رد: هل ظني أن مشايخ الشافعية في اليمن يتوسعون في الفتوى بغير المذهب صحيح ؟
الأخ الفاضل ..
من يطالع فتاوى الفقهاء المتأخرين خصوصا بعد الألف يجد أنهم يفتون بخلاف المعتمد كثرا ويختارون أقوالا من المذاهب الأخرى، رعاية للمصلحة وتيسيرا على العامة ، لذا ليست هذه الظاهرة خاصة بفقهاء اليمن، ففي كتب الحواشي كثير من الارشاد إلى الأقوال الضعيفة في المذهب ليتم تقليدها ..
وقد اختار بعض فقهاء اليمن أنه إذا تعارض للفقيه الإفتاء بمعتمد المذهب والمصلحة العامة أنه تقدم المصلحة العامة، كالسيد عبد الرحمن الأهل حيث قال في فتاويه : ومنهم شيخ الإسلام عبدالرحمنُ بنُ سليمانَ الأهدل(1250هـ) حيث يقرِّرون أن (الشرعَ مبنيٌّ على جلبِ المصالحِ ودرءِ المفاسدِ ، بل لو كان حكمٌ شرعيٌّ يخالِفُ العادةَ وتركُ العملِ بالعادةِ يُؤدِّي إلى فتنةٍ ومفسدةٍ عظيمةٍ عُمِلَ بالعادةِ سَدّاً للذريعةِ المُؤدِّيَةِ إلى الشقاقِ والعداوَةِ التي لا ينقَطِعُ بابُها إذا فُتِحَ ولا ينسَدُّ)ويقول الشيخُ محمد بن عبدالله باسودان نقلاً عن رسالةِ أبيه «تعريفُ التَّيَقُّظِ والانتباه لما يقع في مسائلِ الكفاءةِ من الاشتباه» : (اعلم أن أئِمَّتَنا الشافعيةَ رضوان الله تعالى عليهم لهم اختياراتٌ مخالفةٌ لمذهبِ الإمامِ الشافعي رضي الله عنه اعتمدوا العمل بها لِتَعَسُّرِ أو تَعَذُّرِ العملِ بالمذهبِ منها ، وهي كثيرةٌ مشهورةٌ ، وعند التحقيقِ فهي غيرُ خارجةٍ عن مذهبِه ، إمّا بالاستنباطِ والقياسِ أو الاحتياطِ من قاعدةٍ له ، أو على قولٍ قديمٍ أو دليلٍ صحيحٍ )
وللشيخِ القاضي عبدالرحمن بُكَير(معاصر) ، الذي كان قاضياً لدى الدولةِ القعيطيةِ ، خصوصاً في كتابه «المدخلِ إلى المسائلِ المختارةِ لمحاكمِ حضرموت » مساهمةٌ فريدةٌ في تقنينِ أحكامِ المذهبِ ، وهي محاولةٌ لتقنينِ أحكامِ القضاءِ على المذهبِ الشافعيِّ في الجملةِ ، وفي هذه الرسالةِ يذكرُ ما خالفَ القضاءُ فيه قولَ الشيخِ ابنِ حجرٍ الهيتميِّ ، أو ما خرجَ كُلِّيَّةً عن المذهبِ ، يقول :
(ومن الجديرِ بالذكرِ أن المحاكمَ بحضرموتَ تعتَمِدُ في قضائِها المذهبَ الشافعيَّ كمذهبٍ أساسيٍّ للقضاءِ ، كما أن الحضارمةَ يتعبَّدون الله بفروعِ المذهبِ الشافعيِّ كمذهبٍ عظيمٍ من مذاهبِ جمهورِ المسلمين ، والمحاكمُ والحضارمُ على السواءِ يعتمدون في المذهبِ الشافعيِّ على آراءِ ابنِ حجرٍ عندما يخالَفُ رأيُه في قضيّةٍ أو رأيٍ .
ولما كان المذهبُ الشافعيُّ نفسُه يضيقُ أحياناً بمتطلباتِ الحياةِ الحديثةِ وفي غيرِه من المذاهبِ سَعَةٌ ، ولما كان أيضا لا يتَّسِعُ صدرُه لبعض التطورات الزمنيّةِ وفي غيره من المذاهب فرصةٌ لُمسايَرَةِ التَّطوُّراتِ ، وفي بعضِ الأحيانِ يكون في مُعتمَدَهِ حَرَجٌ لا يطيقُه أبناءُ العصرِ ، لمّا كان كُلُّ ذلك فقد فَكَّرَ المفكِّرون من رجالاتِ الدولةِ القعيطيةِ في عهد المغفورِ له السلطانِ صالحٍ ثُمَّ فيمن تَبِعَه ، فكَّروا في وضعِ المخارجِ من بعض التقييداتِ التي يأباها التطوُّرُ وتضيقُ عن حاجةِ الناسِ ولم يخرُجوا في كلِّ ذلك عن فقهِ الإسلامِ وآراءِ كبارِ رجالِ الإسلامِ )