العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حكم طاعة الوالدين عند الأمر بالطلاق

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
حكم طاعة الوالدين عند الأمر بالطلاق
(مقتبس من بحث تدخل الأهل في حياة الزوجين وأثر ذلك في حدوث الطلاق)
المنشور في الملتقى على هذا الرابط:
http://www.feqhweb.com/vb/t17865

ولن نستطيع في هذه العجالة أن نوفي هذه المسألة حقها من البحث والتفصيل فهي تستحق بحثا مفردا([1])، لكنا مع ذلك سنورد خلاصة موجزة فيها، وسنسير في بحثها وفق الخطة التالية:
أولا: أقوال الفقهاء في المسألة:
ثانيا: الأدلة الواردة في المسألة:
ثالثا: مناقشة الأدلة الواردة في المسألة:
رابعا: رأي الباحث:

أولا: أقوال الفقهاء في المسألة:

يمكن تصنيف أقوال الفقهاء في هذه المسألة إلى طرفين وواسطة:
الطرف الأول: القول بوجوب التطليق أو ندبه.
الطرف المعاكس: القول بعدم وجوب التطليق أو حرمته.
والواسطة: القول بالتفصيل: إما بحسب الآمر بالطلاق هل هو الأب أو الأم، وإما بحسب عدالة الأب، وإما بحسب سبب أمره بالطلاق وما يلزم عنه.
وفيما يأتي عرض لهذه الأقوال الثلاثة وأصحابها:
أولا: القول بوجوب التطليق أو ندبه.
رُوي ما يشير إلى ذلك عن ابن عباس وأبي الدرداء، رضي الله عنهم، فعن أبي طلحة الأسدي قال: (( كنت جالسا عند ابن عباس فأتاه أعرابيان فاكتنفاه فقال أحدهما: إني كنت أبغي إبلا لي فنزلت بقوم فأعجبتني فتاة لهم فتزوجتها فحلف أبواي أن لا يضمَّاها أبدا , وحلف الفتى فقال: عليه ألف محرر وألف هدية وألف بدنة إن طلقها , فقال ابن عباس: ما أنا بالذي آمرك أن تطلق امرأتك ولا أن تعق والديك , قال: فما أصنع بهذه المرأة؟ قال: ابرر والديك ))([2]). ورُويت مثل هذه الفتوى بقصة مقاربة عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، فعن أبي عبد الرحمن السلمي: (( أن رجلا أتى أبا الدرداء، رضي الله عنه فقال: إن أمي لم تزل بي حتى تزوجت وإنها تأمرني بطلاقها وقد أبت علي إلا ذاك. فقال: ما أنا بالذي آمرك أن تعق والدتك ولا أنا الذي آمرك أن تطلق، إنك إن شئت حدثتك بما سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة فحافظ على ذلك الباب إن شئت أو أضعه ))([3]).
وما نلاحظه على هذين الرأيين هو إبرازهما صورة التعارض في المسألة بين بر الوالدين والطلاق (( ما أنا بالذي آمرك أن تطلق امرأتك ولا أن تعق والديك ))، والتعبير بهذه الصورة يُوجِّه السائل، بشكل غير مباشر، إلى محاولة حلِّ الخلاف بين أمِّه وزوجته حتى لا يقع في أيٍّ من العقوق أو الطلاق. لكن في النهاية، وبعد إلحاح السائل، أفصح ابن عباس، رضي الله عنهما، بلزوم البر مما يقتضي التطليق. أما أبو الدرداء، رضي الله عنه، فقد وجَّه السائل بصورة غير مباشرة إلى البر عن طريق بيان فضل الوالدين.
وذهب إلى وجوب طاعة الوالدين الشوكاني من المتأخرين حيث قال: (( يجب على الرجل إذا أمره أبوه بطلاق زوجته أن يطلِّقها، وإن كان يحبها، فليس ذلك عذرا له في الإمساك، ويلحق بالأب الأم لأن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، قد بيَّن أن لها من الحق على الولد ما يزيد على حق الأب ))([4]).
ثانيا: القول بعدم وجوب التطليق أو حرمته:
روي عدم الوجوب عن الحسن البصري، فقد جاءه رجل فقال:(( إن أمَّه أمرته أن يتزوج ثم قالت له بعد: طلِّقها، فقال له الحسن: إن طلاق امرأتك ليس من برِّ أمك في شيء ))([5]). وروي مثل ذلك عن الإمام أحمد، وهو المعتمد في المذهب([6])، وأما تحريم التطليق فقد روي عن ابن تيمية حيث سُئل عن (( رجل متزوج وله أولاد، ووالدته تكره الزوجة، وتشير عليه
بطلاقها، هل يجوز له طلاقها؟ فأجاب: لا يحل له أن يطلقها لقول أمه، بل عليه أن يبر أمه، وليس تطليق امرأته من برها ))([7]). وهذا القول هو قياس قول الحنفية لأنهم لم يروا وجوب طاعة الوالدين فيما هو أقل من الطلاق كالسفر غير المخوف([8]).
ثالثا: القول بالتفصيل: إما بحسب الآمر بالطلاق هل هو الوالد أو الوالدة، وإما بحسب عدالة الأب، وإما بحسب مسوغ الأمر بالطلاق وما يلزم عن هذا الطلاق.
التفصيل الأول: بحسب الآمر بالطلاق هل هو الأب أو الأم. فإذا كان الأب وجبت الطاعة وإلا فلا.
وهذه هي الرواية الثانية عن الإمام أحمد: قال ابن مفلح: (( ونص أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه إذا أمرته أمه بالطلاق لا يعجبني أن يطلق لأن حديث ابن عمر في الأب ))([9]).
التفصيل الثاني: بحسب عدالة الأب. فإذا كان الأب عدلا طلق الابن وإلا فلا.
وهي الرواية الثالثة عن أحمد قال ابن مفلح: (( ونصَّ أحمد أيضا في رواية محمد بن موسى أنه لا يطلق لأمر أمِّه، فإن أمره الأب بالطلاق طلق إذا كان عدلا ))([10]).
التفصيل الثالث: بحسب مسوِّغ الأمر بالطلاق وما يلزم عنه: فإن كان لمجرد التعنت لم تجب الطاعة وإلا وجبت بشرط أن لا يترتب على ذلك خوف فتنة أو مشقة.
وقد روي هذا عن متأخري الشافعية. قال ابن حجر الهيتمي، وهو يُعدِّد أقسام الطلاق الواجب: (( أو يأمره به أحد والديه، أي من غير نحو تعنت، كما هو شأن الحمقى من الآباء والأمهات، ومع عدم خوف فتنة أو مشقة بطلاقها فيما يظهر ))([11]).

