د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بسم الله الرحمن الرحيم
أتمنى من الإخوة التعليق، على هذا الموضوع، من جهة التكوين الفقهي للمذهب الزيدي، وقد وجدت هذا الموضوع على الشبكة ولا أعرف صاحبه ولم يسجل هو اسمه، ولم أستطع حتى إرفاق الرابط
----------------------
المذهب الزيدي
لقد جهل كثير من المسلمين عقيدة إخوانهم "الزيدية" الذين يقطنون الشمال الشرقي من بلاد اليمن جهلا عظيماً, كان من نتائجه السيئة أن رموهم بالابتداع في الدين, و الشذوذ في الرأي و المخالفة في المأخذ للأحكام الشرعية, وأنهم تركوا دراسة كتب الحديث الشريف المشهورة, ورغبوا عن الاحتجاج و العمل بما فيها مستبدلين بها غيرها من الكتب المجهولة التي لا يعرفها علماء الحديث ولا يعترفون بها. هكذا رموا من بعض إخوانهم جهلا, كما رموا من بعض آخرين بالجمود و التعصب المذهبي, و البغض للسلف الصالح من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم...
والحق أن الزيدية لم يشذوا في آرائهم عن آراء إخوانهم المسلمين كما أنهم لم يشذوا في طريق الأخذ والاحتجاج, بل هم أقرب المذاهب إلى مذهب أهل السنة والجماعة, لاسيما مذهب الأمام أبي حنيفة رضوان الله عليه. و البرهان الصحيح على هذا هو" مجموع الامام زيد بن علي" نفسه, فإن من اطلع عليه منفردا أو مع مراجعة شرحه (الروض النضير), عرف حق المعرفة صدق ما قلته من أنهم لا يخرجون في الغالب عن مذاهب الأئمة الأربعة عموماً, وعن مذهب الحنفية خصوصاً, كما اعترف بذلك بعض محققيهم ممن اطلع على" المجموع" و"شرحه". وهكذا القول في فروعه كالمذهب الهادوي و القاسمي و الناصري و الهاروني وغيرها من المذاهب الفقهية التي تفرعت من مذهب الأمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام فإنها مهما اختلفت عن أصلها في بعض المسائل الفقهية اليسيرة أو خالف بعضها بعضا في شيء من ذلك, نراها تتفق كثيراً مع أصلها في عدة مسائل كثيرة كبرى وتوافق غيرها من المذاهب الإسلامية الأخرى كما وافقها أصلها, لأنها فرق متفرعة عنه ومتولدة منه ولا تخرج عنه إلا نادرا, لاسيما المذهب الهادوي , الذي أسسه إمام اليمن, الإمام الهادي يحي بن الحسين رضوان الله عليه, و تمذهب به زيدية اليمن, وظل المذهب الرسمي للحكومة اليمنية أكثر من ألف عام. وهو أيضاً كأصله في الموافقة غالباً لما عليه المذاهب الإسلامية الأخرى,وعلى الخصوص مذهب الحنفية الذي يتمذهب به كثير من المسلمين. وتمذهب به كثير من دول الإسلام وحكوماته قديما وحديثا, وظل المذهب الرسمي للحكومة المصرية حتى الآن. وكتب الهادوية شاهدة على ما قلته من الموافقة, حتى كان بعض أئمة الهادوية يرى الأخذ من أقوال أبي حنيفة- إذا لم يجد للهادي نصاً في أية مسألة فقهية- مذهبا للإمام الهادي وهذا أكبر دليل على أن المذهب الحنفي و المذهب الهادوي أخوان.
بل يمكن أن أصرح للقاريء بأن المذهب الحنفي أقرب إلى المذهب الهادوي أو الزيدي منه إلى المذهب الحنبلي, نعم ربما تفردوا بأقوال لا يوافقهم عليها أحد من أئمة المسلمين , ولكن في مسائل جزئية محصورة تعد بالأصح لا تخرجهم إلى البدعة ولا توجب نبذهم بالشذوذ أو الابتداع.
وكم من عالم شذ في بعض أقواله العلمية, وآرائه الفقهية, واغتفروا له ذلك الشذوذ, ولم يخرجوه من دائرة السنة إلى البدعة ولم ينبذوه بالشذوذ و الابتداع, ومؤلفات الإمام ابن حزم كالمحلى وغيره أكبر شاهد على أن تفرد أي عالم برأي يخالف أئمة المذاهب المتبوعة لا يخرجه إلى البدعة.
