العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الحَنَفِيَّةِ - فِي ’’رِوَايَةِ المَجْهُولِ‘‘

إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرف الأنبياء والمُرسلينَ، نبيِّنا مُحمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعينُ، وبعدُ..

فالمحدِّثين يقسمون المجهول إلى قسمين:
1- مجهول العين: وهو مَن روى عنه راوٍ واحد ولم يُذكر بجرح ولا تعديل.
2- مجهول الحال: وهو من روى عنه اثنان فصاعدًا ولم يُذكر بجرح ولا تعديل. راجع: نزهة النظر (ص 50)، ومنهج النقد في علوم الحديث (88، 89).
قال ابن حجر في نزهة النظر ص(50): فإن سمى الراوي وانفرد راوٍ واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين كامبهم، فلا يقبل حديثه إلا أن يوثقه غير من ينفرد على الأصح، وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلاً لذلك.
وإن روى عنه اثنان فصاعدًا ولم يوثق فهو مجهول الحال وهو المستور، وقد قبل روايته جماعة بغير قيد وردها الجمهور، والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها؛ بل هي موقوفة إلى استبانة حاله. اهـ.
ولم يفرق الحافظ بين مجهول الحال والمستور، وقد فرق من قبله من المحدثين بينهما، وعرفوا مجهول الحال بأنه مجهول العدالة ظاهرًا وباطنًا، وعرفوا المستور بأنه مجهول العدالة باطنًا لا ظاهرًا -تدريب الراوي (1/ 316)، فتح المغيث (2/ 43)، مقدمة ابن الصلاح (ص 111)-. لكونه عُلِم عدم الفسق فيه، وهذا الفرق يمكن لمن شاهد الرواة، وأما بالنسبة إلينا فليس أمامنا إلا المصنفات في الرجال ولم يُفرق فيها بين الاثنين فكانا بالنسبة إليناء سواء؛ لذلك فقد صار تقسيم الحافظ ابن حجر هو المعتمد لقربه للعمل. راجع: منهج النقد (ص 89).
ومرادهم بالعدالة الظاهرة: العلم بعدم الفسق، وأما الباطنة فهي التي يرجع فيها إلى أقوال مزكين - النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (3/ 378) .

وأما الحنفية فلم يفرقوا بين الأنواع الثلاثة: مجهول العين ومجهول الحال والمستور، وجعلوهم نوعًا واحدًا وسموه المستور أو مجهول الحال، وأما المجهول فيقصدون به مَن يُعرف برواية حديث او حديثين كما سيأتي بيانه في الفصل التالي إن شاء الله تعالى.
تعريف المستور: مَن كان عدلاً في الظاهر ولم تعرف عدالته في الباطن مطلقًا، سواء انفرد بالرواية عنه واحد ام رَوَى عنه اثنان فصاعدًا -قفو الأثر (ص 86)-. كذا عرفه ابن الحنبلي، وعرفه عبدالعزيز البخاري وابن أمير غازي بأنه: هو الذي لم يُعرف عدالته ولا فسقه - كشف الأسرار (3/ 20)، والتبيين (1 / 595).
والمراد بالعدالة الظاهرة عند الأحناف ظاهر الإسلام، وبالعدالة الباطنة اجتناب محظورات الشرع، والعدالة الباطنة هي المعتبرة في قبول الأخبار، إلا أنهم اكتفوا بالظاهرة في قبول رواية المستور بشرط أن يكون من أهل الصدر الأول. راجع: تعريف العدالة وأنواعها عند الحنفية (ص 118) من هذا البحث.
وحكى الحنفية في المستور روايتين عن أبي حنيفة، رواية محمد بن الحسن وهي ظاهر الرواية أنه كالفاسق فلا يقبل خبره، وفي رواية الحسن بن زياد أنه كالعدل فيقبل خبره، وهذه الرواية بناءً على القضاء بظاهر العدالة، والصحيح ما في ظاهر الرواية أن المستور كالفاسق لا يكون خبره حجة حتى تظهر عدالته إلا في الصدر الأول، فإن رواية المستور منهم مقبولة لكون العدالة أصلاً فيهم - كشف الأسرار (2/ 20)، التقرير والتحبير (2/ 247)، وفواتح الرحموت (2/ 146).
قال السرخسي: أما المستور فقد نص محمد في كتاب الاستحسان على أن خبره كخبر الفاسق، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه بمنزلة العدل في رواية الأخبار، لثبوت العدالة له ظاهرًا بالحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر: (المسلمون عدول بعضهم على بعض) -رواه مرفوعًا ابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 325) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ورواه موقوفًا الدارقطني (4/ 206)، ومن طريقه البيهقي (10/ 197) عن عمر في كتابه إلى أبي موسى الأشعري-؛ ولهذا جوز أبو حنيفة القضاء بشهادة المستور فيما يثبت مع الشبهات إذا لم يطعن الخصم، ولكن ما ذكره في الاستحسان أصح في زماننا، فإن الفسق غالب في أهل هذا الزمان فلا تعتمد رواية المستور ما لم يتبين عدالته كما لم تعتمد شهادته في القضاء قبل أن تظهر عدالته، وهذا بحديث عباد بن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحدثوا عمن لا تعلمون بشهادته) -لم أقف على من أخرجه-. ولأن في رواية الحديث معنى الإلزام، فلا بد من أن يعتمد فيه دليل ملزم وهو العدالة التي تظهر بالتفحص عن أحوال الراوي. اهـ [أصول السرخسي (1/ 370)].
ويتلخص مما سبق أن الحنفية يختلفون مع المحدثين في حقيقة المستور وحكمه معًا؛ فالمحدثون يفرقون بين مجهول العين والمستور، واتفقوا على عدم قبول رواية مجهول العين، واختلفوا في رواية المستور فردها الجمهور وقبلها بعضهم. أما الحنفية فلم يفرقوا بينهما وحكموا برد روايته إلا إذا كان من أهل الصدر الأول.

وانظر: ((منهج الحنفية في نقد الحديث)) للدكتور كيلاني محمد خليفة، (ص 245- وما بعدها)/ ــالمَبْحَثُ الأَوَّلُــ خبر المستور وهو مجهول الحال.
وجاء فيه أيضًا تفصيلاً لما سبق:
((ص(255-284)/
الفَصلُ الخَامِسُ
________

ــــــــــــ
تقسيم الراوي الذي جعل خبره حجة
تقسيم الرواة:
اتفق الحنفية مع المُحدثين في تقسيم الرواة إلى معروف ومجهول؛ وذلك من حيث اللفظ، وأما من حيث الدِلالة والأحكام، فمُختلف؛ ولنبدأ ببيان ذلك عند المحدثين.
تقسيم المحدثين:
ينقسم الرواة من حيث معرفة صفتهم وعدم معرفتها إلى قسمين:
_القسم الأول: المعروف/
والمعروف: معناه أنه معروف الوصف. وهؤلاء على قسمين/ معدل أو مجرح، فيُعمل بما عُلم فيهم من الجرح أو التعديل حسب مراتبهما.
_القسم الثاني: المجهول/
والمجهول على ضربين: مبهم وغير مبهم.
أولاً: المبهم/ وهو من لم يُعرف اسمه ولا وصفه. وهو من أُغفِل ذكر اسمه في الحديث كقوله: أخبرني فلان أو شيخ أو رجل أو بعضهم أو ابن فلان.
ويُستدل على معرفة اسم المبهم بوروده من طريق أخرى مسمى، وهو ينقسم على حسب مكان وقوعه في الحديث إلى نوعين:
النوع الأول/ مبهم الإسناد. وهو الذي يترتب عليه الحكم على الحديث من حيث القبول والرد، فلا يقبل حديث المبهم ما لم يسم؛ لأن شرط قبول الخبر عدالة رواته، ومن أبهم اسمه لا يعرف عينه فكيف عدالته، وكذا لا يقبل خبره ولو أبهم بلفظ التعديل، كأن يقول الراوي عنه: أخبرني ثقة؛ لأنه قد يكون ثقة عنده مجروحًا عند غيره، وهذا على الأصح في المسألة، ولهذه النكتة لم يقبل المرسل، ولو أرسله العدل جازمًا به لهذا الاحتمال بعينه. وقيل: يقبل تمسكًا بالظاهر؛ إذ الجرح على خلاف الأصل. وقيل: إن كان القائل عالمًا أجزأه ذلك في حق من يوافقه في مذهبه.
فإذا عرف اسم المبهم بوروده من طريق أخرى مسمى، وعرف حاله من حيث الجرح والتعديل، يمكن الحكم على الحديث بما يليق من حال الراوي.
ومثاله: ما رواه أبو داود في سُننه (4790) من طريق حجاج بن فرافصة عن رجل عن أبي عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم). ولعل هذا الرجل هو يحيى ابن أبي كثير كما قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (ص 731).
النوع الثاني/ مبهم المتن. ولا يترتب عليه حكم على الحديث إلا أن معرفته قد تفيد في فهم الحديث، ومثاله ما رواه مسلم في صحيحه (3321) عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا). فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو قلت نعم لوجبت). فهذا الرجل الأقرع بن حابس كما ورد مفسرًا عند أبي داود في سننه (1721)، والنسائي (2620)، وابن ماجه (2886).
ثانيًا: غير المبهم/ وهو من عرف اسمه ولم يعرف وصفه. وهذا ينقسم إلى قسمين:
1- مجهول العين/ وهو من روى عنه راوٍ واحد ولم يذكر بجرح ولا تعديل.
2- مجهول الحال/ وهو المستور، وهو من روى عنه اثنان فصاعدًا ولم يذكر بجرح ولا تعديل، وقد سبق تفصيل القول فيهما في الفصل السابق.
والصحابة -رضي الله عنهم- مستثنون من هذا التقسيم، فهم كلهم عدول يقبل حديثهم وإن لم يرو عنهم إلا راوٍ واحد، ولا يحتاجون إلى رفع الجهالة عنهم بتعدد الرواية أو أقوال المزكين، وإنما يكفي ثبوت الصحبةولو من طريق واحد؛ فبمجرد ثبوت الصحبة تنتفي الجهالة - تدريب الراوي (1/ 318)، النكت للزركشي (3/ 390).
تعريف الصحابي: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على الإسلام.
فقوله: "من لقى النبي صلى الله عليه وسلم" يدخل في الصحابة من طالبت مجالسته أو قصرت، ومن غزا أو لم يغز. وقوله: "مؤمنًا به" خرج به من لقيه كافرًا ثم أسلم بعد ذلك ولم يجتمع به صلى الله عليه وسلم بعد الإسلام مثل رسول هرقل.
وقوله: "مات على الإسلام" خرج به من اترد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم - الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 10) ونزهة النظر (ص 109).
وأصل الصحبة في اللغة يطلق على مجرد الصحبة دون اشتراط استمرارها، وعلى هذا درج المحدثون كما ظهر من تعريفهم للصحابي.
أما الأصوليون فراعى كثير منهم دلالة العرف في معنى الصحبة، فيطلقون اسم الصحابي على من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه - تدريب الراوي (2/ 210).
وهو مروي عن سعيد بن المسيب فقد كان يقول: الصحابة لا نعدهم إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين. رواه عنه الخطيب في الكفاية (ص 50).
لكن انتقد المحدثون هذا القول بأنه يؤدي إلى إخراج أقوام وقع الاتفاق على اعتبارهم من الصحابة، قال ابن الصلاح في علوم الحديث (ص 294): لكن في عبارته ضيق يوجب ألا يعد من الصحابة جرير ابن عبدالله البجلي ومن شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم ممن لا نعرف خلافًا في عده من الصحابة. اهـ.
وقد اختار أصحاب الحديث هذا التوسع نظرًا إلى شرف النبي صلى الله عليه وسلم وعظيم بركته التي تحصل للمؤمن إذا لقيه فأعطوا كل من رآه صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به حكم الصحبة - منهج النقد في علوم الحديث (ص 117).
تقسيم الحنفية:
_القسم الأول: المعروف/
وهو من عُرف برواية أكثر من حديثين. وهو نوعان:
1- مَنْ عُرف بالفقه والتقدم في الاجتهاد: وهذا يُقبل حديثه اتفاقًا إن وافق القياس أو خالفه، فإن وافقه تأيد به، وإن خالفه تُرك القياس به.
2- مَنْ عُرف بالرواية دون الفقه والفُتيا: وهذا يُقبل حديثه اتفاقًا إذا وافق القياس، وأما إذا خالف القياس فقد اختلف الحنفية فيه: فمنهم من ذهب إلى تقديم القياس على حديثه، وذهب بعضهم إلى تقديم حديثه على القياس. ويُنظر: كشف الأسرار (2/ 384)، (3/ 20)، وأصول السرخسي (1/ 342)، وشرح المنار (2/ 622)، والتلويح على التوضيح (2/ 7)، وقفو الأثر ص(86).
(الخلاف في تقديم الخبر على القياس)..
...
(أصل قاعدة اشتراط فقه الراوي)..
...
(مذهب أبي حنيفة في تقديم الخبر على القياس):
...
مسألة الخيار في المصراة:
...

