العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل شاء الله كوناً أن يعصيه إبليس ؟

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

عمر محمد علي

:: متفاعل ::
إنضم
15 مارس 2013
المشاركات
319
التخصص
القانون
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
عاميّ
السلام عليكم
بهذا العنوان الواضح أعلاه فتح أحد الإخوة - لا أعرف معتقده وإلى أي فرقة ينتمي حتى الآن لأن ظاهر كلامه الاعتزال لكن يستشهد بكلام لابن القيم - موضوع في المنتديات الأخرى وقال كلاماً غريباً عن عقيدة السلف الصالح
فأرجو منكم مساعدتي فيما أعجز فيه وهو:
ذكر أقوال ابن تيمية وابن القيم تحديداً وغيره من العلماء في هذه القضية لأني أجهل كيفية البحث في هذه الأمور رغم وجود موسوعة مؤلفات ابن تيمية الإلكترونية على جهازي
لكن كلمة " إبليس " أو " السجود " لو أدخلتها في خانة البحث يخرج لي نتائج كثيرة جداً أرجو المساعدة

وما كنت قد قلته له ولم يقتنع أن الله أراد كوناً ألا يسجد إبليس لكنه أراد شرعاً أن يسجد، والمخلوق يمكن أن يخالف الإرادة الشرعية - فيُعاقَب على ذلك - أو يوافقها - فيُثاب - لكن لا يمكن له مخالفة الإرادة الكونية التي هي " المشيئة "
فقال لي أن هذا الكلام يؤدي إلى وصف الله بالظلم وأن العدل ألا يكون قَدّر على إبليس العصيان وإلا لكانت له الحجة، لكنه أراد فتنته واختباره ولم يُرد كوناً ألا يسجد
فقلت له أن ظاهر كلامه يوافق عقيدة المعتزلة
فقال لي " دعك من هذه الصفات والاتهامات التي تؤدي للشحناء "
وقال أيضاً:
" قال تعالى "مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا"(النساء: 147)
فالعذاب إذاً مقرون بعدم (الشكر والإيمان) وعليهما مدار المسؤولية، وليس إلزام أبدي وجبر لا مسؤولية للإنسان فيه.
ولأن الله تعالى علم ما سيقع من العبد، كتبه عليه في اللوح المحفوظ، وبكتابته أصبح قدراً محتوماَ.

ولا أجد في القرآن، وما يلحق به من سنة تُفهم في إطاره، ما يمنع من هذا الفهم، والذي يتفق تماماَ مع معنى الآية أعلاه. وتصبح الاية بذلك دليلاً وعلماً على مسألة القدر. كما وأن هذا الفهم هو الذي يتسق مع عدل الله، الأبدي الأزلي، وأنه لا يظلم أحدا "وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ"(فصلت:46)

ومن يقول غير ذلك يجعل للعصاة حجة، ويجعل للشيطان حجة حين وضع أحد الناس على لسانه قوله: [قدَّر علىَّ ما شاء..فلن أَطِق أن أشاء..ولو شاء لردَّنى لما شاء..وهدانى لما شاء ..ولكن شاء ان اكون كما شاء]،
ومعاذ الله أن يكون لأحد على الله حجة. "
واستدل بقول في لسان العرب لابن منظور وكلام لابن تيمية
انظر مادة (ق د ر)
[قول أَهل السنَّة: إِن علم الله سبق في البشر، فَعَلِم كُفْرَ مَن كَفَر منهم، كما عَلِم إِيمان مَن آمن، فأَثبت علمه السابق في الخلق وكتبه، وكلُّ ميسر لما خلق له وكُتب عليه. قال أَبو منصور: وتقدير الله الخلق تيسيره كلاًّ منهم لما علم أَنهم صائرون إِليه من السعادة والشقاء، وذلك أَنه علم منهم قبل خلقه إِياهم، فكتب علمه الأَزليّ السابق فيهم وقَدَّره تقديراً.]

