العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

شرح الكتاب الخامس في الاستدلال من جمع الجوامع في أصول الفقه

إنضم
21 فبراير 2010
المشاركات
456
الإقامة
الإمارات العربية المتحدة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو حاتم
التخصص
أصول الفقه ومقاصد الشريعة
الدولة
الإمارات العربية المتحدة
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
شرح الكتاب الخامس في الاستدلال من جمع الجوامع في أصول الفقه
للإمام تاج الدين السبكي
الدكتور يوسف حميتو
أولا- تعريف الاستدلال:
اختلفت عبارات الأصوليين في بيان معنى الاستدلال، على أربعة صور:
أ- عرفه بعضهم بتعريفات عامة تماثل المعنى اللغوي أي: طلب الدليل، أو طلب دلالة الدليل، أو النظر في الدليل، كما هو عند الجصاص في فصوله، والباقلاني في التقريب والإرشاد، وابن حزم في الأحكام، والجويني في التلخيص، وابن السمعاني في قواطع الأدلة، وهي عبارات لا تشعر بمزيد خصوصية لمصطلح الاستدلال.
ب- عرفه البعض الثاني بتعريفات هي أكثر ارتباطا بالقياس المنطقي، وهو فعل أبي الحسين البصري في المعتمد، والإمام الباجي في إحكام الفصول والحدود.
ج- بعض ثالث نحا منحى عاما بأن قصدوا به ذكر الدليل مطلقا سواء أريد به الأربعة المتفق عليها أي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، أم أريد به غيرها، وهذا أيضا غير مشعر بخصوصية المعنى.
د- بعض رابع خصه بمعنى خاص، ومنهم الآمدي في إحكامه، وابن الحاجب في مختصريه، والسبكي المصنف الذي قال عنه:" هو دليل ليس بنص , ولا إجماع ولا قياس".
هذا التعريف يعني أن الاستدلال هو دليل، لكنه ليس من الكتاب أو السنة لأنه بذلك يكون نصا، وليس من إجماع جميع مجتهدي الأمة، وليس من قياس التمثيل الذي هو القياس الشرعي الذي يقتضي حمل معلوم على معلوم لمساواته في علة حكمه عند الحامل – أي المجتهد -، وهو المتعارف من إطلاق لفظ القياس عند الأصوليين.
فنفهم من هذا أن الاستدلال هو ذكر الدليل الموصل للحكم والذي ليس منصوصا وليس إجماعا وليس قياسا، وهو المعنى الذي يشير إليه الإمام ابن عاصم رحمه الله في قوله: فصل والاستدلال في ذا العلم *** أخذ دليل موصل للحكم.
وإذا تأملت بقية كلام المصنف رحمه الله، تجده يشير إشارة إلى ما يتضمنه التعريف مما قد يظنه البعض أنه يحترز منه حين يعرف الاستدلال بأنه ليس قياسا، لكنه احتراز نفاه تنبيهنا على أن المقصود هو قياس العلة([1]) لا القياس المنطقي، لأن الاستدلال هنا يدخل فيه القياس المنطقي بدليل قول المصنف:"فيدخل الاقتراني والاستثنائي، وقياس العكس"، ومعنى القياس المنطقي أنه قول مؤلف من قضايا، متى سُلِّمت لزم عنه لذاته قول آخر"، لكن لا ينبغي أن يفهم أن هذا هو كل ما يدخل تحت مفهوم الاستدلال، فليس في هذا التعريف إفصاح عن كل ما دخل فيه وإنما ذكر ذلك إجمالا كما يقول الحافظ العراقي رحمه الله.
ثانيا- من مشمولات الاستدلال:
1- القياس الاقتراني:
وهو ما اشتمل على النتيجة أو نقيضها بالقوة لا بالفعل، وسمي بالاقتراني لاقتران أجزائه واتصال بعضها ببعض دون فصل بينها بأداة استثناء وهي "لكن"، وصورته أنه يتركب من مقدمتين وكل مقدمة منهما تشتمل على مفردين أحدهما مكرر في المقدمتين تتلوهما نتيجة تلزم من المقدمتين لزوما ذهنيا.
المقدمة الأولى (الحد الأصغر)المقدمة الثانية ( الحد الأكبر)النتيجة ( الحد الأوسط)
العالم متغيركل متغير حادثالعالم حادث
كل نبيذ مسكركل مسكر حرامكل نبيذ حرام
الإسم كلمةالكلمة إما مبنية أو معربةكل اسم إما مبني أو معرب
الحمامة طائركل طائر حيوانالحمامة حيوان
خالد يشرب الخمركل شارب خمر فاسقخالد فاسق

2- القياس الاستثنائي:
وهو ما يكون النتيجة أو نقيضها مذكورا فيه بالفعل لا بالقوة، وقد سمي بالاستثنائي لاشتماله على الاستثناء ب(لكن)، ويسمى كذلك بالشرطي لأنه تذكر فيه النتيجة ونقيضها، وهو مؤلف من مقدمتين إحداهما شرطية وتسمى بالمقدمة الكبرى والأخرى استثنائية وتسمى بالمقدمة الصغرى تتلوهما نتيجة.
المقدمة الكبرىالمقدمة الصغرىالنتيجة
لو كانت الملاهي كلها حراما لكانت الحياة الدنيا أيضا حراما لأنها لعب ولهو.لكن الحياة الدنيا ليست بحرامالملاهي كلها ليست بحرام
إن كان النبيذ مسكرا فهو حراملكن النبيذ مسكرهو ليس بمباح
كلما كان زيد عالما فواجب احترامهلكنه عالمزيد واجب احترامه

3- قياس العكس:
وهو إثبات نقيض حكم الشيء في شيء آخر لافتراقهما وتعاكسهما في العلة.
- قوله تعال:) ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا(، فقد دل الله على مصدرية القرآن بالعكس.
- ما في حديث مسلم أن صحابيا قال:" أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟، فقال عليه السلام"أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟".
- مذهب المالكية أنه لما لم يجب الوضوء من قليل القيء فقد دل ذلك على أن كثيره لا وضوء منه، بعكس البوب، فإن ما وجب من قليله وجب من كثيره.
4- الدليل الملقب بالنافي:
وهو قول المصنف:" وقولنا – معاشر العلماء (
[2])- الدليل يقتضي أن لا يكون كذا خولف في كذا لمعنى مفقود في صورة النزاع فيبقى على الأصل"، ومعناه مخالفة الأصل لمعنى يختص به، مع بقاء الأصل على ما اقتضاه الدليل.
- الدليل يقتضي تحريم قتل الإنسان مطلقا، لكن هذا الأصل خولف لمعنى يختص به من قبيل القصاص وحفظ النفوس الأخرى، فوجب العمل بالدليل النافي فيما عداه.
- الدليل النافي لصحة تزويج المرأة لنفسها موجود، وما خولف لأجله مفقود فوجب استصحاب حكم الدليل وتقرير أن النكاح فيه إذلال للمرأة بالوطء وغيره مما يأباه شرف إنسانيتها، لكن هذا الدليل خولف في تزويج الولي لها لكمال أهليته في التزويج دونها، فيبقى تزويجها نفسها الذي هو محل النزاع على مقتضى الدليل المانع، ففقد الشرط دليل على تفي الحكم.
5- انتفاء الحكم لانتفاء مُدرَكه:
أي الاستدلال على انتفاء الحكم بانتفاء دليله بعد أن يبذل المجتهد وسعه، فعدم الوجدان المظن به انتفاؤه دليل على انتفاء الحكملأن الأصل في الأحكام أن تثبت بالدليل، ولو ثبتت بغير دليل فإما أن نكون مكلفين بها أو لا نكون، وكلا الأمرين باطل، فالأول على اعتبار أن التكليف بالشيء من غير شعور به أو وجود طريق يفضي إليه هو تكليف بما لا يطاق، وهذا منفي عن الشريعة جملة وتفصيلا كما يقول الشاطبي رحمه الله، وهو معنى قول المصنف:"وإلا لزم تكليف الغافل ولا دليل بالسبر أو الأصل"، ففهمنا أنه لو كان ذلك لوجب أن يثبت الدليل بالسبر ولقام على ثبوته الدليل من النص أو الإجماع أو القياس، فدل ذلك على أن النفي حكم شرعي سواء استفدناه من دليل شرعي أو استفدناه من انتفاء الدليل المثبت فيستصحب الأصل الذي هو العدم، رغم ما قد يعترض به البعض من أن عدم الوجدان ليس دليلا على عدم الوجود، كما قرر ذلك البيضاوي رحمه الله.
6- ما يتعلق بوجود المقتضي أو المانع أو فقد الشرط:
أي أن تكون إحدى المقدمتين مشهورة دون الأخرى، فيكتفى بها اعتمادا على شهرتها، على اعتبار أنه إذا وجد السبب وجد معه المسبب، وهذا معنى المقتضى، وإذا وجد المانع انتفى الحكم، وكذلك إذا فقد الشرط، فلا تذكر المقدمة الأخرى لظهور الأولى، ومثال ذلك قوله تعالى:) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا(، فتوقف حصول النتيجة على إضمار: وما فسدتا.
وقد أشار المصنف بقوله:"خلافا للأكثر"، إلى أن في هذا النوع من الاستدلال خلاف في كونه دليلا، فمذهب الأكثرين أنه ليس بدليل، بل مجرد دعوى دليل، لأن القول بالمقتضى مثلا معناه لدليل، وهو ما لم يقم على وجوده دليل أصلا، في حين ذهب المصنف إلى القول بكونه دليلا مطلقا لدخوله في معنى الاستدلال، واشترط البعض في القول بكونه دليلا أن يثبت السبب أو المانع أو الشرط بغير النص أو الإجماع أو القياس وإلا لم يكن استدلالا.
7- الاستقراء:
عرفه المصنف بقوله:"الاستقراء بالجزئي على الكلي"، وهو تعريف يوافق تعريف المناطقة للاستقراء من جهة تصريحه بلفظ الكلي، وإن كان يخالفهم من جهة أنه قصره على ما كان الحكم فيه للأغلب وهذا ما يعني أن المصنف ينظر إلى الاستقراء من زاوية أثره في النظر الفقهي، بعكس من ينظر إليه من زاوية التغليب الأصولي كما هو معنى قول حجة الغزالي رحمه الله في المستصفى أنه:"عبارة عن تصفح جزئيات ليحكم بحكمها على أمر يشمل تلك الجزئيات"، وبعكس من يرى أنه وسيلة لتقعيد القواعد الكلية كما هو عند الرازي والشاطبي الذي يعرفه بأنه:"تصفح الجزئيات ليثبت من جهتها حكم عام إما قطعي وإما ظني" وهذا النظر يقترب من مفهوم المناطقة للاستقراء، والذين يقررون أنه استدلال بثبوت الحكم للكلي على ثبوته للجزئي.
والاستقراء كما يقرره المصنف قسمان:
أ- استقراء تام: يستدل فيه بالجزئي على الكلي،أي إثبات الحكم في الجزئي لثبوته في الكلي، غير أن المصنف رحمه الله اعتبر أن الاستقراء التام هو تتبع جميع الجزئيات ما عدا التي هي محل النزاع، ولذلك قال:"إن كان تاما، أي بالكل إلا صورة النزاع"، وهذا بعكس ما هو عند المناطقة وباقي الأصوليين فيما يتعلق بالاستقراء التام والذين يشترطون عدم خروج أي فرد من أفراد الكلي عن التتبع.
والأكثرون من الأصوليين على أنه قطعي رغم كون صورة النزاع مستثناة منه، وذلك لبعد خروجها عن القاعدة وكونه نادرا جدا، ولأن "الاحتمالات البعيدة لا تنافي القطع" كما هو في تقريرات الشربيني رحمه الله،
ب- استقراء ناقص: أي: "الاستقراء بأكثر الجزئيات"، ومعنى ذلك الاستدلال بثبوت الحكم في بعض الجزئيات على ثبوته لأمر يشملها، من غير بيان للعلة المؤثرة في الحكم، وهو ما يسمى "إلحاق الفرد بالأغلب"، وقد ذهب المتأخرون من الأصوليين أنه ظني لا قطعي لاحتمال أنه يكون ذلك الجزئي مخالفا لباقي الجزئيات المستقرأة، لكن الرازي رحمه الله اشترط في إفادته الظن وجود دليل منفصل.
ومن أمثلة الاستقراء التام:
- كل أمر بالفعل ورد بعد الأمر بالترك فإنه يفيد رجوعه إلى الحكم التكليفي الذي كان عليه قبل المنع منه، مثال قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَت الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ﴾ [الجمعة:10] وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة:2]، وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ﴾ [التوبة:5]، وقوله صلى الله عليه وسلم:" إنّما نهيتكم من أجل الدافة التي دفّت فكلّوا وادّخروا وتصدقوا"(،) وقوله عليه الصلاة والسلام: "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" فالحكم فيها أن يُردّ الأمر إلى ما كان عليه قبل النهي، فإن كان قبله جائزا رجع إلى الجواز، وإن كان واجبا رجع إلى الوجوب، وإنّما علم ذلك بالاستقراء التام.
- ثبوت أن أحكام الشريعة جاءت لمصالح العباد في الدارين بالاستقراء التام.
- ثبوت أن الرخص منوطة بالمشاق بالاستقراء التام.
- ثبوت المنع من المشروع إذا كان فعله يؤدي إلى الممنوع بالاستقراء التام.
- ثبوت أن الوتر ليس بواجب لأنه يؤدى على الراحلة، والاستقراء مؤداه إلى أن الفرائض لا.
ومن أمثلة الاستقراء الناقص:
- أن الفرد يلحق بالأعم الأغلب ويدخل فيها مسائل كثيرة منها عدم نقض الوضوء بالقهقهة مطلقا خلافا للحنفية الذين رأوا أنه يبطل الوضوء داخل الصلاة دون خارجها والاستقراء دل على ان ما أبطل الوضوء داخل الصلاة أبطله خارجها والعكس.
- تحديد مدة الحيض أقله وأكثره ومدة النفاس أقله وأكثره
- حيض الحامل .










[1] - كذلك لا يدخل في الاستدلال إضافة إلى قياس العلة قياس الدلالة، والقياس بنفي الفارق.


[2] - فهم من كلامه التعميم على العلماء لأن هذا ليس أمرا خاصا بالأصوليين دون غيرهم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
14 نوفمبر 2013
المشاركات
31
الكنية
أبو النور
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الموصل
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: شرح الكتاب الخامس في الاستدلال من جمع الجوامع في أصول الفقه

تسلم دكتور موضوع جميل ومحكم
 
أعلى