العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

منقول لا يرتقي في علم التفسير إلا من كان متبحرا في علم اللسان - أثير الدين الأندلسي

عصام أحمد الكردي

:: متفاعل ::
إنضم
13 فبراير 2012
المشاركات
430
الإقامة
الأردن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو يونس
التخصص
عابد لله
الدولة
الأردن
المدينة
الزرقاء
المذهب الفقهي
ملة إبرهيم حنيفا
لا يرتقي في علم التفسير إلا من كان متبحرا في علم اللسان - أثير الدين الأندلسي
فهذه سبعة وجوه لا ينبغي أن يقدم على تفسير كتاب الله إلا من أحاط بجملة غالبها من كل وجه منها ، ومع ذلك فاعلم أنه لا يرتقي من علم التفسير ذروته ولا يمتطي منه صهوته إلا من كان متبحرا في علم اللسان ، مترقيا منه إلى رتبة الإحسان ، قد جبل طبعه على إنشاء النثر والنظم دون اكتساب وإبداء ما اخترعته فكرته السليمة في أبدع صورة وأجمل جلباب ، واستفرغ في ذلك زمانه النفيس ، وهجر الأهل والولد والأنيس ، ذلك الذي له في رياضه أصفى مرتع ، وفي حياضه أصفى مكرع ، يتنسم عرف أزاهر طالما حجبتها الكمام ، ويترشف كئوس رحيق له المسك ختام ، ويستوضح أنوار بدور سترتها كثائف الغمام ، ويستفتح أبواب مواهب الملك العلام ، يدرك إعجاز القرآن بالوجدان لا بالتقليد وينفتح له ما استغلق إذ بيده الإقليد ، وأما من اقتصر على غير هذا من العلوم أو قصر في إنشاء المنثور والمنظوم ، فإنه بمعزل عن فهم غوامض الكتاب وعن إدراك لطائف ما تضمنه من العجب العجاب ، وحظه من علم التفسير إنما هو نقل أسطار وتكرار محفوظ على مر الأعصار . ولتباين أهل الإسلام في إدراك فصاحة الكلام وما به تكون الزجاجة في النظام ، اختلفوا فيما به إعجاز القرآن ، فمن توغل في أساليب الفصاحة وأفانينها وتوقل في معارف الآداب وقوانينها ، أدرك بالوجدان أن القرآن أتى في غاية من الفصاحة لا يوصل إليها ، ونهاية من البلاغة لا يمكن أن يحام عليها ، فمعارضته عنده غير ممكنة للبشر ، ولا داخلة تحت القدر ، ومن لم يدرك هذا المدرك ولا سلك هذا المسلك رأى أنه من نمط كلام العرب ، وأن مثله مقدور لمنشئ الخطب ، فإعجازه عنده إنما هو بصرف الله - تعالى - إياهم عن معارضته ومناضلته وإن كانوا قادرين على مماثلته . والقائلون بأن الإعجاز وقع بالصرف هم من نقصان الفطرة الإنسانية في رتبة بعض النساء حين رأت زوجها يطأ جارية فعاتبته فأخبر أنه ما وطئها ، فقالت له : إن كنت صادقا فاقرأ شيئا من القرآن ، فأنشدها بيت شعر قاله ، ذكر الله فيه ورسوله وكتابه ، فصدقته فلم ترزق من الرزق ما تفرق به بين كلام الخلق وكلام الحق .