وقال أيضاً

ومما يدعم مقصدي من افتراق [العلم المكتوب] عن (مجرد العلم) وأنه[أي: العلم المكتوب] هو المرشح الأول لفهم (القدر)، ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسيره لـلقسم بـ (القلم) في سورة (القلم)، قال:
[إن القلم به يكون الكتاب، الساطر للكلام، المتضمن للأمر والنهي والإرادة، والعلم المحيط بكل شيء، فالإقسام وقع بقلم التقدير ومسطوره، فتضمن أمرين عظيمين تُنَاسِب المقْسَم عليه :
أحدهما : الإحاطة بالحوادث قبل كونها، وأن من علم بالشيء قبل كونه أبلغ ممن علمه بعد كونه، فإخباره عنه أحكم وأصدق.
الثاني : أن حصوله في الكتابة والتقدير يتضمن حصوله في الكلام والقول والعلم من غير عكس؛ فإقسامه بآخر المراتب العلمية يتضمن أولها من غير عكس، وذلك غاية المعرفة واستقرار العلم إذا صار مكتوبا . فليس كل معلوم مقولا، ولا كل مقول مكتوبا، وهذا يبين لك حكمة الإخبار عن القدر السابق بالكتاب دون الكلام فقط، أو دون العلم فقط.](مجموع الفتاوى، التفسير، سورة القلم، جزء 16/ ص 62)

وأخيراً قال:
" وعلى ذلك: أرى أن الإجابة الأشبه بالحق، هي:
أن الله تعالى شاء فتنة إبليس، ووقع إبليس في الفتنة وعصى.
بمعنى أن الله تعالى يسر لأبليس العصيان إن وقع في الفتنة، كما يسر له الطاعة إن لم يقع فيها.
أي أن الطاعة والعصيان كانا مخلوقين جميعاً من الله، اختار إبليس منهما العصيان، فكتبه الله عليه (قدراً) لِما علم من إصراره عليه.

والنتيجة أنه لا يجوز الإجابة بنعم واحدة، كما لا يجوز الإجابة بلا واحدة.
وتكون الإجابة الصحيحة هي نعم عن الجزء الأول بما ينسب مشيئة الفتنة لله تعالى،
ونعم عن الجزء الثاني بما ينسب مشيئة (أي الرغبة والإصرار في) عين العصيان لإبليس؟

وبهذه النتيجة يثبت لله أنه خالق كل شيء، وأنه العدل، وأنه لا ظلم عنده. ويثبت لإبليس الفسوق عن أمر الله، واختيار العصيان من بين الاختيارين المتاحين له.
"

هل يمكن مساعدتي في الإتيان بكلام ابن تيمية وابن القيم في هذا الموضوع ؟؟
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: هل شاء الله كوناً أن يعصيه إبليس ؟

أعتقد أنه لا فرق بين إبليس وغيره في هذه المسألة
فإبليس كغيره من المكلفين من الإنس والجن مأمورون بالطاعة

والله أعلم


مجموع الفتاوى لابن تيمية:


قال شيخ الإسلام ( فصل ) قد ذكرت في غير موضع أن القدرية " ثلاثة أصناف " : " قدرية مشركية " و " قدرية مجوسية " و " قدرية إبليسية " .

فأما الأولون فهم الذين اعترفوا بالقضاء والقدر وزعموا أن ذلك يوافق الأمر والنهي ، وقالوا : { لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } إلى آخر الكلام في سورة الأنعام .

{ لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء }
في سورة النحل وفي سورة الزخرف { وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم } . فهؤلاء يئول أمرهم إلى تعطيل الشرائع والأمر والنهي مع الاعتراف بالربوبية العامة لكل مخلوق وأنه ما من دابة إلا ربي آخذ بناصيتها ، وهو الذي يبتلي به كثيرا - إما اعتقادا وإما حالا - طوائف من الصوفية والفقراء حتى يخرج من يخرج منهم إلى الإباحة للمحرمات وإسقاط الواجبات ورفع [ ص: 257 ] العقوبات وإن كان ذلك لا يستتب لهم وإنما يفعلونه عند موافقة أهوائهم كفعل المشركين من العرب ثم إذا خولف هوى أحد منهم قام في دفع ذلك متعديا للحدود غير واقف عند حد كما كانت تفعل المشركون أيضا .

إذ هذه الطريقة تتناقض عند تعارض إرادات البشر . فهذا يريد أمرا والآخر يريد ضده ، وكل من الإرادتين مقدرة فلا بد من ترجيح إحداهما أو غيرهما أو كل منهما من وجه وإلا لزم الفساد . وقد يغلو أصحاب هذا الطريق حتى يجعلوا عين الموجودات هي الله كما قد ذكر في غير هذا الموضع . ويتمسكون بموافقة الإرادة القدرية في السيئات الواقعة منهم ومن غيرهم كقول الحريري : أنا كافر برب يعصى ، وقول بعض أصحابه لما دعاه مكاس فقيل له هو مكاس فقال : إن كان قد عصى الأمر فقد أطاع الإرادة وقول ابن إسرائيل :
أصبحت منفعلا لما يختاره مني ففعلي كله طاعات
وقد يسمون هذا حقيقة باعتبار أنه حقيقة الربوبية ، والحقيقة الموجودة الكائنة أو الحقيقة الخبرية ولما كان في هؤلاء شوب من النصارى والنصارى فيهم شوب من الشرك تابعوا المشركين في ما كانوا عليه من التمسك بالقدر المخالف للشرع .

