤدي هذا الغرض وتلبي هذه الحاجة.

إن أول ما وصل إلينا من المصنفات في القواعد هو رسالة أبي الحسن عبيد الله بن الحسين الكرخي المتوفى سنة 340 هـ المعروفة بـ " أصول الكرخي ", وهي في الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية, فأورد سبعًا وثلاثين أصلا, عبارة عن قواعد فقهية وأصولية, وهو وإن لم ينص على علاقة هذه الأصول ببعضها - فالكتاب عبارة عن سرد لأهم الأصول التي سارت عليها كتب الحنفية فقط دون ذكر لأي تعليق - إلا أن الترتيب الذي سار عليه فيه شيء من ذلك, فنراه جمع بعض القواعد المتقاربة والمتحدة في الموضوع مسلسلة, مثل:
أ- الأصل أن الظاهر يدفع الاستحقاق ولا يوجب الاستحقاق .
ب- الأصل أن من ساعده الظاهر فالقول قوله والبينة على من يدعي خلاف الظاهر .
ج- الأصل أنه يعتبر في الدعاوى مقصود الخصمين في المنازعة دون الظاهر .
د- الأصل أن الظاهرين إذا كان أحدهما أظهر من الآخر فالأظهر أولى لفضل ظهوره
[SUP][1][/SUP] .
فهذه المجموعة التي أوردها مسلسلة تربطها عَلاقة التكامل والاتحاد في الموضوع, فهي تعبر عن مكانة "الظاهر" في الدعاوى والبينات, فهي متكاملة ومترابطة, وهذا يعني أن جمع القواعد التي بينها عَلاقة كان حاضرا في ذهنه بوجه ما, كما أن أصل فكرة الكتاب هو جمع الأصول التي ترد إليها كل مسائل الفقه الحنفي, ويدخل في ذلك الفروع والقواعد والضوابط التي هي دون هذه الأصول أيضا. ومن ثم, ففي صنيع الكرخي إشارة إلى ربط قواعد وضوابط الفقه الحنفي بهذه الأصول.

وقد قام نجم الدين أبو حفص عمر بن أحمد النسفي المتوفى سنة 537 هـ بوضع أمثلتها ونظائرها وشواهدها, وقد طبعت مع هذه الأمثلة والنظائر ملحقة بكتاب " تأسيس النظر [SUP][1][/SUP] ".

وصنف الإمام عز الدين بن عبد السلام , المتوفى سنة 660 هـ كتابه: " قواعد الأحكام في مصالح الأنام ", مشتملا على فصول فقهيّة تندرج تحتها أحكام مفصّلة, وهو كتاب لا نظير له في بابه, قسمه إلى موضوعات فقهيّة وأخلاقيّة وعقديّة, يربط كلّ فروعه سواء القواعد أو الأحكام الجزئية برباط وثيق الصّلة, ويرد ذلك كله إلى القاعدة المقاصدية الكبرى: " جلب المصالح ودرء المفاسد [SUP][2][/SUP] ".

ومن أهم الجهود في ذلك ما قام به الإمام القرافي المتوفى سنة 684 هـ في كتابه: " أنوار البروق في أنواء الفروق " المشهور بـ" الفروق ", حيث إنه بين الفروق بين القواعد المتشابهة التي يظن أنها مترادفة, ووضح كل قاعدة بالفروع التي تناسبها, وذكرَ في ثنايا ذلك العلاقات بين هذه القواعد؛ حتى يتضح الفرق, وقال في مقدمة كتابه: جعلت مبادئ المباحث في القواعد بذكر الفروق والسؤال عنها بين فرعين أو قاعدتين, فإن وقع السؤال عن الفرق بين الفرعين؛ فبيانه بذكرِ قاعدة أو قاعدتين يحصل بهما الفرق, وهما المقصودتان, وذكرُ الفرق وسيلة لتحصيلهما. وإن وقع السؤال عن الفرق بين القاعدتين فالمقصود تحقيقهما, ويكون تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما أولى من تحقيقهما بغير ذلك؛ فإن ضم القاعدة إلى ما يشاكلها في الظاهر ويضادها في الباطن أولى؛ لأن الضدَّ يُظْهِر حسنَه الضدُّ, وبضدها تتميز الأشياء. ا هـ

ولأهمية عمل الإمام القرافي في هذا الكتاب ونفاسته حظي باهتمام كبير من علماء المالكية, فتوالت عليه الأعمال العلمية, فرتبه محمد بن إبراهيم البقوري , المتوفى سنة 707 هـ, في كتابه: " ترتيب فروق القرافي ", واختصره شمس الدين محمد بن أبي القاسم الربعي التونسي , المتوفى سنة 715, في كتابه: " مختصر أنوار البروق في أنواء الفروق ", وتعقبه واستدرك عليه ابن الشاط, قاسم بن عبد الله الأنصاري المتوفى سنة 723 هـ, في كتابه: " إدرار الشروق على أنواء الفروق ", قال التنبكتي : عليك بفروق القرافي, ولا تقبل منها إلا ما قبله ابن الشاط [SUP][1][/SUP]. كما لخص فروقَ القرافي وهذبه ورتبه ووضحه, محمد علي بن الشيخ حسين المكي , المتوفى سنة 1367 هـ, في كتابه: " تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية " وقد راعى فيه استدراكات ابن الشاط كما نص على ذلك في كتابه [SUP][2][/SUP].
وكتاب " الجواهر والدرر في الفروع " للشيخ على بن عثمان الغزي الحنفي المشهور بشرف الدين الحنفي , المتوفى سنة 799 هـ, يقول عنه حاجي خليفة : وهو كتاب كبير ذكر فيه قواعد, وأن القاعدة الفلانية تخالف القاعدة الفلانية في كذا وكذا [SUP][3][/SUP].

---------------------------------------------
[1] وذلك إذا كان لفظها محددا ومعروفا لدى الباحث عنها .
[1] أصول الكرخي ص 306، 307، طبع ضمن "كنز الوصول الى معرفة الأصول" المعروف بـ " أصول البزدوي"، مطبعة جاويد بريس - كراتشي، تحقيق: عصمت الله عنايت الله.
[1] انظر: تأسيس النظر للدبوسي ويليه رسالة الإمام أبي الحسن الكرخي ص 161، دار ابن زيدون - بيروت، ومكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة - تحقيق: مصطفى محمد القباني الدمشقي .
[2] انظر مقال مناهج التأليف في القواعد الفقهية للدكتور محمد علي فركوس، من مجلّة الإصلاح السلفيّة الجزائريّة، العدد الرابع عشر، جمادى الأولى/جمادى الآخرة، 1430 هـ مايو/جوان 2009 م .
[1] - انظر: تهذيب الفروق لمحمد علي بن حسين المكي 1/3، مطبوع بهامش الفروق للقرافي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت .
[2] - انظر: تهذيب الفروق لمحمد علي بن حسين المكي 1/3 ؛ وانظر في الكتب المؤلفة على كتاب الفروق للقرافي مقدمة د . عمر بن محمد السبيل لتحقيق كتاب "إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل " لعبد الرحيم بن عبد الله بن محمد الزرايراني الحنبلي ص 30، 31 .
[3] كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/6 .
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

وصنف جماعة من أهل العلم مصنفات بعنوان: "الأشباه والنظائر" في الفقه, والتي كان أول من صنف فيها ابن الوكيل, محمد بن عمر, الملقب بصدر الدين , المتوفى سنة 716 هـ. غير أنه توفي قبل أن يبيض كتابه وينقحه؛ فجاء مجموعا مفرقا [SUP][1] [/SUP], لم يظهر فيه أي تنسيق أو ربط أو ترتيب بين قواعده. ولما وجد تاج الدين السبكي المتوفى سنة 771 هـ كتاب ابن الوكيل عبارة عن نبذ متناثرة تحتاج إلى التهذيب والترتيب والتنسيق؛ صنف كتابه الموسوم بالاسم نفسه "الأشباه والنظائر", فحرره ونقحه وزاد عليه ما يزيد على نصفه, ورتبه ترتيبا بديعا ألف فيه بين قواعده, وجمع فيه بين متناثر مباحثه؛ فجاءت قواعده مترابطة؛ بدأ فيه بالقواعد الأساسية الخمس, ثم القواعد العامة, ثم القواعد الخاصة (الضوابط), ثم أورد مباحث أخرى متعددة.

وفي أثناء عرضه للقواعد يتعرض عند الحاجة للمقارنة بين قاعدتين, فيذكر نوع العلاقة التي تربطهما, ويبين وجه العلاقة, ومن ذلك مثلا:

أ- قوله:
وقولنا:
" هل العبرة بالحال أو المآل " بينه وبين قولنا: " ما قارب الشيء أعطي حكمه " عموم وخصوص, فإنه أعم من حيث إنا نعطي الشيء في كل من حالتي الحال والمآل حكم الأمرين معا؛ سواء كان أحدهما مقارنا للآخر أم لا. وأخص, من حيث إن مقارب [SUP][2] [/SUP]الشيء يعطى حكمه وإن لم يكن موضوعا لأن يؤول إليه" [SUP][3] [/SUP].
ب- وقوله بعد قاعدة:
" ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه, لا يوجب أهونهما بعمومه ": يقرب من هذه القاعدة قاعدة أخرى, وهي:
" إذا اجتمع أمران من جنس واحد دخل أحدهما في الآخر غالبا "ى... القاعدة أعم من التي قبلها؛ لأن الشيئين من جنس واحد قد يكون أحدهما أعظم [1] من الآخر وقد لا يكون [2].