(الترجيح بفقه الراوي):
...
_القسم الثاني: المجهول/
هذا القسم الثاني من تقسيم الحنفية للرواة وهو المجهول، وقد علمنا فيما سبق أن المجهول عند المحدثين إما أن يكون مبهمًا أو غير مبهم.
فأما حكم المبهم عند الحنفية فقال ابن الحنبلي: والذي ينبغي أن يكون مذهبنا -يعني الحنفية- قبوله وإن أبهم بغير لفظ التعديل، ولكن بمثل الشرط الذي اعتبرناه في المرسل وهو أن يكون من القرون الثلاثة دون ما عداها. اهـ. قفو الأثر (ص 85)، وقواعد في علوم الحديث (ص 203).
وعلى هذا فمذهب الحنفية قبول حديث المبهم بشرط أن يكون من أهل القرون الثلاثة وهو ما يتفق مع قبولهم للمرسل؛ إذ الراوي في الحديث المرسل لم يذكر أصلاً، فما ذكر مبهمصا كان أَوْلَى بالقبول منه.
وأما غير المبهم وهو مجهول العين ومجهول الحال وهو المستور؛ فقد سبق أن الحنفية لا يفرقون بينهم ويسمونه بالمستور، وأما المجهور فيعنون به أمرًا آخر، وهذا موضع تعريفه وتقسيمه وحكمه.
تعريف المجهول: هو مَن لم يعرف إلا بحديث أو حديثينِ مطلقًا سواء انفرد بالرواية عنه واحد أم روى عنه اثنان فصاعدًا - قفو الأثر (ص 86)، وراجع: كشف الأسرار (2/ 382)، والكافي (3/ 1263)، وأصول السرخسي (1/ 342)، وشرح المنار (2/ 629).
ويلاحظ أن مدار الجهالة عند المحدثين على عدد الرواة عن الراوي، فمن عنه واحد فقط فهو مجهول العين عندهم، ومن روى عنه عدلان صار معروفًا وارتفعت جهالة عينه وصار مجهول الحال، وأما عند الحنفية فمدار الجهالة على كثرة الرواية وقلتها، بصرف النظر عن عدد الرواة الذي رووا عن الراوي.
ولا يكون المجهول من الصحابة -رضي الله عنهم- عند المحدثين كما سبق بيانه، ويتفق الحنفية معهم في ذلك، إلا أن اختلاف الحنفية والمحدثين في تعريف الصحابي، ترتب عليه أن المحدثين يثبتون الصحبة لطائفة من الصحابة -رضي الله عنهم- بينما ينفيها الحنفية عنهم، وهذه الطائفة يصفها الحنفية بالجهالة لعدم ثبوت الصحبة لهم عندهم؛ كوابصة بن معبد، وسلمة بن المحبق، ومعقل بن سنان -رضي الله عنهم-.
قال عبدالعزيز بن البخاري: اختلفوا في تفسير الصحابي، فذهب عامة أصحاب الحديث وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه من صحب النبي صلى الله عليه وسلم لحظة فهو صحابي؛ لأن اللفظ مشتق من الصحبة، وهي تعم القليل والكثير، وذهب جمهور الأصوليين إلى أنه اسم لمن اختص بالنبي صلى الله عليه وسلم وطالت صحبته معه على طريق التبع له والأخذ منه.
ثم قال: وإذا عرفت هذا علمت أن المجهول في الصدر الأول لا يكون من الصحابة؛ لأن المراد منه من لم يعرف ذاته إلا برواية الحديث الذي رواه، ولم يعرف عدالته ولا فسقه ولا طول صحبته، وقد عرفت عدالة الصحابة واشتهر طول صحبتهم، فكيف يكون هو داخلاً فيهم، وعلمت أن وابصة وسلمة ومعقلاً وإن رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ورووا عنه لا يعدون من الصحابة على ما اختاره الأصوليون لعدم معرفة صحبتهم. اهـ. كشف الأسرار (2/ 382)، والكافي (3/ 1263).
قال السرخسي: فأما المجهور فإنما نعني بهذا اللفظ من لم يشتهر بطول الصحة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما عرف بما روي من حديث أو حديثين؛ نحو وابصة بن معبد، وسلمة ابن المحبق، ومعقل بن سنان الأشجعي -رضي الله عنهم- وغيرهم. اهـ. أصول السرخسي (1/ 342).
(أقسام رواية المجهول):
وقسم الحنفية رواية المجهول إلى خمسة أقسام تبعًا لموقف السلف من روايته:
القسم الأول/ مَنْ قَبِلَ السلف روايته وجوّزوا النقل عنه وشهدوا له بصحة الحديث، صار حديثه مثل حديث المعروف بشهادة أهل المعرفة؛ لأنهم ما كانوا متهمين بالتقصير في أمر الدين، وما كانوا يقبلون الحديث حتى يصح عندهم أنه يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإما أن يكون قبولهم لعلمهم بعدالته وحسن ضبطه، أو لأنه موافق لما عندهم مما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من بعض المشهورينَ يُروى عنه.
القسم الثاني/ أن يسكتوا عن الطعن بعد ما اشتهر روايته عندهم فكذلك تقبل روايته؛ لأن السكوت في موضع الحاجة إلى البيان بيان، ولا يُتهم السلف بالتقصير.
القسم الثالث/ أن يختلفوا فيه مع نقل الثقات عنه وموافقة حديثه للقياس فكذلك تقبل روايته؛ لأنه حين قبله بعض الفقهاء المشهورينَ فكأنه روى ذلك بنفسه.
-مثال ذلك: الحديث الذي رواه أصحاب السنن الأربعة -أبو داود (2115)، والترمذي (1176) وقال: حسن صحيح. والنسائي (3354) ، وابن ماجه (1891)- عن علقمة عن ابن مسعود أنه سُئِل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقًا، ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط، وعليها العدة ولها الميراث. فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بِرْوَع بنت واشق امرأة منا مثل الذي قضيت. ففرح بها ابن مسعود. وفي رواية أحمد -في مسنده (1/ 447)- وأبي داود -في سننه (2116)-: فقام ناس من أشجع فيهم الجراح وأبو سنان فقالوا: يا ابن مسعود نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاها فينا في بروع بنت واشق وإن زوجها هلال بن مرة الأشجعي كما قضيت. ففرح بها ابن مسعود فرحصا شديدًا حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى عبدالرزاق -في مصنفه (6/ 293)- من طريق الحكم بن عتيبة: أن عليًّا كان يجعل لها الميراث وعليها العدة، ولا يجعل لها صداقًا. قال الحكم: وأُخبر بقول ابن مسعود فقال: لا نصدق الأعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم -وقد ذكر البزدوي والسرخسي أن عليًّا رد حديث معقل وقال: ما نصنع بقول أعرابي بوال على عقبيه. ولم أجده بهذا اللفظ-.
فهذا الحديث من رواية معقل بن سنان ولا يُعرف إلا به، وهو مجهول على اصطلاح الحنفية، وقد اختلف السلف في قبول حديثه، فقبله ابن مسعود وردَّه عليٌّ، وقد قبل الحنفية حديثه؛ لأن الحديث موافق للقياس، ولأن الفقهاء من القرن الثاني؛ كالأسود وعلقمة ومسروق والحسن ونافع بن جبير قبلوا روايته -راجع: تهذيب الكمال (28/ 273)-؛ فصار معدلاً بقبول الفقهاء روايته مع أنه قرن العدول، وكذلك أبو الجراح ابن أبي الجراح صاحب راية الأشجعيين صدّقه في هذه الرواية في أناس من أشجع. وكأن عليًّا لم يقبل حديثه لأنه كان مخالفًا للقياس عنده، وابن مسعود قبل حديثه لأنه كان موافقًا للقياس عنده. فتبين بهذا أن رواية مثل هذا فيما يوافق القياس يكون مقبولاً ثم العمل يكون بالرواية.
وادَّعى الزدوي أن الشافعي لم يعمل بهذا الحديث لمخالفته للقياس عنده وليس كذلك؛ فغاية الأمر أن الشافعي علق القول بهذا الحديث على صحته، وقد صحح أصحابه الحديث ثم نسبوا القول به للشافعي، لأجل مقالته المشهورة: إذا صح الحديث فهو مذهبي [راجع: الأم (5/ 61)، والسنن الكبرى للبيهقي (7/ 244)، ومستدرك الحاكم (2/ 180)، وروضة الطالبين (7/ 282)، ومعنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي (ص 17) بتحقيق المؤلف، فقد قام المحقق في المقدمة بتفصيل مفيد لهذه المسألة وغيرها من المسائل التي علق الشافعي القول بها على صحة الحديث].
القسم الرابع/ إذا ظهر حديثه ولم يظهر من السلف إلا الرد، لم يُقبل حديثه وصار مستنكرًا؛ لأنهم كانوا لا يتهمون برد الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بترك العمل به وترجيح الرأي بخلافه عليه، فاتفاقهم على الرد دليل على أنهم كذبوه في هذه الرواية وعلموا أن ذلك وَهَم منه، ولو قال الراوي أوهمتُ لم يُعْمَلْ بروايته، فإذا ظهر دليلُ ذلك مِمَّنْ هو فوقه كان أَوْلَى.
-مثال ذلك: حديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة. فقد أنكر عمر حديثها وقال: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة، لا ندري لعلها حفظت أم نسيت، لها السكنة والنفقة. وكذلك أنكر حديثها عائشة أم المؤمنين وأسامة بن زيد وسعيد بن المسيب [انظر لمزيد من التفصيل في تخريج حديث فاطمة وأقوال من أنكر عليها: الدليل الثالث، والمثال الثاني من هذا الرابط]. قال عيسى بن أبان: مراد عمر من الكتاب والسنة: القياس الصحيح، فإن ثبوته بالكتاب والسنة، وهو قياس الشبه في اعتبار النفقة بالسكنى، من حيث إن لكلِّ واحد منهما حق مالي مستحق بالنكاح.
القسم الخامس/ كانت الأقسام السابقة فيما إذا ظهر حديث الراوي وانتشر، وأما إذا لم يظهر حديثه في السلف فلم يقابل برد ولا قبول فإن العمل به لا يجب، ولكن يجوز العمل به إذا وافق القياس؛ لأن من كان من الصدر الأول فالعدالة ثابتة له باعتبار الظاهر؛ لأنه في زمان الغالب من أهله العدول، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) -البخاري (2652)، ومسلم (6635)-. فباعتبار الظاهر يترجح جانب الصدق في خبره، وباعتبار أنه لم تشتهر روايته في السلف يتمكن تهمة الوهم فيه، فيجوز العمل به إذا وافق القياس على وجه حسن الظن به، ولكن لا يجب العمل به؛ لأن الوجوب شرعًا لا يثبت بمثل هذا الطريق الضعيف، فصار الحاصل أن الحكم في رواية المجهول أنه لا يكون حجة للعمل إلا إن تأيد بمؤيِّد وهو قبول السلف أو بعضِهم روايتَه - أصول السرخسي (1/ 342)، وكشف الأسرار (2/ 384)، والكافي (3/ 1263)، وشرح المنار (2/ 627).
قال ابن الحنبلي في قفو الأثر (ص 88): وعندنا أن حكم المجهول وهو: مَنْ لم يُعرف إلا بحديث او حديثين مطلقًا، سواء انفرد بالرواية عنه واحدٌ أم روى عنه اثنان فصاعدًا. أنه إما أن يظهر حديثه في القرن الثاني أو لا، فإن لم يظهر جاز العمل به في الثالث لا بعده. وإن ظهر: فإن شهد السَّلف له بصحة الحديث، أو سكتوا عن الطعن فيه قُبِلَ، أو رَدُّوه رُدَّ، أو قَبِلَهُ البعض ورَدَّه البعض مع نقل الثقات عنه، فإن وافق حديثه قياسًا ما قُبِلَ وإلا رُدَّ.
وحكم المعروف بالرواية وهو مَنْ عُرف بأكثر من حديثينِ مطلقًا: أنه غن عُرِف بالفقه قُبِلَ مطلقًا، وإلا فإن وافق قياسًا ما قُبِلَ وإلا رُدَّ. اهـ.
الفروق بين التقسيمين:
بعد عرض تقسيم الرواة عند الحنفية والمحدثين أذكر موجزًا للفروق بين التقسيمين:
1- أن المعروف عند المحدثين معناه أنه: معروف الوصف من حيث الجرح والتعديل، فيُحكم على حديثه بحسب ما عُرف عنه، ولا يشترط المحدثون فقه الراوي لقبول حديثه مطلقًا سواء خالف القياس أو وافقه. وأما عند الحنفية فهو: مَنْ عُرف برواية أكثر من حديثين. وهو قسمان: الأول/ مَنْ عُرف بالفقه، وهذا يُقبل حديثه اتفاقًا سواء وافق القياس أم لا. والثاني/ من لم يُعرف بالفقه. وهذا اختلف فيه الحنفية، فقال بعضهم: يُقبل من حديثه ما وافق القياس وإلا رُدَّ. وقال بعضهم: يُقبل مطلقًا. ولم يشترطوا فقه الراوي فيما خالف القياس كما هو مذهب المحدثين.
2- أن المبهم لا يُقبل حديثه عند المحدثين لجهالة عينه وحاله، وهي نفس العلة التي ردوا بها المرسل، وأما الحنفية فيقبلون حديثه بشرط أن يكون من أهل القرون الثلاثة، وهو ما يتفق مع قبولهم للمرسل.
3-أن المجهول عند المحدثين ينقسم قسمين: الأول/ مجهول العين. وهو من روى عنه راوٍ واحد ولم يُذكر بجرح ولا تعديل. والثاني/ مجهول الحال وهو المستور. هو من روى عنه اثنان فصاعدًا ولم يُذكر بجرح ولا تعديل. وأما عند الحنفية فالمجهول هو: مَنْ لم يُعرف إلا بحديث أو حديثين مطلقًا، والمستور هو: مضنْ كان عدلاً في الظاهر ولم تُعرف عدالته في الباطن مطلقًا، سواء انفرد بالرواية عنه واحد أم روى عنه اثنان فصاعدًا.
4- أن المجهول عند المحدثين سواء مجهول العين أو الحال لا يُقبل حديثه، أما عند الحنفية فإن حديث المجهول إذا ظهر وقبله السلف أو سكتوا عنه قُبِلَ، أو اختلفوا فيه ووافق القياس قُبِلَ أيضًا وإلا رُدَّ، وإذا رَدُّوه لم يُقْبَلْ، وأما إذا لم يظهر حديثه فإن وافق القياس قُبِلَ وإلا رُدَّ.
5- أن المستور عند المحدثين لا يُقبل حديثه، وأما عند الحنفية فالصحيح في حكمه قبوله إن كان من أهل القرون الثلاثة. وقيل: يُقبل مطلقًا.
6- مدار الجهالة عند المحدثينَ على عدد من روى عن الراوي من الرواة، وأما عند الحنفية فمدارها على عدد ما روى الراوي من أحاديث.
7- الصحابي عند المحدثين هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على الإسلام. وأما عند الحنفية فهو: مَنْ طالت صحبته مع النبي صلى الله عليه وسلم على طريق التبع والأخذ منه. وقد ترتب على هذا الخلاف في تعريف الصحابي، أن المحدثين يثبتون الصحة لطائفة بينما ينفيها الحنفية عنهم، وعليه فإن المحدثين لا يصفون هذه الطائفة بالجهالة ويصفها الحنفية بذلك، وحقيقة الخلاف يرجع إلى إثبات الصحبة.
8- أن الترجيح بفقه الراوي عند التعارض مما اتفق عليه المحدثون والحنفية، فيقدمون رواية الأفقه على من دونه فقهًا؛ ولذلك تقصر رواية غير الفقيه عن أن تعارض رواية الفقيه إذ الأول أشد وعيًا وأقوى ضبطًا وأكمل إدراكًا وأَوْلَى بالاتباع.
9- اهتم الحنفية اهتمامًا فائقًا بقبول السلف لحديث الراوي، ظهر ذلك بوضوح من خلال حكم رواية المجهول؛ فالحاصل أنه لا يكون حجة إلا إن تأيد بقبول السلف له، وظهر أيضًا من خلال مبحث خبر الواحدا وإعراض الصحابة عنه؛ فالحديث إذا أعرض الصحابة عن الاحتجاج به عند اختلافهم دلَّ على عدم ثبوته.)). انتهى.

هذا، وقد جاء في كتاب ((التأصيل الشرعي لقواعد المحدثين)) للدكتور عبدالله شعبان، ص(209- وما بعدها):
((*فرَّع العلماء على عدالة الرواة مسائل، منها:
...
ب- رواية المجهول:
-تقسيم الرواة باعتبار الصفة
يتنوع الرواة باعتبار وصفهم إلى:
( أ ) معروف الوصف، وهو إما معدل، أو مجروح فيُعمل بما علم فيه حسب رؤية العلماء لذلك.
(ب) ومجهول الوصف، وهذا يتنوع بحسب نوع الجهالة إلى:
1- مجهول العين، إذا كانت الجهالة في عين الراوي.
2- مجهول الحال، إذا كانت الجهالة في صفته الظاهرة والباطنة.
3- المستور، إذا كانت الجهالة في صفته الباطنة مع العلم بحالته الظاهرة.
على هذا التقسيم درج المحدثون قديمًا في مصنفاتهم، حتى جاء الحافظ ابن حجر فأدخل القسم الثالث "المستور" في الثاني "مجهول الحال" جاعلاً منهما قسمًا واحدًا أسماه "مجهول الحال وهو المستور".
قال رحمه الله تعالى في نزهة النظر (/ 50): فإن سمى وانفرد واحد عنه "فمجهول العين" أو اثنان فصاعدًا وإن لم يوثق "فمجهول الحال وهو المستور". اهـ.
وإلى القارئ بيان ما يتعلَّق بكل نوع وأحكامه.
(1) النوع الأول:
مجهول العين/

ويراد به عند علماء الحديث (كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به ومن لم يعرف حديث إلا من جهة راو واحد) [الكفاية (/ 149)].
وحاصله أن جهالة العين صفة من لم يشتهر بطلب العلم خاصة.
أو من لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد.
وإن كانت الشهرة عامة بالاسم، والصفة، والنسبة، وغير ذلك أما أن يعرف بطلب العلم فلا. فالجهالة صفة باقية له.
كذلك تبقى الجهالة حتى يروي عنه أكثر من واحد، فأقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعدًا من المشهورين بالعلم.
لكن هل مجرد ارتفاع الجهالة يقتضي ضرورة ثبوت العدالة؟
وهل تثبت العدالة بواحد أم أكثر؟
وهذا إشكال يوضحه كلام ابن الصلاح، فقد خرَّج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد، وكذلك خرَّج مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد، وذلك منهم مصير إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولًا مردودًا برواية واحد عنه، والخلاف في ذلك متجه نحو اتجاه الخلاف المعروف في الاكتفاء بواحد في التعديل. [علوم الحديث (/ 113)].
وبتتع صنيع الأئمة في مصنفاتهم نجد أنَّ الخلاف في تعريف مجهول العين واسعًا. فالوصف بالجهالة قائم وإن روى عنه اثنان فأكثر. كما هو ظاهر صنيع أبي حاتم في تعريفه لجماعة قد ترجم لهم -انظر رأيه في هؤلاء في الجرح والتعديل إسحاق بن خالد (2/ 218)، سعيد ابن أبي هلال (2/ 218)، حماد بن عبدالرحمن الكلبي (3/ 143)-.
ومنهم من أبقى الجهالة على من روى عنه أربعة كما هو ظاهر تصرف ابن عدي والخطابي، فقد أطلقا الجهالة على الحاري بن وجيه -حدّث عنه مسلم، ونصر بن علي... ميزان الاعتدال (1/ 445)- وغيره، لذا قال الحافظ -كما في تهذيب التهذيب (2/ 162)-: جهالته مرفوعة بكثرة من روى عنه، ومن تكلَّم فيه، والصواب أنه ضعيف. اهـ.
بل أغرب ابن حزم الأندلسي، وذهب بعيدًا حين حكم على الإمام الكبير صاحب الجامع، الترمذي، وأبي القاسم البغوي، وإسماعيل بن محمد الصفار، وأبي العباس الأصم وغيرهم من المشهورين بالجهالة وعدم المعرفة [((الإيصال إلى فهم كتاب الخصل الجامعة لجمل شرائع الإسلام والحلال والحرام والسنة والإجماع)) ذكر الذهبي أنه يقع في 24 مجلدًا، تذكرة الحفاظ (3/ 1147)].
فهل يجهل ابن حزم أقدار هؤلاء الأئمة؟
قال الذهبي في ميزان الاعتدال ( 3/ 678): الحافظ العلم، صاحب الجامع، ثقة مجمع عليه، ولا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم فيه في الفرائض من كتاب ((الإيصال)) إنه مجهول، فإنه ما عرف ولا درى بوجوده ((الجامع والعلل)). اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (9/ 388): وأما أبو محمد بن حزم فإنه نادى على نفسه بعدم الإطلاع، فقال في كتاب الفرائض من ((الإيصال)) محمد بن عيسى بن سورة مجهول، ولا يقولن قائل: لعله ما عرف الترمذي، ولا اطلع على حفظه، ولا على تصانيفه، فإنَّ هذا الرجل قد أطلق هذه العبارة في خلق من المشهورين الثقات الحفاظ. اهـ.
والحق إن المرء ليعجب ويتساءل بماذا ترتفع الجهالة إذًا؟
من هنا لا بد لطالب العلم من معرفة اصطلاحات العلماء، فإنَّ لكل وجهة، وله رؤية واجتهاد خاص به.
ومن هو مجهول عند إمام قد يكون معلومًا عند آخر، فإن مقتضى اصطلاحاتهم: أنَّ الجهالة تبقى صفة ملازمة للراوي، ولو تعدد الرواة عنه عند من ينظر إلى اشتهار الراوي بين العلماء خاصة، وكثرة حديثه، لا مجرد رواية جمع عنه.
ويكون معنى الجهالة عدم شهرة حديثه واشتهاره بين أهل العلم، بدليل أنهم ربما صححوا حديث الرجل برواية واحد عنه، كما هو صنيع البخاري ومسلم فالظاهر والله أعلم أنه لا عبرة بالتعدد قدر ما تكون بالشهرة، ورواية الحفاظ الثقات، ولا يقلل من أهمية العدد، فهو وسيلة لرفع الجهالة إذا كان الراوي من أهل الثقة والدين ولو كان واحدًا، فإنه يسد مسد الجمع الكثير.
هذا. وقد تكلم العلماء في الأسباب المؤدية لجهالة الرواة، ومنها/
كثرة نعوت الراوي، من اسم، أو كنية، أو لقب، أو صفة، أو حرفة، أو نسب، فيشتهر بشيء منها فيذكر بغير ما اشتهر لغرض من الأغراض، فيظن أنه آخر، فيحصل الجهل بحاله.
وربَّما كان الراوي مقلًّا ، فلا يكثر الأخذ عنه. انظر: نزهة النظر (/ 49).
حكم رواية مجهول العين:
-الذي عليه أكثر العلماء، وما ذهب إليه الجمهور من أهل العلم، وهو الصحيح عدم قبول روايته.
ذلك لأنه مبهم لم يسم، أو سمي ولم تعرف عينه.
ولأنه ليس عدلاً، ولا في معناه في حصول الثقة.
وكل هذا يوهن الاطمئنان للمروي.
وقد دل القرآن على المنع من العمل بالظن [الذي هو مرجوح].
قال الله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36].
وقال سبحانه: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].
وقد قام الإجماع على قبول رواية العدل، فكان كالمخصص لذلك العموم، فبقي من ليس بعدل داخلاً تحت العمومات، وأيضًا قد تقرر عدم قبول رواية الفاسق، ومجهول العين، أو الحال يحتمل أن يكو فاسقًا، وأن يكون غير فاسق، ومع هذا الاحتمال لا تقبل روايته، لأن عدم الفسق شرط في قبول الرواية، ووجود الفسق مانع من قبلها، فلا بد من العلم بانتفاء المانع. انظر: إرشاد الفحول (/ 53، 54)، اختصار علوم الحديث (/ 48)، شرح العراقي لألفيته (1/ 324)، فتح الباقي (1/ 324).
-ومن العلماء من قبل روايته وهو مذهب من لم يشترط في الراوي مزيدًا على الإسلام، حتى قال السخاوي في فتح المغيث (1/ 294): وهو لازم كل من ذهب إلى أن رواية العدل بمجردها عن الراوي تعديل له، بل عزا النووي في مقدمة شرح مسلم لكثير من المحققين الاحتجاج به...
وعزاه ابن المواق -عبدالله بن المواق المغربي- إلى الحنفية حيث قال: إنهم لم يفصلوا بين من روى عنه واحد، وبين من روى عنه أكثر من واحد، بل قبلوا رواية المجهول على الإطلاق... اهـ.
وفي هذا نظر، فالواقع أن الحنفية لم يقبلوا روايته بإطلاق، بل قبلوا رواية الصحابي، إذ الجهل به لا يضر، ومن ظهر حديثه في القرون الفاضلة لا بعدها، لاسيما من شهد له السَّلف بصحة الحديث، أو سكتوا عن الطعن فيه؛ لأنه والحالة هذه كالمعروف وإن لم يظهر من السَّلف إلا الرد كان كالمستنكر فلا يقبل.
فتحصل أن للحنفية في حكم المجهول أقوالاً وليس كما قال ابن المواق أنه مقبول بإطلاق.
-ومن العلماء من فصل القول في مجهول العين، وهو المذهب الثالث في المسألة. فيقبل إن كان الراوي عنه من عادته ألا يروي إلا عن ثقة.
وهو مذهب من يكتفي في التعديل بواحد، ومن يرى أن رواية العدل عن غيره تعديل له، وهي مسألة خلافية، وحجتهم في ذلك: أنه لو كان المروي عنه مجروحًا لبينه العدل، وإلا كان غاشًّا.
-كذا إذا كان مشهورًا في غير العلم، فأما الشهرة في العلم مع الثقة والأمانة فهي أولى.
-قال العراقي: يقبل إن زكاه أحد أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه، وإلا فلا. اهـ [فتح المغيث (1/ 295)].
وهذا الأخير اعتمده غير واحد من الأئمة، وهو الذي صححه ابن حجر.
قال الحافظ السخاوي: وخص بعضهم القبول بمن يزكيه مع رواته الواحد أحد من أئمة الجرح والتعديل، واختاره ابن القطان في ((بيان الوهم والإيهام)) [قال الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/ 1407): "طالعت كتابه ((الوهم والإيهام)) الذي وضعه على الأحكام الكبرى لعبدالحق يدل على حفظه وقوة فهمه، لكنه تعنت في أحوال رجال فما أنصف..."] وصححه شيخنا، وعليه تتمشى تخريج الشيخين في صحيحيهما لجماعة أفردهم المؤلف بالتأليف. اهـ.
(2) النوع الثاني:
مجهول الحال/