(
وحكى ) لنا أستاذنا العلامة أبو جعفر - رحمه الله تعالى - عن بعض من كان له معرفة بالعلوم القديمة ومعرفة بكثير من العلوم الإسلامية أنه كان يقول له : يا أبا جعفر لا أدرك فرقا بين القرآن وبين غيره من الكلام ، فهذا الرجل وأمثاله من علماء المسلمين يكون من الطائفة الذين يقولون بأن الإعجاز وقع بالصرفة ، وكان بعض شيوخنا ممن له تحقق بالمعقول وتصرف في كثير من المنقول ، إذا أراد أن يكتب فقرأ فصيحة أتى لبعض تلامذته وكلفه أن ينشئها له ، وكان بعض شيوخنا ممن له التبحر في علم لغة العرب إذا أسقط من بيت الشعر كلمة أو ربع البيت ، وكان المعين بدون ما أسقط ، لا يدرك ما أسقط من ذلك ، وأين هذا في الإدراك من آخر إذا حركت له مسكنا أو سكنت له محركا في بيت أدرك ذلك بالطبع وقال إن هذا البيت مكسور ، ويدرك ذلك في أشعار العرب الفصحاء إذا كان فيه زحاف ما وإن كان جائزا في كلام العرب ، لكن يجد مثل هذا طبعه ينبو عنه ويقلق لسماعه ، ( هذا ) وإن كان لا يفهم معنى البيت لكونه حوشي اللغات أو منطويا على حوشي ، فهذه كلها من مواهب الله - تعالى - لا تؤخذ باكتساب ، لكن الاكتساب يقويها ، وليس العرب متساوين في الفصاحة ولا في إدراك المعاني ولا في نظم الشعر ، بل فيه من يكسر الوزن ومن لا ينظم ولا بيتا واحدا ومن هو مقل من النظم ، وطباعهم كطباع سائر الأمم في ذلك حتى فحول شعرائهم يتفاوتون في الفصاحة وينقح الشاعر منهم القصيدة حولا حتى يسمى قصايد الحوليات ، فهم مختلفون في ذلك ، وكذلك كان بعض الكفار حين سمع القرآن أدرك إعجازه للوقت فوفق وأسلم ، وآخر أدرك إعجازه فكفر ولج في عناده بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فنسبه تارة إلى الشعر وتارة إلى الكهانة والسحر ، وآخر لم يدرك إعجاز القرآن كتلك المرأة العربية التي قدمنا ذكرها وكحال أكثر الناس فإنهم لا يدركون إعجاز القرآن من جهة الفصاحة . فمن أدرك إعجازه فوفق وأسلم بأول سماع سمعه أبو ذر - رضي الله عنه - قرأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أوائل فصلت آيات فأسلم للوقت ، وخبره في إسلامه مشهور ، وممن أدرك إعجازه وكفر عنادا عتبة بن ربيعة ، وكان من عقلاء الكفار ، حتى كان يتوهم أمية بن الصلت أنه هو ، يعني عتبة ، يكون النبي المنبعث في قريش ، فلما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - حسده عتبة وأضرابه مع علمهم بصدقه وأن ما جاء به معجز ، وكذلك الوليد بن المغيرة روي عنه أنه قال لبني مخزوم : والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو وما يعلى ، ومع هذا الاعتراف غلب عليه الحسد والأشر حتى قال : ما حكى الله عنه ، ( إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر ) . وممن لم يدرك إعجازه أو أدرك وعاند وعارض مسيلمة الكذاب ، أتى بكلمات زعم أنها أوحيت إليه ، انتهت في الفهاهة والعي والغثاثة بحيث صارت هزأة للسامع ، وكذلك أبو الطيب المتنبي ، وقد ذكر القاضي أبو بكر محمد بن أبي الطيب الباقلاني في كتاب الانتصار في إعجاز القرآن شيئا من كلام أبي الطيب مما هو كفر ، وذكر لنا قاضي القضاة