ثم جاءت
مجلة الأحكام العدلية , التي اختارت لجنتها تسعا وتسعين قاعدة من أهم قواعد المذهب الحنفي, لكنها لم تراع في سردها ترتيبا معينا, غير أنها أحيانا تورد بعض القواعد المترابطة مسلسلة. ولقد كان للمجلة مكانة كبيرة عند علماء الحنفية؛ فقام الشيخ أحمد الزرقا بشرح قواعدها ورَبط بين الكثير منها, وذَكر أنواع العلاقات المختلفة بينها, ومن أمثلة ذلك:
ذكر المادة (21), وهي قاعدة: " المشقة تجلب التيسير ". وأردفها بالمادة (22), وهي قاعدة: " الضرورات تقدر بقدرها "
. وقال عن الثانية: "هي في قوة التقييد للمادة (21)" [SUP][3] [/SUP].
ذكر المادة رقم (20) وهي قاعدة: " الضرر يزال " , وفي المادة (25) وهي قاعدة: " الضرر لا يزال بمثله ", قال: هذه المادة تصلح أن تكون قيدا للمادة (20): " الضرر يزال " أي إلا إذا كانت إزالته لا تتيسر إلا بإدخال ضرر مثله على الغير[SUP][4] [/SUP].

ثم أكمل عمله ابنه الأستاذ
مصطفى الزرقا ؛ واستفاد من صنيع والده رحمه الله تعالى الذي كان حريصا على إثبات العلاقات بين القواعد كما سبق, وقد انتقد رحمه الله على لجنة مجلة الأحكام أنهم سردوا القواعد بدون ترتيب معين, ففرقوا بين المتشابهات وشتتوا الموضوع الواحد؛ فأعاد ترتيب قواعد المجلة حتى يجمع المتشابهات والمتداخلات والمتقاربات والمتحدات في الموضوع من القواعد, فصنفها إلى قسمين قواعد أساسية وقواعد متفرعة عنها, فجاءت القواعد الأساسية أربعين, والمتفرعات تسعا وخمسين, ورتب القواعد الأساسية بحسب موضوعاتها, ثم قام بتوزيع القواعد المتفرعة تحت القواعد الأساسية, فجعل تحت كل قاعدة أساسية ما يتفرع عنها من القواعد. ثم هو في أثناء ذلك يذكر العلاقات بين القواعد كلما احتاج المقام لذلك, مستفيدا في ذلك من شرح والده على قواعد المجلة, فمثلا ذكر قاعدة:
" المشقة تجلب التيسير " . وأتبعها بقاعدة " الضرورات تقدر بقدرها " , ثم قال عن الثانية: هذه القاعدة قيد لسابقتها [SUP][1] [/SUP]. وتقدم أن والده نبه أيضا على هذه العلاقة بين القاعدتين, وقد ذكر الأستاذ مصطفى العلاقات التي نبه إليها والده وزاد عليها وساعده على ذلك أنه رتب القواعد ترتيبا موضوعيا فجعل القواعد ذات العلاقة في زمر متحدة.

كما قام الشيخ
محمود حمزة بجمع القواعد والضوابط والأصول من أمهات مصادر الحنفية؛ فجمعها في كتابه " الفرائد البهية في القواعد والفوائد الفقهية " [SUP][2] [/SUP]وكان من عمله فيها أنه رتب القواعد على أبواب الفقه, وأوضحها ببعض الأمثلة, وباستثناء هذا الترتيب لا يعرف له أي عمل حيال الربط بين القواعد.

ثم جاءت (معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية) , فجددت في هذا المجال من جهة الشمول والعموم والتفصيل والتعميق, لا من حيث أصل الفكرة؛ فإن أصل الفكرة موجود عند العلماء المتقدمين والمعاصرين كما ذُكِرَ, لكن العمل السابق على المعلمة إنما هو في قواعد معينة وفي إطار علاقات معينة, وعمل المعلمة شامل لجميع القواعد, وجميع أنواع العلاقات الممكنة؛​
----------------------------
[1] انظر فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي 4/15، دار صادر – بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1973، 1974، بتحقيق إحسان عباس ؛ طبقات الشافعية 9/255 ؛ والأشباه والنظائر، كلاهما للتاج السبكي ؛ وانظر: القواعد الفقهية لعلي أحمد الندوي ص 316، دار القلم، دمشق، الطبعة الثامنة، سنة 1430 هـ، 2009 م .
[2] - في المطبوع " مقابلة " والصواب ما أثبتناه .
[3] الأشباه والنظائر للتاج السبكي 1/98 .

[1] في المطبوع "أعم" والصواب ما أثبتناه ليستقيم المعنى .
[2] الأشباه والنظائر للتاج السبكي 1/98 .
[3] شرح القواعد الفقهية لأحمد الزرقا ص 187 .
[4] شرح القواعد الفقهية لأحمد الزرقا ص 195 .

[1] المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا 2/991، 996 .
[2] طبع بدمشق، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1406هـ-1986م .
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

المبحث الثاني
فوائد إدراك العلاقات بين القواعد

استكشاف العلاقات بين القواعد وبيانُها بخصوص كل قاعدة مع قريباتها, ينطوي على فوائد علمية عديدة, نجملها فيا يلي:
الفائدة الأولى: أن القواعد ذات العلاقة توضح وتبين مجال القاعدة, فتعطي صورة إجمالية عن مرادها وحدودها, وتخصص عمومها وتقيد إطلاقها وتكمل معناها, وتعلل حكمها. وبذلك يتضح الفرق بينها وبين ما قد يتداخل معها. فالربط بين القواعد من باب جمع شتات الموضوع الواحد وضرب بعضه ببعض حتى يستبين ويتضح. فإذا كان الباب الفقهي لا يستبين حكمه ولا يتضح حتى تجمع أدلته, فكذلك القاعدة لا تستبين ولا يكمل النفع بها إلا بجمع مكملاتها ومقيداتها وما يدور في فلكها من القواعد الأخرى.
يقول الإمام القرافي : "... فصارت قاعدة الأمر تشهد لقاعدة النهي, كما شهدت قاعدة خبر الثبوت في اليمين لقاعدة خبر النفي؛ فأوضح كل منهما الأخرى" [SUP][1][/SUP].

ومن أمثلة ذلك:
قاعدة: " الضروراتُ تُبِيحُ المَحْظوراتِ [SUP][1][/SUP] ". فعند النظر في القواعد المتعلقة بها, مثل:
أ - الحرج مرفوع عن المكلف [SUP][2][/SUP]/ 6عم .
ب - المشقة تجلب التيسير [SUP][3][/SUP] أعم .
ت - الضرر يزال [SUP][4][/SUP] أعم .
ث - الضرورة تقدر بقدرها [SUP][5][/SUP]/ 6 مقيدة .
ج - الاضطرار لا يبطل حق الغير [SUP][6][/SUP] . مقيدة .
ح - ما جاز لعذر بطل بزواله [SUP][7][/SUP]/ 6 مقيدة .
خ - الحاجة تنزل منزلة الضرورة, عامة أو خاصة [SUP][8][/SUP]/ 6 مكملة .
د - لا واجبَ مع العَجْزِ [SUP][9][/SUP] مكملة .

يتبين أن هذه القاعدة متفرعة من أصل: "رفع الحرج" ومن قاعدة: " الضرر يزال ", ومن قاعدة: " المشقة تجلب التيسير [SUP][1][/SUP] ", وأنها من القواعد المشتركة بين كل من الفقه, وأصول الفقه [SUP][2][/SUP], والمقاصد الشرعية, وأن هناك قيودا وشروطا لا بد من توافرها حتى يسوغ إعمال هذه القاعدة, منها:
أ- أنها ليست على إطلاقها؛ فينبغي أن يُقتصر فيما يباح فعله للضرورة على الحد الأدنى, وعلى القدر الذي يكفي لكي تندفع به الضرورة ولا يُزاد عليه, كما تنص على ذلك القاعدة المقيدة لها: " الضرورة تقدر بقدرها [SUP][3][/SUP] ".
ب- وأن قاعدة " ما جاز لعذر بطل بزواله " تبين أن زمن الإباحة مقيد بزمن بقاء العذر, فإذا زال العذر زالت الإباحة [SUP][4][/SUP].
ج- وأن قاعدة: " الاضطرار لا يبطل حق الغير " تبين أن الاضطرار مقيَّد بكونه لا يبطل حق الغير, وإذا كان المحظور متعلقًا بحق مالي لغيره مثلا؛ فهو - وإن أبيح ارتكابه للضرورة - لا يمنع من الضمان. [SUP][5][/SUP]
د- وأن قاعدة: " لا واجبَ مع العَجْزِ . " تنص على حكم "الواجب" الذي هو مقابل للـ"محظور", وقاعدة: " الحاجة تنزل منزلة الضرورة, عامة أو خاصة " تنص على حكم " الحاجة" التي هي قسيم للـ"ضرورة"؛ وبذلك تكتمل المعرفة والإحاطة بجوانب القاعدة المختلفة بصورة إجمالية قبل الشروع في الشرح.