ثانيا: الأدلة الواردة في المسألة:

تنقسم الأدلة الواردة في هذه المسألة إلى نوعين:
أحدهما: أدلة كلية أو أصول عامة:
والنوع الآخر: أدلة جزئية:
أما الأدلة الكلية أو الأصول العامة، فهي ثلاثة أصول:
أحدها: أصل بر الوالدين ووجوب طاعتهما.
والثاني: أصل كراهة الشريعة للطلاق، وقصدها إلى استدامة عقد النكاح.
والثالث: أصل قصد الشريعة إلى عدم وقوع الضرر، وإلى رفع المشقة.
فالأصل الأول يقتضي طاعة الوالدين إذا أمرا بالطلاق، أما الثاني والثالث فيقتضيان عدم الطاعة والإبقاء على عقدة النكاح.
وأما الأدلة الجزئية فهي:

1. ما رواه أصحاب السنن عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال:(( كانت تحتي امرأة أحبها، وكان أبي يكرهها، فأمرني أبي أن أطلقها، فأبيت فذكرت ذلك للنبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عبد الله بن عمر طلِّق امرأتك ))([12]).
2. قصة إبراهيم عليه السلام عندما أمر إسماعيل عليه السلام بتطليق زوجته فطلقها([13]).
3. والآثار التي سبق أن أوردناها عن عبد الله بن عباس وأبي الدرداء، رضي الله عنهم([14]).
ونلاحظ على الأدلة الجزئية أنها تصب في صالح القول القاضي بوجوب طاعة الوالدين.
ثالثا: مناقشة الأدلة:
نبدأ بالأدلة الكلية ثم ننتقل إلى الأدلة الجزئية:
مناقشة الأدلة الكلية :
أولا: مناقشة الدليل الأول من الأدلة الكلية وهو أصل بر الوالدين:
لا شك في قوة هذا الأصل وتعدُّد النصوص الداعمة له وكثرتها، لكن تعترض هذا الأصل ثلاث قضايا تضعف ـ إلى حد ما ـ من تأثيره في مسألتنا هذه.
القضية الأولى: الأصل القاضي بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهو أصل تدعمه أدلة كثيرة، وهو يرد قيدا على أصل بر الوالدين بل على جميع الأصول التي تقضي بالطاعة. ومقتضى هذا الأصل أن لا يجب على الابن طاعة والديه إذا ما أمراه بالطلاق في حال كون الطلاق معصية. وبالتالي نجد أن تقييد هذا الأصل لأصل بر الوالدين يتوقف في نهاية الأمر على حكم الطلاق: فحيثما كان الطلاق واجبا أو مندوبا أو مباحا أو مكروها لم يؤثر هذا الأصل في الأصل السابق بل تجب طاعة الوالدين، وحيثما كان الطلاق حراما نفع هذا الأصل وألغى تأثير الأصل السابق. لكن ما هو حُكم الطلاق؟
بعيدا عن الأحوال الاستثنائية التي تؤثر في حكم الطلاق وجوبا أو ندبا أو إباحة أو كراهة أو حرمة لا بد لنا من معرفة حكم الطلاق في الظروف العادية. أي ما هو الأصل في الطلاق. والذي نجده في الكتب الفقهية هو الخلاف في هذه المسألة، حيث رأى بعض الحنفية والحنابلة أن الأصل في الطلاق هو الحظر، ورأى غيرهم أن الأصل هو الإباحة وقال البعض بأن الأصل هو الكراهة([15]).
ولن نستطيع في هذه العجالة أن نحفر عميقا في هذه المسألة، ولكننا نحب أن نشير إلى أمرين مهمين يجب أخذهما بعين الاعتبار عند الخوض في هذه المسألة:
الأمر الأول: ينبغي أن نفهم النصوص الواردة في هذه المسألة ضمن سياقها الاجتماعي، أي في ظل الظروف والعادات والأحوال التي كانت تسود البيئة العربية في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم. والذي يمكننا الجزم به أن المفاسد المترتبة على الطلاق في ذلك العصر وذلك المجتمع كانت أقل بكثير من المفاسد المترتبة على الطلاق في أكثر المجتمعات المعاصرة الآن. فمثلا: بالنسبة لضياع الأولاد ـ وهو أشد مفاسد الطلاق ـ لا نجده يحدث في المجتمعات (( البسيطة )) كمجتمع المدينة الأول بنفس القدر الذي يحصل الآن؛ وذلك لأسباب كثيرة: منها شيوع وجود الأسر الممتدة والتي توفر إلى حد ما بديلا عن الأب أو الأم في عملية التربية، ومنها قلة أسباب الفساد ووسائله في ذلك العصر مقارنة بهذه العصور، ومنها شيوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ذلك المجتمع بخلاف ما هو الحال عليه الآن، ومنها: معرفة أفراد المجتمع بعضهم بعضا لقلة العدد ونمط السكنى القائم حيث يسكن الإنسان في ظل العائلة والقبيلة غالبا، وهذا يوفر عينا رقابية من قبل الأفراد بعضهم على بعض مما يحد من تعرض الأولاد للضياع الاجتماعي والخلقي، ومنها قلة تكاليف تربية الأبناء وصغر سن استقلال الفرد بنفسه اقتصاديا وانتشار الزواج المبكر، وهذا كله من شأنه أن يساعد في حفظ الأولاد من الضياع بطريق مباشر أو غير مباشر.
