رد: لماذا معاملات البنوك تلحق بالقروض و لا تلحق بالبيوع
بارك الله في الأخوين الكريمين
أخي الكريم دكتور مشعل
يسعدني أن تستعمل أبسط أسلوب ممكن , فالذي لا أفهمه اليوم أفهمه غدا,
سأحاول في هذه المشاركة شرح حيرتي ,
أعتقد أن الربا المذكور في حديث عبادة بن الصامت -في ربوية الأصناف الستة- ينحصر فقط في هاته الأصناف و لا يتعدّى إلى غيرها, و لا تقاس أوراقنا المالية على الذهب, فأوراقنا الآن انفصلت عن الذهب, فالذي يملك ورقا ماليا لا يعني أنه يملك ذهبا,
هذا اعتقادي, و لا أريد الآن أن نناقش هذا الموضوع, فلو ذكرتم لي أن معاملات البنوك ربا لحديث عبادة بن الصامت, توقفت حيرتي, لأنني أعرف أن هنالك من يقيس أموالنا على الذهب بجامع علة الثمنية , فهذا موضوع آخر,
إلا أنني وجدت أن الكثير من الفقهاء و حتى من الظاهرية يرون ربوية معاملات البنوك لأنه يدخل في باب اشتراط الزيادة في القرض, و ليس لحديث عبادة بن الصامت, فهنا نشأت حيرتي.
لماذا معاملة البنوك تعتبر قرضا و ليس مبادلة مال بمال؟
فالقرض هو تمليك الشيء على أن يرد مثله,
فإن كان العقد خالف هذا التعريف لم يعد هنالك قرضا,
ففي عقود البنوك موجود الثمن و المثمن , و فيه أن الثمن زائد على المثمن, فهاته الزيادة مذكورة في العقد و ليس خارجه, و الطرفان تراضيا على بنود العقد في لحظة واحدة, لا يوجد بند واحد تراضيا عليه بعد إمضاء العقد, بل كل البنود تم الاتفاق عليها في عقد واحد, فإما أن يكون العقد عقد قرض , أو شيء آخر؟
أما أن يكون عقد قرض فمحال-في نظري-لأن العقد فيه زيادة الثمن على المثمن التي تهدم معنى القرض,
فلو كان العقد عقد قرض لكانت معاملات البنوك معاملات مستحبة,
أمّا أن يكون العقد يسمّى تسمية أخرى فهذا لا مانع, فقط علينا أن نعرف من سمّاه بذلك, و حكم تلك الصفة من المعاملات,
فالذي يسمي العقد-عقد البنك مع العميل- قرضا ربويا, لم يسمّه بذلك إلا لمّا اعتقد أن تلك المعاملة ربا, فوجب ذكر الدليل على أنه ربا,
إلا أننا على يقين أنه ليس قرضا , و من يقل أن العقد عقد قرض, لزمه أن يعرّف القرض بأنه مبادلة مال بمال.
فيأتي السؤال: ما الدليل على أنّ معاملات البنوك ربوية؟, فإن ثبت أنها معاملات ربوية لن يهم تسميتها بقروض ربوية أو معاملات ربوية او مبادلات ربوية أو بيوع ربوية أو....المهم أنها ربا, و ليست قروض(إلا أن يكون تعريف القرض هو مبادلة مال بمال )
فازدادت حيرتي عندما رأيت من يستدل بربوية معاملات البنوك بقاعدة "كل قرض جر منفعة فهو ربا", فرأيت أنّ أغلب الفقهاء متفقون على أن رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم لا يصحّ(فلينتبه الأخ الكريم مختار), لكن جعلوه قاعدة, لكن الذي أعرفه هو أن القاعدة حتى تستدل بها في استنباط الأحكام الشرعية, يجب أن يكون مصدرها كتاب الله عز و جل أو بيان رسول الله صلى الله عليه و سلّم,
رغم هذا هذه القاعدة لا تنطبق على معاملات البنوك
لأن القاعدة تقول كل قرض(و هو العقد الذي فيه تمليك شيء ليرد مثله) إذا جرّ منفعة(التي تكون خارج العقد) فهو ربا, فعقد البنوك فيه تمليك شيء ليرد بزيادة معلومة, فالعقد المذكور في القاعدة ليس هو العقد الذي يكون بين البنك و العميل,
لكن القاعدة فيها تحريم ما أحلّه نبينا صلى الله عليه و سلّم لما استسلف من رجل بكرا فردّه خيارا رباعيا و قال "خيركم أحسنكم قضاء" إلا أن يكون فعله صلى الله عليه و سلم منسوخا.
ثم ما هو الدليل على صحّة القاعدة؟
و رأيت من يستدل بربوية معاملات البنوك بزيادة ضابط آخر في قاعدة "كل قرض جر منفعة فهو ربا"و هو أن تكون المنفعة مشروطة
كذلك هذه القاعدة لا تنطبق على معاملات البنوك
لأن القاعدة تقول كل قرض(و هو العقد الذي فيه تمليك شيء ليرد مثله) إذا جرّ منفعة مشروطة(التي تكون خارج العقد) فهو ربا, فعقد البنوك فيه تمليك شيء ليرد بزيادة معلومة, فالعقد المذكور في القاعدة ليس هو العقد الذي يكون بين البنك و العميل,
و إنّما ينطبق هذا على ربا الجاهلية الذي يذكره المفسرون عن السلف, و هو أن يكون على الرجل دين فإذا حلّ الأجل و كان معسرا, قال له إما أن تقضي و إما أن تربي .
ففي هذه الحالة يوجد العقد الأول و هو القرض(و يمكن أن يكون بيع إلى أجل) الذي تحققت مواصفاته ,فعندما تعذر أن يقضيه اشترط عليه المقرض المنفعة.
ثمّ ما هو الدليل على صحة القاعدة؟
ثم رأيت من زاد ضابط آخر و هو أن تكون الزيادة المشروطة في أول العقد,
فهنا لم يعد هنالك وجود قرض فذكر الثمن الذي يكون أكثر من المثمن يهدم وصف العقد بالقرض,
فوصلنا إلى شيء لا يهمنا فيه التسميات و هو
أين نجد في كتاب الله عز و جل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ذكر زيادة في الثمن الذي يكون من نفس نوع المثمن ربا؟
فالذي يظهر لي لم يبق إلا حديث عبادة بن الصامت الذي ممكن أن يكون مستند المانعين من معاملات البنوك
و بارك الله فيكم