العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ندوة مناسك الحج 1429هـ، الحلقة (1): معالم في فقه الحج

إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
معالم في فقه الحج


بسم الله الرحمن الرحيم


والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

ففي كل عام ومع إقبال موسم الحج يبدأ نوع من الحراك العلمي في الأوساط العلمية على كافة مستوياتها، ويكثر الأخذ والرد في الحج وأحكامه، والمتأمل في هذه الحركة العلمية يلحظ فيها تعدد المدارس الفقهية المعاصرة من جهة نظرها إلى الحج وأحكامه، فمن المدارس ما يجنح إلى التزام حرفية النص الشرعي مع إغفال للنظر المقاصدي في مقاصد الشارع من فرضية الحج ومشاعره، فيقع عن هذا في أحيان كثيرة نفس من الشدة والانغلاق الفقهي تحت مسمى تعظيم شعائر الله، وحفظ قداسة النصوص الشرعية.
وفي المقابل نرى طائفة أخرى من أهل العلم قد قصدت إلى الإيغال في اعتبار المقاصد الشرعية، والحكم والمعاني الاستنباطية مع بعد أو تباعد عن مقام اعتبار النصوص الشرعية، واعتبار العمل الأول، كل هذا تحت مسمى فقه التيسير ورفع الحرج، حتى إنك لترى طائفة من هؤلاء يقصد إلى رفع حرج متوهم لديه فإذا به يقع ويوقع الناس فيما هو من صريح الحرج من جهة مخالفة ظاهر النصوص الشرعية.
وتحت هذا التطرف من الجانبين كان من الواجب على أهل العلم ومن له عناية به إلى القصد إلى وسط من القول فيه جمع بين اعتبار مقام النص الشرعي، واعتبار مقاصد الشارع الحكيم في هذا الباب، ورغبة في إثراء هذا الموضوع من قبل إخواني طلبة العلم أضع جملة من المعالم في هذا الموضوع وأرجو أن يتم تداولها ونقاشها بين الأخوة في الموقع بقدر المستطاع:
أولا: ينبغي أن يعلم أن الشريعة الإسلامية في جميع صورها هي مقام من التكليف الشرعي الذي يقصد منه إخراج المكلف من داعية هواه إلى داعية الشرع وسياج الملة، ويهدف منه إلى الوصول إلى رضا الله عز وجل والدار الآخرة.
ثانيا: إذا تقرر ما سبق فينبغي أن يعلم أن التكليف لا يخلو من مشقة، وهذا فرع عن المعنى اللغوي للتكليف وهذا أمر مدرك عند كل من له عناية بالعلم الشرعي، وهذه المشقة داخلة في وسع عامة المكلفين وهي جزء من ماهية التكليف الشرعي، قال تعالى: ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها﴾.
ثالثا: إذا علم أن قدرا من المشقة هو من ماهية التكليف الشرعي من حيث الأصل فينبغي التفريق بين المشقة التي هي من ماهية التكليف والتي لم يقصد الشارع إلى إسقاطها، وبين المشقة الزائدة على هذا الحد التي توجب نوعا من الترخص والتيسير سواء كانت هذه الرخصة أو التيسير مما جاءت الشريعة به كالقصر، والجمع ونحوه، أو كانت رخصة فقيه يقصد إليها المجتهد مراعاة لحالة معين من الناس، أو عامة من الناس في زمن أو حال معين.
رابعا: إن المشقة في مناسك الحج ليست وليدة الساعة الحاضرة فإن المتأمل في حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يرى أن قدرا من المشقة حادث وواقع لهم عند أداء مناسكهم، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب عائشة رضي الله عنها ويقول: (ولكنها على قدر نصبك)، بل إن قدرا من تلك المشقة لو عرض للبعض الآن لكان عندهم من أوجب دواعي الترخص والتيسير.
خامسا: إن المراقب لمناسك الحج ومن له ممارسة لذلك ليعلم أن كثيرا من المشاق التي تعرض للحجاج هي فرع عن الجهل بالأحكام الشرعية وطلب تحقيق أمر مفضول يعارضه ما هو أفضل منه، فقبل أن يصار إلى البحث عن الرخصة لا بد من توعية الناس بمثل هذه الأخطاء التي هي من مجالب المشقة.
سادسا: إن المتأمل في مناسك الحج خاصة يرى أن عامة مناسك الحج يظهر فيها نوع من قصد التعبد لله عز وجل وتعظيم شعائره، وإقامة ذكره فيقوى فيها معنى التعبد ويقصر فيها معنى التعليل، ومما يشهد لذلك -وإن كان فيه مقال- ما أخرجه أبو داود في سننه من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا: إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله.