ومثلا بالنسبة لمفسدة ضيق فرص الزواج على المرأة المطلقة، وهو ضرر كبير للطلاق يقع عليها، حيث تقل فرصتها للزواج الثاني، ويترتب على هذا الضرر مفاسد كثيرة نفسية واجتماعية. فالذي يبدو لي أن هذا الضرر وهذه المفسدة لم تكن أيضا بذلك القدر في مجتمع المدينة الأول، وهي لا تقاس على الإطلاق بأوضاعنا الحالية التي تتأزم فيها مشكلة العنوسة. ولذلك أسباب كثيرة منها: قلة تعقيدات الحياة في المجتمع السابق، فالزواج لا يحتاج إلى كثير من التكاليف مما يشجع على الزواج، ومنها شيوع التعدد، وبالتالي يقل عدد النساء غير المتزوجات بالنسبة للرجال وإذا قل العرض زاد الطلب، ومنها النمط الاقتصادي السائد حيث كانت تُعد المرأة عنصر إنتاج كبير في ذلك العصر فهي تقوم بأعباء كثيرة في البيت وفي الحقل وغير ذلك، مما يجعلها مطلوبة أكثر. ولكي ندرك حقيقة هذا الذي ذكرته فلنعد بالذاكرة قليلا إلى أجدادنا الذين كانوا يعيشون في القرى، فقد كانت المرأة عملة نادرة وصعبة كما قال لي ذلك أحد كبار السن الذين سألتهم عن سبب زواجه من امرأة مطلقة. أما في مجتمعاتنا المعاصرة، فبسبب نمط الحياة الاقتصادي الذي يقوم على الوظيفة وليس على الإنتاج الفردي، وفي ظل تفشي البطالة بين النساء والرجال عموما، فقد فقدت أكثر النساء الحافز المادي الذي كان يدعو كثيرا من الرجال إلى الزواج منهن.
وعليه فمفاسد الطلاق في عصر الرسالة ليست كمثلها في عصرنا بل لا تُقارن بها، وإذا كنا نؤمن بقاعدة تغير بعض الأحكام بتغير الأزمان، وبقاعدة النظر في مآلات الأفعال فينبغي علينا أن نأخذ هذا التغير في الأحوال بعين الاعتبار عند خوضنا في حكم الطلاق.
الأمر الثاني: عند النظر في الأدلة التي يذكرها الفقهاء تدعيما لرأيهم في إباحة الطلاق أو تحريمه من حيث الأصل ينبغي علينا أن ننتبه لنوع الطلاق الذي ينطوي عليه النص: هل هو طلاق قبل الدخول أو بعد الدخول، وهل هو رجعي أو بائن. فمما لا شك فيه أن المفاسد المترتبة على طلاق المدخول بها أو الطلاق البائن أكبر بكثير من المفاسد المترتبة على الطلاق قبل الدخول أو الطلاق الرجعي، فلا يجوز أن نستدل مثلا بقوله تعالى: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَة)(البقرة:236) على إباحة الطلاق مطلقا كما يفعل البعض؛ لأن هذا النص هو في المطلقات قبل الدخول، وكذا لا نستطيع أن نستدل بطلاق النبي، صلى الله عليه وسلم، لابنة الجون([16]) أو لحفصة، رضي الله عنهما، على إباحة الطلاق لأن الأول كان طلاقا قبل الدخول وأما الآخر فكان رجعيا.
القضية الثانية التي تعترض أصل بر الوالدين: هي سيولة هذا الأصل بحيث لا يُستطاع الوقوف على ضابط معتبر يفرِّق بدقة بين ما يُعتبر برا وما يعتبر عقوقا. وهو ما طرقه الفقهاء قديما تحت مسمَّى (( ضابط العقوق )) فقال الإمام العز: (( ولم أقف في عقوق الوالدين ولا فيما يختصان به من الحقوق على ضابط أعتمد عليه، فإنَّ ما يحرم في حق الأجانب فهو حرام في حقهما وما يجب للأجانب فهو واجب لهما، ولا يجب على الولد طاعتهما في كل ما يأمران به ولا في كل ما ينهيان عنه باتفاق العلماء، وقد حرم على الولد الجهاد بغير إذنهما لما يشق عليهما من توقع قتله أو قطع عضو من أعضائه، ولشدة تفجعهما على ذلك، وقد ألحق بذلك كل سفر يخافان فيه على نفسه أو على عضو من أعضائه ))([17]).
وقال ابن الصلاح: (( العقوق المحرم كل فعل يتأذى به الوالد أو نحوه تأذيا ليس بالهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة. قال: وربما قيل: طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية ومخالفة أمرهما في ذلك عقوق ))([18]).
وقال البلقيني: (( العقوق لأحد الوالدين هو أن يؤذي الولد أحد والديه بما لو فعله مع غير والديه كان محرما من جملة الصغائر , فينتقل بالنسبة إلى أحد الوالدين إلى الكبائر، أو يخالف أمره أو نهيه فيما يدخل فيه الخوف على الولد بفوات نفسه أو عضو من أعضائه...))([19]). وقال: (( أما مخالفة أمره أو نهيه فيما لا يدخل على الوالد فيه ضرر بالكلية , وإنما هو مجرد إرشاد للولد , فإذا فعل ما يخالف ذلك لم يكن عقوقا وعدم مخالفة الوالد أولى ))([20]).
وقال الهيتمي: (( هو أن يحصل منه لهما أو لأحدهما إيذاء ليس بالهين أي عرفا ـ ويحتمل أن العبرة بالمتأذي ـ ولكن لو كان في غاية الحمق أو سفاهة العقل فأمر أو نهى ولده بما لا يُعد مخالفته فيه في العرف عقوقا لا يفسق ولده بمخالفته حينئذ لعذره , وعليه فلو كان متزوجا بمن يحبها فأمره بطلاقها، ولو لعدم عفتها، فلم يمتثل أمره لا إثم عليه ))([21]).
وقال القرافي: (( كل ما يجب للأجانب يجب للوالدين وضابط ما يختص به الوالدان دون الأجانب هو اجتناب مطلق الأذى كيف كان إذا لم يكن فيه ضرر على الابن ووجوب طاعتهما في ترك النوافل وتعجيل الفروض الموسعة وترك فروض الكفاية إذا كان ثم من يقوم بها. وما عدا ذلك لا تجب طاعتهم فيه وإن نُدب إلى طاعتهم وبرهم مطلقا))([22]).
ولسنا بصدد ذكر الفروق بين كل هذه الضوابط التي وردت ولكن يمكننا القول بناء عليها: مع وجود هذه السّيولة وعدم الانضباط في أصل بر الوالدين لا يمكن الاستدلال به على وجوب طاعة الولد لوالده إذا أمره بالطلاق، لأنه لم يرد توقيف واضح في بيان ضابط العقوق بحيث نعرف أن مخالفة الولد لوالده في هذا الشأن هي من العقوق أم لا.
