العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المقاصد عند الأئمة الأربعة

إنضم
29 مايو 2010
المشاركات
159
التخصص
مقاصد الشريعة
المدينة
حلب
المذهب الفقهي
شافعي
نماذج من المقاصد عند الأئمة الأربعة :
في هذا العصر وعلى أيدي الأئمة الأربعة المجتهدين بدأت المقاصد تتخذ بعدا جديدا – فضلا عن حضورها المستمر من عصر التنزيل – فقد اتسعت دائرة الاجتهاد والاجتهاد المقاصدي على أيدي الأئمة الأربعة , وهم الذين تلقوا - بالإضافة إلى نصوص الكتاب والسنة - ثروة هائلة من فتاوى الصحابة والتابعين المشبعة بمقاصد الشريعة .
ففي هذا العصر أخذت المقاصد تعبيرات مختلفة على أيدي الأئمة الأربعة وتجلت في أسمى أشكالها في “ المصالح المرسلة “ عند الإمام مالك [1] وهي دليل من الأدلة فيما لا نص فيه .
والمصلحة المرسلة هي مصلحة لم يشهد لها الشرع بالرفض أو القبول , وفي الوقت الذي تعبر فيه المدرسة المالكية بالمصلحة المرسلة تعبر مدارس أخرى بالاستدلال المرسل أو الاستصلاح [2] .
والمصلحة هي : المحافظة على مقصود الشارع , ومقصود الشارع حفظ النفس والدين والعقل والمال والعرض [3] .
ويعتبر الاستحسان وجها آخر للمصلحة المرسلة وتطبيقا للمقاصد وتفعيلها , وقد اخذ بالاستحسان - دليلا فرعيا - أبو حنيفة رضي الله عنه [4] .
والاستحسان هو : “ طرح لقياس يؤدي إلى غلو في الحكم ومبالغة فيه , فعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم يختص به في ذلك الموضع “ [5] .
فهروبا من الضيق والغلو والتشديد إلى مقصد التيسير ورفع الحرج أخذ الحنفية بالاستحسان [6] .
وتكاد تتطابق أمثلة الحنفية الآخذين بالاستحسان مع أمثلة المالكية الآخذين بالمصلحة المرسلة من مثل تضمين الأجير المشترك وتضمين صاحب الحمام الثياب والقول بعدم توبة الزنديق إن تاب بعد القبض عليه [7] .
ولم تبعد أمثلة الشافعية عما ذكره الحنفية والمالكية حيث يبحث الشافعية ذلك في باب القياس , بل صرح الغزالي [8] والرازي [9] أنه يجوز التمسك بالمصلحة المرسلة ولا وجه للخلاف في اتباعها , بل يجب القطع بكونها حجة إذا فسرت المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع [10] .
وكانت المقاصد حاضرة عند تأليف الرسالة من قبل الشافعي إذ كان مقصده هو البحث في “ معاني القرآن “ [11] , وقد بدأ الشافعي رسالته بمبحث “ كيف البيان “ وبعد أن أوضح القول في خمس بيانات متتالية ختم ذلك بقوله :” وإنما خاطب الله العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها , وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها وأن فطرته أن يخاطب بالشيء عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر , ويستغني بأول هذا منه عن آخره , وعاما ظاهرا يراد به الخاص , وظاهرا يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره , فكل هذا موجود علمه في أول الكلام وأوسطه وآخره , وتبتدئ الشيء من كلامها يبين أول لفظها فيه عن آخره , وتبتدئ الشيء يبين آخر لفظه منه عن أوله , وتكلم بالشيء تعرفه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ كما تعرف الإشارة ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها “ [12] .
هذا النص من رسالة الشافعي يؤكد بلا ريب أن المقاصد كانت حاضرة في فكر الشافعي وفقهه , ولذا فقد نقل الشاطبي [13] هذا النص بالحرف في كتابه العظيم الموافقات وهو يتحدث عن مقصد الشارع من وضع الشريعة وهو الإفهام [14] .
وأما الإمام أحمد [15] فهو كالشافعي [16] يدرج المصلحة التي هي مقصود الشارع في باب القياس , ولا يعدها أصلا مستقلا بعينه , وإن تكلم بعض أئمة المذهب بالمصلحة وفصلوا فيها القول وبينوا أنه ما من أمر من الأمور الشرعية إلا وهو راجع إلى مراعاة المصلحة [17].
ومن القواعد الفقهية الكبرى المتفق عليها بين المذاهب الأربعة قاعدة “ الأمور بمقاصدها”, وهذه القاعدة على تقدير مقتضى , أي أحكام الأمور بمقاصدها , فالحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو المقصود من ذلك الأمر وأصل هذه القاعدة قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ) [18] " [19] .
ومن القواعد الجزئية التي ترتبط بهذه القاعدة وتتفرع عنها قاعدة “ العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني “ وهذه القاعدة لقاعدة الأمور بمقاصدها هي كالجزئي للكلي [20] , وقد توسع الحنفية في تطبيقات هذه القاعدة وأمثلتها .


[1] مالك : أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة,ولد في المدينة ,أحد الأئمة الأربعة ,له مؤلفات منها :الموطأ –والمدونة-توفي في المدينة 179ه.الديباج المذهب 17/30.


[2] - ينظر المستصفى للغزالي 1/173- روضة الناظر 1/169 – إرشاد الفحول 1/370

[3] -المستصفى للغزالي :1/174 .

[4] -ابو حنيفة : النعمان بن ثابت مولى لتيم الله بن ثعلبة ولد سنة ثمانين, قال الشافعي قيل لمالك رضي الله تعالى عنه هل رأيت أبا حنيفة, قال نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته و عن الشافعي الناسفي الفقه عيال على أبي حنيفة ,أخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان وقد كان في أيامه أربعة من الصحابة أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى الأنصاري وأبو الطفيل عامر بن وآثله وسهل بن سعد الساعدي مات ببغداد في رجب أو شعبان سنة خمسين ومائة وهو ابن سبعين سنة.طبقات الفقهاء 1/88. طبقات الحنفية 1/419.

[5] - الاعتصام للشاطبي 2/139

[6] - الموافقات : 4/207 بتصرف

[7] - الموافقات :4/208- الدر المختار 4/242- كفاية الطالب 2/408.

[8] -الغزالي : تقدمت ترجمته 31 .

[9] - الرازي : فخر الدين الرازي محمد بن عمر بن الحسين القرشي الطبري الاصل الرازي المولود كان إماما وقته في العلوم العقلية واحد الأئمة في العلوم الشرعية, صاحب المصنفات المشهورة كالمحصول ومفاتيح الغيب ,ولد بالري سنة أربع وأربعين وخمسمائة وتوفي بهرات سنة ست وستمائة.طبقات الشافعية 2/65 طبقات الفقهاء1/263.

[10] - المستصفى للغزالي : 1/179- المحصول للرازي 6/225

[11] - الرسالة للشافعي بتحقيق احمد محمد شاكر 72 دار الكتب العليمة –بيروت .

[12] - الرسالة 51-52.

[13] - الشاطبي : تقدمت ترجمته 25 .

[14] - الموافقات : 2/103 دار ابن عفان ط1 1997 .

[15] أحمد بن حنبل : أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ,ولد ببغداد 164ه أحد الأئمة الأربعة أصله من مرو سافر في طلب العلم أسفارا كثيرة وابتلي بفتنة خلق القرآن فثبت ,توفي ببغداد 241ه. طبقات الحنابلة 1/4.

[16] -الشافعي : أبو عبد الله محمد بن إدريس الهاشمي القرشي ,ولد في غزة 150ه أحد الأئمة الأربعة ,حمل صغيرا إلى مكة ,زار بغداد ومصر وتوفي فيها 204ه له مؤلفات منها الأم في الفقه والرسالة في الأصول.

[17] -أحمد بن حنبل للشيخ أبو زهرة : 297- ضوابط المصلحة للدكتور سعيد البوطي 320- اثر الاختلاف في القواعد الأصولية للدكتور مصطفى الخن 554 .

[18] - رواه البخاري في صحيحه ص 7 كتاب الوحي باب كيف بدء الوحي رقم 1 عن عمر بن الخطاب .

[19] - شرح القواعد الفقهية للزرقا : 47

[20] - المصدر السابق :55



 
أعلى