سابعا: هل المعتبر في مناسك الحج ذات المشاعر وأماكنها دون مراعاة لجانب التعبد وقصد إقامة ذكر الله ودون اعتبار للمشقة الزائدة عن أصل التكليف، أم المعتبر مراعاة جانب التعبد وإقامة ذكر الله ولو حصل عن ذلك نوع توسع في اعبتار الجانب المكاني للمشاعر والمناسك؟
ثامنا: الحج عبادة مؤقتة بزمان ومكان معينين أشبهت الصلاة فالأصل أن لا يصار إلى تجاوز هذه المواقيت الزمانية والمكانية إلا بدليل صريح أو نظر معتبر في نصوص الشريعة.
تاسعا: من أعظم الحكم والمقاصد التشريعية في الحج تحقيق الوحدة الإسلامية بين عموم المسلمين فلا فرق في الحج بين الغني والفقيرة والحر والعبد في لباسهم ولا في حلهم أو ترحالهم بين المناسك، فعند الكلام في فقه الحج ينبغي أن يكون الناظر في هذا الباب على قدر من استحضار هذا المعنى فقد يصار إلى مرجوح من القول فيه إبقاء على وحدة المسلمين في حجهم ومناسكهم دون راجح من القول قد يخل بهذا المقصد الكلي من مقاصد الحج.
عاشرا: لا بد للناظر في فقه الشريعة سواء في ذلك الحج أو غيره من أن يحاول الانفكاك ما استطاع عن أثر النفس وما يتجاذبه من الطبائع الخاصة من شدة وقوة نفس تجنح إلى طلب للعزيمة، أو ركون إلى الدعة ولين الفعل والقول تجنح منه إلى طلب الرخصة دون العزيمة، بل يكون المتكلم في هذا الباب مستحضرا السعي لما فيه صلاح جمهور المسلمين بغض النظر عما يصلح خاصة نفسه، قال الشاطبي: ((المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال )).
الحادي عشر: هنا دعوة صادقة إلى أن يميز أهل العلم ومن له قول في الشريعة بين الصدور في الآراء الفقهية عن أثر من ضغط الواقع وما تطلبه الجماهير، وبين فقه الواقع الذي يكون أثرا عن النظر في المفاسد والمصالح وما يترتب عن القول من سعة أو إغلاق، فالأول ولا شك يجعل المفتي أشبه ما يكون بورقة في مهب الريح تحركها الضغوط والجماهير حيث شاءت، وعن الثاني يكون المفتي صاحب رسوخ وبعد نظر فيما يأتي أو يذر.
الثاني عشر: من فقه الواقع عند الكلام في مناسك الحج أن يعلم أن تغير أحوال الناس من عام إلى عام لا سيما من جهة كثرة الزحام وتجدد النوازل والمشاق تحتاج من علماء الشريعة إلى رخصة الفقيه التي لا يحسنها كل أحد، أما أن يصير الحج مرتعا لتتبع الرخص واتخاذ ذلك منهجا يصار إليه في مسائل الحج بحيث يجعل من الرخص غاية يسعى الناظر إلى تحصيلها بغض النظر عن احتمال النصوص الشرعية لها، ودون مراعاة لمقام تحقيق السنة وتمام الاتباع، فمثل هذا فقه قاصر عن الكمال في هذا الباب.
الثالث عشر: الحج شعيرة مفروضة على عموم المسلمين فالقول فيها ليس حكرا على أحد دون أحد ولا مصر دون مصر، فكل من أوتي آلة الاجتهاد والقول في الشريعة فهو حقيق أن يتكلم بما يدين الله به في هذا الباب، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
الرابع عشر: إن المتأمل في كثير من رخص الحج التي قال بها كثير من أهل العلم يرى أنها كانت في السابق محل رد وإنكار من أهل العلم فإذا بها اليوم أصبحت من المسلمات الجائزة، ولا أدل على ذلك من الرمي ليلا، والرمي قبل الزوال، وعدم لزوم المبيت لمن لم يجد مكانا في منى، إلى غير ذلك من الأحكام فعن هذا لا أرى أن يتسرع القائل في هذا الباب إلى رد بعض الأقوال الحادثة التي لها أصل في كلام أهل العلم ولها قدر من حسن النظر قبل النظر في عواقب ذلك القول ومدى حاجة الناس له، حتى لا تكون أفعالنا وأقوالنا مجرد ردود أفعال تتبخر مع مضى الزمن فإذا ما أنكرناه زمنا وأولعنا برده جزء مما نقرره وندرسه.
الخامس عشر: إن شعيرة الحج وما يحتف بها من مستجدات ونوازل لا بد لها من نظر مجمعي فقهي يحصل به ضبط لعامة المسلمين، وإني لأعجب من لقاءات ومؤتمرات تقام لها الدنيا من أجل نازلة في فروع المعاملات ونحوها، وتبقى أمور لها تعلق بركن من أركان الإسلام تحت النظر الفردي من أحاد أهل العلم دون تعرض مجمعي لها ولا أدل على ذلك من مسألة توسعة المسعى وما دار حولها من المضحكات المبكيات.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك الله فيك وجزاك الله خيراً.
طرح رائع، ولغة راقية، وتوازن حسن بين اعتبار القواعد الأصولية والالتفات إلى الاعتبارات المقاصدية.
أسأل الله عز وجل لك التوفيق في الدارين، وأن يجعلك مباركاً أينما كنت.
 
أعلى