القضية الثالثة التي تعترض أصل بر الوالدين: الأصل القاضي بمنع التعسف في استعمال الحق، حيث يقضي هذا الأصل بمنع الأفراد من استعمال حقوقهم إذا ما أدى هذا الاستعمال إلى الانحراف بالحق عن غايته كأن يفضي إلى نتائج ضررية([23]). ومن هنا نجد أن متأخري الشافعية اشترطوا في طاعة الوالد في الطلاق أن لا يكون الوالد متعنِّتا، وأن لا يلزم عن الطلاق مشقة للابن([24]). ومما يدل على ذمِّ الشريعة للتعسف في خصوص طاعة الأبناء للوالدين في نطاق النكاح: نهيه سبحانه وتعالى عن عضل الأولياء بناتهم بمنعهن من الزواج من الأكفاء، وهذه صورة واضحة من صور التعسف في استعمال حق الولاية. فإذا كان لا يحق للأولياء، ومنهم الوالدان، المنع من زواج بناتهم إذا أردنه ابتداء فلا يصح لهم إنهاء هذا الزواج إذا أردن استمراره من باب أولى، إذ الضرر في الحالة الأولى أخف منه في الحالة الثانية.
ثانيا: مناقشة الدليل الثاني من الأدلة الكلية: أصل كراهة الشريعة للطلاق:
ويقضي هذا الأصل بعدم وجوب طاعة الوالدين إذا أمرا بالطلاق. ومما يُضعِف الاستدلال بهذا الأصل أمران:
أحدهما: تردُّد الفقهاء في مدى اعتبار هذا الأصل، بل ذهب الجمهور إلى إباحة الطلاق حتى لو كان من غير سبب.
والآخر: أن هذا الأصل يتعارض في هذه المسألة مع أصل حفظ الرابطة النسبية. فحفظ الأسرة، كما أسلفنا، ينطوي على مقصدين: حفظ الرابطة النسبية وحفظ الرابطة الصهرية، وحفظ الرابطة النسبية أولى بالاعتبار من حفظ الرابطة الصهرية، فإذا كان الشخص مخيَّراً بين الإمساك بزوجه وبين الإبقاء على علاقته بوالديه فحفظ الرابطة النسبية مع والديه أولى من حفظ الرابطة الصهرية مع زوجه.
ثالثا: مناقشة الدليل الثالث من الأدلة الكلية: وهو أصل قصد الشريعة إلى عدم وقوع الضرر، وإلى رفع المشقة:
والحقيقة أن هذا الدليل ينطوي على أصلين: منع الضرر ومنع المشقة، وهما أصلان ركينان في الشريعة. وفي خصوص مسألة طاعة الوالدين إذا أمرا بالطلاق يقتضي هذان الأصلان عدم وجوب طاعة الوالدين إذا كان في الطلاق ضرر أو مشقة يلحقان الابن أو أسرته. ويصعب أن نتصور طلاقا يخلو من الضرر والمشقة، إلا أن يكون مثلا قبل الدخول ولا تعلق لأحد الزوجين بالآخر، وهما يجدان فرصا أخرى أفضل للزواج.
ومما قد يضعف الاستدلال بهذا الأصل زعم تعارض الأضرار والمشقات. فإذا كان في طلاق الابن لزوجته ضرر ومشقة فكذلك فإن في إمساكها مع عدم رضا والديه ضررا ومشقة نفسية واجتماعية تلحق بالابن ووالديه. فليس اعتبار الضرر والمشقة قاصرا على أسرة الابن بل أسرة الوالدين هي أيضا جديرة بالاعتبار، بل ربما يكون من الأولى اعتبارها.
مناقشة الأدلة الجزئية:
أما حديث ابن عمر وهو أقوى الأدلة في المسألة وأصرحها فيُناقش من عدة وجوه:
أحدها: أنه قضية عين تنطوي على الكثير من الاحتمالات التي تمنع من تعميم الحكم في جميع الأحوال، فتطرُّق الاحتمال إلى الواقعة يمنع من تعميمها كما هو مقرَّر أصوليا([25]). ومن هذه الاحتمالات أنه ربما يكون النبي، صلى الله عليه وسلم، قد اطلع على السبب الذي من أجله أمر عمر ابنه بطلاق زوجته فوجده سببا وجيها، لذلك أمر ابن عمر بالطاعة، ومنها أن الحديث لم يفصح عن طبيعة الطلاق من حيث هل هو قبل الدخول أو بعده، وهل يوجد أولاد أم لا. فربما كان طلاقا قبل الدخول وهذا يُتساهل فيه ما لا يُتساهل في غيره.
والثاني: احتمال الخصوصية بمن هو مثل عمر رضي الله عنه في العدالة. ولذلك سأل رجل الإمام أحمد فقال: (( إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي قال: لا تطلقها قال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته. قال : حتى يكون أبوك مثل عمر، رضي الله عنه ))([26]). ولا يقال هنا: إن دعوى الخصوصية لا دليل عليها والأصل هو عدم التخصيص؛ لأنا نقول: الخصوصية التي لا يجوز ادعاؤها بدون دليل هي الخصوصية بشخص ونحن هنا لا نخصص بشخص بل بوصف وهو العدالة ، ودليل هذا التخصيص هو المناسبة بين هذا الوصف والحكم، فالعدالة إن وجدت تمنع الأب من الافتئات على الزوجة وظلمها، وبالتالي فهو لن يأمر بطلاقها سَفَها.
والثالث: أنه يُحتمل أن يكون الأمر في النص للندب وليس للوجوب. وإذا كان جمهور الأصوليين ذهب إلى أن الأمر يدل على الوجوب حتى تصرفه القرينة إلى غير ذلك فإن عددا ليس بالهين من فحول الأصوليين ذهبوا إلى خلاف ذلك: كأن يكون دالا على الندب ابتداء كما هو رأي أصوليي المعتزلة أو هو مشترك بين الندب والوجوب أو متوقف فيه كما هو رأي الأشعري والباقلاني والغزالي وأبي منصور الماتريدي، وأيَّده الشاطبي([27]).
وأما قصة إبراهيم، عليه السلام، مع زوجة إسماعيل فالحديث، وإن كان في حكم المرفوع إلا أن وقفه ورفع أجزاء منه بعينها واختلاف رواياته من حيث ذكر سبب أمر إبراهيم، عليه السلام، لإسماعيل بالطلاق يوحي بتصرف الراوي فيه. ثم إنه ترد عليه أكثر الاحتمالات والاعتراضات التي أوردناها على حديث ابن عمر. وفوق هذا كله فهو شرع من قبلنا وفي الاستدلال به خلاف كبير.
وأما الآثار فهي أيضا قضايا أعيان تنطوي على جملة من الاحتمالات تضعف من التعميم. وفوق هذا فهي من رأي الصحابي والاحتجاج به محل نقاش بين الأصوليين.

