رد: العَلاقات بين نصوص القواعد
ومن الطرق الهادية لمعرفة الفروق بين القواعد:
- دراسة العلاقات بين ألفاظ القواعد.
- معرفة مصطلحات العلماء والمذاهب.
- مراعاة الاستعمال والسياق الذي وردت فيه.
- مراجعة شروح العلماء للقاعدة.
- النظر في الفروع التي أَعْمَل العلماءُ القاعدة فيها.
فوائد ذكر الصيغ الأخرى المترادفة للقاعدة:
1- أن الصياغات المتنوعة للقاعدة الواحدة يشرح بعضها بعضا؛ فإن التعبير عن المعنى الواحد بعبارات متنوعة يزيل الإبهام ويوضح المراد؛ فإن ذكر الأمثال يقوي الإدراك ويوضح المدرك, وفي المثل: "بأمثالها تعرف أو تتبين الأشياء"
[SUP][2][/SUP]. فما أُبْهِم في صيغة قد يفسر في أخرى, وما أُجْمِل في صيغة قد يُبَيَّن في غيرها. بل إن بعض القواعد صيغت بصيغ متعددة وفي بعضها زيادات في المعنى, فتجد قاعدة ما مصوغة بإطلاق في مواضع, وفي مواضع أخر تجدها مصوغة بزيادة قيد أو شرط أو نحو ذلك. فكل ذلك يعتبر من باب القواعد المترادفة أو من باب الصيغ الأخرى للقاعدة. وليس من باب القواعد ذات العلاقة, اللهم إلا إذا كانت قاعدة أخرى تماما لها استقلالية واعتبار آخر بجملة قضيتها, وتعبر بمجمل قضيتها عن تقييد أو استثناء لقاعدة أخرى؛ فحينئذ تعتبر قاعدة أخرى ذات علاقة, أو تكون الصيغ التي حملت قيودا وشروطا معبرة عن خلاف حول القاعدة, فتعتبر وقتها من الصيغ المخالفة المعبرة عن وجهة نظر أخرى في القاعدة.
أ- فمثلا قاعدة:
" العادة محكمة إذا اطردت ", ليست إلا صيغة أخرى لقاعدة: " العادة محكمة ", وإن حملت الأولى زيادة في متنها تقيد معنى النص الثاني وتشرحه.
ب- وكذلك قاعدة:
" العُقوبةُ بِقَدْر الجِناية [SUP][1][/SUP] ", فإن من صيغها المتنوعة صيغة: " الجزاء على حسب الجناية يزداد بازديادها وينتقص بنقصانها
[SUP][2][/SUP] " وإن حملت في متنها زيادة بيان وتفسير.
ج- أما مثل قاعدة:
" الضرر يزال " مع قاعدة:
" الضرر لا يزال بالضرر ", فالثانية ليست صيغة أخرى للأولى, فهي قاعدة لها استقلالية واعتبار خاص؛ لأنها تعبر بجملة قضيتها عن قيد لقاعدة: " الضرر يزال " فقضيتها هو القيد فقط, ومن ثم فلا ترادف بينهما, ولكن بينهما علاقة؛ فالثانية قيد للأولى.
2- إن ذكر جميع ألفاظ القاعدة, وجميع الصور التي ترد بها يساعد على اختيار أنسب نص للقاعدة؛ فجمع لصيغ المتنوعة للقاعدة الواحدة يتيح الوقوف على الصيغ التي تقيد القاعدة وتضع لها شروطا للإعمال, فيقتصر معناها على فروع معينة, ومن ثم تقل الاستثناءات, وتزداد القاعدة اتساعا, فبمعرفة الصيغ المتنوعة التي ترد بها القاعدة يمكن أن يختار لها - أو يصاغ - لفظ يخرجها عن كثير من القيود والاستثناءات والتخصيص, مثال ذلك:
أ- قاعدة:
" الإيثار في القرب مكروه وفي غيرها محبوب [SUP][1][/SUP] ", فقد عبر عنها العلماء في كتبهم بعبارات مختلفة, منها:
1- لا إيْثارَ في القُرْبات
[SUP][2][/SUP] .
2- الإيثار إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس والمهج لا فيما يتعلق بالقرب والعبادات
[SUP][3][/SUP] .
3- الإيثار لا يكون في القرب
[SUP][4][/SUP] .
4- الإيثار في القرب مكروه
[SUP][5][/SUP] .
5- الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى
[SUP][6][/SUP] .
6- الإيثار بالقرب مكروه بخلافه في حظوظ النفس فإنه مطلوب
[SUP][7][/SUP]
7- الإيثار في القرب لا يجوز
[SUP][8][/SUP] .
فبالنظر والمقارنة بين الألفاظ نجد أن صيغة: " لا إيثار في القربات " هي الأجود والأشمل والأكثر إيجازا, لأنها وإن جاءت في صيغة الخبر فالمراد بها النهي, أي: لا ينبغي الإيثار في القربات, وبهذا تشمل القاعدة قسمي القربات (الواجب - المندوب)؛ فإن الإيثار المنهي عنه على مرتبتين:
الأولى: مرتبة الواجب: وهو محرم مجمع على تحريمه.
والثانية: مرتبة المندوب: وهو مكروه.
وقد جاءت هذه الصيغة شاملة للمرتبتين معا؛ بسبب عمومها المستفاد من ذكر النكرة في سياق النفي " لا إيثار في القربات ", وسائر الصيغ قصرت عن التعبير عن تمام هذا المعنى, مع أن القاعدة واحدة وهي في أذهان الفقهاء قاعدة واحدة. فبعض الصيغ جاءت للدلالة على حكم الإيثار في الواجبات, وهو عدم الجواز المذكور في صيغة " الإيثار في القربات لا يجوز ", وبعض الصيغ دلت على حكم الإيثار في المندوبات, مثلما في صيغة: " الإيثار في القرب مكروه ", وصيغة: " الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى ", وصيغة: " الإيثار بالقرب مكروه بخلافه في حظوظ النفس فإنه مطلوب ". وجاءت صيغ للقاعدة تشمل المعنيين, لكن صياغتها لا ترقى لعبارة العز بن عبد السلام, وهي: " الإيثار إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس والمهج لا فيما يتعلق بالقرب والعبادات ", و" الإيثار لا يكون في القرب "؛ فالصيغتان افتقرتا إلى الإيجاز الذي هو من مكملات التقعيد ومحسناته.
والخلاصة أن صيغة: " لا إيثار في القربات " أكثر إيجازا وتجريدا وشمولا للمعنى, وقد ساعد على إدراك ذلك جمع الصيغ المختلفة للقاعدة ومقارنتها.
ب- ومن أمثلة ذلك أيضا قاعدة:
" من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه [SUP][1][/SUP] "؛ قال الإمام السيوطي : إن الصور الخارجة عن القاعدة أكثر من الداخلة فيها
[SUP][2][/SUP].
ثم قال رحمه الله: كنت أسمع شيخنا قاضي القضاة علم الدين البلقيني يذكر عن والده
[SUP][3][/SUP] أنه زاد في القاعدة لفظا لا يُحتاج معه إلى الاستثناء, فقال: " من استعجل شيئا قبل أوانه, ولم تكن المصلحة في ثبوته, عوقب بحرمانه ". فهذا القيد الذي أضافه سراج الدين البلقيني , وهو قوله: "ولم تكن المصلحة في ثبوته" ينفي عن القاعدة استثناءاتها كلها أو جلها
[SUP][4][/SUP].
---------------------------------------------
[2] انظر: زهر الأكم في الأمثال والحكم للحسن اليوسي 1/31 .
[1] طريقة الخلاف للإسمندي ص 230 .
[2] كشف الأسرار لعلاء الدين 2/151 .
[1] الأشباه والنظائر للسيوطي 1/116 .
[2] قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 1/259 ؛ المنثور للزركشي 1/212 ؛ الأشباه والنظائر للسيوطي 1/116، 117 ؛ التحقيق الباهر لهبة الله أفندي 1/422 .
[3] المنثور للزركشي 1/212، نقلا عن إمام الحرمين .
[4] حاشية العبادي على قواعد الزركشي 1/21 .
[5] التحقيق الباهر لهبة الله أفندي 1/422 .
[6] فتح الباري لابن حجر 11/64 .
[7] حواشي الشرواني 2/473 .
[8] انظر المنثور للزركشي 1/212 .
[1] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 152 ؛ الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 159 ؛ النوازل الجديدة للوزاني 3/293 ؛ شرح اليواقيت الثمينة للسجلماسي 1/805 ؛ شرح المجلة للأتاسي 1/268 ؛ الكليات الفقهية لابن غازي 2/973 ؛ شرح القواعد الفقهية للزرقا ص 403 ؛ وانظر المنثور: 3/205 .
[2] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 153 .
[3] سراج الدين البلقيني .
[4] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 153 .