---------------------------------------------
[1] الفروق للقرافي 3/81.
[1] الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/45، المنثور للزركشي 2/217، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 84 ؛ الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 85، ترتيب اللآلئ لناظر زاده 2/804، إيضاح المسالك للونشريسي ص 365، رقم (97)، مجلة الأحكام العدلية وشروحها: المادة (21) .
[2] الموافقات للشاطبي 2/136.
[3] الأشباه والنظائر للسيوطي ص7.
[4] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 83 ؛ الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 85 التحقيق الباهر لهبة الله أفندي 1/42، الكليات الفقهية لابن غازي 2/822، نواضر النواظر لابن الملقن ص20، ترتيب اللآلئ لناظر زاده 2/801، شرح القواعد الفقهية للزرقا ص 125.
[5] مجلة الأحكام العدلية وشروحها: المادة (22).
[6] مجلة الأحكام العدلية وشروحها: المادة (33).
[7] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 86 ؛ الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 95 ؛ وشرحه غمز عيون البصائر للحموي 2/92 ؛ والقواعد لابن المبرد 1/215، 222 ؛ مجلة الأحكام العدلية وشروحها: مادة (23) ؛ شرح القواعد الفقهية للزرقا 1/188 .
[8] الأشباه والنظائر لابن الوكيل 2/270 ؛ الأشياه والنظائر لابن الملقن 2/346 ؛ الأشياه والنظائر للسيوطي 1/88 ، الأشياه والنظائر لابن نجيم ص91.
[9] إعلام الموقعين لابن القيم 2/41، 4/94 ؛ القواعد والأصول الجامعة للسعدي ص 21 .
[1] انظر: الأشباه والنظائر للسبكي 1/46 ؛ الأشباه والنظائر للسيوطي 84 ؛ الأشباه والنظائر لابن نجيم 85 ؛ شرح القواعد الفقهية للزرقا 158 ؛ المدخل الفقهي العام 2/1002 ؛ الوجيز للبورنو ص 234 ؛ المشقة تجلب التيسير للباحسين 479، 480 ؛ القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها ص 254 ؛ القواعد الكبرى في الفقه الإسلامي لعبد الله العجلان ص79 .
[2] انظر: الوجيز للبورنو ص 234 ؛ القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير ص 259 . وراجع أيضًا: شرح الأتاسي على مجلة الأحكام 1/55 .
[3] انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي 84 ؛ الأشباه والنظائر لابن نجيم 86 .
[4] انظر: المشقة تجلب التيسير للباحسين ص 487 .
[5] انظر: نظرية الضرورة الشرعية 226 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

الفائدة الثانية: أن القواعد إنما احتيج إليها بعدما كثرت الفروع, فالفروع من طبيعتها أنها متكاثرة غير متناهية, تتكاثر وتتولد مع مرور الزمان وتتابع الأحداث والمستجدات, فلما آل الأمر إلى كثرة الفروع وتشعبها, تفتقت أذهان الفقهاء عن هذه الفكرة, وهي وضع قوانين ودساتير وجوامع من الكلم (أي القواعد), تسهل استحضار الفروع والجزئيات, وتيسر الرجوع إليها.
غير أن الحال قد آل في القواعد أيضا إلى كثرة نسبية قد تعود على أصل هذا المقصود بشيء من النقصان؛ فالقواعد إذا كثرت قد تضعف فائدتها وقيمتها. وقد بلغت نزعة التقعيد والمبالغة فيه أن بعض القواعد ليس لها إلا فرعان وأحيانا فرع واحد, بل وبعضها لا فروع لها البتة, وإنما نشأت بسبب المناظرات التي قامت بين الفقهاء, واضطرتهم إلى فرضيات قد لا تكون واقعية., ومن أمثلة هذه المبالغات قول بعضهم: "الأصل أن كل رمي ليس بعده رمي في ذلك اليوم لا يقف عنده, وكل رمي بعده رمي في ذلك اليوم يقف عنده [SUP][1][/SUP]". ولا يراد من ذلك إلا أن الرامي - في الحج - لا يقف للدعاء بعد الرمية الأخيرة.
ومن ثم فإن الربط بين هذه القواعد وعمل العلاقات بينها يرد أكثرها إلى أصول قليلة؛ فتؤول إلى عدد قليل من المعاني الكلية, التي هي أصول القواعد؛ فيُحافَظ بذلك على مقصود وضعها الأول, ويغني معرفة هذه الأصول عن معرفة الكثير من القواعد الصغيرة المتفرعة عنها.
فمثلا قاعدة: " لا حكم للباطل [SUP][2][/SUP] "؛ تجمع لنا في طيها عدة قواعد متفرعة عنها, منها:
أ- المعدوم شرعا كالمعدوم حسا [SUP][1][/SUP] .
ب- كل عقد حرام فوجوده كعدمه [SUP][2][/SUP] .
ج- المنافع المحظورة شرعا ملحقة بالمنافع المعدومة حسا [SUP][3][/SUP] .
د- النكاح إذا لم يعتبر كان بمنزلة العدم [SUP][4][/SUP] .
... وهكذا

---------------------------------------------
[1] انظر بدائع الصنائع للكاساني 2/158 ؛ نصب الراية للزيلعي 3/176 ؛ المبسوط للسرخسي 4/23 .
[2] فتاوى قاضيخان 3/45 .
[1] قواعد المقري 1/333 ؛ إيضاح المسالك للونشريسي ص138 ؛ الذخيرة للقرافي 6/283 ؛ تهذيب الفروق لمحمد علي بن حسين المكي 2/99 ؛ قواعد الحصني 3/377 ؛ موسوعة القواعد الفقهية للبورنو 10/742 ؛ وانظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2/49 ؛ زاد المعاد لابن القيم 5/692 ؛ الإسعاف بالطلب ص 24 ؛ عقد الجواهر الثمينة 1/313 .
[2] مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/340 ؛ شرح منتهى الإرادات 3/82، 433 .
[3] الرتبة في طلب الحسبة للماوردي 1/107 .
[4] فتاوى قاضيخان 1/370 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

الفائدة الثالثة: إن دراسة العلاقات بين القواعد, وأنواع العلاقات بينها يساعد على إدراك التطابق والتكرار بين الكثير من الصيغ التي يظن أنها قواعد مختلفة وهي في الحقيقة تؤدي معنى واحدا؛ فإن الكثير من القواعد التي يظن أنها قواعد مختلفة عند النظر والبحث والمقارنة يتبين أنها ذات مضمون واحد؛ ومن هنا تكون دراسة العلاقات بين القواعد معينة ومساعدة على إدراك التكرار المعنوي بين هذا النوع من القواعد. وقد وقع بعضهم في التكرار لعدم إدراكهم هذا الجانب, ولعدم قيامهم بهذه المقارنات [SUP][5][/SUP]. وفي صنيع الأستاذ مصطفى الزرقا ما يؤيد ذلك, فحينما أعاد ترتيب قواعد المجلة ليجمع القواعد المتحدة في الموضوع والمتقاربة في المعنى والمتداخلة في المجال أدرك بعضا من الترادف بين القواعد التي أوردتها لجنة المجلة على أنها قواعد مختلفة, فمثلا:
أ- أورد قاعدة: " الأصل بقاء ما كان على ما كان ", وأردفها بقاعدة: " ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه ". ثم عقب على الثانية بقوله: هذه القاعدة في معنى سابقتها؛ وجميع أمثلتها في الأحكام العملية واحدة [SUP][1][/SUP].
ب- كما أورد قاعدة: " الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ", وأردفها بقاعدتين هما: " يختار أهون الشرين ", و" إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما ". ثم عقب على الأخيرتين بقوله: هاتان القاعدتان في معنى القاعدة التي قبلهما [SUP][2][/SUP].
ج- وأورد قاعدة: " المشقة تجلب التيسير ", وأردفها بقاعدة: " الأمر إذا ضاق اتسع ", وقال في نهاية كلامه عن الثانية: وهذه القاعدة في معنى سابقتها [SUP][3][/SUP].
د- وأورد قاعدة: " العادة محكمة " ثم قاعدة " استعمال الناس حجة يجب العمل بها ", وعقب على الثانية بقوله: هذ القاعدة في معنى أصلها القائل: " العادة محكمة ", وهي مثلها تشمل العرف اللفظي والعملي؛ لأن الاستعمال معناه هنا العادة والعرف مطلقا [SUP][4][/SUP]. وقد نبه من قبله على ذلك والده الشيخ أحمد الزرقا في شرح القواعد الفقهية بقوله: "الظاهر أن المراد بالاستعمال هنا هو نفس المراد بالعادة" [SUP][5][/SUP].