رابعا: رأي الباحث:
والذي نميل إليه ونراه في هذه المسألة بعد ما سبق كله هو أننا لا نستطيع إعطاء حكم عام ينطوي على جميع أفراد هذه المسألة بل لكل مسألة نظر خاص تؤثر فيه عوامل مختلفة ينبغي على المفتي أو المستفتي أخذها بعين الاعتبار:
أحدها: الطلاق المأمور به هل هو قبل الدخول أم بعده، وإذا كان بعد الدخول فهل ثمة أولاد بين الزوجين أم لا. فكلما كانت العلاقة الزوجية أعمق بالدخول أو بالإنجاب فهي تحتاج إلى موجب قوي لفكها.
العامل الثاني: سبب أمر الأب أو الأم بالطلاق. هل هو سبب وجيه أم لا؟ وهل في استدامة عقد النكاح ضرر مادي أو معنوي يلحق بهما. أم أن الأمر هو لصالح الابن فحسب.
العامل الثالث: درجة إصرار الأب أو الأم على الطلاق، مضافا إلى ذلك طبيعتهما النفسية من حيث هل هما ممن يرضى بعد حين أم ممن يدوم سخطه ويستمر عتبُه.
العامل الرابع: المشقة والضَّرر اللذان يلحقان أفراد الأسرة من هذا الطلاق. سواء أكانت المشقة مادِّية كعدم قدرة الابن على الزواج مرة أخرى أو اجتماعية كاضمحلال فُرَص المرأة المطلقة في الزواج أو العيش عيشا كريما أو ضياع الأولاد أو نفسية كشدة تعلق الزوج بزوجته وذهاب نفسه حَسْرةً عليها.
فبالموازنة بين كل العوامل السابقة، وحساب المصالح والمفاسد، يمكن الخروج بحكم شرعي لكل مسألة معروضة على حدة، والله أعلم.