أبو الفتح محمد بن علي بن وهب القشيري أن أبا الطيب ادعى النبوة واتبعه ناس من عبس وكلب ، وأنه اختلق شيئا ادعى أنه أوحي إليه به سورا سماها العبر ، وأن شعره لا يناسبها لجودة أكثره ورداءتها كلها ، أو كلاما هذا معناه . وإنما أتينا بهذه الجملة من الكلام ليعلم أن أذهان الناس مختلفة في الإدراك على ما شاء الله - تعالى - وأعطى كل أحد ، ( ولنبين ) أن علم التفسير ليس متوقفا على علم النحو فقط كما يظنه بعض الناس ، بل أكثر أئمة العربية هم بمعزل عن التصرف في الفصاحة والتفنن في البلاغة ولذلك قلت تصانيفهم في علم التفسير ، وقل أن ترى نحويا بارعا في النظم والنثر ، كما قل أن ترى بارعا في الفصاحة يتوغل في علم النحو ، وقد رأينا من ينسب للإمامة في علم النحو وهو لا يحسن أن ينطق بأبيات من أشعار العرب فضلا عن أن يعرف مدلولها أو يتكلم على ما انطوت عليه من علم البلاغة والبيان ، فأنى لمثل هذا أن يتعاطى علم التفسير . ولله در أبي القاسم الزمخشري حيث قال في خطبة كتابه في التفسير ما نصه : إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح ، وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح ، من غرائب نكت يلطف مسلكها ، ومستودعات أسرار يدق مسلكها ، علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه ، كل ذي علم كما ذكر الجاحظ في كتاب نظم القرآن ، فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام ، والمتكلم وإن بز أهل الدنيا في صناعة الكلام ، وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرية أحفظ ، والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ ، والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه ، واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه ، لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق ، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن ، وهما المعاني وعلم البيان ، وتمهل في ارتيادهما آونة ، وتعب في التنقير عنهما أزمنة ، وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله وحرص على استيضاح معجزة رسول الله ، بعد أن يكون آخذا من سائر العلوم بحظ ، جامعا بين أمرين تحقيق وحفظ ، كثير المطالعات ، طويل المراجعات ، قد رجع زمانا ورجع إليه ، ورد ورد عليه ، فارسا في علم الإعراب ، مقدما في جملة الكتاب ، وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها ، مشتعل القريحة وقادها ، يقظان النفس دراكا للمحجة وإن لطف شأنها ، منتبها على الرمزة وإن خفي مكانها ، لا كزا جاسيا ، ولا غليظا جافيا ، متصرفا ذا دربة بأساليب النظم والنثر ، مرتاضا غير ريض بتلقيح نبات الفكر ، قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف ، وكيف ينظم ويرصف ، طالما دفع إلى مضايقه ، ووقع في مداحضه ومزالقه . انتهى كلام الزمخشري في وصف متعاطي تفسير القرآن ، وأنت ترى هذا الكلام وما احتوى عليه من الترصيف الذي يبهر بجنسه الأدباء ، ويقهر بفصاحته البلغاء ، وهو شاهد له بأهليته للنظر في تفسير القرآن ، واستخراج لطائف الفرقان .