---------------------------------------------
[5] راجع أمثلة لذلك في مبحث أنواع العلاقات عند الحديث عن علاقة التساوي .
[1] المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا 2/968 .
[2] المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا 2/983، 984 .
[3] المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا 2/991، 994 .
[4] المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا 2/999، 1000 .
[5] شرح القواعد الفقهية ص 223 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

الفائدة الرابعة: وفي مقابل ذلك, فإن من أهم فوائد إدراك العلاقات بين القواعد بيانَ الفروق بين القواعد التي يظن أنها واحدة أو تلتبس مع بعضها, وهو ما اهتم به العلماء وجعله الإمام القرافي من مقاصد كتابه (الفروق). فبمعرفة الفروق بين القواعد "يتضح للفقيه طرق الأحكام, ويكون قياسه للفروع على الأصول متسق النظام, ولا يلتبس عليه طرق القياس فيبني فقهه على غير أساس" [SUP][1][/SUP]
قال الطوفي : إن الفرق من عمد الفقه وغيره من العلوم وقواعدها الكلية, حتى قال قوم: إنما الفقه معرفة الجمع والفرق [SUP][2][/SUP]. وقال الإسنوي الشافعي في كتابه مطالع الدقائق : إن المطارحة بالمسائل ذوات المآخذ المؤتلفة المتفقة, والأجوبة المختلفة المفترقة, من مآثر أفكار الحاضرين في المسالك, ويبعثها على اقتناص أبكار المدارك, ويميز مواقع أقدار الفضلاء, ومواضع مجال العلماء [SUP][3][/SUP].
والعلماء كما اهتموا بالفروق بين الفروع, فقد اهتموا أيضا بالفروق بين القواعد, ولهذا الغرض صنف القرافي كتابه الفروق كما تقدم. ومما تتميز به "معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية" في هذا الجانب, هو إبراز الفروق والعلاقات بين القواعد والضوابط الفقهية والقواعد الأصولية والقواعد المقاصدية [SUP][4][/SUP].

ومن أمثلة ذلك:
أ- يقول القرافي في الفرق الحادي والثلاثين بين قاعدة حمل المطلق على المقيد في الكلي, وبين قاعدة حمل المطلق على المقيد في الكلية وبينهما في الأمر والنهي والنفي: اعلم أن العلماء أطلقوا في كتبهم حمل المطلق على المقيد, وحكوا فيه الخلاف مطلقا, وجعلوا أن حمل المطلق على المقيد يفضي إلى العمل بالدليلين, دليل الإطلاق, ودليل التقييد, وأن عدم الحمل يفضي إلى إلغاء الدليل الدال على التقييد, وليس الأمر كما قالوا على الإطلاق, بل هما قاعدتان متباينتان في هذه الأبواب المتقدم ذكرها [SUP][1][/SUP].
ب- قاعدة: " الكتاب كالخطاب [SUP][2][/SUP] ", وقاعدة: " الخط حجة [SUP][3][/SUP] "؛ فقد يتوهم للوهلة الأولى أنهما مترادفتان, لكن عند النظر يتبين أن بينهما فروقا, فمجال الأولى هو إيقاع التصرفات, ومجال الثانية هو توثيق التصرفات, وهناك فرق بين إيقاع التصرفات وبين توثيقها؛ فقياس الكتاب على الخطاب في القاعدة الأولى منشؤه أن الخطاب هو الأصل في إيقاع التصرفات والكتابة بدل عنه, أما في التوثيق فإن الكتابة أصل من أصوله وليست بدلا. وإيقاع العقد كتابة غير واجب ولا مستحب بالإجماع, لكن التوثيق فيه خلاف حول الوجوب والاستحباب. كما أنه اختلف حول وجوب الإشهاد في التوثيق ووجوب كاتب العدل, ولا شيء من ذلك في شأن إيقاع التصرفات إلا في عقود خاصة, وشأن إيقاع التصرفات وصحتها ووقوعها كتابة أقلُ تشدداوأكثرُ مسامحة من شأن التوثيق في باب الإثبات القضائي؛ فما صح به العقد لا يلزم أن يكون سندا ووثيقة محتجا بها أمام القضاء.

---------------------------------------------
[1] الفروق للسامري 1/115 - 116، دار الصميعي، الطبعة الأولى سنة 1418هـ، دراسة وتحقيق محمد إبراهيم اليحيى .
[2] عَلَم الجذل في علم الجدل للطوفي ص 71 . ط مطبعة كتابكم، عمان، سنة 1408 هـ، 1987 م، بتحقيق: فولفهارات هاينريشس .
[3] مطالع الدقائق في تحرير الجوامع والفوارق للإسنوي ص 1 . تحقيق نصر فريد واصل، رسالة دكتوراه في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، سنة 1392 هـ - نقلا عن مقدمة تحقيق إيضاح الدلائل للزيراني، تحقيق عمر بن محمد السبيل .
[4] انظر ما يأتي من الكلام حول الترادف بين الصيغ في مبحث أنواع العلاقات .
[1] الفروق للقرافي 1/190 .
[2] الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 374 ؛ اللباب، الميداني 4/2 ؛ حاشية الشلبي 7/448 ؛ عمدة ذوي الأبصار لبيرى زاده 1/246/أ ؛ مجمع الأنهر لداماد أفندي 1/320 ؛ مجلة الأحكام العدلية، مادة: 69 ؛ وشرحها لعلي حيدر 1/61 ؛ وللأتاسي 1/190 ؛ للمحاسني 1/92 ؛ شرح القواعد، الزرقا ص 349 .
[3] انظر كتاب أدب القضاء للسروجي 1/344 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

الفائدة الخامسة: إن إدراك العلاقات بين القواعد يربط العلوم بعضها ببعض فيما هو مشترك بينها من قضايا وأحكام, فنجد قاعدة يستخدمها الأصوليون في الأدلة الشرعية, ويستخدمها الفقهاء في أفعال الملكفين, ونجد للقواعد الفقهية نظائر في القواعد المقاصدية والأصولية تحمل المفهوم نفسه؛ مما يدل على انتظام قواعد الشريعة وانسجامها وأن الفقه وأصوله ومقاصده نسيج واحد.
كما أنها تبين أيضا انسجام القواعد الشرعية مع العلوم الأخرى اللغوية والعقلية؛ فالعلاقات بين القواعد التي هي من علوم مختلفة, توضح النسبة والعلاقة والصلة بين هذه العلوم [SUP][1][/SUP].
---------------------------------------------
[1] انظر أمثلة لذلك في مبحث أنواع العلاقات عند الحديث عن القواعد المشتركة .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

الفائدة السادسة: كما أن جمع القواعد المتعلقة ببعضها, وذكرَ أنواع العلاقات بينها, ينفي الكثير من توهم الخلاف والتناقض بين بعض القواعد, ويضعها في نسق ذهني متكامل غير متناقض, ويوضح مجال كل قاعدة, فلا يصار إلى إهمال بعضها, ومن أمثلة ذلك:
أ- قاعدة: " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ", وقاعدة: " ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب ". فقد يظن عند النظرة الأولى أن بين القاعدتين تناقضا, لكن بمعرفة العلاقة بينهما يرتفع الإشكال, وتتكامل القاعدتان. فالأولى تتعلق بشروط الواجب ووسائله, وتعني أن الواجب إذا تعلق بذمة المكلف وجب عليه تحصيل شرائط صحته ووسائل إقامته, كالوضوء للصلاة مثلا, وطلب الماء للوضوء. وأما الثانية فتتعلق بشرط الوجوب, وتعنى أن كل ما وضعه الشرع سببا أو شرطا في وجوب حكم ما, لا يطالب المكلف بالسعي في تحصيله, ولو كان قادرا على ذلك؛ فكل ما وجوبه مشروط بشرط, فالشرط لا يكون واجب التحصيل [SUP][1][/SUP].
ب- قاعدة: " الفرض لا يثبت إلا بدليل قطعي ", وقاعدة: " الواجب يثبت بالظن ", فقد يظن للوهلة الأولى أنهما متناقضتان, فإذا علمنا أنهما حنفيتان, وأن الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب بأن الفرض ما ثبت بدليل قطعي, وأن الواجب ما ثبت بدليل ظني؛ انتفى الوهم وظهر أن القاعدتين متكاملتان لا تناقض بينهما.
---------------------------------------------
[1] انظر الإحكام للآمدي 1/154 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

الفائدة السابعة: من المعلوم أن اختيار أنسب نص للقاعدة, بحيث يكون جامعا مانعا, قد يكون من الصعوبة بمكان. ولكن بجمع القواعد والصيغ الأخرى في موضوع القاعدة يَسْهُل على الباحث اختيار أنسب لفظ للقاعدة وأسلمه من الاعتراض والاختلاف, فيعين ذلك على تقوية القاعدة واطراد إعمالها. فإن ذكر القواعد الأعم والقواعد الأخص والقواعد المُقَيِّدة والقواعد التي تضع شروطا للإعمال, كل هذا يساعد على اختيار - أو إنشاء - نص للقاعدة يخرجها عن كثير من الاعتراضات والاستثناءات, بحيث يُقصر معناها على فروعها, فلا يدخل في لفظها ما ليس منها, فتقل الاستثناءات عليها. وقد ذكر في بعض القواعد أن الصور الخارجة عنها أكثر من الداخلة فيها [SUP][2][/SUP].
---------------------------------------------
[2] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 153 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

الفائدة الثامنة: إن إدراك العلاقات بين القواعد يساعد على ترتيبها وتنسيقها وعرضها بشكل متكامل ومنسجم. وهذا يتيح في كثير من الأحيان اكتشاف نظريات فقهية أو أصولية أو مقاصدية, أو نظرية شرعية ممتدة بين هذه العلوم.
ومثال ذلك قاعدة: " الأعمال بالنيات ". فمع تجميع صيغها المتنوعة والقواعد ذات الصلة بها يمكن أن نكون نظرية في موضوع النية, أو على أقل تقدير يمكن أن نكوّن صورة واضحة ونواة مبدئية لنظرية في هذا الموضوع. والنظريات الفقهية هي "التصور المجرد الجامع للقواعد العامة الضابطة للأحكام الفرعية الجزئية " [SUP][1][/SUP].
ويقول عنها الأستاذ مصطفى أحمد الزرقا في معرض حديثه عن الفرق بين النظريات والقواعد:... فإن تلك القواعد إنما هي ضوابط وأصول فقهية تراعى في تخريج الحوادث ضمن حدود تلك النظريات الكبرى. فقاعدة: " العبرة في العقود للمقاصد والمعاني " مثلا, ليست سوى ضابط في ناحية مخصوصة من ميدان أصل نظرية العقد [SUP][2][/SUP]. اهـ.
ويؤيد ذلك الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه النظريات الفقهية؛ حيث ذكر نظريات متعددة وختمها بالقواعد التي عدها مرحلة ممهدة لجمع القواعد المتشابهة والمبادئ العامة لإقامة نظرية عامة في جانب من الجوانب الأساسية في الفقه.
وقد انتقد العلامة مصطفى أحمد الزرقا على مجلة الأحكام العدلية أن لجنتها لم تصنف قواعدها, ولم تراع التناسب والتناسق في عرضها, بل سردتها سردا غير مرتب تفرقت وتباعدت فيه القواعد المتقاربة أو المتداخلة في المعنى والموضوع؛ فمثلا نجد:
- في المادة (60) قاعدة: " إعمال الكلام أولى من إهماله ".
- وفي المادة (12) من المجلة قاعدة: " الأصل في الأحكام الحقيقة ".
- وفي المادة (61) قاعدة: " إذا تعذرت الحقيقة يصار إلى المجاز ".
- وفي المادة (62) قاعدة: " إذا تعذر إعمال الكلام يهمل ".
مع أن هذه القواعد الأربع هي حلقات من سلسلة موضوع واحد ترسم بمجموعها وبهذا الترتيب الدستور الأصولي المرتب في فهم النصوص, والطريقة العلمية الصحيحة في تفسيرها, وكيفية العمل بها [SUP][1][/SUP].
وقد قام بإعادة ترتيبها وجمع المتشابهات والمتحدات في الموضوع منها.
---------------------------------------------
[1] التنظير الفقهي للدكتور جمال الدين عطية ص 9 . وعرفها الدكتور علي الندوي بقوله: موضوعات فقهية، أو موضوع يشتمل على مسائل فقهية أو قضايا فقهية حقيقتها أركان وشروط وأحكام، تقوم بين كل منها صلة فقهية، تجمعها وحدة موضوعية تحكم هذه العناصر جميعًا . القواعد الفقهية للدكتور علي الندوي ص 54 ؛ وانظر: القسم الدراسي لكتاب القواعد للمقري، للدكتور أحمد بن حميد 1/109 ؛ وانظر: المدخل الفقهي العام لمصطفي الزرقا 1/235 ؛ النظريات والقواعد في الفقه الإسلامي لعبد الوهاب أبو سليمان ص 52 ؛ المدخل إلى الفقه الإسلامي لعبد العزيز الخياط ص 90 ؛ القواعد الكلية للفقه الإسلامي لأحمد محمد الحصري ص 22 ؛ والنظرية في الأصل اصطلاح قانوني معناها: مفهوم حقوقي عام يؤلف نظامًا موضوعيًا تندرج تحته جزئيات، تتوزع في فروع القانون المختلفة . انظر: معجم المصطلحات القانونية لجيرار كورنو 2/1717، 1718، طبعة المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1998، ترجمة منصور القاضي ؛ ونظرية الضمان لمحمد فوزي فيض الله ص 7 .
[2] المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا 1/330 ؛ وانظر 2/947، 948 .
[1] المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا 2/961، 962 بتصرف يسير.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

المبحث الثالث
نظرة عامة إلى العلاقات بين الألفاظ بعضها البعض
وبين الألفاظ ومعانيها

إن العلوم كلها قائمة على العلاقات بين معلوماتها وقضاياها ومفرداتها؛ لذلك تردد مصطلح "العلاقات" بين الألفاظ والقضايا والمعاني في أكثر من علم خاصة علم المنطق, وعنه أخذ علم الأصول وعلوم اللغة وغيرهما؛ فتحدثوا عن العلاقات والنسب بين الكليات " الحقائق ", والنسب بين المعلومات, كما تحدث أهل البلاغة عن العلاقة بين الحقيقة والمجاز.
والقواعد ليست سوى قضايا موضوعها كلي, فالتقعيد يتم غالبا بأن يُحْكم على اسم ذي مفهوم كلي, حكم يصح أن ينفرد به كل فرد من أفراد موضوع القضية [SUP][1][/SUP]؛ فالحكم على الكليِّ أو العام حُكْمٌ على جميع أفراده [SUP][2][/SUP]. ومن ثم فإن أغلب العلاقات بين القواعد تنشأ بسبب العلاقات والنسب بين الكليات التي تدور حولها هذه القضايا.

وعلماء المنطق قسموا العلاقات إلى علاقات بين المفردات الكلية ( الحقائق ), وعلاقات بين المعلومات والقضايا.
فأما العلاقات بين المفردات الكلية فينصون على أنه ما من كليين إلا وبينهما علاقة, ويحصرونها في علاقات أربع يسمونها: " النسب الأربع [SUP][1][/SUP] ", وهي: التساوي, العموم والخصوص المطلق, العموم والخصوص الوجهي, التباين, والتباين قسمان: تباين مقابلة وتباين اختلاف, وتباين المقابلة والتقابل أربعة أقسام: الضدان, المتضايفان, المتقابلان بالعدم والملكة, المتقابلان بالإيجاب والسلب, وهما النقيضان.
وأما العلاقات والنسب بين المعلومات والقضايا فيحصرونها في أربع أيضا [SUP][2][/SUP], وهي: المثلان, الضدان, الخلافان, النقيضان.
وهذه النسب عندهم هي الميزان الذي توزن به القضايا ويعرف به الصادق من الكاذب من القضايا [SUP][3][/SUP].

كما أن الأصوليين ينسبون اللفظ إلى المعنى من جهة المنطوق بعَلاقات ثلاث, هي: دلالة مطابقة, دلالة تضمن, دلالة التزام, وهي تنقسم إلى دلالة الاقتضاء, دلالة التنبيه, ودلالة الإشارة.
وينسبون اللفظ إلى المعنى من جهة المفهوم( 3), بعلاقتين:
1- مفهوم موافقة, وينقسم إلى:
- مفهوم موافقة من باب الأحرى أو الأَوْلَى, وهو: فحوى الخطاب, ويسمى أيضا: تنبيه الخطاب.
- مفهوم موافقة مساوٍ, وهو: لحن الخطاب.
2- مفهوم مخالفة ويسمى: دليل الخطاب.
وينقسم إلى: (مفهوم الصفة - مفهوم الشرط - مفهوم الغاية -مفهوم الاستثناء - وينسبون اللفظ إلى المعنى من جهة المفهوم [SUP][1][/SUP], بعلاقتين:
1- مفهوم موافقة, وينقسم إلى:
- مفهوم موافقة من باب الأحرى أو الأَوْلَى, وهو: فحوى الخطاب, ويسمى أيضا: تنبيه الخطاب.
- مفهوم موافقة مساوٍ, وهو: لحن الخطاب.
2- مفهوم مخالفة ويسمى: دليل الخطاب.
وينقسم إلى: (مفهوم الصفة - مفهوم الشرط - مفهوم الغاية -مفهوم الاستثناء -مفهوم الحصر - مفهوم العدد - مفهوم العلة - مفهوم الزمان - مفهوم المكان - مفهوم اللقب ).

وقد توسع أهل البلاغة في موضوع العلاقات بين الألفاظ في باب الحقيقة والمجاز, وشققوا العلاقات ونوعوها وفرعوا عليها.
وتناول علماء العربية في علم الصوتيات علاقة الصوت بالدلالة, وعلاقات الألفاظ ببعضها بحسب تقارب الأصوات وتباعدها.
وهكذا تجد أن العلاقات حاضرة بصورة أو بأخرى في سائر العلوم, وكل هذه العلاقات المختلفة تعود في مجملها إلى العلاقات المنطقية؛ فالعلاقات منحصرة في العلاقات المنطقية.
قال الإمام الغزالي فيما يخص العلاقات بين الألفاظ الكلية: اعلم أن معنى من المعاني الموجودة, وحقيقة من الحقائق الثابتة, إذا نسبتها إلى غيرها من تلك المعاني والحقائق, وجدتها بالإضافة إليه إما أعم, وإما أخص, وإما مساويا, وإما أعم من وجه وأخص من وجه, فإنك إذا أضفت الإنسان إلى الحيوان وجدته أخص منه, وإن أضفت الحيوان إلى الإنسان وجدته أعم منه, وإن أضفت الحيوان إلى الحساس [SUP][1][/SUP] وجدته مساويا له لا أعم ولا أخص, وإن نسبت الأبيض إلى الحيوان وجدته أعم من وجه؛ فإنه يشمل الجص والكافور وجملة من الجمادات, وأخص من وجه؛ فإنه يقصر عن تناول الغراب والزنوج وجملة من الحيوانات. فإذًا جملة الحقائق تناسبها بهذا الاعتبار لا تعدو هذه الوجوه الأربعة, فقس على ما ذكرناه ما لم نذكره [SUP][2][/SUP]. ا هـ
وقال الإمام القرافي فيما يخص العلاقات بين المعلومات: فائدة: حصر المعلومات كلها في هذه الأربعة أقسام حق؛ فلا يخرج منها شيء إلا ما توحد الله تعالى به وتفرد به فإنه ليس ضد الشيء, ولا نقيضا, ولا مثلا, ولا خلافا لتعذر الرفع, وهذا حكمعام في صفاته العلى وذاته لتعذر رفعها بسبب وجوب وجودها [SUP][3][/SUP]. ا هـ
هذا وإن من الضروري أن يعي الشخص أصول هذه العَلاقات, وأن ترتسم في ذهنه شجرة العلاقات التي سبق بيانها.

فإذا تقرر ذلك فإن الأصل في العلاقات بين القواعد هو العلاقات بين الحقائق بالنسب الأربع السالفة الذكر, فإن القواعد - كما سبق - تنشأ عن حكم على حقيقة كلية, والعلاقات بين القواعد يمثلها العلاقات بين حقائقها الكلية.
وعلى هذا فإن معرفة العلاقة بين قاعدتين تكون غالبا بمعرفة العلاقة بين الكليين اللذين تدور عليهما القاعدتان, فإذا أراد الناظر أن يعرف العلاقة بين قاعدتين فليتبع في ذلك قانون المناطقة في المقارنة بين حقيقتين؛ فإن لهم في ذلك قانونا.

يقول ابن جُزَي في باب "نسبة بعض الحقيقة من بعض" من كتاب " تقريب الوصول ": قانون في هذا الباب: وذلك بإدخال "كل" على إحدى الحقيقتين, والإخبار بالأخرى, فإن صدقت القضية من الجهتين؛ فهما متساويان, كقولنا: كل إنسان ضاحك. وكل ضاحك إنسان. وإن كذبت من الجهتين؛ فهما متباينان, أو أعم من وجه وأخص من وجه, وإن صدقت من جهة واحدة فهما أعم مطلقا وأخص مطلقا, كقولك: كل إنسان حيوان. والمضاف إلى "كل" هو الأخص والخبر هو الأعم, وإن عكستها كذبت [SUP][1][/SUP].
وهو كلام نفيس في هذا الباب, ويتضح بالمثال التالي:
- قاعدة: " الأمور بمقاصدها ", مع قاعدة: " العقود بالقصود " عبارة عن حكم واحد (اعتبار المقاصد) وقع في كل قاعدة على حقيقة مختلفة (الأمور - العقود), فإذا ما قارنّا بين الحقيقتين بالقانون السابق؛ يتضح التالي:
- كل الأمور عقود عبارة خاطئة (كاذبة)
- كل العقود أمور عبارة صحيحة (صادقة)
صحت (صدقت) الجملة (القضية) من جهة, وأخطأت (كذبت) من جهة؛ إذاً فالعلاقة بين الحقيقتين هي العموم والخصوص المطلق, والجهة الصادقة منهما "كل العقود أمور" يكون المضاف إلى "كل" هو الأخص؛ فينتج أن قاعدة: " الأمور بمقاصدها " أعم مطلقا من قاعدة " العقود بالقصود ".

---------------------------------------------
[1] الاستقراء وأثره في القواعد الأصولية والفقهية ص 156 .
[2] انظر حاشية العطار على جمع الجوامع 1/1001 ؛ الرد على المنطقيين لابن تيمية ص 203 ؛ نهاية الوصول لابن الساعاتي 1/26 .
[1] انظر: شرح تنقيح الفصول للقرافي 81 ؛ شرح الخبيصي على متن تهذيب المنطق ص 17، 18 ؛ آداب البحث والمناظرة للشنقيطي 26 ؛ تسهبل المنطق لعبد الكريم الأثري ص 20 - 22، مطابع سجل العرب، الطبعة الثانية، سنة 1984 م .
[2] انظر الجدل للفارابي ص 67 ؛ الجدل لابن رشد ص 510 ؛ التقريب لحد المنطق لابن حزم ص 92، رسائل ابن حزم 4/203 ؛ المنطق فن هداية الحكمة للأبهري ص 17 ؛ البحر المحيط اازركشي 2/152 ؛ التقرير والتحبير 1/225 ؛ شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 98 ؛ التقرير والتحبير 1/255 ؛ دستور العلماء 1/244 .
[3] انظر: تسهيل المنطق لعبد الكريم الأثري ص 20، 21 .
[1] المفهوم لغة: اسم مفعول من فَهِم أي: عَلِم وعَقَل . انظر مادة " فهم " في لسان العرب . واصطلاحًا: ما دلَّ عليه اللفظ في غير محلِّ النطق . منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص147 .
[1] أي الذي يحس .
[2] معيار العلم 1/11 .
[3] شرح تنقيح الفصول ص 98 ؛ وانظر التحبير في شرح التحرير للمرداوي 5/2243، طبعة مكتبة الرشد، الرياض، سنة 1421هـ - 2000م .
[1] تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزي ص 112، 113 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

المبحث الرابع
أنواع العلاقات بين القواعد وترتيبها

المطلب الأول
أنواع العلاقات

على ضوء ما سبق يمكن تنزيل أو اشتقاق علاقات بين القواعد على النحو التالي:
- أولا: علاقة التماثل أو الترادف أو التساوي أو التطابق (الصيغ المتنوعة للقاعدة الواحدة).
- ثانيا: علاقة المخالفة (الآراء المخالفة).
- ثالثا: علاقة العموم والخصوص المطلق.
- رابعا: علاقة العموم والخصوص الوجهي.
- خامسا: علاقة التقييد.
- سادسا: علاقة التقابل, ويعبر عنها بعض العلماء بـ "العكس".
- سابعا: علاقة التكامل.
- ثامنا: علاقة النظائر.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

أولا: علاقة التماثل - الترادف - التساوي - التطابق.
المماثلة هي اتحاد الشيئين في النوع, أي في تمام الماهية؛ فكل اثنين اشتركا في تمام الماهية فهما المثلان أو المتماثلان, وإن لم يشتركا فهما المتخالفان [SUP][1][/SUP]؛ فالمماثلة تعني المطابقة, والمماثلة عند بعض الفلاسفة ترادف النظير [SUP][2][/SUP].
إن القواعد عبارات موجزة صاغها الفقهاء الأجلاء ودونوها في كتب القواعد واستدلوا بها في مصنفاتهم في المناسبات المختلفة على سجيتهم, فمنهم من أجمل المعنى ومنهم من بينه وفسره, ومنهم من أطلق المعنى ومنهم من قيَّده, ومنهم من زاد على نصها ومنهم من نقص؛ فجاءت نصوص القاعدة الواحدة غير متكافئة في قوة الدلالة على المقصود, فمنها ما عبر عن المعنى بوضوح وبحدود منضبطة, ومنها ما قصر عن هذه المنزلة. ومن ثم فقد تعددت الألفاظ المعبرة عن القاعدة الواحدة؛ ولذلك ينبغي التنبه إلى أن وجود بعض الفروق بين العبارات لا يمنع ترادفها الإجمالي, فإنه يتعذر وجود التطابق التام بين هذه العبارات, وإن كانت المماثلة تقتضي المساواة من كل وجه؛ إلا أنه يمكن عدم اعتبار بعض الفروق الطفيفة؛ فالترادف في القواعد لا يشترط فيه التطابق التام في الدلالة من كل وجه, فالعبارات تسابقت في إصابة المعنى, فمنها ما بلغ مأربه, ومنها ما قصر عن ذلك, لكن لا ينفي هذا أنها صيغ متنوعة لقاعدة واحدة, وأنها في أذهان الفقهاء عبارة عن قاعدة واحدة وفكرة واحدة.
ومن أمثلة ذلك أن تأتي بعض القواعد بصورة أخص من قواعد أخرى, والعلماء يريدون العموم, وإنما خرج اللفظ مخرج الخصوص للتغليب أو
لغيره, وذلك كما في قاعدة: " السؤال معاد في الجواب [SUP][1][/SUP] " فقد ورد في صياغاتها: " الخطاب كالمعاد في الجواب [SUP][2][/SUP] ", وورد أيضا: " ما تقدم من الخطاب يصير كالمعاد في الجواب [SUP][3][/SUP] ". ومرادهم بـ" السؤال " مطلق الكلام, سؤالًا كان أو غيره, يدلك على ذلك أن من جملة التطبيقات التي يوردونها فروعا وأمثلة لقاعدة: " السؤال معاد في الجواب " تطبيقات لا تحمل معنى السؤال, ولعل اختيار الأئمة لصيغة "السؤال" سببه هو التغليب في التطبيقات؛ فإن أكثر تطبيقاتها إنما هي في السؤال والجواب. وفي هذه الحالة ليس بين القاعدتين عموم وخصوص, بل هما مترادفتان.
كما ينبغي التنبه إلى أن العبارات قد تكون متباعدة في الظاهر وألفاظها لا تشبه ألفاظ بعض, لكن معناها ومؤداها وأثرها واحد, وقد أوقع عدم الاهتمام بهذا الجانب البعضَ في تكرار القاعدة الواحدة بأكثر من صورة ظنا منه أنها قواعد مختلفة, وفي كتاب الفروق للقرافي/ 5جملة غير قليلة تصلح أمثلة هنا, ويمكن أن نمثل لذلك بما يلي:
قاعدة: " الأحكام الشرعية أضداد [SUP][4][/SUP] ", وقاعدة: " التناقض لا يتحقق في الأحكام الشرعية [SUP][5][/SUP] ". فإن أثرَ القاعدتين واحد, لا تعدو إحداهما الأخرى, فصيغة: " الأحكام الشرعية أضداد " يراد بها أن حقائق الأحكام الشرعية وحدودها مختلفة, فلا يمكن أن يقع أكثر من حكم على شيء واحد في وقت واحد باعتبار واحد. وصيغة: " التناقض لا يتحقق في الأحكام الشرعية " أي أن الأحكام الشرعية لا تتناقض فلا يكون حكم الشيء حراما ومكروها في الوقت نفسه, أي أن الأحكام الشرعية لا يمكن أن يقع أكثر من حكم منها على شيء واحد في وقت واحد باعتبار واحد, فمعنى القاعدة الثانية ليس إلا معنى القاعدة الأولى نفسه, وكل مسألة يعلل لها بإحدى الصيغتين يصح أن يحتج لها بالصيغة الأخرى.

