العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جديد طوق الدلالة في تشفير طوق الحمامة

إنضم
2 يونيو 2009
المشاركات
77
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه - أعلام الغرب الإسلامي
الدولة
المملكة المغربية
المدينة
مراكش
المذهب الفقهي
مالكي
يعتبر جمع من الدارسين "طوق الحمامة" رسالة في تحليل نفوس الناس وطباعهم، مع أن ابن حزم يقول في صدر هذه الرسالة: «وكلفتني أعزك الله أن أصنف لك رسالة في صفة الحب وأسبابه وأعراضه وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة»[الطوق]. لكنه اختار لها كعنوان "طوق الحمامة في الألفة والألاَّف". فلماذا اختار هذا الاسم؟تستعمل في الأدب العربي بعض المركبات (مضاف ومضاف إليه) للدلالة على أمر بعينه وهي تختصر المعنى وتوصل الفكرة التي يدور حولها النص، مثل: "ناقة صالح"، "عصا موسى"، "هدهد سليمان"، "قميص عثمان"، "زرقاء اليمامة"..أما الحمامة فقد استعملت في صيغتين هما: "حمامة نوح" و"طوق الحمامة"؛ فالصيغة الأولى كناية على البشرى والنجاة فقد انتدب نوح عليه السلام الحمامة للتأكد من أن الماء قد غيض بعد الطوفان، والصيغة الثانية كناية لما يلزم ولا يبرح يقيم ويستديم؛ يقال: طوق أي قلد تقليدا مستديما. من هنا يتبين أن أهداف الرسالة ومضامينها تتجاوز الأهداف المعلنة التي كلفه بها صديقه، خاصة وأن مضمون مصطلح "الألفة والألاف" أعم من "الحب".ويزيد الثعالبي توضيحا لدلالة الطوق مبينا أن الحمامة إنما أعطيت الطوق للطاعة التي أظهرتها لنوح عليه السلام بعدما عصى الغراب أمره من قبل.وكأني بابن حزم يبين بأن التآلف بين مختلف مكونات المجتمع الأندلسي وحسن الطاعة لأولي الأمر هو طوق النجاة من الفتنة التي ألمت بالأندلس. ويزكي هذا أمور منها":1) تخصيصه شيئا من وقته الذي كرسه للمنافحة عن الدين وصرف حياته في السجالات والمناظرات الفقهية والأصولية العنيفة لهذا الموضوع مما يستوقف النظر؛ ليدل على أن قصده من هذه الرسالة ديني محض؛ وهو إصلاح أحوال الناس وتخليتهم مم هم فيه من اختلاف وتنافر وصراع على الدنيا.2) حتى وإن سلمنا بظاهر عنوان الرسالة؛ فإن ابن حزم قد عالج موضوع الحب والمحبين بنظرة مغايرة عن الشائع في المجتمع الأندلسي، وهو بعد ذلك يؤكد «يعلم الله أني بريء الساحة، سليم الأديم صحيح البشرة نقي الحجرة، وإني أقسم بالله أجل الأقسام ما حللت مئزري على فرج حرام قط»[الطوق]؛ إن امرء على هذه الحال إنما اندفع إلى هذا الموضوع لوجود حوافز أخرى للتأليف وإن كانت تسلية الصديق شرارته الأولى. 3) تاريخ تأليف هذه الرسالة كان في غمار الفتنة والمحنة التي تمر بها الأندلس والتي كانت أيامها «كلها شدادا نكدات، صعابا مشؤمات، كريهات المبدأ والفاتحة، قبيحة المنتهى والخاتمة لم يعدم فيها حيف، ولا فورق خوف ولا تم سرور». فكيف أثناء ذلك يجد ابن حزم وقتا للتسلية بهذا الموضوع؟!4) يلاحظ من خلال الرسالة أن ابن حزم ينتقل من تسلية صديقه إلى تعزية نفسه فيرسم صورة سيكولوجية لواقع الأندلسيين الذين «خبر نفسياتهم وأدرك مدى سيطرة "الحب" على نفوسهم» [الطوق]؛ فأصبحت الرسالة مرصدا لحركات النفوس والعلاقات الاجتماعية لتغيير ومداواة النفوس التي أفسدتها الملذات والمعاصي.5) ختم ابن حزم رسالة "الطوق" بخاتمة أخلاقية حذر فيها من المعصية وحض على العفة في فصلين متعاقبين حاشدا لذلك –سيرا على منهجه– نصوص الكتاب والسنة ومن أشعار الزهد والإحصان والبعد عن الرذيلة.ونخلص إلى القول أن ابن حزم قد انتبه إلى أن "مصطلح الطاعة" ومفهومه في المجتمع الأندلسي الذي تحيط به "المحنة والفتنة" من كل جانب، قد وظفت سياسيا في غير معناها، وعليه فإن معالجته "لمفهوم الطاعة" في الطوق هي محاولة منه للفت الانتباه إلى أن هذا المصطلح "مشحون بالبعد السياسي" تمهيدا منه لتصحيح مفهومه وتقييده في المؤلفات الأصولية.
 
أعلى