([1]) خصوصا أنها ليست مسألة واحدة بل هي تستبطن أربع مسائل: الأولى حكم طاعة الأب إذا أمر ابنه بطلاق زوجته. والثانية: حكم طاعة الأم إذا أمرت ابنها بطلاق زوجته. والثالثة حكم طاعة الأب إذا أمر ابنته بفراق زوجها. والرابعة حكم طاعة الأم إذا أمرت ابنتها بفراق زوجها. وبحثنا في هذه العجالة إنما استهدف بالدرجة الأولى المسألة الأولى والثانية، أما الثالثة والرابعة فالخطب فيها سهل إذا ما وقفنا على حكم المسألتين السابقتين.

([2]) ابن أبي شيبة، المصنف، ج4، ص173.

([3]) الحاكم، المستدرك، ج2، ص215. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وابن أبي شيبة، المصنف، ج4، ص173.

([4]) الشوكاني، نيل الأوطار، ج7، ص4.

([5]) ابن أبي شيبة، المصنف، ج4، ص173.

([6]) ابن مفلح، الآداب الشرعية، ج1، ص448. والمرداوي، الإنصاف، ج8، ص430

([7]) ابن تيمية، الفتاوى، ج33، ص112.

([8]) قال الكاساني، بدائع الصنائع، ج7، ص98: (( الأصل إن كل سفر لا يؤمن فيه الهلاك ويشتد فيه الخطر لا يحل للولد أن يخرج إليه بغير إذن والديه؛ لأنهما يشفقان على ولدهما فيتضرران بذلك. وكل سفر لا يشتد فيه الخطر يحل له أن يخرج إليه بغير إذنهما إذ لم يضيعهما لانعدام الضرر )).

([9]) ابن مفلح، الآداب الشرعية، ج1، ص448. وانظر المرداوي، الإنصاف، ج8، ص430.

([10]) المراجع السابقة.

([11]) الهيتمي، تحفة المحتاج، ج8، ص4. وانظر: قليوبي وعميرة، حاشيتا قليوبي وعميرة، ج3، ص325.

([12]) الترمذي، السنن، ج3، ص494. وقال حسن صحيح. وأبو داود، السنن، ج4، ص335. والبيهقي، السنن الكبرى، ج7، ص332. والحاكم، المستدرك، ج2، ص215. وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

([13]) في حديث طويل رواه البخاري عن ابن عباس موقوفا. ومما جاء فيه: فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشر نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له: يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد ؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة. قال فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ، عليك السلام، ويقول: غيِّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك: الحقي بأهلك، فطلقها. البخاري، الصحيح، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا، ج3، ص1229.

([14]) انظر ص20.

([15]) انظر: الشيرازي، المهذب، ج2، ص78. وابن قدامة، المغني، ج7، ص277. وابن نجيم، البحر الرائق، ج3، ص252. والحطاب، مواهب الجليل، ج4، ص19.

([16]) وقد اختُلف في اسمها على أقوالٍ شتَّى، وقد اختلف في سبب تطليق النبي، صلى الله عليه وسلم، لها قبل أن يدخل بها. انظر: ابن حجر، فتح الباري، ج9، ص357.

([17]) العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام، ج1، ص20.

([18]) نقله عنه: النووي، شرح صحيح مسلم، ج2، ص87.

([19]) نقله عنه: الهيتمي، الزواجر عن اقتراف الكبائر، ج2، ص116.

([20]) المرجع السابق.

([21]) المرجع السابق.

([22]) القرافي، الفروق، ج1، ص 149.

([23]) انظر: الدريني، نظرية التعسف في استعمال الحق، ص87.

([24]) انظر أقوال الفقهاء ص19من هذا البحث.

([25]) قال الشيرازي، اللمع، ص29: (( القضايا في الأعيان لا يجوز دعوى العموم فيها )). وقال الزرقاني، شرح الموطأ، ج2، ص313: (( وقائع العين لا عموم لها لما يطرقها من الاحتمال )). وقال الشوكاني، نيل الأوطار، ج3، ص283: (( قد تقرر في الأصول أن وقائع الأعيان لا يُحتجُّ بها على العموم )).

([26]) ابن مفلح، الآداب الشرعية، ج1، ص488.

([27]) انظر تفصيلات هذه الآراء عند: الشوكاني، إرشاد الفحول، ص169. وانظر الشاطبي، الموافقات، ج3، ص210.
 
التعديل الأخير:

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: حكم طاعة الوالدين عند الأمر بالطلاق

التفصيل الثالث: بحسب مسوِّغ الأمر بالطلاق وما يلزم عنه: فإن كان لمجرد التعنت لم تجب الطاعة وإلا وجبت بشرط أن لا يترتب على ذلك خوف فتنة أو مشقة.
وقد روي هذا عن متأخري الشافعية. قال ابن حجر الهيتمي، وهو يُعدِّد أقسام الطلاق الواجب: (( أو يأمره به أحد والديه، أي من غير نحو تعنت، كما هو شأن الحمقى من الآباء والأمهات، ومع عدم خوف فتنة أو مشقة بطلاقها فيما يظهر ))([11]).

الذى اعتمده ابن حجر فى التحفة ووافقه الرملى فى النهاية وقليوبى فى حاشيته أن هذا من أقسام الطلاق المندوب وليس الواجب

تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمى:
وَهُوَ إمَّا وَاجِبٌ كَطَلَاقِ مُولٍ لَمْ يُرِدْ الْوَطْءَ وَحَكَمَيْنِ رَأَيَاهُ. أَوْ مَنْدُوبٌ كَأَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا وَلَوْ لِعَدَمِ الْمَيْلِ إلَيْهَا أَوْ تَكُونَ غَيْرَ عَفِيفَةٍ مَا لَمْ يَخْشَ الْفُجُورَ بِهَا وَمِنْ ثَمَّ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَالَ لَهُ إنَّ زَوْجَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ أَيْ لَا تَمْنَعُ مَنْ يُرِيدُ الْفُجُورَ بِهَا عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ فِي مَعْنَاهُ بِإِمْسَاكِهَا خَشْيَةً مِنْ ذَلِكَ، وَيَلْحَقُ بِخَشْيَةِ الْفُجُورِ بِهَا حُصُولُ مَشَقَّةٍ لَهُ بِفِرَاقِهَا تُؤَدِّي إلَى مُبِيحِ تَيَمُّمٍ
وَكَوْنُ مَقَامِهَا عِنْدَهُ أَمْنَعَ لِفُجُورِهَا فِيمَا يَظْهَرُ فِيهِمَا أَوْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ أَيْ بِحَيْثُ لَا يُصْبَرُ عَلَى عِشْرَتِهَا عَادَةً فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِلَّا فَمَتَى تُوجَدُ امْرَأَةٌ غَيْرُ سَيِّئَةِ الْخُلُقِ. وَفِي الْحَدِيثِ «الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ فِي النِّسَاءِ كَالْغُرَابِ الْأَعْصَمِ» كِنَايَةٌ عَنْ نُدْرَةِ وُجُودِهَا إذْ الْأَعْصَمُ، وَهُوَ أَبْيَضُ الْجَنَاحَيْنِ وَقِيلَ الرِّجْلَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا كَذَلِكَ أَوْ يَأْمُرَهُ بِهِ أَحَدُ وَالِدَيْهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ تَعَنُّتٍ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْحَمْقَى مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَمَعَ عَدَمِ خَوْفِ فِتْنَةٍ أَوْ مَشَقَّةٍ بِطَلَاقِهَا فِيمَا يَظْهَرُ
http://shamela.ws/browse.php/book-9059#page-3353

حاشية قليوبى:
وَمَنْدُوبٌ كَطَلَاقِ عَاجِزٍ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، أَوْ مَنْ لَا يَمِيلُ إلَيْهَا بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ بِأَمْرِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لِغَيْرِ تَعَنُّتٍ،
http://shamela.ws/browse.php/book-21843#page-1177

نهاية المحتاج للرملى:
وَهُوَ إمَّا وَاجِبٌ كَطَلَاقِ مُولٍ لَمْ يُرِدْ الْوَطْءَ وَحَكَمَيْنِ رَأَيَاهُ أَوْ مَنْدُوبٌ كَأَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا وَلَوْ لِعَدَمِ الْمَيْلِ إلَيْهَا، أَوْ تَكُونُ غَيْرَ عَفِيفَةٍ مَا لَمْ يَخْشَ الْفُجُورَ بِهَا أَوْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ: أَيْ بِحَيْثُ لَا يَصْبِرُ عَلَى عِشْرَتِهَا عَادَةً فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِلَّا فَمَتَى تُوجَدُ امْرَأَةٌ غَيْرُ سَيِّئَةِ الْخُلُقِ؟ وَفِي الْخَبَرِ الشَّرِيفِ «الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ فِي النِّسَاءِ كَالْغُرَابِ الْأَعْصَمِ» كِنَايَةً عَنْ نُدْرَةِ وُجُودِهَا، إذْ الْأَعْصَمُ وَهُوَ أَبْيَضُ الْجَنَاحَيْنِ، وَقِيلَ الرِّجْلَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا كَذَلِكَ أَوْ يَأْمُرُهُ بِهِ أَحَدُ وَالِدَيْهِ: أَيْ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ تَعَنُّتٍ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْحَمْقَى مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَمَعَ عَدَمِ خَوْفِ فِتْنَةٍ أَوْ مَشَقَّةٍ بِطَلَاقِهَا فِيمَا يَظْهَرُ،
http://shamela.ws/browse.php/book-3565#page-2899

