العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ما يستفاد من الهجره النبوية (3)

إنضم
17 يوليو 2013
المشاركات
33
الكنية
نور الدين
التخصص
فقه مقارن
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
الشافعي
مواصلتا لما يستفاد من الهجره النبوية على صاحبها افضل السلام واتم التسليم
نذكر بقية ما ذكره اصحاب السير حول ما يستفاد من الهجره من الدروس والعبر للفائده
11 - الجندية الرفيعة والبكاء من الفرح:
تظهر أثر التربية النبوية في جندية أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فأبو بكر - رضي الله عنه - عندما أراد أن يهاجر إلى المدينة وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً» فقد بدأ في الإعداد والتخطيط للهجرة «فابتاع راحلتين واحتبسهما في داره يعلفهما إعداداً لذلك، وفي رواية البخاري، «وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر- وهو الخبط- أربعة أشهر»، لقد كان يدرك بثاقب بصره - رضي الله عنه -، وهو الذي تربى ليكون قائدا، أن لحظة الهجرة صعبة قد تأتي فجأة؛ ولذلك هيأ وسيلة الهجرة، ورتب تموينها، وسخر أسرته لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره أن الله قد أذن له في الخروج والهجرة، بكى من شدة الفرح، وتقول عائشة رضي الله عنها في هذا الشأن: «فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ»، إنها قمة الفرح البشري أن يتحول الفرح إلى بكاء.
فالصديق - رضي الله عنه - يعلم أن معنى هذه الصحبة، أنه سيكون وحده برفقة رسول رب العالمين بضعة عشرة يوماً على الأقل وهو الذي سيقدم حياته لسيده وقائده وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأي فوز في هذا الوجود يفوق هذا الفوز: أن يتفرد الصديق وحده من دون أهل الأرض، ومن دون الصحب جميعاً برفقة سيد الخلق وصحبته كل هذه المدة (1) وتظهر معاني الحب في الله في خوف أبي بكر وهو في الغار من أن يراهما المشركون، ليكون الصديق مثلاً لما ينبغي أن يكون عليه جندي الدعوة الصادق، مع قائده الأمين، حين يحدق به الخطر من خوف وإشفاق على حياته، فما كان أبو بكر ساعتئذ بالذي يخشى على نفسه الموت، ولو كان كذلك لما رافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الهجرة الخطيرة، وهو يعلم أن أقل جزائه القتل إن أمسكه المشركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان يخشى على حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى مستقبل الإسلام إن وقع الرسول صلى الله عليه وسلم في قبضة المشركين ، ويظهر الحس الأمني الرفيع للصديق في هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف كثيرة منها، حين أجاب السائل: من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فقال: هذا هادٍ يهديني السبيل، فظن السائل بأن الصديق يقصد الطريق، وإنما كان يقصد سبيل الخير، وهذا يدل على حسن استخدام أبي بكر للمعاريض، فرارا من الحرج أو الكذب ،لأن الهجرة كانت سراًّ وقد أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك ، وفي موقف علي بن أبي طالب مثال للجندي الصادق المخلص لدعوة الإسلام، حيث فدى قائده بحياته، ففي سلامة القائد سلامة للدعوة، وفي هلاكه خذلانها ووهنها، فما فعله علي - رضي الله عنه - ليلة الهجرة من بياته على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كان من المحتمل أن تهوي سيوف فتيان قريش على رأس علي - رضي الله عنه -، ولكن علياًّ - رضي الله عنه - لم يبال بذلك، فحسبه أن يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الأمة وقائد الدعوة .
12 - فن قيادة الأرواح، وفن التعامل مع النفوس:
يظهر الحب العميق الذي سيطر على قلب أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، كما يظهر حب سائر الصحابة أجمعين في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. وهذا الحب الرباني كان .
إن القيادة الصحيحة هي التي تستطيع أن تقود الأرواح قبل كل شيء وتستطيع أن تتعامل مع النفوس قبل غيرها، وعلى قدر إحسان القيادة يكون إحسان الجنود، وعلى قدر البذل من القيادة يكون الحب من الجنود، فقد كان صلى الله عليه وسلم رحيماً وشفوقاً بجنوده وأتباعه، فهو لم يهاجر إلا بعد أن هاجر معظم أصحابه، ولم يبقَ إلا المستضعفون والمفتونون ومن كانت له مهمات خاصة بالهجرة .
13 - وفي الطريق أسلم بريدة الأسلمي - رضي الله عنه - في ركب من قومه:
إن المسلم الذي تغلغلت الدعوة في شغاف قلبه لا يفتر لحظة واحدة عن دعوة الناس إلى دين الله تعالى، مهما كانت الظروف قاسية والأحوال مضطربة، والأمن مفقود بل ينتهز كل فرصة مناسبة لتبليغ دعوة الله تعالى، هذا نبي الله تعالى يوسف -عليه السلام- حينما زج به في السجن ظلماً، واجتمع بالسجناء في السجن، فلم يندب حظه، ولم تشغله هذه الحياة المظلمة عن دعوة التوحيد وتبليغها للناس ومحاربة الشرك وعبادة غير الله والخضوع لأي مخلوق قال تعالى: (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ - وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ - يَا صَاحِبَيْ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ - مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 37 - 40].
وسورة يوسف عليه السلام مكية، وقد أمر الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بالأنبياء والمرسلين في دعوته إلى الله؛ ولذلك نجده صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة إلى المدينة، وقد كان مطارداً من المشركين قد أهدروا دمه وأغروا المجرمين منهم بالأموال الوفيرة، ليأتوا برأسه حياً أو ميتاً، ومع هذا فلم ينس مهمته ورسالته، فقد لقي صلى الله عليه وسلم في طريقه رجلاً يقال له بريدة بن الحصيب الأسلمي - رضي الله عنه - في ركب من قومه فدعاهم إلى الإسلام فآمنوا وأسلموا .
وذكر ابن حجر العسقلاني رحمه الله: «أن النبي صلى الله عليه وسلم في طريق هجرته إلى المدينة لقي بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، فدعاه إلى الإسلام، وقد غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة، وأصبح بريدة بعد ذلك من الدعاة إلى الإسلام، وفتح الله لقومه -أَسْلَم- على يديه أبواب الهداية، واندفعوا إلى الإسلام وفازوا بالوسام النبوي الذي نتعلم منه منهجاً فريداً في فقه النفوس قال صلى الله عليه وسلم: «أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، أما وإني لم أقلها، ولكن قالها الله عز وجل» .
14 - وفي طريق الهجرة أسلم لصّان على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كان في طريقه صلى الله عليه وسلم بالقرب من المدينة لِصَّان من أسلم يقال لهما المهانان، فقصدهما صلى الله عليه وسلم وعرض عليهما الإسلام فأسلما، ثم سألهما عن أسمائهما فقالا نحن المهانان، فقال: «بل أنتما المكرمان» وأمرهما أن يقدما عليه المدينة
وفي هذا الخبر يظهر اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله حيث اغتنم فرصة في طريقه ودعا اللصين إلى الإسلام فأسلما، وفي إسلام هذين اللصين مع ما ألفاه من حياة البطش والسلب والنهب، دليل على سرعة إقبال النفوس على اتباع الحق، إذا وجد من يمثله بصدق وإخلاص، وتجردت نفس السامع من الهوى المنحرف، وفي اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بتغيير اسمي هذين اللصين من المهانين، إلى المكرمين دليل على اهتمامه صلى الله عليه وسلم بسمعة المسلمين، ومراعاته مشاعرهم إكراماً لهم ورفعاً لمعنوياتهم.
وإن في رفع معنوية الإنسان تقوية لشخصيته ودفعا له إلى الأمام ليبذل كل طاقته في سبيل الخير والفلاح .
15 - الزبير وطلحة رضي الله عنهما ولقاؤهما برسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة:
ومما وقع في الطريق إلى المدينة أنه صلى الله عليه وسلم لقي الزبير بن العوام، في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام، فكسى الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياباً بيضاء، رواه البخاري ، وكذا روى أصحاب السير أن طلحة بن عبيد الله لقيهما أيضا وهو عائد من الشام وكساهما بعض الثياب .
16 - أهمية العقيدة والدين في إزالة العداوة والضغائن:
إن العقيدة الصحيحة السليمة والدين الإسلامي العظيم لهما أهمية كبرى في إزالة العداوات والضغائن، وفي التأليف بين القلوب والأرواح، وهو دور لا يمكن لغير العقيدة الصحيحة أن تقوم به، وها قد رأينا كيف جمعت العقيدة الإسلامية بين الأوس والخزرج، وأزالت آثار معارك استمرت عقوداً من الزمن، وأغلقت ملف ثارات كثيرة في مدة قصيرة، بمجرد التمسك بها والمبايعة عليها، وقد رأينا ما فعلته العقيدة في نفوس الأنصار، فاستقبلوا المهاجرين بصدور مفتوحة، وتآخوا معهم في مثالية نادرة، لا تزال مثار الدهشة ومضرب المثل، ولا توجد في الدنيا فكرة أو شعار آخر، فعل مثلما فعلت عقيدة الإسلام الصافية في النفوس.
ومن هنا ندرك السر في سعي الأعداء الدائب إلى إضعاف هذه العقيدة، وتقليل تأثيرها في نفوس المسلمين، واندفاعهم المستمر نحو تزكية النعرات العصبية والوطنية والقومية وغيرها، وتقديمها كبديل للعقيدة الصحيحة .
17 - فرحة المهاجرين والأنصار بوصول النبي صلى الله عليه وسلم:
كانت فرحة المؤمنين من سكان يثرب من أنصار ومهاجرين بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصوله إليهم سالمًا، فرحة أخرجت النساء من بيوتهن والولائد، وحملت الرجال على ترك أعمالهم، وكان موقف يهود المدينة موقف المشارك لسكانها في الفرحة ظاهراً، والمتألم من منافسة الزعامة الجديدة باطناً، أما فرحة المؤمنين بلقاء رسولهم فلا عجب فيها، وهو الذي أنقذهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وأما موقف اليهود فلا غرابة فيه، وهم الذين عرفوا بالملق والنفاق للمجتمع الذي فقدوا السيطرة عليه، وبالغيظ والحقد الأسود ممن يسلبهم زعامتهم على الشعوب، ويحول بينهم وبين سلب أموالها باسم القروض، وسفك دمائها باسم النصح والمشورة، وما زال اليهود يحقدون على كل من يخلص الشعوب من سيطرتهم، وينتهون من الحقد إلى الدس والمؤامرات ثم إلى الاغتيال إن استطاعوا، ذلك دينهم، وتلك جبلتهم .
ويستفاد من استقبال المهاجرين والأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعية استقبال الأمراء والعلماء عند مقدمهم بالحفاوة والإكرام، فقد حدث ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الإكرام وهذه الحفاوة نابعين من حب للرسول، بخلاف ما نراه من استقبال الزعماء والحكام في عالمنا المعاصر، ويستفاد كذلك التنافس في الخير وإكرام ذوي العلم والشرف، فقد كانت كل قبيلة تحرص أن تستضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعرض أن يكون رجاله حُراسًا له، ويؤخذ من هذا إكرام العلماء والصالحين، واحترامهم وخدمتهم .
17 - وضوح سنة التدرج:
حيث نلاحظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تقابل مع طلائع الأنصار الأولى لم يفعل سوى ترغيبهم في الإسلام وتلاوة القرآن عليهم، فلما جاءوا في العام التالي بايعهم بيعة النساء على العبادات والأخلاق والفضائل، فلما جاءوا في العام التالي كانت بيعة العقبة الثانية على الجهاد والنصر والإيواء .
وجدير بالملاحظة أن بيعة الحرب لم تتم إلا بعد عامين كاملين، أي بعد تأهيل وإعداد استمر عامين كاملين، وهكذا تم الأمر على تدرج، ينسجم مع المنهج التربوي الذي نهجت عليه الدعوة من أول يوم .
إنه المنهج الذي هدى الله نبيه إلى التزامه، ففي البيعة الأولى بايعه هؤلاء الأنصار الجدد على الإسلام عقيدة ومنهاجًا وتربية، وفي البيعة الثانية بايعه الأنصار على حماية الدعوة واحتضان المجتمع الإسلامي الذي نضجت ثماره واشتدت قواعده قوة وصلابة.
إن هاتين البيعتين أمران متكاملان ضمن المنهج التربوي للدعوة الإسلامية، وإن الأمر الأول هو المضمون، والأمر الثاني، وهو بيعة الحرب، هو السياج الذي يحمي ذلك المضمون، نعم كانت بيعة الحرب بعد عامين من إعلان القوم الإسلام وليس فور إعلانهم.
بعد عامين إذ تم إعدادهم، حتى غدوا موضع ثقة، وأهلاً لهذه البيعة، ويلاحظ أن بيعة الحرب لم يسبق أن تمت قبل اليوم مع أي مسلم، إنما حصلت عندما وجدت الدعوة في هؤلاء الأنصار وفي الأرض التي يقيمون فيها، المعقل الملائم الذي ينطلق منه المحاربون، لأن مكة لوضعها عندئذ لم تكن تصلح للحرب .
وقد اقتضت رحمة الله بعباده «أن لا يحملهم واجب القتال، إلى أن توجد لهم دار إسلام، تكون لهم بمثابة معقل يأوون إليه، ويلوذون به، وقد كانت المدينة المنورة أول دار إسلام» .
لقد كانت البيعة الأولى قائمة على الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والبيعة الثانية على الهجرة والجهاد، وبهذه العناصر الثلاثة: الإيمان بالله، والهجرة، والجهاد، يتحقق وجود الإسلام في واقع جماعي ممكن، والهجرة لم تكن لتتم لولا وجود الفئة المستعدة للإيواء ولهذا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آَوَوا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفال: 72]. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنفال: 75].
وقد كانت بيعة الحرب هي التمهيد الأخير، لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، وبذلك وجد الإسلام موطنه الذي ينطلق منه دعاة الحق بالحكمة والموعظة، وتنطلق منه جحافل الحق المجاهدة أول مرة، وقامت الدولة الإسلامية المحكمة لشرع الله (1).
19 - الهجرة تضحية عظيمة في سبيل الله:
كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البلد الأمين، تضحية عظيمة عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت» .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قدمها وهي أوبأ أرض الله من الحمى، وكان واديها يجري نجلا- يعني ماء آجنا- فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم، وصرف الله ذلك عن نبيه، قالت: فكان أبو بكر، وعامر بن فهيرة وبلال في بيت واحد فأصابتهم الحمى، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادتهم فأذن، فدخلت إليهم أعودهم، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب، وبهم ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك فدنوت من أبي بكر فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ فقال:
كل امرئ مصبَّح في أهله ... والموت أدنى من شِراك نعله
قالت: فقلت: والله ما يدري أبي ما يقول، ثم دنوت من عامر بن فهيرة فقلت: كيف تجدك يا عامر؟ فقال:
لقد وجدت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفُه من فوقه
كل امرئ مجاهد بطَوقه ... كالثور يحمي جلده بِرَوقه
قالت: فقلت: والله ما يدري عامر ما يقول، قلت: وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى اضطجع بفناء البيت، ثم يرفع عقيرته ويقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أَرِدَنْ يومًا مياه مجنة ... وهل يَبْدُوَنْ لي شامة وطفيل
قالت: فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وانقل حماها إلى الجحفة، اللهم بارك لنا في مدنا وصاعها» .
وقد استجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم وعوفي المسلمون بعدها من هذه الحمى، وغدت المدينة موطناً ممتازاً لكل الوافدين والمهاجرين إليها من المسلمين على تنوع بيئاتهم ومواطنهم .
20 - مكافأة النبي صلى الله عليه وسلم لأم معبد:
وقد روي أنها كثرت غنمها، ونمت حتى جلبت منها جلباً إلى المدينة، فمر أبو بكر، فرآه ابنها فعرفه، فقال: يا أمه هذا الرجل الذي كان مع المبارك، فقامت إليه فقالت: يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟ قال: أو ما تدرين من هو؟ قالت: لا، قال: هو نبي الله، فأدخلها عليه، فأطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها. وفي رواية: فانطلقت معي وأهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من أقط ومتاع الأعراب، فكساها وأعطاها، قال: ولا أعلمه إلا قال: وأسلمت، وذكر صاحب (الوفاء) أنها هاجرت هي وزوجها وأسلم أخوها خنيس واستشهد يوم الفتح .
21 - أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - ومواقف خالدة:
قال أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -: «ولما نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السفل وأنا وأم أيوب في العُلْو، فقلت له: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك، وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في العلو، وننزل نحن فنكون في السفل، فقال: «يا أبا أيوب: إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سُفل البيت» قال: فلقد انكسر حُب لنا فيه ماء، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا مالنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء يؤذيه» .
22 - هجرة علي - رضي الله عنه - وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في المجتمع الجديد:
بعد أن أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمانات التي كانت عنده للناس، لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وأدركه بقباء بعد وصوله بليلتين أو ثلاث، فكانت إقامته بقباء ليلتين، ثم خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يوم الجمعة وقد لاحظ سيدنا علي مدة إقامته بقباء امرأة مسلمة لا زوج لها، ورأى إنسانا يأتيها من جوف الليل، فيضرب عليها بابها، فتخرج إليها فيعطيها شيئاً معه، فتأخذه، قال: فاستربت بشأنه، فقلت: يا أمة الله، من هذا الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه، فيعطيك شيئا لا أدري ما هو؟ وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟ قالت: هذا سهل بن حنيف بن وهب، وقد عرف أني امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها، ثم جاءني بها، فقال: احتطبي بهذا، فكان علي - رضي الله عنه - يأثر ذلك من شأن سهل بن حنيف حين هلك عنده بالعراق .
23 - الهجرة النبوية نقطة تحول في تاريخ الحياة:
كانت الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة المنورة، أعظم حدث حول مجرى التاريخ، وغيَّر مسيرة الحياة ومناهجها التي كانت تحياها، وتعيش محكومة بها في صورة قوانين ونظم وأعراف، وعادات وأخلاق وسلوك للأفراد والجماعات، وعقائد وتعبدات وعلم ومعرفة، وجهالة وسفه وضلال وهدى، وعدل وظلم .
24 - الهجرة من سنن الرسل الكرام:
إن الهجرة في سبيل الله سنة قديمة، ولم تكن هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدعا في حياة الرسل لنصرة عقائدهم، فلئن كان قد هاجر من وطنه ومسقط رأسه من أجل الدعوة حفاظاً عليها وإيجاد بيئة خصبة تتقبلها وتستجيب لها، وتذود عنها، فقد هاجر عدد من إخوانه من الأنبياء قبله من أوطانهم لنفس الأسباب التي دعت نبينا للهجرة.
وذلك أن بقاء الدعوة في أرض قاحلة لا يخدمها بل يعوق مسارها ويشل حركتها، وقد يعرضها للانكماش داخل أضيق الدوائر، وقد قص علينا القرآن الكريم نماذج من هجرات الرسل وأتباعهم من الأمم الماضية لتبدو لنا في وضوح سنة من سنن الله في شأن الدعوات، يأخذ بها كل مؤمن من بعدهم إذا حيل بينه وبين إيمانه وعزته، واستخف بكيانه ووجوده واعتدى على مروءته وكرامته .
هذه بعض الفوائد والعبر والدروس، وأترك للقارئ أن يستخرج ويستنبط سواها من الدروس والعبر والفوائد الكثيرة النافعة من هذا الحدث العظيم.
الباحث عبد السلام حمود غالب الانسي
نقلت الماده بكاملها بتصرف احيانا واحيا النص بالكامل من المراجع التاليه :
-الرحيق المختوم للمبارك فوري
-السيرة النبوية للصلابي
 
أعلى