رد: مسالك التعرف على مستجدات العلوم الطبية
رد: مسالك التعرف على مستجدات العلوم الطبية
جزاكم الله خيرا
لكن يبقى لدينا إشكال في طريقة التعرّف على حقائق المسائل الطبية ومتابعة مستجداتها, فهناك مسالك متعددة لذلك عند الباحثين, فمنهم من يبحث في الانترنت مثلا ويقع على مواقع ليست معتمدة ولا تعتبر مراجع موثوقة في المعلومة, وفي نظري أن مقالات الإعجاز العلمي قد تكون من هذا القبيل, ومن مسالكهم الرجوع لرأي الأطباء العرب من خلال الاتصال المباشر أو كتاباتهم, وتلك الاتصالات لا يمكن الاعتماد عليها في التفاصيل الدقيقة لأنه يختلط فيها جانب التجربة مع جانب الحقائق الثابتة بالبراهين, وأحيانا يكون للطبيب غرض في حرف صورة الواقع أو اختزاله وهذا ما ثبت وقوعه عندي من خلال مقارنة بين ذلك وبين ما ينشر في المصادر المعتمدة, وحتى كتابات الأطباء التي تنشر في مجلات المجامع أو ككتب مطبوعة قد يدخل فيها هذا الجانب, والمشكلة أن تلك الكتابات لا تمر عبر مرشح التحكيم كما في الأبحاث التي تنشر في المجلات العلمية المعتمدة, ولا يتمكن الباحث من مقارنتها والتحقق منها من خلال تنويع المصادر والاطلاع على التعقيبات.
مسألة موت الدماغ مثال صارخ على ما ذكرت (انظر:
http://www.feqhweb.com/vb/t17428 ), فقد وصل الأمر ببعض الأطباء إلى مغالطة حقائق ثابتة من أجل إعطاء صورة معينة للفقهاء, فمن خلال مطالعتي لمئات الأبحاث ثبت عندي هذا للأسف, وتيقنت أن ما يمكن أن يخرج منه الباحث بالرجوع للمراجع الطبية المعتمدة والأبحاث المحكمة يختلف كثيرا وربما بشكل جذري عما يخرج به بالطرق السطحية التي يستعملها كثير من الباحثين, ولكن الإشكال في صعوبة هذا المسلك الجيّد, فهو يتطلب مستوى فوق المتوسط من اللغة الإنجليزية لأن الأبحاث تنشر بها, بل حتى المجلات الطبية السعودية لا تنطق بالعربية, والعقبة الأخرى - ويمكن التغلب عليها إذا وجد الوقت والجهد - الوصول للأبحاث, فيحتاج الباحث إلى التعرف على قواعد المعلومات الطبية وكيفية البحث فيها, وكيفية الوصول للنص الكامل للبحث والإفادة من الملخص, وغير ذلك من الأمور التي تحتاج لدورة مكثفة وممارسة ليتقنها الباحث.
ومع ذلك فإني أعتقد أن هذه الضريبة لابد من دفعها إذا أردنا تقدم البحث الشرعي المبني على فقه الواقع, فلماذا نكون نحن أقل من الفلاسفة والمختصين في أخلاقيات الطب, فمن يطالع أبحاثهم في مجلاتهم المتخصصة يجد أنهم يغوصون في الواقع الطبي كالأطباء ويوثقون المعلومات الطبية من مصادرها وربما يشاركون في تدقيق بعض المعلومات الشائعة ونقدها وتمحيصها مع عدم تخصصهم, ولهذا تخرج بحوثهم دقيقة في جانب تصور الواقع وتمحيصه لكنهم بالطبع يبنون على غير الشريعة ويصدرون عن فلسفات أو مبادئ أخلاقية ناتجة عنها وعن الثقافة الاجتماعية السائدة أوالمتعددة في المجتمع العلماني الغربي.
ففي ظني أنه لا بد من تخصص في فقه القضايا الطبية ويتأهل له المتخصص من خلال دراسة اللغة الإنجليزية ودراسة منهج البحث في الدراسات الطبية, بدون هذا ستبقى أبحاثنا تفتقر الكثير من الدقة, وسنبقى ضحية تلاعب بعض الأطباء أو انبطاعاتهم وعدم دقتهم, ولكن هذا لا ينطبق بالطبع على كل مسألة طبية فقهية, فبعض المسائل تكون ظاهرة لا مجال للجدل فيها طبيا, وعندها قد يكتفى بالمنهج الشائع حاليا في استكشاف واقعها. والله أعلم