من جهلت عدالته الظاهرة والباطنة مع كونه معروف العين برواية عدلين عنه -شرح العراقي لألفيته (1/ 328)- وهو والمستور بمعنى واحد عند ابن حجر.
-أقوال العلماء في روايته.
-الجمهور من العلماء على رد روايته؛ لأنه لا بد من خبرة باطنة بحاله، ومعرفة سيرته، وكشف سريرته.
قال الآمدي في الإحكام (2/ 110): مذهب الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأكثر أهل العلم أنَّ مجهول الحال غير مقبول الرواية. اهـ.
وعزاه ابن المواق للمحققين ومنهم أبو حاتم الرازي، قال السخاوي في فتح المغيث (1/ 298): وما حكيناه من صنيعه فيما تقدم يشهد له. اهـ.
ولأنه لا بد من معرفة عدالته، أو تزكيته.
ولأن الفسق مانع باتفاق فلزم تحقق انتفائه كالكفر.
ولأنه لا يستدل بالرواية على العدالة، لاحتمال أن يروي الراوي عن العدل وغيره. قال الشعبي حدثني الحارث الأعور وكان -والله- كذابًا فلم يجز أن يستدل بالرواية على العدالة . انظر: التبصرة في أصول الفقه (/ 339).
إذًا إذا لم يظهر حال الراوي بالاختبار فلا تقبل أخباره لفوات الشرط ولأن قبول روايته يحتاج إلى دليل، والأصل عدمه.
-وقد قبل روايته جماعة من العلماء، وهذا كما تقدم لازم من جعل مجرد رواية العدل عن الراوي تعديلاً له.
قال ابن الصلاح في علوم الحديث (/ 112): وقد يقبل رواية المجهول العدالة من لا يقبل رواية المجهول العين... اهـ.
ولا يخفى بناءً على ما تقدم من مذهب الحنفية لمجهول العين اعتمادًا عى شرط الإسلام، والاكتفاء به فقط في الراوي أنهم يقبلون رواية مجهول الحال من باب أولى. قال الإمام أبو حنيفة: تكفي السلامة من الفسق ظاهرًا. اهـ [منتهى الوصول والأمل (/ 28)].
وبه يقول موافقوه: يكفي في قبول الرواية ظهور الإسلام والسلامة عن الفسق ظاهرًا [نفسه (/ 78)، الإحكام في أصول الأحكام الآمدي (2/ 110)].
الأحناف إذًا على قبول رواية مجهول الحال بناء على أصلهم في أنَّ العدالة في الأصل في الإنسان، والتي تتحقق بمجرد إظهار الإسلام مع السلامة من الفسق الظاهر، ولهم على ذلك أدلة استندوا إليها عند القول بقبول مجهول العين، وأنَّ مجهول الحال أولى.
-قال العراقي: إن كان الراويان أ الرواة عنه فيهم من لا يروي عن غير عدل قبل، وإلا فلا. اهـ [شرح العراقي لألفيته (1/ 328)، فتح المغيث (1/ 298)].
وهذا مذهب ثالث في المسألة، وهو المختار عند جماعة من الأصوليين، أن من لم يروِ إلا عن عدلٍ، كانت روايته تعديلاً له.
وهو مذهب جماعة من أئمة الحديث.
(3) النوع الثالث:
المستور/

ويراد به الذي لم يظهر فيه نقيض العدالة، ولم يتفق البحث الباطن على عدالته.
قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح في علوم الحديث (/ 112): قال بعض أئمتنا: المستور من يكون عدلاً في الظاهر، ولا تعرف عدالته الباطنة. اهـ [قال العراقي: وهذا الذي نقل كلامه أحر ولم يسمه هو "البغوي" فهذا لفظه بحروفه في التهذيب، وتبعه الر افعي. كذا قال السخاوي، شرح العراقي لألفيته (1/ 328)، فتح المغيث (1/ 299)، زاد ثم النووي].
وعند النووي: من عرفت عدالته ظاهرًا لا باطنًا [فتح المغيث (1/ 299)].
ونص عبارته "المستور وهو عدل الظاهر خفي الباطن" [التقريب (/ 44)].
فهو مع عدالة ظاهره لم تتفق كلمة العلماء على عدالة باطنه.
وللعلماء في حكم روايته أقوال تتلخص في:
أ- عدم قبولها. وهو مذهب الإمام الشافعي، وهو الذي سار إليه المعتبرون من الأصوليين للجهل بعدالته.
واستدل لهم إمام الحرمين بقوله -كما في البرهان (1/ 614-615): والمعتمد فيه الرجوع إلى إجماع الصحابة؛ فإنا نعلم منهم بمسلك الاستفاضة والتواتر أهم كانوا لا يقبلون روايات المجان والفسقة، وأصحاب الخلاعة، ولو ناداهم إنسان برواية لم يبتدروا العمل بروايته ما لم يبحثوا عن حالته، ولطَّلعوا على باطن عدالته، ومن ظن أنهم كانوا يعملون برواية كل مجهول الحال فقد ظن محالاً، وظهور ذلك مغنٍ عن تقريرِه، وإذا كنا نتعلق في العمل بالرواية بإجماعهم؛ فإن لم نتحقق إجماعهم على التوقف في العمل برواية المستور: لم نجد متعلقًا نتمسك به في قبول روايته، فكيف وقد استمر لنا قطعًا منهم التوقف في المجهول المستور الحال؟! . اهـ.
ب- قبول روايته، وبه قطع الإمام سليم الرازي -الشافعي- من فقهاء الشافعية ذلك أن الأخبار تنبني على حسن الظن، ثم ولتعسر الخبرة الباطنية على الناقد.
وقد عزا الإماما لنووي القبول لكثير من المحققين.
قال الحافظ السخاوي في فتح المغيث (1/ 199): ومنهم أبو بكر بن فورك، وكذا أبو حنيفة، وابن حبان؛ إذ العدل عنده من لم يعرف فيه جرح. اهـ.
قال الإمام سليم بن أيوب الرازي: لأن أمر الأخبار مبني على حسن الظن بالراوي، ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن، فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر... اهـ [شرح العراقي لألفيته (1/ 328)].
قال الإمام ابن الصلاح بعد نقله هذا الكلام في علوم الحديث (/ 112): ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم، وتعددت الخبرة الباطنة بهم. اهـ. [وانظر: التقييد والإيضاح (/ 145)].
ولأنَّ الناس في أحوالهم على الصلاح والاستقامة، والعدالة ما لم يظهر منهم ما يوجب القدح والجرح.
جـ- التوقف إلى أن يظهر حاله:
وهذا ما رجحه إمام الحرمين -كما في البرهان (1/ 615-616)- قال: والذي أوثره في هذه المسألة ألا نطلق رد رواية المستور ولا قبولها، بل يقال: رواية العدل مقبولة، ورواية الفاسق مردود، ورواية المستور موقوفة إلى استبانة حالته، ولو كنَّا على اعتقاد في حل شيء، فروى لنا مستور تحريمه فالذي أراه وجوب الانكفاف عما كنا نستحله إلى استتمام البحث عن حال الراوي، وهذا هو المعلوم من عادتهم، وشيمهم، وليس ذلك حكمًا منهم بالحظر المترتب على الرواية، وإنما هو توقف في الأمر، فالتوقف عن الإباحة يتضمن الانحجاز وهو في معنى الحظر، فهو إذًا حظر مأخوذ من قاعدة في الشريعة ممهدة: هي التوقف عند بدء ظواهر الأمور إلى استتبابها، فإذا ثبتت العدالة فالحكم بالرواية إذ ذاك، ولو فرض فارض التباس حال الراوي واليأس من البحث عنها بأن يروي المجهول لم يدخل في غماي الناس، ويعسر العثور عليه فهذه مسألة اجتهاديه عندي، والظاهر أنَّ الأمر إذا انتهى إلى اليأس لم يلزم الانكفاف وانقلبت الإباحة كراهية. اهـ.
وقد قال بالتوقف جماعة من العلماء؛ إذ فيه توسُّط واعتدال بين القولين السابقين، القبول والرد.
وإليه ذهب ابن الصلاح فيمن جرح بجرح غير مفسر.
والحافظ ابن حجر إذ قال -كما في نزهة النظر (/ 50)-: مجهول الحال وهو المستور، وقد قبل روايته جماعة بغير قيد، وردها الجمهور، والتحقيق أن رواية المستور ونحوها مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها؛ بل هي موقوفة إلى استبانة حاله... اهـ.
وهذا هو الأرجح للقبول؛ طالما جرت به عادتهم، وطالما أنَّها مسألة اجتهادية تختلف فيها الأنظار والله أعلم.
خلاصة مذهب السادة الحنفية والشافعية:
-قبوله مطلقًا اكتفاءً بشروط الإسلام مع السلامة من الفسق، وبه قطع من الشافعية الإمام سليم، وعزاه النووي لكثير من المحقيين.
-قبوله في القرون الثلاثة الأولى الفاضلة -المشهود لها بالخيرية- حيث كان لاغالب على الناس العدالة، وإليه يشير كلام الخبازي من أئمة الحنفية: والمستور كالفاسق لا يكون خبره حجة في باب الحديث ما لم تظهر عدالته إلا في الصدر الأول؛ لأنَّ العدالة هناك غالبة. اهـ [المغني في أصول الفقه (/ 202)].
-قبوله إذا ظهرت عدالته دون تقييد بعصر.
-عدم قبوله؛ لأنه غير مقبول الشهادة، كالفاسق، وإليه ذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه.
ونصَّ محمد بن الحسن في كتاب ((الاستحسان)) على أن خبره كخبر الفاسق، ووافقه الخبازي، قال: والمستور كالفاسق لا يكون خبره حجة في باب الحديث ما لم تظهر عدالته..
والأصح عندي أن خبره لا يكون حجة؛ لأنه غير مقبولة الشهادة.
كذا السرخسي إذ قال: ما ذكره -محمد بن الحسن- في الاستحسان أصح في زماننا؛ فإن الفسق غالب في أهل هذا الزمان فلا تعتمد رواية المستور ما لم تتبين عدالته، كما مل تعتمد شهادته في القضاء قبل أن تظهرَ عدالته، ولأن في رواية الحديث معنى الإلزام فلا بد من أن يُعتمدَ فيه دليل ملزم وهو العدالة التي تظهر بالتفحص في أحوال الراوي. اهـ [أصول السرخسي (1/ 370)].
-التوقف في روايته حتى يظهر أمره:
أسباب اختلاف الأئمة في رواية المجهول:
يرجع الاختلاف إلى أمر هام طالما وردت الإشارة إليه، هو ما قاله الحافظ السخاوي -كما في فتح المغيث (1/ 300)-: والخلاف مبني على شرط قبول الرواية أهو العلم بالعدالة؟ أو عدم العلم بالمفسق؟. اهـ.
وهذا الأمر ينبني على مثيله؛ أيهما الأصل في الإنسان: العدالة فنعمل بها ما لم تنتقض؟ أو الفسق؟ وهو ما عبر عنه إمام الحرمين بقوله: فإن قالوا: الأصل نقيض المفسق فليطرد قبول الرواة إلى تحقيق الفسق.
قلنا -إماما لحرمين-: هذه دعوى عرية عن البرهان، وهو في التحقيق اقتصار على ترجمة المذهب، فإنا نقول: الرواية قبولها موقوف على ظهور العدالة، وعلى الجملة لسنا نرضى بالتمسك بالتخيلات في مسالك القطعيات. اهـ [البرهان (1/ 617)].
فمن قال بأنَّ الأصل في الإنسان العدالة، وتحقق بإظهار الإسلام مع السلامة من الفسق الظاهر وهم السادة الحنفية ومن وافقهم احتجوا برجحان الصدق على الكذب، فيفيد الظن ويجب الاعتناء به واعتباره وبأن من بلغ من أبناء المسلمين يبلغ عدلاً، إذ لم يكن مكلفًا أيام الصبا.
وبما جاء عن سيدنا عمر رضي الله عنه: (المسلمون عدول بعضهم على بعض).
وبما ثبت من رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال قال: (أتشهد أن لا إله إلا الله - أتشهد أن محمدًا رسول الله) قال: "نعم" قال: (يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدًا) -أخرجه أبو داود في سننه (2/ 302)، والترمذي في سننه (3/ 74)، واللفظ له، والنسائي في سننه (4/ 132)، والخطيب في الكفاية (/ 141)-.
فقبل النبي صلى الله عليه وسلم خبره من غير أن يختبر عدالته بشيء سو ظاهر إسلامه.
ويقرب من هذا ما رواه البخاري رضي الله عنه عن عمر رضي الله عنه قال: إن ناسًا كانوا يأخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءًا لم نأمنه، ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة -الحديث اخرجه البخاري في صحيحه (3/ 221)، وأحمد في مسنده (1/ 11)، والخطيب في الكفاية (/ 136)، واللفظ للبخاري-.
وأيضًا فإن الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعًا قد عملوا بأخبار من تحمل حال صباه وأداه بالغًا، ومن تحمل قبل الإسلام وأداه بعده اعتمادًا على ظاهر الإسلام.
قال الخطيب في الكفاية (/ 142): ويقرب من الاستدلال أيضًا ما روي من قبول الصحابة للأخبار واعتمادهم في اعمل بظاهر الإسلام. اهـ.
ويقابل أصحاب هذا المذهب من قال: بأنَّ الأصل في قبول الرواية ظهور العدالة، وانتفاء الخارم، وهؤلاء رَدُّوا رواية المجهول، كما ردوا ما استدل به أصحاب المذهب الأول.
ومن أدلتهم التي استندوا إليها:
قوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].
وقوله: {إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36].
ففيهما دليل على المنع من العمل بالظن، والظن بالعدالة لا يكفي، وقبول الأخبار دين يدان به فكيف ولا بُد فيه من الاحتياط.
والقول بالاعتماد على الظاهر مردود، فلا نسلم به؛ لأنه ممَّا يستوي فيه صدق المجهول وكذبه ما لم تعرف عدالته.
كما قرَّر العلماء رد خبر الفاسق، والمجهول يحتمل أن يكون كذلك، فلا تُقبل روايته مع هذا الاحتمال.
وأما ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الأعرابي؛ فقد قال الخطيب في الكفاية (/ 141): إن كونه أعرابيًا لا يمنع من كونه عدلاً.
ولا من تقدم معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بعدالته، أو إخبار قوم له بذلك من حاله.
ولعله أن يكون نزل الوحي في ذلك الوقت بتصديقه.
وبالجملة فما نعلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر في قبول خبره على ظاهر إسلامه. اهـ.
وما ورد من قبول الصحابة للأخبار واعتمادهم في العمل بظاهر الإسلام؛
قال الخطيب في الكفاية (/ 142): هذا غير صحيح، ولا نعلم الصحابة قبول خبر أحد إلا بعد اختيار حاله والعلم بسداد واستقامة مذهبه وصلاح طرائقه... ويدلُّ على ذلك إجماع الأمة على أنه لا يكفي في حالة الشهود على ما يقتضي الحقوق إظهار الإسلام دون تأمل أحوال الشهود، واختبارها، وهذا يوجب اختبار حال المخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحال الشهود لجميع الحقوق. اهـ.
ورد الصحابة للعديد من أخبار الآحاد مشهور مستفيض عن كثير منهم، مما شكل منهجًا في قضايا التثبت والتحري، وهذا ثابت عن الخلفاء الأربعة، وغيرهم من الأصحاب الكرام.
-بهذا يظهر حُجَّةِ من قَبِلَ، ورَدِّ من رَدَّ، ومن ثمَّ فَهْم وجهة نظر كل فريق ومستنده فيما يتعلق بأمر المجهول.)) انتهى.

وجاء في كتاب ((قواعد في علوم الحديث)) للعلاّمة المحدِّث الفقيه التهانوي الحنفي، مع تحقيق وتعليق الشيخ عبدالفتاح أبو غدّة:
((ص(167)/
الفصل السابع
في أصول الجرح والتعديل وألفاظِهما وأسبابِ الجرح
____ـــ____​
...
ص(202-209)/
[بيان الجهالة الضارَّة والجهالة غير الضارّة في الراوي]..
10- جهالةُ الصحابي لا تضر صحة الحديث، فإِنهم كُلَّهم عدول، فلا يُحتاج إلى رفع الجهالة عنهم بتعدد الرواة، كذا في ((تدريب الراوي)) (ص 211). وقال الآمِدي في الإحكام (2/ 128): اتفق الجمهور من الأئمَّة على عدالة الصحابة (مطلقاً). اهـ.
[جهالة غير الصحابي على ضربين وبيانهما وحكم كل منهما]..
وأَما جهالةُ غير الصحابي فعلى ضربين: إِما أَن يكون مُبهَمًا أَو غيرَ مبهم:
فالمبهمُ اختُلِفَ في قبول حديثه، والذي ينبغي أَن يكون مذهبنا [يعني الحنفية] قبولُه وإِن أُبهِم بغير لفظ التعديل [الإبهام بلفظ التعديل كقوله: حدثني ثقة. والإبهام بغير لفظ التعديل كقوله: أخبرنش يخ، أو بعضهم، أو فلان، أو ابن فلان، (أو رجل) ولا يسميه باسمه]، ولكن بمثل الشرط الذي اعتبرناه في المرسَل، كذا في ((قفو الأَثر)) ]ص 20 ملخصًا] . وهو أَن يكون من القرون الثلاثة دون ما عداها.
وغيرُ المبهم إِما أَن يكون مجهولَ العينِ والحالِ جميعًا، وسيأْتي حكمه -في ص 206- ، أَو يكون مجهولَ الحال فقط مع كونه معروف العين، أَو يكون عدلَ الظاهر خفيِّ الباطن ويقال له: المستور عندهم، فمذهبُ الشافعي وأَحمد بن حنبل وأَكثرِ أَهل العلم أَن مجهول الحال غيرُ مقبول الرواية، بل لا بد من خِبرةٍ باطنة بحاله. وقال أَبو حنيفة وأَتباعه: يُكتَفَى في قبول الرواية بظهور الإِسلام والسلامةِ عن الفسق ظاهرًا. كذا في ((أُصول الآمِدي)) (2/ 110).
[مجهول الحال على ثلاثة أقسام وبيانها وذكر حكم كلٍ منها]..
وفي ((قُرَّة العين في ضبط أَسماءِ رجال الصحيحين)) [لعبدالغني الحبراني ص 8]: لا يُقبلُ مجهول الحال، وهو على ثلاثة أَقسام:
أحدُها/ مجهول العدالة ظاهرًا وباطنًا، فلا يُقبَل عند الجمهور.
ثانيها/ مجهول العدالة باطنًا لا ظاهرًا، وهو المستور، والمختارُ قبوله، وقَطَعَ به سُلَيم الرازي، وعليه العملُ في أَكثر كتب الحديث المشهورة فيمن تقادم عهدُهم وتعذَّرت معرفتُهم.
ثالثها/ مجهول العين وهو كل من لم يعرفه العلماءُ ولم يُعرف حديثُه إِلا من جهة راوٍ واحدٍ. اهـ.
[قبول رواية المستور وذكر من اختار ذلك من الأئمة]..
وفي مقدمة ((مسند الإِمام الأَعظم)) لبعض الفضلاءِ [هو العلامة المحقق المحدث محمد حسن السنبهلي المتقدم ذكره تعليقًا في ص 109 . والنص المشار إليه هنا هو في مقدمة كتابه العظيم ((تنسيق النظام في مسند الإمام)) ص 68]: قال القسطلاني في ((الإرشاد)): وقَبِلَ المستورَ قومٌ ورجَّح ابنُ الصلاح. وقال ابن حجر في ((شرح النخبة)): وقد قَبِلَ روايتَه جماعةٌ بغير قيد. ونقَلَ عن علي القاري -وهو في كتابه ((شَرح شَرحِ النخبة)) ص 154- أَنه قال: اختار هذا القولَ ابنُ حِبَّان تبعًا للإِمام الأَعظم، إِذ العدل عنده من لا يُعرَف فيه الجرح. قال (أي ابن حبان): والناسُ في أَحوالهم على الصلاح والعدالة، حتى يتبين منهم ما يوجب الجرح، ولم يُكلَّف الناسُ ما غاب عنهم وإِنما كُلِّفوا الحكم بالظاهر. اهـ.
وقال في ((تدريب الراوي)) (ص 210): وروايةُ المستور وهو عدلُ الظاهر مجهولُ العدالة باطنًا: يَحتجُّ بها بعضُ من رَدَّ الأَوَّل [المراد بالأول روايةُ مجهول العدالة ظاهرًا وباطنًا، وهو الذي خلا عن التوثيق وجرَحه بعضُهم جرحًا مبهمًا، وقد ذكرنا حكمه فيما سبق في ص 173 . _كلام التهانوي_]، وهو قول بعض الشافعيين. قال الشيخ ابن الصلاح: ويُشبِهُ أَن يكون العمل على هذا في كثير من كتب الحديث، في جماعة من الرواة تقادَمَ العهدُ بهم وتعذَّرت خِبرتُهم باطنًا، وكذا صحَّحه المصنِّف في ((شرح المهذب)). اهـ.
[في رجال ((الصحيحين)) طائفة كثيرة لم ينص أحد على توثيقهم]..
وقا الذهبي في ((الميزان)) في ترجمة مالك المصري [هو مالك بن الخير الزّبَادي المصري وهو في ((الميزان)) (3/ 426)]: قال ابن القطان: هو ممن لم تَثبت عدالتُه، يريد أَنه ما نَصَّ أَحد على أَنه ثقة. وفي رواة ((الصحيحين)) عدَدٌ كثير ما علمنا أَنَّ أَحدًا نَصَّ على توثيقهم. والجمهورُ على أَنَّ من كان من المشايخ قد رَوى عنه جماعة، لم يأْت بما يُنكَرُ عليه: أَنَّ حديثه صحيح. اهـ.
[الراوي المجهول الحال إذا لم يكن فيه جرح ولا تعديل و... فهو ثقة]..
وفي ((فتح المغيث)) للسخاوي (ص 14) نقلاً عن الحافظ ابن حجر ما نصه: وإِذا لم يكن في الراوي المجهولِ الحال جرحٌ ولا تعديل، وكان كلٌّ من شيخه والراوي عنه ثقة، ولم يأْت بحديث منكَر، فهو ثقة عنده (أَي ابن حبان) [وتقدم ذكر هذا في فاتحة الكتاب ص 21]. وفي ((كتاب الثقات)) كثير ممن هذا حاله، ولأَجل ذلك ربما اعتَرض عليه في جعلِهم ثقاتٍ من لم يَعرف اصطلاحه، ولا اعتراض عليه فإِنه لا يُشاحُّ في ذلك [وقع في ((فتح المغيث)) (لا يشاحح) وفي ((الرفع والتكميل)) (لا تشاحح). أي بالفك فيهما، ووجهُ العربية الإدغام كما أثبته. _كلام عبدالفتاح_]. اهـ [من ((الرفع والتكميل)) ص 208]. وذكَر مثلَه في ((تدريب الراوي)) (ص 53).
ولعلك علمتَ بهذا موافقةَ كثير من المحدثين لأَبي حنيفة في قبول رواية المستور، فتنبه له.
[بيان ما ترتفع به جهالة العين عن الراوي عند المحدثين والحنفية]..
ومدارُ جهالةِ العين ومعرفتِها عند المحدثين على الرواة عنه، فمن رَوى عنه واحد فقط فهو مجهول العين عندهم، ومن رَوى عنه عدلان صار معروفًا وارتفَعَتْ جهالةُ عينه كما في ((تدريب الراوي)) (ص 211). وعندنا على كثرةِ الرواية وقِلَّتِها كما سيأْتي [قريبًا].
[حكم رواية مجهول العين عند المحدثين وذكر الأقوال فيها]..
ثم اعلم أَن مجهول العين وهو الذي رَوى عنه واحد، ليس بمردود الرواية عند المحدثين تفاقًا بل فيه اختلاف، فقيل: لا يُقبل مطلقاً، وقيل: يقبل مطلقًا، وهو قول من لا يشترط في الراوي مزيدًا على الإِسلام، وقيل: إِن تفرَّد بالرواية عنه من لا يروي إِلا عن عدل -كابن مهدي ويحيى بن سعيد- قُبِلَ وإِلا فلا، وقيل: إِن كان مشهوراً في غير العلم بالزهد أَو النجدة قُبِلَ وإِلا فلا، واختاره ابن عبدالبر، وقيل: إِن زكَّاه أَحد من أَئمة الجرح والتعديل مع رواية واحِدٍ عنه قُبِلَ وإِلا فلا، واختاره أَبو الحسن ابن القطان، وصحَّحه شيخ الإسلام -أَي الحافظ ابن حجر- كذا في ((تدريب الراوي)) (ص 210-211).
[حكم رواية مجهول العين عند الحنفية وتفصيل الأقوال فيه]..
وأَما عندنا فوَحْدَةُ الراوي عنه ليس بجرح، صرَّح به في ((مسلَّم الثبوت)) وشرحه ((فواتح الرحموت)) (2/ 149).
والمجهولُ -أَي مجهولُ العين- عندنا هو من لم يُعرَف إِلا بحديث أَو حديثين وجُهِلَتْ عدالتُه، سواءٌ انفرد بالرواية عنه واحد أَم روى عنه اثنان فصاعدًا، فحكمُه أَن هذا المجهول إِن كان صحابيًا فلا يضر جهالته كما مرَّ [أول هذا المقطع ص 202]، وإِن كان غيرَه: فإِما أَن يظهر حديثه في القرن الثاني أَو لا، فإِن لم يظهر جاز العمل به في الثالث لا بعده، وإِن ظهر فإِن شَهد له السلفُ بصحة الحديث أَو سكتوا عن الطعن فيه قُبِل، أَو رَدُّوه رُدَّ، أَو قَبِلَهُ البعض وردَّه البعض مع نقل الثقات عنه، فإِن وافق حديثُه قياسًا مَّا قُبِلَ وإِلا رُدَّ. كذا في ((قفو الأَثر)) (ص 20) -مع تغيير يسير في التعبير-.
وإِذا كان -الراوي- معروف الرواية والعدالة قُبِلَ مطلقًا: سواءٌ عُرِفَ بالفقه أَو لا، وسواءٌ وافق حديثُه قياسًا مذَا أَو لا، وسواءٌ رَوى عنه واحد أَو اثنان فصاعدًا، والتفرقةُ بين المعروف بالفقه والمعروف بالعدالة مذهبُ عيسى بن أَبان، وأَما عند الكرخي ومن تابعه من أَصحابنا فليس فقهُ الراوي شرطًا لتقدم الحديث على القياس، بل خبرُ كل عدل مقدَّم على القياس إِذا لم يكن مخالفًا للكتاب والسنة المشهورة. كذا ((نور الأَنوار)) (ص 180).
[حكم رواية المستور عند الحنفية وما فيها من تفصيل]..
واختلفت كلمةُ أَصحابنا في المستور، فيُعلَم من كلام الآمِدي وعلي القاري -المذكور آنفًا- قبولُه عندا مطلقًا. وقال في ((قفو الأَثر)) (ص 20): وأَما المستور وهو عندنا من كان عدلًا في الظاهر [بأن لم يجرحه أحد جرحًا مفسّرًا. _كلام التهانوي_] ولم تُعرف عدالته في الباطن، سواءٌ انفرد بالرواية عنه واحد أَم روى عنه اثنان فصاعدًا، فحكمُ حديثه الانقطاعُ الباطنُ وعدمُ القبول إِلا في الصدر الأَول. اهـ. أَي القرون الثلاثة المشهود لها بالخير، كما صرَّح به في باب الانقطاع [أي في ((قفو الأثر)) في ص 15].
ونَقَلَه [أي العلامةُ النسبهلي في ((تنسيق النظام في مسند الإمام))] في مقدمة ((مسند الإِمام)) (ص 68) عن القاري أَيضًا حيث قال: والثامن عشر ما نُقِلَ عنه -أي عن الإمام أبي حنيفة- ، وحاصلُ الخلاف [أي بين أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد في (المستور) كما في ((شرح شرح النخبة)) لعلي القاري ص 155] أَن المستور من الصحابة والتابعين وأَتباعهم يُقبل، بشهادته صلى الله عليه وسلم لهم بقوله (خيرُ القرون قَرْني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) [هو في ((الصحيحين)) بنحو هذا اللفظ عن عبدالله بن مسعود مرفوعًا: _واللفظ للبخاري_ (خيرُ الناسِ قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادةُ أحدهم يمينَه، ويمينُه شهادته). رواه البخاري في (كتاب الشهادات) 5/ 191 ، ومسلم في (فضائل الصحابة) 16/ 81]. وغيرهم لا يُقبل إِلا بتوثيق، وهو تفصيل حسن. اهـ.
والذي ظهر لي من كلام فقهائنا أَن المراد بقبول رواية المستور من غير الصحابة عندهم هو جَوَازُ العمل بها دون الوجوب، وكذا مجهول العين من غيرهم، والله أعلم.
... [إلى آخر الفصل])) انتهى.

هذا ما تيسَّر تحريره، والله أعلم.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الحَنَفِيَّةِ - فِي ’’رِوَايَةِ المَجْهُولِ‘‘

موضوع مفيد وثري
ليت ياأستاذ قسمته إلى أقسام لتسهل علينا قراءته على أجزاء
وجزاك الله خيراً
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الحَنَفِيَّةِ - فِي ’’رِوَايَةِ المَجْهُولِ‘‘

موضوع مفيد وثري
ليت ياأستاذ قسمته إلى أقسام لتسهل علينا قراءته على أجزاء
وجزاك الله خيراً
وجزاكِ الله خيرًا.
سأحاول إن شاء الله.

والله الموفق.
 

مها الدالاتي

:: متابع ::
إنضم
19 مارس 2014
المشاركات
16
الكنية
أم الأدهم
التخصص
أدبي
المدينة
حمص
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الحَنَفِيَّةِ - فِي ’’رِوَايَةِ المَجْهُولِ‘‘

​أحسنت أحسن الله إليك
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الحَنَفِيَّةِ - فِي ’’رِوَايَةِ المَجْهُولِ‘‘

السلام عليكم

وجاء في كتاب ((الموازنة بين منهج الحنفية ومنهج المحدثين في قبول الأحاديث وردها)) لمؤلفه الأستاذ عدنان علي الخضر (198-203) ما يلي:
((ثانيًا _ المجهول عند الحنفية:
المسألة الأولى _ مفهوم المجهول عند الحنفية:
المجهول عند الحنفية هو الراوي الذي لم يُعرف إلا من خلال روايته حديثاً أو حديثين [ينظر: أصول السرخسي (1/ 356)]؛ أي: لم تُعرف عدالته ولا ضبطُه [ينظر: كشف الأسرار، للنسفي (2/ 29)]، وإنما عُرِف اسمه من خلال نقله لهذا الحديث أو هذين الحديثين، وقد أشار عبدالعزيز البخاري إلى ذلك بقوله: "المجهول غير معلوم الذات والحال لأن معرفته بالحديث الذي رواه" [كشف الأسرار، للبخاري (2/ 585)]، وقال الكاكي الحنفي: "المجهولُ: مَنْ لم يُعرَف ذاته _أي شخصه أو عينه_ إلا بروايةِ الحديث الذي رواه، ولم يُعرف عدالتُه، ولا فسقُه" [جامع الأسرار، للكاكي (3/ 678)].
وأما الراوي الذي تفرد برواية حديث أو حديثين، وكان معلومَ العدالة والضبط، فلا يضرُّ تَفرُّدُه به، إذ العبرة بثقة الناقل، وقد تحققت، قال السعد التفتازاني: "معلوم العدالة والضبط لا بأس بكونه منفرداً بحديثٍ أو حديثين" [التلويح إلى كشف حقائق التنقيح، للتفتازاني (2/ 13)].
المسألة الثانية _ حكمُ رواية المجهول عند الحنفية:
المجهول عند الحنفية إما أن يكون من أهل القرون الثلاثة، وإما أن يكون ممن بعدهم، ويختلف حكم روايته تبعاً لذلك. وقبل بيان حكمها لا بد من بيان مفهوم القرن عندهم:
القرن في اللغة: جمع شيء إلى شيء [ينظر: مادة (قرن) في مقاييس اللغة، لابن فارس (5/ 76)]، قال الأزهري:
"قال أبو إسحاق (الزجاج): قيل: القرن ثمانون سنة، وقيل: سبعون قال: والذي يقع عندي، والله أعلم، أنَّ القَرْن أهلُ كُلِّ مُدَّةٍ كان فيها نَبِيٌّ، أو كان فيها طبقةٌ مِن أهلِ العِلم قَلَّت السِّنُونَ أو كثُرت، والدليل على هذا قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: "خيرُكم قَرْني (بمعنى أصحابي)، ثم الذين يلونهم (بمعنى التابعين)، ثم الذين يَلُونَهم (بمعنى الذي أخذوا عن التابعين)"، قال: وجائزٌ أن يكون القَرْن لجُمْلَةِ الأمة، وهؤلاء قُرُونٌ فيها، وإنما اشتقاق القَرْن مِن الاقتران، فتأويله أنَّ القَرْن الذين كانوا مقتَرِنين في ذلك الوقت والذين يأتون مِن بَعدهم ذَوُو اقترانٍ آخر". [ينظر: مادة (قرن) في تهذيب اللغة، للأزهري (9/ 84)].
ومن خلال النظر في استعمالات الحنفية لمصطلح القرن، يمكن القول: إن مفهوم القرن عندهم لا يخرج عن هذا الذي ذهب إليه الزجاج، واعتمده الأزهري، والدليل على ذلك قول صدر الشريعة المحبوبي في أثناء حديثه عن حكم حديث المجهول: "القرن الأول: الصحابة، والثاني: التابعون، والثالث: تبع التابعين" [التوضيح في حل غواض التنقيح، للمحبوبي (2/ 11)]. ويؤكده قول فخر الدين الزيلعي:
"كان (أبو حنيفة) في القرن الثالث؛ وهم ناسٌ شهِدَ لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالخيرِ والصلاحِ بقولِه عليه الصلاةُ والسلام: (خير القرون قرني الذي أنا فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى يحلف الرجل قبل أن يستحلف، ويشهد قبل أن يستشهد)... وهما (أي أبو يوسف ومحمد) كانا في القرن الرابع". [تبيين الحقائق، للزيليعي (4/ 211)، وينظر أيضًا: أحكام القرآن، للجصاص (2/ 238)، والمبسوط للسرخسي (16/ 88)].
وبناء على هذا، يقول الحنفية [ينظر: تقويم أصول الفقه، للدبوسي (1/ 415-418)، وأصول السرخسي (1/ 354، وما بعدها)، وكشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، لعبدالعزيز البخاري (2/ 713-720)، وجامع الأسرار، للكاكي (3/ 678، وما بعدها)، والتلويح إلى كشف حقائق التنقيح، للتفتازاني (2/ 13)، وكشف الأسرار، للنسفي (2/ 23)]:
إذا كان المجهول ممن بعد القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية والصلاح؛ أي من القرن الرابع فما بعده، فروايته مردودة لا يجوز العمل بها؛ لغلبة الفسق، وانتشار الكذب. ومن المعلوم أن العدالة شرط لقبول الرواية، والعمل بها، ولم تتحقق في المجهول من أهل القرن الرابع فما بعده.
وأما المجهول من أهل القرون الثلاثة: فيختلف حكم روايته على حسب القرائن المحيطة بها، ويمكن تصنيف ذلك في ثلاثة أحكام:
الأول _ المجهول الذي يجب قبول روايته:
ويرى الحنفيةُ أنه يجب قبول رواية المجهول في إحدى الحالات الآتية:
الحالة الأولى: إذا اشتهر [استخدم وصف (الشهرة) جميع مصادر أصول الحنفية السابقة] اسم المجهول بسبب رواية السلف عنه، وعملهم بروايته. ففي هذه الحالة يجب العمل برواية هذا المجهول؛ لأنه لما جوَّزَ السلف النقل عنه، والعمل بروايته، صار بمنزلة المعروفين في الرواية؛ لأن السلف ما كانوا مُتَّهمين بالتقصير في أمر الدين، وما كانوا يقبلون الحديث حتى يصحَّ عندهم أنه مرويٌّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك فإما أن يكون قبولهم روايته لعلمِهم بعدالته، وحسن ضبطه، وإما لأنه موافقٌ لما عندهم مما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من بعض من روى عنه.
الحالة الثانية: إذا اشتهر اسم المجهول بسبب شهرة روايته، ويسكتُ فقهاء السلف عن الطعن فيه أو في روايته. فروايته في هذه الحالة يجب قبولها؛ لأن سكوت السلف عن الطعن فيه أو في روايته لا يمكن حملُه إلا على وجه الرضا بالمسموع؛ لأنهم لا يُتهمون بالتقصير في أمر الدين، كما تقدم في الحالة الأولى، فيكون سكوتهم ٌرارًا يجب الأخذ به.
الحالة الثالثة: إذا اختلف السلف في قبول حديث المجهول الذي نقله الرواة الثقات عنه. فالأصح: أنه يجب قبول روايته عند الحنفية أيضًا؛ لأنه لما قبله بعض الفقهاء المشهورين صار كأنه رواه بنفسه.
الثاني _ المجهول الذي يجب ردُّ روايته:
وهو المجهول الذي طعن السلف، بلا خلاف بينهم، في روايته، ولم يعملوا بها. وقد سمى الحنفية حديث المجهول في هذه الحالة: المنكر أو المستَنكَر، وفي ذلك يقول عبدالعزيز البخاري: "وسمى هذا النوع مُنكَرًا ومستَنْكَرًا" [كشف الأسرار، للبخاري (2/ 564)].
الثالث _ المجهول الذي يجوز العمل بروايته، ولا يجب:
وهو المجهول الذي لم تظهر روايته بين السلف قبولاً أو عملاً أو طعنًا، ويُسمى الحنفية هذا النوع من المجاهيل: المستور، وقد اختلفوا فيه على قولين:
أولًا: ذهب أبو حنيفة في رواية الحسن بن زياد، إلى جواز العمل برواية هذا المجهول، دون الوجوب.
ثانيًا: ذهب الصاحبان أبو يوسف ومحمد إلى عدم جواز قبول رواية هذا المجهول، وقد رجح هذا القول غير واحدٍ من الحنفية. قال الكاكي: "فأما رواية مثل هذا المجهول في زماننا، فلا تقبل ما لم يتأيد بقبول العُدولِ؛ لغلبة الفسق على أهل الزمان" [جامع الأسرار، للكاكي (3/ 685)]؛ يقصد أهل زمانه.
وقد رأى الحنفية أن هذا الاختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، إنما هو اختلاف عصرٍ وزمان وليس اختلافَ حُجَّةٍ وبرهان، فأبو حنيفة كان في زمانٍ الغالبُ على أهلِه العدالةُ، كما قال عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فباعتبار الظاهر يترجح جانبُ الصدق في خبره، وباعتبار أنه لم تشتهر روايته في السلف، تتمكن تهمة الكذب فيه، ومن هنا قال يجوز العمل به، إذا وافق الأصول الشرعية على وجه تحسين الظن به، ولكن لا يجب العمل به؛ لأن الوجوب الشرعي لا يثبت بمثل هذا الطريق الضعيف، ولهذا أيضًا جوز أبو حنيفة القضاء بشهادة المستور، ولم يوجب على القاضي القضاء بها؛ لأنه كان في القرن الثالث، والغالب على أهله الصدق.
وأما صاحبا أبي حنيفة؛ أبو يوسف ومحمد فذهبا إلى ردِّ روايةِ المستور؛ لأن الفِسقَ غلبَ على أهل ذلك الزمان بعد القرن الثالث، ومن أجل هذا لم يجوز أبو يوسف ومحمد القضاء بشهادة المستور قبل ظهور عدالته. [ينظر: أصول السرخسي (1/ 356)، وكشف الأسرار، للبخاري (2/ 719)].
***)) انتهى.

هذا، والله أعلم.
 
أعلى