العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المبالغات في المصالح المرسلة

إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
78
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
---
مجال المصالح المرسلة التي اعتبرها بعض العلماء دليلا شرعيا هو المسائل التي لم يرد فيها نص ولا في نظيرها بحيث يمكن أن تلحق بها بقياس, بل يكون في مسألة يمكن أن ترجع لمعنى مناسب لم يشهد له من الشرع أصل معين, ولكنه ملائم لتصرفات الشرع. بعبارة أخرى أبسط: المصلحة المرسلة هي مصلحة لم يشهد باعتبارها دليل خاص ولكنا نعتبرها مناسبة للاستدلال بها من فهمنا لطريقة الشرع, وهذا يكون فيما لا نص فيه أو مسألة نظيرة يمكن أن تقاس عليها المسألة محل النظر. ومن أمثلة ذلك جمع الصحابة للمصحف, فليس فيه دليل خاص ولكنهم رأوه مصلحة تناسب تصرفات الشارع قطعا من حيث ما فيه من حفظ القرآن, وقصد الشريعة لحفظ الدين أمر معلوم بالضرورة من الإسلام.

إذا علم ذلك, فهناك من بالغ في اعتبار المصالح المرسلة لدرجة أنه يرى أن الشرع مبني عليها, وهذا كلام يدل على عدم فهم الفرق بين المصالح المعتبرة بأدلة الشرع والمصالح المرسلة, ويقول صاحب هذا الكلام أن التشريع الإسلامي تميز باعتباره لهذا الأصل, وأنقل لكم تعقيبا جيدا من كتاب نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي, حيث يقول مؤلفه تعليقا على هذه الدعوى:

" لست أدري ما معنى ((تميز التشريع الإسلامي باعتبار هذا الأصل)) فهذا كلام غريب, ولو قال قائل بالضد مما قال لما بعد في المعارضة. فالذي نعرفه من تشريعات الأمم قديما وحديثا, أنها تقوم أساساً على المصالح المرسلة, لأن كل مصالحهم مرسلة.. والذي يميز تشريعنا الإسلامي عن غيره, هو غير هذا من الأصول, وخاصة الأصول النصية. فالتشريع الإسلامي لا يتميز بأصل المصالح المرسلة, بل يتميز بتضييق دائرة المصالح المرسلة, ويتميز بالحد من حرية التصرف في المصالح المرسلة نفسها ". انتهى ص264.


وهذا الكلام متين, ونحتاج للتفكر فيه في عصرنا, فقد كثر الاستناد للمصلحة على غير الأصول المقررة في هذا الباب, والمصالح كما ذكر الشاطبي في الاعتصام إما معتبرة اعتبرها الشرع, فالأخذ بها أخذ بأدلة الشرع, وإما ملغاة ألغاها الشرع, فلا يجوز الأخذ بها بله نسبتها إلى الشرع, وإما لم يشهد لها الشرع في أصل معين بإلغاء ولا اعتبار, ولائمت تصرفات الشرع فيأخذ بها في هذا المجال.

قارن بين ذلك وبين مسلك كثير من المعاصرين في المصلحة, فيجعلها تابعة لمنهجه الفكري ورأيه السياسي, ثم يلبسها لباس المصلحة المرسلة وقد يكون الشرع شهد بإلغائها, ولا يستحي من أن ينسبها للمصالح المرسلة وهي ملغية لا مرسلة!

وقارن بين ما تميزت به الشريعة من شموليتها واتساعها - الذي يضيّق من الحاجة للنظر في المسائل من خلال المصالح التي لم يشهد لها أو ضدها دليل معين -, وبين التوسع الجاري في الاستدلال بالمصلحة دون تمييز بين أنواعها, بل يجعلونها ناسخة لأدلة الشرع ركوبا للمخالفات بها, بحجة أن الشرع جاء باعتبار المصلحة, ونسوا أن الشرع اعتبر بعضها من خلال نصوصه وألغى بعضها من خلال نصوصه, فليس تحديد المصلحة إلى عقله المجرد وذوقه الشخصي بحيث يستقل بها دون الاستنباط من الشرع والصدور عنه, بل إن اعتبار المصلحة المرسلة يؤخذ من تصرفات الشرع عموما لا بالرجوع إلى أصل معين, فيكون النظر العقلي تابعا لنص خاص أو قواعد عامة ومنهج عام يستقرأ من مجموع أدلة الشرع, وليس نظرا عقليا بلا خطام.

إذا هي مسالك يجب الحذر منها: جعل المصلحة دليلا متبوعا والنصوص تابعا بدل العكس, وجعل المصلحة مستقلة عن النظر في أدلة الشرع بمجموعها أو بمعين منها, والتوسع في النظر المصلحي حتى يقع في مخالفة الشرع ويعتبر مصالح ألغاها الشرع, أو يستقل بالنظر دون الاستنباط من مجموع تصرفات الشرع.

والله أعلم
 
أعلى