وهم أيضاً أبريا مما اتهمهم البعض به من عدم دراستهم لكتب الحديث الشريف, وعدم العمل و الاحتجاج بما فيها, كيف لا وهذه كتبهم أكبر برهان على رد هذه التهمة التي ليس لها مستند سوى توهم أن تفردهم برواية كتب حديثيه,- رويت لهم من طريق أهل البيت- مما يدل على جهلهم بكتب الحديث المشهورة المتداولة لدى جماهير المسلمين. والواقع أنهم جمعوا بين الدراسة لكتب أهل البيت النبوي كالمجموع الفقهي و التجريد و الأماليات, وبين الدراسة لكتب المحدثين كالأمهات الست, وما يتبعها من المسانيد و المجاميع و المعاجم.
وأعظم البراهين على قراءاتهم لها وعلمهم بأدلتها, نقلهم عنها, و احتجاجهم بها في مؤلفاتهم الفقهية لاسيما مؤلفات متأخريهم كالإمام القاسم بن محمد في (الاعتصام) والسيد أحمد بن يوسف زبارة في (أنوار التمام) و السيد حسن الجلال في (ضوء النهار) و القاضي حسين السياغي في (الروض النضير) ,وهكذا غيرهم. كمن اعتنى بالتخريج لكتبهم من كتب المحدثين. كالضمدي في أحاديث" الشفاء "وابن بهران في تخريجه أحاديث" البحر الزخار" وأحمد بن يوسف في تخريجة للمجموع الفقهي الكبير الذي جمعه أبو خالد الواسطي مما رواه عن زيد بن علي. ويؤيد برهاننا هذا ما نراه في تراجم علمائهم عموما و المتأخرين منهم خصوصاً, من أخذهم عن مشايخ مذهبهم كتب أهل البيت أولا وكتب أهل الحديث ثانياً, بل ربما أخذوا في كتب الحديث عن غير مشايخ مذاهبهم من شافعية و أحناف. وحسب القاريء أن يطلع على ما قد طبع من تراجم علمائهم (كالبدر الطالع)و (الملحق التابع) و(نيل الوطر)و (نشر العرف). و(أئمة اليمن) إلى الآن مثل (نفحات العنبر) و
(درر نحور الحور العين) وغيرها.
وهكذا مما يؤيد ما ذكرته ما يراه القاريء في مؤلفات متأخريهم التي جمعوها في الأسانيد والإجازات و الأثبات, ويكفيه ما قد طبع منها في الهند ومصر كـ(إتحاف الأكابر) (والدر الفريد), وكلها مؤيدة لما ذكرته من غزارة معين علومهم الدينية, وسعة دائرة معارفهم الفقهية حيث جمعوا بين علوم أهل الأثر و الحديث, أخذا وتدريساً وعملاً واحتجاجاً, وهذا إن دل على شيء فهو براءتهم مما اتهموا به من قصورهم في معرفة كتب المحدثين ورغبتهم عن العمل بما فيها, كما يدل في نفس الوقت على نهمهم العلمي وتحررهم الفكري تحررا مقرونا بالتسامح و الإنصاف, ولو عرف الذين يتهمونهم بهذه التهمة حقيقة أمرهم لجعلوا تفردهم برواية هذه الكتب حسنة من حسناتهم لاسيئة من سيئاتهم. على أنه قد يوجد منهم من لا يأخذ ولا يدرس كتب الحديث الشريف, ولا يري العمل بما فيها, ولكنه قليل نادر يتضاءل أمام الكثير الغالب تضاؤلا يمنع من الحكم على جميعهم بذلك.
وهم لا يتعصبون على غيرهم ممن يخالفهم في الفقه الإسلامي من إخوانهم المسلمين ممن يتعبد بأي مذهب إسلامي إذا كان الخلاف في المسائل الفقهية التي لا يخل الخلاف فيها بجوهر الدين أي إخلال. وكتبهم الأصولية و الفروعية دالة أكبر دلالة على إحسانهم الظن بكل من يخالفهم خلافا لا يمس الدين, ولا يخل بأصل من أصول الإسلام الكبرى. ومادام المخالف لهم لم يخالفهم في أي مسألة من المسائل الكبرى التي يعد المخالف لهم فيها مخالفا لما هو معلوم من الدين بالضرورة عند علماء الإسلام.
وهاك بعضاً من قواعدهم الأصولية والفروعية المنصوص عليها في أكبر مؤلفاتهم وأشهرها مثل قولهم:
أ- "الاجتهاد جائز لمن قد حقق علوم الاجتهاد الخمسة المذكورة في علم الأصول"
ب- "لكل مجتهد نصيب"..