هذا مع أنهم يعبدون غير الله الذي قدر الكائنات كما أن هؤلاء فيهم شوب من ذلك [ ص: 258 ] وإذا اتسع زنادقتهم الذين هم رؤساؤهم قالوا : ما نعبد إلا الله إذ لا موجود غيره . وقال رئيس لهم إنما كفر النصارى لأنهم خصصوا فيشرعون عبادة كل موجود بهذا الاعتبار ويقررون ما كان عليه المشركون من عبادة الأوثان والأحجار ; لكنهم يستقصرونهم حيث خصصوا العبادة ببعض المظاهر والأعيان .

ومعلوم أن هذا حاصل في جميع المشركين ; فإنهم متفننون في الآلهة التي يعبدونها وإن اشتركوا في الشرك ; هذا يعبد الشمس ، وهذا يعبد القمر ، وهذا يعبد اللات ، وهذا يعبد العزى وهذا يعبد مناة الثالثة الأخرى ، فكل منهم يتخذ إلهه هواه ويعبد ما يستحسن ، وكذلك في عبادة قبور البشر كل يعلق على تمثال من أحسن به الظن . و " القدرية الثانية " المجوسية : الذين يجعلون لله شركاء في خلقه كما جعل الأولون لله شركاء في عبادته . فيقولون : خالق الخير ، غير خالق الشر ، ويقول من كان منهم في ملتنا : إن الذنوب الواقعة ليست واقعة بمشيئة الله تعالى ، وربما قالوا : ولا يعلمها أيضا ويقولون : إن جميع أفعال الحيوان واقع بغير قدرته ولا صنعه فيجحدون مشيئته النافذة وقدرته الشاملة ; ولهذا قال ابن عباس : القدر نظام التوحيد فمن وحد الله وآمن بالقدر تم توحيده ومن وحد الله وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده .

ويزعمون أن هذا هو العدل ويضمون إلى ذلك سلب الصفات ، ويسمونه التوحيد كما يسمي الأولون التلحيد التوحيد فيلحد كل منهما في أسماء الله وصفاته وهذا يقع كثيرا إما اعتقادا وإما [ ص: 259 ] حالا في كثير من المتفقهة والمتكلمة . كما وقع اعتقاد ذلك في المعتزلة ، والشيعة المتأخرين وابتلي ببعض ذلك طوائف من المتقدمين من البصريين والشاميين وقد يبتلى به حالا لا اعتقادا بعض من يغلب عليه تعظيم الأمر والنهي من غير ملاحظة للقضاء والقدر .

ولما بين الطائفتين من التنافي تجد المعتزلة أبعد الناس عن الصوفية ويميلون إلى اليهود وينفرون عن النصارى ويجعلون إثبات الصفات هو قول النصارى بالأقانيم ولهذا تجدهم يذمون النصارى أكثر كما يفعل الجاحظ وغيره كما أن الأولين يميلون إلى النصارى أكثر .

ولهذا كان هؤلاء في الحروف والكلام المبتدع كما كان الأولون في الأصوات والعمل المبتدع كما اقتسم ذلك اليهود والنصارى ; واليهود غالبهم قدرية بهذا الاعتبار ; فإنهم أصحاب شريعة وهم معرضون عن الحقيقة القدرية .

ولهذا تجد أرباب الحروف والكلام المبتدع كالمعتزلة يوجبون طريقتهم ويحرمون ما سواها ويعتقدون أن العقوبة الشديدة لاحقة من خالفها حتى إنهم يقولون : بتخليد فساق أهل الملل ويكفرون من خرج عنهم من فرق الأمة وهذا التشديد والآصار والأغلال شبه دين اليهود . وتجد أرباب الصوت والعمل المبتدع لا يوجبون ولا يحرمون ; وإنما يستحبون ويكرهون فيعظمون طريقهم ويفضلونه ويرغبون فيه حتى يرفعوه [ ص: 260 ] فوق قدره بدرجات .

فطريقهم رغبة بلا رهبة إلا قليلا كما أن الأول رهبة في الغالب برغبة يسيرة وهذا يشبه ما عليه النصارى من الغلو في العبادات التي يفعلونها مع انحلالهم من الإيجاب والاستحباب لكنهم يتعبدون بعبادات كثيرة ويبقون أزمانا كثيرة على سبيل الاستحباب . والفلاسفة يغلب عليهم هذا الطريق كما أن المتكلمين يغلب عليهم الطريق الأول .

و ( القسم الثالث : القدرية الإبليسيةالذين صدقوا بأن الله صدر عنه الأمران . لكن عندهم هذا تناقض وهم خصماء الله كما جاء في الحديث . وهؤلاء كثير في أهل الأقوال والأفعال من سفهاء الشعراء ونحوهم من الزنادقة كقول أبي العلاء المعري .
أنهيت عن قتل النفوس تعمدا وزعمت أن لها معادا آتيا
ما كان أغناها عن الحالين
.

وقول بعض السفهاء الزنادقة : يخلق نجوما ويخلق بينها أقمارا . يقول يا قوم غضوا عنهم الأبصار . ترمي النسوان وتزعق معشر الحضار . اطفوا الحريق وبيدك قد رميت النار . ونحو ذلك مما يوجب كفر صاحبه وقتله . [ ص: 261 ] فتدبر كيف كانت الملل الصحيحة الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئون ليس فيها في الأصل قدرية ; وإنما حدثت القدرية من الملتين الباطلتين : المجوس والذين أشركوا . لكن النصارى ومن ضارعهم مالوا إلى الصابئة واليهود ومن ضارعهم .

مسألة: الجزء الثامن التحليل الموضوعي
[ ص: 262 ] سئل شيخ الإسلام مفتي الأنام بقية السلف : أبو العباس أحمد ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عن أقوام يحتجون بسابق القدر . ويقولون : إنه قد مضى الأمر والشقي شقي ، والسعيد سعيد محتجين بقول الله سبحانه : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } قائلين بأن الله قدر الخير والشر والزنا مكتوب علينا ، وما لنا في الأفعال قدرة وإنما القدرة لله ونحن نتوقى ما كتب لنا وأن آدم ما عصى وأن من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم { من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة . وإن زنى وإن سرق } فبينوا لنا فساد قول هذه الطائفة بالبراهين القاطعة ؟ .
الحاشية رقم: 1
فأجاب : - رحمه الله تعالى - الحمد لله رب العالمين : هؤلاء القوم إذا أصروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى ; فإن اليهود والنصارى يؤمنون بالأمر والنهي والوعد والوعيد والثواب والعقاب لكن حرفوا وبدلوا وآمنوا ببعض وكفروا ببعض .

كما قال الله تعالى : { إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا } { أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا } { والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما }

.
فإذا كان من آمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر حقا فكيف بمن كفر بالجميع . ولم يقر بأمر الله ونهيه ووعده ووعيده ; بل ترك ذلك محتجا بالقدر فهو أكفر ممن آمن ببعض وكفر ببعض . وقول هؤلاء يظهر بطلانه من وجوه : ( أحدها : أن الواحد من هؤلاء إما أن يرى القدر حجة للعبد ، وإما أن لا يراه حجة للعبد فإن كان القدر حجة للعبد فهو حجة لجميع الناس فإنهم كلهم مشتركون في القدر وحينئذ فيلزم أن لا ينكر على من يظلمه ويشتمه ويأخذ ماله ويفسد حريمه ويضرب عنقه ، ويهلك الحرث والنسل وهؤلاء جميعهم كذابون متناقضون ; فإن أحدهم لا يزال يذم هذا ويبغض هذا ويخالف هذا حتى إن الذي ينكر عليهم يبغضونه ويعادونه وينكرون عليه فإن كان القدر حجة لمن فعل المحرمات وترك الواجبات لزمهم أن لا يذموا أحدا ولا يبغضوا أحدا ولا يقولوا في أحد : إنه ظالم ولو فعل ما فعل .

ومعلوم أن هذا لا يمكن أحدا فعله ولو فعل الناس هذا لهلك العالم فتبين أن قولهم فاسد في العقل كما أنه كفر في الشرع وأنهم كذابون مفترون في قولهم : إن القدر حجة للعبد . ( الوجه الثاني : إن هذا يلزم منه أن يكون إبليس وفرعون وقوم نوح [ ص: 264 ] وعاد وكل من أهلكه الله بذنوبه معذورا وهذا من الكفر الذي اتفق عليه أرباب الملل .