المصدر: منتديات التفوق - من قسم: علوم القران الكريم Quran sciences
 

عصام أحمد الكردي

:: متفاعل ::
إنضم
13 فبراير 2012
المشاركات
430
الإقامة
الأردن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو يونس
التخصص
عابد لله
الدولة
الأردن
المدينة
الزرقاء
المذهب الفقهي
ملة إبرهيم حنيفا
رد: لا يرتقي في علم التفسير إلا من كان متبحرا في علم اللسان - أثير الدين الأندلسي

علم اللسان” في المفهوم العربي، قراءة في نصّيـن تراثيـّين:
ستستند هذه المقاربة إلى نصّين من التراث العربي، لكل من الفارابي وابن خلدون، وستقف من خلالهما على تداول مصطلح (علم اللسان) في التراث العربي، وعلى مدلوله. وتجتهد في التقريب بينه و بين المفهوم الغربي الحديث الذي مرّ بنا في المبحث السابق.
أ‌- النص الأول:
ذكر الفارابي في (إحصاء العلوم) قوله: “علم اللسان ضربان: أحدهما حفظ الألفاظ الدالة عند أمة ما وعلى ما يدل عليه شيء منها. والثاني قوانين تلك الألفاظ.
وعلم اللسان عند كل أمة ينقسم سبعة أجزاء عظمى: علم الألفاظ المفردة، علم الألفاظ المركبة، علم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة، وقوانين الألفاظ عندما تركّب, وقوانين تصحيح الكتابة، وقوانين تصحيح القراءة وقوانين تصحيح الأشعار.”10.
لعل هذا من النصوص النادرة في التراث العربي، التي تعرض بصورة صريحة مصطلح ” علم اللسان”، بهذا التفصيل. وقبل أن يتناول الفارابي أقسام علم اللسان، يحدّد مـجاليْه الواسعين اللذين تنضوي تحتهما كل الأقسام التي يفصلها بعد ذلك؛ فعلم اللسان ضربان واسعان:
أ-1- حفظ الألفاظ الدالة عند أمة ما وما يدل عليه شيء منها؛ أي معرفة الجانب المادّي للغة والإحاطة بثروتها اللفظية، دوالها ومدلولاتها. ويمكن أن نجمل هذا الضرب الأول في دراسة اللغة، في: مادة اللغة أو بنيتها.
أ-2- معرفة قوانين الألفاظ في لغة ما؛ أي الإحاطة بنظام اللغة وقوانينها الصوتية، الصرفية، النحوية والدلالية. ويلخّص هذان الضربان طبيعة اللغة البشرية في أنها مادّة ونظام، وعلى عالم اللسان الإحاطة بمعرفة المادّة (الدّوالّ والمدلولات) ومعرفة النظام (القواعد والقوانين).
هذا من حيث طبيعة العلم (علم اللسان)، وما الذي ينبغي أن يحيط به. ثم ينتقل الفارابي بعد ذلك إلى تحديد العلوم الفرعية التي تُدرَج ضمن علم اللسان، بضربيْه المذكورين، ويجعلها سبعة علوم عظمى.
وقبل تفصيل هذه العلوم، ينبغي الإشارة إلى ما في قوله (وعلم اللسان عند كل أمة) من دلالة على عالمية العلم وشموله كلّ ما يميز اللغة البشرية، وهو في هذا المنطلق لا يختلف عما قامت عليه اللسانيات
الحديثة من تعميم أسسها العلمية على مختلف اللغات البشرية، وبذلك كانت اللسانيات علما عامّا لا يخصّ لغةً بعينها، بقدر ما تقوم مفاهيمه على خصائص اللغة الإنسانية (البنية، النظام، العلامة، الدال والمدلول، الاستبدال والتوزيع …).
وكذلك، لا يجعل الفارابي أقسام علم اللسان المذكورة مقتصرة على لغة ما ولكنها أقسام (علمية) لا تخلو منها أي لغة :
أ – علم الألفاظ المفردة : هو علم يتناول دراسة الألفاظ مفردةً، فيقف على تحديد دلالتها الإفرادية ومجال استعمالها. ويمكن أنه يُصنّف –بحسب الضربين المذكورين- في الضرب الأول، كما أنه يمكن أن يقابل حديثا ما يعرف بـ (علم المفردات Lexicology).
ب – علم الألفاظ المركبة : يتناول دراسة الألفاظ مركبةً، فيقف على تحديد دلالتها التركيبية ومجالات استعمالها، وهو أيضا ينضوي ضمن الضرب الأول المتعلق بمعرفة الجانب المادّي للغة.
ويمكن أن يمثل مجموعُ القسم الأول (علم الألفاظ المفردة وعلم الألفاظ المركبة) ما يُعرف حديثا بـ (علم الدلالة / semantics)؛ حيث إنه يتناول دراسة المعنى دون تمييز بين معنى إفراديّ أو معنى تركيبي.
هذا فيما يتعلق بالأقسام التي تنضوي ضمن الضرب الأول، أما بقية الأقسام، فيبدو أنها ضمن الضرب الثاني جميعا، لاحتوائها على لفظ (قوانين)، نحو:
جـ – علم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة : والاختلاف بين هذا القسم والقسم السابق، في لفظ (قوانين)؛ حيث يجعلها ضمن معرفة النظام لا معرفة المادة، ويتناول هذا العلم قوانين بنية اللفظ المفرد وقواعده، ويقابله حديثا علم الصرف الذي يدرس بنية الكلمة دراسة إفرادية، فيقف على خصائصها الصرفية Morphology.
د- علم قوانين الألفاظ عندما تركّب: يتناول قواعد التراكيب ونظام ائتلاف الوحدات اللغوية فيما بينها، ويقابل حديثا علم التراكيب (syntax).
هـ- علم قوانين تصحيح الكتابة: موضوعه الكتابة ورسم الحروف والكلمات ونظام الخطّ في اللغة، وهو علم زهد فيه الناس اليوم، ولم يعد ذا أهمية ضمن مدوّنة العلوم اللغوية التي يُعنَون بها، و إن كانت الحاجة إلى معرفة قواعده لا تزال قائمة. ولعل من نتائج هذا الزهد في علم نظام الكتابة/ علم نظام الخطّ، ما نعيشه يوميا من هِنات كثيرة في رسم الهمز والتاء، ومواضع الألف، وحالات رسم بعض الكلمات،… و يشكو كثيرٌ من الناس –في العربية مثلا- قصورا في هذه المواضع، ولو كان هذا العلم قائما –في تقديري- إلى جانب علم الصّرف والنحو، لزالت معظم هذه المشكلات.
و- علم قوانين تصحيح القراءة: تشمل (القراءة) مختلف نواحي الأداء اللغوي والنطق بالأصوات. ولذلك يُقترح هذا العلم ليكون مقابلا لـ (علم الأصوات/ phonetics) حديثا، على ما في تسمية (قوانين تصحيح القراءة) من تجاوز للأداء الصوتي الموضوعي، إلى الأداء الفني والوظيفي للغة؛ فليس النطق مقصورا على الصوت وحده، بقدر ما هو نطق للغة وتمـثُّـلٌ لحالات دلالاتها المتعددة. و بذلك فالتسمية (قراءة) تكون أكثر إحالة على نطق اللغة وأدائها.
ح- قوانين تصحيح الأشعار: هو سابع أقسام علم اللسان عند الفارابي، وموضوعه تصحيح الأشعار، و لفظ (الأشعار) إحاليّ أيضا، مثل: لفظ (القراءة) في القسم السابق، ويمكن أن يشمل نظامَ كلِّ الأشكال الأدبية بفنونها المختلفة، وقواعد تحريرها؛ من قوانين الخطبة مثلا، إلى قوانين القصيدة، إلى قوانين المقامة، على القصة والرواية… ولعلّ في هذا القسم جانبا هامّا ينبغي الالتفات إليه، لأنه ينظر إلى النص الأدبي (الفني) نظرة متكاملة؛ حيث يميز بين جانبه الفني وجانبه العلمي أو التقني. ففي القصيدة مثلا جانب فني متعلق بالقريحة ومستوى التجربة وسَخاء الإلهام، وفيها أيضا جانب تقني/ علمي، ينبغي أن يحيط به الشاعر لينظم نصا جديرا بلقب “الشعر” و قمينا بالإحتفاء، وهذا الجانب العلمي كما يمكن أن يُوهب إلهاما، يمكن له أيضا أن يُتعلم ويُكتسب.
فالأدب -حسَب هذا القسم إذاً- علمٌ وفنّ؛ علمٌ من حيث قوانينه وقواعدُه، وفنّ من حيث معاينته وتجربته وخيالاته وتصويرُه.
وأقترح لهذا القسم تسمية علم (الصناعة الأدبية)، ويمكن أن يشمل علم العروض مثلا (في الشعر)، وعلم البلاغة بمختلف أقسامها، وكل ماله علاقة بقواعد صناعة الأدب.
ولعلّ هذا العلم أيضا يشكو زهد بعض الناس اليوم فيه، مثل (علم قوانين الكتابة). ومن نتائج هذا الزهد ضياع الكثير من الإمكانات البشرية الفنية في صناعة الأدب، فكم من موهبة أدبية أو تجربة فنية رائدة ضاعت في مدارج الرياح، لأننا لم نوفر لها سبيلا لمعرفة قوانين صياغة هذه التجربة، ونظام توجيه هذه الموهبة … و غير ذلك.
و إذا ما نظرنا إلى هذه الأقسام السبعة نظرة رأسية، يمكن أن نحدد منها أربعة أقسام، هي (علم الدلالة، علم التراكيب، علم الصرف، علم الصوت ) وهي مرتبة من الكل إلى الجزء أو من العامّ إلى الخاصّ – وهذا موافق لمنهجٍ من مناهج البحث في العلوم عند القدماء- والعلوم الأربعة هذه، هي ما يشكّلُ مفهوم (علم اللسان) الحديث عند (دي سوسير).
و يُضاف إليها في مفهوم (علم اللسان) عند الفارابي قسمان آخران، هما: علم قوانين الكتابة وعلم قوانين الصناعة الأدبية.

المصدر :
شَبَكَةُ ضِفَاف لِعُلومِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّة > ضفاف الدراسات العليا وعلوم اللغة والمكتبة > ضفة اللغويات الحديثة
علم اللسان” في المفهوم العربي، قراءة في نصّيـن تراثيـّين:
 
إنضم
14 مايو 2014
المشاركات
62
الكنية
ابو عبدالله
التخصص
شريعة اسلامية
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
لا يوجد
رد: لا يرتقي في علم التفسير إلا من كان متبحرا في علم اللسان - أثير الدين الأندلسي

جزاك الله خير اخوي موضوع قيم
 

عصام أحمد الكردي

:: متفاعل ::
إنضم
13 فبراير 2012
المشاركات
430
الإقامة
الأردن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو يونس
التخصص
عابد لله
الدولة
الأردن
المدينة
الزرقاء
المذهب الفقهي
ملة إبرهيم حنيفا
أعلى