ج-" إذا احتلف مذهب إمام الصلاة ومذهب المؤتم به فالإمام حاكم"..
د- " لا إنكار في حكم مختلف فيه"...
هـ- "لا يكون التكفير و التفسيق إلا بدليل قاطع"..
و- "حكم الحاكم بين الخصمين يقطع النزاع, مهما كان مذهب الحاكم, وكيفما كان مذهب الخصمين"..
ز- "الجاهل الصرف الذي لا يعرف عن المذهب شيئا مذهبه مذهب من وافق"..
ح- "كل مسألة خلافية خرج وقتها فلا يجب على المكلف قضاؤها,و لو أداها مخالفة لمذهبه ,مهما كان الخلاف قد وقع فيها لمصادفة فعلة قول قائل من علماء المسلمين".
وغير ذلك من القواعد الكلية الكبرى الدالة على ما ذكرته آنفا من أنهم على قدر كبير من التسامح المذهبي.
على أنه يوجد في بعضهم شيء من التعصب المذهبي ولكنه في الغالب يكون في العامة الذين لا يعرفون عن أصل مذهبهم شيئاً. وربما وجد في بعض الخاصة ولكنه وجود نادر قد تكون الأسباب فيه خارجية لا علاقة لها بأصل المذهب, كما يوجد مثل ذلك في جميع المذاهب الإسلامية من بعض الأفراد الذين قل أن يخلو عنهم مذهب من المذاهب كما نطقت بذلك كتب التاريخ.
وهم أيضاً لا يجمدون على ما نصه إمام مذهبهم, بل طريقتهم أنهم إذا رأوا في أية مسألة أن قول غير إمامهم أرجح دليلاً منه, أخذوا بقوله غير مستنكفين ولا آنفين من الميل عن إمامهم إلى إمام آخر من أئمة المسلمين ,مادام هذا الإمام قد تمسك بدليل أرجح من دليل إمامهم. بل إن البعض منهم يستنبط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية, ويتخذ هذه الأحكام المستنبطة مذهبا له غير عالم بمن قد سبقه إلى هذا الرأي وذلك كله نتيجة لفتحهم باب الاجتهاد المطلق الذي كان قد أوصده الجمهور على أنفسهم بلا دليل...
ولذلك نرى كثيراً منهم يذهبون إلى آراء قد توافق إمام مذهبهم, وقد لا توافق, وقد يكون فيها مرجحا لمذهب عالم سني, وقد رآه ابتداء وذلك كالإمام يحيى بن حمزة مؤلف (الانتصار) وغيره و الإمام عبدالله بن حمزة مؤلف (الشافي) وغيره و الإمام المهدي أحمد بن يحيى مؤلف(البحر الزخار) وغيره. بل جاء بعدهم من فتحوا باب الاجتهاد المطلق على مصراعيه غير هيابين ولا خائفين ولا وجلين. ودخلوا منه غير هيابين ولا مبالين بمخالفة أي عالم مهما كان علمه ماداموا قد تمسكوا بالكتاب و السنة, فتركوا المذاهب الفقهية و الأصولية و الكلامية أجمع ورجعوا إلى أصول الدين الإسلامي وأدلته الشرعية الصحيحة,وأعلنوا اجتهادهم المطلق أصولا وفروعاً وكلاماً وتفسيراً وحديثاً وفقها في عصور عز الاجتهاد في واحد منها, أولئك أمثال السيد محمد بن إبراهيم الوزير مؤلف (العواصم و القواصم) و (إيثار الحق على الخلق)و (الروض الباسم) و (ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان)و (البرهان القاطع) و(تنقيح الأنظار), وغيرها من المؤلفات القيمة. و الشيخ صالح المقبلي مؤلف (العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء و المشايخ) و (الأرواح النوافح) و (المنار على البحر الزخار) و (الإتحاف لطلبة الكشاف) وغير ذلك. و السيد حسن الجلال مؤلف (نظام الفصول), (وضوء النهار المشرق على حدائق الأزهار) (والعصمة عن الضلال) وغيرها.