(
الوجه الثالث ) : أن هذا يلزم منه أن لا يفرق بين أولياء الله وأعداء الله ولا بين المؤمنين والكفار ولا أهل الجنة وأهل النار . وقد قال تعالى : { وما يستوي الأعمى والبصير } { ولا الظلمات ولا النور } { ولا الظل ولا الحرور } { وما يستوي الأحياء ولا الأموات } وقال تعالى : { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } وقال تعالى : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } .

وذلك أن هؤلاء جميعهم سبقت لهم عند الله السوابق وكتب الله مقاديرهم قبل أن يخلقهم وهم مع هذا قد انقسموا إلى سعيد بالإيمان والعمل الصالح وإلى شقي بالكفر والفسق والعصيان فعلم بذلك أن القضاء والقدر ليس بحجة لأحد على معاصي الله . ( الوجه الرابع ) : أن القدر نؤمن به ولا نحتج به فمن احتج بالقدر فحجته داحضة ومن اعتذر بالقدر فعذره غير مقبول ولو كان الاحتجاج مقبولا لقبل من إبليس وغيره من العصاة ولو كان القدر حجة للعباد لم يعذب أحد من الخلق لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولو كان القدر حجة لم تقطع يد [ ص: 265 ] سارق ولا قتل قاتل ولا أقيم حد على ذي جريمة ولا جوهد في سبيل الله ولا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر .

(
الوجه الخامس ) : أن النبي سئل عن هذا فإنه قال : { ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار فقيل : يا رسول الله أفلا ندع العمل ، ونتكل على الكتاب ؟ قال : لا ، اعملوا فكل ميسر لما خلق له } . رواه البخاري ومسلم . وفي حديث آخر في الصحيح { أنه قيل : يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس فيه ويكدحون أفيما جفت به الأقلام وطويت به الصحف ؟ أم فيما يستأنفون مما جاءهم به ؟ - أو كما قيل - فقال : بل فيما جفت به الأقلام وطويت به الصحف فقيل ففيم العمل ؟ فقال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له } .

(
الوجه السادس ) : أن يقال : إن الله علم الأمور وكتبها على ما هي عليه ; فهو سبحانه قد كتب أن فلانا يؤمن ويعمل صالحا فيدخل الجنة وفلانا يعصي ويفسق فيدخل النار ; كما علم وكتب أن فلانا يتزوج امرأة ويطؤها فيأتيه ولد وأن فلانا يأكل ويشرب فيشبع ، ويروى وأن فلانا يبذر البذر فينبت الزرع . فمن قال : إن كنت من أهل الجنة فأنا أدخلها بلا عمل صالح كان قوله قولا باطلا متناقضا ; لأنه علم أنه يدخل الجنة بعمله الصالح فلو دخلها بلا عمل كان هذا مناقضا لما علمه الله وقدره . [ ص: 266 ]

ومثال ذلك من يقول : أنا لا أطأ امرأة فإن كان قد قضى الله لي بولد فهو يولد فهذا جاهل فإن الله إذا قضى بالولد قضى أن أباه يطأ امرأة فتحبل فتلد ، وأما الولد بلا حبل ولا وطء فإن الله لم يقدره ولم يكتبه كذلك الجنة إنما أعدها الله للمؤمنين فمن ظن أنه يدخل الجنة بلا إيمان كان ظنه باطلا وإذا اعتقد أن الأعمال التي أمر الله بها لا يحتاج إليها ولا فرق بين أن يعملها أو لا يعملها كان كافرا والله قد حرم الجنة على الكافرين فهذا الاعتقاد يناقض الإيمان الذي لا يدخل صاحبه النار .

( فصل ) وأما قوله تعالى { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } فمن سبقت له من الله الحسنى : فلا بد أن يصير مؤمنا تقيا فمن لم يكن من المؤمنين لم يسبق له من الله حسنى ولكن إذا سبقت للعبد من الله سابقة استعمله بالعمل الذي يصل به إلى تلك السابقة كمن سبق له من الله أن يولد له ولد .

فلا بد أن يطأ امرأة يحبلها فإن الله سبحانه قدر الأسباب والمسببات فسبق منه هذا وهذا ; فمن ظن أن أحدا سبق له من الله حسنى بلا سبب فقد ضل بل هو سبحانه ميسر الأسباب والمسببات وهو قد قدر فيما مضى هذا وهذا .