وفي المقابل فإن اللفظ الواحد قد يطلق في مواضع ويراد به في كل موضع معنى غير المعنى المراد في الموضع الآخر, للاشتراك أو للنقل أو لمجرد التساهل في الاستعمال أو غير ذلك, ومن قواعد فقه اللغات " الكلمة الواحدة تعطي من المعاني والدلالات بقدر ما يتاح لها من الاستعمالات" [SUP][1][/SUP] ومن ثم فإن اللفظ قد يكون واحدا, لكن يختلف مدلوله من قاعدة إلى أخرى, لاختلاف المصطلحات أو لدلالة السياق, فالترادف يشترط فيه وحدة الاعتبار, فأما إذا اختلفت الاعتبارات فلا ترادف, ومن علوم القرآن علم صنف فيه جماعة من العلماء تحت عنوان " الوجوه والنظائر " ومرادهم: "أن تكون الكلمة واحدة, ذُكِرَت في مواضع من القرآن على لفظ واحد, وحركة واحدة, وأريد بكل مكان معنى غير الآخر" [SUP][2][/SUP], كما صنف علماء العربية فيما هو أدق من ذلك, فصنفوا كتبا تحت مسمى " الأضداد " وهي: "الحروف التي توقعها العرب على المعاني المتضادة؛ فيكون الحرف منها مؤديا عن معنيين مختلفين" [SUP][3][/SUP], ويحدد المعني بدلالة السياق ونسب الكلام.

---------------------------------------------
[1] انظر كشاف اصطلاح الفنون للتهانوي 2/733 .
[2] انظر المعجم الفلسفي لجميل صليبا 2/422.
[1] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 141 ؛ الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 177 .
[2] الوسيط للغزالي 5/450 .
[3] المبسوط 6/448 .
[4] نفائس الأصول للقرافي 1/270، 481 .
[5] شرح المجلة للأتاسي 5/381، وانظر أدب القاضي 1/666، الحاوي 1/276 كلاهما للماوردي
[1] انظر: معجم لغة الفقهاء 1/22 .
[2] نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر لابن الجوزي ص 83، طبعة مؤسسة الرسالة - لبنان، بيروت، الطبعة الأولى سنة 1404هـ - 1984 م، بتحقيق: حمد عبد الكريم كاظم الراضي .
[3] الأضداد لأبي بكر بن الأنباري ص 1، طبعة المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، سنة 1407 هـ، 1987م، بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم . وقد صنف جماعة من أهل العلم في هذا الفن، منهم: الأصمعي، والسجستياني، وابن السكيت، والصاغاني، ومحمد بن المستنير المعروف بـ " قطرب " وابن الدهان والتَّوَّزِي،، وأبو البركات بن الأنباري، وغيرهم ؛ انظر مقدمة تحقيق كتاب الأضداد لابن الأنباري، بقلم محمد أبو الفضل إبراهيم .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

والخلاصة أن باب اللغة واسع, وأن الكلمات قد تتفق في المبنى لكنها تفترق في المعنى, وقد تختلف في المبنى لكنها تتفق في المعنى؛ فترد قواعد دائرة على كلمة واحدة لكن حقيقتها في كل قاعدة تختلف عن الأخرى والعكس بالعكس.
أ- فمثلا: مراد الجمهور من قاعدة: " النهي يقتضي الفساد " هو البطلان, وأما مراد الحنفية من أن " بعض أنواع النهي يقتضي الفساد " ليس هو البطلان الذي قصده الجمهور, فالحنفية خصصوا اسم الباطل بما لا ينعقد بأصله, كبيع الخمر وبيع الحر, وخصصوا اسم الفاسد بما ينعقد بأصله دون وصفه, كعقد الربا, فالفاسد عندهم يشارك الصحيح في كونه يفيد الملك إذا اتصل بالقبض, فالبيع الربوي مثلا يبطل في الزيادة الربوية فقط ويصح في القدر المساوي, وهو معنى قولهم: صحيح بأصله فاسد بوصفه. ورجح الإمام القرافي مذهب أبي حنيفة أثناء حديثه عن الفرق بين قاعدة اقتضاء النهي الفساد في نفس الماهية , وبين قاعدة اقتضاء النهي الفساد في أمر خارج عنها [SUP][1][/SUP] . وعلى هذا فلا ترادف بين العبارتين [SUP][2][/SUP].
ب- ومن أمثلة ذلك أيضا ما أورده الإمام/ 3القرافي في الأمنية في الجمع بين قولهم " الصريح لا يحتاج إلى نية اتفاقا " وقولهم: " الصريح يحتاج إلى نية اتفاقا ", بقوله: وتحقيقهما أن النية في المذهب من الألفاظ المشتركة بين القصد الخاص وبين كلام النفس؛ فحيث قالوا: الصريح لا يفتقر إلى النية إتفاقا . معناه: أن الصريح لا يفتقر إلى إرادة استعماله في مدلوله إلى نية, كما يفتقر صرفه عن حقيقته إلى مجازه أو عن
عمومه إلى الخصوص إلى نية, بل ينصرف بصراحته لمدلوله كما تقدم في القواعد الست. ومعنى قولهم: إن الصريح يفتقر إلى النية اتفاقا . أنه لا بد في الصريح من القصد إلى إنشاء الصيغة؛ حذرا ممن أراد أن يقول: يا طارق. فقال: يا طالق. أو أراد أن يقول: أنت منطلقة. فقال: أنت طالق. لأنه التف لسانه وسبق لا يقصده؛ لذلك فلا تناقض بين اشتراط النية في إرادة النطق وبين عدم اشتراطها في انصراف اللفظ لمدلوله بعد النطق [SUP][1][/SUP] ا هـ.
----------------
[1] أنوار البروق القرافي 2/83، 84 طبعة عالم الكتب .
[2] انظر: تحقيق المراد فى أن النهى يقتضى الفساد للحافظ العلائي 1/7، طبعة دار الكتب الثقافية ؛ أصول الكرخي ص 113 .
[1] الأمنية في إدراك النية للقرافي ص 28، 29 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

ومن الطرق الهادية لمعرفة الفروق بين القواعد:
- دراسة العلاقات بين ألفاظ القواعد.
- معرفة مصطلحات العلماء والمذاهب.
- مراعاة الاستعمال والسياق الذي وردت فيه.
- مراجعة شروح العلماء للقاعدة.
- النظر في الفروع التي أَعْمَل العلماءُ القاعدة فيها.

فوائد ذكر الصيغ الأخرى المترادفة للقاعدة:
1- أن الصياغات المتنوعة للقاعدة الواحدة يشرح بعضها بعضا؛ فإن التعبير عن المعنى الواحد بعبارات متنوعة يزيل الإبهام ويوضح المراد؛ فإن ذكر الأمثال يقوي الإدراك ويوضح المدرك, وفي المثل: "بأمثالها تعرف أو تتبين الأشياء" [SUP][2][/SUP]. فما أُبْهِم في صيغة قد يفسر في أخرى, وما أُجْمِل في صيغة قد يُبَيَّن في غيرها. بل إن بعض القواعد صيغت بصيغ متعددة وفي بعضها زيادات في المعنى, فتجد قاعدة ما مصوغة بإطلاق في مواضع, وفي مواضع أخر تجدها مصوغة بزيادة قيد أو شرط أو نحو ذلك. فكل ذلك يعتبر من باب القواعد المترادفة أو من باب الصيغ الأخرى للقاعدة. وليس من باب القواعد ذات العلاقة, اللهم إلا إذا كانت قاعدة أخرى تماما لها استقلالية واعتبار آخر بجملة قضيتها, وتعبر بمجمل قضيتها عن تقييد أو استثناء لقاعدة أخرى؛ فحينئذ تعتبر قاعدة أخرى ذات علاقة, أو تكون الصيغ التي حملت قيودا وشروطا معبرة عن خلاف حول القاعدة, فتعتبر وقتها من الصيغ المخالفة المعبرة عن وجهة نظر أخرى في القاعدة.
أ- فمثلا قاعدة: " العادة محكمة إذا اطردت ", ليست إلا صيغة أخرى لقاعدة: " العادة محكمة ", وإن حملت الأولى زيادة في متنها تقيد معنى النص الثاني وتشرحه.
ب- وكذلك قاعدة: " العُقوبةُ بِقَدْر الجِناية [SUP][1][/SUP] ", فإن من صيغها المتنوعة صيغة: " الجزاء على حسب الجناية يزداد بازديادها وينتقص بنقصانها [SUP][2][/SUP] " وإن حملت في متنها زيادة بيان وتفسير.
ج- أما مثل قاعدة: " الضرر يزال " مع قاعدة: " الضرر لا يزال بالضرر ", فالثانية ليست صيغة أخرى للأولى, فهي قاعدة لها استقلالية واعتبار خاص؛ لأنها تعبر بجملة قضيتها عن قيد لقاعدة: " الضرر يزال " فقضيتها هو القيد فقط, ومن ثم فلا ترادف بينهما, ولكن بينهما علاقة؛ فالثانية قيد للأولى.

2- إن ذكر جميع ألفاظ القاعدة, وجميع الصور التي ترد بها يساعد على اختيار أنسب نص للقاعدة؛ فجمع لصيغ المتنوعة للقاعدة الواحدة يتيح الوقوف على الصيغ التي تقيد القاعدة وتضع لها شروطا للإعمال, فيقتصر معناها على فروع معينة, ومن ثم تقل الاستثناءات, وتزداد القاعدة اتساعا, فبمعرفة الصيغ المتنوعة التي ترد بها القاعدة يمكن أن يختار لها - أو يصاغ - لفظ يخرجها عن كثير من القيود والاستثناءات والتخصيص, مثال ذلك:
أ- قاعدة: " الإيثار في القرب مكروه وفي غيرها محبوب [SUP][1][/SUP] ", فقد عبر عنها العلماء في كتبهم بعبارات مختلفة, منها:
1- لا إيْثارَ في القُرْبات [SUP][2][/SUP] .
2- الإيثار إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس والمهج لا فيما يتعلق بالقرب والعبادات [SUP][3][/SUP] .
3- الإيثار لا يكون في القرب [SUP][4][/SUP] .
4- الإيثار في القرب مكروه [SUP][5][/SUP] .
5- الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى [SUP][6][/SUP] .
6- الإيثار بالقرب مكروه بخلافه في حظوظ النفس فإنه مطلوب [SUP][7][/SUP]
7- الإيثار في القرب لا يجوز [SUP][8][/SUP] .

فبالنظر والمقارنة بين الألفاظ نجد أن صيغة: " لا إيثار في القربات " هي الأجود والأشمل والأكثر إيجازا, لأنها وإن جاءت في صيغة الخبر فالمراد بها النهي, أي: لا ينبغي الإيثار في القربات, وبهذا تشمل القاعدة قسمي القربات (الواجب - المندوب)؛ فإن الإيثار المنهي عنه على مرتبتين:
الأولى: مرتبة الواجب: وهو محرم مجمع على تحريمه.
والثانية: مرتبة المندوب: وهو مكروه.
وقد جاءت هذه الصيغة شاملة للمرتبتين معا؛ بسبب عمومها المستفاد من ذكر النكرة في سياق النفي " لا إيثار في القربات ", وسائر الصيغ قصرت عن التعبير عن تمام هذا المعنى, مع أن القاعدة واحدة وهي في أذهان الفقهاء قاعدة واحدة. فبعض الصيغ جاءت للدلالة على حكم الإيثار في الواجبات, وهو عدم الجواز المذكور في صيغة " الإيثار في القربات لا يجوز ", وبعض الصيغ دلت على حكم الإيثار في المندوبات, مثلما في صيغة: " الإيثار في القرب مكروه ", وصيغة: " الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى ", وصيغة: " الإيثار بالقرب مكروه بخلافه في حظوظ النفس فإنه مطلوب ". وجاءت صيغ للقاعدة تشمل المعنيين, لكن صياغتها لا ترقى لعبارة العز بن عبد السلام, وهي: " الإيثار إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس والمهج لا فيما يتعلق بالقرب والعبادات ", و" الإيثار لا يكون في القرب "؛ فالصيغتان افتقرتا إلى الإيجاز الذي هو من مكملات التقعيد ومحسناته.
والخلاصة أن صيغة: " لا إيثار في القربات " أكثر إيجازا وتجريدا وشمولا للمعنى, وقد ساعد على إدراك ذلك جمع الصيغ المختلفة للقاعدة ومقارنتها.

ب- ومن أمثلة ذلك أيضا قاعدة: " من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه [SUP][1][/SUP] "؛ قال الإمام السيوطي : إن الصور الخارجة عن القاعدة أكثر من الداخلة فيها [SUP][2][/SUP].
ثم قال رحمه الله: كنت أسمع شيخنا قاضي القضاة علم الدين البلقيني يذكر عن والده [SUP][3][/SUP] أنه زاد في القاعدة لفظا لا يُحتاج معه إلى الاستثناء, فقال: " من استعجل شيئا قبل أوانه, ولم تكن المصلحة في ثبوته, عوقب بحرمانه ". فهذا القيد الذي أضافه سراج الدين البلقيني , وهو قوله: "ولم تكن المصلحة في ثبوته" ينفي عن القاعدة استثناءاتها كلها أو جلها [SUP][4][/SUP].
---------------------------------------------
[2] انظر: زهر الأكم في الأمثال والحكم للحسن اليوسي 1/31 .
[1] طريقة الخلاف للإسمندي ص 230 .
[2] كشف الأسرار لعلاء الدين 2/151 .
[1] الأشباه والنظائر للسيوطي 1/116 .
[2] قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 1/259 ؛ المنثور للزركشي 1/212 ؛ الأشباه والنظائر للسيوطي 1/116، 117 ؛ التحقيق الباهر لهبة الله أفندي 1/422 .
[3] المنثور للزركشي 1/212، نقلا عن إمام الحرمين .
[4] حاشية العبادي على قواعد الزركشي 1/21 .
[5] التحقيق الباهر لهبة الله أفندي 1/422 .
[6] فتح الباري لابن حجر 11/64 .
[7] حواشي الشرواني 2/473 .
[8] انظر المنثور للزركشي 1/212 .
[1] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 152 ؛ الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 159 ؛ النوازل الجديدة للوزاني 3/293 ؛ شرح اليواقيت الثمينة للسجلماسي 1/805 ؛ شرح المجلة للأتاسي 1/268 ؛ الكليات الفقهية لابن غازي 2/973 ؛ شرح القواعد الفقهية للزرقا ص 403 ؛ وانظر المنثور: 3/205 .
[2] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 153 .
[3] سراج الدين البلقيني .
[4] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 153 .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: العَلاقات بين نصوص القواعد

3- كما أن ذكر الصيغ المتماثلة والمترادفة للقاعدة الواحدة قد يعين على بيان تاريخ ومراحل تطور القاعدة منذ نشأتها مرورا بمراحل ومحطات وأطوار تداولها إلى طورها النهائي الذي وصلت إليه. كما يبين تكامل واتصال جهود العلماء؛ فهذا بدأ القاعدة, وهذا وضح ما عليها من قيود, وهذا بين مجملها, وهذا فسر مبهمها, وهكذا.
ومن أمثلة ذلك: قاعدة: " الأوامر تعتمد المصالح, والمفاسد تعتمد النواهي [SUP][5][/SUP] " التي أوردها الإمام القرافي , وعبر عنها بصورة أخرى أيضا: " النهي يعتمد المفاسد كما أن الأوامر تعتمد المصالح [SUP][6][/SUP] ", بدأ بالنص على مفهومها الصحابيُّ الجليل عبدُ الله بن مسعود , رضي الله عنه وأرضاه, بقوله: إذا سمعت الله تبارك وتعالى يقول: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا} فأرعها سمعك ؛ فإنه خير يؤمر به أو شر ينهى عنه [SUP][1][/SUP]. وأشار إلى هذا المعنى الإمام العز بن عبد السلام , لكن بقوله: والشريعة كلها مصالح إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح, فإذا سمعت الله يقول: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا} ؛ فتأمل وصيته بعد ندائه, فلا تجد إلا خيرا يحثك عليه أو شرا يزجرك عنه, أو جمعا بين الحث والزجر [SUP][2][/SUP]. وصاغها الإمام القرافي بهذه الصيغة القاعدية: " الأوامر تعتمد المصالح, والمفاسد تعتمد النواهي ".

4- ذكر الصيغ الأخرى للقاعدة يشعر بدرجة القاعدة وأهميتها
فإن كثرة الصيغ المتنوعة للقاعدة الواحدة يدل على كثرة الاستعمال والدوران على ألسنة العلماء, وأن القاعدة أعملت في فروع كثيرة, ويبين مدى مراعاة الفقهاء لها, فإن الأكثر ذكرا أكثر أهمية.

5- تيسير البحث على الباحثين في القواعد, فيستطيع الباحث أن يهتدي للقاعدة بأي لفظة يعرفها به من خلال فهارسها.

---------------------------------------------
[5] الفروق 3/151، 4/221 ؛ نفائس الأصول 2/353 كلاهما للقرافي .
[6] الفروق 4/221 ؛ نفائس الأصول 4/477 كلاهما للقرافي .
[1] النص أورده ابن المبارك في الزهد ص12-13 (36) ؛ والقاسم بن سلام في فضائل القرآن 1/259 (43) ؛ وأبو نعيم في الحلية 1/130 (21) ؛ وابن كثير في تفسيره 1/148رقم الآية (104) سورة البقرة .
[2] قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/12 .
 
التعديل الأخير:
أعلى