أول من تكلم فى المسألة من الشافعية ابن الرفعة على حسب تقرير القاضى زكريا الأنصارى ووافقه القاضى

أسنى المطالب فى شرح روض الطالب لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى:
(وَيُسْتَحَبُّ الطَّلَاقُ لِخَوْفِ تَقْصِيرِهِ) فِي حَقِّهَا لِبُغْضٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ لِعَدَمِ عِفَّتِهَا) بِأَنْ لَا تَكُونَ عَفِيفَةً وَأَلْحَقَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ طَلَاقَ الْوَلَدِ إذَا أَمَرَهُ بِهِ وَالِدُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا أَمَرَهُ بِهِ لَا لِتَعَنُّتٍ وَنَحْوِهِ
http://shamela.ws/browse.php/book-11468/page-
1357#page-1357



على حسب فهمى القاصر : ابن الرفعة والقاضى لا يفرقان بين الأب والأم إذ ظاهر عدم تنصيصهما على التفريق بينهما يدل على ذلك
أما ابن حجر والرملى فقد نصا فى التحفة والنهاية على عدم التفريق بينهما وهو زيادة تبيين لكلام ابن الرفعة والقاضى زكريا الأنصارى فى نظرى القاصر

فمعتمد المذهب الشافعى فى المسألة ما نص عليه ابن حجر فى التحفة

والله أعلم
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: حكم طاعة الوالدين عند الأمر بالطلاق

جزاكم الله خيرا على التصحيح
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: حكم طاعة الوالدين عند الأمر بالطلاق

وإياك
جلّ من لا يسهو
 
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
رد: حكم طاعة الوالدين عند الأمر بالطلاق

بورك استاذنا الكريم ،،
السؤال المحوري: حدود طاعة الوالدين، هل طاعتهما تخص ما يتعلق بهما، أم تمتد إلى ما يتعلق بغيرهما أيضا ؟
سواء أكان طلاق أم غيره ؟
مع أن موضوع الطلاق أقرب إلى الاستشارة الاسرية او الاجتماعية أكثر منه الى الفقهية ؟
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: حكم طاعة الوالدين عند الأمر بالطلاق

السؤال المحوري: حدود طاعة الوالدين، هل طاعتهما تخص ما يتعلق بهما، أم تمتد إلى ما يتعلق بغيرهما أيضا ؟
سواء أكان طلاق أم غيره ؟
حياكم الله شيخ زايد
ما يتعلق بغيرهما قد يكون له تعلق بهما، فبالاتفاق إن لهما أن يمنعا ولدهما من الجهاد الكفائي.
فما تعلق بالولد من مباح أو مندوب وشق على الوالدين فهذا أمر الوالدين فيه مطاع. وعليه فالأصح اعتبار رأيهما في إنشاء الزواج أي أنه ليس للابن الزواج من امرأة إذا نهياه كلاهما أو أحدهما عنها.
أما الطلاق فشأن آخر لأن فيه حقوقا أخرى للمرأة والأولاد إن كانوا فليست طاعتهما بواجبة إلا أن يكون سبب أمرهما بالطلاق وجيها ولا يدخل على الابن من هذا الطلاق مشقة بالغة والله أعلم.
 
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
رد: حكم طاعة الوالدين عند الأمر بالطلاق


حياكم الله شيخ زايد
ما يتعلق بغيرهما قد يكون له تعلق بهما، فبالاتفاق إن لهما أن يمنعا ولدهما من الجهاد الكفائي.
فما تعلق بالولد من مباح أو مندوب وشق على الوالدين فهذا أمر الوالدين فيه مطاع. وعليه فالأصح اعتبار رأيهما في إنشاء الزواج أي أنه ليس للابن الزواج من امرأة إذا نهياه كلاهما أو أحدهما عنها.
أما الطلاق فشأن آخر لأن فيه حقوقا أخرى للمرأة والأولاد إن كانوا فليست طاعتهما بواجبة إلا أن يكون سبب أمرهما بالطلاق وجيها ولا يدخل على الابن من هذا الطلاق مشقة بالغة والله أعلم.
فيكون محور الكلام على ثلاثة مستويات: تعلق الأمر بهما أو بك معهما أو بغيركم معكم (كالزوجة أو الأولاد أو أي أناس آخرين لهم حقوق)
وفي الحقيقة: الموضوع مهم، وواقعي جدا في كثير من المجتمعات، ولابد أن نضم معه أمر هام: الطريقة الفعالة في التعامل مع مثل هذه المواقف.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: حكم طاعة الوالدين عند الأمر بالطلاق

السلام عليكم

بارك الله فيكم وجزاكم خيرًا.
 
أعلى