و السيد محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني مؤلف(سبل السلام) و (منحة الغفار)و( العدة) و (التحبير) و (الروضة) وغيرها. والقاضى محمد الشوكاني صاحب المؤلفات القيمة التي لو لم يكن منها إلا ما قد طبع لكفته فخراً, فكيف و الكثير منها لم يطبع, فمن مؤلفاته المطبوعة: (نيل الأوطار) و( الدرارى المضية) و (تحفة الذاكرين) و (القول المفيد) و (فتح القدير) و النصف الثاني من( السيل الجرار) و( الفوائد المجموعة) و (إرشاد الفحول) وغيرها. فلله دره من مذهب أنجب أمثال هؤلاء العلماء في عصور ساد فيها التقليد و الجمود على الاجتهاد الشرعي وعلى التحرر الفكري, وسد فيها باب الاجتهاد المطلق على الكثير من العلماء ممن هو قادر على الاستنباط وممن قد حاز علوم الاجتهاد.
ومهما يكن من الأمر فإن زيدية اليمن ليسوا كما يتوهم الكثير ممن يجهل حالهم وفقههم, بل هم إن قلدوا فإنما يقلدون أئمة مذهبهم الذي لا يخرجهم عن مذاهب إخوانهم أهل السنة, لاسيما الأحناف. وإن اجتهدوا وتحررروا, فاجتهادهم مثل اجتهاد الوزير المقبلي و الأمير و الجلال و الشوكاني, هؤلاء العلماء الذين لا يعرف أحد قدرهم إلا بعد أن يحيط علما بجميع مؤلفاتهم القيمة أي الزيدية. وهم كغيرهم من أهل المذاهب الإسلامية الأخرى في التولي للخلفاء الراشدين, و التعظيم لهم بصفتهم وزراء النبي صلي الله عليه وسلم وأعظم مناصريه, ومن انتقصهم منهم فهو إما من العوام الجهال, أو من الخاصة المتعصبين الذين لهم أقل من القليل. و الدليل الصحيح على هذا هو ما نراه في كتبهم الكثيرة التي ألفها أكبر علمائهم,من النقل عن جماهير أئمتهم وعلى رأسهم إمام مذهبهم الأكبر الإمام زيد بن علي رضوان الله عليه, من وجوب التولي والحب والتعظيم لجميع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. وحسب القاريء أن يتصفح منها ما قد طبع بمصر من المؤلفات القيمة التي تبين صدق ما قلته من براءتهم من كل ما اتهموا به من رفض و ابتداع , أذكر منها على سبيل المثال (الرسالة الوازعة للمعتدين) المطبوعة بالقاهرة, ومجموعة ضمن الرسائل اليمنية للإمام يحيى بن حمزة اليمني الزيدي وكتاب (إرشاد الغبي إلى مذهب الآل في صحب النبي) لشيخ الإسلام الشوكاني وهو أحد مؤلفات الشوكاني الكثيرة التي لا تزال في عالم المخطوطات.
وحاصل هذا المقال, هو أن من تجرد من أثواب التعصب المذهبي ونظر في مؤلفات زيدية اليمن عموما, وفيما قد طبع منها خصوصا لا يخرج إلا مؤمنا أعظم إيمان بأن إخوانه (الشيعة الزيدية) ليسوا كما اأشيع عنهم جهلا من الشذوذ و الابتداع في الرأي و العقيدة و الرواية و المأخذ , كما أنهم أيضاً بريئون من الجمود و التعصب المذهبي الذي طالما رموا به, بل إنهم كغيرهم من إخوانهم المسلمين رواية وأخذا للشريعة الإسلامية,من دواوينها المشهورة التي دونها أئمة الحديث وحفاظه المشهورون ,كما أنهم أيضاً كغيرهم من المسلمين إنصافاً وتسامحاً وحرية وحباً للسلف الصالح من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتوليا لخلفائه الراشدين. وفي الوقت نفسه يؤمن أكمل إيمان بأنهم من أبعد المسلمين عن البدعة وأقربهم إلى السنة, وأن المذهب الزيدي والمذهب الحنفي أخوان,ومهماتخالفا فلن يخرج المذهب الزيدي عن أي مذهب من المذاهب الإسلامية الأخرى وهكذا ما تفرع عنه من فرق ومذاهب, حكمها حكمه, خصوصا المذهب الهادوي منها. وقد يشذ هذا الأخير وينفرد بأقوال لا يوافقه عليها غيره مطلقا, ولكنه انفراد يسير في مسائل فروعية جزئية محصورة.
وهكذا صار واضحاً أن ما أشيع عنهم من عدم توليهم لبعض الخلفاء الراشدين هم منه براء ,ومهما وجد بعض من ذلك فلن يتجاوز عددا مخصوصا من متطرفي فقهائهم, يتضاءل أمام الجم الغفير من علمائهم الذين ترى أقوالهم العلمية مسجلة على صفحات الكتب بروح عظيمة من التسامح و الإنصاف و التحرر الفكري.
التعديل الأخير: