طارق يوسف المحيميد
:: متخصص ::
- إنضم
- 29 مايو 2010
- المشاركات
- 159
- التخصص
- مقاصد الشريعة
- المدينة
- حلب
- المذهب الفقهي
- شافعي
ويميل المعتزلة إلى التفريق بين الشرور الطبيعية والشرورالأخلاقية , فالطبيعية كالألم والمرض وما يصيب الأرض من الزلازل فهو من فعل اللهفي الطبيعة , وهذا لا يعد شرا –وفقا لتفسيرهم – إذ ليس كل ما تكرهه النفس البشريةيعد شرا أو قبيحا , وإنما القيبح ما كان ضررا خالصا أو عبثا محضا , وهذا يستحيلعلى الله عز وجل .
وأما الشرور الأخلاقية فهي من فعل الإنسان , وهذه تقعتحت نظرية خلق الأفعال التي تضاربت فيهاأقوال المعتزلة والأشاعرة [SUP][SUP][1][/SUP][/SUP] .
وقد كانتهذه النقطة بالتحديد مفترق الطرق لنشوءالفكر الأشعري فقد روت كتب الفرق والعقائد الكلامية أن أبا الحسن الأشعري قال لشيخه أبي علي الجبائي المعتزلي :
ما قولك فيثلاثة إخوة ، كان أحدهم مؤمنا برا تقيا ، و الثاني كان كافرا فاسقا شقيا ، والثالث كان صغيرا ، فماتوا ، فكيف حالهم ؟
قالالجبائي : أما الزاهد ففي الدرجات ، و أما الكافر ففي الدركات ، و أما الصغير فمنأهل السلامة .
قالالأشعري : إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد فهل يؤذن له ؟
قالالجبائي : لا ، لأنه يقال له : إن أخاك إنما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعاتهالكثيرة و ليس لك تلك الطاعات .
قالالأشعري : فإن قال ذلك الصغير : التقصير ليس مني فإنك ما أبقيتني يارب و لاأقدرتني على الطاعة .
قال الجبائي: يقول الباري جل و علا له : كنت أعلم أنك لو بقيت لعصيت و صرت مستحقا للعذابالأليم فراعيتُ ذلك .
قالالأشعري : فلو قال الأخ الكافر : يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالي فلمراعيت مصلحته دوني ؟
قالالجبائي : إنك لمجنون .. و انقطع .
وهي مناظرةتناقلتها كتب علم الكلام وأشار إليها الشهرستاني في الملل و النحل [SUP][SUP][2][/SUP][/SUP] , فيحين يشكك باحثون بهذه الرواية , ويرون أنه لا منطقية في تحول شخص إلى مذهب فكري منخلال مناظرة , خاصة وأن أتباع هذا الشخص يقولون بأنه بقي على مذهب الاعتزال أربعينسنة , وهي معلومة أيضا مشكوك بها إذ لا يترجم المعتزلة لأبي الحسن الأشعري فيطبقاتهم مع ذكرهم للذين تحولوا عن مذهب الاعتزال فضلاعن أن ذلك يعني أن الأشعري تتلمذ على الجبائي وعمره ثلاث سنوات [SUP][SUP][3][/SUP][/SUP] .
إلى جانب هذه الرواية هناك روايات أخرى أوردهاابن عساكر في تبيين كذب المفتري و تدور حول منامات رآى فيها الأشعري النبي صلىالله عليه وسلم وأمره بلزوم السنة ومحاربة البدعة , وحصلت تلك المنامات بعد قلقعاشه الأشعري فما كان منه إلا أن صلى ركعتين وطلب من الله الهداية [SUP][SUP][4][/SUP][/SUP] وربما أريد بمثل سرد هذه الرويات إعطاء صبغةوهالة عن عملية التحول لدرجة أن روي عن الأشعري قوله بعد عملية التحول :” إني كنتعلى غير دين الإسلام وإني قد أسلمت الساعة [SUP][SUP][5][/SUP][/SUP]“ .
ومع أن كتاب ابن عساكر المذكور يعد “ أوسعالمصادر عن الأشعري إلا أنه مليء بالبشارات والرؤى والأشعار مما يجعله بعيد الصلةعن المنهج العلمي “ وفقا لمعاصرين [SUP][SUP][6][/SUP][/SUP] .
ويرىالدكتور محمد جلال موسى أن قصة الثلاثة السابقة ضمن المناظرة الأشعرية الجبائيةليست حقيقية وأنها من وضع أعداء المعتزلة ويشاركه في هذا الدكتور محمود سالمعبيدات [SUP][SUP][7][/SUP][/SUP], و بعد تفنيد كل هذه الروايات من قبل الدكتور جلال موسى وخاصة رواية “ قصةالثلاثة “ يصل إلى أن السبب في تحول الأشعري هو “ أن الأشعري كان رجلا ألمعيا ذانظر ثاقب رأى أن الفقهاء والمحدثين قصروا همتهم على التفقه في الدين بدلائله وحججهمن التفسير والحديث والإجماع والقياس , ورأى المتكلمين قصروا همتهم على الدفاع عنالدين ضد غوائل أعدائه مستخدمين نفس أسلحتهم من الجدل والمنطق وتحكيم العقل وطرحالنص جانبا , وكان العداء بين الفريقين شديدا فساءل الأشعري نفسه وما الذي يمنع أنيكون المرء فقيها متكلما ويجمع بين الأمرين وهو ليس جمعا بين متناقضين وكما رأىالمعتزلة تجعل العقل رائدا والحنابلة والحشوية تجعل النص رائدا فساءل نفسه وهلهناك ما يمنع من الجمع بين الاثنين [SUP][SUP][8][/SUP][/SUP] .
فهي إذنعملية بحث عن الوسطية بين “ نص الحنابلة “ و “عقل المعتزلة “ يبدو أن الأشعري رأىنفسه مؤهلا لقيادة هذه العملية , ولذا جاء في مقدمة تبيين كذب المفتري أن الله “وفقه لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم [SUP][SUP][9][/SUP][/SUP]“ . وكان ذلك في وقت بدأت تظهر فيه الحلول الوسط كما يرى الدكتور يوسف احنانة [SUP][SUP][10][/SUP][/SUP].
ما لم أعثر عليه ولم يشر إليه أحد – حسب علمي – ممن ناقش هذه المناظرة وحاولتفنيدها , هو أن المعتزلة قد ذهبوا إلى أنعلى الله فعل الصلاح والأصلح باستثناء مسألتي الكفر والإيمان لأن ذلك يتعارض معحرية الإرادة الإنسانية التي يؤمنون بها , وبالتالي تخرج المناظرة عن سياقها وتكونباطلة من أصلها .
وقد حكى الأشعري ذاته في مقالات الإسلاميين أن المعتزلةيستثنون الإيمان والكفر من وجوب الصلاح والأصلح على الله [SUP][SUP][11][/SUP][/SUP].
[1]-ينظر : الانتصار لابي الحسن الخياط 80 , ط2/1993 . مكتبة الدار العربية للكتاب–بيروت . وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار 310 .
-الملل والنحل للشهرستاني : 1/81 . دار الكتب العلمية –بيروت- ط2/1992 . [2]
[3] - المنية والأمل لابن المرتضى.لا يذكر في طبقات المعتزلة اسم الأشعري . و نشأة الأشعرية وتطورها لجلال محمدموسى 168 .
-تبيين كذب المفتري لابن عساكر 39 وما بعدها –مطبعة التوفيق –دمشق 1347هـ . [4]
-تبيين كذب المفتري لابن عساكر 40 . [5]
-ينظر نشأة الأشعرية وتطورها للدكتور جلال محمد موسى 167 . دار الكتاب اللبناني–بيروت- 1982 . [6]
-نشأة الأشعرية وتطورها لجلال موسى . 176 . وتاريخ الفرق وعقائدها د . محمد عبيدات89 . دار الفرقان 1998 . [7]
-نشأة الأشعرية وتطورها لجلال موسى 186 . [8]
-تبيين كذب المفتري لابن عساكر والمقدمة للكوثري 15 . [9]
-ينظر تطور المذهب الأشعري للدكتور يوسف احنانة 25 . ط2/2007 . دار أبي رقراق –الرباط . [10]
ينظر مقالات الاسلاميين للاشعري 2/223 .ط1/1950مكتبة النهضة المصرية- القاهرة . [11]