. والله قد أثبت للعبد مشيئة وفعلا . كما قال تعالى : { لمن شاء منكم أن يستقيم } { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } وقال : { جزاء بما كانوا يعملون } لكن الله سبحانه خالقه وخالق كل ما فيه من قدرة ومشيئة وعمل فإنه لا رب غيره ولا إله سواه وهو خالق كل شيء وربه ومليكه
الحاشية رقم: 3
[ ص: 267 ] ( فصل ) وأما قول القائل : ما لنا في جميع أفعالنا قدرة فقد كذب فإن الله سبحانه فرق بين المستطيع القادر وغير المستطيع فقال : { فاتقوا الله ما استطعتم } وقال : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } وقال تعالى : { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة }

. والله قد أثبت للعبد مشيئة وفعلا . كما قال تعالى : { لمن شاء منكم أن يستقيم } { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } وقال : { جزاء بما كانوا يعملون } لكن الله سبحانه خالقه وخالق كل ما فيه من قدرة ومشيئة وعمل فإنه لا رب غيره ولا إله سواه وهو خالق كل شيء وربه ومليكه
الحاشية رقم: 4
[ ص: 268 ] ( فصل ) وأما قول القائل : الزنا وغيره من المعاصي مكتوب علينا ; فهو كلام صحيح لكن هذا لا ينفعه الاحتجاج به ; فإن الله كتب أفعال العباد خيرها وشرها وكتب ما يصيرون إليه من الشقاوة والسعادة .

وجعل الأعمال سببا للثواب والعقاب وكتب ذلك كما كتب الأمراض وجعلها سببا للموت وكما كتب أكل السم وجعله سببا للمرض والموت فمن أكل السم فإنه يمرض أو يموت . والله قدر وكتب هذا وهذا ; كذلك من فعل ما نهي عنه من الكفر والفسق والعصيان فإنه يعمل ما كتب عليه وهو مستحق لما كتبه الله من الجزاء لمن عمل ذلك .

وحجة هؤلاء بالقدر على المعاصي من جنس حجة المشركين الذين قال الله عنهم : { وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم } وقال تعالى : { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } قال الله تعالى : { كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون } { قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين } .
الحاشية رقم: 5
[ ص: 269 ] ( فصل ) ومن قال : إن آدم ما عصى فهو مكذب للقرآن ويستتاب فإن تاب وإلا قتل ; فإن الله قال : { وعصى آدم ربه فغوى } والمعصية : هي مخالفة الأمر الشرعي فمن خالف أمر الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه فقد عصى وإن كان داخلا فيما قدره الله وقضاه وهؤلاء ظنوا أن المعصية هي الخروج عن قدر الله وهذا لا يمكن فإن أحدا من المخلوقات لا يخرج عن قدر الله فإن لم تكن المعصية إلا هذا فلا يكون إبليس وفرعون وقوم نوح وعاد وثمود وجميع الكفار عصاة أيضا ; لأنهم داخلون في قدر الله ثم قائل هذا يضرب ويهان وإذا تظلم ممن فعل هذا به قيل له : هذا الذي فعل هذا ليس بعاص فإنه داخل في قدر الله كسائر الخلق وقائل هذا القول متناقض لا يثبت على حال .

http://library.islamweb.net/newlibr...D=491&idfrom=833&idto=839&bookid=22&startno=1
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: هل شاء الله كوناً أن يعصيه إبليس ؟

ذكر أقوال ابن تيمية وابن القيم تحديداً وغيره من العلماء في هذه القضية


القضاء والقدر للبيهقي:
أَنَّهُ يُرِيدُ هُدَى مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ سَعَادَتُهُ، وَإِضْلَالَ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ شَقَاوَتُهُ، فَلَا يُرِيدُ خِلَافَ مَا عَلِمَ، وَلَا يَكُونُ خِلَافُ مَا يُرِيدُ
http://shamela.ws/browse.php/book-13053#page-135
 

محمد بن عبدالله بن محمد

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
15 مايو 2008
المشاركات
1,245
الإقامة
المملكة العربية السعودية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو منذر
التخصص
اللغة العربية
الدولة
المملكة العربية السعودية
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: هل شاء الله كوناً أن يعصيه إبليس ؟

هذا العنوان مبحث عقدي
وهذا المنتدى مخصص للدراسات الفقهية



##### أحسنتم يا شيخ محمد #####
##### الموضوع مغلق؛ المرجو تجنب الموضوعات المخالفة لسياسة الملتقى #####

##### إدارة الملتقى #####

 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى